النحو العربي - ج ٢

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ٢

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٧١

ـ أن يكون ألف الاثنين ضميرا مبنيا فى محلّ رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر مقدم ، أما الاسم الظاهر (مبعد وحميم) فمبتدأ مؤخر مرفوع.

ـ أن يكون ما سبق ، ويكون الاسم الظاهر (مبعد وحميم) بدلا من الضمير الفاعل.

ـ أن يكون ما سبق ، ويكون الاسم الظاهر خبرا لمبتدإ محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف.

ـ أن يكون الألف حرفا مؤذنا أن الفعل لاثنين ، وليس بضمير ، كما تؤذن التاء الملحقة بالفعل أنه مسند لمؤنث.

ـ وقد ينصب الاسم الظاهر بعد الجملة الفعلية من الفعل والضمير ، ويكون نصبه على أنه مفعول به لفعل محذوف ملائم للمعنى ، نحو : أعنى ، أو غير ذلك.

والميل إلى الوجه الأول.

ومما ذكر من ذلك قول أمية :

يلوموننى فى اشتراء النخي

ل أهلى فكلّهمو ألوم (١)

الفعل المضارع (يلوم) ألحقت به (واو الجماعة) ، واكتمل بنيويا بوجود النون الدالة على الرفع مع ذكر الفاعل الاسم الظاهر (أهل).

__________________

(١) المساعد ١ ـ ٣٩٣ / شرح ابن عقيل رقم ١٤٣ / ضياء السالك رقم ٢٠٧ / الصبان على الأشمونى رقم ٣٥٩ / شرح التصريح ١ ـ ٢٧٦.

(يلوموننى) يلوم : فعل مضارع مرفوع ، والواو دلالة على جمع المذكر ، والنون للوقاية حرف مبنى.

وضمير المتكلم (الياء) مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (فى اشتراء) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. اشتراء : اسم مجرور بفى ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة باللوم. (النخيل) مضاف إلى اشتراء مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أهلى) أهل : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم. وهو مضاف ، وياء المتكلم مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (فكلهم) الفاء : حرف تعليل مبنى ، لا محل له من الإعراب.

كل : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (ألوم) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ.

١٨١

وقول أبى فراس :

نتج الربيع محاسنا

ألقحنها غرّ السحائب (١)

الفاعل (غر) اسم ظاهر مذكور بعد الفعل (ألقح) ، ومع ذلك فقد ألحق بالفعل (نون النسوة).

وقول الشاعر :

رأين الغوانى الشيب لاح بعارضى

فأعرضن عنى بالخدود النواضر (٢)

(الغوانى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل.

وقد ألحق بفعله (رأى) نون النسوة.

ويروى فى هذه الفكرة قول الشاعر :

نسيا حاتم وأوس لدن فا

ضت عطاياك يا ابن عبد العزيز (٣)

__________________

(١) شرح الشذور رقم ٨٢ ص ١٧٨ / أوضح المسالك رقم ٢٠٨.

(نتج) فعل ماض مبنى على الفتح. (الربيع) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (محاسنا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وصرف للضرورة. (ألقحنها) ألقح : فعل ماض مبنى. ونون النسوة دلالة على جمع الإناث. وضمير الغائبة (ها) مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (غر) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف و (السحائب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٢) شرح ابن الناظم ٢٢١ / المساعد ١ ـ ٣٩٣ / شرح ابن عقيل رقم ١٤٥ / شرح الشذور ٨٣ ، ١٧٩ / الصبان على الأشمونى رقم ٣٦٠.

(رأين) فعل ماض مبنى. والنون علامة جمع الإناث. (الغوانى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل. (الشيب) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (لاح) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل نصب ، حال. (بعارضى) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. عارض : اسم مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها مناسبة الكسرة لضمير المتكلم. وهو مضاف ، وضمير المتكلم (الياء) مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. وشبه الجملة متعلقة بلاح. (فأعرضن) الفاء : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. أعرض : فعل ماض مبنى على السكون. ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.

(عنى) عن : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلم مبنى فى محل جر بعن. وشبه الجملة متعلقة بالإعراض. (بالخدود) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الخدود : اسم مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالإعراض. (النواضر) نعت للخدود مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٣) ينظر : الصبان على الأشمونى رقم ٣٥٧.

١٨٢

الشاهد فى (نسيا حاتم وأوس) ، حيث ألحق ألف الاثنين بالفعل (نسى).

وفاعله ظاهر (حاتم وأوس).

وقوله :

نصروك قومى فاعتززت بنصرهم

ولو أنّهم خذلوك كنت ذليلا (١)

الشاهد فى (نصروك قومى) ، حيث ألحق بالفعل واو الجماعة ، وفاعله ظاهر (قومى).

__________________

(نسيا) نسى : فعل ماض مبنى على الفتح ، والألف علامة تثنية الفاعل. (حاتم) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وأوس) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. أوس : معطوف على حاتم مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (لدن) ظرف زمان مبنى على السكون فى محل نصب متعلق بالنسيان. (فاضت) فاض : فعل ماض مبنى على الفتح. والتاء : حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب.(عطاياك) عطايا : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. وهو مضاف ، وضمير المخاطب (الكاف) مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة.(يا ابن) يا : حرف نداء مبنى لا محل له من الإعراب. ابن : منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وهو مضاف و (عبد) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف. و (العزيز) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(١) ينظر : الصبان على الأشمونى رقم ٣٥٨.

