النحو العربي - ج ١

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ١

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٦٣

المؤمنون ساعون فى الخير ، المبتدأ (المؤمنون) والخبر (ساعون) مرفوعان ، وعلامة رفع كل منهما الواو نيابة عن الضمة ؛ لأنه جمع مذكر سالم.

البنات حريصات على الالتزام ، كل من المبتدإ (البنات) والخبر (حريصات) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

ذو العلم محترم بين الناس. المبتدأ (ذو) مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة ؛ لأنه من الأسماء الستة ، أما (محترم) فهو خبر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

هما منتبهان. (هما) ضمير مبنى فى محل رفع مبتدأ ، (منتبهان) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة ؛ لأنه مثنى.

الذى يجتهد فى دروسه مقدر بين زملائه. (الذى) اسم موصول مبنى فى محل رفع مبتدأ ، (مقدر) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

هؤلاء ملتزمون بأداء الواجب ، (هؤلاء) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ.

(ملتزمون) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة ؛ لأنه جمع مذكر سالم.

علىّ يجتهد فى دروسه. (على) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، والجملة الفعلية (يجتهد) في محل رفع خبر المبتدإ.

فى القاعة رجال علم ، (فى القاعة) شبه جملة فى محل رفع خبر مقدم.

(رجال) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(فى) حرف جر. (فى) مبتدأ مبنى فى محل رفع مبتدأ ، (حرف) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

تأبط شرّا شاعر جاهلى. (تأبط شرا) مبتدأ مبنى فى محل رفع مبتدإ. خبره (شاعر) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٤١

ويجهد النحاة أنفسهم فى عامل الرفع فى كل منهما ، ويختلفون فيما بينهم على النحو الآتى :

أولا : يذهب سيبويه إلى أن المبتدأ يرفع لمنزلته في الابتداء ، أما الخبر فإنه يرفع لأنه مبنى على المبتدإ ، فهو مرتفع به (١) ، ويشارك جمهور النحاة سيبويه هذا الرأى (٢).

ثانيا : يذهب المحققون من البصريين ، وعلى رأسهم الأخفش وابن السراج والرمانى إلى أن العامل فى المبتدإ والخبر معا عامل معنوى ، وهو الابتداء ؛ لأنه طالب لهما ، فعمل فيهما (٣).

ثالثا : يرفعان لأنهما مجردان من العوامل اللفظية للإسناد ، وهو مذهب الجرمى وكثير من البصرين (٤).

رابعا : يرى بعضهم أن المبتدأ مرفوع لشبهه بالفاعل ، وهو مردود عليه.

خامسا : العامل فى الخبر الابتداء ، وهو مذهب المبرد (٥).

سادسا : يذهب الكوفيون وعلى رأسهم الكسائى والفراء إلى أنهما ترافعا ، فالمبتدأ يرتفع بالخبر ، والخبر يرتفع بالمبتدإ ؛ لأن كلا منهما طالب للآخر ومحتاج له ، وبه صار عمدة ، كما نسب هذا الرأى أيضا إلى ابن جنى وأبى حيان ، وهو المختار لدى السيوطى (٦).

سابعا : وينسب إلى الكوفيين أن المبتدأ مرفوع بالذكر الذى فى الخبر ، وهو الضمير الذى يتضمنه الخبر ويعود على المبتدإ ، فإذا لم يكن ثمة ذكر ترافعا.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ١٢٧.

(٢) يرجع إلى : المفصل ٢٤.

(٣) التسهيل ٤٤ / الهمع ١ ـ ٩٤.

(٤) المساعد ١ ـ ٢٠٦.

(٥) ينظر : المقتضب ٢ ـ ٤٩ / ٤ ـ ١٢ ، ١٢٦.

(٦) ينظر : التسهيل ٤٤ / الهمع ١ ـ ٩٤.

٤٢

الابتداء بالنكرة

ذكرنا أن المبتدأ يجب أن يكون معرفة حتى تتحقق معلوميته لدى طرفى الحديث حيث هو المحور الذى ينبنى عليه الإخبار ، وهو المحكوم عليه ، والحكم على الشىء لا يكون إلا بعد تعريفه ، وإذا كانت النكرة مختصة أو محددة فإنها تحمل معنى المعلومية ، أو : يفترض فيها المعلومية ، حيث يحاول المتحدث أن يخصص النكرة ويحددها للمستمع. لذا جاز الابتداء بالنكرة إذا كانت مختصة أو مخصصة ، وإذا كانت محددة أو إذا كانت شاملة ، وكلّها يكون فيها معنى المعلومية ؛ لأن فيها معنى التحديد ، فتكون قريبة من المعرفة.

ويمكن حصر مواضع جواز الابتداء بالنكرة المخصصة أو المحددة أو الشاملة فى المواضع الآتية (١) :

الأول : أن تكون النكرة وصفا :

أى : إذا كانت النكرة صفة مشتقة فإنه يجوز الابتداء بها ؛ لأن الصفة المشتقة تدلّ على الصفة وصاحبها ، من ذلك قولهم : ضعيف عاذ بقرملة ، أى : حيوان ضعيف. (ضعيف) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية (عاذ) فى محل رفع ، خبر المبتدإ.

ومنه أن تقول : فاهم أجاب عن السؤال. أى : طالب فاهم ، وذو علم أتانا ، أى : رجل ذو علم ، حيث (ذو) فيها معنى الصفة المشتقة ؛ لأنها بمعنى : (صاحب).

الثانى : أن تكون النكرة عاملة فيما بعدها :

إذا كانت النكرة عاملة فيما بعدها بالرفع أو النصب أو الجرّ فإنه يجوز الابتداء بها.

وهذه يمكن أن تلحق بما قبلها ، حيث تتضمن الصفة المشتقة والمصدر والمضاف.

