النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

ونلحظ أن المفعول به قد درس متداخلا مع ركنى الجملة الفعلية ، حيث يرتبط المفعول به بالركن الأول منها ربطا أكيدا ، وهو الفعل ، أو ما يشبه الفعل.

كما يدرس فى هذا القسم : الحال والتمييز والاستثناء ، وكلّها فضلات تختص بالجملة الفعلية ، أو ما فيه معنى الجملة الفعلية ، سواء أكان جملة مستقلة ، أم كان متعلقا بجملة ، وأعنى بذلك الأسماء العاملة عمل الفعل.

والفضلة فى الجملة العربية إذا كانت فضلة لفظية فإنها تكون ذات ضرورة معنوية ، إما من جهة المتحدث أو منشئ الكلام ، وإما من جهة نظام التركيب المتلفظ به.

وأنوه إلى أنه يدرس ـ كذلك ـ فى هذا القسم القضية النحوية التى تتعلّق بهذه المعانى ، وهى قضية التنازع.

كما تدرس القضية التى ترتبط بالجملتين الاسمية والفعلية معا ، وهى قضية الاشتغال ، حيث تكون الجملة التى فيها اشتغال مترددة بينهما.

٢٤١

المفعول المطلق (١)

مثاله :

ذاكرت الدرس مذاكرة جيدة.

فهمت الفكرة فهم المدققين.

أخرجت الكتاب إخراجا.

استمعت إليه استماعا واعيا.

أظن الظنّ أن هذا هو الصواب.

ركعت ركعتين ، وسجدت سجدات.

قوى به قوة ، وانتصر به انتصارا ، فنزعه منه نزعا قويا ، وجذبه إليه جذبا شديدا.

المصطلح :

يسمى المفعول المطلق ، أو المفعول بغير صلة ، أو المصدر ، أو الحدث ، وهو مفعول لأنه المفعول الحقيقى الذى أوجده الفاعل ، فإذا ذكر فعل وفاعل ، مثل : فهم محمد ، فإننا نفهم من ذلك أن محمدا قد أحدث أثرا بقيامه بعمل ما ، وهذا الأثر هو (الفهم) ، فالفهم مفعول بواسطة محمد بالقيام بعمله.

فهو نسبة بين الفاعل وحدث قام به بحيث صار فاعلا لقيامه به.

__________________

(١) يرجع إلى : الكتاب ١ ـ ٢٢٨ وما بعدها ١ ـ ٣١٣ وما بعدها المقتضب ٣ ـ ٢٢ وما بعدها / الأصول لابن السراج ١ ـ ١٦٠ / التبصرة والتذكرة : ١ ـ ٢٥٤ / الإنصاف فى مسائل الخلاف م ٢٨ / شرح الكافية لابن الحاجب ١ ـ ٢٧ / شرح ألفية ابن معطى ١ ـ ٥٢٩ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ١٥١ / التسهيل ٨٧ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١١٢ / شرح ابن عقيل ١ ـ ١٦٧ / شرح التصريح على التوضيح ١ ـ ٣٢٣ مع حاشية الشيخ يس العليمى / شرح الشذور ٢٢٥ / همع الهوامع ١ ـ ١٨٦ / الأشمونى ٢ ـ ١٤ / شرح القمولى على الكافية تحقيق عفاف بنتن ١ ـ ١.

٢٤٢

وهو مطلق لأن معنى المفعولية تنطبق عليه دون قيد ، أى : بدون واسطة كسائر المفعولات ، من : المفعول به ، والمفعول له أو لأجله ، والمفعول معه والمفعول فيه. فكل مفعول مما سبق ذكره يقيد بواسطة حرف الجر : الباء ، واللام ، و (مع) ، و (فى). وهو مصدر لصدور الأفعال عنه واشتقاقها منه.

وهو الحدث لأنه الأثر الناتج عن القيام بفعل ما ، أو الحدثان السائر نتيجة إحداث فعل ما. فالمفعول المطلق هو الحدث مطلقا.

وأنوه إلى أن كلّ فعل فى اللغة يتضمن حدثا مقرونا بزمن ما ، سواء أكان فعلا لازما ، أم فعلا متعديا. لهذا فإن لكلّ فعل مفعولا مطلقا دون قيد أو شرط. ومن هنا يسمى المفعول بغير صلة. أى : بغير حرف جر.

والمفعول المطلق حينئذ : هو المصدر الصريح المنصوب الذى يؤتى به لتحقيق :

ـ تأكيد فعل المصدر ، فيفيد ما أفاده الفعل من الحدث من غير زيادة.

ـ أو بيان نوع الفعل أو العامل ، فيفيد معنى زيادة على معنى التوكيد.

ـ أو بيان عدده ، أى : عدد مرات الفعل أو العامل.

والمصدر هو اسم الحدث الناتج من الفعل ، ويوافقه باللفظ أو بالمعنى.

