الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

ويقول السيرافي تعليقا على ذلك بقوله : «على أن الاسم إذا حذفت لامه ثم ثنّي فرد إليه اللام حركت العين وإن كان أصل بنيتها السكون كقول الشاعر :

يديان بالمعروف عند محرق

قد يمنعانك أن تضام وتضطهدا (١)

و «يد» فعل بالسكون ولكنها لما حذفت لامها فوقع الإعراب على الدال ثم ردوا المحذوف لم يسلبوا الدال الحركة» (٢) ومعنى كلامه أنه تأييد لمذهب الخليل الذي يقول بتسكين العين ، فقد بيّن السيرافي أن تحريك العين عند التثنية بعد رد اللام المحذوف لا يدل على تحريكها أصلا ، ودليله أن «يد» فعل بالسكون لكنها لما ردت إليها عند التثنية لم يسلبوا حركة العين.

وعلّق السيرافي على ذلك بقوله : «ولا في الانصراف وغير الانصراف والتأنيث والتذكير ككي ولو ، وقصتها كقصتهما في كل شيء وإذا صارت «ذا» اسما أو «ما» مدت ولم تصرف واحدا منهما إذا كان اسم مؤنث لأنهما مذكران. فأما «لا» فتمدها وقصتها قصة «في» في التذكير والتأنيث والانصراف وتركه» (٣) وهذه الألفاظ «لا ، ما ، ذا» المنتهية بحرف العلة «الألف» إذا صارت أسماء فقصتها في الانصراف وعدمه وفي التذكير والتأنيث كقصة «لو» وقد علمنا فيما مضى أنه يجب تضعيف حرف

__________________

(١) البيت غير معروف القائل ، وله رواية أخرى :

يديان بيضاوان عند محلّم

قد تمنعانك أن تضام وتضطهدا

انظر شرح ابن يعيش ٤ / ١٥١ ، والخزانة ٣ / ٣٤٧ ، والمقرب لابن عصفور / ٨٠.

(٢) هامش السيرافي على سيبويه ٢ / ٣٣.

(٣) سيبويه ٢ / ٣٣.

٦١

العلة لكي لا يدخل الاسم الإجحاف ، والتضعيف في «لا وما وذا» يعني تكرار الألف ، والقاعدة تقول : نقلب الألف الثانية همزة إذا وقعت بعد ألف ، بمعنى أنها تقلب إلى «لاء وماء ، ذاء». جاء في المقتضب : «وإن سميته (لا) قلت : هذا لاء فاعلم» (١) وما كان على حرفين الثاني منهما ياء أو واو أو ألف إذا حكيت لم تغير فقلت «لو» فيها معنى الشرط و «أو» للشك و «في» للوعاء ، فلم تغير شيئا وإن جعلتها أسماء في إخبارك عنها زدت عليها فصيرتها ثلاثية ، أنه ليس في الأسماء اسم على حرفين والثاني منها ياء ولا واو ، ولا ألف ؛ لأن ذلك يجحف بالاسم ؛ لأن التنوين يدخله بحق الاسمية. والتنوين يوجب حذف الحرف الثاني منه. فيبقى الاسم على حرف واحد. مثال ذلك أنا إذا جعلنا «لو» اسما ولم نزد فيه شيئا ولم نلحظ اللفظ الذي لها في الأصل أعربناها فإذا أعربناها تحركت الواو وقبلها فتحة فانقلبت ألفا فتصير «لا» ثم يدخله التنوين بحق الصرف فتصير «لا» يا هذا فيبقى حرف واحد ، وهو اللام. والتنوين غير معتد به.

وإذا سميت «بفي» ولم تحرك ولم تزد فيها شيئا وجب أن تقول «ف» يا هذا كما تقول : قاض هذا «فلما كان فيها هذا الإجحاف لو لم تزد فيها شيء زادوا ما يخرجه عن حد الإجحاف ، فجعلوا ما كان ثانيه واوا يزاد فيه مثلها فيشدد وكذلك الياء كقولك في «لو» «لوّ» وفي «كي» «كيّ» وفي «في» «فيّ» (٢) ولم أجد هذه النقطة عند الزجاج في كتابه «ما ينصرف وما لا ينصرف» مع أنه قد نقل البقية من كتاب سيبويه ،

__________________

(١) المقتضب ٤ / ٤٣.

(٢) المخصص ١٧ / ٥٠.

٦٢

كما لم أجد تلك المسألة عند السيوطي في «الهمع» ولا في «شرح الكافية» وكذلك لم أجدها في «الخصائص» لابن جني.

