النحو العربي - ج ١

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ١

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٦٣

الجملة الاسمية (١)

جملة تعطى مفهوما تامّا مقصودا لدى المتحدث يريد أن يوصله إلى المستمع مخبرا أو مستخبرا ، صدرها اسم يكون محور الكلام ، وعلينا أن نفترض فيه المعلومية لدى طرفى الحديث ، حيث يبتدأ بما هو معلوم لدى الطرفين ؛ ليبنى عليه ما هو مجهول ، يراد الإخبار به ، أو الاستخبار عنه.

فعندما تقول : المؤمن صادق ، فإنك تلقى على مسامع غيرك معنى تاما تخبره به ، وهو عبارة عن كلمتين ، تممت ثانيتهما الأولى ، وأعطت إخبارا عنها ، الأولى منهما معلوم مفهومها عند المستمع لتكون محور الإخبار ، وهى : المؤمن ، والأخرى منهما مجهول مفهومها ، وهى محطّ الإخبار ، فتممت معنى الجملة الاسمية (صادق).

ومثل هذه الجملة اسمية ؛ لأنها تبتدئ باسم يكون محور الإخبار أو الاستخبار فيها.

ومنه يمكن القول : إن الجملة الاسمية تتفرع إلى ثلاثة أنواع طبقا للغرض الدلالىّ منها ؛ لأنها إما أن تكون إخبارا ، وإما أن تكون استخبارا ، وقد تكون إنشاء ، ذلك على التفصيل الآتى :

__________________

(١) يرجع في هذه الدراسة إلى :الواضح ٥٧ / اللمع فى العربية ١٠٩ / شرح اللمع للتبريزى / التبصرة والتذكرة ١ ـ ٩٩ / العوامل المائة ٣٣٦ / المرتجل ١١٥ / المقتصد فى شرح الإيضاح ١ ـ ٢٢٢ ، ٢٦٤ / شرح عيون الإعراب ٩١ / المفصل ٢٤ / أسرار العربية ٦٦ / الهادى فى الإعراب ٦٠ / المقدمة الجزولية فى النحو ٩٣ / شرح ابن يعيش ١ ـ ٨٣ / الإيضاح فى شرح المفصل ١ ـ ١٧٩ / شرح الرضى على الكافية ١ ـ ٨٥ / المقرب ١ ـ ٨٢ / التسهيل ٤٤ / البسيط فى شرح جمل الزجاجى ١ ـ ٥٣٥ / الإرشاد إلى علم الإعراب ١٠٩ / شرح عمدة الحافظ ٦٤ / شرح ابن الناظم ١٠٥ / شرح ألفية ابن معطى ٢ ـ ٨١٤ / شرح ابن عقيل ١ ـ ١٨٨ / المساعد على تسهيل الفوائد ١ ـ ٢٠٣ / شفاء العليل ١ ـ ٢٧١ / الجامع الصغير ٤١ / شرح جمل الزجاجى لابن هشام ١٣٢ / ارتشاف الضرب ٢ ـ ٢٤ / شرح الأشمونى ١ ـ ٢٦١ / شرح القمولى على الكافية تحقيق فتحية عطار ٤٠٢ / الفوائد الضيائية ١ ـ ٢٧٥ / أوضح المسالك ١ ـ ١٣١ شرح قطر الندى ١٦٠ / شرح الشذور ٧٩ / شرح اللمحة البدرية ١ ـ ٢٢٣ / شرح التحفة الوردية ١٣٩ / كشف الوافية فى شرح الكافية ١٣٢ / شرح التصريح ١ ـ ٥٤.

٢١

أ ـ الجملة الاسمية الإخبارية :

وهى التى يراد بها نقل خبر من المتحدث إلى المستمع ، ويوجد بها محكوم عليه ومحكوم به ، والمحكوم عليه معلوم لدى كلّ من طرفى الحديث : المتحدث والمستمع ؛ لذا فإنه يبتدأ به لأنه المعلوم والمحكوم عليه.

أما المحكوم به فمعلوم لدى المتحدث مجهول من المستمع ؛ لذا فإنه يثنّى به ، وهو يعطى معنى فى المحكوم عليه ، ويستوعبه أو يتضمنه ، وهو المعنى الذى تنشأ من أجله الجملة الاسمية الإخبارية.

ومثال الجملة الاسمية الإخبارية : الطالب مجتهد ، هذا مؤمن بحقّ وطنه ، الذى ، يحافظ على حقّ جاره مؤمن.

ب ـ الجملة الاسمية الاستخبارية :

وهى تلك التى يراد بها طلب إخبار ، حيث يطلب المتحدث بالجملة الاستخبارية إخبارا من المستمع ، يتمثل فى أحد طرفى الجملة ، ولا بدّ أنه معلوم لديه ، مجهول لدى المتحدث ، أما الطرف الآخر فهو الذى تبتدئ به الجملة الاستخبارية ؛ لتدلّ به على ماهية الاستخبار ونوعه ، وهذه هى الجملة الاستفهامية ، ومن أمثلتها : ما اسمك؟ من أتانا؟ كم مالك؟

من الذى أجاب عن السؤال؟ أىّ شخص خرج؟

وأىّ عمل قمت به؟

وللجملة الاستخبارية جواب يكون إخبارا ، أى : جملة إخبارية.

ج ـ الجملة الاسمية الإنشائية :

تلك الجملة التى يراد بها إنشاء عن معنى كامن فى النفس خاص بالمتحدث دون إخبار عن شىء ما ، ودون استخبار عن شىء ما. ومثال الجملة الاسمية الإنشائية جملة التعجب فى تراكيبها الإنشائية التى تبتدئ باسم ، نحو : ما أجمل الربيع! لله درّه فارسا!

وللجملة الاسمية ـ عامة ـ ركنان أساسان هما : المبتدأ والخبر.

