النحو العربي - ج ١

إبراهيم إبراهيم بركات

النحو العربي - ج ١

المؤلف:

إبراهيم إبراهيم بركات


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النشر للجامعات
الطبعة: ١
ISBN: 977-316-204-4
الصفحات: ٤٦٣

أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ)(١) [البقرة : ٢٧٤]. خبر المبتدإ الاسم الموصول (الذين) هو الجملة الاسمية (لهم أجرهم) ، وقد قرن الخبر بفاء الجواب أو الجزاء تشبيها له بالتركيب الشرطى.

وشرط الاسم الموصول المبتدإ وصلته كى يجوز دخول الفاء على خبره ما يأتى :

ـ أن تكون الصلة جملة فعلية ، أو شبه جملة.

ـ أن تباشر الصلة الاسم الموصول ، فلا يفصل بينهما بفاصل ، كالفصل بحرف استقبال أو لّما أو ما أو ليس ؛ لأن أداة الشرط لا يصح أن تدخل على شىء من ذلك.

ـ ألا يدخل على الاسم الموصول عامل يغير معنى الابتداء فيه كالحروف الناسخة أو الأفعال الناقصة.

ـ أن يكون الخبر مستحقا بالصلة ، أى : الصلة تكون شرطا لاستحقاق معنى الخبر ، فالأجر فى الآية السابقة وهو معنى الخبر مترتب على الإنفاق وهو معنى الصلة.

ومنه قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣].

وأن تقول : الذى يأتينى فله احترامه ، الذى عندى فمكرم.

__________________

(١) (الذين) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (ينفقون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (أموالهم) أموال : مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف وضمير الغائبين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه ، (الليل) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الليل : اسم مجرور بعد الباء وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بالإنفاق. (والنهار) الواو : حرف عطف مبنى لا محل لها من الإعراب. النهار : معطوف على الليل مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (سرا) نعت لمصدر محذوف منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والتقدير : إنفاقا ذا سر ، فيكون نائبا عن المفعول المطلق. وقد يكون مصدرا واقعا موقع الحال منصوبا ، وقد يكون حالا منصوبة مؤولة بالمشتق. (وعلانية) الواو حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب. علانية : معطوف على سر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(فلهم) الفاء : فاء الجزاء والجواب حرف مبنى لا محل له من الإعراب. اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبين مبنى فى محل جر باللام. وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم.

(أجرهم) أجر : مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف وضمير الغائبين مبنى فى محل جر ، مضاف إليه. والجملة الاسمية (لهم أجرهم) فى محل رفع ، خبر المبتدإ الاسم الموصول.

١٠١

وقوله تعالى : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)(١) [الشورى : ٤١].

ب ـ أن يكون المبتدأ نكرة موصوفة بما يجوز أن يكون صلة تجيز دخول الفاء على الخبر ، أى : تكون موصوفة بحدث أو ما يشبه الحدث ، ولا يفصل بينهما ، وألا يدخل على النكرة ما يغير موقعها فى الابتداء ، وأن يكون الخبر مستحقّا بالصفة.

ذلك لكى يكون فيها معنى الشرط فتدخل الفاء على الخبر تشبيها بمعنى الجزاء (٢) ، ومثل ذلك أن تقول : طالب يجدّ فى دروسه فهو جدير بالتفوق ، حيث المبتدأ (طالب) نكرة موصوفة بالجملة الفعلية (يجدّ) ، وخبره الجملة الاسمية (هو جدير) وهى مقرونة بفاء الجواب والجزاء.

ومن ذلك : عامل مهمل فهو يستحقّ العقاب.

قاعة مضاءة فهى مهيّأة للمحاضرات.

ج ـ (كل) مبتدأ مضافا إلى الاسم الموصول أو النكرة : كأن يقال : كلّ من يأتينى فمكرم ، كلّ نعمة فمن الله (٣). حيث (كلّ) فى الموضعين مبتدأ مرفوع ، خبره مقرون بفاء الجواب أو الجزاء : (فمكرم ، فمن الله).

__________________

(١) (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ (انتصر) فعل الشرط ماض مبنى على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. (بعد ظلمه) بعد : ظرف زمان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة متعلق بالانتصار. وهو مضاف ، وظلم : مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. وهو مضاف وضمير الغائب مبنى فى محل جر مضاف إليه. (فأولئك) الفاء : حرف واقع فى جواب الشرط للجزاء والتوكيد مبنى لا محل له من الإعراب. أولئك : اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (ما) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (عليهم) على : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائبين مبنى في محل جر بعلى ، وشبه الجملة فى محل رفع ، خبر مقدم. (من سبيل) من : حرف جر زائد مبنى لا محل له من الإعراب. سبيل : مبتدأ مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. والجملة الاسمية (ما عليهم من سبيل) فى محل رفع ، خبر المبتدإ.

والجملة الاسمية (أولئك ما عليهم من سبيل) فى محل جزم جواب الشرط.

ويجوز أن تجعل (من) اسما موصولا مبتدأ ، وجملة (انتصر) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

وجملة (أولئك ما عليهم من سبيل) فى محل رفع ، خبر المبتدإ.

(٢) يرجع إلى الكتاب ١ ـ ١٣٩ ، ١٤٠ / المقتضب ٣ ـ ١٩٥ / المفصل ٢٧.

(٣) ينظر : التسهيل ٥١ / الهمع ١ ـ ١١٠.