أما الصفة المشتقة فهى جائزة الابتداء بها إذا كانت نكرة مطلقا ، هذا من جانب ، ومن وجه آخر فإن الصفة المشتقة تعمل بعد نفى واستفهام ، وهما مسوغان للابتداء بالنكرة.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٣٢٩ / شرح ابن يعيش ١ ـ ٨٦ / التسهيل ٤٦ / مغنى اللبيب ٢ ـ ٨٤ / المقرب ١ ـ ٨٢ / شرح التصريح ١ ـ ١٦٨ / الهمع ١ ـ ١٠١.

٤٣

أما المصدر فإنه بإعماله فيما بعده يفيد معنى التخصيص ، حيث التعلق به.

وأما الإضافة فقد اتضح ما فيها من تخصيص.

ومن ذلك : ـ أفاهم الطالبان؟

ـ أكاتب الدرس حاضر؟

ـ أمر بمعروف صدقة.

ـ غلام امرأة جاءنى.

ـ خمس صلوات كتبهنّ الله.

(فاهم) اسم فاعل عامل فيما بعده بالرفع ، حيث (الطالبان) فاعل له ، و (فاهم) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو نكرة ، و (الطالبان) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ، وهو سادّ مسدّ الخبر.

(كاتب) اسم فاعل عامل فيما بعده بالنصب ، وهو مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وتلحظ أنه نكرة ، خبره (حاضر).

(أمر) مصدر نكرة ، وهو مبتدأ ، وجاز الابتداء بالنكرة فى هذا الموضع لأنها عاملة فيما بعده ، حيث تتعلق شبه الجملة (بمعروف) بالمصدر (أمر).

أما (غلام) فإنها نكرة عاملة فيما بعدها بالجرّ على الإضافة ، وكذلك (خمس) مبتدأ ، وهو نكرة عاملة فيما بعدها بالجر.

ومنه قولك : رغبة فى الخير خير ، ما مفهوم القولان. أحاضر المسؤولان؟

الثالث : أن تكون النكرة موصوفة بظاهر :

حيث الصفة للنكرة تقربها من المعرفة لأنها تخصصها ، ومثال ذلك : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الأنعام : ٢] (أجل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، و (مسمى) نعت لأجل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وشبه جملة (عنده) فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، أو متعلقة بخبر محذوف.

٤٤

ومنه : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) [البقرة : ٢٢١] (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) [البقرة : ٢٢١].

لاعب يدقق في تمريراته سيشترك فى هذه المباراة.

مواطن يخلص فى عمله كلّفناه بهذا العمل الجاد.

كلّ من (أمة ، وعبد ، ولاعب ، ومواطن) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وكل منها نكرة موصوفة بالصفات : (مؤمنة ، مؤمن ، الجملة الفعلية : يدقق ، الجملة الفعلية : يخلص). أما الأخبار فهى على الترتيب : (خير ، خير ، الجملة الفعلية : سيشترك ، الجملة الفعلية : كلفناه).

الرابع : أن تكون النكرة موصوفة بمقدر :

أى : تكون النكرة موصوفة بصفة غير مذكورة تقدر طبقا للسياق وواقع الحال.

ويمثل لذلك بالقول : السمن منوان بدرهم ، أى : منوان منه ، فيكون منوان مبتدأ مرفوعا ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه مثنى ، وهو نكرة وجاز الابتداء بالنكرة فى هذا الموضع لتقدير صفة محذوفة ، هى شبه الجملة المقدرة : منه.

ومنه أن تقول فى سياق حال : ورجل أقبل إلينا ، والتقدير : رجل آخر ، أو : مقصود ، أو : غير ذلك من الصفات.

الخامس : أن تكون النكرة مضافة :

حيث الإضافة تقرب النكرة من المعرفة ؛ لأنها تخصصها ، فيجوز الابتداء بها ـ حينئذ ـ ومنه أن تقول : أخو صديق زارنى ، (أخو) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة ، وهو مضاف و (صديق) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. والخبر هو الجملة الفعلية (زارنى).

ومنه قولك : كتاب مادة وجدته ، باب حجرة مفتوح.

ومنه كذلك : غيرك يفعل ذلك. ومثلك محبوب من الجميع ، حيث لا تتعرف (غير ومثل) بالإضافة إلى المعرفة ؛ لأنهما مستغرقتان فى الإبهام ، ولكنهما حال

٤٥

إضافتهما إليها تكونان مخصصتين. وكل منهما مبتدأ ، وخبرهما على الترتيب : الجملة الفعلية (يفعل) ، والاسم المرفوع (محبوب).

ومنه قوله ـ تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥].

ومما أضيف إلى النكرة ويسوغ الابتداء به ما يضاف إلى الأسماء النكرة ذات الدلالات الخاصة ، من مثل معانى الكثرة والقلة والضعف والقوة والذلة والخسة والعظمة ... إلخ ، فتقول : أقوى رجل موجود ، أعظم عالم محاضر اليوم ، أذلّ مواطن لصّ ..... حيث كلّ من (أقوى ، وأعظم ، وأذل) مبتدأ ، وهو نكرة مضافة إلى نكرة بعدها.

السادس : أن تكون النكرة مصغرة :

الاسم المصغر إنما هو اسم وصفة محددة ، هى (صغير) ، فهو موصوف بمقدر ثابت اللفظ والمعنى ؛ لذا فإن الاسم المصغر النكرة يكون مخصصا من قبيل الاسم الموصوف. ذلك نحو : رجيل جاءنى ، أى : رجل صغير ، فيكون (رجيل) مبتدأ مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو نكرة ، خبره الجملة الفعلية (جاءنى).

وتقول : كتيّب قرأته ، وطفيل عطفت عليه ، ودريس ذاكرته ، وقطيط رأيته.