ولتلحظ الجمل السابقة لتحدد كلّا من المبتدإ والخبر فى كلّ منها :

٢٢

الجملة

المبتدأ

الخبر

المؤمن صادق

 المؤمن

 صادق

الطالب مجتهد

 الطالب

 مجتهد

هذا مؤمن بحقّ وطنه

هذا

مؤمن

الذى يحافظ على حقّ جاره مؤمن

 الذى

 مؤمن

ما اسمك؟

 اسم

 ما

من أتانا؟

 من

 أتانا

كم مالك؟

 مال

 كم

من الذى أجاب عن السؤال؟

 الذى

 من

أىّ شخص خرج؟

 أى

 خرج

أىّ عمل قمت به؟

 أى

 قمت

ما أجمل الربيع!

 ما

 أجمل

لله دره فارسا!

 در

 لله

٢٣

ركنا الجملة الاسمية

ذكرنا أن الجملة الاسمية لها ركنان أساسان ، هما : المبتدأ والخبر. ونفصل القول فى كلّ منهما على النحو الآتى :

المبتدأ

يذكر سيبويه المبتدأ أنه : «كلّ اسم ابتدئ ليبنى عليه كلام ، والمبتدأ والمبنىّ عليه رفع ، فالابتداء لا يكون إلا بمبنىّ عليه ، فالمبتدأ الأول ، والمبنىّ ما بعده عليه ، فهو مسند ومسند إليه» (١).

فالمبتدأ اسم تبتدأ به الجملة الاسمية ليبنى عليه الخبر ، فهما معا مكونان للجملة الاسمية ، فكلّ اسم ابتدأت به لتخبر عنه ولم تعمل فيه عاملا لفظيا فهو رفع بالابتداء (٢).

ولقد وضع النحاة للمبتدإ حدودا تشترط فيه ، هى :

أ ـ الاسمية :

يجب أن يكون المبتدأ اسما ؛ ذلك لأن الجملة الاسمية إنما هى الإخبار بمعنى ما يتمثل فى الخبر عن شىء ما ، وهذا الشىء لا يكون إلا اسما ، سواء أكان اسم ذات أو هيئة أو جثة أو عين أم اسم معنى ، وسواء أكان هذا الاسم موجودا فى الوجود أم مكنونا أم متخيلا أم متوهما.

والاسم لفظ أو كلمة تدلّ على معنى مقترن فى نفسه غير مقترن بزمن. وهذا المعنى إنما هو الشىء ، فكلّ ما دلّ على شىء ما هو اسم.

ـ ولينبه إلى الكلمات التى تدلّ على أسماء الزمان ، أو على ما يحقق الزمن ، من مثل : صباح ، مساء ، يوم ، الجمعة ، شهر ، سنة .... فكلّ هذه أشياء فى الوجود ، فهى أسماء.

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ١٢٦.

(٢) ينظر : التبصرة والتذكرة ١ ـ ٩٩.

٢٤

وللاسم علامات فى التركيب من أهمها ـ فى إيجاز : أنه يقبل التنوين ، فتقول : طالب ، رجلا ، حسن.

يقبل أداة التعريف ، فتقول : الفتاة ، الحائط ، النور.

يقبل حرف الجرّ ، فتقول : إلى الفناء ، من الكوب ، فى الوسط.

يكون مسندا إليه ، فتقول : فهم المستمع ، المذنب تاب.

وتتحقق الاسمية فى المبتدإ من خلال ثلاث طرائق ، وهو ما يمكن أن نسمّيه بـ (مبنى المبتدإ) ، وهى :

١ ـ الاسم الصريح :

يقصد به النوع الأول من الكلمة ، وهو الاسم ، وبذلك يكون كلّ ما دلّ على معنى مقترن فى نفسه غير مقترن بزمان صالحا للابتدائية ؛ لأنه يكون اسما صريحا ، وهو كل ما يمكن أن تعرفه بكلمة (شىء) ، فكل شىء إنما هو اسم صريح ، ومن ذلك : ـ ما دل على الإنسان : رجل ، امرأة ، طفل ، بنت ، أخ ، أب ، أم ، محمد ، زينب ، سمير ، غادة ...

ـ ما دل على الحيوان والطير والحشرات : أنعام ، ماشية ، جمل ، بقرة ، نمر ، أسد ، فأر ، قط ، كلب ، ثعبان ، خفاش .... طير ، دجاجة ، حمام ، ببغاء ، صقر ، نحلة ، نمل ، عنكبوت ، صرصور ، هوام ، ذباب ، بعوض ...

ـ ما دل على النباتات بجميع أنواعها : قمح ، بر ، شعير ، قطن ، خيار ، قثاء ، فاصوليا ، جرجير ، فجل ، تفاح ، برتقال ، عنب ، شجرة ، نخيل ، وردة ، زهرة ، فل ، ياسمين ، أعشاب ، نجيل ، عشب ...

ـ ما دل على الزمان والمواضع والمدن والقرى والنجوع ، وما أشبه ذلك.

ـ ما دل على الجماد بكلّ أنواعه ، من :

٢٥

السوائل ، والمعادن ، والصخور ، والمبانى بأجزائها ، والطرق ، والصحارى ، والحقول ، ومكونات الطبيعة ، والأشياء المستخدمة فى حياتنا اليومية والمنزلية والمعاملات اليومية : اجتماعية ، واقتصادية ، وتجارية ، وثقافية ، وسياسية ، ومصطلحاتها المختلفة من مثل : كتاب ، ورق ، جبن ، فول ، كبريت ، مسرة (تليفون) ، قلم ، كلمة ، فعل ، اسم ، حرف ، مسلسل ، حلقة ، فيلم ، مباراة ...

ومكونات الكون وأجزاؤه من : السماوات ، والأفلاك ، والنجوم ، والكواكب ، والهواء ، والشمس ، القمر ، والأرض ، والذرات.

