النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

[الرحمن : ١٠](١). فـ (الأنام) ليس اسم معنى مصدرا. وكأن يقال : جئتك للولد.

ب ـ يفقد معنى القلبية : نحو قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ ..) [الأنعام : ١٥١](٢) فالإملاق ليس معنى قلبيا.

ج ـ يفقد التعليل : نحو : قابلته فجأة (٣). إذ إن الفجأة لا تعطى معنى التعليل لإحداث الفعل (قابل).

د ـ يفقد الاتحاد فى الوقت : كما هو قول امرئ القيس :

فجئت وقد نضّت لنوم ثيابه

لدى السّتر إلا لبسة المتفضّل (٤)

فنضو الثياب زمنه قبل زمن النوم المسبوق بلام التعليل ، فالمصدر (النوم) لا يشترك زمنه مع زمن الفعل (نض).

ومنه أن تقول : جئتك اليوم للاجتماع غدا.

ه ـ يفقد الاتحاد فى الفاعلية : كأن تقول : زار محمود أخاه لرغبة أبيه فى ذلك (٥). فاعل (زار) محمود ، أما فاعل المصدر (رغبة) فهو المضاف إليه (أبى).

__________________

(١) (الأرض) منصوبة بفعل محذوف يقدر مما هو مذكور فى الآية.

(٢) (أولاد) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (لا) حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب.

(تقتلوا) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ؛ لأنه من الأفعال الخمسة ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (أولادكم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وضمير المخاطبين (كم) مبنى فى محل جر بالإضافة.

(٣) (فجأة) حال منصوبة على سبيل تأويله بالمشتق ، والتقدير : مفاجئا ، أو مفعول مطلق لفعل محذوف هو الحال ، والتقدير : أفجأه فجأة.

(٤) الواو : واو الحال أو الابتداء. وجملة (قد نضت) فى محل نصب ، حال. (ثياب) مفعول به منصوب للفعل (نض). (لدى) ظرف مبنى فى محل نصب. (الستر) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(لبسة) مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(٥) (أخاه) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة ، وضمير الغائب مبنى محل جر بالإضافة. (أبيه) مضاف إلى المصدر (رغبة) مجرور ، وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الستة ، وهو فى محل رفع فاعل المصدر. وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة.

٣٠١

ومنه قول أبى صخر الهذلى :

وإنى لتعرونى لذاكراك هزّة

كما انتفض العصفور بلّله القطر (١)

فاعل (تعرو) هزة ، أما فاعل المصدر (ذكرى) فهو كاف الخطاب المضاف إلى (ذكرى). وعليه فإن فاعل الفعل (تعرو) يختلف عن فاعل المصدر المتعلق به بواسطة حرف التعليل اللام (ذكرى).

ومنه قوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٨](٢).

(لتركبوها) مفعول لأجله ، وإنما وجب ذكر حرف التعليل ؛ لأنه فقد شرط الفاعلية ، إذ خالق الخيل والبغال هو الله تعالى ، أما فاعل الركوب إنما هم المخاطبون.

أما (زينة) فمن أوجه إعرابه أنه مفعول لأجله (٣) ، ووصل إليه الفعل بنفسه ، أى : ذكر منصوبا لاستيفاء الشروط مكتملة ، فالخالق هو الله تعالى ، وهو الذى يزينكم فى أعين الناس بالخيول وغيرها.

__________________

(١) (لتعرونى هزة) اللام : لام الابتداء ، أو التوكيد ، أو اللام المزحلقة. تعرونى : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. والنون للوقاية ، وضمير المتكلم فى محل نصب ، مفعول به (هزة) فاعل مرفوع.

(كما انتفض العصفور) ما مصدرية ، والمصدر المؤول فى محل جر بالكاف. والتقدير : كانتفاض العصفور. وشبه الجملة فى محل رفع ، نعت لهزة ، أو متعلقة بنعت محذوف. (بلله القطر) جملة فعلية فى محل نصب ، حال ، صاحبها العصفور.

(٢) (الخيل) منصوبة بالعطف على (الأنعام) فى قوله تعالى السابق : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ ..) [النحل : ٥]. أو أنها مفعول به لفعل محذوف ، تقديره (خلق).

(٣) أما الأوجه الإعرابية الأخرى لنصب (زينة) فهى :

ـ أن تكون مصدرا قام مقام الحال ، صاحبه المفعول به فى خلقها ، أو : لتركبوها ، والتقدير : متزينين

ـ أن تكون مصدرا منصوبا بفعل من لفظها ، والتقدير : تتزينون بها زينة.

ـ أن تكون منصوبة بالعطف على محل (لتركبوها).

ـ أن تكون منتصبة بفعل مضمر ، تقديره : خلق ، أو جعل.

ينظر : الكشاف ١ ـ ٥٢٠ / المحرر الوجيز ٨ ـ ٣٧٤.

٣٠٢

ويمكن أن يكون منه قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨](١).

من أوجه المعانى المحتملة ـ وهى يتوقف عليها الإعراب ـ ل (دلوك) أن تكون على تقدير : لأجل دلوك الشمس (٢) ، وهى شبه جملة متعلقة بالقيام ، وفاعل القيام غير فاعل الدلوك.

و ـ يكون من لفظ فعله أو عامله : نحو : علمتك للتعليم. وإن نصبت فهو مفعول مطلق.

ز ـ ومنه ـ كذلك ـ ألا يكون المصدر نوعا للفعل : نحو : جئتك عدوا. فـ (عدوا) إما حال بتأويله بمشتق ، والتقدير : عاديا ، وإما نائب عن المفعول المطلق على تقدير المفعول المطلق المحذوف ، وعدوا صفته بتأويلها بمشتق ، ونابت منابه ، وإما نائب عن المفعول المطلق ؛ لأن العدو نوع وبيان هيئة للمجئ ، فهى بمثابة المرادف له.

