النحو العربي - ج ١

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ١

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٦٣

فإذا ذكر بعد (كان) مرفوعان فهما جملة اسمية فى محلّ نصب ، خبر (كان) على الوجه الأكثر شيوعا ، ويكون اسمها ضمير الشأن محذوفا.

ذلك نحو قولك : كان محمد فاهم ، فكأنك قلت : كان الأمر محمد فاهم. ومنه قول العجير بن عبيدة السلولى :

إذا متّ كان الناس صنفان شامت

وآخر مثن بالذى كنت أصنع (١)

والتقدير : كان الأمر الناس صنفان ، فيكون اسم (كان) محذوفا تقديره : ضمير الشأن ، ويكون (الناس) مبتدأ خبره (صنفان) مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ، والجملة الاسمية (الناس صنفان) فى محلّ نصب ، خبر كان. ومثله قول هشام أخى ذى الرمة :

هى الشفاء لدائى لو ظفرت بها

وليس منها شفاء الداء مبذول (٢)

والتقدير : وليس الأمر شفاء الداء مبذول منها ، فاسم ليس ضمير الشأن محذوف ، وخبرها الجملة الاسمية (شفاء الداء مبذول منها). وقول عبد القيس بن خفاف البرجمى :

ولا أنبأنّ أن وجهك شانه

خموش وإن كان الحميم حميم (٣)

فيه اسم (كان) ضمير الشأن محذوف ، وخبرها الجملة الاسمية (الحميم حميم) والتقدير : وإن كان الأمر الحميم حميم.

فإذا احتسبنا الرأى الآخر الذى يذهب إليه الكسائى ومن تبعه من احتساب (كان) زائدة فإنها لا يكون لها محل من الإعراب ، ويكون المرفوعان بعدها جملة اسمية من مبتدإ وخبر.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٧١ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٩٥ / جمل الزجاجى ٦٣ / شرح ابن يعيش ١ ـ ٧٧ / شرح الأبيات المشكلة الإعراب للفارقى ٦٣ ، ٢٨١ / شرح جمل الزجاجى لابن هشام ١٤٣.

(٢) الكتاب ١ ـ ٧١ / شرح الشواهد للشنتمرى ١ ـ ٣٦ / جمل الزجاجى ٦٤ / شرح جمل الزجاجى لابن هشام ١٤٤ / التبصرة والتذكرة ١ ـ ١٩٥.

(٣) أمالى ابن الشجرى ٢ ـ ٣٣٨ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ٢ ـ ٧٤٠.

٣٤١

ومن ذلك قول رجل من بنى عبس :

إذا ما المرء كان أبوه عبس

فحسبك ما تريد به من الكلام (١)

بالرفع ، ويكون فى (كان) ضمير مستتر فى محل رفع ، اسمها ، وتكون الجملة الاسمية المكونة من المبتدإ (أبوه) ومن الخبر (عبس) فى محلّ نصب ، خبر (كان).

ويجوز فى (عبس) النصب على أنها خبر كان ، واسمها (أبوه).

وقول آخر :

متى ما يفد كسبا يكن كلّ كسبه

له مطعم من صدر يوم ومأكل (٢)

وفيه (يكن كلّ كسبه له مطعم) جملة فعلية محولة ، اسم (يكن) فيها ضمير مستتر تقديره (هو) ، أما (كل) فهى مبتدأ مرفوع ، خبره (مطعم) ، والجملة الاسمية فى محلّ نصب ، خبر (يكن) ، وشبه جملة (له) متعلقة بالمطعم.

العامل فى معمولى الأفعال الناسخة

أولا : عامل الرفع فى اسمها :

يختلف النحاة فيما بينهم فى أثر (كان) وأخواتها فى المبتدإ ، أى : فى عامل الرفع فى اسم (كان) على النحو الآتى : يرى البصريون أنها ترفع المبتدأ ، ويسمى اسما حقيقة ، وفاعلا مجازا (٣) ، وسيبويه والمبرد يسميّانه اسم فاعل (٤) ، ويوضح الذين يذهبون إلى رأى البصريين بأنها تجدّد للمبتدإ رفعا غير رفع الابتداء ، ويدللون على ذلك باتصال الضمير بها ، وهو لا يتصل إلا بعامله (٥).

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٣٩٤.

(٢) الموضع السابق.

(٣) التسهيل : ٥٢.

(٤) الكتاب : ١ ـ ٤٥ / المقتضب ٢ ـ ٩٦ / شرح ابن عقيل ١ ـ ٩٨ / شرح الشذور ١٨٤ / الهمع ١ ـ ١١١ / شرح التصريح ١ ـ ١٨٤.

(٥) حاشية الخضرى على شرح ابن عقيل ١ ـ ٩٨.

٣٤٢

أما جمهور الكوفيين فيذهبون إلى أنها لا تعمل فى المبتدإ ، وإنما هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها على جملته.

وقد خالفهم الفراء فى ذلك ، حيث ذهب إلى أنها عملت فيه الرفع تشبيها لها بالفاعل (١).

وإذا كان من رأى فإنه لا داعى لكلّ هذه التأويلات ، فاسم (كان) مرفوع بما هو مرفوع به قبل دخولها عليه ، وهو الابتداء.