وسمى المصدر مصدرا لأن فعله صدر منه ، وكذلك سائر المشتقات التى تتفرع عنه.

وعلى ذلك فإن مثال الأول (المؤكد للفعل) : فهمت فهما ، وخرجت خروجا ، واستعلمت استعلاما ، وتسامحت تسامحا ، وقدّم تقديما ، وولّى تولية ، وتعدّى تعدّيا ، وأكرم إكراما ، وأعلى إعلاء ، واسترخى استرخاء ، وقال قولا ، وباع بيعا ، ورمى رميا ، وطفا طفوا ، وهدّ هدا ، ودحرج دحرجة ، وزلزل زلزالا وزلزلة ..

أما مثال الثانى (المبين لنوع الفعل) فإنه يقع فى ثلاث هيئات :

ـ أن يكون موصوفا : نحو : أفهم فهما متقنا ، وخرج خروجا سريعا ، وقال قولا صادقا ، وأعمل عملا جادا ..

٢٤٣

ـ أن يكون مقرونا بأداة التعريف التى تفيد العهد : نحو : فهمت الفهم ، وتعلم التعلم ، واسترضى الاسترضاء ، وأهدى الإهداء.

ـ أن يكون مضافا : نحو : أفهم فهم المتقنين ، أعمل عمل الجادّين ، أتقن إتقان المؤمنين ، أجيب إجابة الواثق.

ويقال : إن كلا من الثانى والثالث موصوف. والتقدير فى القول : فهمت الفهم ، أى : فهمت الفهم الكامل ، ويصرح بالصفة مع تعريف المفعول المطلق فى قوله تعالى : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر : ٨٥] أما التقدير فى القول : فهمت فهم المتقنين ، أى : فهمت فهما مثل فهم المتقنين.

أما مثال الثالث فهو : رميت رمية ، ورميتين ، ورميات ، سجدت سجدة ، وسجدتين ، وسجدات.

ويحترز بالنصب من المصدر المرفوع الذى قد يقع خبرا فى نحو : فهمك فهم دقيق. حيث : (فهم) الأولى مبتدأ ، والثانية خبر.

ومن المصدر الذى لا يكون مفعولا مطلقا قولك : كتابه كتاب جديد ، وعلمه علم واسع ، وكانت إجابته إجابة سليمة ، وأصبحت معرفته به معرفة واسعة ، وإن إكرامه إكرام حاتمى.

ويخرج بذلك : اغتسل غسلا ، وتطهر طهرا ، وتوضأ وضوءا ، وأعطى عطاء ؛ لأنها مصادر لم تجر على أفعالها فى جميع حروفها ، فهى أسماء مصادر لا مصادر.

ويحترز بالصريح مما يكون من المصادر الصناعية والمصادر الميمية ، نحو : الوطنية ، والحرية ، ومقتل بمعنى القتل. ومنطلق بمعنى الانطلاق.

أصلية كل من المصدر والفعل :

اختلف النحاة فى كون أىّ من الفعل والمصدر أصلا :

ـ فيذهب البصريون إلى أن المصدر أصل ، والفعل والوصف مشتقان منه.

٢٤٤

ـ أما الكوفيون فإنهم يذهبون إلى أن الفعل أصل ، والمصدر مشتق منه.

ـ ويذهب آخرون إلى أن المصدر أصل ، ثم يشتق الفعل من المصدر ، ثم يشتق الوصف من الفعل.

ـ ويرى ابن طلحة أن كلا من المصدر والفعل أصل بنفسه ، وليس أحدهما مشتقا من الآخر.

العامل فى المفعول المطلق :

ينتصب المفعول المطلق بثلاثة عوامل :

أ ـ الفعل :

يجب أن يكون متصرفا ، تاما ، عاملا ، أى : لا يكون ملغى عن العمل. كما لا يكون فعل التعجب.

ويمثل لنصب المفعول المطلق بعامل الفعل بالأمثلة المذكورة سابقا.

فالفعل الجامد ، نحو : نعم ، بئس ، ليس ، حب ، عسى ، هب ، تعلّم .. لا ينصب مصدرا ، ولذلك فإن كثيرا من النحاة يذهبون إلى أن هذه الأفعال الجامدة تفقد المصدرية أو الحدثية.

كما لا ينصب الفعل الناقص مصدرا ، نحو : كان وأخواتها ، وأفعال المقاربة والرجاء والشروع.

كما لا ينصب الفعل الملغى عن العمل مصدرا ، نحو : ظن وأخواتها حال تأخرها عن معموليها.

كما لا ينصب فعل التعجب المصدر ، نحو : ما أحسن ، وأعظم به.

ومن أمثلة نصب الفعل المتصرف التامّ العامل للمصدر ما يأتى : وضعت الكتاب فى هذا المكان وضعا ، ورتبته ترتيبا ، واطمأننت على وجوده اطمئنانا وثيقا.

٢٤٥

(وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب : ١٠]. (قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) [الجاثية : ٣٢].