(نصروك) فعل ماض مبنى. والواو علامة جمع مذكر تدل على الفاعل. وكاف المخاطب ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (قومى) قوم : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، وهو مضاف ، وضمير المتكلم مبنى ، فى محل جر مضاف إليه.

(فاعتززت) الفاء : حرف عطف مبنى ، لا محل له من الإعراب. اعتز : فعل ماض مبنى على السكون.

وضمير المخاطب (التاء) مبنى فى محل رفع ، فاعل. (بنصرهم) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. نصر : اسم مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة. وهو مضاف ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. وشبه الجملة متعلقة باعتز. (ولو) الواو : حرف استئناف مبنى ، لا محل له من الإعراب. لو : حرف شرط غير جازم يفيد الامتناع للامتناع مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب (أنهم) أن حرف توكيد ونصب ناسخ مبنى لا محل له من الإعراب ، وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، اسم أن. (خذلوك) خذل : فعل ماض مبنى على الضم. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وكاف المخاطب ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر أن. والمصدر المؤول فى محل رفع ، فاعل لفعل محذوف بعد لو ـ على حد رأى جمهور النحاة.

(كنت ذليلا) كان : فعل جواب الشرط ماض مبنى على السكون. وتاء المخاطب ضمير مبنى فى محل رفع ، اسم كان. ذليلا : خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والجملة لا محل لها من الإعراب جواب لو.

١٨٣

ومنهم من يجعل منه الحديث الشريف : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» (١) ، فعلى هذه الرواية تكون (ملائكة) فاعلا اسما ظاهرا ، وقد ألحق بفعله (يتعاقب) واو الجماعة ، وحمل على هذا قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء : ٣] ، وقوله تعالى : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) [المائدة : ٧١].

لكن هذا التركيب فى الآيتين يمكن أن يخرج على الأوجه الآتية :

أ ـ أن تكون الواو علامة جمع الفاعل. فيكون الاسم الظاهر (الذين ، وكثير) فاعلا.

ب ـ أن الواو فاعل ، والاسم بدل منه.

ج ـ أن الواو فاعل ، والاسم خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير : هم الذين ظلموا ، العمى والصم كثير منهم.

د ـ الجملة الفعلية (أسروا ، وعموا) فى محل رفع ، خبر مقدم ، والاسم (الذين ، وكثير) مبتدأ مؤخر.

__________________

(١) رواه مالك فى الموطأ. وقد ذكر أن مالكا ـ رحمه الله ـ اختصره من حديث مطول أصله : «إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» وعلى ذلك فإن هذا الحديث يخرج من هذه القضية ، ولا استشهاد فيه.

كما روى فى البخارى ٢ ـ ٣٣ / مسلم ١ ـ ٤٣٩.

١٨٤

الرتبة بين الفاعل والمفعول به

النمط المثالىّ لبناء الجملة الفعلية أن يذكر الفعل أولا ، ثم الفاعل ، ثم المفعول به ، وقد تختلف الرتبة بين هذه الأجزاء ، أو ذوات هذه الأسماء ، لكن هناك ضوابط لهذا الخلاف ، كما أن هناك مواضع وجوب ترتيب معين بين الفاعل والمفعول به ، يفسر فيما يأتى :

وجوب تقديم الفاعل على المفعول به :

يجب أن يتقدم الفاعل على المفعول به فى المواضع الآتية :

أ ـ إذا خيف اللبس بين الفاعل والمفعول به ، ولا قرينة تميز أحدهما من الآخر (١) ، حيث لا يؤدى المعنى إلى التمييز بين الاثنين ، كما لا يؤدى الجانب اللفظى إليه ، حيث يتعذر إظهار العلامة

الإعرابية ، أو يثقل ، أو أن يكون الاسم مبنيا ، حينئذ يتعين أن يكون المذكور أولا هو الفاعل ، وأن يكون المذكور ثانيا هو المفعول به ، ويبدو ذلك فى :

ـ الاسمين المقصورين ، نحو : فهم مصطفى عيسى ، (مصطفى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر ، (عيسى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.

ومنه : طالبت الكبرى الصغرى بما لها عليها. أكرمت سلمى سعدى. استضافت ليلى رضوى. أخبرت الحبلى السكرى.

ـ الاسمين الموصولين : نحو : حيّى الذى أتانا الذى عندنا. (الذى أتانا) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، فاعل ، (الذى عندنا) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. وتعين ذلك لأن الاسمين مبنيان ، فلا تظهر عليهما العلامة الإعرابية.

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٣ ـ ١١٧ / التسهيل ٧٨ / المقرب ١ ـ ٥٣ / شرح التصريح ١ ـ ٢٨١.

١٨٥

ومنه أن تقول : شارك الذين وقفوا الذين جلسوا. ذكّر من استمع من تحدّث.

ـ اسمى الإشارة : نحو : قدّر هذا هذا (١) ، (هذا) اسم الإشارة الأول مبنى فى محل رفع ، فاعل. (هذا) الثانى مبنى فى محل نصب ، مفعول به. ومنه : سمع هؤلاء هؤلاء ، احترمت هؤلاء الفتيات أولئك الزميلات.

ـ الاسمين المضافين إلى ضمير المتكلم ، نحو : قد عرف صديقى أخى. (صديق) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم. (أخ) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها الكسرة المناسبة لضمير المتكلم ، ووجب هذا التقدير من الإعراب لعدم ظهور العلامة الإعرابية المميزة. ومنه : قابل أبى أخى. ناقش أستاذى عمّى. قدّر زميلى صاحبى.

