النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

كيف أنت وملابسة. أو : وملابستك.

كيف تكون وملابسة. أو : وملابستك.

وقد تجعل العمل ـ هنا ـ فعل الملابسة المفهوم من معنى الكلام ، والتقدير : ما أنت ولابست زيدا. كيف أنت وتلابس زيدا.

ويجوز فى مثل هذه المواضع أن يرفع ما بعد الواو عطفا على الضمير المنفصل ، ولا إشكال فى ذلك ، بل هو الوجه.

وما يجب فيه النصب فى مثل هذا الموضع قول مسكين الدارمى :

فما لك والتلدد حول نجد

وقد غصّت تهامة بالرجال (١)

حيث يتعين النصب فى (التلدد) لعدم جواز العطف على الضمير المتصل المجرور ، إلا بعد إعادة ما اتصل به من جار.

ومنه قول أسامة بن الحارث الهذلى (٢) :

فما أنا والسير فى متلف

يبرح بالذكر الضابط

والتقدير : فما أكون والسير. ويجوز الرفع بعد الواو فى مثل هذا الموضع.

ملابسة النصب والعطف فى المفعول معه :

وضع النحاة ضوابط معنوية لاختيار أى من أوجه النصب أو العطف مع الترجيح أو الوجوب أو الامتناع فى المفعول معه على النحو الآتى :

أ ـ وجوب النصب :

يمتنع العطف ويجب النصب فى المفعول معه المذكور بعد واو المصاحبة فى المواضع الآتية :

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٣٠٨ / الجمل ٣١٩ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٨٩ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٥٠.

(٢) ديوان الهذليين ٢ ـ ١٩٥ / الكتاب ١ / ٣٠٣ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٥٢ / الدرر اللوامع ١ ـ ١٩٠ / رصف المبانى ٤٢١.

تلف : قفر يتلف فيه من سلكه ، الذكر : الجمل ، الضابط : القوى ، يبرح : يجهد ويتعب.

٢٨١

١ ـ التركيب النحوى : (صحة التركيب لفظيا):

حيث يترتب على وجه عطف ما بعد الواو على ما قبلها تجاوز فى صحة التركيب نحويا ، أى : عدم ملاءمة التركيب لفظيا مع صحة القواعد النحوية. ذلك فى نحو : كيف جئت وعليا. فالعطف على الضمير المتصل المرفوع لا يصح إلا من خلال الفصل بضميره المنفصل الذى يتلاءم معه ، وذلك بذكر الضمير المنفصل بعد المتصل المرفوع مباشرة.

فتقول فيما سبق إذا أردت العطف : كيف جئت أنت وعلىّ ، فإذا لم تذكر ضمير الرفع المنفصل وجب نصب ما بعد الواو على المعية.

كما أنك إذا قلت : ما علاقتك وعليا؟

فمن الأصح أن تنصب على المفعول معه فى هذا الموضع ، حيث إن العطف فى مثل هذا التركيب ، وهو العطف بالاسم الظاهر على الضمير المجرور ، يكون بإعادة ما جرّ الضمير مع الاسم الظاهر.

فإذا أردت العطف فيما سبق قلت : ما علاقتك وعلاقة على؟ برفع (علاقة) فى الموضعين.

ومثل السابق أن تقول : كيف حالك وصديقك؟ ما شأنك ومحمودا؟ مالك وسميرا؟ بنصب : (صديق ، محمود ، سمير) على أنها مفعول معه ، حيث لم يتكرر الجارّ مع ما بعد الواو ، ويمتنع العطف على الضمير المتصل المجرور دون إعادة الجار مع المعطوف ؛ ولذا يتعين النصب عند جمهور النحاة.

فإذا أردت العطف فيما سبق من أمثلة قلت : كيف حالك وحال صديقك؟ ، ما شأنك وشأن محمود؟ مالك ولسمير؟ برفع (حال وشأن) المكررين ، وتكرار اللام الجارة فى المثال الثالث لجر (سمير).

ولذلك فإنهم استضعفوا قراءة حمزة فى قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)(١) [النساء : ١] ؛ بجرّ (الأرحام) عطفا على الضمير المجرور فى

__________________

(١) شرح المفصل ٢ ـ ٥١.

٢٨٢

(به) ، حيث لم يذكر الخافض ، ولم يتكرر مع الأرحام ، ولكن قوما يخرجونها على إضمار حرف الجر (الباء) قبل (الأرحام) ، فكأنه أريد : وبالأرحام ، ثم حذف الباء ، وهو يريدها.

وحملها آخرون على القسم ، كأنه أقسم بالأرحام حيث كانوا يعظمونها ، ويكون التقدير : بالأرحام.

كل ذلك تبريرا لإرادة العطف على الضمير المجرور دون إعادة الخافض (١).

٢ ـ صحة المعنى : (صحة التركيب معنويا):

حيث يترتب على وجه عطف ما بعد الواو على ما قبلها عدم التآلف بين معنى الجملة السابقة والاسم اللاحق ، ومعه لا يصح التركيب معنويا. فإذا قلت : سار محمد والنيل ؛ وأردت عطف (النيل) على (محمد) فإن المعنى لا يصح ، حيث إن النيل لا يشارك محمدا فى السير ، ولذلك فإنه يمتنع الرفع بالعطف ، ويتعين النصب على أنه مفعول معه ، حيث فعل محمد السير فى وجود النيل.

وكذلك إذا قلت : حضرت وشروق الشمس ، ورحت وغروبها. يتعين النصب فى كل من (شروق ، وغروب) على أنهما مفعول معه ، حيث إن كلا منهما لا يشارك فى إحداث الفعل السابق عليهما ، وهو (حضر) ، ولكنه أحدث فى وجودها.