١٠٢

وتقول : كلّ طالب يجد فى دروسه فهو جدير بالاحترام (١).

د ـ المبتدأ الموصوف بالاسم الموصول : كأن تقول : هذا الذى يذاكر بجد فينال الاحترام. على أن الاسم الموصول (الذى) نعت للمبتدإ اسم الإشارة ، فتكون الجملة الفعلية (يذاكر) صلة الموصول ، وتكون الجملة الفعلية (ينال) فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، وهى مقرونة بفاء الجواب أو الجزاء.

ومنه : هؤلاء الذين يصغون فى شغف فيفهمون الحديث.

ملحوظتان :

الأولى : أجاز الأخفش دخول الفاء على خبر المبتدإ فى كل موضع.

الثانية : الفاء والخبر الأمرى.

كما تزاد الفاء فى الخبر مطلقا إذا كان جملة أمرية ، نحو : محمد فكافئه ، علىّ فاستمع إليه ، زيد فاضربه. كلّ من : (محمد وعلى وزيد) مبتدأ مرفوع ، والخبر على الترتيب (كافئه ، استمع إليه ، اضربه) ، وهو جملة طلبية ، فحسن ربط الخبر بالمبتدإ بواسطة فاء الجواب أو الجزاء ، وذلك بتصديرها الخبر.

اقتران الخبر بالواو :

قد يذكر خبر المبتدإ مسبوقا بالواو ، فيكون ما بعدها تركيبا شرطيا بالضرورة ، نحو : صديقى وإن كان مخاصما لى فسأزوره.

تلحظ أن جملة (فسأزوره) جملة جواب الشرط ، كما أنها تتضمن المعنى الذى يخبر به عن المبتدإ (صديقى) ، كما تلحظ أن الواو تسبق التركيب الشرطى.

__________________

(١) (كل) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وهو مضاف ، و (طالب) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (يجد) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو. والجملة الفعلية فى محل جر ، نعت بطالب. (فى دروسه) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب.

دروس : اسم مجرور بعد في وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف وضمير الغائب مبنى في محل جر ، مضاف إليه. وشبه الجملة متعلقة بالجد. (فهو) الفاء حرف جواب وجزاء مبنى لا محل له من الإعراب.

هو : ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (جدير) خبر المبتدإ. (بالاحترام) الباء حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. الاحترام : اسم مجرور بعد الباء وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة متعلقة بالجدارة.

١٠٣

ونقرأ عند النحاة : (زيد وإن كثر ماله فهو بخيل ، فهى زائدة على التحقيق لمجرد الوصل ، والواو للحال ، أى : زيد بخيل والحال أنه كثر ماله ، وقيل : شرطية حذف جوابها للدلالة عليه ببخيل ، والواو للعطف على مقدر ، أى : إن لم يكثر ماله وإن كثر فهو بخيل ، ولكن ليس المراد بالشرط فيه حقيقة

التعلق ، إذ لا يعلق على الشرط ونقيضه معا ، بل التعميم ، أى : أنه بخيل على كل حال) (١).

ونظرة فيما سبق نجد أنه : ـ لا يراد بالتركيب الواقع بعد المبتدإ شرط ؛ لأنه ليس فيه تعليق شىء على شىء ، ولا يتراتب البخل على كثرة المال ، ولا الزيارة على المخاصمة ، كما أن تعليق معنى الجملتين ليس معقولا معنويا.

ـ معنى الإخبار عن المبتدإ كامن فى ما ظاهره جملة جواب الشرط.

لا يجوز أن نجعل جملة الجواب خبرا عن المبتدإ ، وذلك لصحة بنيتها لفظيا فى التركيب الشرطى ، وعدم توافر هذه الصحة مع الإخبار ، فقد تقترن بالفاء فى موضع ليس محتملا لها.

فلا يجوز القول : زيد فبخيل ، أو : صديقى فسأزوره.

ـ لا يقصد ـ معنويا ـ أن تكون جملة الشرط حالا ؛ لأنه ليس المقصود أن يعبر عن بخل زيد فى حال كثرة ماله ، أو عن زيارتى لصديقى فى حال مخاصمته لى.

ـ المقصود المعنوى من الجملة التعبير عن بخل زيد فى كل حال ، وزيارة الصديق فى كل حال.

ـ من مجموع الملحوظات السابقة نستطيع أن نستنتج أن المعنى الملائم للواو فى مثل هذا الموضع هو معنى الإحاطة والتأكيد ، حيث يؤكد المتحدث ما فيه معنى الخبر ، وهو جملة جواب الشرط ، بذكر ما يحتمل عدم حدوثه ، وهو المعنى الكامن فى جملة الشرط ، وكى لا يتوهم فى هذا المعنى أنه عارض بالحالية فقط فيؤتى بالواو لتدلل على أن هذا المعنى في كل حال ، الحال المذكورة ، والحال المناقضة.

ولذلك فإننى أرى أن هذه الواو تعطى معنى الإحاطة والتوكيد ، الإحاطة من توهم

__________________

(١) شرح التصريح ٢ ـ ١٠٨.

١٠٤

المستمع أن علاقة الخبر بالمبتدإ علاقة عارضة حادثة فى حال معينة ، وتأكيد هذه العلاقة ، والمعنيان متكاملان.