والغازات وأنواعها ومصطلحاتها ، من : الأوكسوجين والنتروجين وثانى أوكسيد الكربون ...

وكذلك المشاعر والأحاسيس وما يستتبعها.

ـ ما دل على الصفات : طويل ، كبير ، حبلى ، غضبان ، أحسن ، أقوى ، خير ، شر ، كاتب ، مقروء ، شرّاب ، حسن ، كريم.

ـ ما دل على المعانى وهى المصادر ، نحو : ظلم ، عدل ، حكمة ، علم ، علاقة ، جهل ، طهر ، زكاة ، قيام ، جلوس ، جرى ، لعب ...

وما يقع تحت مصطلح الاسمية متعدد متشعب يصعب حصره ، لكنه يمكن أن يضبط بأنه : ما يمكن أن يطلق عليه (شىء ما) فهو اسم ويكون صالحا للابتدائية.

هذا إلى جانب الألفاظ المحصورة التى وضعت فى اللغة في مجموعات تؤدى دلالات اسمية محددة ، نحو : أسماء الاستفهام ، أسماء الشرط ، أسماء الإشارة ، الأسماء الموصولة ، الضمائر ، الظروف ، الأعلام ...

٢ ـ المؤول بالاسم :

وهو المصادر المؤولة ، فهى أسماء صالحة للابتدائية ، ويبنى المصدر المؤول من : ـ (أن) المفتوحة الهمزة المشددة النون ومعموليها : نحو قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) [فصلت : ٣٩]. حيث

٢٦

المصدر المؤول (أنك ترى) فى محلّ رفع مبتدأ مؤخر ، خبره المقدم شبه الجملة (من آياته) ، والتقدير : رؤيتك الأرض خاشعة من آيات الله.

ومنه أن تقول : من العجب أنّك تهمل أداء واجبك ، أى : إهمالك واجبك من العجب. فالمصدر المؤول (أنك تهمل) فى محلّ رفع مبتدأ مؤخر ، خبره المقدم شبه الجملة (من العجب).

ـ (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات : ١٤٣ ، ١٤٤] ، المصدر المؤول (أنه كان من المسبحين) فى محلّ رفع مبتدأ محذوف الخبر ، لأنه واقع بعد (لو لا) ، والتقدير : لو لا كونه من المسبحين ثابت.

ومن ذلك أن تقول : ـ من طباعك أنك تؤدى عملك بإخلاص.

ـ من الحقّ أنه موضوعىّ فى تفكيره.

ـ من الرذيلة أن تدخّن وسط مجموعة من الناس.

ـ من القبح أن يتسبب المرء فى تلوّث البيئة.

ـ من الإيمان أن تميط الأذى من الطريق.

رجوعا إلى الجمل السابقة لتحدد كلّا من المبتدإ والخبر ، وهما كما يأتى على الترتيب :

 المبدأ المؤخر ـ مصدر مؤول

الخبر المقدم ـ شبه الجملة

أنك تؤدى (أداؤك)

 من طباعه

أنه موضوعى (موضوعيته)

 من الحق

أن تدخن (تدخينك)

 من الرذيلة

أن يتسبب المرء (تسبب المرء)

 من القبح

أن تميط (إماطتك)

 من الإيمان

٢٧

ـ (أن) المفتوحة الهمزة والفعل : نحو قوله ـ تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤] ، حيث المصدر المؤول (أن تصوموا) فى محلّ رفع مبتدأ ، خبره (خير) ، والتقدير : وصيامكم خير لكم.

ومثله القول : لأن تضىء شمعة لغيرك خير من أن تلعن الظلام من حولك (١).

فيه المصدر المؤول : (أن تضىء) فى محلّ رفع مبتدأ ، وهو مكوّن من (أن) المصدرية والفعل المضارع المنصوب (تضىء) ، خبره (خير) ، وهو مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والتقدير : إضاءتك شمعة خير من ... ، أما اللام فى (لأن) ـ وهى تنطق مفتوحة ـ فهى للابتداء أو للتوكيد.

ـ ومنه قوله ـ تعالى : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢٨٠] ، أى : وتصدقكم خير ، فالمصدر المؤول (أن تصدقوا) فى محل رفع مبتدأ ، خبره (خير).

ـ (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) [القصص : ١٠] ، المصدر المؤول (أن ربطنا) مبتدأ ، خبره محذوف وجوبا بعد (لو لا).

ـ ومثله قوله ـ تعالى : (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) [القصص : ٨٢] ،

__________________

(١) (لأن) اللام : ابتداء حرف توكيد مبنى لا محل له من الإعراب. أن : حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (تضىء) فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله مستتر تقديره : أنت.

والمصدر المؤول فى محل رفع مبتدإ. (شمعة) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (لغيرك) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. غير : اسم مجرور بعد اللام وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف وضمير المخاطب مبنى في محل جر مضاف إليه. وشبه الجملة متعلقة بالإضاءة. (خير) خبر المبتدإ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (من) حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. (أن) حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (تلعن) فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله مستتر تقديره : أنت. والمصدر المؤول فى محل جر بمن. وشبه الجملة متعلقة بالخيرية. (الظلام) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (من حولك) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. حول : اسم مجرور بعد من وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف وكاف المخاطب ضمير مبنى فى محل جر : مضاف إليه.

وشبه الجملة فى محل نصب حال من الظلام ، أو متعلقة بحال محذوفة.

٢٨

والتقدير : لو لا منّ الله ثابت. فالمصدر المؤول فى محل رفع مبتدأ ، خبره محذوف وجوبا.

ـ وقوله : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [القصص : ٤٧] ، أى : ولو لا إصابتهم المصيبة حادثة ما أرسلنا إليهم رسلا ، فالمصدر المؤول فى محلّ رفع مبتدأ خبره محذوف وجوبا.

