النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

(اغترابا) منصوب على المصدرية لفعل محذوف ، وهما مصدران نابا مناب فعليهما ؛ لأنهما فى معنى الاستفهام التوبيخى ، أو الإنكار. (ولا أبا لك) جملة اعتراضية دعائية ، لا محل لها من الإعراب.

وقد يكون التوبيخ صادرا من المتكلم لنفسه ، كما قد يكون صادرا لمخاطب ، وقد يكون صادرا لغائب تجعله في حكم المخاطب.

فقد تقول لنفسك : أنوما وقد استيقظ الآخرون؟ أصمتا وقد تفوّه غيرك؟

كما تقول لمخاطبك : ـ أتكاسلا وقد همّوا؟ ـ أغفلة وقد انتبهوا؟

كما تقول لرجل غائب بلغك أنّه يلهو : ألهوا فى هذا الزمان والله محاسبك على وقتك؟

وتقول لشيخ غائب بلغك أنه يعبث : أعبثا وقد علاك المشيب؟

وتكون المصادر (نوما ، صمتا ، تكاسلا ، غفلة ، لهوا ، عبثا) فى محلّ نصب على المصدرية ؛ لأنها نابت مناب أفعالها فى معنى الاستفهام التوبيخى ، أو الإنكار.

٤ ـ المصادر السماعية المقرونة بموقف :

يجب حذف عامل المصادر السماعية التى تذكر عند موقف معين ، وهو فى معنى الخبر ، وهذا الموقف قرينة لعاملها ، ومع كثرة الاستعمال جرت مجرى الأمثال فى التعبير اللغوى ، ذلك نحو :

ـ حمدا وشكرا. وتقديره : أحمد الله حمدا ، وأشكره شكرا.

ـ سمعا وطاعة. وتقديره : أسمع سمعا وأطيعك طاعة.

ـ ومنه : صبرا لا جزعا. أى : أصبر صبرا لا أجزع جزعا.

ـ ومنه عند ظهور أمر يعجب : عجبا ، أى : أعجب عجبا.

ومنه كذلك :

ـ أفعله أنا وكرامة ومسرّة. أى : وأكرمك كرامة ، وأسرك مسرة.

٢٦١

ـ لا أفعله ولا كيدا ولا هما. أى : «لا أكاد كيدا ، ولا أهمّ هما».

كلّ من المصادر : (حمدا ، شكرا ، سمعا ، طاعة ، صبرا ، جزعا ، عجبا ، كرامة ، مسرة ، كيدا ، هما) منصوب على المصدرية لفعل محذوف من لفظ المصدر ، وهو محذوف ؛ لأنها مصادر مقرونة بموقف ملائم للمعنى.

٥ ـ المصادر التى تكون تفصيلا لعاقبة مضمون ما قبله :

وضابطه أن يكون المصدر عاقبة لحدث قبله ، وهو تفصيل لنتائج لهذا الحدث ، وما قبله قد يكون خبرا ، وقد يكون طلبا. ذلك نحو قول الشاعر :

لأجهدنّ فإما درء واقعة

تخشى وإما بلوغ السؤدد والأمل

ف (درء ، وبلوغ) مصدران واقعان بعد حرف التفصيل (إما) ، وهما عاقبة مضمون الجهد السابق عليهما ، والتقدير : إما أن أدرأ ... وإما أن أبلغ.

ومنه قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤].

أى : فإما تمنون منا ، وإما تفدون فداء ، أو : إما أن تمنوا منا ، وإما أن تفدوا فداء.

٦ ـ المصدر النائب عن فعله ، وهو خبر عن اسم عين :

ويشترط فيه أن يكون المصدر مكررا ، أو محصورا ، أو معطوفا عليه ، أو أن يكون المخبر عنه مقرونا بهمزة الاستفهام.

كما يجب أن يكون المصدر مستمرا للحال لا منقطعا ولا مستقبلا ، ذلك نحو : مثال المكرر : أنت أدبا أدبا ، والتقدير : أنت تؤدب أدبا.

كرر المصدر (أدبا) ، وعامل أولهما خبر عن اسم عين (أنت) ، وهو مكرر مستمرّ للحال. فـ (أدبا) الأول منصوب على المصدرية لفعل محذوف من لفظه ، والثانى توكيد للأول منصوب.

٢٦٢

ومثال المحصور : ما هو إلا فهما ، أى : إلا يفهم فهما ، الحصر بالنفى والاستثناء.

إنما أنت فهم العقلاء ، أى : تفهم فهم ، الحصر باستخدام (إنما).

ويكون كلّ من (فهما ، وفهم) منصوبا على المصدرية بفعل محذوف وجوبا ؛ لأنها من المصادر التى نابت مناب فعلها ، وهى أخبار عن اسم عين ، وهى محصورة.

ومثال المعطوف : أنت انتباها ويقظة ، أى أنت تنتبه انتباها ، وتتيقظ يقظة.

إنه حمدا وشكرا ، أى : يحمد حمدا ، ويشكر شكرا.

المصادر (انتباها ، يقظة ، حمدا ، شكرا) منصوبة ؛ لأنها مفعولات مطلقة لأفعال محذوفة وجوبا ، حيث إنها مصادر نابت مناب أفعالها ، وهى أخبار عن اسم عين ، ومعطوفه عليها.

ومثال المسبوق بهمزة الاستفهام : أأنت سمعا؟ أى : أأنت تسمع سمعا؟ أهو طاعة؟ أى : يطيع طاعة؟

(سمعا وطاعة) مصدران منصوبان على المفعولية المطلقة لعامل محذوف وجوبا ؛ لأنهما من المصادر التى نابت مناب فعلها ، وهى خبر عن اسم عين ، ومسبوقة بهمزة الاستفهام.