فظاهر هذا التركيب أن يذكر المبتدأ ويليه تركيب شرطىّ ، بين جملتيه شبه تناقض أو عدم تطابق معنوى ، ويفصل بين المبتدإ والتركيب الشرطى حرف الواو ، من أمثلة ذلك : الطالب وإن أهمل اليوم فهو متدارك ذلك.

المؤمن وإن أذنب مرة فسيتوب إلى ربه.

محمود وإن أخلصت له فهو غير ودود لك.

الطائر وإن وضعته فى قفص من ذهب فهو لا يطيق سجنك له (١).

__________________

(١) (الطائر) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (وإن) الواو للإحاطة والتوكيد حرف مبنى لا محل له من الإعراب. إن : حرف شرط جازم مبنى على السكون لا محل له من الإعراب. (وضعته) وضع : فعل الشرط ماض مبني على السكون ، وضمير المخاطب التاء مبنى في محل رفع ، فاعل ، وضمير الغائب الهاء مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (فى قفص) فى : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب.

قفص : اسم مجرور بعد فى ، وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بالوضع. (من ذهب) من : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب ذهب : اسم مجرور بعد من ، وعلامة جره الكسرة. وشبه الجملة فى محل جر ، صفة لقفص. (فهو) الفاء حرف رابط الشرط للجزاء بجوابه مبنى لا محل له من الإعراب. هو : ضمير مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (لا يطيق) لا : حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. يطيق : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. والجملة الفعلية (لا يطيق) فى محل رفع ، خبر المبتدإ هو. وجملة جواب الشرط (فهو لا يطيق) فى محل جزم.

والتركيب الشرطى فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (سجنك) سجن : مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف وضمير المخاطب الكاف مبنى فى محل جر ، مضاف إليه.

١٠٥

قضية المطابقة بين المبتدإ والخبر

الخبر معنويا إخبار عن المبتدإ ، ولذلك فإنه يتضمنه ، وهذا يؤدى إلى أنهما يجب أن يتطابقا فى جوانب : ـ العدد (الإفراد والتثنية والجمع).

ـ الجنس (التذكير والتأنيث).

ـ الإعراب (حيث يرفع كلّ منهما).

ـ أما جانب التعيين (التعريف والتنكير) فإن المثالية فيه أن يكون المبتدأ معرفة ، والخبر نكرة ، وقد يخرجان عن ذلك ـ كما ذكرنا ـ فتقول : هذا رجل صادق. هذان رجلان صادقان. هؤلاء رجال صادقون.

هذه امرأة صادقة. هاتان امرأتان صادقتان. هؤلاء نساء صادقات.

تلحظ أوجه المطابقة بين المبتدإ والخبر ، كما تقول : المهذب محترم. المهذبان محترمان. المهذبون محترمون. المهذبة محترمة. المهذبتان محترمتان. المهذبات محترمات.

ونلحظ جانبا آخر من التطابق بين المبتدإ والخبر فيما إذا كان الخبر جملة فعلية ، وهو جانب التشخيص (الغيبة والتكلم والخطاب) ، حيث يضامّ إلى الفعل سابقة أو لا حقة تدلّ على هذا الجانب بما يتلاءم مع المبتدإ ، فتقول : أنا أرغب فى صلاح الأمور ، حيث السابقة الهمزة تدل على المتكلم.

نحن نرغب ... (السابقة النون دالة على المتكلمين والمتكلمين ذكورا وإناثا ، حيث الحضور يفرق بين كلّ).

هو يرغب ... (السابقة الياء دالة على الغائب).

هى ترغب ... (السابقة التاء دالة على الغائبة).

١٠٦

هما يرغبان ... (السابقة الياء واللاحقة الألف الدالتان على الغائبين).

هما ترغبان ... (السابقة التاء واللاحقة الألف الدالتان على الغائبتين).

هم يرغبون ... (السابقة الياء واللاحقة الواو الدالتان على الغائبين).

هن يرغبن ... (السابقة الياء واجتماعها مع اللاحقة النون المتحركة مع بناء الفعل على السكون دلالة على الغائبات).

ومثل ذلك يمكن ملاحظته إذا كان الحديث للخطاب ، فتقول : أنت ترغب ، أنت ترغبين ، أنتما ترغبان ، أنتما ترغبان ، أنتم ترغبون ، أنتنّ ترغبن.

تلحظ أن ما يدل على المخاطبين والمخاطبتين واحد ؛ ذلك لأن الخطاب يستوجب الحضور ، فيعرف به المذكران من المؤنثين.

ومثله أن تقول : الطالب يؤدى واجبه ، الطالبان يؤديان واجبهما ، الطلاب يؤدّون واجبهم.

الطالبة تؤدّى واجبها ، الطالبتان تؤدّيان واجبهما ، الطالبات يؤدّين واجبهن.

أنت تؤدى واجبك ، أنتما تؤدّيان واجبكما ، أنتنّ تؤدّين واجبكنّ.

أنا أؤدّى واجبى ، نحن نؤدّى واجبنا.

ولا بدّ من التنويه إلى بعض الأنماط التى تختلف فيها المطابقة بين المبتدإ والخبر لعلل معنوية أو لفظية. منها :

أولا : الخلاف فى العدد :

قد يختلف الخبر مع المبتدإ فى جانب العدد لكن كلا منهما يتضمن الآخر ، من ذلك : البرتقالة شقان ، والمنزل ثلاثة طوابق ، المجتمع عشرة أحزاب.

تلحظ أن الخبر يتعدد معنى ، والمبتدأ مفرد معنى ، لكنه يتضمن كلّ أجزاء الخبر.