تأمل مواقع المصادر المؤولة فيما يأتى : ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) [الروم : ٢٠]

ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [الروم : ٢١].

ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) [الروم : ٢٥].

ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ)(١) [الروم : ٤٦].

ـ (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [الزخرف : ٣٣].

ـ (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا)(٢) [الحشر : ٣].

__________________

(١) (من آياته) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. آياته : اسم مجرور بعد من وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف وضمير الغائب مبنى فى محل جر مضاف إليه. وشبه الجملة فى محل رفع خبر مقدم. (أن يرسل) أن : حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. يرسل : فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. والمصدر المؤول في محل رفع مبتدإ مؤخر. (الرياح) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (مبشرات) حال من الرياح منصوبة وعلامة نصبها الكسرة.

(٢) (لو لا) حرف امتناع لوجود شرطى غير جازم مبنى لا محل له من الإعراب. (أن) حرف مصدرى مبنى لا محل له من الإعراب. (كتب) فعل ماض مبنى على الفتح. (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والمصدر المؤول فى محل رفع مبتدأ خبره محذوف وجوبا. (عليهم) على : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبين مبنى فى محل جر بعلى ، وشبه الجملة متعلقة بالكتابة. (الجلاء) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (لعذبهم) اللام للتوكيد حرف واقع فى جواب شرط لو لا مبنى لا محل له من الإعراب. عذب : فعل جواب الشرط ماض مبنى على الفتح. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. وضمير الغائبين مبنى فى محل نصب مفعول به. (فى الدنيا) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الدنيا : اسم مجرور بعد فى وعلامة جره الكسرة المقدرة منع من ظهورها التعذر ، وشبه الجملة متعلقة بالتعذيب.

٢٩

ـ (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَ)(١) [النور : ٦٠].

ـ (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [النساء : ٢٥].

ـ (ما) المصدرية والفعل (٢) : نحو : أما فعلت اليوم من صنعك؟. والتقدير : أفعلك من صنعك ، حيث (ما) حرف مصدرىّ مبنى لا محل له من الإعراب ، يكون مع الفعل (فعل) مصدرا مؤولا فى محلّ رفع مبتدإ ، خبره شبه الجملة : (من صنعك).

ملحوظة : يجوز أن تجعل (ما) اسما موصولا ، وتقدر عائدا محذوفا فى (فعلت) ، وتكون (ما) فى محلّ رفع مبتدأ ، خبره شبه الجملة : (من صنع) ، والتقدير : أالذى فعلته من صنعك؟

ـ (لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ)(٣) [البقرة : ١٤١] ، أى : لها كسبها ، ولكم كسبكم.

ـ (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] ، والتقدير : لها كسبها ، وعليها اكتسابها ، فيكون كلّ من المصدرين المؤولين : ما كسب ، وما اكتسب فى محل رفع مبتدأ مؤخر ، خبرهما المقدمان شبها الجملة : لها ، وعليها.

ومنه أن تقول : لو لا ما ذاكرت لما أجبت هذه الإجابة ، أى : لو لا مذاكرتك واقعة ، المصدر المؤول : ما ذاكر فى محلّ رفع مبتدأ ، محذوف الخبر وجوبا.

__________________

(١) (أن يستعففن) أن : حرف مصدرى ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. يستعففن : فعل مضارع مبنى على السكون لإسناده إلى نون النسوة فى محل نصب. ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. والمصدر المؤول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (خير) خبر المبتدإ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (لهن) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبات مبنى فى محل جر باللام. وشبه الجملة متعلقة بالخير.

(٢) من أنواع (ما) الأخرى أن تكون : موصولة ، أو شرطية ، أو استفهامية ، أو نافية ، أو كافة ، أو زائدة إلى جانب أنها مصدرية.

(٣) (لها) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبة مبنى فى محل جر باللام ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر مقدم. (ما كسبت) مبنى على الفتح ، والتاء : حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى ، والمصدر المؤول فى محل رفع مبتدأ مؤخر.

يجوز أن تقدر : لها الذى كسبته ، فتكون (ما) اسما موصولا فى محل رفع مبتدأ مؤخر ، وتكون الجملة الفعلية صلة الموصول ، وتقدر فيها ضميرا عائدا.

٣٠

ـ (لو) والفعل (١) : نحو : من أمنياتى لو حصلت على المركز الأول هذا العام ، المصدر المؤول (لو حصلت) فى محلّ رفع مبتدأ مؤخر ، خبره المقدم شبه الجملة : (من أمنياتى) ، والتقدير : حصولى على المركز الأول من أمنياتى.

ومنه : من رأيى لو فتح الباب.

بودّى لو سافرت معنا.

والتقدير : فتح الباب من رأيى ، وسفرك معنا بودّى.

يلحظ : أ ـ من المصادر المؤولة كذلك (كى) والفعل ، و (كى) إذا كانت مصدرية فإنها يجب أن تسبق بلام التعليل ، سواء أكان مقدرا أم ملفوظا به ، وهى فى غير ذلك من التراكيب تكون تعليلية جارة.

ب ـ قولهم فى المثل : «تسمع بالمعيدى خير من أن تراه» (٢) بنصب (تسمع) تقديره : أن تسمع ، أى : سماعك خير ، فيكون (تسمع) فعلا مضارعا منصوبا بعد (أن) المحذوفة ، والمصدر المؤول فى محل رفع مبتدأ ، خبره (خير). حذفت (أن) الأولى لدلالة الثانية عليها.

٣ ـ الاسم المحكىّ بالنقل :

النوع الثالث من مبنى المبتدإ أن يكون اسما محكيا بالنقل ، أى : بالنقل من الحرفية أو الفعلية أو الجملية إلى الاسمية ، وذلك بإطلاق أىّ منها على شىء ما لتكون علما عليه ، أو أن يعبر بها عن ذاتها. ذلك نحو :

__________________

(١) من أنواع (لو) الأخرى أن تكون شرطية.