إن كان فى أىّ من الفعل أو المفعول قرينة لفظية أو معنوية تميز أحدهما من الآخر جاز التقديم والتأخير ، من تلك القرائن (٢) :

ـ ظهور العلامة الإعرابية فيهما أو فى أحدهما ، نحو : أكرم علىّ محمودا.

فاتح سمير مصطفى فى الموضوع. أخرج موسى أخاه من المنزل. ناقش أبى الصديقين. أفهم أخوه زملائى.

ـ ظهور العلامة الإعرابية فى التابع ، نحو : أكرم موسى الطويل مصطفى القصير. (الطويل) صفة لموسى مرفوعة مما يدل على أنه الفاعل. و (القصير) نعت لمصطفى منصوب بما يدل على أنه المفعول به.

نازل مرتضى القوىّ موسى. (القوى) نعت لمرتضى مرفوع ، فيدل على أن منعوته الفاعل.

أفهم عيسى مصطفى أخاه. (أخا) بدل من مصطفى منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة ، ويدل ذلك على أن المبدل منه منصوب ، فيكون المفعول به.

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٣ ـ ١١٨. شرح القمولى على الكافية (فتحية عطار) ٣٠٨.

(٢) ينظر : شرح الكافية لابن الحاجب ٢ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ٧٢ / شرح القمولى على الكافية ٣٠٨.

١٨٦

عالج الفتى والطبيب مصطفى. (الطبيب) معطوف على (الفتى) مرفوع ، فيدل على أن المعطوف عليه الفاعل.

قاتل موسى الفتى وأخاه ، خاصم شتا نفسه مصطفى. (نفس) توكيد لشتا مرفوع ، فيدل على أنه الفاعل.

ـ وجود علامة التأنيث فى الفعل أو خلوه منها ، فإذا كان أحدهما (الفاعل والمفعول به) مؤنثا ، وكان الفعل به علامة التأنيث ، كان التأنيث للفاعل ، نحو : شاهدت الكبرى الفتى. (الكبرى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر ، وتقول : شاهدت الفتى الكبرى. أسمعت مصطفى الصغرى.

وإذا خلا الفعل من علامة التأنيث كان المذكر هو الفاعل ، نحو : شاهد الفتى الكبرى ، شاهد الكبرى الفتى ، (الفتى) فى الموضعين فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.

ومنه : ضربت سلمى موسى ، وضرب موسى سلمى. وضربت موسى سلمى.

وضرب سلمى موسى.

ـ القرينة المعنوية ، نحو قولك : أكل مصطفى الكمثرى ، يجب أن يكون (مصطفى) فاعلا مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

ومنه : أكل الحلوى عيسى. أسرّت النجوى ليلى. صنعت الحلوى الحبلى.

ـ كيفية نطق الفعل مع الضمير المتصل الصالح للفاعلية والمفعولية ، وهو ضمير المتكلمين (نا) ، حيث يكون الفعل الماضى مبنيا على السكون إذا وقع ضمير المتكلمين فاعلا ، نحو : أكرمنا الفتى ، بسكون الميم ، فيكون الضمير (نا) مبنيا فى محل رفع ، فاعل ، ويكون (الفتى) مفعولا به منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.

ويكون الفعل الماضى مبنيا على الفتح إذا اتصل به ضمير المتكلمين ، وكان فى موقع المفعولية ، فتقول : أكرمنا الفتى بفتح الميم ، فيكون الضمير مبنيا فى محل

١٨٧

نصب مفعولا به ، ويكون (الفتى) فاعلا مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.

أما الفعل المضارع فإنه لا يسند إلى ضمير المتكلمين ، فإذا اتصل به فإنه يكون فى موقع المفعولية ، نحو : يفهمنا موسى الدرس. ضمير المتكلمين (نا) مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. (موسى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

ب ـ أن يحصر المفعول به بـ (إنما)

، حيث يتأخر المحصور عن المحصور عليه ، نحو : إنما قدر الأستاذ المجتهد. (الأستاذ) فاعل مرفوع ، ويجب أن يتقدم لإرادة حصر المفعول به (المجتهد).

واختلف النحاة فى المحصور بـ (إلا) ، فيوجب الجزولى وجماعة من المتأخرين تأخير المفعول به إذا حصر بـ (إلا) ، أما البصريون والكسائى والفراء وابن الأنبارى فقد أجازوا تقديمه فى هذه الحالة (١).

ومنه : ما فهم الطالب إلا الدرس الأول ، إنما علمت الخبرين : الأول والثانى. لم يشذب البستانى إلا ثلاث شجرات.

ج ـ أن يكون الفاعل ضميرا متصلا

، حينئذ يلزمه الاعتماد فى نطقه على كلمة أخرى فلا يكون إلا الفعل ، ويسبق الفاعل المفعول به وجوبا فى هذه الحالة ، سواء أكان المفعول به اسما ظاهرا ، نحو : أعددت كلّ شىء ، فهمنا ما تقول ، لقد استعدن ثقتهن. أم كان المفعول به ضميرا ، نحو : الدرس فهمته ، الفتيات احترمتهنّ ، المتحدثون ناقشناهم.

كلّ من : (تاء الفاعل ، ونا المتكلمين ، ونون النسوة) ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، أما (هاء الغائب والغائبات والغائبين) فهو ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به.

