الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

أردت لكيما يعلم الناس أنها

سراويل قيس والوفود شهود

وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه

سراويل عادي نمته ثمود

 .. قال الليث : السراويل : أعجمية أعربت وأنثت. والجمع سراويلات قال سيبويه ولا يكسر ، لأنه لو كسر لم يرجع إلا إلى لفظ الواحد فترك.

وقد قيل : سراويل : جمع سراولة قال :

عليه من اللؤم سروالة

فليس يرقّ لمستعطف

وسروله فتسرول ألبسه إياها فلبسها. الأزهري جاء السروايل على لفظ الجماعة وهي واحدة قال : وقد سمعت غير واحد من الأعراب يقول : سروال.

وفي حديث أبي هريرة أنه كره السراويل المخفجة. قال أبو عبيدة : هي الواسعة الطويلة.

الجوهري : قال سيبويه : سراويل واحدة وهي أعجمية أعربت فأشبهت من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة. فهي مصروفة في النكرة قال ابن بري قوله «فهي مصروفة في النكرة» (١) ليس من كلام سيبويه.

الرأي الأول :

وقد اختلف فيها ، فذهب سيبويه إلى أنها كلمة مفردة أعجمية الأصل

__________________

(١) لسان العرب ١٣ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦ فصل السين ـ حرف اللام.

٦٠١

عربت ، ولما كان وزنها مشبها أحد أوزان منتهى الجموع منعت من الصرف (١).

«فأما (سراويل) فاسم أعجمي أشبه من كلام العرب ما لا ينصرف ، وإنما هي بالفارسية «شروال» فبنتها العرب على ما لا ينصرف من كلامها فإذا صغرتها صرفتها إلا أن تكون اسم رجل (٢).

وفي شرح الكافية قوله : «واختلف في تعليله فعند سيبويه وتبعه أبو علي أنه اسم أعجمي مفرد عرّب كما عرّب الآجر ولكنه أشبه من كلامهم ما لا ينصرف قطعا نحو قناديل فحمل على ما يناسبه فمنع الصرف ولم يمنع الآجر مخففا لأن جمع ما وازنه ليس ممنوعا من الصرف» (٣).

فالرأي الأول بالنسبة لكلمة «سراويل» أنها اسم أعجمي مفرد عرب ومنع من الصرف لمشابهته لأحد أوزان صيغة منتهى الجموع «مفاعيل» إذ هو على زنة «مصابيح وقناديل».

فقد أتاه المنع عن طريق المشابهة وهذا هو رأي سيبويه والجمهور ، «قال الشاعر وهو ابن مقبل» :

يمشّى بها ذبّ الرياد كأنه

فتى فارسي في سراويل رامح (٤)

فقد جاء «سراويل» ممنوعا من الصرف.

__________________

(١) انظر سيبويه ٢ / ١٦ ، المقتضب ٣ / ٣٤٥ ، ٣٢٦.

(٢) ما ينصرف ٤٦ ، انظر شرح المفصل ١ / ٦٤.

(٣) الكافية ١ / ٥٧ ، وانظر حاشية الصبان ، ٣ / ٢٣٦ ـ ٢٤٧ ، التصريح ٢ / ٢١٢.

(٤) المفصل ١ / ٦٤.

٦٠٢

الرأي الثاني :

أن «سراويل» اسم عربي وهي جمع مفرده «سروالة». كما ورد عند المبرد في قوله : «ومن العرب من يراها جمعا واحدها سروالة وينشدون :

عليه من اللؤم سروالة

فمن رآها جمعا يقال له : إنما هي اسم لشيء واحد فيقول : جعلوه أجزاء كما تقول : دخاريص القميص والواحد دخرصة ، فعلى هذا كان يرى أنها بمنزلة قناديل لأنها جمع لا ينصرف في معرفة ولا نكرة» (١).

فالمبرد هنا يرى أن «سراويل» اسم عربي وهو جمع لسروالة بينما نراه في مكان آخر من كتاب المقتضب يذهب إلى أنه «أعجمي معرب» إذ يقول : «وكذلك سراويل لا ينصرف عند النحويين في معرفة ولا نكرة ، لأنها وقعت على مثال من العربية لا يدخله الصرف نحو : «قناديل ودهاليز» فكانت لمّا دخلها الإعراب كالعربية» (٢).

ولم تجد للمبرد ترجيحا لأحد الرأيين على الآخر فهنا يذهب مذهب سيبويه وهناك يخالفه ، والرأي المخالف هو الذي نسبه إليه العلماء إذ بينوا أنه خالف سيبويه في هذا الرأي (٣).