ومنه : (نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) [الإنسان : ٢٣]. (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) [الإنسان : ٦] ، (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) [الإنسان : ١٤]. (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) [الإنسان : ١٦]. (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) [الإنسان : ٢٨].

تلحظ أن صيغة المصدر تتلاءم مع صيغة الفعل ـ ثلاثيا أو رباعيا أو خماسيا أو سداسيا ـ حيث كان : وضع وضعا ـ رتّب ترتيبا ـ اطمأنّ اطمئنانا ـ ظن ظنونا ـ نزّل تنزيلا ـ فجّر تفجيرا ـ ذلّل تذليلا ـ قدّر تقديرا ـ بدّل تبديلا.

وتقول : أكرم إكراما ـ أسدى إسداء ـ أنهى إنهاء ـ تعلّم تعلّما ـ تزكّى تزكّيا ـ أعجب إعجابا ـ آمن إيمانا ـ أطلق إطلاقا ـ ألغى إلغاء ـ تفانى تفانيا ـ أعاد إعادة ـ استخرج استخراجا ـ استعدى استعداء ـ استمال استمالة ـ انبرى انبراء ـ انصرف انصرافا ...

وتقول : تعدّى تعدّيا ، وعدّى تعدية ، وعادى معاداة ، قوّى تقوية ، وتقوّى تقوّيا ـ ولّى تولية ، والى موالاة ، تولّى تولّيا ، توالى تواليا ...

قاتل قتالا ومقاتلة ، وقاوم مقاومة ، وناهض مناهضة ...

وتقول : جال جولانا ـ صهل صهيلا ـ عوى عواء ـ نأى نأيا ـ قال قولا ـ باع بيعا ـ مال ميلا ـ سعد سعدا ـ فاز فوزا ـ صبر صبرا ـ سقى سقيا ـ ذهب ذهابا ـ علا علوا ـ وقف وقوفا ـ صاغ صوغا وصياغة ...

ب ـ المصدر :

يعمل المصدر النصب فى المفعول المطلق مطلقا ، سواء أكان ذلك لفظا ومعنى ، نحو : أعجبت باحترامك الآخرين احتراما شديدا. حيث (احترام) الأول مصدر مماثل فى اللفظ والمعنى لاحترام الثانى المنصوب به.

٢٤٦

ومنه قوله تعالى : (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) [الإسراء : ٦٣]. (جزاء) مفعول مطلق منصوب ، والعامل فيه المصدر السابق عليه (جزاؤكم).

أم أكان المصدر مماثلا للمفعول المطلق فى المعنى دون اللفظ ، نحو : لاحظت قيامك وقوفا. (وقوفا) مصدر منصوب ، والعامل فيه مرادفه (قيام). ومنه : أعجبنى إيمانك تصديقا. نعم ما تتصف به تيسيرك الأمور تسهيلا.

ح ـ الصفات المشتقة :

تنصب الصفة المشتقة المصدر فيما إذا كانت متصرفة ، أى : غير جامدة ، فينصب اسم الفاعل ، واسم المفعول ، وصيغ المبالغة. ذلك نحو :

ـ أنا فاهم الدرس فهما. (فهما) مصدر منصوب باسم الفاعل (فاهم) ، وهو من لفظه.

ـ ومنه : (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) [المرسلات ٢ ـ ٤].

ـ وكذلك : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) [النازعات ٢ ـ ٤].

ـ هو مكافأ اليوم مكافأة. العامل فى المصدر (مكافأة) اسم المفعول الذى من لفظه (مكافأ).

ـ إنه مأخوذ اليوم أخذا ، وهى مستورة سترا ، النوافذ مفتّحة تفتيحا.

ـ لقد كانت حذرة حذرا شديدا. (حذرا) مفعول مطلق منصوب بعامله المشتق من لفظه صيغة المبالغة (حذرة).

ومثله : إنه شرّاب اللبن شربا. وهو مهذار هذرا ، ومعطير عطرا.

ومنه قوله تعالى : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) [الصافات : ١].

وقد اختلف فى نصب الصفة المشبهة للمفعول المطلق ، فمنع ذلك قوم ، وذهب آخرون إلى جواز النصب بها. ويستشهدون لذلك بقول النابغة الذبيانى :

٢٤٧

وأرانى طربا فى إثرهم

طرب الواله أو كالمختبل

حيث نصب المفعول المطلق (طرب الواله) بالصفة المشبهة (طرب). ولكن بعضهم يرى أن الصفة المشبهة دليل على العامل فى (طرب) وليست هى العامل.

أما اسم التفضيل فإنهم لا يجعلونه ناصبا للمفعول المطلق ، ويؤولون قول الشاعر :

أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم

لؤما وأبيضهم سربال طباخ

حيث نصب المفعول المطلق (لؤما) ، ولم يسبق إلا باسم التفضيل (ألأم) ، فيجعلون ناصب المفعول المطلق محذوفا ، والتقدير : ألأمهم تلؤم لؤما.