ومما يجب فيه النصب على أنه مفعول معه ليصحّ المعنى قولك : ذاكرت والمصباح ، إذ المصباح لا يشارك فى المذاكرة. وكذلك : جلست وضوء القمر.

سرت وطلوع النهار. عدت وقدوم الليل.

ب ـ وجوب الرفع :

يمتنع النصب فى الاسم الواقع بعد واو المصاحبة ، ويتعين فيه العطف فى المواضع الآتية :

٢٨٣

١ ـ إذا لم تسبق الواو بجملة :

كأن تقول : كلّ طالب وكتابه. فواو المصاحبة لزمت بين اسمين متلازمين ، أولهما مرفوع على الابتدائية ، فتعين فى الثانى العطف عليه ، ولزم الرفع. أما الخبر فهو محذوف وجوبا يقدر بـ (متلازمان ، متصاحبان ... إلخ).

ومنه أن تقول :

كلّ جندى وسلاحه. كلّ عامل وأداة عمله. كلّ فلاح وفأسه. أنت ورأيك.

كلّ رجل وضيعته. الرجال وأعضادها. النساء وأعجازها.

برفع الاسم الأول فى الأمثلة السابقة على الابتدائية ، ورفع (سلاح ، أداة ، فأس ، رأى ، ضيعة ، أعضاد ، أعجاز) بالعطف على الاسم الأول ، أما الخبر فى المواضع السبعة فمحذوف وجوبا ، يقدر بما قدر فى سابقها.

٢ ـ المشاركة الحدثية والزمنية :

إذا كان ما بعد الواو مشتركا مع ما قبلها فى إحداث الحدث والزمن فإنه يجب فيهما العطف ، ويمتنع النصب ، كأن يقال : تصالح على ومحمود. حيث إن التفاعل لا يكون إلا من أكثر من واحد ؛ ولهذا فإن الفاعل يجب أن يكون أكثر من واحد ، فمحمود لازم لإتمام الفاعلية ، وعليه فإن الواو عاطفة للاشتراك ، إشراك ما بعدها فى حكم ما قبلها ، فوجب الإتباع دون النصب.

ومن ذلك : تقاتل أحمد وزميله. اشتركت سعاد وصديقتها.

تعادل الفريق الأبيض والفريق الأحمر.

تعادل الفريقان : الأبيض والأحمر ... إلخ.

٣ ـ إذا لم تفد الواو المعية :

إذا لم تعط الواو معنى المعية أو المصاحبة ، فإن ما بعدها يمتنع فيه النصب ، ولكنه يأخذ موقعا إعرابيا ملائما للسياق ، فإذا قيل : حضر على وأحمد قبله ؛ كانت الواو لغير المعية ، حيث المخالفة الزمنية تمتنع مع المعية.

وكذلك إذا قلت : جاء محمد وسمير بعده. وصل المخرج والممثلون عقبه.

٢٨٤

ج ـ ترجيح النصب :

يرجح النصب ويجوز العطف فى المفعول معه إذا كان هناك ضعف من جهة المعنى ، فيما إذا عطف ما بعد الواو على ما قبلها. كأن تقول : كن أنت وصديقك متحابين. فإنه فى هذا المثال يجوز العطف ، ولا مانع لفظى ، حيث إن اسم (كان) ضمير مستتر تقديره (أنت) ، وذكر بعده ضميره المنفصل (أنت) ، حينئذ يجوز تركيبا من حيث القواعد النحوية أن يعطف عليه.

لكننا إذا أمعنا النظر فى المعنى فإننا نجد أن المعنى الكامن فى التركيب أمر ، ومن الأفضل أن يؤمر المخاطب وحده دون الصديق ، إما للتأدب ، وإما من حيث توجيه الكلام والأمر.

ومثله قول الشاعر (١) :

فكونوا أنتم وبنى أبيكم

مكان الكليتين من الطحال

حيث ظهر ضمير الفصل (أنتم) ، وهو تكرار لواو الجماعة الذى هو اسم (كان) ، إذن يجوز العطف بدون تجاوز لفظى ، لكن لأن الكلام أمر فإنه من الأفضل أن يوجه الأمر للمخاطبين دون من ذكروا بعد الواو للتأدب ، وتحويل الأمر إلى النصيحة.

وعليه فإن :

الواو : للمصاحبة لا محل لها من الإعراب.

بنى : مفعول معه منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. يلحظ أن نون (بنين) حذفت من أجل الإضافة.

أبيكم : مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه من الأسماء الستة.

وضمير المخاطبين مبنى فى محل جر بالإضافة.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٢٩٨ / مجالس ثعلب ١ ـ ١٠٣ / المسائل البصريات ١ ـ ٧٠١ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٥٨ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٨٩ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٤٨ / المساعد ١ ـ ٥٤٤ / شفاء العليل ١ ـ ٤٩٣.

٢٨٥

مكان : منصوب على الظرفية. وشبه الجملة فى محل نصب خبر (كن) ، أو متعلق بخبر محذوف.

ومن النحاة من يسوى بين العطف والنصب فى هذا المثال (١).

ويجعل النحاة فى هذا الموضع المذكور بعد واو المصاحبة وقبلها ضمير رفع ، ويجعلون فى العطف ضعفا من جهة اللفظ إذا أريد العطف ؛ حيث يعللون لهذا بما عللنا له به سابقا فى وجوب النصب ، وهو أنه لا يعطف على الضمير المتصل المرفوع إلا بعد ذكر الضمير المنفصل المرفوع. وذلك أن تقول : ذاكرت وصديقى.