كلّ من النكرات المصغرة : (كتيب ، طفيل ، دريس ، قطيط) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

السابع : أن تدلّ النكرة على محدّد :

المحدد فيه معنى التخصيص : إما بتحديده ، وإما بتقدير صفة ، فإذا قلت : طابق بمائة جنيه ، وطابقان بمائتين ، فإن كلّا من النكرتين : (طابق وطابقان) مبتدأ مرفوع ، علامة رفع أولهما الضمة ، وعلامة رفع ثانيهما الألف ، وتلمس فيهما معنى التخصيص ، فالتقدير : طابق واحد ، وطابقان اثنان.

٤٦

الثامن : أن يكون فى النكرة معنى الحصر :

يمثل النحاة (١) لذلك بقولهم : شىء ما جاء بك ، حيث (شىء) نكرة مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وتقديرهم : ما جاء بك إلا شىء ، والحصر إنما هو تخصيص لأنه قصر. لكن النكرة فى مثل هذا التركيب تلمس فيها صفة مقدرة تقربها من المعرفة ، حيث التقدير : شىء مهم ، أو ملحّ ، أو غير ذلك.

وتقول : متفرج حضر. (متفرج) النكرة مبتدأ مرفوع ، والتقدير : ما حضر إلا متفرج ، ويمكن أن تقدر : متفرج واحد ، أو : مهتم ...

ومنه قولهم : شرّ أهرّ ذا ناب ، حيث المعنى : ما أهرّ ذا ناب إلا شرّ (٢).

التاسع : أن تدلّ النكرة على تنويع وتفصيل :

مثل ذلك القول : يوم لنا ويوم علينا. حيث تجد معنى التنويع والتفصيل فى القول ، حيث هما يومان ، وفصّلا أو نوّعا ، و (يوم) فى الموضعين نكرة مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. خبر الأول شبه جملة (لنا) ، وخبر الثانى شبه جملة (علينا) ، أو ما يتعلق به شبه الجملة.

ويمكن لك أن تلتمس النعت التقديرىّ فى المعنى كأن يكون : يوم من الأيام ، أو يوم جميل أو سعيد ، ويوم مشئوم أو حزين. ، كما أن فى التفصيل والتنويع تخصيصا.

ومنه أن تقول : واحد يخصّنا ، وآخر يخصّهم ، سؤال لنا ، وسؤال للفريق الآخر.

ومنه قولهم : (شهر ثرى ، وشهر ترى ، وشهر مرعى) (٣).

ومنه قول النمر بن تولب العكلى :

فيوم علينا ويوم لنا

ويوم نساء ويوم نسرّ (٤)

__________________

(١) الكتاب : ١ ـ ٣٢٩ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٥٣٩.

(٢) مجمع الأمثال ١ ـ ٣٧٠ / المستقصى ٢ ـ ١٣٠ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٥٣٩.

(٣) الكتاب : ١ ـ ٨٦ / أمالى ابن الشجرى ١ ـ ٣٢٦ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٥٣٨ / أى :شهر ذو ثرى ، أى : تراب ندى ، وشهر ترى فيه العشب ، وشهر ذو مرعى.

(٤) شعره ٥٧ / الكتاب ١ ـ ٨٦ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٥٣٨ / شرح ابن الناظم ٤٥ / المقاصد النحوية ١ ـ ٥٦٥.

٤٧

وفيه (يوم) فى المواضع الأربعة مبتدأ ، وهو نكرة تدل على تنويع وتفصيل ، والخبر على الترتيب شبها الجملة (علينا ، لنا).

والجملتان الفعليتان (نساء ، نسر) ، والتقدير : نساء فيه ، نسر فيه.

وقول امرئ القيس :

فأقبلت زحفا على الركبتي

ن فثوب لبست وثوب أجرّ (١)

وفيه (ثوب) نكرة دلت على التفصيل والتنويع ، فجاز أن تكون مبتدأ ، خبره فى الموضعين الجملتان الفعليتان (لبست ، وأجر) ، والتقدير : لبسته وأجره.

ومنه قول الأعشى :

يداك يدا مجد فكفّ مفيدة

وكفّ إذا ما ضنّ بالمال تنفق (٢)

(كف) فى موضعيها مبتدأ ، وهى نكرة ، وجاز الابتداء بها لأنها تفصيل بعد تعميم موجود فى قوله : (يداك يدا مجد) ، والخبران على الترتيب : (مفيدة) ، والتركيب الشرطى (إذا ما ضن بالمال تنفق).

العاشر ـ أن يكون فى معنى النكرة خرق للعادة :

مثل ذلك قولهم : شجرة سجدت. بقرة تكلّمت. حيث كلّ من (شجرة وبقرة) نكرة ، وهى مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، خبرهما على الترتيب : الجملة الفعلية (سجدت) ، والجملة الفعلية (تكلمت).

__________________

(١) ديوانه ١٥٩ / الكتاب ١ ـ ٨٩ / ابن الشجرى ١ ـ ٩٣.

(أقبلت) أقبل : فعل ماض مبني على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع فاعل. (زحفا) مصدر واقع موقع الحال منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، أو مفعول مطلق لفعل محذوف. والجملة فى محل نصب حال ، أو حال منصوبة. (على) : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب ، (الركبتين) اسم مجرور بعد على ، وعلامة جره الياء لأنه مثنى. وشبه الجملة متعلقة بالزحف. (فثوب) الفاء : حرف عطف تعقيبى مبنى لا محل له من الإعراب. ثوب : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (لبست) لبس :فعل ماض مبنى على السكون. والتاء ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدأ. (وثوب أجر) الواو : حرف مبنى لا محل له من الإعراب. ثوب : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعة الضمة. وأجر : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وسكن من أجل الروى والوزن. وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدأ.