عددية المفعول المطلق :

يعامل المفعول المطلق عدديا ، أى : من حيث دلالته على الإفراد والتثنية والجمع ، كما يلى :

أولا : المصدر المؤكد لعامله :

يكون مفردا مطلقا ، ولا يجوز تثنيته أو جمعه. فكما يقال : هو بمثابة تكرار الفعل. والفعل لا يثنى ولا يجمع. كقولك : نظّم تنظيما ، وتعلّم تعلّما ، واستولى استيلاء ، وتولّى توليّا ، وولّى تولية.

ثانيا : المبين للعدد :

لا خلاف بين النحاة فى تثنيته وجمعه ، ذلك حتى يظهر العدد الحدثى ، فيتضح منه تكرار الفعل مرتين ، أو أكثر ، فيقال : أصاب الهدف إصابتين ، أو إصابات.

ثالثا : المبين للنوع :

يجوز تثنية المفعول المطلق المبين للنوع ، كما يجوز جمعه إذا اختلفت أنواعه.

فيقال : سرت سيرى المصلح والمتقى الشبهات. فهمت فهمى المنتبه والمدقّق.

أتصرف تصرفات المؤمن والمخلص والمحبّ لوطنه. (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب : ١٠].

٢٤٨

حيث كلّ من المفعول المطلق (سيرى ، وفهمى) مثنى ، وهو منصوب ، وعلامة نصبه الياء ، وحذفت النون من أجل الإضافة.

أما كلّ من المفعول المطلق (تصرفات والظنون) فهو جمع منصوب ، علامة نصب الأول الكسرة ، والثانى الفتحة.

ومن النحاة من لا يجيز تثنية المفعول المطلق المبين للنوع ، أو جمعه.

ما ينوب عن المفعول المطلق :

ينوب عن المفعول المطلق فى النصب على المصدرية ما يأتى :

أولا : ما ينوب عن المؤكد والمبين للنوع :

١ ـ المرادف :

ينوب عن المفعول المطلق المؤكد والمبين للنوع مرادفه فى المعنى ، ذلك نحو : قمت وقوفا ، أو وقوفا طويلا. والترادف بين (قام) و (وقوفا).

قعدت جلوسا ، أو : جلوس القرفصاء. الترادف بين (قعد وجلوس).

أفرح الجذل ، أو : جذل المحبين. الترادف بين (أفرح والجذل).

شقها نصفين ، أى : شقين. الترادف بين (شق ونصفين).

شنئته بغضا. الترادف بين (شنأ والبغض).

ولذلك فكلّ من (وقوفا ، وجلوسا ، والجذل ، ونصفين ، وبغضا) نائب عن المفعول المطلق منصوب.

٢ ـ اسم المصدر غير العلم :

كما ينوب عنهما اسم المصدر غير العلم ، واسم المصدر هو المصدر الذى لا تجرى حروفه على حروف عامله.

٢٤٩

نحو : تطهر طهورا ، أو طهورا مسبغا ، أما المصدر من تطهر فهو (تطهرا) : فيكون (طهورا) نائبا عن المفعول المطلق منصوبا ، وتوضأ وضوءا ، أو : وضوء المدققين. والمصدر من توضأ توضّؤا. فـ (وضوءا) نائب عن المفعول المطلق منصوب. ومنه كذلك : اغتسل غسلا ، وأعطى عطاء ، واستعلى علوا ، واكتوى كيا ، ومنه : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً) [المائدة : ١١٥].

والمقصود بغير العلم الاحتراز من المصادر الأعلام ، من نحو : سبحان علم للتسبيح. ومحمدة علم للحمد ، ومبرّة علم للبر ، فلا يصحّ نيابتها عن المفعول المطلق.

ومنه : تبرّأ براءة ، تولّى تولية ، ولّى ولاية ، استمع سمعا ...

٣ ـ ما يلاقى فى الاشتقاق :

يتضمن ما كان اسم عين ، كما هو فى قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] إذ (نباتا) اسم عين للنبات ، ومنهم من يرى أن (نباتا) مصدر جار على غير الفعل. إذ مصدر (أنبت) (إنباتا).

كما يضم ما كان مصدرا لفعل آخر ، نحو قوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨]. إذ مصدر (تبتّل) هو (تبتّلا) ، أما (تبتيلا) فهو مصدر (بتّل) بتضعيف العين.

ويجوز أن يكون منه قولك : إنه يتعلم تعليما ، وسلّم تسلّما ، وافتدى فدية.

ومنه قوله : وقد تطوّيت انطواء الحضب ...

حيث مصدر تطوّى تطوّيا ، أما انطواء ففعله انطوى.

يبدو أن الفرق بين هذا القسم وما سبقه هو الفرق بين ما ظل على مصدريته من المصادر فى القسم السابق ، وما انتقل إلى اسمية على شىء خارجا عن الحدثية فى هذا القسم.