ثانيا : عامل النصب فى خبرها :

إذا كان النحاة يتفقون فيما بينهم فى كون خبر الأفعال الناسخة منصوبا بها ، فإنهم يختلفون فى عامل النصب على النحو التالى : يذهب البصريون إلى أن خبر الأفعال الناسخة منصوب لشبهه بالمفعول به ، ويسميه (سيبويه) اسم مفعول (٢) ، ويسمّونه خبرا حقيقة ، ولكنه مفعول مجازا ، وهم فى ذلك يشبهون (كان) بالفعل التامّ المتعدى. أما الكوفيون فقد اختلفوا فى عامل النصب ، حيث يرى الفراء أن خبر (كان) منصوب تشبيها له بالحال ، فتشبه (كان) وأخواتها الفعل (قام) ، أما سائر الكوفيين فيرون أنه منصوب على الحالية.

يميل جمهور النحاة إلى ما ذهب إليه البصريون حيث يرد خبر (كان) ضميرا ومعرفة وجامدا ولا يستغنى عنه ، وليس ذلك شأن الحال (٣). كما يعترض على تشبيه خبر (كان) بالمفعول به بأنه قد يأتى جملة أو شبه جملة ، وليس المفعول كذلك ـ على حدّ رأى هؤلاء ـ لكننا ندرك أن الجملة قد تكون مفعولا به مع القول ، وما فى معناه ، ومع أفعال القلوب. كما أن المفعول به قد يكون شبه جملة مع الفعل المتعدى بواسطة حرف الجر ، وما تعلق حرف الجر مع مجروره إلا مفعولية.

__________________

(١) ينظر : اللباب فى علل البناء والإعراب ١١٦ / والمواضع السابقة.

(٢) الكتاب ١ ـ ٤٥ / وينظر : المقتضب ٣ ـ ٩٦ ، ٤ ـ ٨٦.

(٣) ينظر : حاشية الخضرى على ابن عقيل ١ ـ ٩٨ ، ٩٩ / شرح التصريح ١ ـ ١٨٤ / الهمع ١ ـ ١١١.

٣٤٣

مبنى خبرها

تدرس قضية مبنى خبر الأفعال الناسخة من جانبين : شروط تتوافر فى المبنى ، نوع مبنى الخبر.

أولا : شروط فى مبنى خبر الأفعال الناسخة :

يشترط فى خبر (كان) وأخواتها مبنى ما يأتى :

١ ـ ألا يكون إنشائيا :

أى ألا يكون خبر الأفعال الناسخة طلبيا ، أى : ألا يكون أمرا أو نهيا أو تمنيا أو ترجيا أو دعاء أو نداء أو استفهاما أو عرضا أو تحضيضا ؛ كما لا يكون تعجبا ولا مدحا ولا ذما ، وهو يساير فى هذا الشرط خبر المبتدإ ، كما ذكر سابقا. وإذا كان مبنى خبر الأفعال الناسخة طلبيا فإنه يقدر محذوف من القول يكون خبره.

٢ ـ ألا يكون ماضيا مع معنى التحول والاستمرار وما يلحق بهما :

لا يكون مبنى خبر الأفعال الناسخة دالا على المضىّ مع الأفعال الدالة على التحول (صار) وما يأتى فى معناها. حيث الزمن الماضى لا يساير معانى هذه الأفعال ؛ لأن الصيرورة تحول ، والتحول اقتران زمنى بين الخبر والمبتدإ ، فيجب التوحد الزمنى بين المبتدإ والخبر ، لكن معنى المضى والحال والاستقبال الذى يفهم من زمن (صار) وما يأتى عليه من مضارع أو أمر فإنما يكون لزمن التحول الذى يشترك فيه كل من المبتدإ والخبر معا فى وقت واحد. وقد يرد (كان وأصبح وأضحى وأمسى وظلّ) بمعنى (صار) ، فلا يقع خبرها ـ حينئذ ـ ماضيا (١).

وتتضح هذه الفكرة مع الأفعال الدالة على الاستمرار ، وهى المسبوقة بنفى : ما زال ، ما برح ، ما فتئ ، ما انفك ؛ لأن معنى الاستمرار الحدثى بين المبتدإ والخبر يكون باقتران زمنى بينهما يدل على الارتباط الحدثى الذى لا يصح معه الزمن الماضى.

__________________

(١) الهمع ١ ـ ١١١.

٣٤٤

ويذكر بعض النحاة أن خبر (ليس) لا يجوز أن يكون ماضيا ، ويعلل لذلك بأن (ليس) لنفى الحال (١) ، لكن ابن مالك يشترط لدخول (ليس) على الماضى أن يكون اسمها ضمير الشأن (٢). ويرى بعض النحاة أن هذا التخصيص غير صحيح (٣) ، وإذا كانت (ليس) لنفى الحال فإن الإخبار عنها بماض يكون فيه تناقض ، ولكن النحاة يجيبون عن ذلك بتفصيل فى دلالة (ليس) ، حيث إنها تكون لنفى الحال فى الجملة غير المقيدة بزمان ، أما المقيدة فتنفيها على حسب القيد (٤).

