النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

بعضا» (١) ، فالذى جاء ما هو مذكور من نصّ الحديث ، فيكون الفاعل ، لكنه جملة ، ولا يجوز أن يكون الفاعل أو نائبه جملة ، كما يرى جمهور النحاة (٢) ، لكن بعض النحاة يجيز ذلك ، ويستشهدون له بوروده فى قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [يوسف : ٣٥] ، حيث فاعل (بدا) يكمن فى جملة (ليسجننه) ، لكن النحاة يؤولون الفاعل على ثلاثة أوجه (٣) :

الوجه الأول : أن يكون الفاعل مصدرا مقدرا دلّ عليه الفعل العامل المذكور ، وهو (بدا) ، ويكون التقدير : بدا لهم بداء ، ويمثّل لذلك بقول الشاعر :

لعلّك والموعود حقّ لقاؤه

بدا لك فى تلك القلوص بداء (٤)

حيث ظهر فاعل (بدا) وهو (بداء). ويميل الكثيرون إلى هذا الوجه.

الوجه الثانى : أن يكون الفاعل ما دلّ عليه المعنى فى الجملة المذكورة التى قامت مقامه (٥) ، وهى (ليسجننه) أى : السجن.

الوجه الثالث : أن يكون الفاعل محذوفا ، وإن لم يكن موجودا فى اللفظ ما يقوم مقامه ، ويقدر من خلال السياق ، فيكون : ثم بدا لهم رأى.

__________________

(١) صحيح البخارى ٨ ـ ١٤.

(٢) ينظر : التسهيل ٧٧ / شرح الشذور ١٦ / الهمع ١ ـ ١٦٤.

(٣) ينظر : إملاء ما منّ به الرحمن ٢ ـ ٥٣ / البيان ٢ ـ ٤١ / شرح التصريح ١ ـ ٢٦٨.

(٤) الخصائص ١ ـ ٣٤٠ / شرح الشذور رقم ٧٦ ص ١٦٧ /. ينسب إلى محمد بشير الخارجى. (لعلك) لعلّ : حرف رجاء ونصب ناسخ مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (الموعود) : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (حق لقاؤه) حق : خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. لقاء : فاعل حق مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال. (بدا) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، منع من ظهورها التعذر. (لك) اللام : حرف مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المخاطب مبنى فى محل جر باللام. وشبه الجملة متعلقة ببدا. (فى تلك القلوص) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. تلك : اسم إشارة مبنى فى محل جر بفى. وشبه الجملة متعلقة ببدا. (القلوص) بدل أو عطف بيان ، وعلامة جره الكسرة. (بدا) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية بدا بداء فى محل رفع ، خبر لعل.

(٥) ينظر : الكتاب ٣ ـ ١١٠.

٢١

ومن ذلك قوله تعالى : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) [إبراهيم : ٤٥] ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة : ١١].

حيث ظاهر القول أن الجملة الاستفهامية (كيف فعلنا) هى الفاعل ، والجملة الفعلية المنهية (لا تفسدوا) هى النائب عن الفاعل. ولكنهما يؤولان على التأويلات السابقة.

ويجيز بعض النحاة ذلك مع أفعال القلوب إذا علّقت ، نحو قولك : ظهر لى أقام محمود أم علىّ؟

ظاهر القول أن جملة (أقام محمود أم على) هى الفاعل ، وعلى الأوجه السابقة يكون تقدير الفاعل واحدا من : ظهور ، أو : قيام ، أو : رأى ، أو أمر.

والآخر : أن يذكر فعل لا فاعل له مسبوق بجملة فعلية مكتملة الركنين ، ومصدر الفعل الأول يصح فى معناه فاعلا للفعل الثانى الذى يحتاج إلى فاعل ، يبدو ذلك فى قول الشاعر :

إذا اكتحلت عينى بعينك مسّها

بخير وجلّى غمرة من فؤاديا (١)

__________________

(١) ينظر : شرح ابن عصفور لجمل الزجاجى ١ ـ ١٥٧ / شرح القمولى على الكافية ٢٨٦ (تحقيق فتحية عطار).

(إذا) اسم شرط غير جازم مبنى فى محل نصب على الظرفية. مضاف إلى شرطه منصوب بجوابه.

(اكتحلت) فعل الشرط ماض مبنى على الفتح ، والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب.

(عينى) عين : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها مناسبة الكسرة لضمير المتكلم. وهو مضاف وضمير المتكلم مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (بعينك) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. عين : اسم مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة. وهو مضاف وضمير المخاطب الكاف ضمير مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. وشبه الجملة متعلقة بالاكتحال. (مسها) مس : فعل جواب الشرط ماض مبنى على الفتح. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو ، يعود على الاكتحال. وضمير الغائبة (ها) مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (بخير) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب.

خير : اسم مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة في محل نصب ، حال. أو متعلقة بحال محذوفة. (وجلى) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. جلى : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، منع من ظهوره التعذر. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (غمرة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (من فؤاديا) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. فؤاد : اسم مجرور بمن ، وعلامة جره الكسرة. وهو مضاف ، وضمير المتكلم مبنى في محل جر ، مضاف إليه. والألف للإطلاق حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. وشبه الجملة متعلقة بجلى.

٢٢

أى : مسّها الاكتحال ، ففاعل (مس) ضمير مستتر تقديره (هو) ، يعود على مصدر (اكتحل).

