النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

فتقول : العصفور فوق الشجرة. القط تحت المائدة. المقابلة عند باب المنزل.

المقابلة صباحا. الصديق أمامك.

فكل من الظرف : فوق ، وتحت ، وعند ، وأمام تبين مكان المبتدإ : (العصفور ، والقط ، والمقابلة ، والصديق) ، ويراد بهذه الظروف إتمام للمعنى الذى يريده المتحدث ؛ لأنه لا يريد الإخبار إلا بمكان كل مبتدإ. والفكرة واضحة فى الإخبار عن زمان المقابلة بالظرف (صباحا).

وكل من هذه الظروف يمثل شبه جملة متعلقة بخبر محذوف ، أو تكون فى محل رفع ، شبه جملة.

يلحظ : أنه يخبر بظرف الزمان وظرف المكان عن اسم المعنى أو الحدث ، أما اسم الذات فإنه لا يخبر عنه إلا بظرف المكان ؛ ذلك لأن لكل اسم عين أو جثة أو ذات مكانا خاصا به ، فلا يشترك جثتان فى مكان واحد ، ولكن كل أسماء الذوات أو الجثث تشترك فى زمان واحد ؛ لأن الزمن ليس خاصا بالجثث ، ولكنه يمكن أن يختصّ به اسم المعنى.

فيقال : إتمام الصلح بين العائلتين يوم الجمعة أمام أهل القرية جميعهم.

حيث أخبر عن (إتمام) وهو اسم معنى أو حدث بظرفى المكان : (بين ، أمام) ، وظرف الزمان (يوم).

ولكنك تقول : محمد بين إخوته أمام منزلهم ، فيخبر عن (محمد) وهو اسم ذات بظرف المكان (بين). وظرف المكان (أمام).

د ـ إذا وقع صلة :

فتقول : رأيت العصفور الذى فوق الشجرة (١) ، وأعجبت بالذى أمامك (٢) ، جاء من عنده (٣).

__________________

(١) الذى : اسم موصول مبنى فى محل نصب بدل ، أو عطف بيان ، أو نعت للعصفور.

(٢) الذى : اسم موصول مبنى فى محل جر بالباء.

(٣) من : اسم موصول مبنى فى محل رفع ، فاعل.

٣٢١

الظروف : فوق ـ وأمام ـ وعند ، منصوبة بمحذوف صلة الموصول : (الذى ـ الذى ـ من).

ه ـ أن يكون مشتغلا عنه :

إذا وقع الظرف فى قضية اشتغال ، وهو مشتغل عنه بضميره احتسب عامله محذوفا ، كأن تقول : يوم الاثنين صمت فيه ، شغل العامل (صام) بالضمير العائد على الظرف (يوم) ، فأصبح (يوم) مشتغلا عنه ، فينصب بفعل محذوف يفسره الفعل المذكور (صام). ويكون من ذلك : أمامك أقف فيه ، عندك أدخل فيه.

و ـ أن يكون فى مثل :

كقولهم : حينئذ الآن. حيث يضرب لمن ذكر أمرا قد تقادم حدوثه ، وتقديره : كان ذلك حينئذ وأسمع الآن.

كل من : (حين والآن) ظرف زمان ، الأول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وقد أضيف إلى (إذ) إضافة بيان ، أو إضافة الأعم إلى الأخص ، ونصبه بمحذوف تقديره : واقعا ، أو : مستقرا ... إلخ. أما الآخر (الآن) فهو مبنى على الفتح فى محلّ نصب بفعل محذوف تقديره : أسمع.

يلحظ : أن الظروف المقطوعة عن الإضافة لفظا لا معنى لا تقع صفة ولا حالا ولا خبرا ولا صلة.

أما قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ..) [يوسف : ٨٠] فإن (ما) تحتمل الأوجه التالية : (حيث قبل مبنى على الضمّ ؛ لأنه مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى) :

ـ أن تكون زائدة ، وتكون شبه الجملة (من قبل) متعلقة بفرطتم.

ـ أن تكون مصدرية ، ويكون المصدر المؤول فى محل رفع ، مبتدإ ، خبره شبه الجملة المتقدمة (من قبل) ، وهذا الوجه يستشكل عليه بأن الغايات لا تقع أخبارا ولا صلة ولا صفة ولا حالا ، والغايات هى الظروف المبنية على الضمّ بعد قطعها

٣٢٢

عن الإضافة لفظا لا معنى ، لكنه يرد على هذا بقوله تعالى : (فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) [الروم : ٤٢] ، حيث إن شبه الجملة (من قبل) صلة (الذين).

وقيل : إن الصلة : (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) المذكورة بعد الظرف السابق : (مِنْ قَبْلُ) ، ويكون الظرف لغوا.

الرتبة بين الظرف وعامله :

يجوز أن يتقدم الظرف على عامله ما لم يكن هناك مانع ، فتقول : بينكم مشيت ، وأمامكم جلست ، وصباحا زرتك ، وكما يستشهد به : أكلّ يوم لك ثوب تلبسه (١) ، حيث جملة (تلبسه) فى محل رفع صفة لثوب ، وفعلها (تلبس) هو العامل فيما هو منصوب على الظرفية (كل) ، وهو مقدم على عامله.

الظرف من حيث الإعراب والبناء :

تنقسم الظروف إلى ظروف مبنية وأخرى معربة : أما الظروف المبنية فهى : إذ ، وإذا ، يبنيان على السكون.

الآن : يبنى على الفتح ، ففتحته فتحة بناء.