العامل فى المفعول له :

للنحاة مذاهب مختلفة فى عامل نصب المفعول لأجله (٣) :

ـ فمذهب جمهور البصريين أنه منصوب بالفعل ؛ على تقدير لام العلة التى أسقطت.

ـ أما مذهب الكوفيين فهو انتصابه انتصاب المصادر ، دون إسقاط حرف الجر

ـ وذهب الزجاج إلى أنه منصوب بفعل مضمر من لفظه.

ويذكر أنه قد تقع الباء ومجرورها مفعولا له ، كقوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ

__________________

(١) (إلى غسق) شبه جملة متعلقة بـ (أقم). وقد تكون حالا من (الصلاة) ، أى : أقمها ممدودة إلى غسق الليل. (قرآن) منصوب على أنه معطوف على (الصلاة) ، أو : على الإغراء. (أقم) فعل أمر مبنى على السكون ، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين. (كان مشهودا) جملة فى محل رفع ، خبر (إن). (مشهودا) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(٢) قد تكون بمعنى : (بعد) ، أى : بعد دلوك الشمس ، وحينئذ تكون شبه الجملة متعلقة كذلك بالقيام.

(٣) ينظر المراجع السابقة ويرجع إلى : نزع الخافض : ٧٢ وما بعدها.

٣٠٣

هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء : ١٦٠] أى : بسبب ظلم من الذين .....

وكذلك (من) ومجرورها ، كقوله ـ سبحانه : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائد : ٣٢]. أى : لأجل ذلك ، وفيها معنى السببية.

كما أنهم يجعلون من ذلك قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [البقرة : ١٩]. حيث تكون (من) بمعنى السببية ، فيجعلون (من الصواعق) فى موضع نصب على المفعول له ، والتقدير : من خوف الصواعق (١).

وكذلك الكاف ، ومنه ـ كما يذكر ابن الخشاب ـ مسألة الكتاب : كما أنه لا يعلم فغفر الله له ، أى لأنه لا يعلم ، و (ما) زائدة بين الكاف ومجرورها (٢).

ويذكر ابن هشام معنى التعليل للكاف ، فأثبته قوم ، ونفاه الأكثرون ، وقيد بعضهم جوازه بأن تكون الكاف مكفوفة ، كحكاية سيبويه السابقة (٣).

ونظرة فى مجموع ما سبق نجد أن المفعول لأجله مفعول مقيد بالتعليل ، سواء أكان التعليل باللام ، أم بمن ، أم بغيرهما ، وهذا التقييد يفرض علينا أن ننظر فى أصل التركيب الذى يأتى فيه المفعول لأجله ، ولا نجد مفرا من تقدير (لام) التعليل قبل المصدر المنصوب للتعليل ، أو غير اللام من جار.

يذكر سيبويه ذلك فى عدة مواضع ، فيقول : «فعلت ذلك حذر الشر. أى : لحذر الشر» (٤). كما يجعله فى موضع آخر موقوعا له ، فيذكر : (هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر ؛ فانتصب لأنه موقوع له ، ولأنه تفسير لما قبله لم كان ، وليس بصفة لما قبله ، ولا منه.

__________________

(١) ينظر : شرح المفصل ٢ ـ ٥٣.

(٢) يرجع فى ما سبق إلى : ابن الخشاب ، المرتجل ١٥٩.

(٣) مغنى اللبيب ١ ـ ١٧٦. والمثل الموجود فى الكتاب هو : «كما أنه لا يعلم ذلك ، فغفر الله له» ٣ ـ ١٤٠.

(٤) الكتاب ٣ ـ ١٥٤.

٣٠٤

ثم يذكر : «فهذا كله ينتصب لأنه مفعول له ، كأنه قيل له : لم فعلت كذا وكذا؟ ، فقال : لكذا وكذا ، ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله» (١).

إذن ، تقدير سيبويه أن المفعول لأجله إنما نصب لحذف حرف الجر (اللام) ، ويؤكد ذلك فى كل موضع يتطلب ذلك فى كتابه ، وفى كل تمثيل بهذا ، فعند ذكره لفتح همزة (أن) لحذف لام التعليل قبلها يذكر ـ مقارنا إياها بالمصدر ـ قوله : «ولكنك حذفت اللام ـ ههنا ـ كما تحذفها فى المصدر إذا قلت :

وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما

أى : لادخاره (٢) : ويعلل ابن جنى لذلك بأنه لما حذف اللام نصبه بالفعل الذى قبله (٣).

أما الذين يرون أنه ينتصب انتصاب المصادر فإنه يردّ بأن المصادر تنصب فى أى حال ، وليس بشروط خاصة ، وأهم هذه الشروط التى تفند هذا الرأى هو شرط التعليل ، وكأن النصب هنا معنوى ولفظى ، فأما المبرر المعنوى فيظهر من إرادة مدلول التعليل ، وأما المبررات اللفظية فإنما تتمثل فى سائر الشروط ، والمصادر لا تنصب إلا بتعليل لفظى ، يرجع إلى أصول أفعالها.