وتقول كذلك : أكرمته ، حدّثيهم بما تريدينه ، احصروها فى مواضعها ، عاتبتك لفعلك.

__________________

(١) شرح القمولى على الكافية (ت فتحية عطار) ٣٠٨.

١٨٨

كلّ من (تاء المتكلم ، وياء المخاطبة ، وياء المخاطبة ، وواو الجماعة ، وتاء المتكلم) ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، أما (هاء الغائب ، وهم ضمير الغائبين ، وهاء الغائب ، وها ضمير الغائبة ، وكاف المخاطب) فكلّ منها ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به. وتلحظ تقدم الفاعل ما دام ضميرا.

ومنه : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) [الإسراء : ١٠٥]. (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) [الشعراء : ١٧٠]. (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الفرقان : ٥٦]. (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) [الفرقان : ٤١].

وجوب تقديم المفعول به على الفاعل :

يجب أن يتقدم المفعول به على فاعله ، فيتوسط بينه وبين الفعل ، فى المواضع الآتية (١) :

أ ـ أن يحصر الفاعل ، والمحصور يجب أن يتأخر ، فيلزم تقدم المفعول به على الفاعل حينئذ ، ذلك فى قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ، لفظ الجلالة (الله) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (العلماء) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أريد حصر الفاعل ، فتأخر عن المفعول به.

ومنه أن تقول : إنما يتقن العمل المؤمن ، إنما يعرف إجابة هذا السؤال المجدّ.

ومنه : ما فهم هذه القضية النحوية إلا المنتبهون ، ما أعلمنا بهذا الخبر إلا محمد.

ولا يوجب الكسائى ذلك مع (إلا) (٢).

ومنه : ما أفهم محمدا إلا أنا ، ما قدر الأول إلا هو ، ما احترم هذا الرجل إلا أنت (٣).

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٣ ـ ١١٢ ، ٤ ـ ١٠٢ / التسهيل ٢٧ / شرح ابن عقيل ١ ـ ١٤٩ / شرح التصريح ١ ـ ٢٨٣.

(٢) التسهيل ٩٧.

(٣) يجوز أن يكون الفاعل ضميرا منفصلا فى مواضع ، منها :

١٨٩

وقد ذكر تقدم المفعول به لحصر الفاعل فى :

(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٧]. (تأويل) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. ولفظ الجلالة (الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٩]. (مكر) مفعول به مقدم منصوب ، و (القوم) فاعل مؤخر مرفوع.

ب ـ أن يتضمن الفاعل ضميرا يعود على المفعول به ، عندئذ يتقدم المفعول به حتى لا يعود الضمير على متأخر فى اللفظ والرتبة ، والتقدم هنا واجب عند الأخفش وابن جنى وابن الطوال وابن مالك ، ولا يوجبه كثير من النحاة ، ومنه قولك : ذاكر الدرس قارئه ، فهم المعلم طلبته ، حيث كلّ من (الدرس والمعلم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وقد تقدم لأن الفاعل (قارئ وطلبة) يتضمن ضميرا (هاء) الغائب فى الموضعين) ، يعود على المفعول به.

ومنه قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) [البقرة : ١٢٤].

(إبراهيم) مفعول به منصوب ، و (رب) فاعل مرفوع.

ومنه : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) [الأنعام : ١٥٨] ، وقولك : عاب الزوجة مطلقها ، حلّ المسألة قائلها.

__________________

ـ أ ـ أن يكون محصورا كما فى الأمثلة المذكورة ، ونحو : ما استضافهم إلا نحن.(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر : ٣١].

ب ـ أن يكون العامل مصدرا مضافا إلى المفعول به ، نحو : أعجبنى فهم الطلبة أنت ، يسرنى مكافأة المجدين هو.

ج ـ أن يكون الفاعل مرفوعا بصفة مشتقة جرت على غير من هى له ، كقولك : زيد هند ضاربها هو ، محمود المسألة مفهمها هو.

د ـ أن يكون الفاعل أحد الفاعلين المشكوك فيهما المذكورين بعد (إمّا) المكررة ، نحو : ما فهم هذه المسألة إما محمد ، وإما أنا. أكرمك إما هو ، وإما على.

ه ـ إذا دخلت اللام الفارقة على الفاعل ، ويكون الفعل مذكورا بعد (إن) النافية. مع تكرارها مع اللام الفارقة ، وقد ذكر الفاعل الصريح فى الجملة الأولى ، فتقول : إن أكرمك لزيد. وإن أهانك لهو ، إن أحبّك لمحمود ، وإن نافقك لهو.

١٩٠

وكذلك إذا اتصل الضمير بالفاعل والضمير يعود على ما أضيف إلى المفعول ، كقولك : احترم أبا محمد صديقه ، ضمير الغائب المضاف إلى الفاعل (صديق) يعود على محمد ، ومحمد مضاف إلى المفعول به (أبا) ، فيتأخر الفاعل لذلك.

ومنه : أكرم أخا محمد زميله ، استقبل أبا علىّ زوجه ، قدّر صديق محمود أخوه.

ج ـ أن يكون المفعول به ضميرا متصلا مع كون الفاعل اسما ظاهرا ، فيتقدم المفعول به كى ينطق معتمدا على الفعل ؛ لئلّا يراد به الإضافة إذا اعتمد على الفاعل فى النطق ، نحو قولك : أسعدك الله ، لم يعجبكم هذا العمل ، بلغنى الخبر ، كلّ من (كاف المخاطب وكاف المخاطبين وياء المتكلم) ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، أما لفظ الجلالة (الله) واسم الإشارة (هذا) و (الخبر) فكلّ منها فاعل ، وهى أسماء ظاهرة ؛ لذا تقدمت المفعولات الضمائر لتعتمد فى نطقها على الفعل.