ومن أمثلة ما سبق : أنت سيرا سيرا. ما أنت إلا سيرا. إنما أنت سيرا. ما أنت إلا فهما. ما أنت إلا سير البريد. إنما أنت سير البريد. أأنت فهما؟ أأنت سيرا؟ ما أنت إلا قول الحكماء.

فإن فقد شرط مما سبق فإنه لا يجب إضمار العامل ، بل يظهر ، وذلك أن يكون المصدر غير مكرر ، أو غير محصور ، أو غير معطوف ، أو غير مستفهم عنه ، فتقول : أنت تعدل عدلا ، فجملة (تعدل) فى محلّ رفع ، خبر المبتدإ (أنت) ، أما (عدلا) فهو مصدر منصوب للفعل المحذوف.

٢٦٣

وتقول : أنت عدل. حيث (عدل) خبر المبتدإ (أنت) مرفوع.

وعند بعض النحاة يجوز حذف العامل مع عدم تكرار المصدر ، فتقول : أنت عدلا. ويكون (عدلا) لديهم منصوبا على المصدرية.

إن كان العامل خبرا عن اسم معنى تعين رفع المصدر على الخبرية ، ذلك نحو.

ـ ما خلقك إلا استقامة ، وتكون (استقامة) مرفوعة على الخبرية للمبتدإ (خلق) ؛ لأنه اسم معنى.

إنما عدلك عدل الحكماء (عدل) الأولى مبتدأ ، أما (عدل) الثانية فهى خبر له ؛ لأنه اسم معنى.

ومثله : إنما حكمك عدل. ويكون (عدل) خبرا للمبتدإ (حكم) مرفوعا.

٧ ـ المصدر المؤكد لجملة سابقة عليه :

يجب أن يحذف عامل المصدر المؤكد لجملة سابقة عليه ، وتكون العلاقة المعنوية التوكيدية بين المصدر المؤكد والجملة السابقة عليه محتملة أحد معنيين :

أولهما : أن يكون معناها داخلا فى معنى المصدر المؤكد ، بأن يقع بعد جملة هى نصّ فى معناه ، ولذلك فإنهم يجعلونه مؤكدا لنفسه ، ذلك نحو ؛ له علىّ ألف عرفا ، أى : اعترافا ، وتلحظ أن الجملة السابقة على المصدر (له علىّ ألف) نصّ فى الاعتراف ؛ لأنها لا تحتمل غيره ، فهى لا تحتمل معنى سوى ما وضعت له ، فكأن المصدر بمنزلة إعادة ما قبله ، فهو مؤكد لنفسه.

ومنه : له عندى أفضال إقرارا ، أى : أقر .. إقرارا.

والآخر : أن يكون المصدر مؤكدا لغيره ، وهو المؤكد للجملة السابقة عليه ، وهى تحتمل معناه ومعنى غيره ، وذلك بأن تكون الجملة السابقة محتملة أكثر من معنى ، فيذكر المصدر ليؤكد ظاهر معناها ، ذلك نحو : أنت ابنى حقّا. أى : أحقه حقا. والجملة السابقة على المصدر (أنت ابنى) تحتمل المعنى الحقيقىّ والمعنى المجازى ، ولكن المصدر يأتى لينصّ على المعنى الحقيقى ، فقولنا : (حقا) ينفى المجاز ، ويثبت الحقيقة.

٢٦٤

ومنه : لا أفعل المنكر ألبتة ، أى : أبتّه ألبتة. حيث إن الجملة السابقة للمصدر تحتمل استمرار النفى وانقطاعه. فلما ذكر المصدر أفاد ذكره استمرار النفى.

٨ ـ المصدر الذى يقع بعد جملة مشتملة عليه لفظا :

ولا بد من توافر خمسة شروط فى هذا التركيب :

أولها : أن يكون المصدر مقصودا به التشبيه.

ثانيها : أن يكون مشعرا بالحدوث ، أى : ليس شيئا ثابتا فى طبيعة ما وضع له ، أو : أن يكون فعلا علاجيا ، أى : يحتاج إلى تحريك عضو من الأعضاء.

ثالثها : أن يكون قبله جملة تشتمل المصدر ، أى : على اسم بمعناه.

رابعها : أن تشتمل الجملة السابقة عليه على فاعل المصدر ، أو صاحبه.

خامسها : أن يكون ما تضمنته الجملة غير صالح للعمل في المصدر ومثاله في كتب النحاة : لزيد صوت صوت حمار. برفع (صوت) الأولى ، ونصب (صوت) الثانية : أو مررت فإذا له صوت صوت حمار. وله بكاء بكاء ذات داهية. برفع (بكاء) الأولى ، ونصب (بكاء) الثانية. فالمصدر الثانى فيما سبق فعل واقع بعد جملة ، وهى : (لزيد صوت ، له صوت ، له بكاء).

وتلك الجملة تتضمن اسما بمعناه ، وهو المصدر الأول : (صوت ، صوت ، بكاء).

كما أنها تتضمن صاحب المصدر ، وهو : (زيد ، والهاء ، والهاء).

كما أن المصدر الثانى علاجى ، أى : يحتاج إلى تحريك عضو من الأعضاء فيه معنى التشبيه.

ولا يصلح للمصدر الأول العمل فى المصدر الثانى ، ذلك مع الحرف المصدر ، أو بدونه ؛ لأن المعنى لا يتحمل ذلك ، حيث إنه يتطلب أنك مررت به فى حال تصويت ، أو فى حال بكاء.

٢٦٥

ولما كان كذلك تعيّن أن ينصب الثانى على المصدرية بفعل محذوف وجوبا ؛ لأن الأول تضمن معناه.

ومنه قولك : لدىّ قول قول الناصحين. بنصب (قول) الثانية على المصدرية.

صدرت منه إجابة إجابة المتقنين. (إجابة) الثانية منصوبة على المصدرية.