(٢) ينظر : ديوانه ٢٢٥ / البحر المحيط ٣ ـ ٥٢٤ / الدر المصون ٣ ـ ٥٦٦.

٤٨

وفى الاسم النكرة إذا تضمن معنى الخرق للعادة تعريف ضمنى ؛ لأنه لا يكون إلا واحدا ، ففى النكرة التى تحمل هذا المعنى تخصيص ، كما أن فى علاقة الخبر بالمبتدإ ـ حينئذ ـ إثارة للعجب ، وقد تلتمس فيها النعت المقدر أو المحذوف. كأن تقدر : شجرة واحدة ، أو شجرة معجزة ، أو شجرة خارقة ، وكذلك التقدير فى (بقرة).

الحادى عشر : أن تدلّ النكرة على معنى العجب ولفظه :

إذا قلت : عجب لعبد لا يكرّم نفسه. فإن النكرة (عجب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، خبره الجملة الفعلية المنفية (لا يكرم).

ويمكن لك أن تدرك فى النكرة فى هذا التركيب معنى التعريف عن طريق الإضافة الذهنية ، فالتقدير : عجبنا ، أو : عجبى ، أو غير ذلك ، ومنه قول الشاعر :

عجب لتلك قضية وإقامتى

فيكم على تلك القضية أعجب (١)

وفيه النكرة (عجب) مبتدأ مرفوع ، خبره شبه الجملة (لتلك) ، أو ما تعلق به شبه الجملة من محذوف.

الثانى عشر : أن تكون النكرة اسم تفضيل :

معنى التفضيل صفة مبهمة تتحدد بذكر المفضل والمفضل عليه ؛ ولذا إذا كان

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٣١٩ / ابن يعيش ١ ـ ١١٤ / الجامع الصغير ٤٢ / شرح التصريح ٢ ـ ٨٧ / الدرر ٣ ـ ٧٢.

(عجب) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (لتلك) اللام حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. تلك : اسم إشارة مبنى فى محل جر باللام. وشبه الجملة فى محل رفع خبر المبتدإ. ويجوز أن يكون (عجب) خبرا لمبتدإ محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف ، وتكون شبه الجملة (لتلك) متعلقة بالعجب. (قضية) خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير : هذه قضية. ويجوز أن تنصب على التمييز من اسم الإشارة. (وإقامتى) الواو حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. إقامة : مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة ، منع من ظهورها مناسبة الكسرة لضمير المتكلم ، وهو مضاف وضمير المتكلم الياء مبنى فى محل جر مضاف إليه (فيكم) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المخاطب مبنى فى محل جر بفى ، وشبه الجملة متعلقة بالعجب. (على تلك) على : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. تلك : اسم إشارة مبنى فى محل جر بعلى ، وشبه الجملة متعلقة بالإقامة. (القضية) بدل من اسم الإشارة ، أو عطف بيان له مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (أعجب) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

٤٩

المبتدأ اسم تفضيل فإنه يجوز أن يكون نكرة ، كقولك : خير منك خير من صديقك. أضعف منك رجل لا يحمل ذلك.

الثالث عشر : أن تكون النكرة جوابا لما يستفهم عنه :

المسؤول عنه مجهول ، والمجاب به عنه هو المطلوب معرفته ، سواء أكان ذلك على قدر طلب السائل ، أم كان على قدر علم المجيب ، وعلى كلّ يجوز الابتداء بالنكرة فى الجواب ؛ لأنه المطلوب أو المتاح ، ذلك نحو : صديق. فى جواب : من عندك؟ والتقدير : عندى صديق. فتكون النكرة (صديق) مبتدأ ، خبره محذوف دلّ عليه السؤال.

وتقول : قلم. فى جواب : ما ذا فى يدك؟ وكراستان وكتاب. فى جواب : ما ذا أمامك؟

الرابع عشر : أن تدلّ النكرة على معنى الدعاء :

الدعاء تخصيص ، حيث تحديد جهة معناه ، أو انتسابه إلى مقدر ، من ذلك : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) [الصافات : ١٣٠].

(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين : ١].

رحمة لك.

كلّ من : (سلام ، وويل ، ورحمة) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وكلها نكرات دالة على الدعاء ، وتلمس فى كلّ منها التخصيص ، إما بتقدير محذوف مضاف ، أو نعت : سلام من الله ، أو : سلام الله ... إلخ ، وإما بكونها للدعاء ، فتحددت جهة معناها.

ومنه قول الشاعر :

لقد ألب الواشون ألبا لبينهم

فترب لأفواه الوشاة وجندل (١)

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٣١٥ / المقتضب ٣ ـ ٢٢٢ / شرح ابن يعيش ١ ـ ١٢٢ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٥٣٨ / شفاء العليل ١ ـ ٢٨١ / الدرر ٣ ـ ٧٧.

٥٠

حيث قوله : (فترب لأفواه الوشاة وجندل) دعاء.

ومنه قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الهمزة : ١] حيث (ويل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو نكرة. وكذلك : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) [الصافات : ٧٩] (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [الرعد : ٣٤].

الخامس عشر : أن تكون النكرة مختصة بما تقدم عليها من خبر :

وذلك بأن يكون المبتدأ النكرة مؤخرا ، وقد تقدم عليه الخبر وهو شبه جملة أو جملة (١) ، حيث اختصاص المبتدإ بتقديم الخبر عليه ؛ لأن الخبر إنما هو تخصيص للمبتدإ. ذلك نحو : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣] شبه جملة (لدينا) فى محلّ رفع ، خبر مقدم ، أو متعلقة بخبر محذوف ، و (مزيد) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو نكرة اختصّت بتقديم الخبر.

ومثله قوله تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) [البقرة : ٧] والقول : قصدك غلامه رجل ، حيث (رجل) نكرة مبتدأ مؤخر ، خبره المتقدم الجملة الفعلية (قصدك غلامه) ، فتخصصت النكرة بهذا التقدم.