٩ ـ تركيب خاص بالفاعل (فعل+ ما+ فعل):

يوجد فى اللغة تراكيب فعلية تتكون من فعل يتلوه (ما) متلوة بفعل ، نحو : قلمّا تزورنى ، كثر ما أعطيتك كتابى ، طالما ألومك لهذا الفعل ، ويعتقد أن هذه الأفعال لا فاعل لها على احتساب أن (ما) قد كفّتها ، فلم تطلب فاعلا ، لكن الأمر غير ذلك ، فكلّ فعل لا بدّ له من فاعل ، وتؤول هذه التراكيب على النحو الآتى :

أ ـ أن يقدر (ما) حرفا مصدريّا ، فيكون مع ما بعده مصدرا مؤولا فى محل رفع ، فاعل ، ويكون التقدير : قل زيارتك ، كثر عطائى ، طال لومى لك. وهذا هو الرأى الأرجح.

ـ أن تقدر (ما) زمانية بمعنى (وقت) ، فتكون الفاعل ، والتقدير : قلّ وقت زيارتك لى فيه ، كثر وقت عطائى فيه ، كثر وقت لومى فيه ، فيقدر عائد محذوف.

ـ أن تقدر (ما) هى الفاعل ، ويكون ما بعدها صلتها.

ـ أن تقدر (ما) زائدة ، وما بعدها من اسم يكون فاعلا ، على أن يقدر ضمير مستتر فى الفعل الثانى ، فيكون التقدير : قللت تزور أنت لى ، ... إلخ.

وهذه الأفعال لا يقع بعدها إلا الجملة الفعلية ، ما دامت قد ألحقت بـ (ما) ، فتقول : قلّما أخطأت فى إجابة ، كثر ما أجبت ما تطلب. فإذا وقع بعدها اسم مع وجود (ما) فإنه يكون ضرورة أو شاذا ، كما جاء فى قول المرار الفقعسى :

صددت فأطولت الصدود وقلّما

وصال على طول الصدود يدوم (١)

فإذا خلت هذه الأفعال من (ما) فإن الاسم يذكر بعدها ، فتقول : قلّ رجل يقول ذلك ، ويكون الاسم المذكور (رجل) فاعلا ، وهذا دليل على أننا يجب أن نجعل فاعلا لهذه الأفعال بتقدير أو بآخر.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٣١ ، ٣ ـ ١١٥ / المقتضب ١ ـ ٢٢٢ / الخزانة رقم ٨٤٠.

٢٣

١٠ ـ صور أخرى للنائب عن الفاعل : كما ذكرنا ـ قد يكون النائب عن الفاعل واحدا مما سبق ، وإلى جانب ذلك قد يكون :

ـ الجار والمجرور : بشرط أن يكونا تامين ، أى : أن يفيدا معنى مع الفعل ، نحو : قد فطن له ، نظر فى الأمر ، حيث الفعلان (فطن ، نظر) مبنيان للمجهول ، وكلّ من شبه الجملة (له ، فى الأمر) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

أما ابن درستويه والسهيلى وغيرهما ممن ذهب إلى رأيهما فيرون أن النائب عن الفاعل ـ حينئذ ـ يكون المصدر المفهوم من الفعل المستتر فيه ، لا المجرور بالحرف المعدى (١).

ـ المصدر المختصّ بصفة أو إضافة أو بأداة التعريف ، نحو : ضرب ضرب شديد ، فهم فهم الواعى ، شرح الشّرح.

كلّ من : (ضرب ، وفهم ، والشرح) نائب فاعل مرفوع ، وصحّ ذلك ؛ لأنه مصدر مختص.

ـ ظرفا الزمان والمكان المتصرفين المختصين ، ويكون التصرف من طريق عدم التزام الظرف بالظرفية المطلقة ، ويكون الاختصاص من طريق إفادة معنى ، نحو : سير يوم الجمعة ، صيم رمضان ، جلس أمامك.

كلّ من : (يوم ، ورمضان ، وأمام) نائب فاعل مرفوع ، وصحّ ذلك لأنها ظروف مختصة متصرفة.

د ـ جواز جر الفاعل :

قد يرد الفاعل فى الجملة مجرورا لفظا مرفوعا محلا على النحو الآتى :

ـ بـ (من) : كما في قوله تعالى : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) [ق : ٣٨]. حيث (من) حرف جر زائد للتوكيد ، أو : للاستغراق مبنى لا محلّ له من الإعراب.

__________________

(١) ينظر : شرح ابن عقيل ١ ـ ١٥١ / شرح التصريح ١ ـ ٢٨٧.

٢٤

(لغوب) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

ونحو قولك : ما جاءنى من أحد. (من) حرف جر زائد للتوكيد والاستغراق مبنى لا محل له من الإعراب. (أحد) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

ومنه : ما أجاب عن السؤال من أحد ، لم يقبل علينا من رجل. لم يزرنا منذ أسبوع من ضيف.

ـ بالباء : يسبق الفاعل بالباء الزائدة بعد الفعل (كفى) بمعنى (حسب) بخاصة ، وفى صيغة التعجب (أفعل به) ، ذلك نحو : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) [النساء : ٤٥] ، (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) [النساء : ٦] ، الباء في الموضعين حرف جر زائد للتوكيد ، مبنى لا محلّ له من الإعراب ، ولفظ الجلالة (الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

وتقول : أعظم بفضل الله ، (الباء) حرف جر زائد للتوكيد مبنى لا محلّ له من الإعراب. (فضل) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

ومنه صيغة التعجب بـ (حب) ، فتقول : حبّ بالملتزم. فيكون الباء حرف جر زائدا ، أما (الملتزم) فهو فاعل (حب) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

ـ بالإضافة : يجر فاعل المصدر حال إضافته إليه ، والمصدر يعمل عمل الفعل ، ذلك كما هو فى قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١] ، حيث (دفع) مصدر يعمل عمل الفعل ، وهو مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، ولفظ الجلالة (الله) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وهو فاعل مرفوع محلا ، فالتقدير دفع الله ...