(٢) يروى هذا المثل على أوجه :

أولها وثانيها : أن تسمع ... ، ولأن تسمع ... وهاتان لا إشكال فيهما.

ثالثها : تسمع ... بالنصب دون ذكر (أن) ، ويرى النحاة ضعف حذف الناصب لضعفه.

رابعها : تسمع ... بالرفع ، والرفع لا يصح مع رفع (خير) ، فنضطر إلى توجيه هذه الرواية على أن أصل الفعل (تسمع) النصب بعد (أن) المصدرية ، فلما حذفت (أن) ضعف بقاء عمله النصب فرفع الفعل.

ينظر : الكتاب ٤ ـ ٤٤ / شرح شذور الذهب ١٨٠ / شرح التصريح ١ ـ ١٥٥ / مجمع الأمثال ١ ـ ٨٦.

٣١

ـ (يزيد) من خلفاء الدولة الأموية. (يزيد) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، (يلحظ أنه بدون تنوين لأنه ممنوع من الصرف ، وتلحظ أنه منقول من الفعلية إلى الاسمية. وخبره شبه الجملة (من خلفاء).

ومثله : (ينبع) مدينة سعودية. وأحمد رجل محترم.

كلّ من : ينبع ، وأحمد مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وخبرهما على الترتيب : مدينة ، ورجل.

وتقول : تأبّط شرّا شاعر جاهلىّ ، فتكون الجملة الفعلية التى سمّى بها الشاعر منقولة إلى الاسمية دالة على علم ، فتكون مبتدأ مبنيّا فى محلّ رفع ، خبره (شاعر).

ومثله : نحمده طفل صغير ، وفتح الباب أستاذ التاريخ.

على أن كلّا من (نحمده وفتح الباب) جملة فعلية أطلقت على علم فتكون فى تركيبها فى محلّ رفع مبتدأ ، خبراهما (طفل ، وأستاذ).

وتقول : (فى) حرف جرّ ، و (إنّ) حرف توكيد ، فأنت بقولك : (فى وإن) إنما تعنى : الكلمة (فى) والكلمة (إنّ) ، فأنت تريد ذاتية الشىء ، وبذلك فقد نقلا من الحرفية إلى الاسمية ، فيكون كلّ منهما مبتدأ مبنيّا فى محلّ رفع ، لأن كلّا منهما اسم محكىّ بالنقل.

ومن ذلك أن تقول : (ضرب) فعل ماض ، و (ألا) حرف للحثّ ، و (محمد مجتهد) جملة اسمية. كلّ من : (ضرب) و (ألا) و (محمد مجتهد) مبتدأ مبنى فى محلّ رفع.

ملحوظة :

قد تكون الاسمية فى المبتدإ ملحوظة من السياق فتقدر باسم محذوف ، وذلك إذا كان ما يعطى مفهوم المبتدإ غير اسم وليس الخبر تعريفا له ، أى : ليس هو هو المبتدأ ، ولكنه صفته ، وذلك كقوله صلّى الله عليه وسلّم : «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة».

حيث التقدير : القول لا حول ... ، فيكون المبتدأ مقدرا بالقول ، أما المذكور فيكون بدلا منه ، و (كنز) خبر المبتدإ ، وقد يكون (لا حول ولا قوة إلا بالله) مبتدأ محكيّا فيكون مبنيّا فى محلّ رفع.

٣٢

ب ـ الابتدائية :

أى : تصدر الجملة ، حيث يجب أن يكون الاسم المبتدأ فى بدء الجملة الاسمية ، وهذه الابتدائية إما أن تكون ظاهرة ملفوظا بها ، وإمّا مفهومة ملحوظة إذا تصدرت الجملة حروف ابتدائية ، أو تأخر المبتدأ عن الخبر ، ويمكن استنتاج ذلك من المعنى ، فالاسم المراد الإخبار عنه يجب أن تبتدئ به الجملة ، كما يمكن استنتاجه من الملفوظ به. فإذا قلت : قوىّ الإرادة يصل إلى ما يريد ؛ فإن الاسم (قوى) ملفوظ به فى الابتداء ، وهو متجرد مراد الإخبار عنه ، فيكون المبتدأ ، أما إذا قيل : فى النحو رياضة عقلية ؛ فإننا نجد أن الملفوظ به فى بدء الجملة (فى) ، وهو حرف جر يستلزم مجرورا اسما ، وحرف الجر لا يصلح مبتدأ ؛ لأنه ليس باسم ، ولا منقول إلى الاسمية ، وكذلك كلّ ما يتعلق به من مجرور وتوابعه ، لذا فإن حقّ الابتدائية تكمن فى الاسم (رياضة) ، ويكون خبره شبه الجملة (فى النحو).

فالجملة الاسمية قد يلفظ فى ابتدائها بحروف الجر فلا تكون مبتدأ ، وكذلك كلّ ما يتعلق بها من مجرور ، ونعت له ، أو مضاف إليه ، أو بدل منه ، أو مؤكد له ، أو غير ذلك.

وقد يلفظ فى ابتداء الجملة الاسمية بالظرف الدالّ على زمان حدث ما فى الجملة أو مكانه فلا يكون مبتدأ ، وتعرف ذلك بأن الظرف يتضمن معنى (فى) ، فلا يكون مخبرا عنه ، وكذلك كلّ ما يتعلق به كالمضاف إليه ، وتابعه ، أو غير ذلك.

ولك فى الأمثلة الآتية نماذج :

ـ فى القاعة الكبيرة التى تقع فى الجانب الشرقىّ من الكلية طلبة الفرقة الرابعة.