__________________

(لقد) اللام حرف موطئ للقسم مبنى لا محل له من الإعراب. قد : حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب. (ألب) فعل ماض مبنى على الفتح. (الواشون) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم. (ألبا) مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (لبينهم) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. بين : اسم مجرور بعد اللام وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف وضمير الغائبين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه ، وشبه الجملة متعلقة بالألب. (فترب) الفاء حرف سببى مبنى لا محل له من الإعراب. ترب : مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (لأفواه) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. أفواه : اسم مجرور بعد اللام ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة فى محل رفع خبر المبتدإ ، أو متعلقة بخبر محذوف. (الوشاة) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. (وجندل) الواو حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. جندل : معطوف على ترب مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف دل عليه ما سبق ، والجملة الاسمية معطوفة على سابقتها.

(١) ينظر : الجامع الصغير ٤٣.

٥١

السادس عشر : أن يقصد بالنكرة عموم وشمول :

العموم والشمول فيهما حصر ؛ لأن العموم والشمول يجمعان كل أفراد الاسم العام أو الشامل ، والحصر فى معناه إنما هو تعريف ضمنى ، إذ إن خبر الاسم العام أو الشامل يتعلق معناه بكلّ ما يقع تحت المبتدإ من أجزاء ، ومثال ذلك : كلّ يموت. حيث (كلّ) نكرة ، وهو مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو اسم يدلّ على عموم وشمول خبره الجملة الفعلية (يموت).

ومنه أن تقول : كلّ يأخذ حقّه. وقوله ـ تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ٨٥].

السابع عشر : أن يقصد بالنكرة إبهام :

إذا قلت : ما أكثر اهتماماتهم بقضايا المجتمع ، فإن (ما) تعجبية مبهمة نكرة مبنية فى محلّ رفع ، مبتدأ ، وجاز الابتداء بالنكرة هنا لأنها تعجبية نكرة مبهمة ، وقصد الإبهام فى (ما) وهى مبتدأ يوجب تنكير المبتدإ ، والمقصود بالجملة هنا دلالة التعجب لا الإخبار ، والإخبار خبرىّ ، والتعجب إنشائى.

ومع ملاحظة أن التعبير بأسلوب التعجب يعنى تقديرا : عجبى من كذا ، أو : تعجبى من كذا ، وليس فيه إخبار.

ومما قصد فيه الإبهام من النكرة المبتدإ بها قول الشاعر :

مرسّعة بين أرساغه

به عسم يبتغى أرنبا (١)

__________________

(١) الأشمونى ١ ـ ٣١٢.

مرسّعة : بضم ففتح مشدد : التميمة التى تعلق على طرف الساعد. عسم : اعوجاج ويبس فى الرسغ.

(مرسعة) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (بين) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف و (أرساغ) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. وهو مضاف وضمير الغائب مبنى فى محل جر مضاف إليه ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر المبتدإ ، أو متعلقة بخبر محذوف. (به) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (عسم) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (يبتغى) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها الثقل. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (أرنبا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والألف حرف إطلاق مبنى لا محل له من الإعراب.

٥٢

حيث (مرسعة) مبتدأ مرفوع ، وهى نكرة قصد إبهامها ، حيث لا يقصد فيها البيان والتعيين ، أو تقليل الشيوع.

الثامن عشر : أن تكون النكرة بعد حرف الاستفهام :

النكرة بعد الاستفهام يكون فيها معنى الاستغراق أو الشمول والعموم ، كما هو فى ذكرها بعد النفى ؛ لأنه يكون دالا على معنى شمول الجنس ، ففى قوله تعالى : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) [النمل : ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢] تلمس التقدير : أمن إله مع الله؟ ، أو : لا إله مع الله. وفيهما معنى السؤال عن الجنس بذكر (من) الاستغراقية ، أو (لا) النافية للجنس ، كما أنك تلمس فيه معنى نفى الجنس. وفى كلّ العموم والشمول أو الاستغراق والحصر.

ويلحظ أن حرف الاستفهام له صدر الكلام ، والنكرة بعده يكون لها الصدارة ، فجاز أن تكون مبتدأ.

ومنه أن تقول : أمواطن يخون وطنه؟ أصديق غادر بصديقه؟ أكرسىّ خال؟

كلّ من النكرات : مواطن ، صديق ، كرسى ، مذكور بعد استفهام ، فهو مبتدأ مرفوع .. أخبارها على الترتيب : الجملة الفعلية (يخون ، غادر ، خال).

ومنه أن تقول : هل من سؤال تركته؟ أمن قلم معك؟

حيث (من) فى الموضعين استغراقية حرف جرّ زائد ، وما بعدها مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة حرف الجرّ الزائد. أما خبراهما فهما : الجملة الفعلية (تركته) ، وشبه الجملة : (معك).

وقولك : أرجل فى الدار أم امرأة؟

ومنه قولك : أقائم المجيبان؟ حيث (قائم) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وهو نكرة اعتمدت على حرف الاستفهام (الهمزة) .. و (المجيبان) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه مثنى سدّ مسدّ الخبر.

وقولك : أمخلص المواطنون؟ أفاهم الحاضرون؟

٥٣

التاسع عشر : أن تكون النكرة بعد حرف نفى :

ذكر النكرة بعد نفى يعطى معنى الاستغراق ، وهو يفيد الشمول والعموم ، وفى الشمول معنى يناقض معنى التنكير ؛ لأنه إحاطة بأفراد الجنس المذكور ، كأن تقول : ما رجل قائم ، حيث (رجل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، خبره (قائم) ، والمبتدأ نكرة بعد نفى (ما) ، وتلحظ فيه معنى الشمول ، والتقدير : ما من رجل ، فيتضمن معنى الاستغراق ، ويلحظ أن حرف النفى له صدر الكلام ، فما يقع بعده من نكرة يكون لها الصدر وجاز الابتداء بها.