ومن الألفاظ التي تجدر الإشارة إليها «فو» بمعنى الفم قال سيبويه : «وسألته (أي الخليل) عن رجل اسمه «فو» فقال العرب قد كفتنا أمر هذا لما أفردوه قالوا «فم» فأبدلوا الميم مكان الواو حتى يصير على مثال تكون الأسماء عليه ، فهذا البدل بمنزلة تثقيل «لو» ليشبه الأسماء فإذا سميته بهذا فشبهه بالأسماء كما شبهت العرب ، ولو لم يكونوا قالوا «فم» لقلت «فوه» لأنه من الهاء. قالوا أفواه ، كما قالوا سوط أسواط (١). إذن جعل الميم بدلا من الواو هو بمنزلة التضعيف في «لو» ثم ذكر أنه لو لم يسمع بهذا أي بجعل الميم بدل الواو لقال : «فوه» ؛ لأن الأصل فيه الهاء بدليل الجمع على «أفواه» معروف أن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها.

وأيده في هذا الرأي الزجاج حيث قال : «إلا أن الوجه عندي إذا سميت رجلا «فو» أن تقول «هذا فوه» لأن جمعه أفواه ، وأفواه جمع فوه ، مثل : ثوب أثواب.

لكن قد يطرأ سؤال بخصوص ذكر «فو» في هذا الموضوع ، لماذا ذكر مع الحروف مع أنه ليس بحرف؟ والجواب على ذلك كما يقول ابن سيده «لمشاكلته لها (أي للحروف) في الحذف والقلة» (٢).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٢) المخصص ١٧ / ٥٢.

٦٣

«حروف الهجاء»

وبعد أن أنهينا الحديث عن الحروف وتسمياتها ، ننتقل إلى حروف الهجاء أو حروف المعجم «وأما البا والتا واليا والحا والخا والرا والطا والظا والفا فإذا صرن أسماء مددن كما مدت لا ، إلا أنهن إذا كن أسماء فهن يجرين مجرى رجل ونحوه. ويكن نكرة بغير الألف واللام ودخول الألف واللام فيهن يدلك على أنهن نكرة إذا لم يكن فيهن ألف ولام .. واعلم أنه هذه الحروف إذا تهجيت مقصورة لأنها ليست بأسماء ، وإنما جاءت في التهجي على الوقف ، ويدلك على ذلك أن القاف والصاد والدال موقوفة الأواخر فلو لا أنها على الوقف حركت أواخرهن ونظير الوقف ههنا الحذف في الباء وأخواتها وإذا أردت أن تلفظ بحروف المعجم قصرت وأسكنت لأنك لست تريد أن تجعلها أسماء ولكنك أردت أن تقطّع حروف الاسم فجاءت كأنها أصوات يصّوت بها إلا أنك تقف عندها لأنها بمنزلة عه» (١).

وشرح هذا الحرف أنك لما أردت أن تتهجى «أحمد قلت : ألف حا ميم دال» لم يجز لك أن تعرب الألف ولا الحاء ولا الميم ، لأنك يجب أن تعرب الاسم بكماله ولا تعرب بعضه دون بعض ، فأنت مع ذلك تبني الحروف على الوقف ألا ترى أنك لو قلت «ثلاثة أربعة خمسة» لم تعرب ولم تجعل الهاء تاء فإنما تقصد إلى الوقف. فحروف المعجم والتهجي لا يجب أن تعرب لأنها كالأصوات وهي مع ذلك مبنية على

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٣٤.

٦٤

الوقف ، فإذا جعلتها أسماء أعربتها ، ومددت المقصور فقلت : ألف وباء وتاء وزاي. ومن قال «زي» قال «زي» (١). فزاي فيها لغتان في التهجي لغة تجعلها مثل «كي» وأخرى بزنة «واو» أي «زاي» وهي الأكثر شيوعا كما يقول سيبويه (٢).

جاء في أصول ابن السراج : «وفي «زاي» لغتان ، منهم يجعلها كـ «كي» ومنهم من يقول : «زاي» فإن سميته بـ «زي» على لغة من يجعلها كـ «كي» ، قلت : زي فاعلهم ، وإن سميت بها على لغة من يقول : «زاي» قلت : زاء وكذا واو وآء ... وجميع هذه الحروف إذا أردت بالواحد منها معنى حرف فهو مذكر ، وإن أردت به معنى كلمة فهو مؤنث» (٣).

وجاء في المخصص : «قال أبو علي : أما من قال «زي» فهو إذا جعلها اسما شدد فقال : «زيّ» وإذا جعلها حرفا قال «زي» على حرفين مثل كي ، وأما «زاي» فلا تتغير صيغته» (٤).

مما مضى نعلم أن حروف التهجي مبنية على الوقف ، ولا تعرب ومعنى قولنا : «مبنية على الوقف» أنك تقدر أن تسكت على كل حرف منها ، فانطق : ألف ، لام ، ميم ، ذلك. والدليل على أنك تقدر السكت عليها جمعك بين ساكنين في قولك : «لام» وفي قولك : «ميم» (٥). وهذه الحروف ليست تجري مجرى الأسماء المتمكنة ، والأفعال المضارعة التي يجب

__________________

(١) ما ينصرف ٦٧.