ابتدأت الجملة بالكلمة (فى) ، وهى حرف ، فلا تصح أن تكون مبتدأ ، وكذلك كلّ كلمة يستدعيها حرف الجرّ ومجروره ، فالقاعة مجرورة بالحرف ، و (الكبيرة) نعت للمجرور ، و (التى) اسم موصول نعت ثان للمجرور ، و (تقع) جملة فعلية

٣٣

صلة الموصول ، و (فى الجانب) شبه جملة من جار ومجرور متعلقة بصلة الموصول ، و (الشرقى) نعت للجانب المتعلق بالصلة ، و (من الكلية) جارّ ومجرور شبه جملة لها علاقة بالجانب الشرقى ، فهى حال له ، وكلها لا تصلح للابتدائية ؛ لأنها متعلقة بحرف الجر ، أو متعلقة بما تعلق به ، أما (طلبة) فهو اسم مجرد ليس متعلقا بحرف الجرّ ، وبذلك يصلح للابتدائية ، فهو مبتدأ مؤخر ، وترتيب الجملة : طلبة الفرقة الرابعة فى القاعة ... ، فتكون شبه الجملة (فى القاعة) خبرا مقدما.

ويمكن أن تفهم مثل ذلك فيما يأتى : ـ على كل طالب وعلى كل صانع وعلى كل موظف مسؤوليات نحو الوطن.

المبتدأ مؤخر وهو (مسؤوليات) ، والخبر مقدم ، وهو شبه الجملة (على كل).

ـ فى القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين. شبه الجملة (فى القرآن) فى محلّ رفع خبر مقدم ، أما المبتدأ المؤخر فهو (شفاء).

ولكنك إذا قلت : صباح يوم الخميس القادم مقدم صديقى من سفره ، فأنت تريد أن تخبر عن صباح يوم الخميس بأنه موعد قدوم صديقك ، وعليه فإن صباحا يكون مبتدأ لأنه المراد الإخبار عنه ، ويكون (مقدم) خبرا له.

وإذا كنت تريد أن تجعل صباح يوم الخميس زمن قدوم صديقك متضمنا معنى (فى) ، أى : فى صباح يوم الخميس مقدم .. فإنك تجعل (مقدما) مبتدأ مؤخرا ، ويكون (صباح) منصوبا على الظرفية ، وشبه الجملة فى محلّ رفع خبر مقدم.

ج ـ التعريف :

يجب أن يكون المبتدأ معرفة ، ذلك لأنه المحور الذى ينبنى عليه الإخبار ، ولا يصحّ الإخبار عن نكرة ، كما أن المستفاد من المتحدث إلى المستمع إنما هو المعنى الإخبارىّ الذى يتمم الجملة الاسمية ، فهو المعنى المجهول لديه ، أما المخبر عنه فإنه يجب أن يكون المعنى المعلوم لديه ؛ لذا وجب افتراض معلومية المبتدإ لدى كلّ من المتحدث والمستمع ، فلا يصح بناء مجهول على مجهول محض ، ولذا فقد أجمع

٣٤

النحاة على عدم الابتداء بالنكرة المحضة ؛ لأنها مجهولة ، والحكم على المجهول لا يفيد غالبا إلا إن حصلت به فائدة (١) ؛ لذلك وجب أن يكون المبتدأ معرفة.

د ـ التجرد من العوامل اللفظية :

يجب أن يتجرد المبتدأ من العوامل اللفظية التى تؤثر فيه نحويّا ، ويقصد بها الأفعال والحروف التى تختص بالدخول على الجملة الاسمية.

فالأفعال المؤثرة لفظيا فى المبتدإ والخبر هى : كان وأخواتها ، وأفعال المقاربة والرجاء والشروع ، وأفعال القلوب.

وأما الحروف المؤثرة لفظيا فى المبتدإ والخبر فهى : (إن) وأخواتها ، وما الحجازية التى تعمل عمل ليس ، والمشبهات بـ (ليس) و (ما الحجازية ، ولات ، وإن النافية ، ولا) ، ثم لا النافية للجنس ، وحروف الجر.

فهذه الأفعال والحروف تنسخ إما الخبر وإما المبتدأ ، أى : تغير الحكم الإعرابىّ له ، حيث تنصبه بعد أن كان مرفوعا ، أو تجرّه ، فكلها عوامل لفظية.

ملحوظة :

لكننى أنوه إلى أن حرف الجرّ قد يكون زائدا ، فيكون ما بعده متخذا الموقع الإعرابى له كما لو كان حرف الجر غير موجود ، ومن ذلك أن يقع حرف الجرّ زائدا قبل المبتدإ ، فيتأثر المبتدأ لفظا أو نطقا ، لكنه لا يتأثر إعرابيا محلا ، حيث يحتفظ بابتدائيته ، ولا يكون الحرف متعلقا بفعل ولا باسم ، ولا ينوى له محذوف ، ويكون ذلك مع الحروف : الباء ومن ، وربّ ، والواو النائبة عن رب ، وربما كان (لعل) فى لغة عقيل ، ومثل ذلك فى التراكيب الآتية : ـ بحسبك كذا ، حيث الباء حرف جر زائد ، و (حسب) مبتدأ مرفوع مقدرا.

ومنه قول الشاعر :

__________________

(١) ينظر : شرح التصريح ١ ـ ١٦٨

٣٥

بحسبك أن قد سدت أخزم كلّها

لكلّ أناس سادة ودعائم (١)

أى : حسبك سيادتك ، فتكون (حسب) مبتدأ مقدرا ، خبره المصدر المؤول (أن قد سدت).

ـ فتحت الباب فإذا بمحمد ، حيث (محمد) مبتدأ خبره محذوف ، والباء حرف جر زائد. وقد يعرب خبرا لمبتدإ محذوف. والتقدير : فإذا محمد موجود ، أو : هو محمد.