٢٥٠

ثانيا : ما ينوب عن المبين للنوع وحده :

١ ـ صفته :

ينوب عن المفعول المطلق المبين للنوع صفته ، حيث يحذف المفعول المطلق ، وتبقى صفته حاملة علامته الإعرابية. ذلك نحو : سرت سريعا ، أى :سيرا سريعا ، وسرت أحسن السير ، أى : سيرا أحسن السير. مشيت طويلا ، أى : مشيا طويلا.

ويكون كلّ من (سريعا ، وأحسن ، وطويلا) نائبا عن المفعول المطلق. حيث حذف المصدر ، وبقيت صفته النائبة عنه.

وكما يذكر : ضربته ضرب الأمير اللصّ ، أى : ضربا مثل ضرب الأمير ..

فيكون (ضرب) ليس المفعول المطلق بذاته ، وإنما النائب عن المفعول المطلق.

٢ ـ اسم الإشارة :

كما ينوب عن المفعول المطلق اسم الإشارة المشار به إليه ، ذلك نحو : فهمت هذا الفهم. سرت ذلك السير.

فكلّ من اسمى الإشارة (هذا ، وذلك) مبنىّ فى محلّ نصب ، نائب عن المفعول المطلق.

يبدو أنه إذا ناب اسم الإشارة مناب المصدر فإنه يجب وصفه به ، إلا أنه من أمثلة سيبويه : ظننت ذاك ، أى ذاك الظنّ.

٣ ـ ضمير المصدر :

ينوب عن المفعول المطلق الضمير الذى يعود على المصدر. نحو : أفهمته عليا ، أى : أفهمت الإفهام عليا. ومنه قوله تعالى : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ١١٥]. أى : لا أعذب هذا التعذيب أحدا. فالضمير هنا عائد إلى مصدر الفعل (أعذب) ، وهو (تعذيب) ، فهو لا يعود إلى العذاب السابق ، حيث لا يكون مصدرا للفعل (عذّب) المضعف العين.

٢٥١

ومنه : عبد الله أظنه جالسا. (بنصب عبد) ، فعبد مفعول أول لأظن ، و (جالسا) مفعول ثان ، أما الضمير فى أظنه فهو راجع إلى المصدر (الظن) ، فيكون الضمير مبنيا فى محل نصب ؛ لأنه نائب عن المفعول المطلق ومن شواهدهم لذلك :

من كلّ ما نال الفتى

قد نلته إلا التّحيّة

أى : قد نلت النيل ، فعاد الضمير إلى المصدر ، فناب منابه فى محلّ نصب.

وكذلك قول الشاعر :

هذا سراقة للقرآن يدرسه

والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب (١)

أى : يدرس الدرس ، فالضمير عائد إلى مصدر الفعل السابق عليه ، فناب عن المفعول المطلق في محل نصب.

٤ ـ عدد المصدر :

كما ينوب عن المصدر عدده ، فينصب نائبا عن المفعول المطلق. ذلك نحو : رميته عشرين رمية ، والأصل : رميته رميا عشرين رمية ، فحذف المصدر (رميا) ، وأنيب عنه عدده (عشرين).

ومنه القول : ضربته عشر ضربات ، وأصبنا الهدف خمس إصابات ، وكذلك قوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور : ٤] ، حيث يعرب (ثمانين) نائبا عن المفعول المطلق منصوبا ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

ومنه قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] ، حيث (سبعين) منصوبة على النيابة عن المفعول المطلق ؛ لأنها عدد لمرات الفعل. وقد تكون منصوبة على الظرفية.

__________________

(١) الرشا : بضم الراء جمع رشوة.

والشاعر يهجو رجلا من القراء ، يسمى سراقة بأنه يرائى ، ويقبل الرّشا ، وقد صيره ذئبا أنه يحرص على أخذها.

٢٥٢

وقوله تعالى : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) [النور : ٥٨] ، حيث (ثلاث) منصوبة لأنها نائبة عن المفعول المطلق ، والتقدير : ثلاثة استئذانات.

وقد تكون منصوبة على الظرفية. ومنه قوله تعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) [التوبة : ١٠١] ، حيث يوجّه نصب مرتين على النيابة عن المصدر ، أو على الظرفية.

٥ ـ وقت المصدر :

قد ينوب عن المصدر الوقت الذى حدث فيه ، فيحذف المصدر ، ويقوم الوقت مقامه ، وينتصب انتصابه نائبا عنه. ومنه قول الأعشى ، فى مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم :

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وبتّ كما بات السّليم مسهّدا

أى : ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمد ، فحذف المصدر (اغتماض) ، وأقيم وقته المضاف إليه (ليلة) مقامه ، فنصب نائبا عنه.

٦ ـ آلة المصدر :

ينوب عن المفعول المطلق الآلة التى حدث بها فعله. ذلك نحو : ضربته سوطا.

