النحو العربي - ج ١

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ١

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٦٣

حيث الجملة الاسمية (ونجم قد أضاء) فى محلّ نصب ، حال ، وهى مصدرة بواو الحال ، فجاز أن يبتدأ فيها بالنكرة (نجم).

التاسع والعشرون : أن يكون المبتدأ (مذ ومنذ):

من ذلك قولك : ما رأيته مذ يوم الجمعة ، والتقدير : أو المدة يوم الجمعة ، فتكون (مذ) اسما مبنيا فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره (يوم) عند كثير من النحاة.

الثلاثون : أن تعتمد النكرة على لام الابتداء :

إذا وقعت النكرة بعد لام الابتداء جاز أن تكون مبتدأ ، نحو قولك : لرجل موجود ، لامرأة حضرت. حيث اللام لام الابتداء حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب ، وكلّ من (رجل ، وامرأة) مبتدأ مرفوع ، والخبر كلّ من (موجود ، والجملة الفعلية : حضرت).

الحادى والثلاثون : أن تعطف النكرة على ما يسوع الابتداء به :

يجوز أن تكون النكرة مبتدأ إذا عطفت على ما يسوغ الابتداء به من نحو : العطف على المعرفة ، كقولك : محمد ورجل أتانا. حيث (محمد) مبتدأ مرفوع ، وهو معرفة ، وقد عطف عليه النكرة (رجل) وهو نكرة ، فجاز أن تكون النكرة مبتدأ ـ حينئذ ـ فكلّ من المعطوف والمعطوف عليه مشترك مع الآخر فى الابتدائية.

العطف على ما يسوغ الابتداء به مما سبق ، نحو قوله ـ تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً)(١) [البقرة : ٢٦٣] ، حيث النكرة (مغفرة) معطوفة على النكرة الموصوفة المبتدإ (قول) ، فجاز أن تشاركها فى الابتدائية.

__________________

جر مضاف إليه. والجملة الفعلية فى محل جر مضاف إلى مذ. ومنهم من يجعل (مذ) مبنيا على السكون فى محل رفع مبتدإ ، خبره محذوف تقديره : زمان مضاف إلى الجملة الفعلية. (أخفى) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر منع من ظهورها التعذر. (ضوؤه) ضوء فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر مضاف إليه. (كل) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

وهو مضاف. و (شارق) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.

(١) (قول) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (معروف) صفة لقول مرفوعة وعلامة رفعها الضمة. (ومغفرة) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. مغفرة : معطوف على قول مرفوع وعلامة رفعه

٦١

وقوله ـ تعالى : (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [آل عمران : ١٥٧].

حيث (رحمة) نكرة معطوفة على نكرة موصوفة يسوغ الابتداء بها ، فجازت أن تكون مبتدأ ؛ لأن المعطوف على المبتدإ بمثابة المبتدإ.

الثانى والثلاثون : أن يعطف على النكرة ما يسوغ الابتداء به :

يجوز أن تقع النكرة فى موضع الابتداء إذا عطف عليها ما يسوغ الابتداء به ، فهذا الموضع وسابقه متكاملان ، وذلك أن تقول : صديق وأخى حضرا إلينا. حيث (صديق) نكرة مبتدأ مرفوع ، وجاز أن يبتدأ بها لأنه عطف عليها ما سوغ الابتداء به ، وهو (أخ) المضاف إلى المعرفة.

ومثله أن تقول : رجل وابنه زرتهما ، أستاذ وطلبته تناقشوا سويا.

ملحوظة عامة ترى أن المواضع التى يجوز أن يبتدأ فيها بنكرة تتردد بين : ـ كون النكرة مخصصة محددة قريبة من المعرفة بوسيلة من وسائل التخصيص والتحديد والتقييد.

ـ كون النكرة تدلّ على عموم وشمول فتلمس فيها معنى الحصر ، والحصر يكاد يكون تعريفا لأنه لا يترك فردا أو جزءا مما يقع تحت النكرة العامة أو الشاملة.

ـ كون النكرة واجبا فيها التنكير لأداء الوظيفة الدلالية المقصودة منها فى التركيب ، كالاستفهام والشرط.

ـ كون النكرة فى موضع أو معنى لا يحتاج إلى تعريف أو تنكير لأنه مرتبط بمعنى آخر ، أو أن المعنيين ـ الذى فيه النكرة والآخر المرتبط به ـ أحدهما عاقبة للآخر ، أو جواب وجزاء له ، فالسمة الخالصة لهذه المجموعة هو ارتباط معنيين ببعضهما والنكرة المبتدأ بها أحدهما.

ـ كون النكرة معطوفا عليها ما يسوغ الابتداء به ، أو معطوفة على ما يجوز أن يكون مبتدأ من معرفة أو نكرة مختصة أو عامة.

__________________

الضمة. (خير) خبر المبتدإ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (من صدقة) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. صدقة : اسم مجرور بعد من وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالخيرية. (يتبعها) يتبع :فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب مفعول به. (أذى) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر. والجملة الفعلية فى محل جر نعت لصدقة.

٦٢

الخبر

ذكرنا أن الجملة الاسمية إنما تنشأ من أجل نقل معنى الخبر وإبلاغه ، ولا فائدة فى ذكر اسم يعرفه المخاطب إذا لم يخبر عنه بشىء ، ومعنى الخبر هو الطرف المجهول لدى المتلقّى ، وهو محطّ الإخبار ؛ لذا نجد أنه إذا كان معلوما لدى المستمع أو المتلقّى فإنّ تجاوبه للمتحدّث سيكون معدوما ، وربما كان تفاعله بمعنى علمه به ، ونلمس ذلك فى معاملاتنا اللغوية اليومية.