ويذهب بعض النحاة ـ ابن الصائغ ـ إلى أنه لا يجوز أن يكون خبر الأفعال الناسخة ماضيا إلا مع (قد) ظاهرة أو مقدرة ، وأما قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) [يوسف : ٢٧] فإنه جائز ؛ لأنه للمستقبل لكونه شرطا.

لكنه يذكر أن شرط الاقتران بقد إنما هو مذهب الكوفيين ، وحجتهم فى ذلك أن (كان) وأخواتها إنما دخلت على الجمل لتدلّ على الزمان ، فإذا كان الخبر يدلّ على الزمان لم يحتج إليها (٥).

٣ ـ لا يكون خبر بعض الأفعال استفهاما :

بعض الأفعال الناسخة لا يتقدم خبرها عليها ، وهى : (ليس ، وما دام وما زال ، وما برح ، وما فتئ ، وما انفك) ، إذ كانت هذه الأفعال مسبوقة بـ (ما) نافية أو مصدرية ، لذلك فإن خبرها لا يكون استفهاما ، لأن أسماء الاستفهام لها الصدارة فى جملتها ، فيكون هناك تناقض لفظى بين وجوب صدارتها ووجوب تأخر أخبارها ؛ لذا لا تكون أخبار هذه الأفعال استفهاما.

كما أنه يعلل لذلك بلزوم (ما) النافية الصدر عند البصريين ، وبه تزدحم مع الاستفهام ، هذا بخلاف المنفى بـ (لا).

__________________

(١) ينظر هامش الأمير على شرح التصريح ١ ـ ١٨٣.

(٢) التسهيل ٥٢.

(٣) المقرب ١ ـ ٩٣.

(٤) ينظر : الهمع ١ ـ ١١٣ / هامش الأمير على شرح التصريح ١ ـ ١٨٣.

(٥) ينظر : الهمع ١ ـ ١١٣.

٣٤٥

٤ ـ لا يدخل حرف الاستثناء على خبر المنفى منها :

لا يجوز أن يدخل حرف الاستثناء على الأفعال الناقصة المنفية : (ما زال ـ ما برح ـ ما فتئ ـ ما انفك) ، ذلك لأن معناها فيه المفارقة ، فهو نفى ، فلما نفى صار إثباتا دالا على الاستمرار ، فإذا دخل حرف الاستثناء على الخبر ـ وهو الحكم المقصود من إنشاء الجملة ـ أدى ذلك إلى عودة المعنى إلى النفى ، فيحدث التناقض ؛ لذلك لا تستثنى أخبار الأفعال المنفية منها ، وما ورد منه بـ (إلا) فهو مؤول ، نحو قول ذى الرمة :

حراجيج لا تنفكّ إلا مناخة

على الخسف أو نرمى بها بلدا قفرا (١)

حيث يؤول على أن (تنفك) فعل تام لا ناقص وهو من الانفكاك ، أى : التفرق ، فهى لا تحتاج إلى خبر ؛ ولذا فقد استخدم معه حرف الاستثناء (إلا) ، وتكون (مناخة) حالا منصوبة. ويؤول آخرون ذلك على أنه (مناخة) حال ، وخبر (ما انفك) شبه الجملة (على الخسف).

ومنهم من يغلط ذا الرمة فى هذا التركيب.

لكنه يجوز أن يدخل حرف الاستثناء على خبر الفعل الناقص الذى لا يجب نفيه ، وإن كان منفيا ، فتقول : ما كان محمد إلا فاهما ، لم يصبح النائم مبكرا إلا نشيطا. ما صار الهواء إلا باردا.

ثانيا : نوع مبنى الخبر :

مثل ما يتنوع إليه خبر المبتدإ وما فى معناه يكون خبر الأفعال الناسخة فى نوعه ، وهذا القسم يتضامن مع القسم التالى الذى يعرض علامات إعراب الخبر ، وبخاصة الأمثلة المذكورة فى القسمين.

__________________

(١) الكتاب ٣ ـ ٤٨ / شرح عيون الإعراب ١٠٣ / ابن يعيش ٧ ـ ١٠٦ / الضرائر ٧٥ / المساعد ١ ـ ٢٦٤ / الأشمونى ١ ـ ٢٤٦ / الخزانة ٩ ـ ٢٤٧. حراجيج : جمع حرجوج وحرجج حرج وهى الناقة الطويلة على وجه الأرض. وقيل : الضامر ، أو : إلى أن.

٣٤٦

ويكون مبنى خبر الأفعال الناسخة :

١ ـ اسما :

والمقصود بالاسمية ـ هنا ـ أن يكون صفة مشتقة ، حتى تتضمن الصفة أو الحكم المقصود به معنى الخبر وما تصفه أو يحكم عليه ، وهو الضمير المستكن فى الصفة ، والذى يعود على الاسم أو المبتدإ ، فيكون هناك ربط معنوىّ بين الاسم والخبر.

ومن ذلك أن تقول : أصبح المهمل مؤديا واجبه. خبر (أصبح) (مؤديا) اسم فاعل ، يتضمن ضميرا يعود على الاسم (المهمل) ، فالمؤدى هو المهمل.