أما من يرى بأنه منصوب بفعل مضمر من لفظه فإنه يذهب به مذهب الحال ، أو أنه كيف تعرب الجملة الفعلية التى يمثلها هذا الفعل؟ أتمثل الابتداء؟ إذن تفتقد مدلول الجملة وهو التعليل ، ولو افترضنا أنها تعنى التعليل فلابد من عدة تقديرات ، تتمثل فى افتراض وجود لام التعليل ، ثم تجر ما بعدها مع تقدير (أن) ، فمصدر مؤول .. إلى غير ذلك ، ويذكر ابن الخشاب أن المفعول له «يقدر أبدا باللام ، ثم تحذف فيفضى الفعل إلى مجرورها فينصبه. فالأصل فى قولك : قصدتك ابتغاء عرفك ، لابتغاء عرفك ، ثم حذفت اللام ، فانتصب مجرورها» (٤).

__________________

(١) السابق ١ ـ ٣٦٧ / ينظر : ابن السراج ، الأصول فى النحو ١ ـ ٢٤٦.

(٢) الكتاب ٣ ـ ١٢٦ / وانظر : ابن يعيش ، شرح المفصل ٢ ـ ٥٤ / البغدادى ـ الخزانة ١٠ ـ ٤٩١ / وانظر كذلك : الكتاب ١ ـ ٣٨٦ حيث يذكر سيبويه حذف اللام.

(٣) اللمع ص ١٤١.

(٤) المرتجل ص ١٥٩.

٣٠٥

لذا ؛ فلا مفر من افتراض سقوط لام التعليل الجارة ، واجتماع الشروط لا يسقطها بالضرورة ـ على الوجه الأرجح ـ سواء احتاج المصدر إلى حرف التعريف ، أم إلى الإضافة ، فيمكن أن نجعل هذا من قبيل تعاقب التنوين وأى منهما.

ويقوى ذلك أن النحاة يوجبون الجر إذا فقد شرط مما سبق ، وهنا يوجب سبق اللام التعليلية ، أو ما فى معناها ، وهو (من) السببية ، نحو : (مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [لحشر : ٢١] ، و (الباء) نحو قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) [النساء : ١٦٠] ، و (فى) نحو : دخلت امرأة النّار فى هرّة (١).

ويمكن لنا أن نقول : إن المفعول لأجله من المنصوبات التى نصبت لنزع الخافض ، أو لسقوط حرف الجر.

ولا غرو أن نقرأ لدى ابن أبى الربيع : «فحرف الجر هو الأصل فى المفعول من أجله» (٢). كما يذكر فى موضع آخر أن حذف حرف الجر فى المفعول من أجله قياسى (٣). كما يختاره السلسيلى فيقول : «وهو الصحيح ، بدليل وصول الفعل إلى ضميره باللام ، نحو : ابتغاء ثواب الله هو الذى تصدقت له ، إذ المضمرات ترد الأشياء إلى أصولها» (٤).

ويؤيد كل ما سبق ما ذكره الصيمرى من قبل ، وبعد أن ذكر أن المفعول لأجله يفسر على وجود لام قبله ، وذلك فى قوله : «وهذه اللام المقدرة يجوز ذكرها فى الكلام ، وحذفها ، كقولك : جئتك لمخافتك ، ولطمع فيك ، وإن شئت حذفتها : ونصبت ما بعدها ، فقلت : جئتك مخافة لك ، وطمعا فيك ..» (٥).

__________________

(١) ابن عقيل / المساعد على تسهيل الفوائد ١ ـ ٤٨٦ ، ٤٨٧.

(٢) البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٤٦٨.

(٣) السابق ٢ ـ ٨٤.

(٤) شفاء العليل فى إيضاح التسهيل ١ ـ ٤٦١.

(٥) التبصرة والتذكرة : ١ ـ ٢٥٦.

٣٠٦

وعلينا أن ننتبه إلى أن «شرط نصب المفعول له أن تكون اللام مقدرة غير ملفوظة ؛ لأن اللام لو كانت ملفوظة لكان مجرورا ، فلم يكن نصبه مع الجر ، ولو لم تكن مقدرة لم يفهم منه العلية التى هى شرط المفعول له» (١).

حذف العامل :

يجوز حذف عامل المفعول له لقرينة تدل عليه.

من ذلك قولك : كلّ هذا أملا فى تفوق يحسد عليه. والتقدير : كلّ هذا أحدثه أملا فى .... فالأمل مصدر قلبى معلل للفعل المقدر (أحدث) ، كما أنه يشترك معه فى الفاعلية ، وزمن الأمل يشترك مع زمن الإحداث.

ومثله أن تجيب بقولك : حسدا عليه ؛ ردا على سؤال السائل : لم فعل كلّ هذا؟

ملحوظات :

أولا : المفعول لأجله والاختصاص :

ألحظ أن المفعول لأجله إذا كان نكرة فإنه لا يأتى إلا منسوبا إلى ما بعده ، ويكون ذلك باستخدام حروف الجر ، ذلك نحو : أقدر جارى حبا له. أنصت إليه أملا فى استيعاب الفكرة. أنظف الفراش محافظة عليه. أصادقه إعجابا به.

فأنت تلمس أن المصادر المنصوبة على أنها مفعول لأجله : حبا ، أملا ، محافظة ، إعجابا ، قد وردت نكرة ، ولكنها ركبت منسوبة إلى ما بعدها بواسطة حروف الجر : اللام ، فى ، على ، الباء.

ومنه : جئتك ابتغاء لخيرك. قصدتك طمعا فى معروفك. أعرضت عنه حزنا منه. صددته غضبا عليه. توجهت إليه أملا فى عدله. أناصره ميلا إليه. لن أزوره إعراضا عنه.

__________________

(١) الوافية فى شرح الكافية ص ١١٧.