(٢) سيبويه ٢ / ٣٤.

(٣) الأصول ٢ / ١١٠.

(٤) المخصص لابن سيده ١٨ / ٥٤.

(٥) معاني القرآن وإعرابه ١ / ٢١.

٦٥

لها الإعراب ، وإنما هي تقطيع الاسم المؤلف الذي لا يجب الإعراب فيه إلا مع كماله. فقولك : «جعفر» لا يجب أن تعرب منه الجيم ولا العين ولا الفاء ولا الراء ، دون تكميل الاسم ، فإنما هي حكايات وضعت على هذه الحروف ، فإن أجريتها مجرى الأسماء وحدّثت عنها قلت : «هذه كاف حسنة» و «هذا كاف حسن» ، وكذلك سائر حروف المعجم. فمن قال «هذه كاف» أنّث لمعنى الكلمة ، ومن ذكّر فلمعنى الحرف ، والإعراب وقع فيها لأنك تخرجها من باب الحكاية (١).

إذن فإعراب هذه الحروف أو عدم إعرابها خاضع لاستقلالها بجعل كل حرف جاريا مجرى الاسم فتحدّث عنها حينئذ ، تؤنث أو تذكر حسب المعنى المقصود ، أما إذا كان أي حرف منها غير مستقل بل تحت إمرة كلمة ، فإننا حينئذ لا نستطيع إعراب كل حرف على حدة لأنها تقطيع للاسم المؤلف منه هذه الحروف. «فإذا قلت «لاء» فتقديرها «فعل» ، لأنها قد صارت اسما ، والألف لا تكون أصلا في الأسماء ، إنما تكون زائدة أو منقلبة من «ياء» أو «واو» ، فالألف منقلبة أعني في «لاء» و «باء» و «ياء» من واو أو ياء. والهمزة بدل من ألف كما أن «شاء» الألف مبدلة من واو والهمزة بدل من هاء ، وكذلك «ماء» إنما أصله «موه» (٢)».

جاء في الكتاب لسيبويه : وأما «أم» و «من» و «إن» و «مذ» في لغة من جر ، و «أن» و «عن» إذا لم تكن ظرفا ، و «لم» ونحوهنّ إذ كن أسماء لم تغيّر ، لأنها تشبه الأسماء نحو يد ودم تجريهن إن شئت إذا كنّ أسماء للتأنيث» (٣).

__________________

(١) معاني القرآن وإعرابه ١ / ٢٢.

(٢) ما ينصرف ٦٧.

(٣) سيبويه ٢ / ٣٤.

٦٦

وهذه الحروف التي ذكرها سيبويه ثنائية آخرها ساكن لا غير. وأما ما كان على ثلاثة فآخره : ساكن إذا تحرك ما قبله نحو «نعم» و «أجل» و «بلى» ، فإن كان قبل آخره ساكن حرّك لالتقاء الساكنين (١). يقول سيبويه : و «أما نعم وبئس ونحوهما فليس فيهما كلام أنهما لا تغيران ، لأن عامة الأسماء على ثلاثة أحرف ، ولا تجريهن إذا كن أسماء للكلمة ؛ لأنهن أفعال ، والأفعال على التذكير ، لأنها تضارع فاعلا» (٢).

وبعد ذلك ننتقل إلى إعراب : أبي حاد ، وهوّاز ، وحطّي ، كعمرو في جميع ما ذكرنا ، وحال هذه الأسماء حال عمرو (٣) فقد جعلها سيبويه عربية منونة فإذا قلت وقد رأيت في الكتاب «هوّازا» فلك فيه أربعة أوجه :

أحدها : أنك تقول : «هذا هواز» تريد : هذا علامة هواز في الخط أو هذا ذكر هوّاز في الخط.

ويبيّن الزجاج حكم ذلك فيقول : «ويجوز أن تقول : هذه هواز يا هذا» فتجعل هوازا اسما للكلمة ، فلا تصرفه ، ولك أن تجعله اسما للحرف فتصرفه. وكذلك «حطّي» مثله ، إلا أن «حطيا» فيه ياء النسب ، فالاختيار صرفه على كل حال» (٤). فتلك إذن كلها أسماء عربية منونة إلا أنه يجوز في «هواز» المنع من الصرف حملا على معنى الكلمة.

وأما «كلمن وسعفص وقريشيات فإنهن أعجمية لا ينصرفن (٥) فأما

__________________

(١) ما ينصرف ٦٥.

(٢) سيبويه ٢ / ٣٤.

(٣) سيبويه ٢ / ٣٦.

(٤) ما ينصرف ٦٨.

(٥) سيبويه ٢ / ٣٦.

