النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

إلباس النحاة الفاعل بالمبتدإ

يجعل جمهور النحاة شبه الجملة متعلقة بفعل أو ما يشبه الفعل ، فإذا لم يكن الفعل موجودا فإنه يقدّر فعل أو شبهه من الكون أو الاستقرار ، فإذا ابتدئت الجملة الاسمية بشبه الجملة فإنها تتعلق بفعل أو شبهه ، عندئذ يلتبس بين كون الجملة اسمية أو فعلية ، ويحدث إلباس الفاعل بالمبتدإ عند النحاة.

وتقوى جهة الفاعلية عند كثير من النحاة باعتماد شبه الجملة على ما قبلها من :

ـ الاعتماد على المبتدإ ، كقولك : هذا الرجل فى الداخل أبناؤه. محمد فى الدرج كتابه.

ـ الاعتماد على ما كان مبتدأ ، كالمفعول الأول لظن ، نحو : ظننت هذا الرجل فى الداخل أبناؤه ، خلت محمدا فى الدرج كتابه.

وكذلك المفعول الثانى من مفعولات (أعلم وأرى) ، نحو قولك : أعلمت عليا محمدا فى الدرج كتابه ، خبّرت صاحب الدار هذا الرجل فى الداخل أبناؤه.

ـ الاعتماد على الموصوف ، نحو : رأيت رجلا معه ابنه ، أعجبت بشجرة عليها ورقها الكثيف ، مررت برجل أمامه كلبه.

ـ الاعتماد على الموصول ، وذلك بأن تكون شبه الجملة فى صدر الصلة ، نحو : جاء الذى عندنا أبوه ، وحضر من في المنزل أخوه.

ـ الاعتماد على صاحب الحال ، كقوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)(١) [البقرة : ١٩] ، على أن (فيه ظلمات) فى محل نصب ، حال من (صيب) ؛ لأنه نكرة موصوفة ، فجاز أن تكون صاحبا للحال ، أو حالا من المستتر فى (من السماء) ، فتكون شبه الجملة قد اعتمدت على صاحب الحال ، فجازت الفاعلية فى (ظلمات).

__________________

(١) (فيه ظلمات) جملة اسمية من خبر مقدم شبه جملة ومبتدإ مؤخر فى محل جر ، نعت لصيب ، ويجوز أن تكون فى محل نصب ، حال منه ؛ لأنه نكرة موصوفة بشبه الجملة (من السماء).

٢٢١

ويجوز أن تجعل ذلك من قبيل الاعتماد على الموصوف. ومثله قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(١) [البقرة : ٢]. على أن (فيه هدى) فى محل نصب ، حال من اسم الإشارة ، أو من الكتاب.

ويجوز أن تجعلها من قبيل الاعتماد على المبتدإ.

ـ الاعتماد على نفى ، كقولك : ما فى الدار محمود ، وما أمامك المدرس. ومنه قوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ) [الصافات : ٤٧].

ـ الاعتماد على استفهام ، نحو قولك : أفى الداخل صديقك؟. أعندك أخى؟

ومنه قوله تعالى : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم : ١٠].

ـ يرجحون الفاعلية على الابتدائية فيما إذا وقع المرفوع بين همزة استفهام وفعل ، أو بين حرف نفى وفعل (٢) ، نحو : (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ). [الواقعة : ٥٩] ، (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [التوبة : ١٢٦].

ويجيز النحاة الابتدائية ـ حينئذ ـ لكنهم يمنعون الفاعلية فى مثل القول : فى درجه الكتاب ، أو : فى داره زيد ، إجماعا ، كما يمنعون الفاعلية فى مثل القول : فى الدرج الكتاب. خلافا للأخفش تعللا بأن هذا من مواضع جواز تقديم الخبر على المبتدإ.

__________________

(١) فى كلمات هذه الآية الكريمة عدة أوجه إعرابية تقوم كلها على صحة الوقف وحدود الجملة ، موجزها ما يأتى :(ذلك الكتاب) ذلك : مبتدأ ثان ، والكتاب : خبره ، والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر المبتدإ الأول (ألم) ، و (لا ريب) أو (لا ريب فيه) خبر ثان. (ذلك) مبتدأ ، والكتاب : نعته أو بدل منه أو عطف بيان عليه ، وخبره الجملة (لا ريب) أو (لا ريب فيه). والجملة الاسمية يجوز أن تكون خبر (ألم) : أو استئنافية على أن (ألم) جملة فعلية أو اسمية أو لا محل لها من الإعراب.

(ذلك) خبر (ألم) و (الكتاب) صفته أو بدل منه أو عطف بيان عليه (لا ريب فيه) جملة إما خبر وإما خبر ثان وإما حال فى محل نصب. (لا ريب) جملة فيها الأوجه الإعرابية الثلاثة السابقة ، فيكون (فيه هدى) جملة اسمية استئنافية أو خبرا ثانيا أو ثالثا لذلك. أو حالا أو حالا ثانية.

(هدى) يجوز أن يكون مبتدأ مؤخرا ، أو حالا من اسم الإشارة أو الكتاب أو من ضمير الغائب فى (فيه).

(٢) ينظر : الجامع الصغير ٧٧.

٢٢٢

البناء للمجهول فى الجملة الفعلية

إذا حذف الفاعل حذفا مرادا فى بنية الجملة بحيث يكون مجهولا أو شبيها بالمجهول لأداء معنى معين فإنه يقام مقامه ما ينوب عنه ؛ متخذا جميع أحكامه ، حيث لا يصحّ خلوّ الجملة الفعلية من ركنها الثانى المرفوع. ويسمى (النائب عن الفاعل). فالنائب عن الفاعل هو المفعول المقام مقام الفاعل ، وهو كلّ مفعول حذف فاعله وأقيم مقامه (١).