أمس : يبنى على الكسر ، بشرط أن يدلّ على اليوم الذى قبل يومك ، وألا يعرف بالأداة ، وألا يجمع ، أو يثنى ، وألا يكون مصغرا.

حيث : يبنى على الضم ، ومنها : أين ، وأنّى ، ومتى ، وأيان ، ومذ ، ومنذ ، ولدى ، ولدن ، وقط ، وعوض.

ولتتذكر أن المبنىّ يكون مبنيا على ما ينطق به آخره.

بناء الظروف على الضم :

إذا قطعت الظروف المبهمة عن الإضافة لفظا لا معنى ، فإنها تبنى على الضم.

نحو : قبل ، وبعد ، وتحت ، وفوق ، وخلف ، ووراء ، وهى المعبرة عن الجهات

__________________

(١) البغداديات ٥٥٥ / الحلبيات ١٨٠.

٣٢٣

الست ، وزاد بعض النحاة على ذلك : أمام ، وأسفل ، ودون ، وأول ، ومن عل ، ومن علو (١).

ومنه قوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤](٢).

فالظرفان : قبل وبعد قطعا عن الإضافة لفظا لا معنى ، والتقدير : من قبل النصر ومن بعده ، أو من قبل كل شىء ومن بعده ، ولذلك فإنهما يبنيان على الضم فى محل جرّ لسبقهما بحرف الجر.

ومنه قول معن بن أوس :

لعمرك ما أدرى وإنى لأوجل

على أيّنا تعدو المنية أول (٣)

وقول الشاعر :

إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن

لقاؤك إلا من وراء وراء (٤)

__________________

(١) ويلحق بهذه الظروف المبهمة : لا غير وليس غير ، حيث تبنى (غير) على الضمّ لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى ، وكذلك : حسب ، وأول.

(٢) (لله) شبه جملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (الأمر) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (من قبل) من حرف جر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب ، (قبل) : اسم مبنى على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى فى محل جر ، وشبه الجملة متعلقة بمحذوف شبه الجملة.

(٣) (لعمرك) اللام لام الابتداء مبنية لا محل لها من الإعراب ، عمرك : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة ، والخبر محذوف وجوبا تقديره : قسمى. (ما أدرى) ما حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أدرى : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله مستتر تقديره : (أنا) ، والجملة لا محل لها من الإعراب. (وإنى لأوجل) الواو واو الحال مبنية لا محل لها من الإعراب ، (إنى) : حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، اسم إن ، واللام لام الابتداء مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أو اللام المزحلقة ، أو لام التوكيد ، (أوجل) : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : (أنا) ، والجملة فى محل خبر (إن) وجملة (إن) مع معموليها فى محل نصب ، حال. (على أينا) جار ومجرور ، وضمير المتكلم فى محل جر بالإضافة ، وشبه الجملة متعلقة بالعدو. (تعدو) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، (المنية) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، (أول) ظرف زمان مبنى على الضم فى محل نصب ، وشبه الجملة متعلقة بتعدو.

(٤) (من وراء) حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وراء : ظرف مكان مبنى على الضم فى محل جر بمن ، وشبه الجملة فى محل نصب ، خبر كان ، أو متعلقة بمحذوف ، خبر كان.

٣٢٤

وقول الآخر :

يا ربّ يوم لى لا أظلّله

أرمض من تحت وأضحى من عله (١)

فكلّ من الظروف : أول ، وراء ، وراء ، تحت ، عل ، مبنى على الضمّ لانقطاعه عن الإضافة لفظا ، مع إرادة معنى الإضافة.

ويلحظ أن : (أول) ظرف حيث يقدر بأول الزمن ، أو : أول الوقت.

ملحوظة :

إذا قطع الظرف عن الإضافة لفظا ومعنى فإنه ينصب ، كأن تقول : أبتدئ بهذا الدرس أوّلا ، وتريد بالظرف (أولا) متقدما ، دون تحديد جهة التقدم.

ومنه قول يزيد بن الصعق :

فساغ لى الشراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم (٢)

حيث نصب الظرف (قبلا) نصبا منونا ؛ لأنه نوى قطعه عن الإضافة فى اللفظ والمعنى. ومن ذلك قول الشاعر :

ونحن قتلنا الأسد أسد شنوءة

فما شربوا بعدا على لذة خمرا (٣)

حيث نصب الظرف (بعدا) ، بما يدل على قطعه عن الإضافة لفظا ومعنى.

__________________

(١) (أرمض) : يصيبنى حر الرمضاء. (أضحى) : أبرز للشمس وأصبر لحرها. عله : الهاء فيه للسكت.

(٢) (فساغ) الفاء تابع لما قبله ، ساغ : فعل ماض مبنى على الفتح. (لى) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالسوغ. (الشراب) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وكنت) الواو واو الحال مبنية ، لا محل لها من الإعراب. كان : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، وتاء الفاعل ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم كان. (قبلا) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (أكاد أغص) أكاد : فعل مضارع ناقص ناسخ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، واسمه ضمير مستتر تقديره : أنا ، أغص : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : أنا ، وجملة أغص فى محل نصب ، خبر أكاد ، وجملة :أكاد أغص فى محل نصب ، خبر كان ، وجملة : كنت أكاد أغص فى محل نصب ، حال. (بالماء) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بأغص ، (الحميم) صفة للماء مجرورة ، وعلامة جرها الكسرة.

(٣) جملة : (قتلنا) فى محل رفع ، خبر المبتدإ (نحن). (أسد) بدل من الأسد منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(خمرا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وفعله : شربوا. وشبه الجملة (على لذة) فى محل نصب ، حال من واو الجماعة.