لى سعى سعى المخلصين. بنصب كلمة (سعى) الثانية على المصدرية.

ومنه قول أبى كبير الهذلى :

ما إن يمسّ الأرض إلا منكب

منه وحرف الساق طىّ المحمل (١)

(طىّ) منصوب على المصدرية لفعل محذوف تقديره : يطوى ، فهو مسبوق بجملة (ما إن يمس الأرض منه إلا منكب) ، وهى بمنزلة (له طى) فى المعنى ، فمعناها : مدمج الخلق لا يمس الأرض منه إلا منكبه لخماصة بطنه ، وذلك كطىّ المحمل ، فهى مشتملة على المصدر وصاحبه ضمنا ، والمصدر الثانى (طى) فيه إشعار بالتشبيه ، وليس في الجملة الأولى ما يصلح للعمل فى المصدر.

ملحوظتان :

أولاهما : يجوز أن ترفع المصدر الثانى على أنه بدل من الأول ، أو خبر لمبتدإ محذوف ، فعندما تقول : عندى قول قول الناصحين. تكون شبه الجملة (عندى) فى محل رفع ، خبر مقدم ، و (قول) الأول مبتدأ مؤخر مرفوع ، أما (قول) الثانية فيجوز أن ينصب على المصدرية بفعل محذوف ، ويجوز أن يرفع على البدلية من (قول) الأولى ، أو على الخبرية لمبتدإ محذوف ، تقديره : هو.

وإذا كان نكرة فإنه يجوز فيه الإتباع على الصفة كذلك ، لكن الصفة تمتنع حال ما إذا كان معرفة.

__________________

(١) (ما) نافية ، (إن) زائدة (المحمل) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية علاقة السيف. يصف الشاعر إضمار فرسه بأنه إذا اضطجع فإنه لا يمس الأرض منه إلا منكبه وحرف ساقه. فهو خميص البطن مدمج الخلق كطى المحمل.

٢٦٦

فإذا قلت : لدىّ قول قول حكيم ، فإن المصدر الثانى (قول) نكرة ، فيجوز فيه أربعة أوجه :

ـ النصب من وجه على المصدرية لفعل محذوف.

ـ الرفع من ثلاثة أوجه : على الخبرية لمبتدإ محذوف ، والتقدير : هو قول حكيم. أو على البدلية من المبتدإ المؤخر (قول). أو على النعت للمبتدإ المؤخر قول.

ويرى نحاة ـ على رأسهم الخليل ـ أنه يجوز أن تعرب المعرفة صفة على تقدير محذوف ، وهو : مثل ، ويكون التقدير في المثال الأول : عندى قول مثل قول الناصحين.

ثانيهما : إذا فقد شرط من الشروط المذكورة سابقا ، فإن الثانى يجب رفعه على البدلية :

أ ـ كأن لم يكن مصدرا ، نحو : له رجل رجل فيل ، حيث (رجل) ليست مصدرا. فيجوز فيها أوجه الرفع دون النصب.

ب ـ أو لم يكن مشعرا بالحدوث ، نحو : له ذكاء ذكاء الحكماء.

فالذكاء مصدر معنوى ، لا يحتاج إلى تحريك عضو من الأعضاء ، فهو غير محدث ، أى : أن صاحبه لم يفعل شيئا ، فلا يجوز فيه إلا الرفع.

ج ـ أو لم يقصد به تشبيه ، نحو : عنده علم علم وفير ، وله صوت صوت حسن. حيث لا تلمس فى المثالين ، تشبيها فلا يجوز في الثانى إلا الرفع.

د ـ أو كانت الجملة التى تسبق المصدر لا تشتمل على فاعله ، نحو : بالأدب إعجاب إعجاب المحبين ، وبالنحو شغف شغف الولهين. على الدار نوح نوح الحمام.

ففاعل الإعجاب الأول غير فاعل الإعجاب الثانى ، وكذلك فاعل الشغف الأول ، وفاعل النوح الأول غير فاعل الثانى من كلّ منهما ؛ لذا جاز فى الثانى منهما وجه الرفع دون النصب ، حيث فاعل الأول عام غير محدّد.

٢٦٧

ه ـ أو كان ما قبله لا يكون جملة ، نحو :

إجابته إجابة فاهم. وسؤاله سؤال مدقق. وصوته صوت حمار. وبكاؤه بكاء الثكلى.

المصدر الثانى : (إجابة ـ سؤال ـ صوت ـ بكاء) خبر المصدر الأول ، وهو مبتدأ ، فليس قبل المصدر الثانى جملة تامة الركنين.

و ـ أو كانت الجملة السابقة تشتمل على ما يصلح للعمل فى المصدر المشعر بالحدوث ، نحو : هو يشرب شرب الصادى. إنه يأكل أكل الجشع. هى تفهم فهم المتقن. إنها تنتبه انتباه المدقّق.

الأفعال (يشرب ـ يأكل ـ تفهم ـ تنتبه) هى العاملة فى كلّ من المصادر (شرب ـ أكل ـ فهم ـ انتباه).

وكذلك إذا قلت : هو شارب شرب الصادى. إنه آكل أكل الجشع. هى فاهمة فهم المتقن. هى منتبهة انتباه المدقّق.

من المصادر :

لابد من التنويه إلى بعض المصادر التى تتناثر فى الجملة العربية ، فتأتى منصوبة ، منها :

ـ فضلا : ذلك فى القول : فلان لا يملك درهما فضلا عن دينار. أى : يفضل فضلا .. فيكون (فضلا) منصوبا على المصدرية لفعل محذوف.

ـ خلافا : فى القول : ويجوز كذا خلافا لفلان. (كذا) فاعل مبنى فى محل رفع.

(خلافا) منصوب على المصدرية لفعل محذوف من لفظه. أى : يخلف خلافا.