يتخذ نائب الفاعل جميع أحكام الفاعل التى ذكرت من قبل من : سبقه للفاعل ، والاسمية ، والصور التى يأتى عليها إلى جانب صور أخرى للنائب عن الفاعل من نحو : جواز كونه شبه جملة. والرفع ، والمطابقة النوعية والعددية.

الفعل الذى يبنى للمفعول :

يجب أن يكون الفعل الذى يبنى للمجهول أو لما لم يسمّ فاعله متعديا سواء أكان بواسطة أم بدون واسطة ، فتقول : خرج من البيت ، وأصيب الهدف.

ويصير الفعل المتعدى إلى واحد إذا بنيته للمجهول غير متعدّ ، والمتعدى إلى اثنين متعديا إلى واحد ، والمتعدى إلى ثلاثة يصير متعديا إلى اثنين ، فتقول : أغلقت النافذة ، ظن الباب مفتوحا. أعلم علىّ الضيف قادما.

ولا يصح بناء (كان) وأخواتها للمجهول عند البصريين (٢) ؛ لأنها تعمل فى المبتدإ والخبر ، ولا بد لكلّ منهما من الآخر ، فلو بنى للمجهول لحذف المرفوع وهو المبتدأ ، وهذا لا يجوز.

أما الأفعال الجامدة فإن هناك اتفاقا على أنها لا تبنى للمجهول ، نحو : نعم ، بئس ، هب ، تعلّم ، حبّذا ، ليس ، عسى ، وفعل التعجب.

أغراض حذف الفاعل :

يحذف الفاعل من الجملة لغرض لفظى أو معنوى ، من الأغراض اللفظية التي يحذف لها الفاعل :

__________________

(١) ينظر : الكافية فى النحو ٧٢ / شرح الكافية لابن الحاجب ٢٢ / شرح القمولى على الكافية (تحقيق فتحية عطار) ٣٨٣.

(٢) ينظر : التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٢٥.

٢٢٣

ـ السجع فى النثر : نحو : من طابت سريرته ، حمدت سيرته.

ـ النظم فى الشعر : منه قول الأعشى فى هبيرة :

علّقتها عرضا وعلّقت رجلا

غيرى وعلّق أخرى غيرها الرجل (١)

حيث بنى الفعل (علق) فى المواضع الثلاثة للمفعول ، وحذف الفاعل لتصحيح النظم. وقول لبيد بن ربيعة :

وما المال والأهلون إلا ودائع

ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع (٢)

__________________

(١) ينظر : ضياء السالك رقم ٢٢٤ ، ١ ـ ٣٧٣.

(علقتها) علق : فعل ماض مبنى على السكون مبنى للمجهول. وتاء المتكلم ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. وهو المفعول الأول. وضمير الغائبة (ها) مبنى فى محل نصب مفعول به ثان. (عرضا) نائب عن المفعول المطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. ويجوز أن يكون مصدرا واقعا موقع الحال.

(وعلقت) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. علق : فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول. والتاء للتأنيث حرف مبنى لا محل له من الإعراب. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره :هى. وهو المفعول الأول. (رجلا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة (غيرى) غير : نعت منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، وهو مضاف ، وضمير المتكلم مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (وعلق) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. علق : فعل ماض مبنى للمجهول مبنى على الفتح. (أخرى) مفعول به ثان مقدم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع من ظهورها التعذر. (غيرها) غير : نعت لأخرى منصوب ، وعلامة نصب الفتحة ، وهو مضاف وضمير الغائبة (ها) مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (الرجل) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) ديوانه ٨٩ / أسرار البلاغة ١٣٦ / شفاء العليل ١ ـ ٤١٧ / شرح التصريح ١ ـ ٢٨٦.

(ما) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (المال) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (والأهلون) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. الأهلون : معطوف على المال مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. (إلا) حرف استثناء مبنى مهمل يفيد الحصر والقصر. (ودائع) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وحقه ألا ينون ؛ لأنه ممنوع من الصرف (صيغة منتهى الجموع) إلا أنه نون هنا للضرورة. (ولابد) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. لا : نافية للجنس حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. بد : اسم لا النافية للجنس مبنى على الفتح فى محل نصب. (يوما) ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة متعلق بترد. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (ترد) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (الودائع) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والمصدر المؤول فى محل جر بحرف جر محذوف (من). وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر لا النافية للجنس ، أو متعلقة بخبرها المحذوف.

٢٢٤

ـ الإيجاز : كما فى قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) [الحج : ٦٠].

ـ الاختصار : أى : إرادة المتحدث اختصار الكلام ، كقوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ)(١) [النحل : ١٢٦]. ضمير المخاطبين (تم) مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل.

أما الأغراض المعنوية التى يحذف لها الفاعل فهى :

ـ ألا يتعلق بذكر الفاعل غرض : نحو قوله تعالى : (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) [المجادلة : ١١] ، حيث الأمر عام.

ومنه قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) [النساء : ٨٦].

فالأمر عام لا يحتاج إلى ذكر فاعل معين.

ومنه قول الملقى فى الماء وهو لا يعرف السباحة : ألقيت فى الماء.

ـ علم المخاطب بالفاعل ، نحو : خلقت من طين ، فالخالق معلوم دون ذكر.

ومنه قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) [البقرة : ٨٥]. حيث المردّودون إلى العذاب معروفون ، وهم الكافرون. ومنه قولك : أنزل المطر ، سيّر السحاب. وقوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨].