وقد تناول النحاة تعريفات متعددة للخبر ، وإن اختلفت فى لفظها ؛ فإنها تتفق فى فهمهم للخبر ، يمثلها الحدّ الآتى : الخبر هو الجزء الذى حصلت به أو بمتعلقه الفائدة التامة مع مبتدإ غير الوصف المذكور (١).

فالخبر هو المعنى الذى تتمّ به الفائدة من الحديث بالمبتدإ ، وهو المعنى المراد الإخبار به عنه ، ولذا فإن التصديق والتكذيب للمعنى يقعان فى معنى الخبر (٢).

فلو قيل : (محمد مجتهد) لكان التصديق والتكذيب فى الاجتهاد الذى أخبر به عن محمد ، وليس فى محمد ذاته ، وقد يشكّ فى محمد ذاته ، كأن يقال : لا ؛ بل محمود هو المجتهد ، فتكون ـ حينئذ ـ قد أضربت عن معنى الجملة كلّها ، وتكون قد أخبرت بجملة جديدة ، وإن كان فيها معنى الاجتهاد ، وتكون (لا) لنفى علاقة الخبر فى الجملة الأولى بالمبتدإ فيها.

فإذا كان النفى حين يقال : ليس محمد مجتهدا ؛ فإنه يقع على الاجتهاد ، وهو معنى الخبر ، وليس النفى واقعا على محمد ، وهو المبتدأ ، مما يدلّ على أن معنى التصديق والتكذيب يكونان للخبر وعلاقته بالمبتدإ ، أو للحكم الذى يحكم به على المبتدإ المتمثل فى معنى الخبر ، وليس للمبتدإ.

__________________

(١) شرح التصريح على التوضيح ١ ـ ١٥٩.

(٢) شرح ابن يعيش ١ ـ ٨٧.

٦٣

ويمكن إدراك ذلك إذا استحضرنا فكرة أن معنى الخبر يمكن أن يتغير إلى معان عديدة بالنسبة لمبتدإ واحد تبعا لفهم كلّ من المتحدث والمخاطب ؛ لكنه العلاقة بين المبتدإ ومعنى من المعانى يفهمه كلّ منهما ، حيث يمكن القول ردّا على الجملة (محمد مجتهد) : لا ؛ بل هو مهمل ، أو نشيط ، أو غافل ، أو غير ذلك من المعانى والأحكام التى تصدق عليه فى نظره ؛ أما المبتدأ فإنه يلزم الثبات فى الجملة الاسمية ؛ لأنه المقصود بمساحة الحكم ـ إن صحّ التعبير ـ أو الإخبار عنه ، أو المحكوم عليه ، وهو ما جعله سيبويه المسند إليه ، لكنه لا بدّ أن يفهم أن المبتدأ إنما هو أساس للجملة الاسمية ، يبنى عليه الخبر أو الإخبار أو الاستخبار ، فهو العلاقة المعلومة فى الحديث بين طرفين : المتحدث والمستمع ، والتى يبنى عليها المقصود من إنشاء الجملة الاسمية. وهو الخبر ، ولذلك فإنك تلحظ أن الخبر يتضمن المبتدأ لفظيا ومعنويا.

وعلينا أن نقرر أن الخبر يجب أن يفيد معنى مجهولا مفيدا لدى المتلقى ، وإلا فلا يصحّ إنشاء الجملة الاسمية ، فقولنا : الثلج بارد ، والنار حارّة ، والسماء فوقنا ، والأرض تحتنا ، وثلث الثلاثة بعضها ، لا يصحّ لأنه لا يحصل به فائدة (١).

صور الخبر

نذكّر بأن الخبر هو الذى يتمم معنى المبتدإ ، أى : إن مجموع معنى المبتدإ ومعنى الخبر يعطى المعنى المقصود من الجملة الاسمية.

وإنما أنشئت الجملة الاسمية من أجل توصيل معنى الخبر إلى المستمع أو القارئ ، ويجب أن يكون هناك توافق وتلاؤم فى المعنى بين المبتدإ والخبر ، فليس كلّ ما يصلح أن يكون خبرا يصلح للإخبار به عن أىّ مبتدإ ، وإنما يلزم التواؤم المعنوىّ والتوافق اللفظىّ بينهما ؛ حتى يصحّ مبنى الجملة الاسمية ، ويتضح المقصود من إنشائها بين طرفى الحديث ، وندرس صور الخبر من جانبين : المعنوى ، والبنيوى ، ذلك على التفصيل الآتى :

__________________

(١) ينظر فى ذلك : شرح القمولى على الكافية. تحقيق فتحية عطار ٤١٩.

٦٤

أنواع الخبر معنويا

يذكر سيبويه : «واعلم أن المبتدأ لا بدّ له أن يكون المبنىّ عليه شيئا هو هو ، أو يكون فى مكان أو زمان ، وهذه الثلاثة يذكر كلّ واحد منها بعد ما يبتدأ» (١) ، ومنه يمكن حصر أنواع الخبر من حيث علاقته المعنوية بالمبتدإ ـ حيث يهمل النحاة هذا الجانب ـ فى ثلاثة أقسام :

أولا : يكون الخبر وصفا للمبتدإ :

وهو المقصود من قول سيبويه : «أن يكون المبنىّ عليه شيئا هو هو». وذلك عند ما يكون الخبر اسما أو جملة ؛ لأنك تجد أن المبتدأ يتكرر فى الخبر ، حيث يتضمنه لفظيا ، كأن يقال : الشابّ عالم بحدود الله ، (الشابّ) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، خبره الاسم الصفة المشتقة (عالم) ، وتجد أن الخبر يتضمن المبتدأ لفظا ، فالعالم هو أى : الشاب ، وتستطيع أن تقول : العالم بحدود الله هو الشابّ. فجاز تفسير كلّ من المبتدإ والخبر بالآخر.