٣٢٥

فالفرق بين القول : أبدأ بهذا أولا (بالنصب والتنوين) والقول : أبدأ بهذا أول (بالبناء على الضم) ، أن الأول لا يفهم منه التقدم على شئ بعينه ، ولكن هذا المعنى مفهوم من المعنى الثانى ، فالتعبير فى الأول بالنصب يدلّ على التقدم مطلقا.

الظروف المركبة والبناء :

يبنى الظرفان المركبان على فتح الجزأين ؛ فتقول : أزور والدى صباح مساء ، فصباح مساء ظرفان مبنيان على فتح الجزأين ؛ لأنهما مركبان ، ويكون التقدير : صباحا ومساء ، أى : فى كل صباح ومساء. وتقول كذلك : محمد يزورنا يوم يوم ، أى : يوما فيوما.

ومن ذلك قول الشاعر :

ومن لا يصرف الواشين عنه

صباح مساء يبغوه خبالا (١)

حيث (صباح مساء) ظرفا زمان مبنيان على فتح الجزأين ؛ لأنهما مركبان ، ومنه قول الشاعر :

آت الرزق يوم يوم فأجمل

طلبا وابغ للقيامة زادا (٢)

حيث (يوم يوم) ظرفا زمان مبنيان على فتح الجزأين.

وقول عبيد بن الأبرص :

__________________

(١) (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره جملة جواب الشرط. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (يصرف) فعل جملة الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : (هو). (الواشين) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم. (عنه) شبه جملة متعلقة بعدم الصرف. (صباح مساء) ظرفا زمان مبنيان على فتح الجزأين فى محل نصب متعلقان بيصرف. (يبغوه) فعل جملة جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. (خبالا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(٢) (آت) خبر مقدم مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة. (الرزق) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة ـ ملحوظة : (آت) صفة مشتقة ومعمولها (الرزق) فتطابقا فى الإفراد ، فلو أنها اعتمدت على نفى أو استفهام أو مبتدإ أو موصوف لأعربت مبتدأ أو خبرا مقدما ، وأعرب معمولها الرزق خبرا أو مبتدأ مؤخرا ـ (يوم يوم) ظرفا زمان مركبان مبنيان على فتح الجزأين فى محل نصب متعلقان بآت. (فأجمل) الفاء

٣٢٦

نحمى حقيقتنا وبعض ال

قوم يسقط بين بينا (١)

(بين بين) ظرفا مكان مبنيان على فتح الجزأين.

ظروف بين البناء والإعراب :

الظروف التى تضاف إلى الجملة ، والتى تضاف إلى الكلمة (إذ) المنونة بالكسر المضافة إلى جملة محذوفة ، يجوز أن تبنى على الفتح ، ويجوز أن تعرب ، ومن الأرجح أن تكتسب البناء والإعراب مما ذكر بعدها ، إن معربا ، وإن مبنيا (٢).

ذلك كما فى قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩](٣).

فكلمة (يوم) خبر المبتدإ (هذا) ، وذكر بعدها كلمة (ينفع) فعل مضارع ، وهو معرب ، لذلك أعربت ، فرفعت بالضم. وفيها قراءة بالبناء على الفتح فى قراءة نافع.

وفى قوله تعالى : (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) [هود : ٦٦] حيث تقرأ (يوم) المضافة إلى (إذ) مجرورة بالكسرة للإضافة ، وفيها قراءة بالفتح بالبناء عليه فى قراءة الكسائى ونافع.

ومن ذلك قول النابغة الذبيانى :

__________________

تعقيبية عاطفة فيها معنى التعليل حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أجمل : فعل أمر مبنى على السكون ، فاعله مستتر تقديره : أنت. (طلبا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (وابغ) الواو حرف عطف مبنى ، ابغ : فعل أمر مبنى على حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.

(للقيامة) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بابغ ، أو فى محل نصب حال لزاد ، حيث إنها صفة له ، فلما تقدمت نصبت على الحالية ، حيث التقدير : ابغ زادا للقيامة (زادا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(١) جملة (يسقط) فى محل رفع ، خبر المبتدإ (بعض) ، وجملة : (بعض القوم يسقط) فى محل نصب حال ، وقد تكون معطوفة.

(٢) يلحق بهذه الظروف فى احتساب الإعراب والبناء على الفتح ما أبهم من الأسماء من مثل : (دون ، ومثل ، وغير) كما فى : «ومنّا دون ذلك» ، «إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون» ، وكذلك : قيامى مثل أن يقوم فلان ومثل ما قام فلان ... إلخ.

(٣) جملة (ينفع صدقهم) فى محل جر بالإضافة.

٣٢٧

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت ألمّا أصح والشّيب وازع (١)

حيث يروى بفتح (حين) بالبناء ، وبكسرها بالإعراب ، ولكن البناء أرجح ، حيث ذكر فعل ماض مبنى بعده. وهو (عاتب).

ملحوظات :

أولا : معنى (فى) الظرفى :

يجب أن يكون معنى (فى) معنى ظرفيا ، أى : يدل على وعاء حدوث الفعل زمانا أو مكانا ، ويكون ذلك من خلال ذكر ما يدل على الزمان أو المكان بعد تقدير (فى) ، دون حاجة الفعل السابق إلى معنى (فى) ليتوصل به إلى مفعول وقع عليه معناه ، فيكون فعلا متعديا بواسطة.