__________________

(١) (إن) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (عاقبتم) عاقب : فعل الشرط ماض مبنى على السكون. وضمير المخاطبين مبنى فى محل رفع ، فاعل. (فعاقبوا) الفاء : حرف واقع فى جواب الشرط مبنى ، لا محل له من الإعراب. عاقبوا : فعل أمر مبنى على حذف النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل جزم جواب الشرط. (بمثل) الباء : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. مثل : اسم مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالعقاب.

ومثل مضاف و (ما) اسم موصول مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (عوقبتم) عوقب : فعل ماض مبنى على السكون. وضمير المخاطبين مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (به) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالباء. وشبه الجملة متعلقة بالعقاب.

٢٢٥

ـ جهل المخاطب بالفاعل : نحو قوله تعالى : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) [يوسف : ٦٥] ، حيث لا يعلم من الذى ردّ البضاعة إليهم.

ومنه أن تقول : أجيب عن السؤال الأول. وقتل فلان. سرق المتاع.

ـ الخوف من الفاعل : نحو : سأحاسب على كلّ صغيرة وكبيرة. حيث الخوف من الله تعالى.

ـ الخوف على الفاعل : كأن تقول : كسر الزجاج ، حيث لا تريد أن يعرف فاعل الكسر خوفا عليه من العقاب.

ـ التعظيم : كقولك : ضرب اللصّ ، إذا كان الذى ضربه عظيما. ومنه : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠]. والمراد : قتل الله الخراصين.

ـ الاحتقار : كقولك : سبّ الرئيس ، فالذى يسبّه حقير. قتل عمر بن الخطاب ، وقتل علىّ بن أبى طالب ، فقاتلهما يحتقر.

عند حذف الفاعل لأى غرض من الأغراض السابقة فإن الفعل تتغير بنيته.

ويهيأ للإسناد إلى نائب عن الفاعل.

ما يجوز أن يكون نائبا عن الفاعل :

يجوز أن يقام مقام الفاعل إذا كان مجهولا ما له علاقة معنوية من المفعولات بالفعل ، وتنحصر فيما يأتى :

ـ المفعول به : وهو فى المقام الأول فى نيابته عن الفاعل إذا كان مذكورا فى الجملة ، كقولك : فهم الدرس ، استخرج المعدن ، تعلّمت المهنة ، شذّبت الشجرة ، شوهدت المسرحية.

كلّ من (الدرس ، المعدن ، المهنة ، الشجرة ، المسرحية) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وكلّ مفعول به صالح أن يكون نائبا عن الفاعل.

ـ المصدر : يجوز أن يقام المصدر مقام الفاعل إذا كان متصرفا مختصا لغير التوكيد ، أى : إذا كان يصح استعماله غير مصدر مرفوعا ومنصوبا ومجرورا ،

٢٢٦

ويكون مختصا بالصفة أو الإضافة أو أداة التعريف ، فيكون لغير التوكيد حتى يعطى فائدة ، وهو المصدر المبين للنوع ولعدد مرات الفعل.

فتقول : قيم قيام معتدل ، صيم صيام الخاشع ، استعيد استعادة الواثق ، فهم الفهم ، سير السير.

كلّ من (قيام ، صيام ، استعادة ، الفهم ، السير) نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

وتقول : سير سيران : سير مصلح ، وسير سريع. أصيب ثلاث إصابات : سير به سير طويل ، سعى سعى مبرور ، وسعى سعى الأتقياء ، وسعى السعى المحمود.

ولا يجوز إقامة المصدر غير المتصرف مقام الفاعل ، نحو : سبحان ، معاذ ، عمرك الله.

ـ ظرفا الزمان والمكان : يجوز أن يقام مقام الفاعل ظرفا الزمان والمكان بشرط أن يكونا متصرفين مختصين.

والمقصود بتصرفهما أن يخرجا عن الظرفية والتزام النصب ، ومما يلتزم النصب على الظرفية فلا يصح أن يكون نائبا عن الفاعل : (سحر ، سحير ، ضحى ، عشاء ، عشية ، عتمة ، بكرة ، ذات مرة ، مساء ، صباح ، عتمة) إذا أريد بها وقت معين من يوم وليلة بعينها ، حيث تلتزم النصب ـ حينئذ ـ على الظرفية ، وكذلك (دونك ، ووسط ـ بإسكان السين ـ وثمّ ، وعند) حيث التزموا فيها النصب على الظرفية.

والمقصود بالاختصاص أن يؤديا معنى مع ما سبقهما ، وذلك بالاختصاص بالصفة أو الإضافة أو المعنى.

ومن ذلك : وقف أمامك. سوفر يوم الخميس. كلّ من (أمام ، يوم) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

وتقول : سير وقت طيب ، جلس مكان حسن. سير به ميلان ، ومشى به يومان.

٢٢٧

ـ الجار والمجرور : اختلف فى إقامة الجارّ والمجرور مقام الفاعل ، لكن الأرجح والأكثر شيوعا جواز إقامتهما نائبا عن الفاعل ، بشرط أن يكونا تامين ، أى : يجب أن يفيدا معنى ، فتقول : مرّ بمحمود ، ورجع إلى الحق ، نظر فى الأمر. فيكون كلّ من (بمحمود ، إلى الحق ، فى الأمر) شبه جملة مبنية فى محلّ رفع ، نائب عن الفاعل.

وتقول : رضى عن المحسن ، وتوجّه إليه.

ولا يقال : (فتح منك) ؛ لأنه لا يفيد معنى ، فليس تاما.

ويختلف فى نيابة المنصوب على نزع الخافض مع وجود المنصوب ، كما فى قولك : اختير الرجال زيدا ، ولكن الجمهور يمنع ذلك ويوجب نيابة المنصوب ، فيقال : اختير زيد الرجال.

واختلاف النحاة قائم فى إقامة غير ما سبق مقام الفاعل ، والأكثر شيوعا المنع ، وذلك فى :

ـ المصدر المقدر.