ه ـ الحكم الإعرابى لهما :

كلّ من الفاعل ونائب الفاعل مرفوع دائما ، أو فى محلّ رفع ، وعلامات رفعهما كما هو مذكور فى الأسماء (المبتدإ والخبر مثلا).

٢٥

يجعل النحاة الرفع أصله أن يكون للفاعل ، وجميع ما يرفع من الأسماء راجع إليه بوجه ما. فما يرفع من العمد إنما يرفع بالحمل على الفاعل (١).

ويختلف النحاة فيما بينهم فى عامل رفع الفاعل ـ حيث إنه الأصل ـ وذلك على النحو الآتى (٢) :

أولا : ارتفع الفاعل بالعامل المسند إليه من فعل أو ما ضمن معنى الفعل ، حيث يرفع حقيقة لفظا ومعنى إن خلا من الأحرف الزائدة التى تسبقه (من والباء) ، نحو : حضر المجتهد : (مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) [فاطر : ٢٧] ، ويرفع الفاعل حكما أو تقديرا إن سبق بأحد الحرفين الزائدين ، نحو : ما جاء من أحد : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الرعد : ٤٣] ، فكل من (أحد ، ولفظ الجلالة : الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، أو جر بالإضافة إلى العامل ، كما فى قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ ..) [الحج : ٤٠] ، وعلى هذا سيبويه وجمهور النحاة.

ثانيا : يرفع بالإسناد ، فيكون عامل رفعه معنويا ، وعلى هذا هشام وخلف الأحمر (٣).

ثالثا : يرفع الفاعل لشبهه بالمبتدإ ، ذلك أن المبتدأ يخبر عنه بالخبر ، والفاعل يخبر عنه بفعله. وهذا رأى من يذهب إلى أن المبتدأ أصل فى الرفع.

رابعا : ذهب آخرون إلى أنه يرفع بكونه فاعلا ، أى : أدّى معنى الفاعلية ، أو لإحداثه الفعل ، أى : بمعنى الفاعلية ، ويرد عليه بأنه قد ارتفع ، وإن لم يكن فاعلا في المعنى ، نحو : مات زيد ، وأقام زيد؟ ، وما قام زيد (٤).

خامسا : وقال آخرون : ارتفع بالفعل والإسناد معا ، إذ لو تجرد الفعل عن الإسناد لم يرتفع (٥).

__________________

(١) ينظر : البسيط في شرح الجمل ١ ـ ٢٥٩.

(٢) ينظر : التسهيل ٧٧ / المساعد ١ ـ ٣٨٦ / شرح شذور الذهب ١٥٩ / الهمع ١ ـ ١٥٩.

(٣) ينظر : أسرار العربية ٢٥ / التسهيل ٧٥ / شرح التصريح ١ ـ ٢٦٩ / الهمع ١ ـ ١٥٩.

(٤) ينظر : المقتضب ١ ـ ٩ / شرح جمل الزجاجى ١ ـ ١٦٥.

(٥) ينظر : شرح جمل الزجاجى ١ ـ ١٦٥.

٢٦

سادسا : ذهب آخرون ـ وعلى رأسهم الخليل وسيبويه (١) ـ إلى أن الفاعل ارتفع بتفرغ الفعل له.

و ـ المطابقة النوعية فى الفعل :

حيث تتطابق بنية الفعل مع فاعله أو نائبه من حيث النوع (التذكير والتأنيث) ، فيضاف إليه ما يدلّ على إسناده إلى مؤنث ، وستدرس القضية بالتفصيل فيما بعد.

ز ـ إلزام الفعل الدلالة على الإسناد إلى مفرد :

فى الجملة الفعلية يسبق الفعل الفاعل بالضرورة ، ويجب أن تتضمن بنيته ما يدل على إسناده إلى المفرد ، سواء أكان الفاعل أو نائبه مفردا ، أم مثنى ، أم مجموعا. وتدرس القضية فيما بعد.

ح ـ الفاعل أو نائبه عمدة :

فلا بدّ من وجود أحدهما فى الجملة ، أى : لا يجوز حذف أحدهما بدون رافعه ، وتدرس هذه القضية بالتفصيل فيما بعد.

ط ـ كلّ فعل متعدّ أو غير متعدّ لا يكون له إلا فاعل واحد :

والعلة فى ذلك أن الفعل حديث وخبر ، فلابدّ له من محدّث عنه ، يسند ذلك الحديث إليه ، وينسب إليه ؛ وإلا عدمت فائدته ، فإذا ذكرت بعده اسما ، وأسندت ذلك الفعل إليه اشتغل به ، وصار حديثا عنه» (٢). لكن بعض الأفعال التى تكون على مثال (تفاعل) تتطلب أن يكون فاعلها مثنى ، أو أكثر ، تبعا لإرادة المتحدث ، وواقع السياق ، فتقول : تشارك الاثنان ، تخاصم الشركاء ، تقاتل الجيشان. ذلك لأن فيه معنى التشارك.

فإذا كان الفاعل مفردا ـ أى : دالا على الواحد ـ فإنه يلزمه أن يعطف عليه ، فتقول : تشارك محمود وأحمد ، تخاصم سمير وعلى وراجح.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٣٤.