ومنه أن تقول : محمد يجتهد ، حيث الخبر هو الجملة الفعلية (يجتهد) ، وفاعلها ضمير مستتر تقديره : (هو) يعود على المبتدإ ، فاستوعب الخبر المبتدأ لفظيّا.

ويذكر ابن الحاجب أنه : «لا فرق فى المعنى بين الصفات والأخبار ، وإنما يفترقان من جهة علم المخاطب وجهله ، فسمى الحكم باعتبار جهل المخاطب له خبرا ، وسمى باعتبار علمه له صفة (٢).

ملحوظة :

وإذا قلت : هو كالأسد ، فكأنك قلت : هو شبيه الأسد ، أو : هو شجاع ، فيصبح الخبر وصفا للمبتدإ.

ومثله القول : الخبر بمثابة الصفة ، أى : هو الصفة ، أو : شبيه الصفة ، فيكون الخبر وصفا للمبتدإ.

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ١٢٧.

(٢) الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ٣٥٨.

٦٥

ولتتأمّل لتلحظ كون الخبر صفة فى المعنى للمبتدإ : (وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة : ٨٥].

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [المائدة : ٨٦].

(أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) [المائدة : ٨٨].

(وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) [المائدة : ٨٠].

(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران : ١٠٤].

(وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران : ١١٤].

ثانيا : أن يكون الخبر مكانا للمبتدإ :

وذلك أن يكون الخبر شبه جملة دالة على مكان المبتدإ ، نحو : الأستاذ بين طلبته ، القطّ تحت المائدة ، البحر خلفنا ، والحقول أمامنا ، الأخبار فى الجمل السابقة هى أشباه الجمل : بين ، تحت ، خلف ، أمام ، وكلّها دالة على أماكن مبتدآتها.

وتقول مخبرا عن مكان المبتدإ : فيهم الرجال والنساء ، المنضدة فى وسط الحجرة.

ومنه قوله ـ تعالى : (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) [النور : ٤٠].

(وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل : ٧٦].

ومن دلالة الخبر على مكان المبتدإ أن يكون مصدره الذى يأتى منه ، كأن تقول : الماء من النيل ، الأمطار من السحاب.

ومما يمكن أن يكون مكانا للمبتدإ أن يدلّ الخبر على استحقاق وملكية مع ذكر المستحقّ أو المالك ، كما فى قوله تعالى : (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) [المائدة : ٩٤] ، حيث شبه الجملة (له) خبر مقدم للمبتدإ المؤخر (عذاب) ، والخبر يدل على استحقاق وملكية بواسطة اللام ، مع ذكر المستحقّ أو المتملك ، وهو ضمير الغائب ، وفيه معنى المكان ، حيث الضمير مكان العذاب ، ومثله : (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران : ١٧٩].

٦٦

وكذلك إذا كان الخبر دالا على تكليف معنوىّ مع ذكر المكلّف ، بواسطة حرف الجرّ (على) ، كما هو فى قوله تعالى : (عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [المائدة : ٩٢] ، حيث المبتدأ (البلاغ) مكلف به (رسول) بواسطة حرف الجرّ (على) ، وشبه الجملة (على رسول) هى الخبر ، وتستطيع أن تفهم أن البلاغ مكانه الرسول.

ومثله قوله تعالى : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) [المائدة : ٩٩].

ويخبر بالمكان عن اسم الذات واسم المعنى.

ويحترز فى ذلك من احتمال كون الخبر دالا على مكان ، ولا يعتبر مكانا للمبتدإ ؛ ذلك لأن المبتدأ ـ حينئذ ـ يكون اسم مكان ، فيخبر بالمكان عن المكان فيكون الخبر صفة للمبتدإ ، أو هو هو ، كأن تقول : الغناء مكان اللعب ، والمدرج مكان إلقاء المحاضرات ، والطوار مكان السائرين على الأقدام ، أما الشارع فهو مكان السيارات.

ثالثا : أن يكون الخبر زمانا للمبتدإ :

وذلك بأن يكون الخبر شبه جملة دالة على زمان المبتدإ ، حيث يتحمله مدلوله ، كأن تقول : الاجتماع بعد الظهر ، المقابلة مساء ... إلخ.

فيكون المبتدأ ـ حينئذ ـ اسم معنى لا غير. ويخبر بالزمان عن اسم الهيئة فقط ، ولا يخبر به عن اسم الذات ، ويعلل لذلك فى موضعه.

ويحترز فى ذلك من احتمال كون الخبر دالّا على زمان ، ولا يعتبر زمانا

للمبتدإ ؛ ذلك لأن المبتدأ يكون ـ حينئذ ـ اسم زمان فيخبر بالزمان عن الزمان ، فيكون الخبر صفة للمبتدإ ، أو هو هو. كأن تقول : يوم الخميس يوم سفرنا ، رمضان شهر الصيام ، وذو الحجة شهر الحج.

ملحوظة :

قد تكون العلاقة المعنوية بين المبتدإ والخبر غير الوصفية والزمانية والمكانية ، ويكون ذلك فى بعض تراكيب الخبر شبه الجملة ، كأن تقول : الكتابة بالقلم ، والذى يحدد هذه العلاقة حرف الجرّ الباء ، حيث يفيد معنى الوسيلة ، أو الواسطة ، أو الأداة.