حيث ذكر (صديق) بعد الواو ، وقبلها ضمير رفع متصل وهو (التاء) ، وهنا يرجح النصب ، حيث لم يذكر ضمير الرفع المنفصل بعد الضمير المتصل المرفوع ، بل إن منهم من يوجب النصب ، كما ذكرنا سابقا فى أحوال الوجوب.

فإذا أردت العطف دون اعتراض لفظى فإنك تقول : ذاكرت أنا وصديقى. ففى هذا المثل يعطف (صديق) على ضمير الرفع المتصل (التاء). ووجب ذلك لوجود ضمير الرفع المنفصل (أنا).

ومنه قولهم : لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها (٢). والتقدير : لو تركت الناقة مع فصيلها. وعليه فإن ما بعد واو المصاحبة يرجح نصبه على أنه مفعول معه ، إذ إننا لو أردنا الإتباع بالعطف لتكلفنا فى التأويل على حد القول : «لو تركت الناقة ترأم فصيلها ، وتركت فصيلها يرضعها. ونحو قول زهير :

إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ

فدعه وواكل أمره واللّياليا (٣)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٢٩٨ / مجالس ثعلب ١ ـ ١٠٣ / المسائل البصريات ١ ـ ٧٠١ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٥٨ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٨٩ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٤٨ / المساعد ١ ـ ٥٤٤ / شفاء العليل ١ ـ ٤٩٣.

(٢) شرح الجمل للخفاف ٢ ـ ٦٤٣.

(٣) (الدهر) : ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (حال) فاعل (أعجب) مرفوع. وعلامة رفعه الضمة. (من امرئ) شبه جملة فى محل رفع صفة لحال ، أو متعلقة بصفة محذوف ، وجملة (أعجبتك حال) فى محل جر بالإضافة. (فدعه) الفاء واقعة فى جواب الشرط مبنى ، لا محل له من الإعراب. دع

٢٨٦

حيث نصب (الليالى) بعد واو المصاحبة على أنه مفعول معه ، والمراد : اترك أمره مع الليالى.

د ـ ترجيح العطف :

يرجح العطف فيما وقع بعد واو المصاحبة ؛ ويجوز النصب ؛ فيما إذا أمكن العطف بدون ضعف من حيث التركيب البنيوى للكلام ، أو الناحية اللفظية ، أو من حيث الجانب المعنوى ، كأن تقول : جاء محمد وصديقه. بعطف (صديق) على (محمد) ، حيث يرجح العطف لعدم وجود مانع لفظى أو معنوى ، فالصديق يمكن أن يكون مشاركا لمحمد فى إحداث المجىء ، كما أنه يصح العطف دون اعتراض لفظى أو نحوى.

ومنه أن تقول : كافأت عليا ومحمدا. بنصب (محمد) على العطف على (على) ، حيث التشارك المعنوى فى المفعولية ، وليس هناك اعتراض لفظى.

ومنه قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة : ٣٥](١) حيث صح عطف (زوج) على الضمير المستتر المرفوع فى (اسكن) لذكر ضمير الرفع المنفصل (أنت) ، مع صحة التشارك المعنوى.

وكذلك قوله تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) [المائدة : ٢٤](٢).

__________________

فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت ، والهاء ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، والجملة جواب الشرط لا محل لها من الإعراب ؛ لأنها مقرونة بالفاء لأداة شرط غير جازمة. (واكل) فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله مستتر تقديره : أنت. والجملة معطوفة على سابقتها لا محل لها من الإعراب.

(١) (اسكن) فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (أنت) توكيد لضمير الرفع المستتر فى محل رفع. (الواو) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (زوجك) معطوف على الضمير المستتر فى (اذهب) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بالإضافة. (الجنة) منصوب على التوسع ، وعلامة نصبه الفتحة. أو منصوب على نزع الخافض.

(٢) (اذهب) فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت. (أنت) توكيد للضمير المستتر المرفوع فى (اذهب) ، مبنى فى محل رفع. (الواو) حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. (ربك) معطوف على الضمير المستتر فى (اذهب) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وضمير المخاطب مبنى فى محل

٢٨٧

حيث يرجح رفع (رب) بالعطف على الضمير المستتر المرفوع فى (اذهب). ومثله أن تقول : جئت أنا وعلىّ ، حيث فصل بين ضمير الرفع المتصل وما بعد الواو ضمير الرفع المنفصل ، فرجح العطف. ومنه كذلك : ما أنت ومحمد؟ يرجح عطف (محمد) على الضمير المرفوع المنفصل (أنت) ، كما أن المجرور إذا كان ظاهرا رجح العطف. كأن تقول : ما لمحمد وعلى؟ وما شأن محمد وعلى؟. إذ العطف هنا أفضل لإمكانه بلا ضعف.

ه ـ امتناع العطف والنصب على المعية :

يمتنع فيما يذكر بعد واو المصاحبة العطف على ما سبقها ؛ كما يمتنع النصب ؛ إذا كان هناك مانع معنوى ، حيث لا يجوز إشراك الثانى مع الأول معنويا ، فيحتاج ما بعد الواو إلى عامل ضرورة لينصبه ، ذلك كما جاء فى قول الراعى النميرى (١) :

إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا

لا يجوز إشراك العيون مع الحواجب فى التزجيج ؛ لأنه مختص بالحواجب ، أما العيون فيخصها التكحيل ؛ لذلك فإنه يمتنع العطف. كما أنه يمتنع النصب على المعية أو على أنه مفعول معه ؛ لأن العيون لها مؤثر معنوى غير ما يكون عليه الحواجب ، لذلك فإنه يجب تقدير فعل محذوف يكون عامل النصب فى العيون ، وملائما له معنويا ، وهو : كحل ، وتكون (العيون) مفعولا به لفعل محذوف.