ـ اتفاقا : فى القول : يجوز هذا الاتجاه اتفاقا. أى : يتفق عليه اتفاقا.

ـ إجماعا : فى القول : وقد كان هذا القول جائزا إجماعا. (جائزا) خبر (كان) منصوب ، و (إجماعا) مفعول مطلق لفعل محذوف ، تقديره : يجمعون.

٢٦٨

أيضا : فى مثل : قال أيضا. وهو مصدر (آض) ، فعل بمعنى : عاد ورجع ، فيكون بذلك تاما. أو يكون بمعنى (صار) ، فيكون ناقصا عاملا عمل (كان).

وجاء على هذا المعنى قول العجّاج :

ربّيته حتى إذا تمعددا

وآض نهدا كالحصان أجردا

كان جزائى بالعصا أن أجلدا (١)

ف (أيضا) منصوب على المصدرية لفعل محذوف من لفظه.

ـ أما (جرا) فى القول : هلمّ جرا فمنصوب على المصدرية على احتساب أن (هلمّ) فيه معنى (جر) ، وكأنه يقال : جروا جرا ، فيكون نائبا عن المفعول المطلق.

وقد يكون منصوبا على أنه مصدر وضع موضع الحال ، أو على التمييز.

ومنها كذلك : خصوصا ـ عموما ـ مثلا ـ مهلا ـ وفاقا ـ عنادا ـ مكابرة ـ جدا.

وهى فى الأمثلة :

ـ أهتم بأفرع اللغة العربية خصوصا النحو. (خصوصا) منصوبة على المصدرية بفعل محذوف ، والتقدير : أخص خصوصا ، (النحو) مفعول به منصوب.

ـ لقد كافأتهم عموما ، أى : أعمّ عموما ، فيكون منصوبا على المصدرية لفعل محذوف من لفظه ، ويجوز أن يكون مصدرا واقعا موقع الحال.

ومنه : وعموما أفعل ذلك إرضاء للخالق تعالى.

ـ المبتدأ مرفوع ، مثلا ، الطالب مجتهد. التقدير : أمثل مثلا ، فيكون (مثلا) منصوبا على المصدرية ، ويجوز أن تجعل التقدير : أضرب مثلا ، فيكون مفعولا به منصوبا.

__________________

(١) ديوانه ١ ـ ٢٨١ ، رواه الجوهرى : وصار نهدا ، تمعدد الغلام : شبّ وغلظ ، النهد : العظيم الجسم من الخيل ، الأجرد : الذى لا شعر له.

(نهدا) خبر آض التى بمعنى صار ، منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

٢٦٩

ـ مهلا ؛ فالأمر لا يوجب التسرع. والتقدير : أمهل مهلا ، فيكون منصوبا على المصدرية ، فهو مصدر ناب مناب فعله فى الأمر.

ـ فعلت ذاك وفاقا لرؤيته. أى : أوافق وفاقا ، فيكون (وفاقا) منصوبا على المصدرية ، ويجوز أن يكون التقدير : موافقا ، فيكون مصدرا واقعا موقع الحال.

ـ أأنت عنادا؟. أى : تعاند عنادا ، فيكون منصوبا على المصدرية ؛ لأنه مصدر نائب عن فعله ، وهو خبر عن اسم عين مسبوق بهمزة الاستفهام.

ومنه : أفعل ذلك عنادا ، والتقدير : أعاند عنادا ، فيكون منصوبا على المصدرية ، أو يكون التقدير : معاندا ، فيكون مصدرا واقعا موقع الحال.

ـ لقد تصرف هذا السلوك مكابرة. التقدير : يكابر مكابرة ، فيكون منصوبا على المصدرية ، أو يكون : مكابرا ، فيكون مصدرا واقعا موقع الحال.

ـ لقد فهمت ذلك جدا. أى : أجد جدا ، فيكون (جدا) منصوبا على المصدرية لفعل محذوف. فكلّها منصوبة بأفعال محذوفة ، ويجوز تأويل نصب بعضها على الحالية.

ـ قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) [التوبة : ٨١]. فى (خلاف) ثلاثة أوجه إعرابية :

إما التقدير : تخلفوا خلاف رسول الله ، فيكون نائبا عن المفعول المطلق ؛ لأن تخلفوا فى معنى (مقعد).

وإما التقدير : فرحوا لأجل مخالفتهم فيكون مفعولا لأجله.

وإما أن يكون التقدير : بعد رسول الله ، فينصب على الظرفية.

ومن المصادر ما ذكر فى قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [التوبة : ٨٢]. فى (قليلا) ، (كثيرا) وجهان :

أولهما : أن يكون التقدير : ضحكا قليلا ، وبكاء كثيرا فحذف المصدران وأقيمت صفتاهما مقامهما ، فنصبتا على النيابة عن المفعول المطلق.

٢٧٠

والآخر : أن يكون التقدير : زمانا قليلا ، وزمانا كثيرا ، فيكونان منصوبين على الظرفية.

أما (جزاء) فإنه منصوب على أنه مفعول لأجله ، أو على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف من لفظه ، والتقدير : يجزون جزاء.

المصادر المثناة :

سمع من المصادر ما جاء بصيغة المثنى ، وهو منصوب وعلامة نصبه الياء لتثنيته.

من هذه المصادر المثنّاة :

ـ لبّيك ، أى : إجابة بعد إجابة. وسعديك ، (إسعادا بعد إسعاد) وحنانيك (تحنانا بعد تحنان) ، ودواليك (تداولا بعد تداول) ، وهذاذيك ، (قطعا للأمر بعد قطع) ، وحذاريك (حذرا بعد حذر) ، وحجازيك (حجزا بعد حجز ، أى : لا تقطع ذلك وليكن بعضه موصولا).