ومنه. (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) [النساء : ١٢٠]. (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) [نوح : ٦]. (دعاء) فاعل مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم. وضمير الغائبين (هم) مبنى فى محل نصب ، مفعول به.

ومنه. (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) [الروم : ٩]. (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)(١) [لقمان : ٣٣].

__________________

(١) (لا) حرف نهى مبنى لا محل له من الإعراب. (تغرنكم) تغر : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة فى محل جزم. والنون الثقيلة : للتوكيد حرف مبنى لا محل له من الإعراب.

وضمير المخاطبين (كم) مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (الحياة) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(الدنيا) نعت للحياة مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر. (الواو) حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. (لا يغرنكم) كإعراب سابقه. (بالله) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الله : لفظ الجلالة اسم مجرور بالباء ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بيغر.

(الغرور) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

١٩١

(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة : ١١]. (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) [النحل : ١١٢]. (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١١].

(بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) [البقرة : ٨٨]. (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا) [المائدة : ٨٥].

د ـ أن يكون العامل مصدرا مقدرا بأن والفعل ، أو بأنّ ومعموليها مضافا إلى المفعول به ، حينئذ يجب تأخر الفاعل ، فتقول. يعجبنى إكرام الضيف محمود ، أى : أن يكرم محمود الضيف ، فيكون (الضيف) مضافا إلى (إكرام) مجرورا ، وعلامة جره الكسرة ، وهو فى محل نصب ، مفعول به ، (محمود) فاعل المصدر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

ومنه أن تقول : يسوءنى ضرب القوم بعضهم بعضا.

أعجبنى تقدير الأوائل أستاذهم ، أى. أن يقدر الأستاذ الأوائل.

ه ـ أن يكون العامل صفة مشتقة مضافة إلى المفعول به ، حينئذ يجب أن يتأخر فاعلها ، فتقول. هذا مكرم سمير أبوه ، أى : مكرم أبوه سميرا. حيث (مكرم) اسم فاعل مضاف إلى المفعول به (سمير). و (أبو) فاعل مكرم مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة.

وتقول : هذا شرّاب اللبن حالبه ، هو كاتب الدرس فاهمه.

و ـ يبدو أنه إذا كان الفاعل نكرة مع كون المفعول به معرفة فإن المفعول به يرجّح تقديمه ، نحو. لم يظهر الشكّ فى خبره إنسان ، لم يهمل الدرس طالب ، ويظهر فى المثلين معنى العموم والشمول ، وهو ما يفيد الحصر ، وإذا عدّ ذلك فإنها تكون حالة وجوب لتقديم المفعول به على الفاعل (١).

الرتبة بين الفعل والمفعول به :

ذكر النحاة مواضع لوجوب رتبة معينة بين المفعول به والفاعل ، تنحصر فى اتجاهين ، أولهما : وجوب تأخير المفعول به عن الفعل ، والآخر : وجوب تقديمه

__________________

(١) يرجع إلى : الجملة الخبرية فى نثر الجاحظ ، رسالة دكتوراه للمؤلف. آداب القاهرة ١٩٧٩ ، صفحة ٨٩.

١٩٢

عليه ، وخلاف هذه المواضع تكون حالة جواز تقديم أو تأخير ، ذلك على التفصيل الآتى :

وجوب تأخر المفعول به عن الفعل :

ذكر النحاة مواضع يجب أن يتأخر فيها المفعول به عن الفعل ، تنحصر فيما يأتى.

أ ـ أن يكون المفعول به ضميرا متصلا فى حالة أن يكون الفاعل اسما ظاهرا ، حيث يعتمد ـ حينئذ ـ فى نطقه على كلمة أخرى ، ولا بدّ أن تكون الفعل حتى لا يتحول إلى مضاف إليه حال اعتماده على اسم. ذلك نحو : أفهمنى المدرس ، ضمير المتكلم (الياء) مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، تلحظ أنه مذكور بعد فعله (أفهم).

ب ـ أن يكون المفعول به مصدرا مؤولا ، كقولك. قدرت أنك تساعدنى ، المصدر المؤول (أنك تساعدنى) فى محل نصب ، مفعول به ، ويجب أن يتأخر عن الفعل.

ومنه قولك : استطاع محمد أن يصل إلى ما يريد ، لقد فهم أنّك لن تستطيع أن توفّى المطلوب.

وقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ)(١) [البقرة : ٢٣٣]. (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) [الهمزة : ٣].

__________________

(١) (إن) حرف شرط جازم مبنى على السكون ، لا محل له من الإعراب. (أردتم) أراد : فعل الشرط ماض مبنى على السكون. وضمير المخاطبين مبنى فى محل رفع ، فاعل. (أن تسترضعوا) أن : حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. تسترضعوا : فعل مضارع منصوب بعد أن ، وعلامة نصبه حذف النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والمصدر المؤول فى محل نصب ، مفعول به.