ـ المصدر المؤكّد.

ـ المفعول الثانى لأفعال القلوب.

ـ الجملة المعلقة لأفعال القلوب السادة مسد المفعولين.

ـ المفعول الثالث لأعلم وما جرى مجراه ، وكذلك المفعول الثانى لهذه الأفعال.

أما ما عدا ذلك من المنصوبات المشبهة بالمفعولات ـ كالحال والتمييز ـ فإنه لا يصح أن يقام مقام الفاعل ؛ ذلك لأن الحال لا تكون إلا نكرة ، والفاعل قد يضمر ، والمضمر معرفة ، فلذلك لا يجوز أن تكون الحال نائبا عن الفاعل.

أما التمييز فإنه مرتبط معنويّا باسم فقط دون الفعل ؛ لذلك فإنه لا يصح أن يقام مقام الفاعل الذى يرتبط بالفعل معنويا.

٢٢٨

ولا يقام مقام الفاعل ـ على الأرجح ـ المفعول لأجله ؛ لأن أصله أن يستعمل باللام ، ثم حذفت ، فلو أقيم مقام الفاعل لبطلت دلالتها (١).

وكذلك المفعول معه ؛ لأنه مسبوق بالواو التى أصلها العطف ، ولا بد من وجودها سابقة عليه ، فهى فاصلة بينه وبين الفاعل فصلا دائما ، والفاعل كالجزء من الفعل ، والمفعول معه بدون الواو لا يعطى معناه (٢).

التغيرات الحادثة فى بنية الفعل المبنى للمجهول

عند إسناد الفعل إلى المفعول فإن مبنى الفعل يحدث به تغييرات ؛ ليختلف عن صيغته الطبيعية التى تكون حال بنائه للفاعل أو للمعلوم ، وذلك ليدلّ ببنائه المتغير على إسناده إلى ما لم يسمّ فاعله ، وهو النائب عن الفاعل ، وتكون التغيرات الحادثة فى الفعل على النحو الآتى :

أولا : الفعل الماضى :

حال بناء الفعل الماضى للمجهول يتبع ما يأتى من أحكام :

ـ الفاء : تضمّ ، لكنها : تسكن إذا جاءت فى الفعل بعد همزة الوصل أو همزة القطع الزائدتين ، وكان الفعل غير مضعف إلا فى مثال (انفعل) ، حيث تكون فاؤه مضمومة حال بنائه للمجهول.

تكسر إذا كان الفعل أجوف ، والفاء غير مباشرة لهمزة الوصل أو همزة القطع الزائدتين ؛ ذلك لأن حرف العلة فى الفعل الأجوف ينقلب إلى ياء مدّ بدلا من الكسرة ، والياء يناسبها الكسرة قبلها ، والفاء هى التى تسبق حرف العلة فتحمل الكسرة.

__________________

(١) ينظر : التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٢٥.

(٢) ينظر : شرح ابن الحاجب على الكافية ٢٢ / الرضى على ابن الحاجب ١ ـ ٨٤ / الفوائد الضيائية ١ ـ ٢٧٢.

٢٢٩

إذا كان الفعل الماضى مضعفا فإن الكوفيين يجيزون كسر الفاء ، كما أنه يجوز فيها الإشمام.

ولكن الفاء تكسر فى الفعل الماضى المضعّف المبنى للمجهول إذا كان زائدا بالهمزة.

عين الكلمة : تكسر مطلقا ، إلا فى الفعل الأجوف ، فإنها تقلب إلى ياء مدّ ، مع ملاحظة أن فيها لغتى الإشمام والقلب إلى واو.

إذا كان الفعل مضعفا ثلاثيا فإن المثلين يدغمان حيث يسكّن أولهما ، وهو عين الكلمة.

أحرف الزيادة : تضمّ أحرف الزيادة.

إذا كان الفعل مضعفا ، فإن المضعفين يدغمان فيسكن أولهما.

إن كان حرف الزيادة ألفا ، كما فى (فاعل وتفاعل) فإنه ينقلب إلى واو ليناسب الضمة.

إذا توالى حرفا زيادة فإن الثانى منهما يسكن ، مع المحافظة على قاعدة المضعف.

إذا توالى ساكنان فإن حرف الزيادة يحذف لالتقاء الساكنين.

مثال الماضى الثلاثى غير المضعف أو الأجوف :

كتب الدرس ، فهم الموضوع ، سمعت الفكرة ، شرب اللبن ، ملئ الكوب ، روى الزرع ، طويت الصفحة ، وجد الكتاب.

تلحظ أن الأفعال الماضية السابقة مبنية للمجهول ، وقد ضمت فاؤها ، وكسرت عينها ـ أى : ما قبل آخرها ـ وتلحظ أن نائب الفاعل مرفوع فى كل جملة.

مثال سكون الفاء فى الماضى الثلاثى غير المضعف المبنى للمجهول بعد همزتى الوصل والقطع الزائدتين : أكرم الضيف ، استخرج البترول ، افتتح الحفل ، التمس الحقّ. اهتدى إليه.

٢٣٠

لكن الفاء تكون مضمومة فى مثال (انفعل) ، حيث يقال : انطلق إلى السباق ، انعطف إليه.

تلحظ كسر العين (وهو ما قبل الآخر) فى الأفعال السابقة ، ورفع نائب الفاعل فى كل جملة.

مثال كسر الفاء فى الماضى الثلاثى المضعف إذا كان زائدا بالهمزة :

أعدّت المائدة ، استعدّ له. أمدّ بالحبل ، استردّ المفقود. أقلّ الماء ، استقلّت الطائرة. أعفّ عن الزلل. استمدّ منه العون.