ومنه قولك : ما سؤال تركناه بلا إجابة (١) ، ما مواطن خائن ، ما قراءة فيها مضيعة للوقت.

والمبتدأ فيها على الترتيب : سؤال ، مواطن ، قراءة ، وكلّها نكرة تقع بعد نفى ، ففيها معنى الشمول ، أما أخبارها فهى : الجملة الفعلية (تركناه) ، خائن ، الجملة الاسمية (فيها مضيعة).

ومنه قولك : ما فاهم الطالبان ، ما كاتب الطلبة. حيث كلّ من : (فاهم ، وكاتب) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو نكرة اعتمدت على نفى ، وكل من (الطالبان والطلبة) فاعل سد مسدّ الخبر.

العشرون : أن يكون فى النكرة معنى الحقيقة :

يتمثل لذلك بالقول : تمرة خير من جرادة (٢) ، حيث (تمرة) نكرة ، وهى مبتدأ مرفوع ، خبره (خير). ومعنى الجملة يدل على حقيقة كائنة ، والمبتدأ إن كان نكرة فإنه يدل على معنى الجنس ؛ لأن المقصود فى مثل هذه التعبيرات عن الحقيقة إنما هو الشمول والعموم ، فالمراد جنس التمر لا تمرة معينة ؛ لذا فإن النكرة أصبح فيها معنى الحصر الذى يفاد من شمولها وعموميتها ، وقد لمسنا ما فى الحصر من معنى التحديد الذى يجعل النكرة مخصصة قريبة من المعرفة.

__________________

(١) شبه الجملة (بلا إجابة) فى محل نصب حال.

(٢) ينظر : نتائج الفكر ٤٠٩ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٥٣٩ / شرح ابن الناظم ٤٥. والجملة من أثر لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه.

٥٤

ومنه أن تقول : استقامة أفضل من انحراف ، صدق أكثر منجاة من كذب (١) هدى خير من تعزير.

الحادى والعشرون : أن تكون النكرة مبتدأ فى مثل :

تأخذ الأمثال بألفاظها حكم المعرفة فى شهرتها وجريها على الألسن ، وإدراك ما يرمز إليه المثل من معنى ، كما أن المثل بحكم عموميته فى المعنى يتخذ معنى الشمول والعموم ، ويمكن أن يفسر علة جواز الابتداء بالنكرة فى قولهم ليس عبد بأخ لك (٢) ، حيث اسم (ليس) هو النكرة (عبد) ، وجاز ذلك لأنه مثل ، واسم (ليس) فى حكم الابتداء.

ومنه : شرّ أهرّ ذا ناب (٣). (شر) مبتدأ مرفوع وهو نكرة ، خبره الجملة الفعلية (أهر). ويقدر المثل : ما أهر ذا ناب إلا شر.

ومنه : شرّ يجيئك إلى مخّة عرقوب (٤). (شر) نكرة ، وهى مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (يجيئك).

مأربة لا حفاوة (٥) ، (مأربة) مبتدأ مرفوع ، خبره محذوف تقديره : (جاءت بك).

__________________

(١) (صدق) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (أكثر) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة (منجاة) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (من كذب) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. كذب : اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الكسرة وشبه الجملة متعلقة بأكثر.

(٢) (بأخ) الباء : حرف جر زائد مبنى ، لا محل له من الإعراب ، أخ : خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

(٣) أصل المثل : أن العرب سمعت هرير الكلب فى وقت لا يهر فى مثله ، فجعلوا ذلك بسبب سوء.

ينظر : الكتاب ١ ـ ٣٢٩ / مجمع الأمثال ١ ـ ٣٠٦ / شرح الكافية ٢٤.

(٤) ينظر مجمع الأمثال ١ ـ ٢٤٣.

يضرب المثل فى شدة الضرورة المحوجة إلى ما لا يليق ، أى : للمضطر.

(٥) ينظر مجمع الأمثال ٢ ـ ٢٧٣.

يضرب المثل للذى يتملق لقضاء حاجته ، أى : حاجة جاءت بك ها هنا لا عناية وحفاوة. المأربة : الحاجة ، الحفاوة : الاهتمام. يجوز فى (مأربة) النصب على تقدير : فعلت هذا مأربة ، ومثلها فى جواز النصب (حفاوة).

٥٥

الثانى والعشرون : أن تكون النكرة واجبة التقديم فى الجملة :

قد تكون الجملة الاسمية واجبة التصدير بالنكرة حتى تؤدى الغرض الدلالىّ التى وضعت لها ، كالجملة الاستخبارية (جملة الاستفهام) ، والتركيب الشرطىّ ، ويلحق بهما (كم) الخبرية ، وما يضاف إلى أىّ منها ؛ ذلك لأن النحاة يجعلون أسماء الشرط وأسماء الاستفهام نكرات. ذلك نحو : من أتانا؟ حيث (من) اسم استفهام مبنىّ على السكون فى محلّ رفع مبتدأ.

وهو نكرة خبره الجملة الفعلية (أتانا).

وكذلك تقول : ما فعلته اليوم؟ فتكون (ما) اسم استفهام مبنيا فى محلّ رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (فعلت) ، وكلّ من (من) و (ما) الاستفهامتين نكرة.

وتقول : من يأتنا نكرمه. فتكون (من) اسم شرط جازما مبنيا على السكون فى محلّ رفع ، مبتدأ ، خبره جملتا الشرط والجواب عند معظم النحاة ، أو جملة الجواب عند غيرهم.