وكذلك : أضحت الشمس مشرقة ، بات الطائر راقدا فى عشه ، ليس الواجب مهملا. ما زال العصير الطازج مطلوبا ، ظل الجنود حذرين.

وأنت تلمس فى الجمل السابقة أن الأخبار المنصوبة للأفعال الناسخة هى : (مشرقة ، راقدا ، مهملا ، مطلوبا ، حذرين) ، وأنها صفات مشتقة (اسم فاعل ، اسم مفعول ، صفة مشبهة).

والحظ خبر الفعل الناسخ وكونه صفة مشتقة فيما يأتى : (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) [آل عمران : ٦٧].

(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) [آل عمران ٩٧].

(فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) [النساء : ١٤٩].

(لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) [الأنفال : ٤٢].

(إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء : ٨١].

(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) [القصص : ١٠].

(وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران : ١١٠]. أى : لكان أخير لهم ، فالخبر اسم تفضيل.

(فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) [الشعراء : ١٥٧].

(وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود : ١١٨].

٣٤٧

(وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) [الإسراء : ٢٧].

(وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [الكهف : ٥٤].

(إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب : ٧٢].

(وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) [المائدة : ١١٧].

(وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم : ٥٥].

(وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) [الإنسان : ٢٢].

والمنسوب فى حكم المشتق ، ومنه قوله تعالى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) [آل عمران : ٦٧].

وكذلك (ذو) بمعنى (صاحب) ، كأن تقول : كان محمد ذا علم وفير. ومنه قوله تعالى : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) [القلم : ١٤].

وقد يكون خبر (كان) غير مشتق فيكون :

ـ الاسم أو المبتدأ نفسه ، يكون اسما جامدا ، كأن تقول : أصبح علىّ أخاك.

فالأخ هو على فى قدره وكيفيته وهيئته. فيكون خبر (أصبح) منصوبا ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة.

ومنه قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) [القيامة : ٣٨].

(إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً)(١) [الإنسان : ٥].

__________________

(١) (إن) حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (الأبرار) اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة (يشربون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر إن ، (من كأس) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بالشرب. (كان) فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح. (مزاجها) اسم كان مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة. (كافورا) خبر كان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وجملة (كان ومعموليها) فى محل نصب ، نعت لـ (كأس).

٣٤٨

(فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) [النساء : ١٧٦].

(فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ)(١) [الكهف : ٤٥].

(لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ١١٠].

(قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) [الإسراء : ٥٠].

(فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤].

(فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها)(٢) [الحشر : ١٧].

(أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) [الإسراء : ٤٩].

قد يكون غير مشتق لكنه يؤول بالمشتق ، كأن يكون مصدرا ، فتقول : لقد كان أحمد عدلا فى حكمه. أى عادلا.

ومنه قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) [الملك : ٣٠].

(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً) [الإنسان ٢٢].

٢ ـ جملة :

يكون خبر الأفعال الناسخة جملة فتكون فى محلّ نصب. كأن تقول : كان محمد يتطلّع إلى مركز متقدم ، حيث خبر (كان) الجملة الفعلية (يتطلع) ، وهى فى محل نصب.

وتقول : كان الأول فى العام الماضى درجاته أعلى. حيث خبر (كان) هو الجملة الاسمية (درجاته أعلى) ، وهى فى محلّ نصب.

__________________

(١) (الرياح) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وجملة (تذروه الرياح) فى محل نصب نعت ، لـ (هشيما).

(٢) (كان) فعل ماض ناقص مبنى على الفتح. (عاقبتهما) خبر كان مقدم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بالإضافة. (أنهما) أن حرف توكيد ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب ، اسم أن. (فى النار) جار ومجرور بالكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بخبر أن المحذوف ، أو فى محل رفع ، خبر أن. والمصدر المؤول (أنهما فى النار) فى محل رفع ، اسم كان المؤخر. (خالدين) حال منصوبة ، وعلامة نصبها الياء ؛ لأنها مثنى. (فيها) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالخلود.

٣٤٩

٣ ـ شبه جملة :

يأتى خبر الأفعال الناسخة شبه جملة بنوعيها ، كقولك : ما زال الأستاذ فى الفصل ، حيث شبه الجملة المكونة من الجار والمجرور (فى الفصل) فى محلّ نصب ، خبر (زال) ، أو متعلقة بخبر (ما زال) المحذوف.

وتقول : سأظل فى المنزل ما دام محمد عندى. وفيه تجد خبر (ظل) شبه الجملة (فى المنزل) ، وهى مكونة من الجار والمجرور ، أما خبر (ما دام) فهو شبه الجملة (عند) ، وهى مكونة من الظرف.

ومنه قوله تعالى : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) [الكهف : ٨٢].

تعدد خبر (كان) وأخواتها

يقف النحاة إزاء فكرة تعدد خبر الأفعال الناقصة الناسخة وقوفهم إزاء تعدد الخبر فى رأيين :

أولهما : ما يذهب إليه جمهور النحاة من أنه يجوز أن يتعدد الخبر.