ـ ما من إله إلا الله ، حيث (من) استغراقية حرف جر زائد ، و (إله) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.

ومنه قول النابغة الذبيانى :

وقفت فيها أصيلانا أسائلها

أعيت جوابا وما بالربع من أحد (٢)

__________________

(١) (بحسبك) الباء : حرف جر زائد مبنى لا محل له من الإعراب. حسب : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وهو مضاف وضمير المخاطب مبنى فى محل جر مضاف إليه. (أن قد سدت) أن : حرف ناسخ مخفف من الثقيلة مؤكد مبنى لا محل له من الإعراب. واسمه ضمير الشأن محذوف. قد : حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب. سدت : فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المخاطب مبنى فى محل رفع فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر أن ، والمصدر المؤول فى محل رفع خبر المبتدإ (حسب). (أخزم) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (كلها) كل : توكيد معنوى منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، وضمير الغائبة مبنى فى محل جر مضاف إليه. (لكل) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. كل : مجرور بعد اللام وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة فى محل رفع خبر مقدم. (أناس) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. (سادة) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (ودعائم) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. دعائم : معطوف على سادة مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

(٢) الكتاب ٢ ـ ٣٢١ / معانى الفراء ١ ـ ٢٨٨ / المقتضب ٤ ـ ٤١٤ / شرح ابن يعيش ٢ ـ ٨٠ / ٨ ـ ١٢ / ٩ ـ ١٤٣ / شرح التصريح ٢ ـ ٢٦٧ / الدرر ٣ ـ ١٥٩ / ديوانه ١٦.

(وقفت) وقف : فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم مبنى فى محل رفع فاعل .. (فيها) فى :حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبة مبنى فى محل جر بفى ، وشبه الجملة متعلقة بالوقوف. (أصيلانا) منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة. (أسائلها) أسائل : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا. وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب مفعول به.

والجملة الفعلية فى محل نصب حال. (أعيت) أعيى : فعل ماض مبنى على الفتح المقدر منع من

٣٦

حيث قوله : (وما بالربع من أحد) جملة اسمية ، فيها شبه الجملة (بالربع) فى محل رفع خبر مقدم ، و (من) حرف جر زائد مبنى لا محلّ له من الإعراب ، (أحد) مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

وقوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) [فاطر : ٣] (١).

(فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) [الأعراف : ٥٣] (٢).

أما جرّ المبتدإ بعد (لعلّ) على أنها حرف جر شبيه بالزائد فإنه يكون فى لغة عقيل ، ويستشهد له بقول كعب بن سعد الغنوى :

فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة

لعلّ أبى المغوار منك قريب

__________________

ظهورها التعذر ، والتاء حرف تأنيث مبنى لا محل له من الإعراب. (جوابا) تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وقد يكون

مصدرا واقعا موقع الحال منصوبا ، والتقدير : أعيت مجيبة. وقد تجعلها منصوبة على نزع الخافض ، ويكون التقدير : أعيت بجواب. (وما) الواو : للابتداء أو للحال حرف مبنى لا محل له من الإعراب.

ما : حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (فى الربع) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الربع : اسم مجرور بعد فى وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة فى محل رفع خبر مقدم. (من أحد) من : حرف جر زائد مبنى لا محل له من الإعراب. أحد : مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد.

(١) (هل) حرف استفهام مبنى لا محل له من الإعراب. (من) حرف جر زائد مبنى لا محل له من الإعراب.

(خالق) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

(غير) نعت لخالق مرفوع على المحل وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، ولفظ الجلالة (الله) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. (يرزقكم) يرزق : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. وضمير المخاطبين مبنى فى محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدإ.

(٢) (هل) حرف استفهام مبنى لا محل له من الإعراب. (لنا) اللام حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب.

وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر باللام. وشبه الجملة فى محل رفع خبر مقدم. (من) حرف جر زائد مبنى لا محل له من الإعراب. (شفعاء) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وهى الفتحة النائبة عن الكسرة. (فيشفعوا) الفاء سببية حرف مبنى لا محل له من الإعراب. يشفعوا فعل مضارع منصوب بعد فاء السببية أو أن المضمرة بعدها ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع فاعل. (لنا) اللام حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر باللام. وشبه الجملة متعلقة بالشفاعة.

٣٧

وفيه (لعلّ) حرف جر شبيه بالزائد ، و (أبى) مبتدأ مرفوع بالواو المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد ، وهى الياء. وخبره (قريب) مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

ومثله قول الآخر :

لعلّ الله فضّلكم علينا

بشىء أنّ أمّكم شريم (١)

والجملة الاسمية فيه (الله فضلكم) ، و (لعل) حرف جر شبيه بالزائد ، ولفظ الجلالة مبتدأ مرفوع مقدرا ، والجملة الفعلية (فضلكم) فى محل رفع خبر المبتدإ.

ـ ربّ رجل صالح أجالسه ، (رب) حرف جر شبيه بالزائد ، (رجل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. وقد تنوب الواو عن (رب) ، ويجر المبتدأ بعدها ، كما هو فى قول أبى بصير الأعشى ميمون بن جندل :

وقصيدة تأتى الملوك غريبة

قد قلتها ليقال من ذا قالها (٢)؟

__________________

(١) (لعل) حرف جر شبيه بالزائد مبنى لا محل له من الإعراب. (الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. (فضلكم) فضل : فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : هو. وضمير المخاطبين مبنى فى محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية فى محل رفع خبر المبتدإ. (علينا) على : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب.

وضمير المتكلمين مبنى فى محل جر بعلى ، وشبه الجملة متعلقة بالتفضيل. (بشىء) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. شىء : اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بالتفضيل.