وتقول : كم من صديق أعنته. فتكون (كم) خبرية مبنية على السكون فى محلّ رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (أعنته) ، وهى نكرة.

وتقول فيما أضيف إليها : ابن من أكرمته؟ وعنوان ما ذا كتبته؟

وغلام من تكرمه أكرمه.

فيكون كلّ من (ابن ، وعنوان ، وغلام) مبتدأ مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة ، وكلّ منها نكرة ؛ لأنه أضيف إلى نكرة ، وهى على الترتيب : (من الاستفهامية ، وما ذا الاستفهامية ، ومن الشرطية).

وتستطيع أن تلمس معنى الإبهام فى أسماء الشرط وأسماء الاستفهام ، حيث لا يعبر أىّ منها عن محدد أو مخصص ، فاكتسبت التنكير مما وضعت له من دلالة فى التركيب. لذا وجب الابتداء بها وهى نكرة ، بل وجب أن يكون المبتدأ نكرة مع معنى الاستفهام والشرط.

٥٦

الثالث والعشرون : أن تكون النكرة المتقدمة على المعرفة لها حق الصدارة فى الجملة :

ذلك كأسماء الاستفهام ، نحو قولك : ما اسمك؟ حيث (ما) اسم استفهام مبنى فى محلّ رفع ، مبتدأ عند نحاة ، وخبر مقدم عند آخرين. واسم الاستفهام نكرة تقدمت على المعرفة (اسمك) ، وله حقّ الصدارة حتى يفهم منه الاستفهام أو الاستخبار ، وتلمس فى النكرة وجوب التنكير ؛ لأنها تعبر عن مجهول.

ومنه ما ذكر من قولهم : اقصد رجلا خير منه أبوه ، حيث (خير) مبتدأ مرفوع عند نحاة (١) ، وهو نكرة تقدمت على المعرفة (أبوه).

الرابع والعشرون : أن تقع النكرة بعد (لو لا):

تربط (لو لا) بين جملتين ، ثانيتهما متراتبة على الأولى ، وما بعد (لو لا) يجب أن يكون جملة اسمية خبرها محذوف ؛ لأنه كون عامّ ، فإذا اختصّ ـ وهو نادر ـ فإنه يجب أن يذكر ، والمبتدأ بعد (لو لا) لا يحتاج إلى تعريف واجب ، أو تنكير واجب ، وذلك لأنه إنما يذكر ليبنى عليه معنى الجملة الثانية. ذلك نحو : لو لا إنسانية لعاش الإنسان فى غابة. حيث (إنسانية) اسم نكرة واقع بعد (لو لا) مبتدأ مرفوع ، خبره محذوف وجوبا.

ومثله أن تقول : لو لا عتاب لما كان للمرء صديق.

ومنه قول الشاعر :

لو لا اصطبار لأودى كلّ ذى مقة

لمّا استقلّت مطاياهنّ للظّعن (٢)

__________________

(١) ينظر : الجامع الصغير فى النحو ٤٣.

(٢) شرح ابن عقيل ١ ـ ١٩٤ / شفاء العليل ١ ـ ٢٨١ / الأشمونى ١ ـ ٣١٠ / شرح التصريح ١ ـ ١٧١ / الدرر ٢ ـ ٢٣. المقة : الحب.

(لو لا) حرف امتناع لوجود مبنى على السكون لا محل له من الإعراب. (اصطبار) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، خبره محذوف وجوبا. (لأودى) اللام : حرف واقع فى جواب لو لا للتأكيد مبنى لا محل له من الإعراب. أودى : فعل جواب الشرط ماض مبنى على الفتح المقدر منع من ظهوره التعذر. (كل) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، و (ذى) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الستة ، وهو مضاف ، و (مقة) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (لما) ظرف زمان بمعنى حين مبنى فى محل نصب متعلق بأودى. (استقلت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء حرف تأنيث

٥٧

(اصطبار) مبتدأ مرفوع خبره محذوف وجوبا.

الخامس والعشرون : أن تقع النكرة بعد فاء الجزاء :

مثال ذلك قولهم : إن ذهب عير فعير فى الرهط ، حيث (عير) الثانية واقعة بعد فاء الجواب أو الجزاء وهى مبتدأ مرفوع ، وهى نكرة ، وجاز الابتداء بالنكرة هنا ؛ لأن الكلام لا يحتاج إلى تعريف أو تخصيص فى المبتدإ حيث ارتباط جملة الجواب أو الجزاء بما قبلها ، فليست مستقلة فى معناها ، وتلحظ التكرار اللفظى للمبتدإ ، وهو ثان ، وفى التكرير يمكن تقدير صفة محذوفة ، نحو : فعير آخر.

ومنه أن تقول : إن طار الحمام فحمامة فى القفص. إن ضاع قلمك فقلم معى.

وقد يكون تكرير اللفظ يفهم من المعنى ، كأن تقول : إن فقدت ما معك من مال فجنيه معى.

السادس والعشرون : أن تقع النكرة بعد (إذا) الفجائية :

ما بعد (إذا) الفجائية من مدلول مفاجأ به لا يستلزم التنكير ، حيث معنى المفاجأة فيه معنى التعجب ، ويمكن أن تجعله من معنى الجواب والعاقبة ، ذلك نحو : خرجت فإذا رجل بالباب. حيث (رجل) نكرة مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهى واقعة بعد إذا الفجائية ، ويكون خبره مقدرا.

ومنه أن تقول : فتحت الباب فإذا لصّ ، فتحت الكتاب فإذا بياض.

يمكن أن نقدر ما بعد النكرة الواقعة بعد (إذا) الفجائية نعتا للنكرة ، سواء أكان جملة أم شبه جملة أم اسما ، ويكون خبر النكرة محذوفا.