٦٧

«سعفص» و «قريشيات» و «كلمن» أعجمية غير مصروفة. ويجوز في «قريشيات» الصرف ، وترك الصرف الأجود لأنها على لفظ الجمع ، ويجوز ترك الصرف لأن فيها تاء التأنيث ، ويجوز في «كلمون» «هذا كلمون يا هذا» و «رأيت كلمين يا هذا» ، لأنه على لفظ الجمع (١) يقول الزجاج : «فأما «كلمون» و «سعفص» و «وقريشيات» فأعجميات تقول : هذه كلمون يا هذا ، وتعلمت كلمون وانتفعت بكلمون ، وكذلك «سعفص» فأما «قريشيات» فاسم للجمع مصروفة بسبب الألف والتاء. تقول : هذه قريشيات يا هذا. وعجبت من قريشيات يا هذا» (٢).

قال أبو سعيد : «فصل سيبويه بين «أبي حاد وهواز وحطي» فجعلهن عربيات وبين البواقي فجعلهن أعجميات ، وكان أبو العباس يجيز أن يكن كلهن أعجميات. وقال بعض المحتجين لسيبويه إنه جعلهن عربيات ؛ لأنهن مفهومات المعاني في كلام العرب. وقد جرى أبو جاد على لفظ لا يجوز أن يكون إلا عربيّا. تقول هذا أبو جاد ، ورأيت أبا جاد ، وعجبت من أبي جاد.

قال الشاعر :

أتيت مهاجرين فعلموني

ثلاثة أحرف متتابعات

وخطوا لي أبا جاد وقالوا

تعلم سعفصا وقريشيات

قال أبو سعيد : والذي يقول إنهن غير مبعد عندي إن كان يريد بذلك أن الأصل فيها العجمة ؛ لأن هذه الحروف عليها يقع تعليم الخط بالسرياني (٣).

__________________

(١) ما ينصرف ٦٨.

(٢) معاني القرآن وإعرابه ١ / ٢٣ ـ ٢٤.

(٣) المخصص ٥ / ٥٦.

٦٨

التسمية بالظروف

هناك ظروف مذكرة وأخرى ظروف مؤنثة ، فمن الظروف المذكرة «خلف ، فوق ، تحت ، دون ، بعد ، قبل» والدليل على أنها مذكرة هو عدم إلحاق تاء التأنيث في أواخرها عند التصغير فنقول في تصغيرها «خليف ، فويق ، تحيت ، دوين ، بعيد ، قبيل» ، ولو كانت هذه الظروف مؤنثة للحقتها التاء كما تلحق نحو : «أذن وعين» عند التصغير «أذينة ، عيينة». أما وقد علمنا أن هذه الظروف مذكرة ، فإننا عند ما نسمي بها مؤنثا فإننا لا نصرفها كما لا نصرف نحو «هند ، ودعد» من الأعلام المؤنثة الثلاثية ساكنة الوسط. ويجوز فيها الصرف كذلك في النكرة فيمن صرف «هندا» ولم يصرفها (١).

قال سيبويه : «اعلم أنك إذا سميت كلمة بخلف أو فوق أو تحت لم تصرفها لأنها مذكرات ألا ترى أنك تقول تحيت ذاك ، وخليف ذاك ، ودوين ذاك ، ولو كن مؤنثات لدخلت فيهن الهاء كما دخلت في «قديديمة ، ووريّئة» وكذلك «قبل وبعد» تقول «قبيل وبعيد» (٢).

وذكر في المقتضب أنك : «تقول إذا نظرت إلى (خلف) مكتوبة ، فأردت الحرف قلت : خلف فاعلم ، لأن «خلفا» مذكر وتصغيره «خليف» ، ولو كان مؤنثا لحقته الهاء .. فإن أردت بالمكتوبة الكلمة ،

__________________

(١) انظر ما ينصرف ٧٠.

(٢) سيبويه ٢ / ٣٥.

٦٩

فجعلت «خلفا» اسما لها لم تصرف إلا في قول من رأى أن يصرف «زيدا» اسم امرأة (١). ولننظر إلى مسألة الظروف المسمى بها بصورة أكثر تفصيلا في المخصص : «اعلم أنك إذا سميت كلمة بخلف أو فوق أو تحت لم تصرفها ، لأنها مذكرات ، وجملة هذا أن الظروف وغيرها فيها مذكرات ومؤنثات.

وقد يجوز أن يذهب بكل كلمة منها إلى معنى التأنيث بأن تتأول أنها كلمة ، وإلى معنى التذكير بأن تتأول أنها حرف ، فإن ذهبت إلى أنها كلمة فسميتها باسم مذكر على أنها أكثر من ثلاثة أحرف أو ثلاثة أحرف أوسطها متحرك لم تصرف كما لا تصرف امرأة سميتها بذلك ، وإن سميتها بشيء مذكر على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن وقد جعلتها كلمة فحكمها حكم امرأة سميتها بزيد ، فلا تصرفها على مذهب سيبويه ، وما كان على حرفين فهو بمنزلة ما كان على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن. فمن المذكر تحت وخلف وقبل وبعد وأين وكيف وثم وهنا وحيث وكل ، وأي. ومنذ ومذ وقط وقطّ ، وعند ولدي ، ولدن ، وجميع ما ليس عليه دلالة للتأنيث بعلامة أو فعل له مؤنث (٢). إذن قاعدة الأعلام المؤنثة وما يترتب عليه من الصرف وعدمه قد طبقتها هنا على الظروف من حيث التذكير والتأنيث الذي سنبينه فيما يأتي إن شاء الله. وكذلك من حيث عدد الحروف المكونة للفظ ، وأيضا من حيث حركة الحرف الأوسط وسكونه.