(٢) شرح المفصل ، لابن يعيش ١ ـ ٧٣.

٢٧

فلا بدّ من العطف فى مثل هذا التركيب ، وتكون الواو بالضرورة ، وكلّ منهما ، أو منهم ، فاعل ، والمشتركون يدلون على فاعل واحد. وقد ذكر الحريرى «ولا تقول : اجتمع زيد مع عمرو» (١).

المفعول به

دأب النحاة على دراسة المفعول به فى أبواب دراسة الفضلات ، وهى لا تؤثر فى ركنى الجملة ، لكننى أوثر دراسته متمما دراسة الجملة الفعلية ، وكأننى أود أن أجعله أساسا فى بناء الجملة الفعلية ؛ لأننى لحظت ما يأتى :

أ ـ بعض الأفعال لا يتم معناها إلا من خلال ذكر مفعولين أو أكثر ، وهى التى درست سابقا ، فإذا قلت : زعمت ، أو : وجدت ، أو غير ذلك فإن هذا الكلام لا يفيد معنى يحسن السكوت عليه ، مع أنه يكوّن جملة تامة الركنين من فعل وفاعل.

ب ـ لا تستغنى الجملة فى وجه من أوجه تراكيبها عن المفعول به ، وذلك إذا بنى الفعل للمجهول ، حيث يوضع المفعول به ـ في المقام الأول ـ نائبا عن الفاعل ، ويتّخذ أحكامه ـ كما ذكرنا.

ج ـ يمكن إضافة مصدر الفعل إلى مفعوله ، كما يضاف إلى فاعله ، فليس بينهما فرق فى هذا الجانب ، حيث يمكن القول : قراءة الدرس ، قراءة محمد ، خروج على ، خروج من المنزل.

د ـ الأحداث يلزمها دائما طرفان ، مؤثر ومتأثر ؛ لأن الحدث إذا صدر من المؤثر ـ وهو الفاعل ـ فإنه لا يكون حدثا حقيقيا إلا بالاعتداد بالمتأثر ، فكتابة محمد التى حدثت أو تحدث أو ستحدث لا بدّ أن تكون حادثة على شىء ما ، سواء أكان درسا أم موضوعا أم كلاما أم صفحة أم خطابا أم غير ذلك ، وإلا فإنه لا تكون كتابة ، وإذا لم يوجد شىء من هذه المتأثرات فإنها تعدّ فى الحسبان دائما.

فالفعل فى معناه يلزمه المفعول به ، وإنما هو في معناه وبنيته يلزمه الفاعل.

__________________

(١) درة الغواص فى أوهام الخواص ٣٥.

٢٨

لذا فإنه يحرص على الجمع بين المؤثر والمتأثر بالحدث ، حيث تتم الحدثية بذكر الاثنين معا ، ويتم ذلك بدراسة المفعول به ، وما يتعلق به من قضايا نحوية أخرى من خلال دراسة الجملة الفعلية.

حدّه (١) :

يطلق مصطلح المفعول به على ما وقع عليه الحدث على أن يكون فاعله معلوما ، سواء أكان ظاهرا أم مقدرا ومستترا ، فلا تتغير صورة الفعل مع المفعول به ، أو : هو ما أوقع به الفاعل فعله.

والمفعول به يكون محلّ الفعل أو الحدث خاصة ؛ لأنه الجهة التى تتلقى الحدث ، فتكون محلّه ، فإذا قلت : (ضربت المهمل) ؛ فإن (المهمل) هو المتلقّى للضرب ، فهو المحلّ أو الجسم الذى يقع عليه.

يدخل فى هذا الحد ما وقع فى معنى النفى والاستفهام ونحوهما ، كقولك : ما فهم الحاضرون الدرس ، أفهم الحاضرون الدرس؟ ، حيث (الدرس) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو فى الأول وقع عليه عدم الفهم ، وفى الثانى وقع عليه معنى المستفهم عنه ، وهو الفهم.

صور المفعول به :

يأتى المفعول به فى اللغة على إحدى الصور أو البنى الآتية :

أ ـ قد يكون اسما ظاهرا ، نحو : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [الأعراف : ٥٧](٢) ، (الرياح) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو اسم ظاهر.

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٤ ـ ٢٩٩ / التسهيل ٨٣ / المقرب ١ ـ ١١٢ / شرح شذور الذهب ٢١٢ / الجامع الصغير ٨٨.

(٢) (هو) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (الذى) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (يرسل) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. (الرياح) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (بشرا) حال من الرياح منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. أو مصدر واقع

٢٩

وقوله : (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) [الأعراف : ٤٦]. (كلا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

ب ـ قد يكون ضميرا بارزا منفصلا أو متصلا ، نحو : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : ٤] ، (إياك) فى الموضعين ضمير منفصل مبنى فى محل نصب ، مفعول به مقدم.

ومنه : المتّقى ربّه يخشاه ، (هاء الغائب) ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به.

ليتكم تركتمونى أختاره فأشكركم. ياء المتكلم ، وهاء الغائب و (كم) المخاطبين فى (أشكركم) ضمائر متصلة فى محل نصب ، مفعول به.

تنبيهات :

أ ـ (إياه ، إياك ، إياى) وما يتفرّع من هذه الضمائر المنفصلة (اثنا عشر ضميرا) تكون فى محلّ نصب ، مفعول به مقدم دائما. ما لم تكن مؤكّدة.