٣٠٧

وإن ذكر المفعول لأجله فى التركيب الظاهرى الملفوظ به نكرة دون نسب إلى ما بعده بواسطة حرف الجر ، فإن ذلك النسب يقدر ذهنيا ، ففى قول حاتم الطائى السابق :

وأغفر عوراء الكريم ادخاره

وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما

حيث إن (تكرما) يمكن أن يكون مفعولا لأجله منصوبا للفعل (أعرض) ، فهو مصدر معلل قلبى مشارك للفعل فى الزمن والفاعلية ، وهو نكرة غير منسوب ، لكننا نلحظ أن النسب مقدر ذهنيا ، والتقدير : تكرما منى.

والنسبة باستخدام حرف الجر تخصيص وتقييد دلالى ، وإذا كان المفعول له مصدرا فهو معنى عام ؛ لأن المصدر اسم جنس ، واسم الجنس معنى عام ، ولذلك فإنه يحتاج إلى تقييد وتخصيص ؛ كى يتحدد معناه ، فيتلاءم مع المعنى المشترك معه المتمثل فى الفعل ، فيتخصص عن معنى اسم الجنس العام.

لذلك كان النسب باستخدام حروف الجر إن كان المفعول لأجله نكرة.

لذلك فإننى أرى أن هذا يجب أن يراعى فى شروط وهيئات المفعول لأجله ، حيث يجب أن يكون مخصصا أو معرفا ، إما بحروف الجر ومجروراتها ، أو بالإضافة ، أو بالألف واللام ، كما قد تكون الإضافة ذهنية تقديرية.

ولنقرأ ما ذكره السيوطى فى الأشباه والنظائر : «قال الجزولى : لا يكون المفعول له منجرا باللام إلا مختصا ، نحو قمت لإعظامك ، ولا يجوز لإعظام لك.

قال الشلوبين : وهذا غير صحيح ، بل هو جائز ؛ لأنه لا مانع يمنع منه ، قال الشلوبين : ولا أعرف له سلفا فى هذا القول» (١).

والمثلان المذكوران يختص فيهما المفعول لأجله ، مرة بالإضافة ، وأخرى بواسطة حرف الجر.

__________________

(١) الأشباه والنظائر فى النحو ٣ ـ ٧٦.

٣٠٨

يتضح التخصيص فى قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) [البقرة : ١٠٩](١) حيث (حسدا) مفعول لأجله منصوب (٢) ، وهو مختص بشبه الجملة (من عند) ، حيث تكون فى محل نصب صفة ، أو متعلقة بمحذوف صفة (كائنا) (٣). أو متعلقة بالحسد.

أما قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء : ٣٥]. ففيه (فتنة) منصوبة ، ومن أرجح أوجه نصبها أن تكون مفعولا لأجله (٤) ، وهو إن لم يظهر فيه التخصيص فإنه مقدر ، حيث التقدير : فتنة

__________________

(١) شبه جملة (من أهل) فى محل رفع ، نعت للفاعل (كثير). (كفارا) : مفعول به ثان ل (رد) ، والمفعول الأول : ضمير المخاطبين فى (يردونكم) ، وتكون (ردّ) بمعنى حيّر التى تتعدى إلى مفعولين. ومن النحاة من يجعل (رد) متعدية إلى واحد ، وتكون (كفارا) حالا من ضمير المخاطبين فى يردونكم ، وهو ضعيف ؛ لأن الحال يستغنى عنها غالبا. وهذا مما لا يستغنى عنه ـ معنويا ـ كى يكتمل السياق. (ما تبين) ما مصدرية لا محل لها من الإعراب. والمصدر المؤول من (ما) والفعل فى محل جر بالإضافة.

وشبه الجملة : (من بعد) متعلقة بالفعل (ود).

(٢) يمكن أن نلمس فى نصب (حسدا) وجهين آخرين :

أولهما : أنه منصوب على الحالية. ويؤول بمشتق ، تقديره : حاسدين ، وهو ضعيف ، حيث يستلزم التأول بالمشتق ، وكذلك بالجمع. كما أن الحال لا تطرد مصدرا.

والآخر : أنه منصوب على المصدرية بفعل يقدر من لفظه ، والتقدير : يحسدونكم حسدا. لكن المفعول لأجله أظهر. ينظر : الدر المصون ١ ـ ٣٤١.

(٣) يذكر فى موقع شبه الجملة (من عند) وجهان آخران :

أولهما : أنها متعلقة بالفعل (ود).

والآخر : أنها متعلقة بالفعل (يرد).

ينظر : الموضع السابق.

(٤) فى نصب (فتنة) وجهان آخران مرجوحان :

أولهما : أن يكون منصوبا على المصدرية ، على أنه نائب عن المفعول المطلق ، حيث إن العامل : نبلو ، وهو مرادف للفتنة ؛ لأن الابتلاء فتنة.

والآخر : أنه منصوب على الحالية ، حيث يؤول المصدر هنا بمشتق ، والتقدير : فاتنين إياكم.

ينظر : روح المعانى ١٧ ـ ٤٧.

٣٠٩

لكم ، أو : فتنة منا لكم ؛ لأن الفتنة لا بد أن يكون لها جهتان : جهة الصدور ، وهو الفاتن أو المبتلى (بكسر اللام) ، وجهة الوقوع عليه ، وهو المفتون أو المبتلى (بفتح اللام).

ومثل ذلك فى قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥]. حيث (عبثا) منصوب على أنه مفعول لأجله ، والتقدير : لأجل العبث ، وهو إن كان غير مختص فى اللفظ ، إلا أنه مختص فى الذهن ، حيث إن العبث له مصدره الفاعل ، والتقدير : عبثا منا ، كما أننا إذا جعلناه مصدرا واقعا موقع الحال فإننا نقدره بـ (عابثين) ، حيث يكون اسم فاعل ، يدل على المصدر الحادث وفاعله (١).