وبعد ذكر الألفاظ المذكرة من الظروف ننتقل إلى المؤنث منها وهما لفظا «وراء وقدّام» المفهومان من كلام سيبويه بعد ذكر الألفاظ المذكرة

__________________

(١) المقتضب ٤ / ٤١.

(٢) المخصص ١٧ / ٥٤.

٧٠

واستدلاله على ذكوريتها بقوله : «ولو كن مؤنثات لدخل فيهن الهاء كما دخلت في قديديمة ووريئة» (١) ويفهم من هذا القول تخصيصه «وراء وقدّام» بالتأنيث دون بقية الظروف. قال الزجاج : إلا «قدّام» و «وراء» ، فإنهما مؤنثتان العرب تقول «قديديمة» في تصغير «قدّام» قال الشاعر :

قديديمة التجريب والجلم إنني

أرى غفلات العيش قبل التجارب (٢)

فإذا سميت رجلا «قدّام» أو «وراء» لم تصرفه ، لأنه مذكر سميته بمؤنث على أكثر من ثلاثة أحرف (٣). وجاء في المخصص «وأما قدام ووراء فسواء جعلتهما اسمين لكلمتين أو لحرفين فإنهما لا ينصرفان لأنهما مؤنثان في أنفسهما وهما على أكثر من ثلاثة أحرف فإن جعلناهما اسمين لمذكرين أو مؤنثين لم ينصرفا صارا بمنزلة عناق وعقرب إن سمينا بهما رجلين أو امرأتين لم ينصرفا. هذا القول لجميع النحويين في الظروف ، فأما أبو حاتم فقال : الظروف كلها مذكرة إلّا قدام ووراء بالدليل الذي قدمنا من التصغير ، قال : وزعم بعض من لا أثق به أن «أمام» مؤنثة» (٤) فالظروف كلها مذكرة ما عدا «قدّام ووراء» بدليل إلحاق تاء التأنيث بهما عند الصغير وفي النص السابق رد على من ذهب إلى تأنيث «أمام» لأنه كما قال أبو حاتم ممن لا يوثق بهم وبلغتهم ، وتأييد لرأي سيبويه القائل بتذكير أمام «وأما أمام فكل العرب تذكره أخبرنا بذلك يونس» (٥).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٣٥.

(٢) البيت للقطامي ، انظر المقتضب ٢ / ٢٧٣ ، والمذكر والمؤنث / ١٥ ، ديوانه / ٥٠.

(٣) ما ينصرف ٧٠.

(٤) المخصص ١٧ / ٥٥.

(٥) سيبويه ٢ / ٣٥.

٧١

والحقيقة أنه قد يطرح سؤال بالنسبة لإلحاق تاء التأنيث بـ «قدام ووراء» عند تصغيرهما ، فكيف تلحقهما التاء المؤنثة مع أنهما أكثر من ثلاثة أحرف والقاعدة الصرفية تقول : إنه إن صغر المؤنث الخالي من علامة التأنيث الثلاثي أصلا وحالا كدار وسن وأذن وعين ، أو أصلا كيد أو مآلا فقط كحبلى وحمراء ، إذا أريد تصغيرهما تصغير ترخيم ... وكسماء مطلقا ، أي ترخيم وغيره ، لحقته التاء إن أمن اللبس (١) إذن فإلحاق تاء التأنيث عند التصغير خاص بالمؤنث فكيف تلحق «قدّام ووراء» مع أن عدد أحرف كل منهما فوق ثلاثة أحرف؟

وقد تنبّه ابن سيده في مخصصه لهذه النقطة ، «فإن قال قائل فكيف جاز دخول الهاء في التصغير على ما هو أكثر من ثلاثة أحرف؟ قيل له : المؤنث قد يدل فعله على التأنيث وإن لم يصغر ولم تكن فيه علامة التأنيث كقولنا : لسعت العقرب وطارت العقارب ، والظروف لا يخبر عنها بأخبار تدل على التأنيث ، فلو لم يدخلوا عليها الهاء في التصغير لم يكن على تأنيثها دلالة (٢).

وكذلك أشار المبرد إلى هذه النقطة فقال بعد أن تحدث عن عدم إلحاق الهاء بخلف عند التصغير «ألا تراها قد لحقت في الظروف ما جاوز الثلاثة للدلالة على التأنيث ، فقلت في «قدّام» قديديمة وفي «وراء» وريئة وتقديرها وريّئة» (٣).