٦٧

وأرى أن هذه الفكرة (العلاقة الدلالية بين الخبر والمبتدإ) فى حاجة إلى دراسة علمية من واقع النصوص.

مبنى الخبر

يقصد بهذا الجانب من الدراسة بنية الخبر من حيث منطوقه اللفظى ، وقد اهتم النحاة بهذا الجانب ، وهم يتفقون على أن الخبر يتنوع فى لفظه إلى قسمين ، هما : المفرد ، والجملة.

أما الخبر المفرد فهم يقصدون به ما ليس بجملة ، فهو يشمل المثنى والجمع ، وتلحظ معى أن هذا المصطلح فيه التباس بين المفرد عددا فى الإعراب ، والمفرد تركيبا فى باب النداء ولا النافية للجنس ، وهو ما ليس بمضاف ولا شبيه بالمضاف ، فهو ليس بجامع ولا مانع ، ويمكن العدول عن هذا المصطلح إلى مصطلح (الاسم) ، أى : الخبر الاسم ، والاسم قسم من أقسام الكلمة ، وهو كذلك فى صورته البنائية إذا وقع خبرا ، حيث يكون اسما فى أية صورة من صور الاسم البنيوية.

وهذا البناء من أبنية الخبر يخبر به بذاته عن المبتدإ غير ما يكون فى قسميه من أنواع الكلمة ، لذا فإنه يصلح أن يكون نوعا خاصا من أنواع الخبر.

وأما الخبر الجملة فإنه يتنوع بتنوع الجملة ، حيث يقسّمونها إلى ظرفية وغير ظرفية ، وقبل ذلك جعل الزمخشرىّ جملة الخبر أربعة أضرب ، وهى : الفعلية والاسمية والشرطية والظرفية (١) ، ويقصد بالظرفية الظرف ، والجار والمجرور.

ويجب أن نتنبّه إلى أن النحاة جمهورهم يقدرون محذوفا إذا كان الخبر شبه جملة ، ويكون عند بعضهم جملة فعلية ، وعند بعضهم الآخر اسما ، وتقديرهم لهذا المحذوف لا بدّ أنه ألجأ بعضهم إلى إلحاقها بالخبر المفرد (الاسم) ، وألجأ بعضهم الآخر إلى إلحاقها بالخبر الجملة ؛ تبعا لنوع المقدر أو المحذوف فى تقديرهم (٢). ويجعلها بعضهم شبه جملة (٣).

__________________

(١) المفصل ٢٤.

(٢) ينظر : حاشية ليس على شرح التصريح ١ ـ ١٦٠.

(٣) مغنى اللبيب ٢ ـ ٦٨ ، ٦٩ / همع الهوامع ١ ـ ٩٥.

٦٨

ويذكر ابن مالك : «ولا يمتنع كونها طلبية خلافا لابن الأنبارى وبعض الكوفيين ، ولا قسمية خلافا لثعلب» (١).

ولكنه يمكن أن نقسم الخبر من حيث اللفظ إلى ثلاثة أقسام محدودة ، تنحصر فى الخبر الاسم ، والخبر الجملة ، والخبر شبه الجملة ، ذلك على التفصيل الآتى :

أولا : الخبر الاسم :

يقصد به الخبر الذى ليس بجملة ولا بشبه جملة ، ويأتى على ضربين تبعا لنوع الاسم الذى يبنى منه الخبر ، حيث يكون :

أ ـ اسما مشتقّا :

وهو اسم الفاعل ، واسم المفعول ، وصيغ المبالغة ، والصفة المشبهة باسم الفاعل ، واسم التفضيل ، واسم الزمان ، واسم المكان ، وما يشبه المشتقات من المنسوب ، و (ذى) بمعنى (صاحب) ومشتقاته ، ومثال ذلك من الخبر : هو فاهم درسه. محمود مكافأ.

الفتاة مصداقة. أحمد حسن خلقه.

محمد أصدق فى حديثه. القرن العشرون مستخرج البترول.

الصحراء مستقبل الزراعة. هذه الجملة اسمية.

أبوه ذو علم وفير. أنتم أولو خلق كريم.

الجمل السابقة اسمية ، المبتدآت فيها هى على الترتيب : (هو ، محمود ، الفتاة ، أحمد ، محمد ، القرن ، الصحراء ، هذه ، أبو) ، أما الأخبار فهى على الترتيب : اسم الفاعل (فاهم) ، اسم المفعول (مكافأ) ، صيغة المبالغة (مصداقة) ، الصفة المشبهة (حسن) ، اسم التفضيل (أصدق) ، اسم الزمان (مستخرج) ، اسم المكان (مستقبل) ، الاسم المنسوب (اسمية) ، (ذو) بمعنى صاحب ، (أولو) بمعنى أصحاب.

__________________

(١) التسهيل : ٤٨.

٦٩

ويرى النحاة أن فى كلّ مشتقّ ضميرا يعود على المبتدإ ، ويكون الضمير فاعلا أو نائب فاعل للمشتقّ الخبر ، وقد يحتسب مع الصفة المشبهة باسم الفاعل مفعولا به فيكون تجوزا ، وقد يحتسب فاعلا فيكون قبحا.

والملحوظ أن معنى الخبر فى هذا القسم صفة للمبتدإ ، أو هو المبتدأ نفسه فى المعنى.

الخبر السببى :

قد يكون الإخبار عن المبتدإ سببيا ، أى : يخبر عنه بصفة مشتقة تصف جزاء منه أو ما يتعلق به ، وهذا التركيب يتماثل في الخبر والنعت والحال ، ويجب أن يذكر بعدها معمولها متضمنا ضميرا يعود على المبتدإ.