والآخر : ما يذهب إليه قوم من أنه لا يتعدد الخبر ، وإنما يكون لكلّ خبر مبتدأ واحد ، أو اسم واحد فى الأفعال الناقصة.

لكننا نرى أنه إذا كانت الصفات والأحوال يمكن أن تتعدد لموصوف واحد ؛ أو لصاحب واحد ؛ فإنه تتعدد الأخبار عن مخبر به واحد ، فيخبر بها عنه فى جملة واحدة ؛ لذا فإننا نذهب إلى جواز تعدد خبر الفعل الناقص ؛ لأنه خبر عن الاسم المخبر عنه حقيقة.

وأخبار الأفعال الناقصة تتعدد على نمطين من التركيب :

أولهما : أن يتعدد الخبر بلا عاطف ،

نحو : (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ١٠٦] (غفورا) خبر أول لـ (كان) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، و (رحيما) خبر ثان منصوب.

٣٥٠

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) [النساء : ١٠٧] ، (خوانا ، وأثيما) خبران لـ (كان) منصوبان.

ومنه (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) [آل عمران : ٦٧].

(وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) [مريم : ٥١].

(كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [البقرة : ٦٥].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) [المائدة : ٨].

كل من (قوامين ، وشهداء) خبر لـ (كان) منصوب ، الأول بالياء ، والثانى بالفتحة.

(وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) [مريم : ٢٣].

(هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٣].

(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران : ١٥٩].

(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ) [القصص : ١٨]. (خائفا) خبر أصبح منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، أما الجملة الفعلية (يترقب) فهى ـ على الوجه الأرجح ـ فى محل نصب ، خبر ثان لأصبح ، ويجوز أن تجعلها حالا من الضمير فى (خائفا).

والآخر : تعدد الخبر بواسطة حرف العطف :

نحو : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) [الفرقان : ٦٤] حيث (سجدا) خبر (يبيت) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، أما (قياما) فهو معطوف عليه منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) [المائدة : ٦]. شبه جملة (على سفر) فى محل نصب بالعطف على خبر (كان) ، وكذلك الجملة الفعلية (جاء أحد).

٣٥١

(أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [البقرة : ١٧٠]. الجملة الفعلية (لا يعقلون) فى محل نصب خبر (كان) ، والجملة الفعلية (لا يهتدون) فى محل نصب بالعطف عليها.

وكذلك : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) [البقرة : ٧٥].

دخول اللام على خبر (كان)

تدخل لام الجحود على ما بعد (كان) فى تركيب معين ، منه قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [آل عمران : ١٧٩] ، وخصائص هذا التركيب أن تسبق لام الجحود بكون منفى ، ومن النحاة من يشترط أن يكون الكون ماضيا ، ومنهم من لا يشترط كونا. لكن الحديث هنا فى خبر (كان) فى مثل هذا التركيب ، وفيه رأيان :

أولهما : رأى البصريين :

حيث يرون أن خبر (كان) هنا محذوف ، وأن اللام تقوّى تعدية ذلك الخبر المقدر لضعفه ، والتقدير : ما كان الله مريدا لأن يذر ... فالفعل المنصوب منصوب بـ (أن) مقدرة بعد لام الجحود.

والآخر : رأى الكوفيين :

وهم يذهبون إلى أن اللام زائدة لتأكيد النفى ، وأن الفعل الذى يليها هو خبر (كان) ، واللام ناصبة للفعل بنفسها ، لا بإضمار (أن) ، ويكون التقدير عندهم : ما كان الله يذر ، ويردّ عليهم ذلك.

ومنه قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [فاطر : ٤٤] خبر (كان) محذوف تقديره : (مريدا) ، وشبه جملة (ليعجزه) متعلقة به.

٣٥٢

ومثله : (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت : ٤٠].

(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(١) [الأنفال : ٣٣].

زيادة الباء فى خبر (ليس)

تزاد الباء كثيرا فى خبر (ليس) (٢) ، فيكون حرفا جارا زائدا للتوكيد ، لا محلّ له من الإعراب ، ويكون خبر (ليس) ـ حينئذ ـ منصوبا مقدرا ، كما يسبق قليلا بحرف الجرّ الزائد (الكاف).

ففى قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) [التين : ٨] لفظ الجلالة (الله) اسم ليس مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، و (بأحكم) الباء حرف جر زائد للتوكيد مبنى لا محل له من الإعراب. أحكم : خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

وقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١]. حيث (الكاف) فى (كمثله) حرف جر زائد للتوكيد ، و (مثل) خبر (ليس) مقدم منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجرّ الزائد ، أما اسم (ليس) المؤخر فهو (شىء) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

ولتلحظ اقتران خبر (ليس) بحرف الجرّ الزائد فيما يأتى : (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ)(٣) [الزمر : ٣٧]. عزيز خبر (ليس) منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.

(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)(٤) [الزمر : ٣٦] (كاف) خبر (ليس) منصوب مقدرا ، وأصله : كافيا.

__________________

(١) الجملة الاسمية (وأنت فيهم) فى محل نصب ، حال.