__________________

(١) شذا العرف في فن الصرف ص ١٢٩.

(٢) المخصص لابن سيده ١٧ / ٥٥.

(٣) المقتضب ٤ / ٤١.

٧٢

ومن الظروف الواردة في هذا الموضوع : «إذا ولدن وعن» إذا جعلت اسما بدخول حرف الجر عليها ، لأن حرف الجر لا يدخل على حرف الجر. قال الشاعر :

ولقد أراني للرماح دريئة

من عن يميني تارة وأمامي (١)

أي من جانب يميني (٢) والشاهد في البيت هو دخول حرف الجر «من» على «عن» مما يدل على اسمية «عن» لأن الحرف لا يدخل على الحرف.

و «عن» هنا يعني «جانب». ولذلك قال سيبويه «ومثلهن (أي مثل الظروف) عن فيمن قال من عن يمينه وكذلك «منذ» في لغة من رفع لأنها كحيث» (٣) ومعنى قول سيبويه كـ «حيث» أن لمذ ومنذ استعمالين :

الأول : أن يكونا حرفي جر ، ولا يجران إلا الاسم الظاهر كما قال ابن مالك :

بالظاهر اخصص منذ مذ وحتى

والكاف والواو وربّ والتا

فمنذ ومذ من حروف الجر التي لا تجر إلا الظاهر ، وهما مختصان بأسماء الزمان ، «فإن كان اسم الزمان حاضرا كانا بمعنى «في» نحو «ما رأيته منذ يومنا» أي في يومنا. وإن كان الزمان ماضيا كان بمعنى «من» نحو «ما رأيته مذ يوم الجمعة» أي من يوم الجمعة (٤) وأحيانا» قد يكون اسم الزمان مقدرا كقولنا : ما رأيته منذ حدث كذا أي ما رأيته منذ زمان حدث كذا.

__________________

(١) البيت لقطري بن فجاءة ، انظر شرح ابن عقيل ٢ / ٢٤ ، وشرح ابن يعيش ٨ / ٤٠.

(٢) شرح ابن عقيل ٢ / ٢٤.

(٣) سيبويه ٢ / ٣٥.

(٤) شرح ابن عقيل ٢ / ٨.

٧٣

والثاني : أن يكونا اسمين وذلك إذا وقع بعدهما الاسم مرفوعا أو وقع بعدهما فعل ، فمثال الأول «ما رأيته مذ يوم الجمعة ، أو مذ شهرنا ، فمذ : مبتدأ خبره ما بعده ، وكذلك «منذ» ، وجوّز بعضهم أن يكونا خبرين لما بعدهما ، ومثال الثاني «جئت مذ دعا» فـ «مذ» اسم منصوب المحل على الظرفية والعامل فيه «جئت» (١).

ويقول ابن السراج : و «وحيث وإذا وعند وعن ، فيمن قال من عن يمينه ، ومنذ في لغة من رفع ، تصرف الجميع ، تحمله على التذكر حتى يتبين غيره» (٢) مصداقا لقول سيبويه : «ولو لم تجد في هذا الباب ما يؤكد التذكير لكان أن يحمله على التذكير أولى حتى يتبين لك أنه مؤنث» (٣).

ومن الظروف المذكورة «أين وكيف ومتى» عندنا لأنها ظروف وهي عندنا على التذكير ، وهي في الظروف بمنزلة ما ومن في الأسماء ، فنظيرهن من الأسماء غير الظروف مذكر ، والظروف قد تبين لنا أن أكثرها مذكر حيث حقّرت فهي على الأكثر وعلى نظائرها» (٤) وبينما نجد أن سيبويه قد ذكر هذه الظروف الثلاثة نجد أن المبرد قد اقتصر على ذكر «متى» وذلك من واقع تسميته التي تختلف عن تسمية سيبويه ، فقد سماه سيبويه «هذا الباب تسميتك الحروف بالظروف وغيرها من الأسماء» بينما سماه المبرد «تسمية الحروف» وأدمج فيه ذكر الحروف والظروف معا. لكن نجد أن أبا إسحاق الزجاج قد أفرد لهذا الموضوع وحده

__________________

(١) المصدر السابق ٢ / ٢٥ ـ ٢٦ بتصرف.

(٢) الأصول ٢ / ١١١.

(٣) سيبويه ٢ / ٣٥.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٣٥.

٧٤

جوانب بصورة أكثر دقة فقال : «هذا باب تسمية الكلم بالظروف» ولذلك اقتصر كلامه في هذا الباب على ذكر الظروف فقط ، بينما رأينا الدمج عند المبرد بصورة كبيرة لدرجة أنه تحدث عن «أنّ وليت ولعلّ» التي أفرد لها سيبويه بابا خاصّا تحدث عنها في أثناء حديثه عن الظروف.