(أولادكم) أولاد : مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف وضمير المخاطبين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (فلا) الفاء : واقعة فى جواب الشرط حرف رابط مبنى لا محل له من الإعراب. لا : نافية للجنس حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (جناح) اسم لا النافية للجنس مبنى فى محل نصب. (عليكم) على : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المخاطبين مبنى فى محل جر بعلى. وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر لا النافية للجنس. أو متعلقة بخبر لا المحذوف.

وجملة لا النافية مع معموليها فى محل جزم جواب الشرط.

١٩٣

ج ـ أن يكون المفعول به محصورا ، والمحصور يجب أن يتأخر ، نحو. إنما كتب علىّ الدرس ، ما كتب علىّ إلا الدرس ، (الدرس) فى الموضعين مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، ويجب تأخره لأنه محصور.

ومنه أن تقول : ما يحترم الناس إلا الملتزم. إنما طلب علىّ شرح القضية الأخيرة. هل يحبّ رئيس العمل إلا المتقنين أعمالهم؟

د ـ أن يكون الفعل جامدا ، أى. غير متصرف لا تتأتى منه أبنيته الثلاثة (الماضى والمضارع والأمر) ، والأفعال الجامدة فى هذا الباب فعل التعجب فى صيغة (ما أفعله) وعسى ؛ لأنهما اللذان يصلان إلى المفعول به ، فيتعديان إليه. نحو. ما أفضل التعاون على الخير! (التعاون) مفعول به منصوب ، ويجب أن يتأخر عن فعل التعجب الجامد (أفضل).

ومنه قولك. ما أحسن الصدق! ما أجدر الالتزام بالخلق الحسن!

والمتصرف من الأسماء العاملة عمل الفعل هى : اسم الفاعل ، وصيغ المبالغة ، واسم المفعول ، والمصدر الواقع موقع الفعل.

ه ـ أن يدخل على الفعل لام الابتداء ، حيث لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، فلا يقدم المفعول ـ حينئذ ـ على الفعل ، نحو : لأكافئ المجتهد ، لأحضر الكتاب.

و ـ أن يكون الفعل صلة لحرف مصدرىّ عامل ، كقولك ، يعجبنى أن تقول الصدق ، (الصدق) مفعول به منصوب ، وفعله العامل (تقول) وهو صلة للحرف المصدرى العامل (أن) ؛ لذا وجب تأخر المفعول به عن الفعل.

ومنه قولك : يسرّنى أن تقرضنى كتابك ، يغضبنى أن تهمل واجبك.

يجب عليك أن تتقن عملك. عليك أن تنال ما تصبو إليه شرعا.

فإن كان الحرف المصدرىّ حرفا غير عامل جاز تقديم المفعول به على العامل ، نحو. أنكرت ما تهمل واجبك ، وددت لو حزت الإعجاب ، حيث يجوز تقديم المفعول به ، ويذكر بعد الحرف المصدرى.

١٩٤

ز ـ أن يكون العامل اسما عاملا موصولا بالألف واللام ، كقولك. هذا الكاتب خطابا ، (خطابا) مفعول به منصوب لاسم الفاعل (الكاتب) ، وهو موصول بالألف واللام ، فوجب تأخير المفعول به.

ومنه : هو القائل خطبة. محمد المستبين أمرا. هذا الطفل هو الشرّاب لبنا ، والحائز حبا.

ح ـ أن يكون العامل اسما عاملا مجرورا بحرف جرّ غير زائد ، نحو : سررت من مجيب سؤالا. (سؤالا) مفعول به منصوب لاسم الفاعل (مجيب) ، ووجب تأخره ؛ لأن اسم الفاعل مجرور بحرف الجر غير الزائد (من).

ومنه أن تقول : استمعت إلى ملق خطبة. أعجبت بمحرز هدفا. أطالب بإتقانكم العمل ، وبإحسانكم القول.

ط ـ ألا يكون الفعل جوابا للقسم ، نحو : والله لألزمنّ أداء الواجب. حيث الفعل ألزم واقع فى صدر جملة جواب القسم ، فلا يجوز تقدم مفعوله عليه.

ومنه أن تقول : والله لأفهمنّ هذا الدرس ، لأحترمنّ الكبير ، ولأقدرنّ الصغير.

وجوب تقدم المفعول به على الفعل :

يذكر النحاة مواضع يجب فيها تقديم المفعول به على الفعل ، وهى (١).

أ ـ أن يكون المفعول به ضميرا منفصلا ، ويكون ذلك مع الضمير المنفصل (إياك) وما يتفرع منه (اثنى عشر ضميرا) ، كما فى قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : ٥]. (إياك) ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به مقدم. إذ لو تأخر الضمير المفعول به للزم اتصاله بالفعل ، فيكون. نعبدك ونستع ينك.

ومنه قولك : إياه عنى ، إياهم احترم ، إياى استقبل ، إياكن استضاف.

تنبيه :

الضمير المنفصل المنصوب إن كان اتصاله غير واجب لو تأخر عن عامله فإن تقديمه عليه غير واجب ، ويكون ذلك فى المفعولين اللذين ليس أصلهما المبتدأ

__________________

(١) ينظر : التسهيل ٨٤ / المقرب ١ ـ ٥٥.

١٩٥

والخبر ، كقولك : الكتاب إيّاه أعطيتك ، يجوز القول. الكتاب أعطيتكه ، والكتاب أعطيتك إيّاه.

ب ـ أن يكون المفعول به من الأس ماء التى لها حقّ الصدارة فى الجملة ، وحقّ الصدارة فى الجملة يكون لأداء دلالات معى نة ، هى :

ـ الاستفهام ، نحو : من تصدّق؟ (من) اسم استفهام مبنى على السكون فى محل نصب ، مفعول به.