١٠٧

وقد يكون الخلاف العددى على نقيض ما سبق ، فتقول : أنتم رجل واحد. القرى الخمس والأربعون مركز واحد (١). الأحد عشر مركزا محافظة واحدة (٢).

(الأحد عشر) مبتدأ مبنى على فتح الجزأين فى محلّ رفع خبره (محافظة) مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

وإذا كان الخبر اسم تفضيل مضافا إلى نكرة أو مجردا من الإضافة والتعريف فإنه يلزم الإفراد والتذكير ، نحو قولك : محمد أفضل رجل ، والمحمدان أفضل رجلين ، والمحمدون أفضل رجال ، وهند أفضل طالبة ، والهندان أفضل طالبتين ، والهندات أفضل طالبات.

وكذلك : محمود أفضل من الباقين ، والمحمودان أفضل منهم ، والمحمودون أفضل منهم ، وفاطمة أفضل من الباقيات ، والفاطمتان أفضل منهن ، والفاطمات أفضل منهن.

كما أن الخبر إذا كان علي وزن (فعيل) فإنه يخبر به مفردا عن جمع ، من ذلك قوله ـ تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم : ٤] ، حيث (الملائكة) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو جمع ، خبره المفرد (ظهير) ، وهو على مثال (فعيل).

ومنه قول الشاعر :

هنّ صديق للذى لم يشب

__________________

(١) (القرى) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. (الخمس) نعت للقرى مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (والأربعون) الواو : حرف عطف مبنى لا محل له من الإعراب.

الأربعون : معطوف على الخمس مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. (مركز) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (واحد) نعت لمركز مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

(٢) (الأحد عشر) مبتدأ مبنى على فتح الجزأين فى محل رفع. (مركزا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.

(محافظة) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. (واحدة) نعت لمحافظة مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.

١٠٨

ثانيا : الخلاف مع الخبر اسم المعنى :

إذا كان الخبر اسم معنى فإنه قد يختلف مع المبتدإ فى أكثر من جانب من جوانب المطابقة ، مثال ذلك : هنّ تمام كلّ نعمة. (هن) ضمير مبنى فى محلّ رفع ، مبتدأ ، خبره اسم المعنى (تمام) ، تلحظ عدم المطابقة فى العدد والجنس.

ومثله : أضدادكم سبب كل فرقة ، أنتم سعادتى ، هما قلقى ومللى.

تلحظ أن العلاقة المعنوية بين المبتدإ والخبر علاقة تعليلية.

ومنه قوله ـ تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢٢٣].

ثالثا : الخلاف فى وجود محذوف :

قد يقع الخلاف بين المبتدإ والخبر فى أكثر من جانب من جوانب التطابق لوجود محذوف فى أحدهما ، وذلك فى صورتين :

إحداهما : أن يكون الخبر من جنس المبتدإ لفظا ومعنى ، حينئذ يجوز حذف أحدهما ، وإحلال ما أضيف إليه محلّه ، فيختلف ما أصبح مبتدأ أو خبرا مع الخبر أو المبتدإ المذكورين فى جانب أو أكثر من جوانب المطابقة ، ذلك نحو : أنتم الفئة التى يعتمد عليها ، حيث الضمير (أنتم) وهو دالّ على الجمع المذكر مبتدأ فى محل رفع ، خبره (الفئة) وهو دالّ على المفردة ، فاختلفا في العدد والجنس ؛ لأن التقدير : فئتكم الفئة التى يعتمد عليها ، وتلحظ أن المبتدأ والخبر من جنس واحد لفظا ومعنى.

ومثله أن تقول : الفئة التى يعتمد عليها طلاب الجامعات ، والتقدير : فئة طلاب الجامعات.

والأخرى : أن يكون المحذوف مقدرا من خلال السياق ، سواء أكان مبتدأ أم خبرا ، فيقام ما أضيف إليه مقامه ، ويحدث الخلاف ، مثال ذلك فى إعراب القول :

١٠٩

القرية التى زرناها كريمة) : القرية مبتدأ مرفوع (١) ، والتقدير : لفظ القرية مبتدأ.

وتقول فيه كذلك : كريمة خبر مرفوع ، والتقدير لفظ كريمة ...

ومثله أن تقول : (إن) حرف ناسخ ، أو : الفتيات جمع مؤنث سالم ... إلخ.

رابعا : الخلاف مع الخبر السببى :

نتذكر أن النعت السببىّ يلزم الإفراد ومثله الخبر السببى ، فإذا كان الخبر سببيا فإنه قد يحدث بينه وبين المبتدإ خلاف فى أكثر من جانب من جوانب المطابقة ، مثال ذلك أن تقول : هذه القرية كريم أهلها. حيث اسم الإشارة (هذه) مبتدأ مبنى فى محل رفع ، خبره (كريم) ، وقد اختلفا فى جانب الجنس.

وتقول : الطلاب مرتفعة درجاتهم. فيكون المبتدأ (الطلاب) مختلفا مع خبره (مرتفعة) فى العدد والجنس.

هذا بخلاف ما إذا قلت : القرية كرماء أهلها ، حيث يكون خبر (القرية) الجملة الاسمية (كرماء أهلها) المكونة من خبر مقدم ومبتدإ مؤخر (٢).