ولا تكون هذه المصادر المثناة إلا مضافة دائما ، فالكاف فيها فى محلّ جرّ بالإضافة ، عند جمهور النحاة ، حيث كاف المخاطب ضمير ، لكن له معنى فى التركيب غير الإضافة ، فنحن نعلم أن المصدر قد يضاف إلى فاعله ، وقد يضاف إلى مفعوله ، ونجد أن ضمير المخاطب. وهو (الكاف) فى :

ـ لبيك وسعديك مفعول به ؛ لأن التقدير فيهما : ألبيك وأسعدك ، والتلبية والإسعاد يقعان على المخاطب.

ـ هذاذيك وحذاريك ، الكاف فيهما فاعل ؛ لأن التقدير : اقطع واحذر ، فالمخاطب فاعل القطع والحذر.

ـ والكاف فاعل كذلك فى دواليك ، وحجازيك ؛ لأن التقدير فيهما : تداول واحجز ، فالمخاطب فاعل التداول والحجز.

ـ أما الكاف فى (حنانيك) فإنه يقع حسب تقدير المصدر بين الإنشاء والخبر : فإذا كان تقديره أمرا ، أى : حنّ ، فإن الكاف تكون فاعلا.

٢٧١

وإذا كان تقديره خبرا ، أى : أحنّ إليك ، أو عليك ، فهو مفعول به.

ويرى بعضهم أن الكاف فى هذه المصادر المثناة حرف خطاب ، ولا موضع لها من الإعراب ، كما هى فى (ذلك).

والتثنية في هذه المصادر يراد بها التكثير عند العرب ، وكأن المتحدث يريد أن يقول للسامع كلما انقضى هذا المعنى فليكن مرة بعد مرة.

وإذا ثنّيت هذه المصادر لزم النصب ، أما إذا أفردتها جاز الرفع والنصب ، ومنه قول منذر بن درهم الكلبى :

فقالت حنان ما أتى بك ها هنا

أذو نسب أم أنت بالحىّ عارف (١)

(حنان) يرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير : أمرى حنان ، أو حنانى حنان ، ويرفع كذلك على أنه مبتدأ ، خبره محذوف ، والتقدير : حنان منى. كما أنه ينصب على المصدرية ، فهو مصدر نائب مناب فعله.

مصادر غير متصرفة :

قد يكون المصدر غير متصرف ، لا يدخله الألف واللام ، ومن هذه المصادر :

سبحان الله ـ معاذ الله ـ عمرك الله إلّا فعلت كذا ـ وقعدك الله إلا فعلت كذا ، وهما. بمنزلة (نشدك الله) ، ومنه قولهم : سبحان الله وريحانه (استرزاقه).

فهذه أعلام على المصدرية ، وهى منصوبة دائما ، لا تخرج عن النصب إلى غيره ، وفعلها محذوف دائما ، لا يجوز ذكره.

المصدر واسم العين :

يذكر بعضهم أنه قد ينوب عن المصدر اسم العين (٢) ، ويجعلون من ذلك : تربا ، وجندلا ، فاهالفيك ، أأعور وذا ناب ، فيجعلون أسماء الأعيان السابقة نائبة

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٣٢٠ / المقتضب ٣ ـ ٣٣٥ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١١٨ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٢٠٨ / الخزانة ١ ـ ٢٧٧ / شرح التصريح ١ ـ ١٧٧.

(٢) ينظر : التسهيل ٨٩.

٢٧٢

مناب المصدر ، ولكنه من الأفضل والأكثر صحة أن تكون هذه مفعولات لأفعال محذوفة.

الصفة والمصدر :

قد ينوب عن المصدر الذى يجب إضمار عامله صفات (١) ، نحو : عائذا بك ، هنيئا لك ، أقائما وقد قعد الناس؟ أقاعدا وقد سار الركب؟ وقائما ـ قد علم الله ـ وقد قعد الناس.

حيث يوجه بعض النحاة الصفات المشتقة (عائذا ، هنيئا ، قائما ، قاعدا ، قائما) على أنها صفات نائبة مناب المصدر ، وذلك فى قالب أن المصدر ينوب مناب الصفة.

لكنه من الأفضل والأكثر صحة أن تنصب هذه الصفات على الحالية.

__________________

(١) ينظر : التسهيل ٨٩.

٢٧٣

المفعول معه (١)

أى : الاسم المفعول معه الفعل ، أو : المفعول بمصاحبته الفعل.

وهو اسم فضلة مسبوق بواو المصاحبة على غير معنى التبعية ، يأتى بعد جملة فيها ما يدل على الحدثية ، سواء أكان من طريق الفعل ، أم من طريق ما فيه معنى الفعل وحروفه ، ويكون هذا الاسم مصاحبا للفاعل فى الزمن دون الحدث أو الفاعلية. ذلك نحو : أذاكر والمصباح. المصباح تال لواو بمعنى المصاحبة ، ومسبوق بجملة فعلية ، وهو مشترك مع الفاعل الضمير المستتر فى (أذاكر) فى الزمن ، لكنه لا يشاركه الفاعلية أو إعمال الحدث ، وهو المذاكرة ، فالمصباح مصاحب لى أثناء مذاكرتى دون أدائها ، فيكون مفعولا معه.

ومنه : سرت والشاطئ. جلست والقصة. وقفت والصديق.

ومنه كذلك ما فيه معنى الفعل وحروفه من الصفات المشتقة ، كما فى القول : أنا سائر والنيل ، فـ (سائر) اسم فاعل يعمل عمل الفعل.

وكذلك القول : المرأة متروكة وزوجها. حيث إن (متروكة) اسم مفعول يعمل عمل الفعل ، فيكون عاملا للمفعول معه (زوج) ، فينصب بعده.

ومنه إعمال المصدر فيما إذا قيل : عرفت استواء الماء والخشبة ، حيث نصبت (الخشبة) بعد واو المصاحبة على أنها مفعول معه ، والعامل هو المصدر الذى يسبق الماء (استواء).