ب ـ (الهاء والكاف والياء) وما يتفرع من هذه الضمائر المتصلة (اثنا عشر ضميرا) حال اتصالها بالأفعال تكون فى محل نصب ، مفعول به دائما. عدا ضمير المتكلمين (نا) فإنه إذا اتصل بالفعل الماضى المبنى على الفتح فإنه يكون مفعولا به ، وإذا كان مبنيا على السكون فإنه يكون فى محل رفع فاعل.

ولتلحظ ما يأتى من أمثلة :

ـ أقدرك لأنك تحترمنى ، وتحب عملك ، وتتقنه.

ـ أودّ أن أفهمكما ما أقوله.

__________________

موقع الحال من الرياح ، أو من فاعل يرسل. (بين) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة متعلق بالإرسال أو بالبشارة ، وهو مضاف ، و (يدى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء لأنه مثنى ، وهو مضاف ، و (رحمته) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر ، مضاف إليه.

٣٠

ـ كافئوهم على ما بذلوه ؛ كى يحترموكم (١).

ـ زميلاتنا نحترمهن ونقدرهن فهنّ أخواتنا (٢).

ج ـ قد يكون جملة : ذلك إذا كان الحدث قولا ، نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ، الجملة الاسمية (هو الله أحد) فى محل نصب مقول القول.

ومنه قولك : قلت : عليك أن تطيع أوامر الله ، الجملة الاسمية (عليك أن تطيع ...) فى محل نصب مقول القول.

أقول : إن الانتماء إلى الوطن أصالة إنسانية. الجملة الاسمية المنسوخة (إن الانتماء أصالة) فى محل نصب مقول القول.

تنبيه :

ذكرنا أن مقول القول يكون جملة دائما ، كما ذكر فى الأمثلة السابقة ، وقد يكون مفردا فيه معنى الجملة ، نحو : قالوا ذلك لحاجتهم إلى التبرير. قلت كلمة

__________________

(١) (كافئوهم) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وضمير الغائبين (هم) مبنى في محل نصب ، مفعول به. (على) حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ما) اسم موصول مبنى فى محل جر بعلى. وشبه الجملة متعلقة بالمكافأة. (بذلوه) بذل : فعل ماض مبنى على الضم. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (كى) حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يحترموكم) فعل مضارع منصوب بعد كى ، وعلامة نصبه حذف النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وضمير المخاطبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والمصدر المؤول فى محل جر بلام تعليل مقدرة متعلقة بالمكافأة.

(٢) (زميلاتنا) زميلات : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير المتكلمين مبنى مضاف إليه فى محل جر. (نحترمهن) نحترم : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر ، تقديره : نحن ، وضمير الغائبين مبنى ، مفعول به في محل نصب. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (ونقدرهن) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. نقدرهن : فعل وفاعل مستتر ، وضمير مبنى مفعول به ، مثل إعراب نحترمهن. والجملة الفعلية فى محل رفع بالعطف على سابقتها.

(فهنّ) الفاء استئنافية حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. هن : ضمير مبنى في محل رفع ، مبتدأ.

(أخواتنا) أخوات : خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه.

٣١

أو كلاما أو حديثا أو خطبة. فكل ما قلناه أنه يجب الإخلاص في العمل ، حيث إن كلّ مفعول به ذكر فى الأمثلة السابقة يؤدى معنى جملة (١).

يلاحظ أنه قد تتحول الجملة الاسمية بركنيها إلى مفعولين فيما إذا دخلت عليها حدثية تنصب مفعولين أو ثلاثة ـ وحينئذ ـ إذا كان أحد الركنين جملة فإنه يكون مفعولا به ، فى محل نصب. وقد تتحول الجملة الاسمية المنسوخة إلى مفعول به مع أفعال القلوب ـ كما هو مدروس سابقا.

قد يحذف القول ، ويظل المقول فى محل نصب بالقول المحذوف من ذلك قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ ..)

[الرعد ٢٣ ، ٢٤] ، والتقدير : يقولون : سلام عليكم ، فتكون الجملة الاسمية فى محل نصب ، مقول القول المحذوف ، والقول المحذوف فى محل نصب ، حال من واو الجماعة فى (يدخلون).

ومن ذلك : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) [أل عمران : ١٠٦] ، أى : فيقال لهم : أكفرتم ...

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ) [الزمر : ٣]. أى : يقولون : ما نعبدهم إلا ...

(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ...) [البقرة ٥٧]. أى : وقلنا لهم : كلوا من ...

ناصب المفعول به :

المفعول به منصوب دائما ، أو فى محلّ نصب ، لكن النحاة يختلفون فيما بينهم فى ناصبه على النحو الآتى :

__________________

(١) كما أن المفرد يقع بعد القول إذا كان مقتطعا من جملة ، وقد ورد ذلك فى قول امرئ القيس :

إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة

معتّقة مما يجئ به التّجر

ومن الأرجح ـ أن يعرب (طعم) مفعولا لفعل محذوف دل عليه ما سبق. وكذلك إذا كان المفرد مصدرا للفعل (قال) ، أو صفة لمصدره نحو : قلت قولا ، أو : قلت صدقا ، أى : قولا صدقا.

٣٢

أ ـ ذهب بعضهم إلى أن الناصب معنوىّ ، وهو معنى المفعولية.

ب ـ ذهب الأخفش إلى أنه معنوىّ كذلك ، ولكنه يكون الفاعلية.

ج ـ ذهب هشام الضرير إلى أنّ المفعول به انتصب بالفاعل ، ويردون عليه بأن تقدمه عليه ينفى ذلك.