فإذا قلت : أقابلك ظهرا أمام الكلية. فإن كلا من (ظهرا ، وأمام) يتضمن معنى (فى) الظرفى ، وأحدهما دال على زمان ، والآخر دال على مكان ، ومعنى المقابلة لا يحتاج إلى معنى (فى) للوصول إلى مفعول وقع عليه ، فالمقابلة تتعدى بلا واسطة.

لكنك إذا قلت : لا أرتاب فيه ، فإن الريبة تقع على ضمير الغائب بواسطة الحرف (فى) ؛ لأن العلاقة بين الريبة وما تقع عليه تكون علاقة تتضمن معنى الخلالية ، وتتحقق بالحرف (فى) ، فلا يكون ظرفا لذلك ، ومنه قوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ١٢٧]. فالرغبة تتضمن (فى) للوصول إلى المصدر المؤول (أن تنكحوهن) والتقدير : فى النكاح.

__________________

(١) (عاتبت) فعل ماض مبنى على السكون ، وتاء المتكلم ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. (المشيب) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (على الصبا) جار ومجرور بكسرة مقدرة ، منع من ظهورها التعذر ، وشبه الجملة متعلقة بالعتاب. (ألما) الهمزة استفهامية مبنية ، لا محل لها من الإعراب ، لما : حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أصح) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. والجملة الفعلية فى محل نصب ، مقول القول. (والشيب) الواو واو الابتداء أو واو الحال حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب ، الشيب :مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وازع) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال.

٣٢٨

ثانيا : جر الظرف ونصبه :

الفصل بين ما يدل على الزمان أو المكان اسما وما يدل على أى منهما ظرفا ؛ هو ذكر حرف الجر وحذفه ، فإذا ذكر كان ما بعده مجرورا بحرف الجر ، وإذا لم يذكر الحرف نصب ما بعده على الظرفية ، فتقول : زرت المريض فى يوم الجمعة ، فتجر (يوم) ، وزرت المريض يوم الجمعة فتنصب (يوم).

وتقول : اليوم يوم مبارك ، انقضت السنة ، فترفع (يوم ، السنة) ، كما تقول : مضيت اليوم إلى المزرعة ، مضيت السنة إلى مكة ، فتنصب (اليوم والسنة) على الظرفية.

ثالثا : قد يكون الظرف مفعولا به :

قد يكون ما يدل على الزمان أو المكان متعلقا بفعل سابق عليه غير متضمن معنى (فى) الظرفى ؛ ذلك لأنه يكون مفعولا به ، حيث إن معنى الفعل يقع عليه لا فيه ، فلا يكون ظرفا ، ذلك نحو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة : ٢٨١](١) ، فالمقصود باليوم يوم القيامة ، ولا يكون فيه تقوى ؛ لأن الأعمال التى نحاسب عليها قد انتهت بانتهاء الدنيا ، ولكن التقوى التى

يجب أن نتحراها فى الدنيا تقع على يوم القيامة لا فيه ، فيكون (يوما) مفعولا به منصوبا.

ومثل ذلك قوله تعالى : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) [النور : ٣٧](٢) ، (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤](٣) ، فالخوف واقع على اليوم ، كما أن علم الله واقع على مكان جعل الرسالة. الذى يتمثل فى (حيث).

__________________

(١) (ترجعون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير فى محل رفع ، نائب فاعل ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، صفة ليوم.

(٢) (تتقلب) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعة الضمة. (فيه) شبه جملة متعلقة بالتقلب. (القلوب) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الفعلية فى محل نصب ، صفة ليوم.

(٣) (حيث) مفعول به مبنى على الضم فى محل نصب. (يجعل) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : (هو) ، والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة.

٣٢٩

رابعا : حروف غير (فى) فى معنى الظرفية :

قد يتعدى الفعل إلى الظرف بغير معنى الحرف (فى) ، ويكون على معنى الحروف (على) ، و (عن) ، و (من) ، كما إذا قلت : جلست على يمينه ، وجلست عن يمينه ، وجلست من بين يديه.

والأول يعنى الاستعلاء على جهة اليمين ، والتمكين منها ، ويعنى الثانى : التجافى عن اليمين دون التلاصق له ، أما الثالث : فإنه يعنى البعضية ، أى : جلست فى بعض هذه الجهة. وكلها تعنى الظرفية ومعنى زائدا عليها.

خامسا : ما ينتصب انتصاب الظروف :

ينتصب انتصاب الظروف ما يأتى :

أ ـ ما كان عددا للظرف ، والظرف مميز له ، نحو : سافرت عشرين يوما ، سرت ثلاثين ميلا ، فكل من : عشرين وثلاثين منصوب على الظرفية. حيث إنها دلت على عدد الظرف.

ب ـ ما كان محدّدا للظرف ، وقد أضيف إليه ، كأن تقول : مشيت كلّ يوم ، سرت بعض الليل. مكثت نصف شهر ، سرت جميع الميل. فكل من : كل ، وبعض ، ونصف ، وجميع منصوب على الظرفية ، حيث إنها حملت مقدار الظرف ، سواء أكان مقدارا محددا أم مقدارا مبهما.

ومنه : رأيته جميع النهار ، ولعبت معه نصف النهار ، وأول النهار ، وآخره ، وطرفه ، وكله ... إلخ.

ج ـ ما كان صفة للظرف المحذوف نحو : سرت طويلا ، والتقدير : سرت زمنا طويلا ، فتكون الصفة التى نابت مناب الموصوف المحذوف منصوبة على الظرفية (١).