ثانيا : حذف اللام منه :

أجاز بعض النحاة ـ وعلى رأسهم ابن خروف ـ أن تحذف اللام من المفعول لأجله إذا كان فاعله فاعل الفعل المعلل. ذلك نحو :قصدتك إحسانك لزيد ، وقصدتك إحسان زيد إليك (٢). والأصل ، قصدتك لإحسانك .. ، ولإحسان زيد .. فلما كان فاعل (إحسان) فى الجملتين غير فاعل (قصد) جاز عند هؤلاء النحاة حذف لام التعليل قبل المصدر.

وعليه حمل بعضهم قوله تعالى : (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الرعد : ١٢].

حيث الإراءة من الله ـ تعالى ـ والخوف والطمع من عبيده ، ويجعلون من ذلك قول امرئ القيس :

أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدّرا

بكاء على عمرو وما كان أصبرا (٣)

وأصل الكلام : تحدر دمع أم عمرو بكاء على عمرو ، ففاعل التحدر دمع ، وفاعل البكاء أم عمرو.

__________________

(١) ينظر : الإملاء ٢ ـ ١٥٢.

(٢) ينظر : شرح التصريح ١ ـ ٣٣٥.

(٣) شرح ديوانه ٦٩ / شرح ابن عقيل على الألفية ٣ ـ ١٥١ / المساعد ١ ـ ٢٦٨.

٣١٠

ثالثا : حذف المفعول لأجله :

يجوز حذف المفعول له إذا كان مضافا ، لكنه يجب أن تبقى اللام. ذلك نحو : قمت لزيد ، أى : قمت لإكرام زيد.

ويجعلون منه قوله تعالى : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) [البقرة : ٣٤] أى : إكراما لآدم.

والعامل فيه ـ حينئذ ـ هو الفعل المذكور ، خلافا للزّندى ـ شارح الجمل ـ ، حيث يرى أن العامل فيه فعل مقدر من لفظه أو معناه. والأول هو الظاهر المشهور.

رابعا : تقديم المفعول له :

يجوز تقديم المفعول لأجله على الفعل ما لم يمنع منه مانع. ذلك نحو : ابتغاء الخير جئتك.

خامسا : إعمال المفعول لأجله فى آخر :

قد يعمل المفعول له فى آخر. ذلك كما فى قوله تعالى : (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) [التوبة : ٩٢].

علل فيض الدمع بالحزن ، وعلّل الحزن بعدم وجود النفقة ، فعدم وجود النفقة علة العلة (١). وعليه فإن المصدر (ألا يجدوا) مفعول لأجله للمفعول لأجله (حزنا) ، وهو منصوب به ، أما (حزنا) فإنه مفعول لأجله ل (تفيض).

ومثل ذلك قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة : ٣٨]. حيث (جزاء) مفعول لأجله منصوب ، وفعله (اقطعوا) ، و (نكالا) مفعول لأجله منصوب ، والعامل فيه (جزاء) ، فالجزاء علة القطع ، والنكال علة الجزاء ، فيكون النكال علة للعلة.

ويمكن أن نلمس ذلك فى قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [البقرة : ٩٠] حيث

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ ـ ٤٩٣.

٣١١

(بغيا) منصوبة لأنها مفعول لأجله (١) ، والعامل فيه (أن يكفروا) ، وقد يكون (اشتروا).

أما المصدر المؤول (أن ينزل) فإنه يكون فى محل نصب (٢) على أنه مفعول لأجله ، والعامل فيه المفعول لأجله السابق (بغيا).

ويكون علة الكفر أو علة الاشتراء السّيّئ بغيهم. ويكون علة بغيهم إنزال الله ـ تعالى ـ من فضله على محمد صلّى الله عليه وسلّم. وعليه فإن إنزال فضل الله تعالى علة العلة.

* من أمثلة المفعول لأجله :

ـ (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) [الإسراء : ٢٨](٣).

__________________

(١) ويمكن أن يكون فى نصب (بغيا) ، وجهان آخران :

أولهما : أنه يكون منصوبا على المصدرية ، والعامل فيه فعل مقدر من لفظه ، والتقدير : بغوا بغيا.

والآخر : أنه يكون منصوبا على الحالية ، بتأويله بمشتق تقديره : باغين.

أما صاحب الحال فهو واو الجماعة من (اشتروا) ، أو : (يكفروا).

لاحظ أن كلا من الفعلين يقدر عاملا فى المفعول لأجله (بغيا). والمفعول لأجله أظهر.

ينظر : الدر المصون ١ ـ ٣٠٠.

(٢) فى موقع المصدر المؤول (أن ينزل) وجهان آخران :

أولهما : أنه على إسقاط الخافض ، والتقدير : بغيا على أن ينزل .. ، أى : حسدا على أن ينزل. وهنا يختلف النحاة فى كونه فى محل نصب مراعاة لنزع الخافض ، أو فى محل جر مراعاة لتقدير الخافض.

والآخر : أن يكون فى محل جر بدلا من (ما) فى قوله تعالى : (بِما أَنْزَلَ اللهُ) وهو بدل اشتمال ، والتقدير : أن يكفروا بإنزال الله ... بإنزاله فضله على ...

ينظر : الدر المصون ١ ـ ٣٠١.

(٣) (إمّا) إن : حرف شرط جازم مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. ما : حرف توكيد للتوسع مبنى لا محل له. (تعرضنّ) فعل الشرط مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة ، فى محل جزم ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنت ، والنون للتوكيد حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب.

(عنهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالإعراض. (ابتغاء) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (رحمة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (من ربك) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة فى محل جر ، نعت لرحمة ، (ترجوها) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، والفاعل مستتر تقديره : أنت ، وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة

٣١٢

ـ (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) [الممتحنة : ١](١). كلّ (من جهادا وابتغاء) مفعول لأجله منصوب (٢).