__________________

(١) حيث (القرية مبتدأ مرفوع) جملة ، فالقرية ليست هى المبتدأ ، وإنما يقدر محذوف سياقيا ، وهو : كلمة أو لفظ ... ، ومثل ذلك فى الجملة : كريمة خبر مرفوع ، حيث التقدير : كلمة أو لفظ كريمة خبر مرفوع.

(٢) ارجع إلى قضية (ما يسد مسد المبتدإ والخبر). والخبر السببى.

١١٠

اجتماع المعرفتين فى الجملة الاسمية

قد تجتمع المعرفتان فى الجملة الاسمية بحيث يتم الإخبار بذكرهما ، أى : يكونان جملة اسمية تامة ، وحينئذ يختلف النحاة فيما بينهم فى كون أى من المعرفتين المبتدأ ، وأيهما الخبر على النحو الآتى :

أولا : المقدم منهما هو المبتدأ :

يفهم من كلام سيبويه أن المقدم منهما هو المبتدأ قياسا على ما ذكره (١) ، ومنه القول : أنت أنت ، فأنت الأولى مبتدأة ، والثانية مبنية عليها (٢) ، ونقرأ عند الزمخشرى قوله : (وقد يقع المبتدأ والخبر معرفتين معا ، كقولك : زيد المنطلق ، والله إلهنا ، ومحمد نبيّنا) (٣).

ثانيا : حسب درجة التعريف :

يذهب مجموعة إلى أن درجة التعريف أو رتبته هى التى تحدد نوع ركنى الجملة الاسمية المعرفتين ، حيث يكون الأعرف هو المبتدأ ، والآخر هو الخبر ، وإن تساوت رتبتا تعريفهما فالأسبق هو المبتدأ.

ثالثا : الوصف هو الخبر :

يرى أن الاسم يتعين بالابتداء ، أما الوصف فهو الخبر.

رابعا : الأعم هو الخبر :

يرى بعضهم أن الأعمّ فى المعنى يكون الخبر ، فإذا قيل : محمد صديقى ، فإن صديقا يكون الخبر لأنه أعمّ فى المعنى ، ومفهوم أن لكل امرئ أصدقاء يتنوع أسماؤهم.

__________________

(١) يرجع إلى : الكتاب ١ ـ ٢٣.

(٢) السابق ٢ ـ ٣٥٩.

(٣) المفصل ٢٦.

١١١

خامسا : بحسب علم المخاطب :

يحدد المبتدأ بحسب علم المخاطب ، فإن علم منه أنه فى علمه أحد الأمرين بطريقة أو بأخرى فالمعلوم هو المبتدأ ، والمجهول هو الخبر.

وبالنظر الدقيق فى طبيعة اللغة والغرض الدلالى من إنشائها نلحظ ما يأتى : ـ اللغة منطوقة وليست مكتوبة ، فهى ملفوظة وحادثة بين طرفين ، أولهما متحدث ، والآخر مستمع.

ـ المتحدث هو البادئ بالحديث متوجها به إلى المستمع ليخبره بإخبار ما.

ـ الإخبار يكون بجملة تامة لها طرفان أو ركنان ، يعتمد ثانيهما على أولهما.

ـ يجب أن يكون بين طرفى الحديث معنى رابط حتى يكون له فائدة للمتلقى ، وهذه الفكرة تنبنى على فكرة الجهل والعلم فى الجملة الإخبارية ، فما الإخبار ـ كما ذكرنا ـ إلا إعلام عن مجهول ، والمجهول أو غير المعلوم يكون عند الطرف الثانى وهو المستمع ، ويتمثل فى الخبر فى الجملة الاسمية ؛ لأنه المعنى الجديد الذى يعرفه.

ـ ما يبتدئ المتحدث بما ابتدأ به إلا لعلمه بمعلوميته لدى المستمع ، سواء أكانت هذه المعلومية حقيقة أم افتراضية.

لذا فإن الاسمين إذا كانا معرفتين وكوّنا جملة اسمية تامة الإخبار ، فإن الاسم الأسبق منهما يكون المبتدأ ؛ لأنه يكون المدلول الرابط بين طرفى الحديث.

فإذا قلت : أبوه المحافظ ؛ فالمراد الإخبار عن ماهية الأبوة المنسوبة إليه بأنها تتمثل فى وظيفة المحافظ ، والأبوة لا بدّ أنها الطرف المعلوم ، أما معنى المحافظ فهى الطرف المجهول ، وإن افترضنا سؤالا لهذه الجملة لكان : من أبوه؟ ومنه يتضح المعلوم والمجهول لدى طرفى الحديث.

أما إذا قيل : المحافظ أبوه ؛ فعلينا أن نفترض أن المستمع يعلم أن هناك علاقة بين المحافظ وبين المتحدث عنه ، وتتحدد هذه العلاقة من خلال الإخبار بالأبوة ،

١١٢

فمدلول المحافظ معلوم لدى الطرفين ، أما مدلول الأبوة فمجهول لدى الطرف الثانى. لذا فهى محطّ الإخبار ، وهى الخبر. وإن افترضنا سؤالا لهذه الجملة لكان : من المحافظ؟ أو : ما علاقته بالمحافظ؟

وهذا التحليل يتلاءم مع نظرية المعلوم والمجهول فى الجملة الاسمية وتحديد المبتدإ الذى يبتدأ به الجملة ، والخبر الذى ينبنى عليه لفظا ومعنى ونسقا.