__________________

(١) قد يعرب (طويلا) نائبا عن المفعول المطلق ، إذا قدرت : سرت سيرا طويلا ، وأنت تلمس أن المعنى يختلف بينهما. اما إذا قلت : سرت سريعا ، فإن (سريعا) تحتمل النصب على المصدرية ، والحالية.

٣٣٠

ومنه : جلست قريبا ، أى : جلست مكانا قريبا منك ، ومنه كذلك قولك : قديما قالوا ذلك ، أى : زمنا قديما ... وكذلك ، الحمد لله أولا وآخرا ، أى : زمنا أولا ، وزمنا آخرا.

ومنه أن تقول : فأطرق المستمع مليا ثم قال ، حيث التقدير : أطرق وقتا مليا ، حيث (مليا) تعبر عن قدر من الاستغراق الزمنى فى الإطراق.

ويتضح النصب على الظرفية فيما إذا قلت : «مشيت قصيرا من الدهر شرقى الحديقة». والتقدير : زمنا قصيرا .. مكانا شرقى الحديقة.

د ـ ما كان مصدرا دالا على زمان أو مكان ، ويتحمل معنى (فى) الظرفية ، وبعض النحاة يرى أن مثل هذه المصادر ظروف ، وبعضهم ـ وعلى رأسهم السيرافى ـ يرى أن كلا منها يكون مضافا إلى ظرف محذوف ، نحو ، جئتك صلاة العصر ، أو : قدوم الحاج. حيث أضيف كلّ من المصدرين : صلاة ، وقدوم ، إلى ظرف الزمان المحذوف (وقت) ، فأخذ المصدران المضافان إعراب الظرف المحذوف (١).

يلحظ أن المصدرين معينان للوقت ، وقد يكون المصدران معينين لمقدار وقت ، نحو انتظرتك شرح الدرس ، أو : حلب ناقة ، أو : نحر جزور ، فكل من : شرح ، وحلب ، ونحر ، مصادر مبنية لمقدار وقت الانتظار.

ومنه القول : أتيتك خفوق النجم.

ومما ينوب فيه من المصادر مناب ظرف المكان قولك : جلست قرب مجلسك ، أى : مكان قرب مجلسك ، فحذف المضاف ، وهو مكان ، وأقيم مقامه المصدر : قرب ، ونصب نصبه.

ه ـ قد ينوب عن الظرف أسماء الأعيان ، ومنه ما يتناقله النحاة من قولهم : لا أكلمه القارظين (٢) ، وتقديرهم : مدة القارظين ، فحذف (مدة) وأقيم مقامها : غيبة ،

__________________

(١) أذكر هنا أن المضاف والمضاف إليه بمثابة الاسم الواحد ، فإذا حذف المضاف ، أقيم المضاف إليه مقامه ، وأعرب إعرابه.

(٢) القارظان : مثنى القارظ ، وهو الذى يجنى القرظ ، (بفتح القاف والراء) وهو شىء يدبغ به.

٣٣١

ثم حذف : غيبة ، وأقيم مقامها : القارظين ، وهو اسم عين ، انتصب انتصاب الظرف المحذوف.

ومنه قولهم : لا أفعل ذلك الشمس والقمر ، أى : مدة بقاء الشمس والقمر ، أو مدة طلوعهما. وقوله : لا أكلمه الفرقدين ، أى : مدة بقاء الفرقدين ، أو طلوعهما.

و ـ قد ينوب عن الظرف اسم الإشارة ، كأن تقول : صمت هذا اليوم ، أو هذا الشهر.

وعليه يمكن أن تقول : مقابلتنا هذا المكان ، أو : هذا الشارع ، سرت هذا الميل ، لم أستفد منه إفادتى تلك الليلة.

ز ـ كما ينوب المصدر الميمى مناب ظرف المكان (١) ، فقد سمع : هو منى معقد الإزار ، أى : قريبا ، وهو منى منزلة الولد ، أى : دانى المزار ، ومقعد القابلة ، أى : بين يدى ، ومناط الثريا ، أى : مرتفعا ، ومزجر الكلب ، أى : بعيدا ، ومن النحاة ـ وعلى رأسهم سيبويه ـ من يرى أن هذا سماعى ، ويرى الكسائى أنه مقيس.

ح ـ ما قد يضاف إليه الظرف ليفيد إبهامه : كأن تقول : ذهبت إليه ذات يوم ، زرته ذات ليلة. وقابلته ذات مساء.

ط ـ ما كان محددا لبداية الظرف ، وهو كلمة (أول) ، وهى غاية ، فهى تضاف إلى ما يدل على أوله ، مثل : قبل وبعد ، فكل منهما غاية ، ولذلك فإنها تنصب نصبهما ، وتبنى على الضم بناءهما.

فتقول : قابلتك أولا ، حيث يمكن أن يكون المقصود : أول زمن المقابلات ، فتنصب على الظرفية. فإذا كان المقصود : أول الأمر ، فإذا قصد بالأمر الزمن كان النصب كذلك ، أما إذا قصد به الشأن والغرض والعمل فإنها تنصب على نزع الخافض.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٤١٢ / الأصول فى النحو ١ ـ ١٩٩ / المساعد ١ ـ ٥٢٣ / شرح القمولى على الكافية ، تحقيق : عفاف بنتن ١٦٤ / الهمع ١ ـ ٢٠٠.

٣٣٢

وقد جاءت مبنية على الضم مثل : قبل ، كما هو فى قول معن بن أوس :

لعمرك ما أدرى وإنّى لأوجل

على أيّنا تعدو المنية أول (١)

بناء (أول) على الضم ، حيث احتسابه ظرف زمان مقطوعا عن الإضافة لفظا لا معنى.