ـ (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) [المائدة : ٣٨] حيث كلّ من : (جزاء ونكالا) مفعول لأجله منصوب.

ـ (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) [التوبة : ٩٢](٣) ، (حزنا) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

__________________

الفعلية فى محل نصب ، حال من رحمة ، أو من فاعل تعرض ، أو فى محل جر ، نعت ثان لرحمة. (فقل) الفاء حرف واقع فى جواب الشرط مبنى ، لا محل له من الإعراب ، قل : فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله مستتر تقديره : أنت. والجملة فى محل جزم ، جواب الشرط. (لهم) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالقول. (قولا) مفعول مطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والأرجح أن تكون مفعولا به منصوبا ، (ميسورا) صفة لقول منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة.

(١) الجملة الفعلية (خرجتم) فى محل نصب خبر (كان).

(٢) فى كلّ من (جهاد وابتغاء) وجهان إعرابيان آخران :

١ ـ أن يكون مصدرا منصوبا بفعل محذوف من لفظه ، وتكون الجملة الفعلية فى محلّ نصب على الحالية. والتقدير : تجاهدون جهادا ، وتبتغون ابتغاء.

٢ ـ أو يكون مصدرا واقعا موقع الحال.

(٣) (تولوا) فعل ماض مبنى على الضم المقدر ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (وأعينهم) الواو : للابتداء أو للحال حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. أعين : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (تفيض) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. والجملة الاسمية فى محل نصب ، حال. (من الدمع) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بتفيض ـ على الأرجح ـ (حزنا) إلى جانب أنه منصوب على أنه مفعول لأجله ، فيه وجها النصب على الحالية ، وعلى المصدرية لفعل محذوف من لفظه. (ألا) أن حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له ، لا : حرف نفى مبنى لا محل له. (يجدوا) فعل مضارع منصوب بعد أن ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والمصدر المؤول فى محل نصب ، مفعول لأجله ، والعامل فيه حزنا ، على أن حزنا مفعول لأجله أو حال ، وأرى أنه قد يكون منصوبا على نزع الخافض ، والتقدير : لعدم .. ، أو : من عدم .. وحذف حرف الجر قبل أن المصدرية فى مثل هذا التركيب مطرد. (ما) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (ينفقون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل وفيه ضمير محذوف فى محل نصب ، مفعول به ، والتقدير : ينفقونه ، والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب.

٣١٣

ـ (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١].

ـ (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) [الأنبياء : ٨٤](١). (رحمة) مفعول لأجله منصوب. وكذلك (ذكرى).

ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧](٢) والتقدير : لأجل الرحمة ، حيث (رحمة) مفعول لأجله منصوب.

ـ (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣](٣) (شكرا) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

ـ (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) [الزخرف : ٥](٤) ، (صفحا) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

__________________

(١) (أهله) مفعول به ثان لآتى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة.

(ومثلهم) عاطف ومعطوف على أهل منصوب ، ومضاف إليه مبنى في محل جر. (رحمة) إلى جانب نصبها على المفعولية له يجوز أن تنصب على المصدرية لفعل محذوف من لفظها. ومثلها (ذكرى).

(للعابدين) شبه جملة متعلقة بذكرى ؛ لأنه مصدر.

(٢) يجوز أن تنصب رحمة على الحالية ، على أنه مصدر واقع موقع الحال ، أو يّؤول بمشتق.

(٣) (اعملوا) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (آل) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (داود) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة الزائدة على ثلاثة أحرف. وجملة النداء اعتراضية لا محل لها من الإعراب. (شكرا) إلى جانب النصب على المفعول لأجله ، يجوز أن ينصب على أنه مفعول به ، أو :على أنه مصدر واقع موقع الحال ، أو : على المصدرية ، أو : أنه صفة لمصدر محذوف. (وقليل) الواو حرف ابتداء أو استئناف مبنى لا محل له. قليل : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو خبر مقدم.

(من عبادى) جار ومجرور ومضاف إليه ، وشبه الجملة فى محل رفع ، نعت لقليل. (الشكور) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أو مبتدأ مؤخر.

(٤) الهمزة استفهامية ، والفاء عاطفة حرف مبنى. (صفحا) إلى جانب أنه مفعول لأجله ، فإنه يجوز أن ينصب على المصدرية لفعل مقدر من لفظه ، أو على الحالية على أنه مصدر واقع موقع الحال. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (كنتم) كان : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل رفع ، اسم كان. (قوما) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (مسرفين) صفة لقوم منصوبة ، وعلامة نصبها الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم. والمصدر المؤول فى محل نصب ، مفعول لأجله ، والعامل فيه صفحا ، أو أنه منصوب على نزع الخافض.

٣١٤

ـ (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الأعراف : ٥٦] ، (خوفا) ، و (طمعا) مفعولان له منصوبان ، وعلامة نصب كلّ منهما الفتحة.

ـ قوله تعالى : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف : ٢]. من أوجه إعراب (ذكرى) (١) أن تكون معطوفة عطف نسق على (لتنذر) ، وهى مفعول لأجله ، فتكون (ذكرى) مفعولا لأجله منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.

__________________

(١) يوجه النصب كذلك على المصدرية لفعل مقدر من لفظه ، أى : تذكر ذكرى.

ـ ويجوز أن تكون فى موضع رفع ، ويوجه على :

ـ العطف على كتاب ، أى كتاب وذكرى.

ـ خبر مبتدإ مضمر ، أى : هو ذكرى.

* ويجوز أن تكون فى موضع جر ، ويوجه على :

ـ العطف على المصدر المؤول (تنذر به) ، والتقدير : للإنذار والتذكير.