فإذا كان على مثال (افتعل) أسكنت الفاء ، حتى لا تقع بين مضمومين ، فتقول : اهتزّ ، اعتدّ ، امتدّ ، ارتدّ ، امتنّ. افتنّ. اجترّ.

وإذا كان على مثال (انفعل) فإن الفاء تكون مضمومة ، مثال ذلك : انسلّ ؛ انضمّ ، انجرّ.

ومثال كسر الفاء فى الماضى الأجوف إذا لم تكن بعد همزتى القطع والوصل الزائدتين

، وذلك لقلب حرف العلة الأجوف إلى ياء : قيل الصدق ، بيع المنزل ، أعيد الحقّ ، استعيد المفقود ، اختير المستحقّ جائزة ، انقيد إلى الهداية ، استميل إليه ، أميل العمود. أريد العدل.

وبعضهم يبقى الضمّ ، فتقلب الألف واوا بدلا من الياء ، كما أن بعضهم يقرأ بإشمام الضم ، ومنه قول رؤبة :

ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت (١)

__________________

(١) ينظر : شرح ابن يعيش ٧ ـ ٧٠ / شرح ابن عقيل رقم ١٥٥ / الأشمونى ٢ ـ ٦٣ / ضياء السالك رقم ٢٣١ ، ١ ـ ٣٨٥ / شرح التصريح ١ ـ ٢٩٥ / الدرر رقم ٩٦١ ، ٤ ـ ٢٦ / ١٧٦٠ ، ٦ ـ ٢٦٠.

(ليت) حرف تمن ونصب ناسخ مبنى ، لا محل له من الإعراب ، ويجوز أن يكون التقدير : قولى ليت ، فتكون خبرا لمبتدإ محذوف ، أو : أقول ليت ، فتكون مقولا لقول محذوف ، أو : ليت قولى ، فتكون مبتدأ خبره

٢٣١

حيث قلب ألف الماضى الأجوف (باع) إلى واو للمحافظة على ضمة الفاء ، فأصبح (بوع). ومنه قول رؤبة :

حوكت على نيرين إذ تحاك

تختبط الشوك ولا تشاك (١)

يقلب ألف (حاك) إلى واو لمناسبة ضمة الحاء.

وقد روى البيتان بإخلاص الكسر ، وبه مع إشمام الضم ، وبالضم الخالص.

ويرى بعضهم منع لغة الضمّ الخالص فى صيغتى (انفعل ، افتعل) ، هذا إذا أمن اللبس ، فإن لم يؤمن اللبس فإنه يجب :

أ ـ أن تكسر الفاء فى الأجوف الواوى ، الذى مضارعه على مثال (يفعل) بضمّ العين ؛ حتى لا يلتبس بالإسناد إلى الفاعل ، فيقال : سمت ، بكسر السين ، أى :

__________________

محذوف. أو غير ذلك من التقديرات. (وهل) الواو حرف ابتداء فاصل بين ما سبقه والجملة الاعتراضية مبنى ، لا محل له من الإعراب. هل : حرف استفهام مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (ينفع) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (شيئا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ليت) فاعل ينفع مرفوع. والجملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب. (ليت) حرف تمن مؤكد للأول.(شبابا) اسم ليت منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (بوع) فعل ماض مبنى للمجهول مبنى على الفتح. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر ليت. (فاشتريت) الفاء : حرف عطف تعقيبى مبنى ، لا محل له من الإعراب. اشترى : فعل ماض مبنى على السكون. وتاء المتكلم ضمير مبنى فى محل رفع. والجملة الفعلية فى محل رفع بالعطف على خبر ليت.

(١) ينظر : شرح ابن عقيل رقم ١٥٤ / الأشمونى ٢ ـ ٦٣ / شرح التصريح ١ ـ ٢٩٤ / العينى ٢ ـ ٥٢٦ / الدرر رقم ١٧٦١ ، ٦ ـ ٢٦١.

(حوكت) فعل ماض مبنى للمجهول مبنى على الفتح. والتاء للتأنيث حرف مبنى ، لا محل له من الإعراب. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هى. (على نيرين) على : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. نيرين : اسم مجرور بعد على ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه مثنى. وشبه الجملة فى محل نصب ، حال من نائب الفاعل ، أو متعلقة بحال محذوفة. (إذا) ظرف للزمان الماضى مبنى على السكون فى محل نصب متعلق بحوك. (تحاك) فعل مضارع مبنى للمجهول مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هى. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة. (تختبط) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى. (الشوك) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (ولا) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. لا : حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تشاك) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة مبنى للمجهول. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هى.

٢٣٢

سامنى المشترى ، من السوم ؛ لأنك لو ضممت السين لالتبس المبنىّ للمجهول بالمبنى للمعلوم ؛ لأن إسناد الفعل (سام) إلى تاء الفاعل ينطق (سمت) بضم السين ، فتحدث المخالفة فى نطقها حين بنائه للمجهول للتمييز بين حالتيه.

وتقول : عدت ، أى : أعادنى غيرى ، من العود.

ب ـ أن تضمّ الفاء فى الأجوف اليائى والأجوف الواوى الذى مضارعه على مثال (يفعل) بكسر العين وفتحها ، وذلك كى لا يلتبس بالإسناد إلى الفاعل ، فيقال : بعت (من البيع) ، بضمّ الباء ، أى : باعنى سيدى. لأننا لو كسرنا الباء لالتبس بالمسند إلى الفاعل.

وتقول : خفت ، أى : أخافنى غيرى ؛ لأن المضارع (يخاف) ، أى : (يخوف) ، ولو كسرت الخاء لالتبس بالمسند إلى الفاعل.