سادسا : النصب على التوسع :

فى القول : «دخلت الدار» (الدار) منصوب على التوسع ، أى التوسع فى قاعدة المفعول به المنصوب ، وذلك بنزع الخافض أو إسقاطه ، فتنصب ما كان يجب أن يكون مجرورا. وهناك من يرى أن الفعل اللازم أجرى مجرى الفعل المتعدى.

ومثله : سكنت البيت ، دخلت الشام ... إلخ. ويكون منه قول الشاعر :

تمرّون الديار ولم تعوجوا

كلامكم علىّ إذن حرام

سابعا : تراكيب دالة على الزمن :

من التراكيب الدالة على زمن الحدث ذكر ما يدل على الزمن ، سواء أكان توسعا أم ظرفا ، ثم تحديده عن طريق الإضافة ، سواء أكان ذلك من خلال إضافة الفرد إلى الدالة الزمنية ، أم إضافة الجملة إليها. ذلك نحو :

__________________

(١) (لعمرك) اللام للابتداء مبنية ، لا محل لها من الإعراب ، عمر : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة ، والخبر محذوف وجوبا تقديره : قسمى. (ما أدرى) ما :حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أدرى : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، وفاعله مستتر تقديره : أنا. (وإنى) الواو للحال مبنية ، لا محل لها من الإعراب ، إن : حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب ، وضمير المتكلم مبنى فى محل نصب ، اسم إن (لأوجل) اللام للابتداء أو للتوكيد ، أو اللام المزحلقة لا محل لها من الإعراب ، أوجل : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله مستتر تقديره : (أنا) ، والجملة فى محل رفع ، خبر إن ، وجملة إن ومعموليها فى محل نصب ، حال. (على أينا) جار ومجرور ومضاف إليه مبنى فى محل جر ، وشبه الجملة متعلقة بـ (تعدو). (تعدو) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، (المنية) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، والجملة الفعلية فى محل نصب بـ (أدرى) ، (أول) ظرف زمان مبنى على الضم فى محل نصب ، متعلق بـ (تعدو).

٣٣٣

التاريخ المجتمع عليه أن عليا قتل سنة أربعين فى شهر رمضان ، استشهد يوم حنين ـ يوم صفين ـ يوم بئر معونة ...

ومنه : أيام قتله ـ يوم وجوده ـ ليلة مرضه ـ ليالى سفره ـ صبيحة ولادته ـ عشية رحيله ...

ومنه كذلك : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ٣٣]

يوم أسلم عمر جهر المسلمون بدينهم ـ يوم فتحت ـ ليلة ذهبت ـ ليالى سافرت ... إلخ.

ثامنا : الفعل بين الظرف وضميره :

ما يصل إليه الفعل بنفسه من ظروف الزمان أو المكان ـ أى : بدون واسطة ـ فإنه يصل إلى الضمير العائد على الظرف بالحرف.

فإذا قلت : سرت يوم الجمعة ، فإنك تقول : يوم الجمعة سرت فيه ، لا : سرته.

كما تقول : البيت دخلت فيه ، وأمامك جلست فيه.

تاسعا : الاتساع والظرفية بين الظرف وضميره :

الظرف مفعول فيه ، أى : يتضمن الحرف الظرفىّ (فى) ، لكنه يمكن أن تتسع فى استعمال الظرف فتجعله شبيها بالمفعول به ، ويكون منصوبا على الاتساع. فتقول : ضربت يوم الجمعة.

فإذا نصبت الظرف على السعة أو الاتساع ، فإنك تصل الفعل إلى ضميره بدون واسطة ، فتقول : يوم الجمعة ضربته ، والبيت دخلته ، وأمامك جلسته ، الذى ضربته يوم الجمعة ، والذى دخلته البيت.

أما إذا جعلته منصوبا على الظرفية ، فإنك تستعمل الحرف الظرفى (فى) ، فتقول : يوم الجمعة ضربت فيه ، والبيت دخلت فيه ، وأمامك جلست فيه ، والذى ضربت فيه يوم الجمعة ، والذى دخلت فيه البيت.

٣٣٤

كما يجوز ـ فى حال الاتساع ـ أن تجعله نائبا عن الفاعل مع وجود المفعول به.

ومما جاء منصوبا على الاتساع قول الشاعر (١) :

ويوما شهدناه سليما وعامرا

قليلا سوى الطعن النهال نوافله

حيث وصل الفعل (شهد) إلى الضمير الغائب العائد على الظرف بدون الحرف ، والتقدير : شهدنا فيه.

من ذلك جوز بعض النحاة الإضافة إلى الظرف إذا اتسع فى استعماله ، ويجعلون منه قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) [سبأ : ٣٣]. وأصلها : مكر فى الليل والنهار ، فلما اتسع فى استخدام الظرف جازت الإضافة إليه. ومنه ما ذكر سيبويه ، يا سارق الليلة أهل الدار.

سمى الزمخشرى أمثال هذه الظروف ظروفا مؤقتة (٢) ، وهى منصوبة على التوسع بإسقاط الخافض (٣). حيث يقدر النحاة قبلها حرف جرّ محذوفا.

وقد وضع النحاة للتوسع شروطا هى :

أ ـ أن يكون الظرف متصرفا.

ب ـ ألا يكون العامل حرفا ، ولا اسما جامدا ؛ لأنهما يعملان فى الظرف لا فى المفعول به ، والتوسع فيه شبه بالمفعول به.