وذكر سيبويه بعد الظروف ألفاظا أخرى غير ظرفية سنبينها فيما بعد عند ما ننتهي من ذكر بقية الظروف.

قال المبرد : «فأما (متى) فلا ينصرف اسم كلمة بوجه من الوجوه ، وينصرف اسم حرف ؛ لأنه مثل «جمل وقدم» لا ينصرفان اسمين لامرأتين في قول من الأقاويل ألبته (١) وتابع تحديده لمعالم هذه الكلمة وحدّ «متى» وهذه الظروف كلها أن تكون مذكرات ، لأنها أسماء الأمكنة ، وأوقات إلا ما دخل عليه منها حرف تأنيث ، كالليلة والساعة والغداة والعشية كما قلت لك في : قديديمة ووريّئة (٢).

وعند ما ننتقل إلى الزجاج نجد أنه قد تكلم عن الظرفين «كيف وأين» ولم يذكر «متى» بخلاف المبرد ، قال الزجاج : «فإذا سميت رجلا بـ «كيف أو أين» صرفته في المعرفة والنكرة وأعربته ، فقلت : «هذا كيف قد جاء وهذا أين» (٣) إذن الصرف والإعراب في حالتي المعرفة والنكرة إذا سمينا بهما مذكرا حيث تنعدم علة التأنيث وتبقى علة العلمية دون علة أخرى تقويها. ولذلك نرى الحكم مختلفا إذا سمينا بها مؤنثا : «فإذا سميت

__________________

(١) المقتضب ٤ / ٤٢.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٤٢.

(٣) ما ينصرف ٧٠.

٧٥

كلمة ب. «كيف» أو «أين» فالاختيار أن تقول «هذه كيف وأين» معرب غير منون (١) هاتان حالتان عند التسمية بـ «كيف وأين» الحالة الأولى عند ما نسمي بهما رجلا (مذكر) والثاني : عند ما نسمي بهما كلمة (مؤنث). والحالة الثالثة التي أوردها الزجاج بقوله «وإن جعلت كيف اسما للحرف قلت : «هذا كيف» معرب منون ؛ لأنك سميت مذكرا بمذكر وفيها وجهان آخران : أحدهما : الحكاية تقول : «هذه كيف وأين» تريد هذه التي تلفظ بها ، فيقال فيها «كيف زيد» ، و «كيف» هذه التي تلفظ بها فنقول «أين زيد».

والوجه الآخر : أن تقول : «هذه كيف يا فتى» أي هذه علامة هذا اللفظ ثم تحذف علامة وتقيم «كيف» مقامها» (٢).

وذكرنا فيما مضى أن سيبويه قد جعل هذا الباب لتسمية الحروف بالظروف وغيرها من الأسماء إذن فهو لم يخصصه للتسمية بالظروف ولذلك ذكر جملة من الأسماء غير الظروف بعد حديثه عن التسمية بالظروف وما يترتب عليها من أحكام نحوية خاصة بجواز الصرف وعدم الصرف ، لكن الملاحظ أنه قد وضع قاعدة الممنوع من الظروف بعد ذكر الظروف والأسماء غير الظروف ، فكأنه قد نظر إليها جميعا من ناحية القاعدة نظرة واحدة. قال سيبويه : «وأما الأسماء غير الظروف فنحو «بعض وكل وأي وحسب» ألا ترى أنك تقول : أصبت حسبي من الماء ، و «قط» كحسب وإن لم تقع في جميع مواقعها ولو لم تكن اسما لم تقل

__________________

(١) نفس المصدر ٧٠.

(٢) ما ينصرف ٧١.

٧٦

قطك درهمان فيكون مبنيّا عليه» (١). وقد بيّن هنا اسمية «حسب وقط» مستدلا على ذلك بدخول الإسناد فقال في حسب «حسبك» وفي قط «قطك درهمان» ولذلك قال : «ولو لم تكن اسما لم تقل قطك درهمان» (٢) ، لكن الاختلاف بين الاسمين كما يقول : إن «حسب أشد تمكنا ألا ترى أنها تدخل عليها حروف الجر تقول بحسبك وتقول مررت برجل حسبك فتصف به. وقط لا تمكن هذا التمكن» (٣) فـ «حسب» اسم معرب لتمكنه ، و «قط» اسم مبني لعدم تمكنه.

وفي أثناء حديثه عن الأسماء غير المصروفة تطرق إلى حرف الجر «على» وبيّن أنه «بمنزلة فوق» (٤).

ومن الحروف التي انفرد المبرد بذكرها في هذا الباب «كم» فإن سميت رجلا ، أو حرفا (كم) فالإعراب والصرف ، تقول : «هذا كم فاعلم ورأيت كما» (٥).

والحقيقة أن حكم «على» كحكم «عن» هما في الأصل حرف جر كما قال ابن مالك في ألفيته :

هاك حروف الجر وهي : من ، إلى

حتى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على (٦)

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٣٥.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٣٥.