والأصل : ضربته ضربا بسوط. فحذف المصدر (ضربا) ، ونزع الخافض ليتوسع فى الكلام ؛ ولتقام الآلة مقام المصدر ، وتأخذ إعرابه ، وما له من إفراد وتثنية وجمع. فتقول : ضربته سوطين وأسواطا ، أى : ضربتين بسوط ، وضربات بسوط.

وقيل : الأصل : ضربته ضرب سوط.

ومنه : ضربته عصا. فـ (عصا) نائب عن المفعول المطلق. وهذا منصوب مطرد في كل آلة معهودة.

٧ ـ ما الاستفهامية :

ينوب عن المفعول المطلق (ما) الاستفهامية إذا لم يستفهم بها عن جثة ، بل كان المستفهم بها عنه هو المصدر النوعى للفعل ، كأن تقول : ما ذاكرت اليوم؟ وأنت لا

٢٥٣

تسأل عن شىء ذاكرته ، أو : وقعت عليه المذاكرة ، وإنما تسأل عن نوع المذاكرة ، فتأخذ (ما) الاستفهامية معنى المصدر. ويكون التقدير : أىّ مذاكرة ذاكرت اليوم؟

وكأن تسأل : ما ينقلب الفتانون؟ والتقدير : أى منقلب ......؟ وتكون الإجابة : ينقلب الفتانون منقلب سوء ، أو : انقلاب سوء. وكل من : منقلب ، وانقلاب منصوب على المصدرية ، وكذلك (ما) الاستفهامية التى يستفهم بها عنهما تكون نائبة عن المصدر فى محلّ نصب.

٨ ـ ما الشرطية :

كما ينوب عن المصدر (ما) الشرطية التى تؤول فى المعنى إلى ما آلت إليه (ما) الاستفهامية السابقة. أى : يقصد بها المصدر النوعى للفعل.

ذلك كأن تقول : ما تفعل من خير يعلمه الله.

وليس التقدير : أى شىء ، أو : أى خبر ، وإنما التقدير : أى فعل ... ، والأصل : تفعل فعلا وتكون (ما) فى محل نصب على النيابة عن المصدر.

ومثله أن تقول : ما أردت فافعل. والأصل : أى إرادة .. ما شئت فاجلس.

والأصل : أى مشيئة. فتكون (ما) فى الموضعين مبنية فى محل نصب ، نائبا عن المفعول المطلق.

٩ ـ نوع المصدر :

قد ينوب عن المصدر نوعه ، حيث يحذف ، ويقام نوعه مقامه ، منتصبا انتصابه.

ذلك نحو : رجع القهقرى ، فالقهقرى نائب عن المفعول المطلق منصوب بالفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. والأصل : رجع الرجوع القهقرى ، فالقهقرى نوع من الرجوع ، وهو المصدر.

ومنه : قعد القرفصاء ، والأصل : قعد القعدة القرفصاء. فتكون القرفصاء منصوبة على النيابة عن المصدر.

وكذلك : خبط عشواء ، أى : خبط خبط عشواء.

٢٥٤

والفرق بين هذا وما ذكر من الصفة هو أن الصفة جارية على موصوف محذوف ، أما هذا فهو نوع من أنواع المصدر. فعندما تقول : سرت سريعا ، فالسرعة صفة للسير المحذوف ، أمّا إذا قلت : قعد القرفصاء ، فإن القرفصاء نوع من أنواع القعود.

١٠ ـ هيئة المصدر :

ينوب عن المصدر هيئته ، والمقصود بها : الهيئة التى يتم بها الفعل أثناء إحداثه ، كأن تقول : يموت الكافر ميتة سوء ، فميتة على وزن (فعلة) اسم هيئة ، وهو منصوب على المصدرية ؛ لأنه هيئة الكافر أثناء حدوث الفعل له ، أو : أنه هيئة الفعل أثناء إحداث الفاعل (الكافر) له.

١١ ـ ما يحدد المصدر عن طريق الإضافة :

ينوب عن المفعول المطلق ما يحدده مما يضاف إليه من كلمات دالة على هذا المعنى (معنى التحديد) فى اللغة العربية ، ذلك نحو : كل ـ بعض ـ أشد ـ منتهى ـ غاية ـ دقة ـ معظم ـ جزيل ـ يسير ـ شديد ... إلخ ، كأن تقول : فهمت بعض الفهم ، أو : كلّه ، حيث (بعض وكل) منصوبان على أنهما نائبان عن المفعول المطلق.

ومثله : أنا ممتنّ شديد الامتنان. أحترمه غاية الاحترام. أشكرك جزيل الشكر ... أتضربنا على الكلام فى الصلاة؟ نعم : أشدّ الضرب.

كلّ من (شديد ـ غاية ـ جزيل ـ أشد) منصوب على أنه نائب عن المفعول المطلق.