ج ـ ألا يكون العامل فعلا متعديا إلى ثلاثة.

د ـ ألا يكون العامل (كاد) وأخواتها.

ومذهب سيبويه والمحققين أنه منصوب على الظرف ، أما الفارسى ومن وافقه فيذهبون إلى أنه منصوب على المفعول به ، وذهب الأخفش وجماعة إلى أنه مفعول به على الأصل ، لا على الاتساع.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ١٧٨ / المقتضب ٣ ـ ١٠٥ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٣٠٨ / المقرب ١ ـ ١٤٧.

(٢) المفصل ٥٥.

(٣) الموضع السابق ـ شرح التصريح ١ ـ ٣٣٩.

٣٣٥

عاشرا : اسما الزمان والمكان :

أسماء الزمان والمكان أسماء مشتقة على صيغ محددة منتظمة البنية للدلالة على الزمان والمكان ، وهى تدل على الفعل ومكانه أو زمانه ، فهى من سبل الإيجاز والاختصار فى بناء الكلمة العربية ، فلولاها لأتيت بالفعل ولفظ الزمان أو المكان.

وهى أسماء متصرفة ؛ لكننى أردت ذكرها لدلالتها فى هذه الدراسة على الزمان والمكان.

ومثالها : ملبس اللاعبين حجرة خاصة. الشرق مطلع الشمس ، والمغرب غروبها ، أذاكر فى حجرة المكتب ، منزلنا الليلة فى المنصورة ، ومهبطنا فيها مساء ، مجرى النيل يجب أن نحافظ عليه ، مستخرج البترول القرن العشرون ، والصحراء مستخرجه.

وكل من هذه الأسماء له موقعه الإعرابى ، حيث : (ملبس) مبتدأ ، (مطلع) خبر ، (المغرب) مبتدأ ، (المكتب) مضاف إليه. (منزل) مبتدأ ، (مهبط) مبتدأ ، (مجرى) مبتدأ ، (مستخرج) مبتدأ ، (مستخرج) خبر.

حادى عشر : الظروف والأساليب :

إلى جانب أن الظروف تستخدم فى الجملة العربية لأداء الدلالة الزمانية أو المكانية تستخدم لأداء إحدى الدلالتين فى بعض الأساليب ، وهى :

أ ـ أسلوب الاستفهام :

حيث تستخدم أسماء خاصة بالسؤال عن الزمان والمكان ، فنجد أن :

ـ (متى) تستخدم للاستفهام عن الزمان ، فتقول : متى جئت؟ فتستفهم بذلك عن وقت المجىء ، فتجيب : يوم الجمعة ، حيث تعين الوقت ، وتكون (متى) اسم استفهام مبنيا فى محلّ نصب على الظرفية.

ـ (أيان) للاستفهام عن الزمان ، كما فى قوله تعالى : (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢] ، وفيه (أيان) اسم استفهام مبنى على الفتح فى محل نصب.

٣٣٦

ـ (أين) للاستفهام عن المكان ، ومثلها (أنّى) ، فتقول : أين منزلك؟ وأنّى قاعة محاضرة النحو؟ وكل من : (أين وأنى) اسم استفهام مبنى فى محلّ نصب على الظرفية.

ـ أما (أى) فإنها تصلح للاستفهام عن الزمان والمكان ، تبعا لما أضيفت إليه ، فتقول : أىّ مكان نتقابل؟ وأى يوم نسافر؟ وتكون (أى) فى الموضعين منصوبة على الظرفية.

هذا إلى جانب دلالتها على العاقل وغير العاقل.

ـ (كم) تقتضى الاستفهام عن عدد الظرف ، فإذا قلت : كم سرت؟ كان سؤالا عن عدد مدة السير ، فيجاب بالقول : سرت عشرين يوما ، أى : استغرق السير هذه الأيام ، وتقول كذلك : سرت ثلاثين مترا.

ب ـ أسلوب الشرط :

تكون بعض الظروف رابطة بين جملتى أسلوب الشرط ربطا زمانيا أو مكانيا ، وهى ـ حينئذ ـ تكون اسم شرط مبنيا فى محل نصب على الظرفية ، وهى :

ـ للتعليق الزمنى : متى ، أيان ، إذا ، حيثما ، كلما.

للتعليق المكانى : أينما ـ أنى ـ حيثما.

ـ أما (أى) فإنها تكون بحسب ما تضاف إليه ـ إن زمانا أو مكانا ـ مثال ذلك : متى تخرج أخرج ، أيان ما تذاكر أجالسك. إذا أكرمتنى فزرنى ، حيثما انتهينا من صلاة العصر عقدنا القران. كلما تقابلنا تناقشنا فى هذا الموضوع. أينما تسر تجد الأرض الخضراء ، أنى تنزل تكن مصدر خير. حيثما جلست جاورتك. أى وقت تزرنى أقابلك ، وأى مكان تقابلنى أصافحك.

فى الأمثلة السابقة : (متى وأيان ، وإذا ، وحيثما) أسماء شرط مبنية فى محلّ نصب على الظرفية وهى دالة على الزمان ، أما (كل) فهو منصوب على الظرفية ، وعلامة نصبه الفتحة.

٣٣٧

أما : (أين ، وأنى ، وحيث) فهى أسماء شرط مبنية فى محل نصب على الظرفية ، وهى دالة على المكان ، و (أى) منصوبة على الظرفية ، وعلامة نصبها الفتحة ، والأولى دالة على الزمان ، والأخرى دالة على المكان.