__________________

جر بالإضافة. ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف ، تقديره : يعينك ، أو ينصرك .. إلخ. وعليه فإن الواو تكون واو العطف ، أو واو الحال أو الابتداء. (الفاء) واقعة فى جواب شرط مقدر مفهوم من الأمر السابق ، أو واقعة فى جواب الأمر. (قاتلا) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وألف الاثنين فاعل مبنى فى محل رفع. والجملة جواب الأمر لا محل لها من الإعراب ، أو جواب للشرط المحذوف فى محل جزم. (إنا) إن : حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (نا) ضمير المتكلمين مبنى فى محل نصب ، وهو متعلق بالقعود. (ها هنا) ها : حرف تنبيه مبنى ، لا محل له من الإعراب. هنا : ظرف مكان إشارى مبنى فى محل نصب ، وهو متعلق بالقعود ، ويجوز أن تجعله خبرا أول لإن. (قاعدون) خبر إن مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ، لأنه جمع مذكر سالم. ويجوز أن يكون الظرف فى محل رفع خبر إن ، و (قاعدون) خبرا ثانيا لإن.

(١) ديوانه ١٥٦ / الخصائص ٢ ـ ٤٣٢ / الإنصاف ٢ ـ ٦١٠ / شرح الشذور : ٢٤٢ / شرح التصريح ٢ ـ ٣٤٦ / الهمع ٢ ـ ٢٢٢ / الدرر ١ ـ ١٦١.

٢٨٨

وقد يضمّن الفعل المذكور معنى يلائم المفعولين المذكورين ، ويكون بمعنى التزيين ، والتقدير : زيّن الحواجب والعيون.

ومنه قول الشاعر :

يا ليت زوجك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا (١)

حيث يريد : متقلدا سيفا ، وحاملا رمحا ، فلا يقال : تقلدت الرمح ، وعليه فإنه يجب تقدير محذوف يتلاءم مع المنصوب بعد الواو ، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة.

وقد يكون المقدر حالا ، أى : وحاملا رمحا.

ومثله قول ذى الرمة :

علفتها تبنا وماء باردا

حتى شتت همالة عيناها (٢)

حيث إن العلف يكون بالتبن ، ولا ينسحب على الماء ، وإنما يتلاءم معه السقى أو الشراب .. إلخ ؛ لذلك فإننا نقدر فعلا مناسبا ناصبا للماء ، وهو : سقيتها أو أشربتها .. إلخ.

ويجوز أن نضمن الفعل (علف) معنى يتلاءم مع المفعولين ، نحو : أنلتها ، أو : قدمت لها .. إلخ.

و ـ احتمال العطف والنصب على المعية :

يجوز فى بعض المواضع ـ لفظيا ومعنويا ـ أن يعطف ما بعد واو المصاحبة على ما قبلها ، وأن ينصب على أنه مفعول معه. يبدو ذلك فى قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) [يونس : ٧١].

بنصب (شركاء) ، على أن تكون الواو عاطفة مفردا على مفرد ، ويكون نصب (شركاء) بالعطف على (أمر) من وجهين :

__________________

(١) المقتضب ٢ ـ ٥٠ / الخصائص ٢ ـ ٤٣١ / أمالى ابن الشجرى ٢ ـ ٣٢١ / المخصص ٤ ـ ١٣٦.

(٢) الخصائص ٢ ـ ٤٣١ / أمالى ابن الشجرى ٢ ـ ٢٣١ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٨ / شرح التصريح ٢ ـ ٣٤٦ / الخزانة ١ ـ ٤٩٩ ، ٦٣٢.

٢٨٩

أولها : بتقدير حذف مضاف ، والتقدير : وأمر شركائكم ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وأعرب إعرابه.

والآخر : أنه معطوف عليه بدون تقدير ، حيث يمكن القول : أجمعت شركائى.

وقد تكون الواو عاطفة جملة على جملة ، وحينئذ ينصب (شركاء) على أنه مفعول به لفعل محذوف ، تقديره : و (اجمعوا) ، بهمزة وصل.

وقد يكون النصب على أن ما بعد الواو مفعول معه ، والتقدير : وأجمعوا أمركم مع شركائكم (١).

ويتضح ما سبق فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا ...) [الحشر : ٩].

حيث ينصب (الإيمان) على عطف مفرد على مفرد من ثلاثة أوجه ، هى : تضمين الفعل (تبوأ) معنى يلائم المنصوبين ، حيث الإيمان لا يتبوأ. كأن يكون معنى (لزم) ، فيكون التقدير : لزموا الدار والإيمان. أو أن يجمع بين الدار والإيمان على سبيل المجاز فى الإيمان. أو أن يكون الأصل : دار الهجرة ودار الإيمان ، فحدث حذف ونقل بين المضاف والمضاف إليه وأداة التعريف.

أو يكون العطف من قبيل عطف جملة على جملة ، فيلزم تقدير محذوف ناصب للإيمان ، ويكون التقدير : تبوأوا الدار ، واعتقدوا الإيمان ، أو : ألفوا ، أو : أحبوا.

وقد يكون نصب (الإيمان) على أنه مفعول معه ، والتقدير : والذين تبوأوا الدار مع الإيمان (٢).