الذكر والحذف فى عامل المفعول المطلق :

لعامل المفعول المطلق ثلاث حالات من حيث ذكره وحذفه. فإنه قد يمتنع حذفه ، وقد يجوز ، وقد يجب.

٢٥٥

أولا : امتناع الحذف :

يجب ذكر عامل المفعول المطلق إذا كان مؤكدا للفعل ، ولا يجوز حذفه مطلقا ـ حينئذ ـ ذلك لأنه إنما يؤتى بالمفعول المطلق هنا لتأكيد الفعل وتقويته ، والحذف يتنافى مع هذا الغرض.

ثانيا : جواز الحذف :

يجوز حذف عامل المفعول المطلق فى الأحوال الآتية :

١ ـ يجوز حذف عامل المفعول المطلق إذا كان مبيّنا لنوع الفعل ، أو مبيّنا لعدد مراته ، وكان هناك قرينة لفظية. كأن يقال : أىّ فهم فهمت؟ فتقول : فهم المتقنين. وتكون (فهم) مفعولا مطلقا لفعل محذوف لدلالة ما سبق عليه.

كما تقول : إصابتين ، لمن يقول : أأصبت الهدف؟ والقرينة المعنوية هنا هى القرينة المقالية ، وتكون (إصابتين) نائبا عن المفعول المطلق منصوبا.

٢ ـ كما يجوز حذف عامل المفعول المطلق المبين للنوع والمبين للعدد إذا كان هناك قرينة معنوية ، ذلك نحو : قدوما مباركا ، حجا مبرورا ، سعيا مشكورا. أى : قدمت قدوما ، وحججت حجا ، وسعيت سعيا. ويكون كلّ من (قدوما ، وحجا ، وسعيا) مفعولا مطلقا لفعل محذوف ، وتكون القرينة المعنوية هنا هى قرينة الحال والمقام.

ومما سبق يمكن أن يقال : أما فهمت؟ فتقول : بلى : فهما متقنا.

أما جلست؟ بلى : جلوسا طويلا.

وجاز الحذف هنا لأن المفعول المطلق المبين للنوع ، والمبين لعدد مرات الفعل إنما يؤتى به لزيادة معنى على معنى التوكيد.

٢٥٦

٣ ـ كما يجوز حذف عامل المفعول المطلق إذا كان خبرا عن اسم عين ، وهو غير مكرر ولا محصور. ذلك نحو : أنت فهما ، وأنت تفهم فهما. (فهما) فى الموضعين منصوب على المصدرية ، الأول منهما لفعل محذوف.

هو سيرا ، أو : هو يسير سيرا ، (سيرا) مفعول مطلق منصوب ، الأول فعله محذوف.

ثالثا : وجوب حذف العامل :

يجب أن يحذف عامل المفعول المطلق إذا وقع بدلا من فعله فى التركيب ، ويكون ذلك في المواضع اللفظية والمعنوية الآتية :

١ ـ المصادر التى تقع بدلا من أفعالها المهملة :

حيث لم ترث اللغة لها فعلا ، نحو : ويله ، وويح ، وبله ، ورويد ، وسبحان.

وهى مضافة إلى مفعولها ، ويقدر لها عامل من معناها ، فيقال : ويل الظالم ، بنصب (ويل) على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : أحزن الله الظالم ويله ، أو : أهلك.

ويقال : ويح المستغفرين ، بنصب (ويح) ، والتقدير : رحم الله المستغفرين ويحهم.

وقيل : إن معنى (ويح) هو معنى (ويل) ، أى : أحزن ، أو : أهلك ، وقيل : هى كلمة ترحم ، وقيل : هى كلمة عذاب ، فيقدر لها : عذب ، وقيل : لها فعل من لفظها.

ويقال : بله الأكفّ ، بنصب (بله) على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : اترك ذكر الأكفّ بله ، ومنه قول الشاعر :

تذر الجماجم ضاحيا هاماتها

بله الأكّف كأنها لم تخلق

٢٥٧

وكذلك : رويد محمدا ، أى : أمهل محمدا رويده.

وسبحان الله ، أى : أنزّه الله سبحانه.

٢ ـ المصادر التى تقع بدلا من فعلها ، وهى للطلب :

يجب حذف عامل المصدر الذى يقع بدلا من فعله فى معنى الطلب ، وقياس ذلك أن معناها يتضح إذا وضع فعلها الأمرىّ موضعها ، فإذا قلت : استعدادا ، فالمعنى : استعدّ (بفعل الأمر) ، وتقول : رحمة له ، أى : ارحمه (بالدعاء بالأمر) ، كما تقول : سرعة لا تباطؤا ، أى أسرع ، ولا تبطئ.

وكلّ من (استعدادا ، ورحمة ، وسرعة ، وتباطؤا) مفعول مطلق منصوب لفعل من لفظه واجب الحذف.