ـ العطف على الضمير فى (به).

٣١٥

المفعول فيه (١)

هو ما دل على زمان إحداث الفعل ومكانه متضمنا معنى (فى) ، أو : هو ما فعل فيه فعل من زمان ومكان ، ويسمى ظرفا عند البصريين ، فالظرف فى اللغة هو الوعاء ، ويسميه الفراء محلا ، فهو محل حدوث الفعل ، وكان الكسائى وأصحابه يسمونه صفة ، أو حرف صفة (٢).

ذلك نحو : جئتك صباحا. جلست أمام الحاضرين. قفز القط فوق المنضدة.

أقابلك مغربا.

فكل من الكلمتين (صباحا ومغربا) دلت على زمان وقوع الفعل ، متضمنة المعنى الظرفى للحرف (فى) ، أما الكلمتان (أمام ، وفوق) ، فيدلان على مكان وقوع الفعلين السابقين لهما.

الحظ الظروف ـ زمانية أو مكانية ـ فيما يأتى : ـ أستيقظ من نومى قبل شروق الشمس ، فأؤدى الصلاة عقب اليقظة ، وأتناول الفطور بعدها ، ثم أذهب إلى الكلية ضحى ، وفى وقت الفراغ أتجول بين الأشجار ، وأحرص على ذلك يوم الخميس مساء ، ويوم الجمعة أحيانا ، وأول نومى أحاسب نفسى على عملى طول يومى ، وأندم إذا تذكرت ما يعيبنى.

القاعة التى نجلس داخلها تنقسم إلى خمسة صفوف من المقاعد يمينها ، وخمسة شمالها ، وقد أعدّت للمحاضرات منذ أسبوعين ، ولا تنقطع منها صباح مساء ، ومساحتها كبيرة ، فوقها قاعتان ، وأسفلها مكتبة ، ويلقى فيها الليلة محاضرة عامة ، وهى تقع أمام الحديقة ، حيث مقدم مبانى الكلية.

الحكم الإعرابى للظروف

الظروف ـ زمانية أو مكانية ـ أصلها الجرّ بحرف الجر (فى) على الشيوع ، وقد يكون الحرف (على أو عن) مع بعض الأفعال ، وكلها حروف ظرفية وعائية ، فتقول :

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ١ ـ ٣٣٧ / حاشية الصبان ٢ ـ ١٢٥.

(٢) ينظر : شرح القمولى على الكافية ، تحقيق عفاف بنتن ١٤٤.

٣١٦

ـ قابلتك فى الصباح ، وفى عصر يوم الخميس.

ـ جلسنا عن يمين الأستاذ ، فى شمال القاعة فى قدام الطلبة.

وذلك بجر الظروف : (الصباح ، عصر ـ يوم ـ يمين ـ شمال ـ قدام) ، وتلحظ جر (يوم) بالإضافة.

فإذا ذكر الظرف بدون سبقه بحرف الجر فإنه يجب نصبه ، ولهذا كانت الظروف منصوبة ، فتقول : قابلتك صباح يوم الخميس ، جلسنا يمين الأستاذ ، شمال القاعة ، قدام الطلبة ، وذلك بنصب الظروف (صباح ـ يمين ـ شمال ـ قدام).

والجار ومجروره يكونان متعلقين بالفعل الذى يسبقهما ، وكذلك الظرف المنصوب يتعلق بما قبله من فعل.

ـ فظروف الزمان وظروف المكان حكمها النصب ، أو تكون فى محل نصب ، إن لم تسبق بحرف جر.

العامل فى الظرف :

العامل فى الظروف ما يحدد الظرف دلالته الزمنية والمكانية ، سواء أكان هذا فعلا أم اسم فعل أم وصفا مشتقا أم مصدرا.

مثال ذلك : آتيك الليلة ، دراكنا الآن ، أنا زائرك حيثما تقطن ، نعم ؛ المقابلة مساء. حيث كل من : (الليلة ، الآن ، حيث ، مساء) ظروف ، بعضها منصوب (الليلة ، مساء) ، وبعضها مبنى إما على الفتح فى محل نصب (الآن) ، وإما على الضم فى محل نصب (حيث) ، والعامل فيها على الترتيب : الفعل (آتى) ، واسم الفعل (دراك) ، واسم الفاعل (زائر) ، والمصدر (مقابلة).

كما يعمل فى الظرف ما فيه معنى الفعل ، كأن يقال : زيد فى الدار أمامك ، العامل فى ظرف المكان (أمام) ما فى شبه الجملة من معنى الفعل ، ومن ذلك قول الشاعر :

أنا أبو المنهال بعض الأحيان

ليس على حسبى بضؤلان (١)

__________________

(١) الخصائص ٣ ـ ٢٧٠ / شرح الجمل لابن عصفور ١ ـ ٣٣ / مغنى اللبيب ٢ ـ ٤٣٤ / الهمع ٢ ـ ١٠٧ / اللسان مادة : ضأل. ضؤلان : عيب.

٣١٧

حيث إن بعضا منصوب على الظرفية ، والعامل فيه ما فى (أبى المنهال) من معنى الفعل ، حيث يأخذ معنى الاسم المشتق ، وكأنه قال : أنا المشهور بعض الأحيان.

الحظ العامل فى الظرف فى الأمثلة الآتية : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة : ٤٧](١).

خلال : جمع خلل ، وهو الفرجة بين الشيئين ، فهو ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والعامل فيه الفعل (أوضع).

ـ يتم اجتماع اليوم عصرا ، أما اجتماعنا غدا فإنه يتم مساء.