ولك فى الاستخدام التركيبى والإعرابى للخبر السببى ثلاثة استخدامات ، يحكمها العدد فى كلّ من الصفة ومعمولها ، ذلك على النحو الآتى :

أولا : أن تتطابق الصفة مع موصوفها فى العدد ، أو ما يشبه المطابقة فى العدد :

من ذلك أن تقول : محمد حسن خطّه ، وفيه يجوز أن تضع الصفة قبل معمولها أو بعدها ؛ لذلك فإنه يجوز فيه وجهان إعرابيان :

أ ـ أن يكون (محمد) مبتدأ مرفوعا ، ويكون (حسن) خبرا مقدما للمبتدإ الثانى (خط) ، والجملة الاسمية (حسن خطه) أى (خطه حسن) فى محل رفع ، خبر المبتدإ الأول (محمد).

ب ـ أن يكون (حسن) مبتدأ أو خبرا مقدما ، و (خط) فاعل له سدّ مسدّ الخبر ، أو المبتدإ المؤخر ، وتكون الجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر المبتدإ الأول (محمد). أنبه إلى أن جواز احتساب فاعل الصفة المشبهة السادّ مسدّ المبتدإ أو الخبر جائز ؛ لاعتماد الصفة على مبتدإ سابق عليها.

ومن أمثلة ما يشبه المطابقة فى العدد قولك : محمد كريمة أخلاقه ، الصفة (كريمة) مفردة ، ومعمولها (أخلاق) جمع ، لكنه جمع تكسير غير عاقل ، فيعامل معاملة المفردة ، لذا فإن لك فى هذا التركيب الوجهين الإعرابيين السابقين ، هما :

أ ـ أن تكون خبرا مقدما للمبتدإ الثانى (أخلاق) ، والجملة الاسمية (كريمة أخلاقه) فى محل رفع ، خبر المبتدإ الأول (محمد).

٧٠

ب ـ أن تكون (كريمة) مبتدأ أو خبرا مقدما ، و (خلق) فاعل له سدّ مسدّ الخبر أو المبتدإ المؤخر ، والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر المبتدإ (محمد).

ومن أمثلة هذا النوع من الإخبار : الحاضرون سديدة آراؤهم. النساء واسعة مسئولياتهن.

الطالبان مرتفعة درجاتهما.

وفى هذا النوع من الخبر نجده أنه يكون مفردا دائما نكرة ، ولكنه يتطابق مع مرفوعه الذى يليه فى التذكير والتأنيث.

تلحظ أن جزء المبتدإ أو ما يتعلق به يجب أن يتضمن ضميرا يعود على المبتدإ ؛ حتى لا يكون الخبر أجنبيا معنويا عنه.

ولتتأمل الأمثلة الآتية لتلحظ ذلك : اللاعب عالية مهارته. حيث (مهارة) مضاف إلي ضمير الغائب (الهاء) العائد على المبتدإ (اللاعب). وكذلك : المقرئ حسن صوته.

الأستاذ مفهوم شرحه. النصّ بليغ بيانه ، وفصيحة ألفاظه ، ومقبول بديعه.

الصورة جميل منظرها ، العرض رائع مشاهده ، الفتاة طويل شعرها ، والرجال طويلة قاماتهم.

ثانيا : أن تختلف الصفة مع موصوفها أو معمولها فى العدد :

حينئذ يجب أن تسبق المعمول تركيبيا ، ولا يصح أن تليه ، ويكون فيها وجه إعرابى واحد ، وهو أن يكون خبرا للمبتدإ الأول بالضرورة ، كأن تقول : أخواك خارج أبواهما (١) ، تلحظ أن خارجا لا يجوز أن يذكر بعد معموله (أبواهما) ؛ لذا فإنه يكون خبرا مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة للمبتدإ (أخواك).

ومن أمثلته أن تقول : محمد كريم آباؤه ، القرية كريم أهلها ، الرجال كريم ذووهم ، المقرئون حسن أصواتهم.

كل من (كريم ، كريم ، كريم ، حسن) خبر ، أما (آباء ، وأهل ، وذوو ، وأصوات) فكلّ منها فاعل للصفة المشبهة.

__________________

(١) (أبواهما) فاعل لاسم الفاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى ، وضمير الغائبين مبنى فى محل جر مضاف إليه.

٧١

ثالثا : أن تتطابق الصفة مع المعمول فى العدد :

فإذا كان الخبر السببىّ متطابقا مع ما بعده فى التثنية والجمع تعيّن كونه خبرا مقدما لمرفوعه وتكون الجملة الاسمية فى محل رفع خبر المبتدإ الأول. ومن أمثلة ذلك أن تقول :

الرجل كرماء ذووه ، فيكون (الرجل) مبتدأ مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة. (كرماء) خبر مقدم مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (ذووه) ذوو : فاعل لكرماء سدّ مسدّ المبتدإ الثانى مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ، وهو مضاف وضمير الغائب (الهاء) مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. والجملة الاسمية (ذووه كرماء) فى محل رفع ، خبر المبتدإ الأول.

ومثله : الولد طويلتان يداه. الشجرة مورقان غصناها ، الأب مهذبات بناته ، القرية شجعاء أهلها.

ب ـ الخبر الاسم الجامد :

قد يكون خبر المبتدإ اسما جامدا محضا ، أى : يكون غير مشتقّ ، ذلك نحو : سعاد أختك. شريف غلامك.

رفيق أخوه. غادة بنتك.

حاتم ابنك الأصغر.