ويشرح ابن يعيش ذلك فى قوله : (وإذا كان الخبر معرفة كالمبتدإ لم يجز تقديم الخبر لأنه مما يشكل ويلتبس ، إذ كلّ واحد منهما يجوز أن يكون خبرا ومخبرا عنه ، فأيّهما قدمت كان المبتدأ) (١).

ثم يقول : (اللهم إلا أن يكون فى اللفظ دليل على المبتدإ منهما ، نحو قوله : لعاب الأفاعى القاتلات لعابه. وقوله :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

حيث كلّ من الاسم الأول مشبّه به ، والثانى مشبّه ، فوجب أن يكون الثانى مبتدأ) (٢).

ويذكر الأزهرىّ معقبا على هذا : اللهم إلا أن يقتضى المقام المبالغة.

وهذا التحليل والتعليل أكثر صوابا ، إذ المعنى يقتضى المبالغة ، وهى تتحقق بقوة من خلال التشبيه المقلوب ، وباحتسابه يتضح فى الأول مدى الغدر ، وفى الثانى يتضح مدى العطف والحنان والاعتزاز ، ولذلك فإن المتحدث يلجأ إلى قلب التشبيه لإحداث المبالغة فى المعنى ، وعليه فإن المبتدأ يكون المذكور أولا ، والخبر يكون الثانى.

__________________

(١ ، ٢) شرح المفصل ١ ـ ٩٩.

١١٣

الضمير بين المعرفتين

إذا كان المبتدأ والخبر معرفتين وتواليا فإن الخبر يلتبس بالنعت ، ويكون التنغيم فى نطقهما فاصلا ، حيث ينطق النعت والمنعوت فى صوت متصاعد ، أما المبتدأ أو الخبر فينطقان فى صوت نصف دائرة من الانخفاض إلى العلو فالانخفاض ، يبدأ منخفضا ، ويتصاعد ، ثم ينحدر ، لكن هذا ليس بفاصل مؤكد ، فتلجأ اللغة العربية إلى الفصل بين المعرفتين بضمير منفصل بارز مرفوع ليفيد التمييز بين الخبر والنعت ، وليعطى معنى التوكيد ، يسمى البصريون هذا الضمير فصلا ، أى : فاصلا بين النعت والخبر ، فيتعين ما بعده للإخبار لا للوصف ، ولكن الكوفيين يسمونه عمادا (١) ، حيث يعتمد بيان الغرض.

شروط ذكر ضمير الفصل :

يجوز استعمال ضمير الفصل فى توافر الشروط الآتية :

ـ أن يكون المبتدأ معرفة ؛ ذلك لأنه يكون توكيدا ، ولا يؤكد الضمير إلا بالمعارف ، كما أن المعرفة سبب رئيس لذكر مثل هذا الضمير.

ـ ألا يكون المبتدأ مؤكدا ، وذلك لكى لا يجمع بين توكيدين ، والعرب قد استغنوا فى هذا الباب بما فى الفصل من التأكيد عن تأكيد الآخر (٢).

ـ أن يكون الخبر معرفة ، أو نكرة قريبة من المعرفة ـ كما ذكر سابقا.

ـ ألا يكون الخبر فعلا.

ـ أن يكون المبتدأ مقدما ، والخبر مؤخرا.

ـ أن يكون الضمير مطابقا للمبتدإ فى الحضور والغيبة والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث.

__________________

(١) التسهيل ٢٩ / الإرشاد إلى علم الإعراب ١٥٦.

(٢) ينظر : اللمحة البدرية ١ ـ ٣٤٣.

١١٤

خلاف النحاة فى ضمير الفصل بين الاسمية والحرفية :

اختلف النحاة فيما بينهم فى حقيقة مبنى الضمير الفاصل بين ركنى الجملة الاسمية المعرفتين على النحو الآتى :

ـ يذهب البصريون إلى أنه حرف ؛ لأنه يؤتى به لأداء معنى فى غيره ، لذلك فإنهم يجعلونه لا محلّ له من الإعراب كالحروف ، وهم لا يذكرونه بالضمير ، وإنما يقولون إنه على صيغة الضمير ؛ لأن الضمائر أسماء ، ويفهم ذلك من قول سيبويه : «واعلم أنها ـ أى ضمائر الفصل ـ تكون فى (إن) وأخواتها فصلا ، وفى الابتداء ، ولكن ما بعدها مرفوع لأنه مرفوع ؛ قبل أن تذكر الفصل» (١).

ـ ويذهب الكوفيون إلى أنه اسم ، فيكون إعرابه ما بين التوكيد أو البدل أو المبتدإ الذى خبره ما بعده (٢).

وقد يجعلونه ـ حينئذ ـ لا محلّ له من الإعراب ، ولكن ذلك لا يجوز مع الضمائر لأنها أسماء ، وكلّ اسم يجب أن يكون له محلّ من الإعراب.

وضمائر الفصل اثنا عشر ضميرا : هو ، هى ، هما ، هم ، هن ، أنت ، أنت ، أنتما ، أنتم ، أنتن ، أنا ، نحن.

ومن أمثلة ضمير الفصل في الجملة الاسمية : قولك : هذا هو الأدب.

هذا : اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. هو : إما ضمير فصل مبنى لا محل له من الإعراب ، فيكون الأدب خبرا مرفوعا وعلامة رفعه الضمة ، وإما أن يكون الضمير توكيدا وما بعده خبر المبتدإ ، وإما أن يكون الضمير مبتدأ ثانيا ، والأدب خبر المبتدإ الثانى ، والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر المبتدإ الأول.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [لقمان : ٥].