ولكن اختلف بين وجوب تكرار المصدر ـ كما ذكر ابن عصفور ـ حتى يقع المصدر الطلبى مقام فعله ، وبين إطلاق القول بالحذف مطلقا دون ذكر التكرار ، كما ذكر ابن مالك.

حيث يجب التكرار عند نحاة ، فتقول : صبرا صبرا ، أى : اصبر صبرا ، ويكون الأول بمثابة الفعل العامل.

ولكن الحذف دون التكرير واجب مطلقا عند جمهور النحاة ، فتقول : صبرا.

ويكون (صبرا) مفعولا مطلقا منصوبا لفعل محذوف وجوبا.

ويقع المصدر مناب فعله المحذوف فى معان :

ـ الأمر :

نحو : نشاطا ، أو : نشاطا نشاطا ، والتقدير : انشط نشاطا. حيث (نشاطا) منصوب على المصدرية ـ لفعل محذوف وجوبا.

ومنه قول قطرى بن الفجاءة :

فصبرا فى مجال الموت صبرا

فما نيل الخلود بمستطاع

٢٥٨

يلحظ تكرار المصدر (صبرا) ، حيث يوجب ذلك ابن الضائع ، وابن عصفور ، حيث يكون تكرار المصدر قائما مقام العامل ـ كما ذكرنا سابقا.

ومنه قول أعشى همدان يهجو لصوصا :

يمرّون بالدّهنا خفافا عيابهم

ويرجعن من دارين بجر الحقائب

على حين ألهى الناس جلّ أمورهم

فندلا زريق المال ندل الثعالب

الندل : خطف الشىء بسرعة ، وزريق : علم رجل ، أو قبيلة.

حيث (ندلا) منصوب على المصدرية لفعل محذوف ، والتقدير : اندل يا زريق المال ندل الثعالب ، فهو مصدر ناب مناب فعله فى معنى الأمر ، و (زريق) منادى مبنى على الضمّ فى محلّ نصب ، (المال) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والعامل فيه المصدر (ندلا) ، (ندل) منصوب على المصدرية ، والعامل المصدر الأول. (الثعالب) مضاف إلى ندل مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

ومنه قوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] ، أى ، فاضربوا ضرب ، فـ (ضرب) منصوب على المصدرية بفعل محذوف من لفظه.

فهو مصدر ناب مناب فعله فى معنى الأمر.

ـ النهى :

انتباها لا التفاتا ، أى : انتبه .. لا تلتفت.

نشاطا لا خمولا ، أى : انشط .. لا تخمل.

قياما لا قعودا. أى : قم .. لا تقعد.

كلّ من (انتباها ، التفاتا ، نشاطا ، خمولا ، قياما ، قعودا) منصوب على المصدرية لفعل محذوف ؛ لأنها مصادر نابت مناب فعلها فى معنى الأمر والنهى.

٢٥٩

ـ الدعاء بنوعيه :

نحو : سقيا لك ، أى : سقاك الله سقيا.

رحمة له ، أى : رحمه الله رحمة.

كيا له ، أى : كواه الله كيا.

جدعا : أى : جدع الله طرف الأنف أو الشفة أو الأذن أو غير ذلك.

كلّ من (سقيا ، رحمة ، كيا ، جدعا) منصوب على المصدرية لفعل محذوف ؛ لأنها مصادر نابت مناب فعلها فى معنى الدعاء.

ومنه : رعيا ، وخيبا ـ وعقرا (عقره عقرا) ـ وبعدا (بعد بعدا) ، وسحقا (بضم السين ، سحق (بضم الحاء ـ سحقا) ، تعسا (تعس تعسا ، أى : لا انتعش من عثرته) ، نكسا (بضم النون عود المرض) ، وبؤسا (بئس بؤسا ، اشتدت حاجته).

وخيبة ، وجوعا وبوعا (بوع إتباع لجوع ، وقيل : معناه العطش ، فهو يدعو عليه بالجوع والعطش) ، وتبا (خسر خسارة).

وكلّها مصادر منصوبة ، وعاملها محذوف وجوبا ؛ لأنها نابت مناب أفعالها فى معنى الدعاء.

٣ ـ الاستفهام التوبيخى :

وهو استفهام بالهمزة يخرج إلى معنى التوبيخ ، أو الإنكار ، ومثاله : أتوانيا وقد جدّ غيرك؟ أى : أتتوانى توانيا؟ فيكون المصدر (توانيا) منصوبا لأنه مفعول مطلق ، مصدر ناب مناب فعله فى معنى الاستفهام التوبيخى ، أو الإنكار.

ومنه قول جرير يهجو العباس بن يزيد الكندى :

أعبدا حلّ فى شعبى غريبا؟

ألؤما لا أبا لك واغترابا؟ (١)

والهمزة الأولى للنداء ، فعبدا منادى منصوب ، والهمزة الثانية للتوبيخ ، و (لؤما) مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف ، والتقدير : أتلؤم لؤما. وكذلك :

__________________

(١) شعبى : موضع.

٢٦٠