__________________

(١) ينظر : الكشاف ١ ـ ٤٢٦ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٥٠ / البحر المحيط ٥ ـ ١٧٩ / الدر المصون ٤ ـ ٥٤.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ ـ ٤٤٧ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٥٠ / البحر المحيط ٦ ـ ٢٤٧ / الدر المصون ٦ ـ ٢٩٥.

٢٩٠

فإذا قلت : ما أنت وزيد؟ ؛ وأنت لم تذكر فعلا ، فإنك تعطف ـ إن شئت ـ فترفع زيدا ، وإن شئت فإنك تنصب على أنه مفعول معه ، ويكون التقدير : ما تكون وزيدا؟ وكيف تكون وزيدا؟

وليس المراد بالكلام الأخير مجرد الاستفهام عن الاسمين وكونهما ، بل المراد به الاستفهام عن المعنى الجامع بينهما ، كما أن هذا الكلام يتضمن إنكارا (١).

المفعول معه بين القياس والسماع :

هل المفعول معه ظاهرة قياسية أم سماعية؟

القضية ـ فى إيجاز ـ تبدو فى رأيين عريضين (٢) :

أولهما : أن الجمهور يذهبون إلى أن المفعول معه مقيس ، لا يقتصر فيه على ما هو مسموع.

والآخر : أن آخرين من النحاة يذهبون إلى أنه يقتصر فى المفعول معه على المسموع منه ، ولا يعدى إلى غيره على القياس.

والراجح إنما هو الرأى الأول ، إذ إن كلّ حدث أو فعل إنما هو قابل لأن يحدث مع موجود معه أثناء حدوثه ، دون أن يشترك فى الإحداث ، وهذا المفهوم يتلاءم مع الطبيعة البشرية ، والطبيعة اللغوية.

رتبة المفعول معه :

أما من حيث تقدم المفعول معه على الفعل فإنه ممتنع اتفاقا.

ولكن توسطه بين الفعل ومعموله المصاحب له فقد أجازه ابن جنى قياسا على جواز تقدم المعطوف عليه على المعطوف ، كما جاء فى قول الأحوص :

__________________

(١) ينظر : المرتجل ١٨٥.

(٢) ينظر : الإيضاح العضدى ١٩٥ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٩٩٩ / شرح القمولى على الكافية تحقيق عفاف بنتن ١ ـ ١٧٩.

٢٩١

ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام (١)

والأصل : عليك السّلام ورحمة الله ، فأخر المعطوف وهو (السّلام) ، وقدّم المعطوف عليه ، وهو (رحمة). ويرى أن المفعول معه أصله العطف.

ولكن غيره يمنع ذلك احتجاجا بأن هذا التوسط فى المعطوف ضعيف نادر ، فيكون فى المفعول معه الذى هو فرعه أضعف.

ومما يستشهد به ابن جنى على تقدم المفعول معه على معمول الفعل قول يزيد بن الحكم :

جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمرعوى (٢)

حيث يرى ابن جنى أن الأصل : جمعت غيبة ونميمة مع فحش ، على أن الواو التى تسبق (فحشا) واو المعية ، وهو منصوب على أنه مفعول معه ، تقدم على مصاحبه الذى هو (غيبة ونميمة).

فيذكر ابن جنى : «ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل ، نحو قولك : والطيالسة جاء البرد ؛ من حيث كانت صورة هذه الواو صورة العاطفة ، ألا تراك لا تستعملها إلا فى الموضع الذى لو شئت لاستعملت العاطفة فيه ، نحو : جاء البرد والطيالسة ، فلما ساوقت حرف العطف قبح : الطيالسة جاء البرد ، كما قبح : وزيد قام عمرو.

__________________

(١) ينظر : مجالس ثعلب ١ ـ ٣٥٠ / الجمل ١٤٨ / ضرائر الشعر ٢١٨ / الخصائص ٢ ـ ٣٨٦ / شرح الجمل لابن عصفور ٢ ـ ٨٤ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ١٣٥ / المساعد ٢ ـ ٤٧٥ / شفاء العليل ٢ ـ ٧٩٦ / الهمع ١ ـ ١٧٣ / الدرر ١ ـ ١٩٠ / الخزانة ١ ـ ٤٩٥.

(ألا) استفتاحية مبنية لا محل لها من الإعراب. (نخلة) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (السّلام) مبتدأ مؤخر مرفوع ، خبره المقدم شبه الجملة (عليك).

(٢) (ثلاث) بالنصب بدل مما سبقها منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وبالرفع خبر لمبتدإ محذوف تقديره : هذه.

(لست) ليس فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون. والتاء ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم ليس.

(عنها) شبه جملة متعلقة بالارعواء. (بمرعوى) الباء حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب (مرعوى) خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة. وجملة (لست عنها بمرعوى) فى محل نصب صفة لثلاث.

٢٩٢

لكنه يجوز : جاء والطيالسة البرد ، كما تقول : ضربت وزيدا عمرا ، قال : جمعت وفحشا غيبة ونميمة ...» (١).

لكن كثيرا من النحاة يرفضون ذلك. وبعضهم يجعل تقديم المعطوف على المعطوف عليه ضرورة. كما أن بعضهم يجيز هذه الضرورة فى تقديم المفعول معه على مصاحبه.

__________________

(١) ينظر : الخصائص ٢ ـ ٣٨٣.

٢٩٣

المفعول له (١)

المفعول له مصدر يذكر لبيان سبب حدوث فعله (أو عامله) ، نحو : أقف احتراما لك. فالاحترام علة أو سبب لوقوع الفعل (أقف). فالمصدر سبب حدوث الفعل.