وتقول : خلت غائبا ، أى : خالنى غيرى غائبا. فيكون تاء المتكلم نائب فاعل ، وهو المفعول به الأول.

مثال المضعّف الثلاثى :

هدّ الحائط ، مدّ الحبل ، شدّت الملاءة ، هزّت الحبوب ، ردّ الدّين ، شمّت الرائحة ، عدّ محمود من الناجحين ، صكّت النقود الجديدة.

تلحظ أن الفاء فى كلّ الأفعال مضمومة ، لكن العين قد سكّنت لاجتماع المثلين فأدغما.

وضمّ فاء الماضى الثلاثى المضعف واجب عند الجمهور ، لكن الكوفيين يجيزون كسرها ، ومنه قراءة قوله تعالى : (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف : ٦٥] بكسر راء (ردت) (١).

كما ذكر فيها الإشمام فقد ذكر ابن مالك :

وما لباع قد يرى لنحو حب (٢)

__________________

(١) ينظر : إملاء ما منّ به الرحمن ٢ ـ ٥٥.

(٢) الألفية : باب النائب عن الفاعل ، وينظر : التسهيل ٧٨.

٢٣٣

أى : أن (حب) وهو ماض ثلاثى مضعف يجوز فيه ما فى (باع) من الإشمام.

وأنبه إلى ما ذكرناه من أن الفاء تكسر فى المضعف الثلاثى إذا كان زائدا بالهمزة كما فى : أمدّ ، واستمدّ. ما لم يكن على مثال (افتعل) فإن الفاء تسكن. وإذا كان على مثال (انفعل) فإن فاءه تضم.

مثال الثلاثى المزيد المبنى للمجهول فتضم منه الأحرف الزائدة ما لم تكن متوالية :

أفهم الدرس ، اعتدى عليه ، اعتلّ الفعل. اجتمع معه ، أجهل الغرض. أشطر الرغيف. افتتح المعرض. اجتزئ الموضوع.

ومثال المضعف منه فيسكن أولهما :

كرّم المجتهد. تقوّى به ، تعلّم منه ، اعلوّط برقبة البعير ، اهتزّ الحبل. تقدّم به.

تمرّن عليه. تولّى اليتيم ، ربّى الزرع. تخلّص منه.

ومثال قلب الألف الزائدة واوا :

حورب المعتدى. تهودى إليه. تبوعد بينهما. قوبل بالإحسان. عومل معاملة حسنة. تشوور معه.

ومثال تسكين الثانى من أحرف الزيادة إذا توالى اثنان منهما :

استخرجت المعادن ، انصرف عنه. انفتح على الحضارات الأخرى. استعيد الحقّ.

ملحوظتان :

أ ـ الماضى المبدوء بهمزة زائدة :

إن كان الفعل مبدوءا بهمزة وصل (أو زائدة) فإنها تضم مطلقا ، ويضم معها تاء الافتعال فى (افتعل ، واستفعل) ، نحو : افتتح ، التمس. اعتدى عليه. استعدى. استكتب. استنفر.

٢٣٤

ب ـ الماضى المبدوء بتاء زائدة :

إن كان الماضى مبدوءا بتاء زائدة ضمّت التاء مع فاء الكلمة ، أى : ضمّ الأول والثانى ، نحو : تعلّم ، تقوتل ، تووصل معه ، تقدّم إليه. تزكّى عليه. تمنّى النجاح. تمودى فى الخروج على الجماعة.

ج ـ المضارع : يراعى فى الفعل المضارع ما يأتى : يضم الأول مطلقا.

يفتح ما قبل الآخر.

ـ إذا كان المضارع أجوف فإن حرف العلة ينقلب إلى ألف ، فتفتح فاء الكلمة التى تسبقه للنطق به ، إلا إذا كان على مثال (يفاعل ويتفاعل) فإن حرف العلة يقلب إلى أصله ويحمل الفتحة.

كما أنه إذا كان مضعفا فإنه يقلب إلى أصله ويدغم المثلان.

المثلان يدغمان فيسكن أولهما.

مثال المضارع : يعلم الخبر ، يستفهم عن الصواب. يقدّم المشروب إلى الضيف ، يعادى الشرّير. يهتدى به. يكرم الضيف. يقدّر المحترم. يشاهد العرض. يحاكى الأستاذ. يحكى أنه ملتزم. يوصف المنظر.

مثال الأجوف : يقال الصدق. تباع السيارة. يعاد إليه. يستمال إليه. يصام رمضان. يحاك الثوب.

ومثال الأجوف على وزن (يفاعل ويتفاعل) : يقاوم المعتدى ، يساوم البائع ، يعاود المريض ، يتمايل إليه ، يتساوى معه ، يتقاول عليه.

وتقول : يقوّم المعوجّ ، يعوّد على الصحيح ، يتقوّل عليه.

وتقول فى المضعف : يهدّ الحائط ، يعدّ الحفل. يستعدّ له. يستمدّ منه العون.

يهتزّ الوتر. تعتلّ العين.

ـ إذا كان العامل فى الفاعل اسم فاعل أو غيره من الصفات المشتقة فإنه عند بنائه للمجهول يحول إلى اسم مفعول ، فتقول فى : أفاهم محمد درسه؟ أمفهوم

٢٣٥

الدرس؟ (درس) فى المثال الأول مفعول به لاسم الفاعل (فاهم) ، وهو فى المثال الثانى نائب فاعل لاسم المفعول (مفهوم). الحظ تغير صيغة اسم الفاعل إلى صيغة اسم المفعول عند البناء للمجهول.

وتقول : أمعلوم الخبر؟ ما مصدّق الكاذب. أمستمال إليه؟ ما مكتوب هذا المثل.