د ـ ذهب الفراء إلى أنه منصوب بالفعل والفاعل معا ، ويردون عليه بجواز توسطه بينهما ، والمعمول لا يتوسط العامل.

ه ـ ذهب سيبويه وجمهور النحاة إلى أنه منصوب بالفعل ، أو ما جرى مجراه من الأسماء العاملة ، ويدللون على ذلك بأنه يكون على حسب عامله حال التقديم والتأخير من التصرف وعدم التصرف ، فإن كان العامل الفعل متصرفا جاز التقديم ، نحو : فهم محمد الدرس ، وإن كان جامدا لم يجز فى المفعول به التقديم ، كقولك : ما أجمل الربيع! ، حيث فعل التعجب (أجمل) جامد ، فلا يجوز تقدم المفعول به (الربيع) عليه.

ومن النحاة من يفسر ما ذهب إليه الخليل وسيبويه بأنه انتصب باشتغال الفعل عنه بالفاعل قبل وصوله إليه (١). ويدللون على ذلك بأنه عند ما لم يشغل بالفاعل ارتفع المفعول به بالفعل ، ويقصدون بذلك النائب عن الفاعل.

__________________

(١) شرح القمولى على الكافية ١ ـ ٣٤.

٣٣

الضبط الإعرابى فى الفعل

اختصاص الفعل بزمن معين يجعله يلزم ضبطا واحدا فيكون مبنيا ، وإعرابه يدلّ على عدم اختصاصه الزمنى ؛ لذا فإننا نجد أن الفعل الماضى مبنىّ دائما ؛ لأنه مختصّ بالزمن الماضى (١) ، كما نجد أن فعل الأمر مبنىّ دائما ؛ لأنه يختص بالزمن المستقبل (٢) ، أما الفعل المضارع فإنه يكون معربا ؛ لأنه غير مختصّ بزمن ، فقد يكون للماضى أو الحال أو الاستقبال (٣). ذلك سوى حالتين يبنى فيهما المضارع لدواع صوتية ودلالية.

وفكرة الضبط الإعرابىّ للفعل فى الجملة العربية ترتبط بأقسامه من جهة الزمن ، حيث ينقسم إلى : ماض ، ومضارع ، وأمر ، ولكلّ حكمه النطقى ، ذلك على التفصيل الآتى :

أ ـ الفعل الماضى

الفعل الماضى مبنىّ دائما ، حيث لا يتأثر بما يسبقه من أدوات ، ويجعل جمهور النحاة بناء الفعل الماضى على الفتح دائما ، سواء أكان ظاهرا ؛ إذا نطق آخره بالفتح ، أم كان مقدرا ؛ إذا نطق آخره بغير الفتح ، ولكننا سنطبق هنا قاعدة البناء التى تذهب إلى أن المبنى من الكلمات يبنى على ما ينطق به آخره ، فالفعل الماضى تختلف علامات بنائه لدواع صوتية ، ذلك على النحو الآتى :

__________________

(١) للفعل الماضى قرائن تجعل زمنه فى الاستقبال دون لفظه ، وهى أدوات الشرط إلا (لو) و (لمّا) الظرفية فإنهما يصرفان معناه إلى المضارع.

(٢) معناه للزمن المستقبلى ثابت ، لا يتغير بقرينة تزيله عما وضع.

(٣) للمضارع قرائن تخلصه للحال ، منها الآن وما فى معناها من نحو : هذا الحين ، هذا الوقت ، هذه الساعة ، ... إلخ ، وكذلك لام الابتداء وما النافية ، نحو : إن الجوّ ليعتدل ، ما يقوم محمد. وأرى أن ما يخلص المضارع للحال تجرده مما يدل على المضى أو الاستقبال. كما أن له قرائن تخلصه للمستقبل ، وهى : لام الأمر ، ولا الناهية. ولام القسم ، ولا النافية ، ونونا التوكيد ، وحرفا التنفيس ، ونواصب المضارع ، وأدوات الشرط إلا لو ، والظروف الدالة على المستقبل ، نحو : غدا ، بعد برهة ، عقب ...

ينظر فى ذلك : المقدمة الجزولية ٣٣.

٣٤

بناؤه على السكون :

يبنى الفعل الماضى (١) على السكون إذا أسند إلى ضمير رفع بارز متحرك ، حيث الماضى المجرد يبنى من ثلاثة متحركات (فتح ، حسب ، شرح ، فهم ، أكل ...) ، فعندما يسند إلى متحرك تتوالى أربعة متحركات ، تثقل فى النطق ، فيتخلص من ذلك ببناء الماضى على السكون ، وضمائر الرفع البارزة هى :

ـ تاء الفاعل : سواء أكانت للمتكلم (مضمومة) ، أم للمخاطب (مفتوحة) ، أم للمخاطبة (مكسورة) ، فتقول : فهمت (بضم التاء وفتحها وكسرها).

وتقول : أديت ما علىّ من واجب ، وأتممت ما طلب منى من عمل ، وأخلصت فيه ، وأتقنته ، فنلت ما أوليتنى به من احترام ، وسررت مما كافأتنى به ولقد التزمت بالأخلاق الحسنة ، فاكتسبت تقدير الآخرين

ـ (نا) ضمير المتكلمين دالا على الفاعلين دون المفعولين : سواء أدلّ على مثنى أم مجموع ، وهو نون مفتوحة فتحة طويلة ، (ذات فتحة وألف مد) ، نحو : قال محمد وعلىّ : فهمنا ، (فهم) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين (نا) مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل نصب مقول القول.