__________________

(١) الكتاب ٢ ـ ٢٢ / وينظر المقتضب ٤ ـ ١٠٣.

(٢) ينظر : الإنصاف فى مسائل الخلاف م ١٠٠ ص ٤١٥ / مغنى اللبيب ٢ ـ ٩٧.

١١٥

(وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٥٤].

(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ)(١) [الطور : ٤٢].

(ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة : ٣٢].

(وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٢) [الزمر : ١٨].

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) [البلد : ١٩] ، الاسم الموصول (الذين فى محل رفع مبتدأ ، وجملة (كفروا) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وشبه الجملة (بآيات) متعلقة بالكفر. (هم) ضمير فاصل ، أو توكيد ، أو مبتدأ ثان ، و (أصحاب) خبر الاسم الموصول على الإعرابين الأول والثانى للضمير ، وخبر المبتدإ الثانى على الإعراب الثالث للضمير ، والجملة الاسمية خبر المبتدإ الأول.

يلاحظ :

أولا : ضمير الفصل قبل الخبر القريب من المعرفة

قد يذكر ضمير الفصل بين المبتدإ والخبر القريب من المعرفة وهو اسم التفضيل ، نحو : محمد أفضل من غيره ، فتقول : محمد هو أفضل من غيره.

__________________

(١) (أم) منقطعة حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، يقدر ببل وهمزة الاستفهام. (يريدون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (كيدا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (فالذين) الفاء الفصيحة حرف مبنى لا محل له من الإعراب. الذين :

اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (كفروا) فعل ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة ضمير مبنى في محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (هم) ضمير مبنى إما فاصل لا محل له من الإعراب ، وإما توكيد للمبتدإ في محل رفع ، وإما مبتدأ ثان فى محل رفع.

(المكيدون) على إعراب هم الأول والثانى يكون خبر المبتدإ ، وعلى إعرابه على الوجه الثالث يكون خبر المبتدإ الثانى مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، والجملة الاسمية فى محل رفع ، خبر المبتدإ الأول.

(٢) (أولئك) اسم إشارة مبنى مبتدأ ، فى محل رفع. (هم) ضمير مبنى في محل رفع توكيد ، أو بدل ، أو ضمير فصل لا محل له من الإعراب ، أو فى محل رفع مبتدأ ثان. (أولو) خبر اسم الإشارة ، أو خبر المبتدإ الثانى مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. وهو مضاف و (الألباب) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.

١١٦

ثانيا : المبتدأ ضمير فصل مكرر

قد يأتى ضمير الفصل بعد مبتدإ ضمير ، فلا بدّ أن يكون ضمير الفصل نفسه ، أى : أن المبتدأ كرر ، وحينئذ يكون الضمير الثانى توكيدا لفظيا للأول ، مثال ذلك : قوله تعالى : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ)(١) [يوسف : ٣٧]. وفيه الضمير (هم) مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره (كافرون) ، و (هم) الضمير الثانى توكيد لفظى للأول فى محلّ رفع ، وشبه الجملة (بالآخرة) متعلقة بالكفر.

وقوله تعالى : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) [هود : ١٩].

(وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) [الأنبياء : ٣٦].

(وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) [النمل : ٥].

ثالثا : ضمير الفصل وما يجرى مجرى المبتدإ والخبر

يكون ضمير الفصل بين ما يجرى مجرى المبتدإ والخبر من : معمولى كان ، وإن ، ومفعولى ظن ، وذلك بالشروط المذكورة فى استعماله فى الجملة الاسمية.

__________________

(١) (إنى) إن : حرف توكيد ونصب مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير المتكلم الياء مبنى فى محل نصب ، اسم إن. (تركت) ترك : فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلم التاء مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، اسم إن. (ملة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف و (قوم) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة. (لا يؤمنون) لا : حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. يؤمنون : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل جر ، نعت لقوم. (بالله) جار ومجرور ، وشبه الجملة متعلقة بعدم الإيمان.

١١٧

الرتبة بين المبتدإ والخبر

النمط المثالى للجملة الاسمية أن يذكر المبتدأ فالخبر ، فالأصل في الترتيب أن يسبق المبتدأ ؛ وذلك لأنه محكوم عليه ، والمحكوم عليه يذكر قبل الحكم ، وهو المعلوم لدى كلّ من المتحدث والمستمع ، فوجب ابتداء الجملة به ليكون محور الحديث ، والرباط بين طرفيه ، ثم يتلوه المجهول لدى المستمع المحكوم به ، وهو الخبر.

لكنّ هناك دواعى معنوية أو لفظية توجب رتبة معينة لأىّ منهما (١) ، ذلك على النحو الآتى :

مواضع وجوب تقديم المبتدإ :

يجب أن يتقدم المبتدأ على الخبر ، أو يتأخر الخبر لدواع معنوية ، وأخرى نحوية ، نجملها فيما يأتى :

١ ـ التباس الخبر بالمبتدإ :

إذا التبس المبتدأ بالخبر ـ بحيث لا يميز أحدهما من الآخر ـ فإنه يجب أن يحتسب الركنان بحسب الترتيب الأصلى ، أى : أن المتقدم منهما يكون الخبر ، وذلك بأن يكونا موصولين ، أو اسمى إشارة ، أو مضافين ، أو معرفين بالألف واللام ، ولا قرينة تميز أحدهما من الآخر ، أو نكرتين.