ومنه : كم قرشا أنفقت؟ ما تفعل الآن؟ من كافأت اليوم؟

ـ الشرط : نحو. ما تفعلوا يعلمه الله. (ما) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل نصب ، مفعول به.

ومنه. من تصادق يكن محترما ، مهما تقل يكن بليغا. وقوله تعالى. (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(١) [الإسراء : ١١٠].

ـ الكثرة باستخدام (كم) الخبرية ، نحو : كم أموال أنفقت اليوم. (كم) خبرية مبنية على السكون فى محل نصب ، مفعول به.

ومنه : كم قلم اشتريت. كم أشجار زرعت حول الدار.

ـ ما قد يضاف إلى ما سبق ، وهو فى موقع المفعولية فإنه يجب أن يتقدم ، نحو : ابن من قابلت فى المطار؟ (ابن) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة مضاف ، و (من) اسم استفهام مبنى على السكون فى محل جر ، مضاف إليه.

__________________

(١) (أيّامّا) أى : اسم شرط جازم مفعول به مقدم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. والمضاف إليه محذوف ، والتقدير : أى الاسمين تدعوا. ما : حرف توكيد زائد مبنى لا محل له من الإعراب. (تدعوا) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.

(فله) الفاء : حرف واقع فى جواب الشرط مبنى ، لا محل له من الإعراب. اللام : حرف جر مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير الغائب مبنى فى محل جر باللام. وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (الأسماء) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل جزم ، جواب الشرط. (الحسنى) نعت للأسماء مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.

١٩٦

ومنه : غلام من تكرم أكرمه. (غلام) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، و (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل جر ، مضاف إليه.

ج ـ أن يكون المفعول به فاصلا بين (أما) وفاء الجزاء. يجب أن تذكر فاء الجزاء أو الجواب بعد (أمّا) التى فيها معنى الجزاء أو الشرط ، كما يجب أن يفصل بينهما بفاصل ، قد يكون هذا الفاصل المفعول به ، حينئذ يجب أن يسبق الفعل ، كما فى قوله تعالى. (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى : ٩ ، ١٠]. كلّ من (اليتيم والسائل) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو الفاصل بين (أما) وفاء الجزاء أو الجواب.

ومنه أن تقول : أما محمدا فقدّر الجميع لاجتهاده ، أما كتاب النحو فقد قرأت ، أما قضية الرتبة فقد فهمت.

ملحوظة :

إذا تقدم المفعول به على عامله جاز إدخال اللام عليه ، فتقول : للمجتهد كافأت ، لسعيد أكرمت ، والأصل : كافأت المجتهد ، كافأت سعيدا.

ويعلل لوجود اللام فى مثل هذا التركيب بأنه تقوية للعامل ، حيث إنه لما تقدم المعمول ضعف العامل فقوى باللام (١) ، كما يقوى العامل الفرعى (ما يعمل عمل الفعل) باللام ، كما فى قوله تعالى. (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧ ، البروج : ١٦].

ومن ذلك قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣].

جواز تقدم المفعول به على الفعل.

يجوز أن يتقدم المفعول به على فعله فيما عدا المواضع السابقة من مواضع وجوب التأخر أو التقدم ، فتقول :

__________________

(١) ينظر : المقتضب ٢ ـ ٣٦ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ٢ ـ ٨٥٨ / وانظر ١ ـ ٤٦٥.

١٩٧

فهمت الدرس ، الدرس فهمت. الضيوف أكرمت ، أكرمت الضيوف.

كلّ من (الدرس والضيوف) مفعول به منصوب ، جاءا مرة متقدمين ، و

أخرى متأخرين.

ويكون ذلك إن دخل على الفعل همزة الاستفهام ، أو أداة التحضيض ، أو لام جواب القسم ، أو لام التوكيد ، أو (إن) الشرطية ، إذا كان الفعل ماضيا لفظا أو معنى ، أو ما النافية ، ذلك نحو : أشيئا فهمت؟ أموضوعا قرأت؟

هلّا درسا ذاكرت ، ألا حجرة نظفت.

والله لنافذة أفتح ، والله لمجتهدا أكافئ.

إنّ محمدا لعليا مستقبل ، إنّ محمودا لدرسا شارح.

إن واجبا أدّيت أقدرك ، إن درسا لم تفهم أشرحه لك.

ما حقّا أهملنا ، ما فقيرا تركنا بيننا.

الرتبة فى المفعولات :

إذا اجتمع عدة مفعولات لفعل واحد فإن أحدها تكون له أصالة التقديم بكونه :

١ ـ متلقّى الإنباء أو الإعلام : وذلك مع الأفعال التى تتعدى إلى ثلاثة ، نحو : أعلمت محمدا الحجرة مغلقة ، (محمد) متلقى الإعلام ، فله حق التقديم على المفعولين الآخرين. ولا يجوز تأخره ، فتقدمه واجب.

ومنه : أخبر المرسل الموجودين الحفل قد ابتدأ. أنبأت الأستاذ الطلبة كلّهم حاضرين.

٢ ـ مبتدأ فى الأصل ، وهذا مع الأفعال التى تتعدى إلى اثنين ، أصلهما المبتدأ والخبر ، حيث حقّ المبتدإ أن يتقدم على الخبر فى الأصل ، من ذلك قوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) [الكهف : ١٨]. ضمير الغائبين (هم) يكون مفعولا أول ، وله حقّ التقديم ؛ لأنه المبتدأ ، إذ أصل المفعولين جملة اسمية. (هم أيقاظ).