(٢) ينظر : التسهيل ٥٧ / شرح ابن عقيل ١ ـ ١٠٨ / الهمع ١ ـ ١٢٧.

(٣) (ذى) نعت لعزيز مجرور على اللفظ ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه من الأسماء الستة.

(٤) (عبده) مفعول به لاسم الفاعل (كاف) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة إليه.

٣٥٣

(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ)(١) [الأحقاف : ٣٢]. (معجز) خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.

(فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ)(٢) [الأنعام : ٨٩] ، (كافرين) خبر (ليس) منصوب ، وعلامة نصبه الياء المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجرّ الزائد.

ومنه : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [القيامة : ٤٠].

(قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ.) [الأنعام : ٦٦].

(لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) [الأنعام : ١٢٢].

(قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) [الأنعام : ٣٠].

(أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) [هود : ٨١].

(وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)(٣) [البقرة : ٢٦٧].

__________________

(١) (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ (لا) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (يجب) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون. وفاعله ضمير مستتر تقديره :هو. (داعى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، ولفظ الجلالة (الله) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (فليس) الفاء : حرف واقع فى جواب الشرط للربط والتوكيد.

ليس : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على الفتح واسمه ضمير مستتر تقديره : هو (بمعجز) الباء : حرف جر زائد مبنى لا محل له من الإعراب. (معجز) : خبر ليس منصوب مقدرا ، وجملة (ليس) مع اسمها وخبرها فى محل جزم ، جواب الشرط. (فى الأرض) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بمعجز.

(٢) جملة (ليسوا بها بكافرين) فى محل نصب ، نعت للمفعول به (قوما).

(٣) (لستم) ليس : فعل ماض ناقص ناسخ مبنى على السكون. وضمير المخاطبين مبنى فى محل رفع ، اسم ليس. (بآخذيه) الباء : حرف جر زائد مبنى لا محل له من الإعراب. آخذيه : خبر ليس منصوب ، وعلامة نصبه الياء المقدرة ، منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد. وهو مضاف ، وضمير الغائب مضاف إليه مبنى فى محل جر ، وهو المفعول به. (إلا) حرف استثناء مبنى لا محل له من الإعراب.

يفيد القصر والحصر هنا. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (تغمضوا) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى في محل رفع ، فاعل. والمصدر المؤول فى محل نصب بنزع الخافض ، أو فى محل جر بتقدير حرف الجر ، وهو متعلق بآخذيه. (فيه) جار ومجرور مبنيان ، وشبه الجملة متعلقة بالإغماض.

٣٥٤

فإن عطفت على خبر (ليس) فى هذا الموضع فإنه يجوز لك أن تعطف على المحلّ فتنصب التابع ، ويجوز أن تعطف على اللفظ فتجرّه ، فتقول : ليس المستمع بمدرك المقول ولا فاهم (بالجر على اللفظ) ، ولا فاهما (بالنصب على المحل).

وتقول : ليس المعترض بمتكلم ولا مفارق ، ولا مفارقا. ليس الصديق بذاهب ولا قائما ، ولا قائم.

فإذا قلت : ليس محمد بقادم ولا جالس أخوه ، فإن لك فى (جالس) ثلاثة أوجه :

ـ أن تجرّه على اللفظ ، فتقول : ولا جالس أخوه.

ـ أن تنصبه على المحل ، فتقول : ولا جالسا أخوه.

ـ أن ترفعه على الخبر فالابتداء ، فتقول : ولا جالس أخوه.

ركنا الجملة الفعلية المحولة بين التعريف والتنكير

قد يجتمع فى الجملة الفعلية المحولة معرفة ونكرة ، أو معرفتان ، وهنا تكون القضية خلافية بين النحاة فى تحديد أىّ منهما يكون الاسم ، وأىّ منهما يكون الخبر.

أ ـ اجتماع النكرة والمعرفة

إذا اجتمع نكرة ومعرفة فمذهب سيبويه (١) أن تشغل (كان) المعرفة ؛ لأنه حدّ الكلام ؛ لأنهما شىء واحد ، وليسا كقولك : ضرب رجل زيدا ، فهما شيئان مختلفان ... وذلك كقولك : كان زيد حليما ، وكان حليما زيد ، لا عليك أقدمت أم أخّرت.

ومذهب الجمهور أنه يجوز عكس ذلك فى الشعر ، حيث تتقدم النكرة ، وتتأخر المعرفة (٢) ، وهم فى ذلك يرددون ما قال به سيبويه من أن اسم (كان) لا يكون

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٤٧ / وينظر : المقتضب ٤ ـ ٨٨ ، ٤٠٦.

(٢) ينظر الهمع ١ ـ ١١٩.

٣٥٥

نكرة إلا فى شعر (١) ، ويرى ابن مالك أنه قد يخبر هنا وفى باب (إن) بمعرفة عن نكرة اختيارا (٢).

ولكنه يجب أن أن نسترشد بما ذكره سيبويه ، حيث ابتدئ بالمعرفة ؛ لأنه معروف للمخاطب مثل معرفتك به ، ثم هو ينتظر الخبر الذى تخبره به. ولم يبدأ بنكرة إلا فى الشعر للضرورة.