أصله أن يكون باللام ؛ لأن اللام حرف العلة والتعليل والغرض ، فيقال : أقف لأحترمك.

ووجب أن يكون مصدرا ؛ لأن العلة أو السببية إنما تكون بالحدث ، لا بالعين.

ويسمى المفعول لأجله ، أو من أجله ، أو له ، أو المفعول السببى ، أو غرض الفاعل ، وكلها تعطى معنى السببية والعلة.

والهاء تعود على العامل أو الفعل ، أى : الفعل الحادث لأجله هذا المفعول ، أو المفعول للفعل ، أو من أجل الفعل. والمفعول له غرض الفاعل.

ضابطه :

يشترط فى ما يمكن أن يكون مفعولا لأجله فى مجال الإعراب أن يكون :

أ ـ مصدرا :

ذلك لأن الباعث له إنما هو الأحداث لا الذوات ، وكما ذكرنا فإن المصدر سبب لحدوث الفعل. إذ المصدرية تتلاءم مع معنى التعليل ، ذلك لأن الباعث له إنما هو الأحداث لا الذوات ، فالمصدر سبب لحدوث الفعل.

__________________

(١) يرجع إلى : الكتاب : ١ ـ ٣٧٦ ، ٣ ، ١٢٦ ، ١٥٤ الأصول فى النحو : ١ ـ ٢٤٦ / اللمع : ١٤١ / التبصرة والتذكرة :

١ ـ ٢٥٦ / الجمل : ١٢٩ / المرتجل : ١٥٩ / المفصل : ٦٠ / البسيط في شرح جمل الزجاجى : ١ ـ ٤٦٨ / شرح ابن يعيش : ٢ ـ ٥٢ / التسهيل : ٩٠ / شرح الكافية لابن جماعة : ١٤٩ / المساعد على التسهيل : ١ ـ ٤٨٥ / شرح ابن عقيل على الألفية : ٢ ـ ١٨٥ / شفاء العليل فى إيضاح التسهيل : ١ ـ ٤٦١ / مغنى اللبيب : ١ ـ ١٧٦ / شرح القمولى على الكافية : ١٠٤ ، تحقيق : عفاف بنتن / الوافية في شرح الكافية : ١١٧ / الهمع : ١ ـ ١٩٤ / الأشباه والنظائر فى النحو : ٣ ـ ٧٦ / شرح التصريح : ١ ـ ٣٣٥.

٢٩٤

ب ـ معناه قلبى :

أى : يكون من أفعال النفس الباطنة ، كالرغبة والإرادة ، والمشاعر ..

إذ إن المعنى القلبى يتلاءم مع العلة ، حيث تقدم الإرادة أو الرغبة الحاملة الشخص على عمل الفعل ، أما الأفعال الجارحة فلا تتلاءم مع هذا ، فلا يقال : اشتريت القلم كتابة للدرس ، إلا إذا أضمرت الإرادة أو الرغبة.

وعليه ، فإن المفعول له لا يكون إلا فعلا باطنا ، والفعل المسبب عنه فعل ظاهر (١).

ج ـ مفيدا للتعليل :

حيث تكون العلة دافعة إلى إحداث الفعل ، سواء أكانت علة عارضة ، نحو : أنصت رغبة فى فهم الدرس. أم كانت علة غير عارضة ، أى : ذات صفة ثابتة ، نحو : قعد عن الحرب جبنا ، حيث إن الجبن صفة لازمة. والسببية حادثة وكامنة فى الذهن قبل المسبب عنها (٢) ، وهو الفعل. فالرغبة فى فهم الدرس والجبن علتان كامنتان فى الذهن قبل إحداث الفعل ، فدفعتا إلى إحداثه.

د ـ مشتركا مع عامله فى الوقت :

فإن وقت حدوث الفعل يجب أن يكون متحدا أو مشتركا مع وقت المصدر المفعول لأجله الفعل ، والاشتراك يعنى أن يتحدا زمنا ، أو أن يشترك أحدهما فى جزء من زمن الآخر. ذلك نحو : أفتح الباب تجديدا للهواء. زمن فتح الباب وزمن تجديد الهواء يتحدان ، حيث إن كلا منهما يقترن بالآخر زمنا وحدثا.

جئتك محبة لك. فإن زمن المجىء جزء من زمن المحبة ، حيث إنها تتخذ زمن الاستمرار. ومثله : قعد عن الحرب جبنا. فإن الجبن صفة ملازمة ، وبهذا يكون زمن القعود عن الحرب جزءا من زمن الصفة اللازمة (الجبن).

__________________

(١) نتائج الفكر : ٢٩٥.

(٢) الموضع السابق.

٢٩٥

صددتك خوفا من خطئك. فإن زمن الصدود آخر بالنسبة لزمن الخوف من الخطأ ، حيث إن زمن المصدر واقع قبل زمن الفعل ، فأول زمن الفعل آخر زمن المصدر.

أقرأ أملا فى التفوق. فإن أول زمن القراءة يتقدم على أول زمن التفوق ، فزمن المصدر آخر بالنسبة لزمن الفعل ، أى أن أول زمن المصدر آخر زمن الفعل.

ويذكر (١) أن سيبويه لم يشترط ذلك ، كما لم يشترطه أحد من المتقدمين.

ه ـ مشتركا مع عامله فى الفاعلية :

يجب أن يكون فاعل العامل وفاعل المصدر واحدا ، حيث إن الفعل والمصدر يجب أن يكونا صادرين من فاعل واحد ، حتى يكونا مشتركين فى هذا الجانب ؛ لأن الفعل حادث من الفاعل لأجل المفعول له الكامن فى نفس أو مشاعر هذا الفاعل ، ومن هنا كان الاتحاد بين الفعل والمفعول فى الفاعلية واجبا.