احتساب النائب عن الفاعل :

لقد فهم النحاة ظاهرة النائب عن الفاعل فى الجملة العربية فهما صحيحا ، حيث بنوا دراستها على أساس العلاقة بين الحدثية المتضمنة فى لفظ الفعل وما أسندت إليه ، وتفهم هذه العلاقة من جانبين :

أولهما : جانب الإسناد ، فالفعل محتاج بالضرورة إلى ما يسند إليه ؛ حتى تكون الجملة الفعلية مفهومة لدى المتلقى.

والآخر : جانب السياق المعنوى ، وهو مجمل المعنى المراد من الجملة ، حيث يتكون من العلاقات المعنوية بين ألفاظ الجملة الواحدة ، على أساس هذه العلاقات يحدد الضبط الإعرابى لكلّ كلمة فى الجملة.

على أساس هذه العلاقة حدد النحاة الاسم المرفوع فى الجملة فى حال جهل الفاعل بالنائب عن الفاعل ، أو بالمفعول الذى لم يسمّ فاعله ، واتخذ أحكام الفاعل بكل جوانبها ـ كما ذكرنا سابقا.

وكما لا يكون الفاعل إلا واحدا فى الجملة لا يكون نائب الفاعل إلا واحدا ، فإن كان فى الجملة أكثر من مفعول أقمت أحدها مقام الفاعل ليتخذ أحكامه ، ونصبت الباقى ، لكنّ لذلك أحكاما قائمة على الجوانب المعنوية فى الجملة نابعة من موقعية مفرداتها. وذلك على التفصيل الآتى :

أولا : إن كان الفعل من باب (أعطى) ، أى : الأفعال التى تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر أقمت الأول أو الثانى مقام الفاعل ، وذلك إن أمن

الالتباس ، نحو : كسى علىّ ثوبا ، كسى ثوب عليّا. حيث الفعل (كسا) ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، فترفع أيّا من المفعولين (على ، وثوب) ليكون نائبا عن الفاعل ، وتنصب الآخر مفعولا به ثانيا.

٢٣٦

ومنه أن تقول : منح الأول جائزة. ألبست الطفلة حلة ، أعطى الفقير جنيهين.

والالتباس بين المفعولين مأمون ؛ لأن أحدهما فاعل فى المعنى بالضرورة ، فكلّ من المانح والكاسى فاعل ، أما الممنوح والمكسو فكل منهما مفعول به ، ويفهم ذلك من السياق اللغوى أو العلاقات المعنوية بين الكلمات فى الجملة ، وهى العلاقة المعنوية الثلاثية بين الإعطاء أو الإلباس وما فى معناهما والمعطى أو الملبس أو المعطى أو الملبس.

لكنه إن لم يؤمن اللبس فإن الفاعل فى المعنى هو الذى يقوم مقام الفاعل المجهول لا غير ، ففى نحو قولك : أعطينا خليلا عليا ، كلّ من (خليل وعلى) يصلح أن يكون فاعلا فى المعنى ، أى : معطى له ، أى : آخذا ، ولأمن هذا الالتباس يكون المتقدم هو الفاعل فى المعنى ، أى المعطى له الآخذ ، وهو (خليل) ، ويكون ذلك من خلال الرتبة لفظا فيكون النائب عن الفاعل ، فتقول بالضرورة : أعطى خليل عليا.

ثانيا : إن كان الفعل من باب (ظنّ) ؛ أى : الأفعال التى تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ؛ فإنك تقيم الأول ؛ وهو المبتدأ فى الأصل ، وتمنع إقامة الثانى ، وهو الخبر فى الأصل ، ذلك لأن المبتدأ حقّه الذكر أولا ؛ لذا فإنه يتخذ مقام الفاعل فى حال حذفه ، فيقال : ظنّ محمود مجتهدا ، (محمود) المبتدأ ، خبره (مجتهد) ؛ لأن أصل الجملة الاسمية (محمود مجتهد) ، فلما دخل عليها الفعل القلبى (ظن) مبنيا للمجهول أقمت المبتدأ (محمود) مقام الفاعل ليكون نائبا عنه ، ويرفع.

وتقول : أعلم علىّ أنك حاضر. حسب محمود الأول. زعم الأستاذ موجودا.

ثالثا : إذا اجتمعت عدة مفعولات (اسم وغيره) أقيم الاسم ـ على الوجه الأصح ـ فيقال : ذوكر الدرس مذاكرة صباحا فى حجرة المكتب ، حيث (الدرس) مرفوع على أنه نائب عن الفاعل.

وأجاز الكوفيون إقامة غير الاسم مقام الفاعل ، ومنه قراءة أبى جعفر : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية : ١٤] ، ببناء الفعل (يجزى) للمجهول.

٢٣٧

ونصب (قوما) ، وحينئذ يكون مفعولا به ، ويحتاج الفعل إلى نائب عن الفاعل يخرّج على وجهين عند جمهور النحاة (١) ، حيث لا يرتضون إقامة غير الاسم مقام الفاعل فى وجود الاسم ، وهما :

ـ إما أن يقدر من سياق الكلام ، فيكون تقديره : الخير ، ويكون الكلام : ليجزى الخير قوما.

ـ وإما أن يقدر مصدرا من الفعل المذكور ، ويكون الكلام : ليجزى الجزاء قوما.

وهذا لا يتفق مع كثير من النحاة.

ومثل ذلك قراءة قوله تعالى : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء : ١٣] ، ببناء الفعل (يخرج) للمجهول ، ونصب (كتابا) ، فيحتاج الفعل ـ حينئذ ـ إلى نائب فاعل غير (كتاب) ، ولا يوجد غير شبهى الجملة ، فتقام شبه جملة عند بعض النحاة ، لكن الجمهور يرون تقدير نائب فاعل مضمر يعود على طائر ، ويكون الكلام : يخرج له طائره كتابا ، أى : مكتوبا على أنها حال (٢). وقد يكون نائب الفاعل المصدر من (خرج).