من ذلك قول الشاعر :

__________________

مبنى لا محل له من الإعراب. (مطاياهن) مطايا : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر ، وهو مضاف وضمير الغائبات هن مبنى فى محل جر مضاف إليه. والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة إلى لما. (للظعن) اللام حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الظعن : اسم مجرور بعد اللام وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بالاستقلال.

٥٨

حسبتك فى الوغى مردى حروب

إذا خور لديك فقلت سحقا (١)

وفيه (خور) وقع بعد (إذا) الفجائبة ، وهو اسم نكرة فجاز أن يقع مبتدأ.

السابع والعشرون : أن تقع النكرة بعد (بينما) و (بينا):

تربط (بينما و (بينا) بين جملتين ، الثانية منهما بمثابة الإخبار عن الأولى ، ومعناها هو المعول عليه ، لذا فإن الجملة الأولى إن كانت اسمية لا يكون معناها قائما فى المقام الأول على تنكير المبتدإ أو تعريفه ؛ ذلك لأنه بمثابة التمهيد والتهيئة لمعنى الجملة الثانية ؛ لذا فإنه يتكرر فيها ذلك ، نحو : بينما رجل يعبر الطريق زلّت قدمه (٢) ، حيث (رجل) نكرة واقعة بعد (بينما) ، وهى مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، خبره الجملة الفعلية (يعبر).

__________________

(١) الأشمونى ١ ـ ٣٠٧.

الوغى : الصوت ، وصوت النحل والبعوض إذا اجتمعت ، ثم استعمل مجازا للتعبير عن الحرب ، مردى بكسر فسكون حجر يرمى به ، ويقال للشجاع : إنه مردى حروب ، حيث يقذف به فيها ، سحقا : بعدا.

(حسبتك) حسب : فعل ماض مبنى على السكون ، والتاء ضمير المتكلم مبنى فى محل رفع فاعل.

والكاف ضمير المخاطب مبنى فى محل نصب مفعول به أول. (فى الوغى) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الوغى : اسم مجرور بعد فى وعلامة جره الكسرة المقدرة منع من ظهورها التعذر ، وشبه الجملة متعلقة بالحساب. (مردى) مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع من ظهورها التعذر ، وهو مضاف. و (حروب) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. (إذا) للمفاجأة حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (خور) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (لديك) لدى : ظرف مكان مبنى فى محل نصب ، وهو مضاف وضمير المخاطب الكاف مبنى فى محل جر مضاف إليه ، وشبه الجملة فى محل نصب خبر المبتدإ ، أو متعلقة بخبر محذوف. (فقلت) الفاء : حرف عطف تعقيبى مبنى لا محل له من الإعراب. قال : فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم التاء مبنى فى محل رفع فاعل. (سحقا) مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة لفعل منه محذوف مع فاعله ، والتقدير : سحقت سحقا ، والجملة فى محل نصب مقول القول.

(٢) (بينما) منصوبة على الظرفية متعلق بالزلل. (رجل) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (يعبر) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدإ. (الطريق) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (زلت) فعل ماض مبنى على الفتح ، والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب. (قدمه) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر مضاف إليه.

٥٩

ومنه أن تقول : بينما ضيف زارنا اليوم انطفأ النور ، بينا طفل سائر وقع فى حفرة ، بينما رجل يؤدى عمله فى إخلاص كافأه مديره.

الثامن والعشرون : أن تسبق النكرة بواو الحال :

الجملة الحالية لا يحتاج أحد أجزائها إلى تعريف أو تنكير أو تخصيص ، فالمبتدأ ليس فى حاجة إلى ذلك ؛ لأنها ترتبط بما يسبقها من معنى حيث لا تستقل بمعناها ، وإنما الأهمّ فيها ارتباطها اللفظى والمعنوى والزمنى بما قبلها ، ومجىء المبتدإ فى الجملة الاسمية الحالية نكرة فى نحو قولك : ذاكرت وتفاؤل يحدونى. الجملة الاسمية (تفاؤل يحدونى) جملة فى محلّ نصب حال ، وتلحظ تصدرها بواو الحال ، المبتدأ فيها الاسم النكرة (تفاؤل) ، والخبر الجملة الفعلية (يحدونى).

ومنه قولك : يسبح المتسابق وقارب بجواره ، أفتح الباب وحذر يتملكنى (١) أجلس مع أصدقائى والتزام يسيطر على سلوكى.

ومنه قول الشاعر :

سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا

محيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق (٢)

__________________

(١) (أفتح) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا. (الباب) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (وحذر) الواو : واو الابتداء أو الحال حرف مبنى لا محل له من الإعراب. حذر : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (يتملكنى) يتملك : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. والنون للوقاية حرف مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلم الياء مبنى فى محل نصب ، والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدإ. والجملة الاسمية (حذر يتملكنى) فى محل نصب حال.

(٢) شرح ابن عقيل ١ ـ ٢٢١ / المساعد ١ ـ ٢١٩ / شفاء العليل ١ ـ ٢٨١ / الصبان ١ ـ ٧٦ / الهمع ١ ١٠١ / الدرر ٢ ـ ٢٣.

(سرينا) سرى : فعل ماض مبنى على السكون. وضمير المتكلمين مبنى فى محل رفع فاعل. (ونجم) الواو : واو الابتداء أو الحال حرف مبنى لا محل له من الإعراب. نجم : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (قد) حرف تحقيق مبنى على السكون لا محل له من الإعراب. (أضاء) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدإ ، والجملة الاسمية فى محل نصب حال. (فمنذ) الفاء حرف تعقيبى مبنى لا محل له من الإعراب. مذ : ظرف زمان مبنى على السكون فى محل نصب. (بدا) فعل ماض مبنى على الفتح المقدر. (محياك) محيى : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر. وهو مضاف وكاف المخاطب ضمير مبنى فى محل

٦٠