الجمل السابقة جمل اسمية ، المبتدآت فيها هى : سعاد ، شريف ، رفيق ، غادة ، حاتم ، وأخبارها هى : أخت ، غلام ، أخو ، بنت ، ابن ، وأنت ترى أن الأخبار لا تتحمل ضميرا يعود على المبتدإ ؛ لأنها أسماء جامدة عارية من الوصفية فى رأى كثير من النحاة ، وإنما أفادت معنى الأخوة والغلامية والبنوّة.

ويذهب نحاة آخرون ـ الكوفيون وعلى بن عيسى الرمانى ـ إلى أن مثل هذه الأسماء تتحمل الضمير ؛ لأنها وإن كانت أسماء جامدة غير صفات فإنها فى معنى ما هو صفة ؛ ولأنه لّما كان أحد الجزأين محكوما به على الآخر لم يكن له بد من ضمير يكون رابطة بينهما ، ويمكن أن يؤول الاسم الجامد الذى يخبر به بمشتق ، كأن تقول : الجندىّ أسد ، إذا أريد به شجاع ، ويلحظ أن هذا النوع من الخبر هو المبتدأ نفسه فى المعنى.

٧٢

وقد يكون ترتيب الركنين فى الجملة مخالفا ما ذكر ، فتقول : أخوك شريف ، وأختك غادة ، وحينئذ يختلف احتساب كل من المبتدإ والخبر ، فالمذكور أولا يكون المبتدأ ، والثانى يكون الخبر.

ثانيا : الخبر الجملة :

يقصد بالخبر الجملة أن يكون مبنى المعنى الذى يخبر به عن المبتدإ جملة ، أيّا كان نوع الجملة ، دون تقدير أو تأويل ، ويمكن حصر ذلك فيما يأتى :

أ ـ الخبر جملة اسمية :

نحو قولك : محمد أخلاقه حسنة ، حيث (محمد) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، خبره الجملة الاسمية (أخلاقه حسنة). حيث (أخلاق) مبتدأ ثان مرفوع ، و (حسنة) خبر المبتدإ الثانى مرفوع ، والجملة الاسمية فى محلّ رفع ، خبر المبتدإ الأول (محمد).

ومنه : المنزل حجراته واسعة.

أما الطلاب فهم مهتمون بدروسهم.

(الطلاب) مبتدأ مرفوع ، خبره الجملة الاسمية (هم مهتمون) ، وهى فى محلّ رفع.

ب ـ الخبر جملة فعلية :

نحو قوله تعالى : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(١)

__________________

(١) (الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (يحكم) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدإ. (بينهم) بين : ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف وضمير الغائبين مبنى فى محل جر مضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالحكم. (يوم) ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة متعلق بالحكم ، وهو مضاف. و (القيامة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (فيما) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. ما : اسم موصول مبنى فى محل جر بفى ، وشبه الجملة متعلقة بالحكم. (كانوا) كان : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع اسم كان. (فيه) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائب مبنى فى محل جر بفى ، وشبه الجملة متعلقة

٧٣

[البقرة : ١١٣] وفيه لفظ الجلالة (الله) مبتدأ مرفوع ، خبره الجملة الفعلية (يحكم) ، وهى فى محلّ رفع.

ومنه أن تقول : وأما الطيب فقد نشأ وعاش فى عصر قريب من عصر أبى العلاء. حيث (الطيب) مبتدأ مرفوع ، خبره الجملة الفعلية (فقد نشأ) ، وفيها (الفاء) فاء الجواب والجزاء حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب. و (قد) حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب ، و (نشأ) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو) ، والجملة الفعلية فى محلّ رفع ، خبر المبتدإ.

ج ـ الخبر تركيب شرطى :

نحو قولك : العلم إن يستخدم فى صالح البشرية يكن خيرا. وفيه (العلم) مبتدأ مرفوع ، خبره التركيب الشرطىّ (إن يستخدم يكن خيرا) ، وفيه : (إن) حرف شرط جازم مبنى على السكون ، و (يستخدم) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وهو مبنىّ للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو ، و (يكن) فعل جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، واسمه ضمير مستتر تقديره : هو. و (خيرا) خبر يكن منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والتركيب الشرطىّ فى محلّ رفع ، خبر المبتدإ.

د ـ الخبر جملة فعلية محولة :

كأن تقول : الطالب كان متفوقا ، حيث (الطالب) مبتدأ مرفوع ؛ وعلامة رفعه الضمة ، وخبره الجملة الفعلية المحولة (كان متفوقا).

ه ـ الخبر جملة اسمية منسوخة :

نحو قولك : العامل إنّه مخلص ، (العامل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، خبره جملة (إن) ومعموليها (إنه مخلص).

__________________

بالاختلاف. (يختلفون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية في محل نصب ، خبر كان ، وجملة كان مع معموليها صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

٧٤

و ـ الخبر جملة طلبية :

كأن تقول : المجتهد كافئه ، حيث (المجتهد) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، ثم بنيت عليه الجملة الطلبية (كافئه) ، فأصبحت خبرا.

يذكر سيبويه : «وقد يكون فى الأمر والنهى أن يبنى الفعل على الاسم ، وذلك قولك : عبد الله اضربه ، ابتدأت عبد الله فرفعته بالابتداء ، ونبّهت المخاطب له لتعرّفه باسمه ، ثم بنيت الفعل عليه كما فعلت ذلك فى الخبر» (١).

ومثل ذلك أن تقول : أما محمد فكافئه ، حيث (محمد) مبتدأ مرفوع ، خبره الجملة الفعلية الطلبية (كافئه) ، أما (الفاء) فهى فاء الجواب أو الجزاء.