أقسام الظرف من حيث المعنى

تنقسم الظروف من حيث معناها إلى قسمين : ظروف الزمان ، وظروف المكان. لكننا نوجد قسما ثالثا يتضمن ما يتردد بين الزمان والمكان.

القسم الأول : ظروف الزمان :

التعبير عن الزمن فى اللغة يجب أن يشمل ثلاثة جوانب من حيث الجانب الدلالى :

الجانب الأول : التحديد الزمنى للحدث :

أى : تحديد زمن وقوع الحدث ، وذلك يكون باستخدام صيغ ومبان مختلفة للأفعال ؛ للتعبير عن الماضى أو الحال أو الاستقبال ، وباستخدام ضمائم وقرائن تضفى على السياق مراتب أخرى لكل جهة من الجهات الزمانية السابقة.

ويشمل هذا الجانب كذلك الألفاظ التى وضعت فى اللغة لأداء معان معينة تحدد الأزمنة المختلفة. كما يتضمن ألفاظ بعض الأفعال الدالة على التحديد الزمنى لأحداث ما.

الجانب الثانى : العلاقة الزمنية :

يعنى هذا الجانب بدراسة العلاقة الزمنية للحدث بغيره من أحداث سابقة عليه ، أو لاحقة به ، وبذا يعبر عن ارتباط الأحداث بعضها ببعض ارتباطا زمنيا ، ويكون هذا باستخدام أدوات معينة ؛ وضعت فى اللغة لتدل على هذه العلاقات الزمنية ، كالقبلية والبعدية والبينية .. وغير ذلك مما يحدد زمن حدث ما بنسبته إلى أزمان أخرى.

٣٣٨

الجانب الثالث : الاستغراق الزمنى للحدث :

كل حدث ، أو ما يدل على حدث له مدة زمنية يستغرقها ، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه القياس الزمنى للحدث.

أما وسائل التعبير عن هذه الجوانب فيمكن أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام من حيث الجانب اللفظى :

الأول : الفعل والتراكيب الفعلية وأداء الدلالة الزمنية : سواء أكان ذلك تحديدا لزمن الحدث ، أم بيانا لمدته الزمنية ، مع مراعاة دراسة الضمائم السابقة للفعل المؤثر فى الدلالة الزمنية.

الثانى : الاسم والتراكيب الاسمية الدالة على الزمن من جهتى تحديد زمن الحدث أو بيان مدته الزمنية ، وتتضمن هذه الظروف وما ناب منابها ، أو أدى دلالتها الزمنية ، مع ذكر كل اسم فيه دلالة الزمن لعنصر من عناصر الجملة.

الثالث : قرائن التتابع الزمنى : من حيث علاقة الحدث بغيره من الأحداث ويكون هذا باستخدام قرائن أو أدوات معينة تختص بتحديد العلاقات الزمانية.

فى هذا القسم نحاول أن نذكر الأسماء الظرفية الدالة على الزمن ، مع توضيح لكثير من جوانبها التركيبية.

الآن :

اسم للزمان ، يدل على الحاضر ، ويعنى بالحاضر الزمان الفاصل بين الماضى والمستقبل ، أو بمعنى آخر : الزمان الذى يقع فيه كلام المتكلم الذى يفصل بين الماضى والمستقبل ، وزمانه إما أن يكون قد حضر جميع وقته ، أو بعضه. وهو مبنى على الفتح ، واختلف فى علة بنائه على النحو الآتى :

ـ من النحاة من يرى أنه مبنى لتضمنه الألف واللام فى أول أحواله ، ولزومهما فيه ، وهو غير معهود ؛ لأن المعهود أن تكون الأسماء نكرة شائعة فى الجنس فى أول عهدها ، وعليه سيبويه والمبرد.

٣٣٩

ـ أما الفراء فإنه يرى أن أصله (آن) ، فعل ماض ل (يئين) ، والماضى مبنى على الفتح ، فلما دخلت عليه الألف واللام ترك على حاله.

كما اختلفوا فى وجود الألف واللام فيه بين : لزومهما فيه فى أول بنائه.

كونهما للتعريف.

كونهما زائدتين.

ولكنه كما يذكر ابن يعيش لما أريد به المعرفة ألبتة لزمت أداته ، وأما علة بنائه فلإبهامه ووقوعه على كل زمن حاضر (١) ، ففتحته فتحة بناء ، وليست فتحة نصب ، أما هو فمبنى ، وليس بمنصوب ؛ فلأنه مصدّر بأداة التعريف ، ويختص بما هو عليه من تركيب كما يختص بالحاضر من الزمان ، والمختص يبنى فى اللغة العربية.

ومثاله : (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) [البقرة : ٧١] (الآن) ظرف زمان مبنى على الفتح فى محل نصب ، متعلق بالمجىء.

وكذلك (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً)(٢) [الجن : ٩].

وقد جاء معربا فى قول أبى صخر الهذلى :

كأنهما ملآن لم يتغيّرا

وقد مرّ للدارين من بعدنا عصر

ملآن هى : من الآن.

__________________

(١) شرح المفصل ٤ ـ ١٠٤.

(٢) (من) اسم شرط جازم مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، (يستمع) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (الآن) ظرف زمان مبنى على الفتح فى محل نصب متعلق بالاستماع. (يجد) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (له) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بيجد. (شهابا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (رصدا) صفة لشهاب منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة ، والتقدير : شهابا راصدا ، أو ذا رصد. ويجوز أن يكون مفعولا لأجله منصوبا.

٣٤٠