ظرف الزمان (عصرا) منصوب ، والعامل فيه الفعل المضارع (يتم) ، ومثله ظرف الزمان (مساء).

ـ اجتماعنا غدا يكون فى القاعة التى أمام الحديقة.

العامل فى ظرف الزمان المنصوب (غدا) هو المصدر المبتدأ (اجتماع) ، أما ظرف المكان (أمام) فالعامل فيه ما يقدر من محذوف صلة الموصول. أو ما فى شبه الجملة من معنى الفعل ، جملة (يكون فى القاعة) فى محل رفع ، خبر المبتدإ.

ـ نزال عندنا هذه الليلة ، فأنت جليسنا اليوم.

(هذه) اسم إشارة مبنى فى محلّ نصب على الظرفية ، والعامل فيه اسم الفعل (نزال) ؛ بمعنى : انزل ، أما ظرف الزمان المنصوب (اليوم) فالعامل فيه صيغة المبالغة أو اسم الفاعل (جليس).

ـ إنك محترم بين زملائك ، فأين تجلس تكن مهذبا.

__________________

(١) جملة (ما زادوكم) جواب شرط (لو). (خبالا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. جملة (لأوضعوا) معطوفة على جملة جواب شرط لو. (يبغونكم) جملة فعلية فى محل نصب على الحالية. (وفيكم سماعون لهم) جملة اسمية فى محل نصب على الحالية من فاعل (يبغونكم) ، أو من المفعول. ويجوز أن تجعلها استئنافية.

٣١٨

ظرف المكان المنصوب (بين) العامل فيه اسم المفعول (محترم) ، أما ظرف المكان المبنى (أين) وهو شرطى جازم فالعامل فيه فعل شرطه (تجلس).

ـ هو أسد وقت الحرب ، وحمل أثناء السلم.

العامل فى ظرف الزمان المنصوب (وقت) هو ما فى الجامد (أسد) من معنى الفعل ، وهو الشجاعة ، أو النضال.

والعامل فى ظرف الزمان المنصوب (أثناء) هو ما فى (حمل) من معنى الفعل ، وهو العطف والرحمة أو الوداعة.

ذكر العامل وحذفه :

للعامل الإعرابى فى الظروف من حيث الذكر والحذف ثلاث حالات :

أولها : أن يكون مظهرا :

هذا هو الأصل كما ذكر فى الأمثلة السابقة ، حيث ذكر عامل النصب فى الظرف.

ثانيتها : أن يحذف جوازا :

ذلك إذا دل عليه دليل مقالى ، كأن يكون إجابة عن سؤال ، حينما يقال : متى سافرت؟ فيجاب عنه : يوم الأربعاء ، أو يقال : أين تسكن؟ فيقال : شمال المدينة.

ومن أمثلة ذلك : كم سرت؟ ميلين ، متى صمت؟ يوم الخميس. أين تقف؟

أمام جموع الناس. كم مكثت؟ ثلاثة أشهر.

ثالثتها : أن يحذف وجوبا :

قد يقع الظرف فى تركيب يجب حذف العامل فيه ؛ وذلك لأن الظرف شبه جملة ، فإذا لم يكن ما تتعلق به مظهرا فى الجملة ، فإنها تتعلق بمقدر : استقر ، أو كان ، أو مستقر ، أو كائن ، على رأى جمهور النحاة ، ويكون أىّ منها غير مظهر ، بل يجب حذفه وذلك فيما إذا وقع الظرف فى المواقع الإعرابية الآتية :

٣١٩

أ ـ إذا وقع صفة :

حينئذ يجب أن يكون الموصوف نكرة ، كأن يقال : رأيت طائرا فوق غصن.

(فوق) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وشبه الجملة متعلقة بمحذوف فى محل نصب ، صفة لطائر. (غصن) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

ومثله أن تقول : أعجبت بباقة ورد فوق المائدة ، لم أختر إلا كتابا فوق المكتب ، عجبت من مرور مدرس بين طلابه الآن.

لكن يلاحظ أن قولك : وضعت كتابا داخل الحقيبة ، فيه (داخل) ظرف متعلق بالوضع ، ولذلك فإن شبه الجملة لا تكون صفة لكتاب ؛ ذلك لأن الوضع يكون بالداخل أوضح دلاليا من أن يكون الكتاب بالداخل.

ب ـ إذا وقع حالا :

ويكون صاحب الحال ـ حينئذ ـ معرفة ، فيقال : رأيت الطائر فوق الغصن.

(فوق) ظرف مكان ، وشبه الجملة متعلقة بمحذوف فى محل نصب ، حال.

ومنه قولك : أعجبت بباقة الورد فوق المائدة. ولم أختر إلا الكتاب فوق المكتب. لم أدهش بالبساط إلا وسط الحجرة.

يلحظ أن الفرق بين كون شبه الجملة بعد المعرفة حالا ، وبين كونها بعد النكرة صفة هو أن المعرفة محددة ، والحال تصفها أثناء علاقتها بالحدث ، فالرؤية تقع على الطائر حال وجوده فوق الغصن.

أما النكرة فهى مبهمة غير محددة ، فتحدد بالصفة التى تليها ، فالصفة خاصة بالموصوف ، والرؤية ـ حينئذ ـ تقع على طائر موصوف بأنه موجود فوق الغصن.

ليس أثناء الرؤية فقط ، ولكن هذه صفته.

ج ـ إذا وقع خبرا :

يكون الظرف فى هذا التركيب متمما لمعنى المبتدإ ، أى : يكون معنى يراد به الإخبار ، أى : يكون المعنى الذى يريد المتحدث نقله إلى المتلقى فى المبتدإ الذى بنى عليه ، فهو المحكوم عليه بما فى الظرف من معنى.

٣٢٠