ز ـ الخبر جملة قسمية :

نحو : علىّ والله ليأتينّ معنا. حيث (علىّ) مبتدأ مرفوع ، وقد بنى عليه الجملة القسمية" والله ليأتينّ.

ومنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً.) [الحج : ٥٨] حيث الاسم الموصول : (الَّذِينَ) مبنى فى محل ، رفع مبتدأ ، خبره الجملة القسمية المكونة من القسم المقدر ، وجوابه : (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) ، فالتقدير : والله ليرزقهم.

ملحوظة :

يلحظ أن النوعين الأخيرين من الخبر ـ وهما الخبر الجملة الطلبية والآخر الجملة القسمية ـ يختلف فيهما النحاة بين مؤيد ومعارض ، حيث يقدرون خبرا محذوفا مصوغا من القول ، وتقديره : يقال له ، أو : مقول له ، ويكون الجملة الطلبية أو القسمية أو غيرهما مما لا يصح خبرا عند هؤلاء فى محل نصب مقول القول.

ولكننى أرى أن فى هذا افتعالا ، فالجملة الطلبية أو الجملة القسمية بألفاظهما هما الخبر دون تأويل مقدر أو محذوف ، يتضح هذا إذا استحضرنا أن الخبر إنما هو

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ١٣٨.

٧٥

الإخبار عن المبتدإ بالمعنى المشتمل عليه الخبر ، ويتضح هذا فى الجملتين السابقتين ، حيث المراد بالجملة الطلبية إخبار عن المبتدإ باستحضار ما فيها من معنى.

أما المقسم به فإنما يؤتى به لتأكيد المعنى الكامن فى جملة جواب القسم ، وهو المراد به الإخبار ، فالمعنى المخبر به عن المبتدإ يتضمنه جملة جواب القسم.

ويلحظ أن كلّا من الجملة الطلبية والجملة القسمية يجب أن تتضمن ضميرا يعود على المبتدإ.

وإذا كانت حجة الذين لا يجيزون أن يكون الخبر جملة طلبية أن الخبر حقّه أن يكون محتملا الصدق والكذب ، وليست الجملة الطلبية كذلك ؛ فإن الخبر أكثر ما يكون مفردا ، والمفرد لا يحتمل الصدق ولا الكذب ، كما أننا ذكرنا أن الخبر قد يكون استفهاما ، كقولك : متى السفر؟ أين محمد؟ كيف على؟ ... إلخ.

لذلك فإن الخبر قد يكون جملة طلبية.

ومما جاء خبره جملة طلبية قول رجل من طيئ :

قلب من عيل صبره كيف يسلو

صاليا نار لوعة وغرام؟ (١)

وفيه (قلب) مبتدأ مرفوع ، خبره الجملة الاستفهامية (كيف يسلو).

ومما جاء خبره جملة قسمية قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)

__________________

(١) المساعد ١ ـ ٢٣٠ شفاء العليل ١ ـ ٢٨٩ / الدرر ١ ـ ٧٣.

عيل صبره : غلب صبره.

(قلب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة وهو مضاف. و (من) اسم موصول مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (عيل) فعل ماض مبنى على الفتح. (صبره) صبر : نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف وضمير الغائب مبنى في محل جر ، مضاف إليه ، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (كيف) اسم استفهام مبنى على الفتح فى محل نصب على الحالية. (يسلو) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو.

والجملة الاستفهامية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (صاليا) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الفتحة. (نار) مفعول به لاسم الفاعل منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. و (لوعة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (وغرام) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. غرام : معطوف على لوعة مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٧٦

[العنكبوت : ٦٩] الاسم الموصول (الَّذِينَ) مبتدأ مبنى فى محلّ رفع ، خبره الجملة القسمية (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) ، حيث الجملة المذكورة جواب لقسم محذوف.

ومثله قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ) [العنكبوت : ٩].

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً)(١) [النحل : ٤١].

ح ـ قد يكون الخبر مصدرا بحرف التنفيس :

قد يصدر خبر المبتدإ بالسين أو سوف على الأصحّ ، حيث لا يجيز ذلك بعض النحاة ، ومنه أن تقول : الصديق سوف يزورنا الليلة. حيث المبتدأ (الصديق) خبره الجملة الفعلية (سوف يزورنا) ، وهى مصدرة بحرف التنفيس (سوف).

ومنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [النساء : ٥٧ ، ١٢٢].

__________________

(١) (الذين) اسم موصول مبنى في محل رفع ، مبتدأ. (هاجروا) فعل ماض مبنى على الضم. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (فى الله) في : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الله : لفظ الجلالة مجرور بفى ، وعلامة جره الكسرة.

وشبه الجملة متعلقة بالهجرة. (من بعد) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. بعد : اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالهجرة. (ما ظلموا) ما : حرف مصدرى مبنى لا محل له من الإعراب. ظلموا : فعل ماض مبنى على الضم. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. والمصدر المؤول فى محل جر بالإضافة إلى بعد. (لنبوئنهم) اللام : الموطئة للقسم حرف مبنى لا محل له من الإعراب. نبوئ : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة فى محل رفع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : نحن. والنون الثقيلة للتوكيد حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة فى محل رفع خبر المبتدإ الاسم الموصول. (في الدنيا) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الدنيا : اسم مجرور بعد فى ، وعلامة جره الكسرة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. وشبه الجملة متعلقة بالفعل نبوئ. (حسنة) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. ويجوز أن تكون منصوبة على النيابة عن المصدر ؛ على أنها صفة لمصدر محذوف ، والتقدير : تبوئة حسنة ، أو على ملاقاة العامل فى المعنى ، فمعنى نبوئ هو نحسن.