وقد ورد اسم (كان) نكرة ، وذكر خبرها معرفة فى قول حسان بن ثابت :

كأن سبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء (٣)

بنصب (مزاج) على أنه خبر (يكون) مقدم ، وهو معرفة بالإضافة إلى الضمير ، ورفع (عسل) على أنه اسم (يكون) مؤخر ، وهو نكرة.

ومثله قول القطامى :

قفى قبل التفرق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا (٤)

حيث النكرة المرفوعة (موقف) اسم (يك) ، أما خبره فهو المعرف بالأداة (الوداع).

ثانيا : اجتماع المتشابهين فى التعريف والتنكير :

إذا اجتمع معرفتان أو نكرتان فى الجملة الفعلية المحولة فإن النحاة

يختلفون فيما بينهم فى تحديد أىّ منهما يكون الخبر المنصوب ، وذلك على النحو الآتى :

أ ـ اجتماع المعرفتين :

١ ـ بداية يذكر سيبويه أنه : «إذا كانا معرفة فأنت بالخيار ، أيهما جعلته فاعلا رفعته ، ونصبت الآخر ، كما فعلت ذلك فى (ضرب) ، وذلك قولك : كان أخوك

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٢٨ / وينظر : المقتضب ٤ ـ ٨٨.

(٢) التسهيل ٥٤.

(٣) الكتاب ١ ـ ٤٩ / المقتضب ٤ ـ ٩٢ / جمل الزجاجى ٥٨ / المحتسب ١ ـ ٢٧٩ / شرح ابن يعيش ٧ ـ ٩١ ، ٩٣.

(٤) الكتاب ٢ ـ ١٤٣ / المقتضب ٤ ـ ٩٣ / جمل الزجاجى ٥٩ / شرح ابن يعيش ٧ ـ ٩١ / شرح التسهيل ١ ـ ٣٥٦.

٣٥٦

زيدا ، وكان زيد صاحبك ، وكان هذا زيدا ، وكان المتكلم أخاك» (١) ، وكرّر المبرد ذلك (٢).

٢ ـ فهم النحاة هذا الكلام تبعا لتأويلاتهم الذاتية ، فيذهب مجموعة من النحاة ـ على رأسهم السيرافى وابن الباذش وابن الضائع ـ إلى أن الاسم يكون المعلوم ، والخبر هو المجهول. وحملوا كلام سيبويه على ما إذا استويا عند المخاطب فى العلم وعدمه (٣).

٣ ـ ذهب مجموعة أخرى من النحاة ـ وعلى رأسهم الفارسى وابن طاهر وابن خروف وابن مضاء ـ إلى تخيّر أحدهما اسما ، فيكون الآخر خبرا.

٤ ـ اما ابن عصفور فيجعل الخبر بنسبة الأقلّ تعريفا أو جهلا فى علم المخاطب ، فإن استويا فى العلمية ينظر إلى النسبة ، فإن كانا فى رتبة واحدة من التعريف فأنت بالخيار (٤).

٥ ـ أما أبو حيان فيقدر معنى الإخبار ، فالمراد إثباته هو الخبر ، بشرط أن يكون أحدهما قائما مقام الآخر ومشبها به ، أو ما صحّ أن يكون جوابا يكون الخبر ، والآخر يكون الاسم (٥).

ويمكن لنا أن نتحسّس فى الآراء السابقة كلّها نظرية المعلوم والمجهول ، فما هو معلوم يكون الاسم ، ويخبر عنه بما هو مجهول ؛ لأن معنى الخبر هو المقصود به إنشاء الجملة لإبلاغه للمخاطب.

لكننى أنبّه إلى أن المعلوميّة تعود إلى المتحدث وما يعتقده من معلومية للمخاطب ؛ لذلك فإنه يبدأ بالمعلوم لدى المخاطب ، أى بما يعتقد أنه معلوم لديه ، ثم يخبر عنه بما يظن أنه مجهول عليه ؛ لذا فإن الأول فى النطق يكون اسم (كان) أو فاعلها ، أما الثانى فإنه يكون خبرها المنصوب.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٤٩ ، ٥٠.

(٢) المقتضب ٤ ـ ٨٩ ، ٤٠٧.

(٣) الهمع ١ ـ ١١٩.

(٤) المقرب ١ ـ ٩٧.

(٥) ينظر : الهمع ١ ـ ١١٩.

٣٥٧

وكذلك إذا استويا فى التنكير فإن الأول منهما يكون اسمها ، والآخر خبرها المنصوب (١).

ب ـ اجتماع النكرتين

يخبر بالنكرة عن النكرة إذا أفاد ذلك ، كأن تقول : ما كان طالب غائبا اليوم ، حيث النكرة المرفوعة (طالب) اسم (كان) ، أما خبرها فهو النكرة المنصوبة (غائبا).

ويقال : ما كان أحد مجترئا عليك. تقول : ما كان حاضر غافلا عن الشرح ، ما كان شاهد ممتعضا من العرض. ما عالم إلا عبقرىّ ، وما مجرم إلا شيطان إنسىّ.