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٢٩٨ / المسائل البصريات ١ ـ ٧٠١ / الإيضاح العضدى ١٩٥ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٢٥٨ / المقتضب ٢ ـ ٥١ ، ٤ ـ ٢١٢ / شرح الكافية للرضى ١ ـ ١٣٥ / الجمل ٣١٩ / المرتجل ١٨٣ / شرح الجمل للخفاف ٢ ـ ٦٤٣ / شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ٢ ـ ٤٥٢ / شرح عمدة الحافظ ٤٠٢ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٨٩ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٤٨ / شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٩٩٩ / المساعد ٢ ـ ٥٤٠ / شفاء العليل ١ ـ ٤٨٩ / شرح القمولى على الكافية (تحقيق عفاف بنتن) ١٧٨ / شرح التصريح ١ ـ ٣٤٢ / الأشمونى ٢ ـ ١٣٦ / الهمع ١ ـ ٢٢٠.

٢٧٤

أما قول الشاعر :

إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا

فحسبك والضحاك سيف مهنّد (١)

فقد جاء فى الضحاك ثلاث روايات : الرفع ، والنصب ، والجر (٢).

ورواية النصب على أنه مفعول معه ، والواو للمصاحبة لغير التبعية. أما العامل فيه فهو (حسب) ، وهو اسم يشبه الفعل بمعنى (كاف) ، وعليه فإن الواو لا تكون عاطفة.

ومن المفعول معه ما يذكر بعد ما فيه معنى الفعل دون حروفه ، ونصبه قليل ، لكن رفعه كثير ، فيجوز لك أن تقول : ما لك ومحمدا ، بنصب (محمدا) على أنه مفعول معه ، والعامل فيه الجار والمجرور ، ففيهما معنى الفعل ، حيث يتعلقان بفعل محذوف ـ على حد قول جمهور النحاة.

أو : أن العامل فيه فعل مضمر يقدر بالقول : ما تصنع ومحمدا.

ومنه ما يستشهد به النحاة من قول مسكين الدارمى (٣) :

فمالك والتلدد حول نجد

وقد غصّت تهامة بالرجال (٤)

حيث نصب (التلدد) على أنه مفعول معه بعد واو المصاحبة ، والعامل فيه شبه الجملة ، وفيها معنى الفعل ، أو : فعل مقدر ، والتقدير : ما تصنع والتلدد.

__________________

(١) الأمالى للقالى ٢ ـ ٢٦٢ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٥١ / شرح الأشمونى ٢ ـ ٣٦٤.

(إذا) اسم شرط غير جازم فى محل نصب على الظرفية. (كانت) فعل ماض تام ، بمعنى : وقع ، حصل ، حدث ، والتاء للتأنيث. (الهيجاء) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (العصا) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (فحسبك) الفاء واقعة فى جواب الشرط مبنية لا محل لها. (حسب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، سد مسد الخبر ، أو : مسد المبتدأ المؤخر.

(٢) (الضحاك) بالجر على أنه مقسم به مجرور ، والواو للقسم ، ورواية الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف تقديره : كافيك. أو أن خبره (سيف) ، وخبر حسبك محذوف ، أو هو مبتدأ بلا خبر.

(٣) الكتاب ١ ـ ٣٠٨ / الجمل ٣١٩ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٨٩ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٥٠. التلدد :التحير والتلفت يمينا وشمالا ، غصت : امتلأت.

(٤) (ما) اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (لك) شبه جملة فى محل رفع ، خبر المبتدأ ، أو متعلق بخبر محذوف.

٢٧٥

ومنه كذلك القول : حسبك وزيدا درهم. أى : كفاك وزيدا درهم ، أى : مع زيد.

ومنه قول أسامة بن الحارث الهذلى :

ما أنت والسير فى متلف

يبرح بالذّكر الضّابط (١)

حيث نصب (السير) بعد واو المصاحبة على أنه مفعول معه ، والعامل فيه الفعل المقدر المضمر فيه ، والتقدير : (ما تكون والسير .. أو : ما تصنع والسير ...).

ومثله ما ذكره سيبويه من قول الراعى :

أزمان قومى والجماعة كالذى

لزم الرّحالة أن تميل مميلا (٢)

حيث نصب (الجماعة) بعد واو المصاحبة على أنه مفعول لأجله ، والفعل العامل فيه مقدر ، والتقدير : أزمان كان قومى والجماعة.

ومنه قول أسيد بن إياس الهذلى :

فقدنى وإيّاهم فإن ألق بعضهم

يكونوا كتعجيل السّنام المسرهد (٣)

__________________

(١) ينظر : أشعار الهذليين ٣ ـ ١٢٨٩ / الكتاب ١ ـ ١٥٣ / شرح أبيات سيبويه لابن السيرافى ١ ـ ١٢٨ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٥٢ / شرح عمدة الحافظ ٤٠٤ / شرح الأشمونى ٢ ـ ٣٣٧ / الهمع ١ ـ ٢٢١.

متلف : مكان مهلك ، يبرح : يجهد ، الضابط : المقصود به البعير العظيم.

(ما) اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، أو خبر مقدم. (أنت) ضمير مبنى فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، أو مبتدأ مؤخر. (يبرح) جملة فعلية فى محل جر ، نعت لمتلف.

(٢) ينظر : الكتاب ١ ـ ١٥٤ / شرح أبيات سيبويه للنحاس ١٤٢ / شرح أبيات سيبويه لابن السيرافى ١ ـ ٧١ / رسالة الغفران ١٠٠ / شرح الأشمونى ٢ ـ ٣٨٠ / الخزانة ١ ـ ٥٠٢.