وتقول : كتب الثلاثة كلمة : وافقنا ، (وافق) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين (نا) مبنى فى محلّ رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محلّ جر ؛ لأنها مضاف إليه.

لقد انتبهنا إلى ما يقال ، فاستوعبناه كاملا ، وتأهبنا فى ثقة للرد على كل سؤال ، واستطعنا تحقيق ما أردنا مما جئنا إليه ، وجعلناه هدفنا.

ـ نون النسوة : وهى النون الدالة على الفاعلات الغائبات ، وتكون مفتوحة ، ومثالها : المنتبهات فهمن ، (فهم) فعل ماض مبنى على السكون ، ونون النسوة ضمير مبنى فى محلّ رفع ، فاعل.

__________________

(١) هو ما دل على حدث فى زمن قبل زمن الحديث ، ومن علاماته قبوله تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة التى تلحق به. ينظر : الكتاب ١ ـ ١٢ / المفصل ٢٤٤ / التسهيل ٥٤.

٣٥

ومنه : الطالبات انتبهن إلى الشر «، ففهمن المضمون ، واستطعن أن يجبن على كل سؤال. فنلن احترام غيرهن ، واستحققن التصفيق.

بناؤه على الضم :

يبنى الفعل الماضى على الضم إذا أسند إلى واو الجماعة ، وهى الضمير الدالّ على الغائبين ، وتكون واو مدّ فيلزم ما قبلها أن يكون مضموما حتى تنطق واو المدّ نطقا سليما. ومثاله : لقد أقبلوا إليك. (أقبل) فعل ماض مبنى على الضمّ ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محلّ رفع ، فاعل.

ومنه : هم استمعوا إليك ، وفهموا ما قلته ؛ لذلك فإنهم قد استطاعوا الإجابة عما سألته ، فنالوا تقديرك ، كما أثبتوا أنهم قدّروا المسئولية ، والتزموا بما عليهم من واجب.

بناؤه على الفتح :

يبنى الفعل الماضى على الفتح إذا لم يسند إلى ضمير من الضمائر السابقة ، أى إذا أسند إلى :

ـ اسم ظاهر ، نحو : لقد ذكر محمد ذلك ، وردّدته أخته. كلّ من (ذكر وردّد) فعل ماض مبنى على الفتح ، وكلّ من (محمد وأخت) فاعل مرفوع. فإذا كان منقوصا ، أى : آخره حرف علة ، فإن حرف العلة ينطق ألفا ، نحو : سعى ، مضى ، طفا ، سما ، هدى ، علا ، وتكون علامة بنائه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. أنوه إلى أن أصل حرف العلة فى اللغة يكون واوا أو ياء لا غير ، لكنهما قد ينطقان ألفا لنواح صوتية.

ـ ألف الاثنين ، وهو الضمير الدالّ على الغائبين أو الغائبتين ، ويكون ألف مد ، ومثاله : الطالبان فهما ما أقول. (فهم) فعل ماض مبنى على الفتح ، وألف الاثنين ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ.

٣٦

ومنه قوله تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)(١) [طه : ١٢١].

(قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(٢) [فصلت : ١١].

ـ ضمير مستتر : نحو : لقد مكث ليله أرقا ، حيث (مكث) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو.

وتقول : قضى ليلة عندنا ، فيكون (قضى) فعلا ماضيا مبنيا على الفتح المقدر ، منع من ظهوره التعذر.

وتقول : خياله عاودنى بعد تفكير ألمّ بى. المرأة إذا جاوزت الحياء تعرضت للحطّ من شأنها.

ب ـ الفعل المضارع

نعرف أن الفعل المضارع (٣) لا يختصّ بزمن ، إذ يجوز أن يعبر به عن الزمن الماضى باستخدام قرائن خاصة ، كما يعبر به عن المستقبل باستخدام قرائن ، وهو للزمن الحالى إن تجرد من هذه القرائن. لذا فإن له ثلاث أحوال إعرابية تختلف بين الرفع والنصب والجزم ، كما أن له حالين من أحوال البناء.

١ ـ رفع الفعل المضارع

يرفع الفعل المضارع إذا تجرد من حروف النصب وحروف الجزم التى تكون سابقة عليه.

__________________

(١) (طفقا) طفق : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. وألف الاثنين ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم طفق. (يخصفان) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وألف الاثنين ضمير مبنى في محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل نصب ، خبر طفق. (عليهما) على : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبين (هما) مبنى فى محل جر بعلى. وشبه الجملة متعلقة بيخصف. (من ورق) من : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. ورق : اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بيخصف. (الجنة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٢) جملة (أتينا) فى محل نصب ، مقول القول. (طائعين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم.

(٣) هو ما دلّ على حدث فى زمن حالى ، ومن خصائصه : قبول أدوات النصب ، وأدوات الجزم ، وابتداؤه بحرف من أحرف (أنيت) ، وجواز سبقه بالسين أو سوف.

ينظر : التسهيل ٤ ، ٥ / ابن عقيل : ١ ـ ٢٤.

٣٧

علامات الرفع :

يرفع الفعل المضارع وتكون علامة رفعه واحدة من :

ـ الضمة الظاهرة : للمضارع الصحيح الآخر ، نحو قولك : أفهم ما تقول. كلّ من (أفهم ، وتقول) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

ومنه : أستمع ما تشرحه ، أقدر ما تنصح به ، أستلهم منه كلّ ما يستشعره ويحسّه.