٧٧

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ) [النساء : ١٧٥].

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)(١) [الأعراف : ١٨٢].

(أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) [التوبة : ٧١].

(قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) [الكهف : ٨٧].

قضية العائد :

ذكرنا أن الخبر يجب أن يكون المبتدأ نفسه فى معناه ، أو مكانه ، أو زمانه ، أو غير ذلك ، وبذلك يجب أن يتضمن الخبر المبتدأ ويستوعبه لفظا ومعنى ، لهذا فإن الخبر إذا كان جملة فإنها يجب أن تتضمن ضميرا يعود على المبتدإ ، فلا يكون الخبر أجنبيا عن المبتدإ ، ويتحقق الارتباط المعنويّ بينهما ، ويكون ذلك من خلال الضمير العائد على المبتدإ. وتلحظ فى الخبر وجود الضمير العائد فى كل أنواع الجملة الخبر سابقا.

والضمير العائد على المبتدإ فى جملة الخبر قد يكون : ـ في محل رفع ، نحو : محمد أخلص في عمله. العائد هو الضمير المستتر فى الخبر الجملة الفعلية (أخلص) ، وهو فاعل.

الأوائل يكافأون اليوم. العائد هو واو الجماعة فى الخبر الجملة الفعلية (يكافأون) ، وهو نائب فاعل.

__________________

(١) (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (كذبوا) فعل ماض مبنى على الضم. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب (بآياتنا) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. آيات : اسم مجرور بعد الباء ، وعلامة جره الكسرة.

وهو مضاف ، وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. وشبه الجملة متعلقة بالتكذيب.

(سنستدرجهم) السين : حرف استقبال مبنى لا محل له من الإعراب. نستدرج : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : نحن. وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، مفعول به. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدإ. (من حيث) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. حيث : اسم مبنى على الضم فى محل جر بمن ، وشبه الجملة متعلقة بالاستدراج. (لا يعلمون) لا : حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. يعلمون : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة.

٧٨

المخلص هو المتقن عمله. (هو) ضمير عائد على المبتدإ (المخلص) ، ومن أوجه إعرابه أن يكون مبتدأ ثانيا فى محل رفع.

محمد كان مجتهدا. جملة (كان مجتهدا) فى محل رفع ، خبر المبتدإ (محمد) ، وفيها الضمير العائد اسم (كان) فى محل رفع.

ومنه : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)(١) [فصلت : ٤٤].

(وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) [الأنبياء : ٩٦].

(وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) [الأحزاب : ٥٣].

(هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)(٢) [الحج : ٧٨].

ـ وقد يكون فى محل نصب ، نحو : الملتزم احترمناه. الخبر هو الجملة الفعلية (احترمناه) ، وفيها العائد ضمير الغائب (الهاء) فى محل نصب ، مفعول به.

العامل إنّه مخلص فى عمله. خبر العامل جملة (إن) مع معموليها (إنه مخلص) ، وفيها العائد ضمير الغائب الهاء ، وهو فى محل نصب ، اسم إن.

ـ وقد يكون فى محل جر ، نحو : المحاضرة استمعنا إليها. خبر المبتدإ (المحاضرة) هو الجملة الفعلية (استمعنا إليها) ، وفيها العائد الضمير المجرور (ها) الغائبة.

__________________

(١) (أولئك) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (ينادون) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير فى محل رفع ، نائب فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (من مكان) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. مكان : اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الكسرة.

وشبه الجملة متعلقة بالنداء. (بعيد) نعت لمكان مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

(٢) (هو) ضمير مبنى في محل رفع ، مبتدأ. (سماكم) سمى : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. وضمير المخاطبين مبنى فى محل نصب مفعول به أول. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (المسلمين) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم.

(من قبل) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. قبل : اسم مبنى على الضم ؛ لأنه مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى فى محل جر بمن ، والتقدير : من قبل ذلك. وشبه الجملة متعلقة بالتسمية.

٧٩

الصورة منظرها جميل. خبر الصورة هو الجملة الاسمية (منظرها جميل) ، وفيها العائد ضمير الغائبة (ها) ، وهو فى محل جر مضاف إليه.

ومنه : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ)(١) [الجاثية : ١١].

(فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [الحديد : ٧].

ملحوظة :

يجب أن يتطابق الضمير العائد على المبتدإ فى التعيين (الحضور والتكلم والغيبة) ، وتستطيع أن تدرك ذلك مما سبق ، ومن أمثلة ذلك : أنت فهمت. (الخطاب).

أنا فهمت. (التكلم).

هى فهمت. (الغيبة).

ولتتأمل : هما فهما ، أنتما فهمتما ، نحن فهمنا ، هم يفهمون ، أنتم تفهمون.

أنت تفهمين ...

وللضمير العائد على المبتدإ عدة حالات من حيث الذكر والحذف ، نوجزها فيما يأتى :

أ ـ جواز حذف العائد :

يجوز أن يحذف الضمير العائد على المبتدإ إذا وجد دليل عليه دون أن يلتبس المعنى ، نحو :

__________________

(١) (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (كفروا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (بآيات) الباء حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. آيات : اسم مجرور بعد الباء ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالكفر. وهو مضاف. و (رب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. وهو مضاف ، وضمير الغائبين هم مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. (لهم) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبين مبنى فى محل جر باللام. وشبه الجملة في محل رفع ، خبر مقدم. (عذاب) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر الاسم الموصول. (من رجز) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. رجز : اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الكسرة.

وشبه الجملة في محل رفع ، نعت لعذاب. (أليم) نعت لعذاب مجرور ، وعلامة جره الكسرة.

٨٠