أزمان : جمع زمن ، الرّحالة (بكسر الراء) : سرج أو شبه السرج كان يعمل من جلود الشياه بأصوافها.

(أزمان) : منصوب إما على الظرفية. أو أنه مرفوع على أنه خبر لمبتدإ محذوف. (كالذى) : جار ومجرور. وشبه الجملة فى محل نصب ، خبر (كان) المحذوفة الناقصة ، أو فى محل نصب ، حال من (قومى) إذا قدرت (كان) تامة. (أن) : حرف مصدرى ونصب مبنى. (تميل) : فعل مضارع منصوب بعد (أن) ، وفاعله مستتر تقديره : هى. (مميلا) : مفعول مطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والمصدر المؤول (أن تميل ..) فى محل نصب ، مفعول لأجله ؛ لأن التقدير : مخافة أن تميل.

(٣) ينظر : شرح أشعار الهذليين ٢ ـ ٦٢٨ / شرح الأشمونى ٢ ـ ٣٩٦. السنام : أعلى البعير ، المسرهد : الثمين.

(قد) مبتدأ مبنى فى محل رفع ؛ لأنه اسم بمعنى (حسب). (ألق) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة

٢٧٦

حيث جاء ضمير المخاطبين ضمير نصب بعد واو المصاحبة ، فهو فى محلّ نصب على أنه مفعول معه ، والعامل فيه (قد) حيث إن (قد) تأتى اسما على وجهين :

أولهما : أنه اسم فعل مضارع ، بمعنى (يكفى).

والآخر : أنه اسم بمعنى (حسب).

والوجه الثانى هو المقصود هنا ، حيث تكون (قد) بمعنى حسب ، فهى عاملة فى المنصوب بعدها ، وهو تال لواو المعية ، حيث إن (حسب) بمعنى (كاف) ، ويكون ضمير المتكلم فى محلّ جر بالإضافة إليه.

أما لو أننا حسبناها اسم فعل مضارع بمعنى يكفى ، فتكون ياء المتكلم مفعولا به ، وحينئذ يصح العطف عليها ، وتكون الواو عاطفة ، وما بعدها منصوب بالعطف على الضمير المنصوب.

ومنه على حد جواز بعض النحاة ـ على رأسهم الفارسى ـ ما ذكر بعد جملة تتضمن اسم إشارة ، كما ورد فى قول الشاعر (١) :

لا تحبسنّك أثوابى فقد جمعت

هذا ردائى مطويا وسربالا (٢)

حيث نصب (سربالا) على المفعول معه ، ويجعل أبو على الفارسى العامل فيه اسم الإشارة أو (مطويا) ، لكن غيره من النحاة يجعل العامل (مطويا) لا غيره ، وهو اسم مفعول يعمل عمل الفعل.

__________________

جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله مستتر تقديره : أنا. (يكونوا) جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم كان. أما خبر (كان) فهو شبه الجملة (كتعجيل) ، أو أنه محذوف تتعلق به شبه الجملة.

(١) ينظر : شرح الكافية الشافية ٢ ـ ٦٨٩ / المساعد ١ ـ ٥٤٠ / توضيح المقاصد ٢ ـ ٩٧ / شرح التصريح ١ ـ ٣٤٣ / شرح الأشمونى ٢ ـ ٣٦٨.

(٢) (لا) حرف نهى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تحبسنك) فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة ، فى محل جزم. ونون التوكيد حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير المخاطب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (أثوابى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفع الضمة المقدرة ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بالإضافة.

(هذا ردائى) جملة اسمية من مبتدإ وخبر. (مطويا) حال من (رداء) منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة.

٢٧٧

ويحترز بكون الواو التى يأتى بعدها المفعول معه للمصاحبة على غير وجه التبعية ، من مثل القول : تخاصم زيد وعمرو ، والقول : مزجت عسلا وماء. فالواو فيهما للمصاحبة ، ولكن ما بعدها لا يكون مفعولا له ، حيث إن الفعل الأول فيه معنى المفاعلة التى تفيد المشاركة فتتطلب اثنين ، فيكونان أصلا فى أداء معنى المفاعلة ، ولا يصح الاستغناء عن أحدهما ، إذن لا نستطيع أن نعدّ الثانى فضلة ، بل كلّ منهما عمدة ، وكل منهما اشترك فى إحداث الفعل وأدائه ، فلا يعد الثانى مفعولا معه ، بل هو تابع ، ومثله : اشترك على وسمير.

أما الفعل الثانى فإن دلالته تدل على وجود اثنين بالضرورة ؛ لأن المزج لا يكون إلا بين شيئين فأكثر ، إذن ، المزج وقع على كل منهما ، ودخل فى معنى المفعولية ، وبالتالى فإن الثانى تابع للأول فى الدلالة والإعراب ، مع كون الواو للمصاحبة ، ولا يعد مفعولا معه ، وإنما هو مفعول به بالضرورة.

كما يلحظ أن الواو فى هذا الباب ـ وهى تعنى المصاحبة ـ تختلف عن الواو التى تكون بمعنى (مع) فى باب العطف ، إذ إن الواو فى العطف تفيد الاشتراك فى الفعل ، أو إحداث الفعل ، دون الملابسة أو المصاحبة.

فإن قلت : جاء على وأحمد. فإن أحمد مثل على فى إحداث المجئ ، وكل منهما فاعل للحدث قائم بذاته ، مع ملاحظة عدم الملابسة بينهما أثناء إحداث كل منهما للفعل ، وعدم المصاحبة من أحدهما للآخر ، فكل منهما فاعل برأسه وبذاته.

أما الواو فى المفعول معه فلا تفيد هذا المعنى ، وهو معنى الاشتراك فى الفعل ، بل إنها لا بد ألا تفيد معنى الاشتراك والإحداث ، ولكن تفيد المصاحبة ، مصاحبة ما بعدها ـ وهو غير محدث للفعل ولا مشترك فى إحداثه ـ لما قبلها وهو محدث الفعل ، أو هو فاعله ، وذلك أثناء حدوث الفعل.