١٩٨

ومثله : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) [الإسراء : ١٠١] ، وقولك. إخال الأمر يسيرا. حسبت محمدا موجودا.

٣ ـ فاعلا فى المعنى ، ويكون ذلك مع الأفعال التى تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، نحو قوله تعالى : (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) [المؤمنون. ١٤] ، (العظام) مكسوّ فهو الآخذ ، أى. الفاعل فى المعنى ؛ لذا استحق أصالة التقديم.

ولتلحظ ذلك فى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر : ١] ، منحنا الأوائل جوائز ، ألبسنا الفائزين أوشحة.

٤ ـ يجمع النحاة على تقديم المفعول المسرح أو غير المقيد بحرف جر على المفعول غير المسرح أو المقيد بحرف جر ، وإن كانوا يجيزون ذلك (١) ، فقد لحظت ما يأتى (٢) :

أ ـ إذا كان المفعول به المسرح ضميرا فإن تقديمه على المجرور ضرورة ؛ ذلك لأن الضمير يجب أن يعتمد فى نطقه على كلمة أخرى وهى الفعل ؛ لذا وجب التقدم ، أما المجرور فهو معتمد على حرف الجر فى النطق ، نحو : نبّهك صديقك إلى عيب قد أغفلته. أتوه بما أرادوه ، أعلمتك بما لا تعلم.

ب ـ إذا كان المفعول به المسرح معرفة غير الضمير وكان المجرور معرفة فأيّهما قدمت أو أخرت فجائز ، ذلك لعدم الالتباس ، وعدم حاجة المفعول المسرح إلى اعتماد فى النطق. ذلك نحو. أتم نعمته عليك ، أتم عليك نعمته ، استعمل منهم الولاة والحكام ، ويجوز. استعمل الولاة والحكام منهم.

ج ـ إذا كان المفعول به المسرح نكرة أو اسما موصولا فإن المجرور يرجح تقديمه عليه ، ذلك حتى لا يحدث التباس بين كون شبه الجملة متعلقة بالفعل ، أى : أنها فى موقع المفعول به ، وكونها صفة للنكرة ، أو من مكونات جملة الصلة.

ذلك نحو : كتبنا لك أحاديث كثيرة. تذكّرت فيه ما تمنّته ، جعلوا فى سيرته العطرة ندوات ، بلغت لك ما لم يبلغه أب بارّ ولا أمّ رءوم.

__________________

(١) ينظر : التسهيل ٨٤ / شرح التصريح ١ ـ ٣٠٤ / همع الهوامع ١ ـ ١٦٨.

(٢) يرجع إلى : الجملة الخبرية فى نثر الجاحظ ، رسالة دكتوراه للمؤلف ٥٠٦.

١٩٩

وجوب تقديم المفعول به الأول :

يكون تقديم المفعول به الأول (المبتدإ فى الأصل أو الفاعل فى المعنى) واجبا فى المواضع الآتية (١) :

أ ـ كما ذكرنا سابقا ، إذا كان المفعول به الأول من ثلاثة مفاعيل هو متلقى الإنباء أو الإخبار.

ب ـ إذا كان المفعولان علمين وخيف اللبس بينهما ، فلم يعرف أيهما الفاعل فى المعنى أو المبتدأ فى الأصل ، كقولك : أعطيت عليا محمودا ، ظننت سعيدا عليّا. حيث يجوز فى كلّ من المفعولين فى الأول أن يكون فاعلا ، وفى الثانى يجوز أن يكون كلّ منهما مبتدأ ؛ لذا وجب أن يعدّ المذكور أولا مفعولا به أول.

ويكون ذلك مع الاسمين الموصولين ، والمقصورين ، واسمى الإشارة ، والمضافين إلى ضمير المتكلم ، نحو : أعطيت الذى أقبل إلينا الذى كان عندنا. منحت هذا ذاك. أعطيت مصطفى عيسى. ظننت صديقى أخى.

ج ـ إذا أريد حصر المفعول الثانى ؛ لأن المحصور يكون ثانيا ؛ لذا يجب أن يتقدم المفعول الأول ، نحو : ما منحت الفقير إلا جنيها. إنما ظننت الأمر يسيرا.

د ـ أن يكون المفعول الأول ضميرا متصلا ، سواء أكان الثانى اسما ظاهرا أم كان ضميرا ، حينئذ يلزم اعتماد الضمير في النطق على كلمة ما ، وهى الفعل ، نحو : لقد أعطوك جائزة ، كما أنهم منحوه شهادة تقدير.

ومنه محمد ظننته فاهما المسألة. لقد خلته حاضرا ، القضية حسبتها يسيرة ، فلم أعطها حقّها من التفكير.

فإن كان المفعولان ضميرين متصلين فإنهما يجب أن يعتمدا فى النطق على غيرهما من الفعل ، عندئذ يجب أن يتقدم المفعول الأول الذى هو فاعل فى المعنى ، أو مبتدأ فى الأصل.

نحو قولك : الجائزة منحتكها. الصدقة أعطاكها الغنىّ.

__________________

(١) ينظر : التسهيل ٨٤ / الجامع الصغير ٩٠ / شرح التصريح ١ ـ ٣١٣.

٢٠٠