فعندما تقول : أصلّى رغبة فى إرضاء الله ؛ تلمس أن (رغبة) مصدر ، معناه قلبى ، حيث إن الرغبة إرادة كامنة فى النفس ، تعليل للفعل وهو (أصلّى) ، فالصلاة من أجل الرغبة فى إرضاء الله ، كما أن زمنه يشترك مع زمن الصلاة ، فالرغبة الكامنة فى النفس المستمرة زمنا حدتنى إلى إحداث الصلاة ، ومنه نجد أن زمن الصلاة مشترك فى جزء من زمن الرغبة فى إرضاء الله ـ تعالى ـ كما أن فاعل الصلاة ـ وهو ضمير مستتر تقديره : أنا ـ هو فاعل الرغبة.

يلحظ أن المفعول لأجله يصح أن يسأل عنه باستخدام حرف الاستفهام : لم؟

وأنت تعلم أنّ (لم) تستخدم للاستفهام بها عن التعليل والسبب.

ـ يلحظ ـ كذلك ـ ألا يكون المفعول لأجله مصدرا للفعل العامل ، أى : ألا يكون من لفظ الفعل ، حيث إن المصدر هو الفعل ؛ لأن الفعل مصدر وزمن ، ولا يكون الشىء علة لنفسه.

__________________

(١) ينظر : الهمع ١ ـ ١٩٤ / شرح التصريح ١ ـ ٣٣٥.

٢٩٦

حكمه الإعرابى :

كل ما فيه معنى المفعول لأجله فإنه إما أن تجتمع فيه الشروط السابقة ، أو لا تجتمع فيه ، وعليه فإننا نذكر حكم المفعول لأجله الإعرابى فى قسمين :

أولهما : حال اجتماع الشروط السابقة :

إذا اجتمعت الشروط السابقة فى المفعول لأجله ـ وهى كونه مصدرا ، معناه قلبى ، معللا للفعل ، مشتركا معه فى الزمان والفاعل ، ليس من لفظ الفعل ، ويصح الاستفهام عنه بحرف التعليل ـ فإنه يقع فى ثلاثة مبان :

أ ـ أن يجرد من أداة التعريف والإضافة : فيكثر فيه النصب ، كما يجوز أن يجرّ ، فيقال : أفهم النحو تكوينا لشخصيتى ، ويجوز أن يقال : أفهم النحو لتكوين شخصيتى. ويعرب (تكوينا) مفعولا لأجله منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة. أما (لتكوين) فإنها تعرب جارا ومجرورا ، وشبه الجملة متعلقة بالفهم.

انظر الأمثلة المذكورة سابقا ، ومن ذلك :

ـ أستمع إلى الدرس رغبة فى الفهم.

ـ أغلف الكتاب صيانة له ، أو : محافظة عليه.

ـ أجمع القمامة فى أكياس محافظة على البيئة.

ـ يمنع التدخين فى الأماكن العامة منعا للتلوث.

ويجوز لك أن تجرّ المصدر بحرف الجرّ فى كل ما سبق ، فتقول : لرغبتى فى الفهم ، .. لصيانته ، .. للمحافظة على البيئة ، .. لمنع التلوث.

ب ـ أن يعرف بالأداة (الألف واللام) : فيكثر فيه الجرّ بحرف التعليل (اللام) ، ويجوز أن يجرّ بالباء ، أو : فى ، أو : من ، فيقال : أكافئه للإعجاب به. فتكون شبه الجملة (للإعجاب) متعلقة بالمكافأة ، وشبه الجملة (به) متعلقة بالإعجاب.

٢٩٧

وقفت له للاحترام الواجب. شبه الجملة (للاحترام) متعلقة بالوقوف.

أغلف الكتاب للمحافظة عليه. شبه الجملة (للمحافظة) متعلقة بالتغليف.

وقد ينصب المفعول لأجله المعرف بالأداة ، كما هو فى قول الشاعر :

لا أقعد الجبن عن الهيجاء

إن توالت زمر الأعداء (١)

فـ (الجبن) مصدر معرف بالألف واللام ، وهو مفعول لأجله منصوب للفعل (أقعد) ، وهو مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، (لا) نافية لا محلّ لها من الإعراب.

ومما قرن بالألف واللام ما ذكر فى قوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [الأنبياء : ٤٧]. حيث (القسط) من أوجه نصبه أنه مفعول لأجله (٢). والتقدير : لأجل القسط. ولهذا فإنهم يجعلون فى هذا الوجه لنصب (القسط) معرفا بالألف واللام نظرا ، من حيث إن المفعول له إذا كان معرفا بالأداة فإنه يقل تجرده من حرف العلة (اللام) (٣).

ج ـ أن يكون مضافا : إذا كان المصدر المفعول لأجله مضافا فإنه يستوى فيه حالتا النصب والجر. منه قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ..) [البقرة : ٢٦٥](٤) (ابتغاء) مفعول لأجله منصوب ، وهو مضاف ، و (مرضاة) مضاف إلى المصدر مجرور. (تثبيتا) معطوف على المفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

__________________

(١) الجمل : ١٢٩ / شرح الكافية لابن جماعة : ١٤٩ / المساعد على التسهيل : ١ ـ ٤٨٧ / شرح ابن عقيل على الألفية : ٢ ـ ١٨٧ / شفاء العليل : ١ ـ ٤٦٣ / شرح القمولى على الكافية : ١٠٤ تحقيق عفاف بنتن / شرح التصريح : ١ ـ ٣٣٦.