(أن) حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. (أمكم) أم : اسم أن منصوب وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، وضمير المخاطبين مبنى فى محل جر مضاف إليه. (شريم) خبر أن مرفوع وعلامة رفعه الضمة : والمصدر المؤول فى محل جر بدل من شىء ، ويجوز أن تجعله فى محل رفع خبر لمبتدإ محذوف ، والجملة الاسمية فى محل جر نعت لشىء ، والتقدير : هو أن أمكم شريم.

(٢) شذور الذهب ١٤٦ / قطر الندى ٢٢ / الدرر ١ ـ ٢٦٩.

(وقصيدة) الواو : واو (رب) أى النائبة عن (رب) حرف جر شبيه بالزائد مبنى لا محل له من الإعراب.

قصيدة : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. (تأتى) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها الثقل. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هى. والجملة الفعلية نعت لقصيدة فى محل جر لفظا ، أو في محل رفع محلا. (الملوك) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. (غريبة) نعت ثان لقصيدة مرفوع محلا ، أو مجرور لفظا. (قد) حرف تحقيق مبنى لا محل له من الإعراب. (قلتها) قال : فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير

٣٨

حيث الواو واو (رب) حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب ، و (قصيدة) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد.

ه ـ الإخبار عنه :

وهو مفهوم مما سبق ، حيث تنشأ الجملة الاسمية لتتكون من رابط بين المتحدث والمستمع وهو المبتدأ الاسم ، الذى يبنى عليه معنى آخر يريد المتحدث أن ينقله إلى المستمع أو القارئ وهو المعنى الكامن فى الخبر ، ومن أجل هذا الإخبار تنشأ الجملة الاسمية ، فالمبتدأ ينشأ عليه كلام هو المخبر به.

وصفة الإخبار عن المبتدإ أفضل من صفة الإسناد إليه ؛ لأن المبتدأ قد يكون مسندا لا مسندا إليه الحكم ، نحو قولك : أفاهم الطالبان؟ حيث (فاهم) مبتدأ بالضرورة مرفوع ، وهو يتضمن الحكم المسند ، أما (الطالبان) فهو فاعل مرفوع سدّ مسدّ الخبر ، وهو المسند إليه الحكم.

وأودّ أن أضيف إلى ما سبق من شروط أو سمات للمبتدإ صفة أو سمة خاصة ، وهى :

و ـ المعلومية :

ذكرنا أنه يجب أن يتوافر فى الجملة الاسمية طرفان أحدهما معلوم ، والآخر مجهول ، والمعلوم هو منشأ الحديث وأساسه بين طرفى الحديث (المتحدث والمستمع) ، وهو الذى يبنى عليه الطرف الثانى المجهول ؛ لذا كان المعلوم مفتتح الجملة وصدرها ، وهو المبتدأ ، ولا يعقل أن نتخيل جملة بلا طرف معلوم ، وقد

__________________

المتكلم التاء مبنى فى محل رفع فاعل ، وضمير الغائبة مبنى في محل نصب مفعول به ، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدإ. (ليقال) اللام حرف تعليل مبنى لا محل له من الإعراب. متعلقة بالقول يقال : فعل مضارع منصوب بعد لام التعليل ، أو بعد أن المضمرة بعد لام التعليل ، والمصدر المؤول في محل جر باللام ، وشبه الجملة متعلقة بالقول. (من) اسم استفهام مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ. (ذا) اسم موصول مبنى فى محل رفع خبر المبتدإ. والجملة الاسمية الاستفهامية فى محل رفع نائب فاعل القول. (قالها) قال : فعل ماض مبنى على الفتح. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. وضمير الغائبة مبنى فى محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

٣٩

تكون هذه المعلومية افتراضية ، كأن تقول : رجل كريم أتانا ، حيث المعلومية تفترض فى وصف المبتدإ ، وقد تفترض فى مجرد إرادة الإخبار عنه ، كقولك : عصفور طار ، أو : اصطدناه ، ولذلك فإنك تكرره في التركيب.

ولا جدال فى أن المعلومية قد تكون حقيقية بين طرفى الحديث ، كأن تقول : محمد مؤدب ، أو : الرجل قد أتانا ، فهو رجل معهود بين المتحدث والمستمع.

نستطيع أن نتلمس معلومية ما يبتدأ به بين طرفى الحديث من قول سيبويه : «فإذا قلت : كان زيد فقد ابتدأت بما هو معروف عنده مثله عندك ، فإنما ينتظر الخبر ، فإذا قلت : حليما فقد أعلمته مثل ما علمت» (١).

من كلّ هذا يمكن القول بأن المبتدأ هو : الاسم المجرد من العوامل النحوية اللفظية غير المزيدة الذى يجب أن تبتدئ به الجملة الاسمية ابتداء ملفوظا أو ملحوظا للإخبار عنه ، وتفترض فيه المعلومية.

قد تلحق به حرف الباء المؤكد فيغير من ضبطه الإعرابى الملفوظ ، وقد تلحق به بعض الحروف الأخرى فلا تؤثر فيه لفظا ، نحو : حروف الابتداء ، والحث والتحضيض ، والردع ، والتنبيه ... إلخ.

إعرابهما والعامل الإعرابى فيهما

المبتدأ والخبر محلّهما الرفع لا غير ما داما خاليين من العوامل النحوية المؤثرة ، فكلّ من المبتدإ والخبر مرفوع ما دام يحتمل علامة من علامات الرفع الأصلية أو الفرعية ظاهرة أو مقدرة ، أو يكون فى محل رفع إن لم يحتمل ذلك ، وإن كان مبنيا فهو فى محلّ رفع ، ومن أمثلة ذلك : قولك : الصدق منجاة ، كل من (الصدق ومنجاة) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

الصديقان وفيان. كل من المبتدإ (الصديقان) والخبر (وفيان) مرفوع ، وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى ، وذلك نيابة عن الضمة.

__________________

(١) الكتاب ١ ـ ٤٧.

٤٠