مثال ذلك : أفضل منى أفضل منك ، حيث (أفضل) الأولى مبتدأ مرفوع ، والثانية خبر مرفوع ؛ وتعين ذلك لأنهما نكرتان.

وكذلك : خير منك فقير إليك. محمد أخوك. هذا ذاك.

__________________

(١) ينظر : المفصل ٢٥ / التسهيل ٤٧ / المقرب ١ ـ ٨٥ ، ٨٦ / شرح التصريح ١ ـ ١٤٧ / الهمع ١ ـ ١٠٢.

١١٨

الذى يزورنا اليوم الذى قابلنا أمس. هؤلاء أولئك فى الشدة.

كلّ من الاسمين صالح للابتداء والإخبار لذا وجب النصّ على وجوب كون المتقدم مبتدأ.

٢ ـ حصر الخبر :

إذا حصر الخبر بـ (إنما) ، أو بالنفى مع الاستثناء فإن المحصور يكون ثانيا ، بذلك فإن المبتدأ يجب أن يتقدم على الخبر المحصور معنويا ، مثال ذلك : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) [هود : ١٢] ، حصر الخبر (نذير) على الضمير المبتدإ (أنت) ، فوجب تقدم المبتدإ.

(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) [آل عمران ١٤٤]. ما الشاعر إلا أنت.

٣ ـ التباس المبتدإ بالفاعل.

ويكون ذلك حال ما إذا كان الخبر فعلا مسندا إلى ضمير المبتدإ المستتر أو البارز الذى يعود علي المبتدإ ، فيجب أن يتقدم المبتدأ حتى لا يلتبس بالفاعل ، فتقول : الطالب اجتهد ، والطلبة قاموا برحلتهم.

وقد يكون فعلا مسندا إلى ضمير يعود على المبتدإ ، كأن يقال : الطالب زاره صديقه.

٤ ـ إذا كان المبتدأ مما يستحق الصدارة :

يجب أن يتقدم المبتدأ على الخبر إذا كان مما يستحق الصدارة فى الجملة ، من نحو : (ما) التعجبية ، وأسماء الشرط ، وأسماء الاستفهام وما يجرى مجراها ، وما يجوز أن يضاف إلى أى منها ؛ ذلك لأن هذه الأساليب لا يفهم معناها الخاصّ بها إلا من خلال تصدر الاسم الدالّ على التعجب أو الشرط أو الاستفهام ، مثال ذلك : ما أسرع أن يجتمع الجند (١). (ما) تعجبية نكرة فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (أسرع) ، ولا يفهم التعجب إلا من خلال تقدم (ما).

__________________

(١) (أن يجتمع الجند) أن : حرف مصدرى ونصب مبنى ، لا محل له من الإعراب. يجتمع : فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. الجند : فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والمصدر المؤول فى محل نصب ، مفعول به.

١١٩

من يتمسك بأهداب الدين فالفوز حليفه (١). (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع مبتدأ ، ولا يفهم الشرط إلا من خلال تقدم (من).

من زارك؟ (من) اسم استفهام مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ. وهو واجب التقدم للدلالة على الاستفهام.

ومنه قوله ـ تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ)(٢) [البقرة : ٢٤٥] (من) اسم استفهام مبنى فى محل رفع مبتدأ واجب التقدم. وهذا عند من يعربون اسم الاستفهام مبتدأ.

ومنه : أيّهم أتانا اليوم؟ أيّهم ناجح؟

ومنه (كم) الخبرية فى قولك : كم حسنات يثاب بها الواعظ المتّعظ. (كم) خبرية تفيد الكثرة اسم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ ، واجب التقدم للدلالة على معنى الكثرة.

__________________

(١) (من) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل رفع ، مبتدأ. (يتمسك) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر ، تقديره : هو. (بأهداب) الباء : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. أهداب : اسم مجرور بعد الباء وعلامة جره الكسرة ، وشبه الجملة متعلقة بالتمسك.

(الدين) مضاف إلى أهداب مجرور وعلامة جره الكسرة. (فالفوز) الفاء حرف رابط الشرط بجوابه مؤكد مبنى ، لا محل له من الإعراب. الفوز : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. (حليفه) حليف : خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف ، وضمير الغائب مبنى فى محل جر ، مضاف إليه ، والجملة الاسمية فى محل جزم ، جواب الشرط.

(٢) (من) اسم استفهام مبنى فى محل رفع ، مبتدأ. (ذا) اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، خبر المبتدإ. (الذى) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، نعت لاسم الإشارة ، أو بدل منه. ويجوز أن تجعل (من ذا) اسما واحدا فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الاسم الموصول. (يقرض) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. وفاعله مستتر تقديره : هو .. والجملة الفعلية صلة الموصول ، لا محل لها من الإعراب. (الله) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (قرضا) نائب عن المفعول المطلق منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (حسنا) نعت لقرض منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (فيضاعفه) الفاء سببية حرف مبنى لا محل له من الإعراب. يضاعف : فعل مضارع منصوب بعد فاء السببية ، أو أن المضمرة بعدها. والفاعل ضمير مستتر تقديره : هو. وضمير الغائب مبنى فى محل نصب ، مفعول به. (له) اللام : حرف جر مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائب مبنى فى محل جر باللام ، وشبه الجملة متعلقة بالمضاعفة.

١٢٠