(زمر) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (الأعداء) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (عن الهيجاء) شبه جملة متعلقة بالقعود.

(٢) قد ينصب على أنه نعت للموازين ، فهو مصدر صفة منصوبة ، وأفرد لأنه مصدر ، والمصدر لا يثنى ولا يجمع ، أو على حذف مضاف ، والتقدير : الموازين ذوات القسط. ينظر : البحر المحيط ٦ ـ ٣١٦.

(٣) ينظر : الدر المصون ٤ ـ ٨٩.

(٤) (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره شبه الجملة (كمثل) ، أو محذوف يتعلق به شبه الجملة. شبه الجملة (بربوة) فى محل جر صفة الجنة ، أو متعلقة بنعت محذوف.

٢٩٨

ومنه قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [البقرة : ١٩](١). (حذر) مفعول لأجله منصوب ، وهو مضاف ، و (الموت) مضاف إليه مجرور.

وكذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ٢٦٤](٢). حيث إنه من أوجه نصب (رئاء) أن يكون مفعولا لأجله (٣) ، والتقدير : لأجل رئاء الناس. ورئاء مضاف ، و (الناس) مضاف إليه مجرور.

ومنه قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) [الإسراء : ٣١](٤). حيث (خشية) منصوب على أنه مفعول لأجله ، اجتمعت فيه كل الشروط ، وهو مضاف ، و (إملاق) مضاف إليه مجرور.

أما قوله تعالى : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) [الإسراء : ٢٨](٥). فإن فيه (ابتغاء) منصوب على أنه مفعول لأجله ، وقد أضيف إليه (رحمة). أما عامله فهو (تعرض) ، وقد يكون (قل).

__________________

(١) (يجعلون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (فى آذانهم) شبه جملة متعلقة بالجعل.

(٢) (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع نعت لأى ، (أى) منادى مبنى على الضم فى محل نصب.

(تبطلوا) فعل مضارع مجزوم بعد لا الناهية ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (صدقات) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الكسرة ؛ لأنه مجموع بالألف والتاء المزيدتين. (كالذى) شبه الجملة إما فى محل نصب حال ، أى : مشبهين الذى ، وإما منصوبة على أنها نعت لمصدر محذوف : أى إبطالا كإبطال الذى.

(٣) وفى نصبه وجهان آخران :

أحدها : أنه منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف ، والتقدير : إنفاقا رئاء الناس.

والآخر : أنه منصوب على الحالية ، بتأويله بمشتق والتقدير : مرائيا.

ينظر : الدر المصون ١ ـ ٦٣٧.

(٤) جملة (نرزقهم) فى محل رفع ، خبر المبتدإ (نحن).

(٥) (تعرضن) فعل الشرط مضارع فى محل جزم ، وهو مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة ، (عنهم) شبه جملة متعلقة بالإعراض. (من ربك) شبه جملة فى محل جر ، صفة لرحمة ، والتقدير :

٢٩٩

ومنه قول حاتم الطائى (١) :

وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما

(ادخار) مفعول لأجله منصوب ، وهو مضاف ، وضمير الغائب (الهاء) مبنى فى محلّ جر بالإضافة.

ومما أضيف ، وجرّ قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [البقرة : ٧٤](٢) فـ (خشية) المفعول لأجله جر بحرف الجر (من). وشبه الجملة (من خشية) متعلقة بالهبوط.

ملحوظة :

يلحظ أنه عند ما تتوافر الشروط مكتملة فى المفعول لأجله ، فى أى مبنى من مبانيه الثلاثة السابقة ؛ فإن النصب لا يتعين فى مبنى معين ، وإنما يجوز فى ترجيح أو عدم ترجيح ، ويجوز الجرّ ـ حينئذ.

ثانيهما : إذا فقد شرط من الشروط السابقة وجب جره بحرف الجر.

كأن :

أ ـ يفقد المصدرية : كما فى قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ)

__________________

رحمة من ربك وقد تكون متعلقة بترجو ، والتقدير : ترجوها من ربك. (ترجوها) جملة فى محل جرّ ، صفة لرحمة أى : رحمة ترجوها. وقد تكون حالا من الفاعل فى تعرض ، أى : تعرض راجيا رحمة ... (فقل) جملة جواب الشرط فى محل جزم. وقرنت بالفاء لأنها طلبية بالأمر.

(١) ديوانه : ١١٩ ، تحقيق كرم البستانى ، مكتبة صادر ، بيروت. يتظر : الكتاب ١ ـ ٣٦٨ / معانى القرآن للأخفش ١ ـ ٢٦٧ / شرح أبيات سيبويه ١ ـ ٤٥ / اللمع ١٤١ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٥٥.

(أغفر) فعل مضارع مرفوع ، فاعله مستتر تقديره : أنا. (عوراء) مفعول به منصوب وهو مضاف ، والكريم مضاف إليه مجرور. (تكرما) مفعول لأجله منصوب. أما شبه الجملة (عن شتم) فهى متعلقة بالإعراض.

و (اللئيم) مضاف إليه مجرور.

(٢) شبه الجملة (منها) فى محل رفع ، خبر (إن) مقدم ، أو متعلقة بخبر محذوف واللام للتوكيد أو الابتداء ، أو اللام المزحلقة. أما اسم إن فهو (ما) الموصولة مبنية فى محل نصب ، وتكون جملة (يهبط) صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب.

٣٠٠