يذكر ابن الخشاب : «وكذلك الغرض فى قولك : قمت وزيدا بالنصب ؛ غير الغرض فى قولك : قمت وزيد بالرفع ؛ لأن النصب المراد به الاصطحاب ، والرفع المراد به وقوع الفعل من كل واحد من الاسمين مطلقا ، مصطحبين كانا أو غير مصطحبين» (١).

__________________

(١) المرتجل : ١٨٤.

٢٧٨

ويحترز بكون المفعول معه اسما ، من نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن.

حيث يتلو الواو فعل (تشرب) ، وفى هذا المثل توجيه معنوى تابع للعلامة الإعرابية للفعل ، وهو بين النصب والرفع والجزم (١).

وكذلك نحو : سرت والشمس طالعة. حيث يتلو الواو جملة اسمية.

عامل النصب فى المفعول معه :

اختلف النحاة فى ناصب المفعول معه على النحو الآتى :

ـ ذهب جمهور النحاة إلى أن الناصب له ما تقدمه من فعل أو شبهه. وهذا رأى البصريين وجماعة من الكوفيين. لكنهم اختلفوا فيما بينهم :فذهب جماعة منهم ـ على رأسهم سيبويه والفارسى ـ إلى أن المفعول معه منصوب على أنه مفعول به فى المعنى ، ويقدرون القول : سرت والنيل ، بالتقدير :سرت بالنيل.

أما الآخرون ـ وعلى رأسهم الأخفش وجماعة من الكوفيين (٢) ـ فإنهم يذهبون إلى أن المفعول معه منصوب على الظرفية. حيث حذفت (مع) ، وأقيمت الواو موضعها لاقتضائها التشريك ، ونقل إعراب (مع) إلى الاسم الواقع بعد الواو ، ويشبهون هذه الحالة بحالة نقل إعراب المستثنى بعد (إلا) إلى (غير) ، إذا وقعت استثناء (٣).

__________________

(١) إذا رفعت (تشرب) فأنت مستأنف مبتدئ ، وعليه فينهى عن أكل السمك ، ويباح شرب اللبن ، وبذلك فأنت تنهى عن الأول ، وتبيح الثانى.

وإذا نصبت الفعل (تشرب) فإنه يعنى عدم الجمع بين الفعلين ، حيث يباح عمل أحدهما دون الآخر.

وإذا جزمت (تشرب) فإنك تحرك الباء بالكسر لالتقاء الساكنين ، وبه فإن النهى يقع عليهما معا ، حيث تعطف الواو ثانيهما على أولهما. وعليه فإنك تريد النهى فى الفعل الثانى.

(٢) ينظر : شرح القمولى على الكافية ، تحقيق عفاف بنتن ١٧٨ / اللمع ١ ـ ٢٢٠.

(٣) أذكر بأن (غير) إذا وقعت استثناء ، فإنها تعرب إعراب الاسم الواقع بعد (إلا) ، فتقول : شذّبنا الأشجار غير شجرتين. (بنصب غير).

لم نشذب من الأشجار غير شجرة. (بنصب غير وجرها على البدلية).

لم نشذب غير شجرتين. (بنصب غير على المفعولية).

لا يحترم غير المهذبين. برفع (غير) نائبا عن الفاعل.

٢٧٩

ـ ذهب بعض النحاة ـ وعلى رأسهم الجرجانى ـ إلى أن ناصبه الواو. ولكنهم يردون عليه بأن كلّ حرف اختص بالاسم ؛ ولم يكن كالجزء منه ؛ لم يعمل إلا الجرّ فى الاسم.

ـ ذهب الزجاج إلى أن الناصب للمفعول معه فعل محذوف بعد الواو ، والتقدير : ولا بست .. فيكون مفعولا به.

ـ ينسب إلى الكوفيين أنهم يذهبون إلى أنه منصوب على الخلاف (١) ، أى : مخالفة ما بعد الواو لما قبلها ، فما بعد الواو لا يصلح أن يجرى على ما قبله ، فلمخالفته له فى المعنى انتصب على الخلاف.

ويرد على ذلك بأن الأول والثانى كل منهما مخالف للآخر ، فلو جاز نصب الثانى للمخالفة لجاز نصب الأول كذلك ؛ لأنه مخالف هو الآخر. ولو أن المخالفة سبيل إلى النصب ؛ لجاز نصب (عمرو) فى القول : ما قام زيد بل عمرو ، وذلك لمخالفته لما سبقه ، وهو غير جائز.

ـ يذكر ابن عصفور أنه ينتصب عن تمام الكلام ، سواء تقدمه فعل أم لم يتقدمه (٢).

ـ إذا وقع المفعول معه بعد جملة استفهامية باستخدام الاسمين (ما ، كيف) ، نحو : ما أنت وعليا؟ كيف أنت والسفر؟ فإن النحاة يخرجونه على إضمار فعل مشتق من الكون تام أو ناقص ، والتقدير : ما كنت وعليا؟ وكيف تكون ...؟

ويعرب : ما وكيف ، مبنيين فى محل نصب خبرين لتكون فى الجملتين ، واسمها مضمر فيها.

وقد تقدر فى الموضعين الملابسة منونة أو مضافة إلى ضميره. ويكون التقدير : ما أنت وملابسة عليا. أو : وملابستك عليا.

ما كنت وملابسة عليا ، أو : وملابستك عليا.

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ٢ ـ ٣٤٤ / شفاء العليل ١ ـ ٤٩٠ / المساعد ١ ـ ٥٤٠.

(٢) شرح جمل الزجاجى لابن عصفور ٢ ـ ٤٥٢.

٢٨٠