ـ الضمة المقدرة : للفعل المضارع المعتل الآخر ، وتقدر الضمة لتعذر توالى حركتين : الحركة الطويلة التى ينتهى بها الفعل ، والحركة الدالة على الرفع ، ذلك نحو قولك : يسعى المؤمن فى الخير ، نسمّى عليّا بالملتزم ، تطفو الخشبة فوق الماء.

كلّ من (يسعى ، ونسمى ، وتطفو) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. منع من ظهور الأولى التعذر ، ومنع من ظهور الثانية والثالثة الثقل.

ومنه : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(١) [فاطر : ٢٨](وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) [الشورى : ٢٥](إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ)(٢) [الأعراف : ١٥٥].

__________________

(١) (إنما) إن : حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له إعرابيا مكفوف عملا بما. ما : كافة لإن حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (يخشى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (الله) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (من عباده) من : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. عباد : اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من العلماء. (العلماء) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) (إن) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (هى) ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (إلا) حرف استثناء يفيد الحصر والقصر مبنى ، لا محل له من الإعراب. (فتنتك) فتنة : خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير المخاطب الكاف مبنى في محل جر ، مضاف إليه. (تضل) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال من فتنة. (بها) الباء : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بالباء ، وشبه الجملة متعلقة بالضلال. (من) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به.

(تشاء) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. والجملة الفعلية

٣٨

ـ ثبوت النون : للمضارع المسند إلى ألف الاثنين ، أو واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة ، وهو ما يسمى بالأفعال الخمسة ، نحو : أنتما تهتديان إلى الله ، هما يهتديان. أنتم تحفظون حدود الله : هم يحفظون. أنت تتجمّلين بالأخلاق الكريمة.

تلحظ ثبوت النون فى الأفعال : (تهتديان ، يهتديان ، تحفظون ، يحفظون ، تتجملين) لأنها مرفوعة ، وكلّ من ألف الاثنين وألف الاثنين وواو الجماعة وواو الجماعة وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.

٢ ـ نصب الفعل المضارع

ينصب الفعل المضارع إذا سبق بحرف من حروف نصبه ، وهى : أن ، لن ، كى ، إذن ، لام التعليل ، لام الجحود ، لام العاقبة ، حتى ، فاء السببية ، وواو المعية ، أو بمعنى إلى ، أن ، أو الواو والفاء وثم وأو حروفا عاطفة على مصدر.

علامات النصب :

ينصب الفعل المضارع بواحد من :

ـ الفتحة الظاهرة : إذا كان صحيح الآخر أو معتلّ الآخر بالواو أو الياء. نحو : لن أقدم على شرّ. عليك أن توالى مراقبتك لأولادك ، وأن ترجو لهم الهداية. كلّ من (أقدم ، توالى ، ترجو) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

ـ الفتحة المقدرة : للمضارع المعتل الآخر بالألف ، ولا تظهر الفتحة على آخره للتعذر ، نحو : أتحرك لأسعى فى الصلح بينهم. (أسعى) فعل مضارع منصوب بعد لام التعليل ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.

__________________

صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (وتهدى) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، عاطف جملة على جملة. تهدى : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل. والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت. والجملة الفعلية معطوفة على سابقتها ، لا محل لها من الإعراب. (من) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (تشاء) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

٣٩

ـ حذف النون : للمضارع المسند إلى ألف الاثنين ، أو واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة ، أى : الأفعال الخمسة ، وتكون هذه الضمائر دائما فاعلا أو نائب فاعل ، أى : فى محل رفع. نحو : عليكما أن تنتبها ، أما أنتم فعليكم أن تنصتوا جيدا ، ويا فتاة عليك أن تكتبى ما يقال. كلّ من (تنتبها ، وتنصتوا ، وتكتبى) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه حذف النون ، أمّا ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة فهى ضمائر مبنية فى محلّ رفع.

تنويه :

أنوه فى بدء نصب الفعل المضارع إلى أنّ زمنه يكون للمستقبل بالنسبة لزمن الحدث المرتبط به السابق عليه ، ونستطيع أن نقول : إن أدوات نصب المضارع تفيد استقبال الزمن.

إذا قلت : خلعت الملابس كى أسبح ، فإن السباحة تحدث ـ لا محالة ـ بعد خلع الملابس ، ويكون ذلك واضحا فى الأمثلة المذكورة فى نصب الفعل المضارع.

حروف نصب الفعل المضارع :

يجعل جمهور النحاة الحروف الناصبة للفعل المضارع على النحو الآتى :

أ ـ حروف تنصب بذاتها ، وهى : أن ، لن ، إذن ـ غالبا.

ب ـ حرف ينصب المضارع بنفسه مرة ، وبإضمار (أن) وجوبا أخرى ، وهو : كى.

ج ـ حروف ينصب بعدها المضارع بأن مضمرة وجوبا ، وهى : لام الجحود ، حتى ، أو العاطفة بمعنى إلى ، فاء السببية ، واو المعية.

د ـ حروف ينصب بعدها المضارع بأن مضمرة جوازا ، وهى : لام التعليل ، لام العاقبة ، اللام الزائدة ، حروف العطف : الواو ، الفاء ، أو ، ثمّ عاطفة على مصدر صريح.

والواقع اللغوى يفرض نصب المضارع دائما بعد هذه الحروف ، ويتخذ كلّ حرف منها معنى معينا أو خاصا مع المعانى التى ينصب فيها المضارع ، وإذا أوّل أحد هذه

٤٠