ومنه قول رؤبة :

لم يعن بالعلياء إلا سيدا

ولا شفى ذا الغىّ إلا ذو هدى (٣)

__________________

(١) ينظر : إملاء ما منّ به الرحمن ٢ ـ ٢٣٢ / البيان ٢ ـ ٣٦٥.

(٢) ينظر : المقتضب ٣ ـ ٢٦١ / إملاء ما منّ به الرحمن ٢ ـ ٨٩. فى الفعل (نخرج) ثلاث قراءات : قرأ أبو جعفر بالياء المضمومة وفتح الراء. وقرأ يعقوب بالياء المفتوحة وضم الراء ، وقرأ الباقون بالنون المضمومة وكسر الراء ، و (كتابا) منصوبة فى القراءات الثلاث ، أما القراءة الأولى فهى موضحة فى أعلى الصفحة. وأما القراءة الثانية فإن الفعل مبنى للمعلوم فاعله ضمير مستتر يعود على طائر ، و (كتابا) يكون منصوبا على الحالية. ومنهم من رفع (كتابا) فيكون فاعل يخرج. أما القراءة الثالثة (نخرج) مضارع (أخرج) فالفاعل ضمير مستتر يعود على البارى تعالى. و (كتابا) مفعول به منصوب.

(٣) شرح ابن عقيل ١٥٦ / ضياء السالك رقم ٢٢٩ ، ١ ـ ٣٨٠ / شرح التصريح ١ ـ ٢٩١.

(لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (يعن) فعل مضارع مجزوم بعد لم وعلامة جزمه حذف حرف العلة مبنى للمجهول. (بالعلياء) الباء : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. العلياء : اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة فى محل رفع ، نائب فاعل. (إلا) حرف استثناء مهمل يفيد القصر والحصر. (سيدا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه

٢٣٨

حيث نصب الاسم (سيدا) مع بناء الفعل (يعن) للمجهول ، ولا يوجد إلا شبه الجملة (بالعلياء).

ويجعل البصريون القراءة شاذة ، والبيت ضرورة.

ـ إن لم يوجد اسم أقيم المصدر على الأصح ، وإن لم يوجد أقمت أيّا مقام الفاعل ، فتقول : سير سير سريع صباحا فى الملعب ، فيكون المصدر (سير) نائبا عن الفاعل ، فى وجود شبهى الجملة.

ولكنك تقول : سير صباح فى الملعب ، وسير فى الملعب صباحا ، فتجعل أيّا من شبهى الجملة نائبا عن الفاعل فى حال عدم وجود الاسم والمصدر.

ومن النحاة من يجيز إقامة المجرور مقام الفاعل مع وجود المصدر والظرف ، فيقال : سير بزيد فرسخا (١).

وبين النحاة خلاف فيما سبق ، لكن المذكور هو الأرجح.

__________________

الفتحة. (ولا) الواو : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. لا : حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب. (شفى) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، منع من ظهوره التعذر. (ذا) مفعول به مقدم منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة ، وهو مضاف و (الغى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (إلا) حرف استثناء مهمل يفيد الحصر والقصر مبنى ، لا محل له من الإعراب.(ذو) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الستة ، وهو مضاف. و (هدى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.

(١) ينظر : المقتضب ٤ ـ ٥٢.

٢٣٩

المفعولات

انتهينا من دراسة الجملة بقسميها الأساسين ـ اسمية وفعلية ـ سواء أكانت مجردة أم كانت مسبوقة بما يدلّ على العلاقة بين ركنيها ، من نحو : التوكيد ، والتشبيه ، والتمنى ، أو الرجاء ، والزمن الوجودى ، والنفى ، والصيرورة ، والمقارنة ، والرجاء ، والشروع.

كما نقوم بدراسة الجملة الاستخبارية الممثلة فى الاستفهام فيما بعد.

نشرع فى القسم التالى من هذا المؤلف فى دراسة ما هو فضلة فى الجملة بقسميها السابقين ، ويقصد بالفضلة ما كان زائدا عن الركنين الأساسين ، ولا يعنى بالزيادة الاستغناء عنها ، فلكلّ فضلة فى الجملة أداء دلالىّ ، ربما يكون ضرورة ، وهو ضرورة لدى المتحدث ؛ لأنه المنشئ للجملة ، ويقصد بها مجموعا دلاليا معينا ، لا يكون إلا من خلال ما نسميه فضلة.

وعلينا أن نلحظ أن الجملة العربية فى بعض مبانيها قد تحتاج بالضرورة إلى ذكر فضلة معينة أو أخرى لأداء معنى ، ولا يكون دلالة الجملة إلا بذكر هذه الفضلة.

فلا تستطيع أن تلفظ بجملة تامة الركنين ؛ أحدهما فعل من أفعال القلوب ؛ إلا وقد ذكرت مفعوليه متكاملين.

ويوجد فى اللغة بعض التراكيب التى تستوجب ذكر الحال ، أو تجعل شبه الجملة أو المفعول به أو غير ذلك واجب التلفظ به.

والفعل المتعدى يحتاج إلى مفعول به أو أكثر ، وهو ما يلاقى هذا الحدث الناتج من لفظ الفعل ، سواء أكان هذا المفعول به ملفوظا به ، أم مقدرا ذهنيا ، أم مقدرا سياقيا.

والفضلات المقصودة هنا هى المفعولات الخمسة : المفعول به ، المفعول المطلق ، والمفعول لأجله ، والمفعول معه ، والمفعول فيه بنوعيه الزمانى والمكانى.

٢٤٠