ومن الإخبار عن النكرة المحضة إذا حصلت فائدة قول ابن ميّادة : ما دام فيهن فصيل حيا ، حيث جاء اسم (ما دام) نكرة ، وهو (فصيل) ، لكننا نلحظ أن شبه الجملة (فيهن) التى تقدمت على اسم (ما دام) ، وهى متعلقة بالخبر قد أفادت معنى ؛ لأنها لو حذفت لانقلب المعنى تماما ، فكأن شبه الجملة التى تقدمت ضارعت الخبر فى الفائدة.

ومثل ذلك قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤]. حيث تقدمت شبه الجملة المتعلقة بالخبر (له) على اسم (يكن) النكرة (أحد) ، فالتقدم أفاد معنى ، كما أن ذكرها أفاد معنى.

وأنت تلحظ أن المتعلقات بالخبر وحروف المعانى الزائدة فى الجملة التى يكون الاسم فيها نكرة قد أفاد كلّ ذلك معنى لم يحدث مع حذفها ، بل ينقلب المعنى ويتحول بدونها ، وعندئذ يجوز أن يخبر عن النكرة.

ضمير الفصل فى الجملة الفعلية المحولة

قد يذكر ضمير الفصل بين معمولى (كان) وأخواتها المعرفتين ، حيث يذكر ضمير الفصل بين المعرفتين لئلّا يتوهّم الصفة ، فيحدث اللبس بين الخبر النعت ، فيفصل بالضمير للإشارة إلى أن المعرفة الثابتة هى المراد بها الخبر.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٥٤ ، ٥٥.

٣٥٨

ولا يحسن أن يذكر ضمير الفصل حتى يكون ما بعده معرفة أو ما أشبه المعرفة (١).

وإذا ذكر ضمير الفصل بين المعرفتين بعد (كان) وأخواتها ، كما فى قولك : (كان محمد هو الأول) ، فلك فى توجيهه الإعرابى مع ما بعده الأوجه الآتية : (محمد) اسم (كان) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(هو) : إما ضمير فصل مبنى لا محلّ له من الإعراب ، فيكون (الأول) منصوبا على أنه خبر (كان) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

وإما (هو) ضمير مبنى فى محلّ رفع مبتدإ ، فيكون (الأول) مرفوعا على أنه خبر المبتدإ. وتكون الجملة الاسمية (هو الأول) فى محلّ نصب ، خبر (كان).

وإما (هو) ضمير مبنى فى محلّ رفع على التبعية توكيدا لاسم (كان) ، ويكون خبرها (الأول) منصوبا.

ومن أمثلة ذلك : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزخرف : ٧٦]. (الظالمين) منصوبة ، فتكون خبر (كان) بالضرورة ، ويكون الضمير (هم) ضمير فصل مبنيا لا محلّ له من الإعراب ، وفيه قراءة (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) بالرفع على الأوجه السابقة.

(فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [المائدة : ١١٧]. وفيها نصب (الرقيب) ، ورفعه.

(إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) [الشعراء : ٤٠].

(إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) [الشعراء : ٤١ ، الأعراف : ١١٣].

(وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) [الأعراف : ١١٥].

(وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) [القصص : ٥٨].

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ ـ ٣٩٢.

٣٥٩

لما كان النصب فيما أصله الخبر كان خبرا للفعل الناقص دون وجه آخر ، ويعدّ الضمير ضمير فصل مبنيا لا محلّ له من الإعراب.

أما قول قيس بن ذريح :

تبكّى على لبنى وأنت تركتها

وكنت عليها بالملا أنت أقدر (١)

ففيه (تاء المخاطب) فى محل رفع اسم (كان) ، و (أنت أقدر) جملة اسمية من مبتدإ مبنى فى محل رفع ، وخبر مرفوع ، والجملة فى محل نصب خبر كان.

ولا يصح أن تجعل الضمير (أنت) هنا فصلا لرفع الاسم الذى يليه (أقدر) ، فلا يكون إلا خبرا للمبتدإ لا خبرا لكان.

الحديث النبوى الشريف : «كلّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه» (٢). فيه (اللذان) على ثلاثة أوجه ، منها اثنان للرفع ، ووجه للنصب ، وذلك على النحو الآتى : حتى يكون أبواه هما اللذان ... بالرفع على الأوجه الآتية :

أ ـ فى (يكون) ضمير مستتر تقديره (هو) ، يعود على المولود ، وهو اسم (يكون).

و (أبواه) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر بالإضافة إليه.

(هما) ضمير فصل مبنى لا محل له من الإعراب ، أو توكيد للمبتدإ مبنى فى محل رفع.

(اللذان) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الألف ؛ لأنه مثنى.

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٣٩٣ / شرح ابن يعيش ٣ ـ ١١٢.

(٢) موطأ مالك : الجنائز باب ١٦ حديث ٥٢ / سنن أبى داود ، السنة : حديث ٤٧١٤ / الترمذى : القدر ٨ ـ ٣٠٣ ، ٣٠٤ / معجم الحديث. لونستل : فطرة ٥ ـ ١٨٠. وينظر : سيبويه ٢ ـ ٣٩٣.

٣٦٠