(٣) المصدر نفسه ٢ / ٣٥.

(٤) سيبويه ٢ / ٣٥.

(٥) المقتضب ٤ / ٤٢.

(٦) شرح ابن عقيل ٢ / ٣.

٧٧

فقد ذكرهما ضمن حروف الجر. ولكن قد يخرجان عن هذا الأصل فيكونان اسمين بدخول حرف الجر عليهما ؛ لأن حرف الجر لا يدخل على حرف الجر كما بيّنا هذا الحكم في «عن». ومن الشواهد الدالة على اسمية «على» قول الشاعر :

غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل (١)

والمقصود من ذكر هذا البيت هنا هو قوله «من عليه» حيث جاء «على اسما بمعنى «فوق» بدليل دخول حرف الجر عليه.

وخلاصة القول «أن جميع ما ذكرنا لا ينصرف منه شيء إذا كان اسما للكلمة وينصرف جميع ما ذكرنا في المذكر إلا أن وراء وقدام لا ينصرفان ، لأنهما مؤنثان وأما ثم وأين وحيث ونحوهن إذا صيّرن اسما لرجل أو امرأة أو حرف أو كلمة فلابد لهن من أن يتغيرن عن حالهن ، يصرن بمنزلة زيد وعمرو لأنك وضعتهن بذلك الموضع» (٢).

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٢٣. البيت لمزاحم العقيلي انظر سيبويه ٢ / ٣١٠ ، والمقتضب ٣ / ٥٣.

(٢) سيبويه ٢ / ٣٥.

٧٨

«باب أسماء السور»

لأسماء السور حالات تكون فيها ممنوعة من الصرف ، وجاء أن أسباب منعها مختلفة وليست مقصورة على العلمية والتأنيث ولذا أخرتها بينما ذكرت في الكتب النحوية بعد أسماء القبائل والأحياء ، وقبل تسمية الحروف والكلم التي ليست ظرفا أو التي هي ظرف ، وذلك حتى يكون بين المسائل تناسق وتوافق. بدأ سيبويه هذا الباب بقوله : «تقول هذه هود كما ترى إذا أردت أن تحذف «سورة» من قولك : «هذه سورة هود» فيصير هذا كقولك «هذه تميم» كما ترى ، وإن جعلت «هودا» اسم السورة لم تصرفها ؛ لأنها تصير بمنزلة امرأة سميتها بعمرو» (١). إذن هنا حالتان للتسمية بهود :

الحالة الأولى :

أنك أردت بقولك : «هذه هود» : أي «هذه سورة هود» ثم حذفت المضاف وأقمت المضاف إليه مقامه. فهو معرب منون. والدليل على أن المضاف محذوف هو قولك : «هذه الرحمن» أي هذه سورة الرحمن كما بيّن سيبويه : «ومما يدلك على أنك حذفت «سورة» قولهم : «هذه الرّحمن» ولا يكون هذا أبدا إلا وأنت تريد سورة الرحمن» (٢).

والسبب في عدم صحة قولنا : «هذه الرحمن» دون قصد المضاف

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٣٠.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٣٠.

٧٩

«سورة» هو عدم التطابق بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث ، فاسم الإشارة «هذه» مؤنث و «الرحمن» مذكر ولهذا قدرنا «سورة» ليتم التطابق.

الحالة الثانية :

أن نجعل «هودا» وما أشبه ذلك من نحو «نوح» اسما للسورة دون إرادة المضاف ، وفي هذه الحالة ، فهو ممنوع من الصرف لأننا سمينا به مؤنثا «ويصير بمنزلة امرأة سميتها بعمرو ، وإن جعلت «نوح» اسما لها لم تصرفه» (١).

وبيّن المبرد في «المقتضب» مسألة إرادة الإضافة وما يترتب عليها من الصرف أو جعلها اسما للسورة فيمنع ، ولكنه نظر إلى «نوح» على أساس العجمة وهذا لم يتلفت إليه سيبويه هنا حسب القاعدة والرأي القائل بصرف العلم الأعجمي الثلاثي سواء تحرك وسطه كشتر أو سكن كنوح. أما المبرد فقط نظر إلى أعجميته وقال : «وأما نوح فإنه اسم أعجمي لا ينصرف إذا كان اسما لمؤنث» (٢) والحقيقة أنهما لم يختلفا في منعه من الصرف إذا جعل اسما للسورة وذلك لوجود العلمية والتأنيث إلا أن المبرد نظر إلى الأعجمية متبعا الرأي القائل بجواز الصرف وعدمه للأعجمي الثلاثي (سواء تحرك وسطه أم لا) بينما لم يلتفت سيبويه إلى هذه العلة هنا.

وأرى أن امتناع «نوح» من الصرف إذا جعل اسما للسورة لعلتي العلمية والتأنيث أقوى وأفضل من هذا الرأي القائل بامتناعه من الصرف

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٣٠.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٥٥.

٨٠