وعلى هذا الرأي لا ينصرف «سراويل» كذلك لشبهه بقناديل الممنوعة سواء كانت معرفة أم نكرة «يمكن تقدير الجمع في «سراويل» مطلقا صرف أو لم يصرف وذلك لاختصاص هذا الوزن بالجمع فمن لم يصرفه فنظر

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٢٦.

(٣) شرح المفصل ١ / ٦٤ ، شرح الكافية ١ / ٥٧.

٦٠٣

إلى ذلك المقدر ، ومن صرف فلزواله بوقوعه على الواحد» (١) كما يقول السيوطي : «وقال آخرون بالمنع في الحالتين وأنه جمع سروالة» (٢).

ولكن لم يسلم هذا الرأي من الاعتراض عليه فقد ورد في حاشية الصبان على الأشموني قوله معترضا على هذا الرأي : «ومن النحويين من زعم أن «سراويل» عربي وأنه في التقدير جمع «سروالة» سمي به المفرد ، ورد بأن سروالة لم يسمع. وأما قوله :

«عليه من اللؤم سروالة»

فمصنوع لا حجة فيه. وذكر الأخفش أنه سمع من العرب من يقول : «سروالة» ويرد هذا القول أمران :

أحدهما : أن «سروالة» لغة في «سراويل» ؛ لأنها بمعناه فليس جمعا لها كما ذكره في شرح الكافية.

والآخر : أن النقل لم يثبت في أسماء الأجناس وإنما ثبت في الأعلام (٣).

ولعل هذا يدلّنا على رأي آخر وهو أن «سراويل» و «سروالة» مترادفان وأن «سروالة» لغة في «سراويل» كما جاء في شرح السيرافي على كتاب سيبويه إذ يقول «وينبغى على مذهب الأخفش أن ينصرف إذا لم يكن جمعا ، وقد رأينا شعر العرب يدل على مذهب سيبويه ومن الناس من

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٥٧.

(٢) الهمع ١ / ٢٥ ، انظر التصريح ٢ / ٢١٢ ، وانظر ابن عقيل ٢ / ٢٥٥.

(٣) الصبان ٣ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨. وهناك رد على هذا الرد في حاشية الصبان ص ٢٤٧ ـ ٢٤٨ وأرى أنه لا داعي لذكره.

٦٠٤

يجعله جمعا لسروالة فيكون جمعا لقطع الخرق ، واعتمد هذا المذهب أبو العباس ، والذي عندي أن سروالة لغة في سراويل (١) ، فقد بين السيرافي رأيه في هذه النقطة في السطر الأخير.

وأضاف بعضهم إلى «سراويل» بعدا آخر يرجح كفة المنع ألا وهو التأنيث خاصة وأن عدد حروفه أكثر من ثلاثة أحرف كما قال ابن السراج في موجزه : «وأما «سراويل» فهو واحد أعجمي أعرب نكرة فهو منصرف في النكرة وهو مؤنث ، فإن سميت به لم تصرفه ، لأنه معرفة وأنه مؤنث وهو على أكثر من ثلاثة أحرف» (٢).

وفي شرح ابن يعيش إشارة إلى رأي أبي علي بأن الصحيح «أن لا ينصرف في النكرة لأنه مؤنث على بناء لا يكون في الآحاد» (٣).

وأشار الرضي في شرحه للكافية إلى التأنيث المعنوي في «سراويل» وأنه من العوامل التي ترجح منعه من الصرف (٤) ولهذا قال شارح الأشموني في الصبان : «قال في شرح الكافية : وينبغي أن يعلم أن «سراويل» اسم مؤنث فلو سمي به مذكر ثم صغّر لقيل فيه سرييل غير مصروف للتأنيث والتعريف ولو لا التأنيث لصرف كما يصرف «شراحيل» إذا صغر ، فقيل : «شريحيل لزوال صيغة منتهى التكسير» (٥).

ولهذا أيضا فقد جاء في الحاشية أن الفارسي زاد في تعريفه لكلمة «سراويل» بالإضافة إلى أنها اسم مفرد أعجمي أضاف أنها نكرة مؤنث (٦).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٦ (الهامش).

(٢) الموجز ٧٠ ، الأصول ٢ / ٨٩٨.

(٣) شرح المفصل ١ / ٦٥.

(٤) الكافية ١ / ٥٧.

(٥) حاشية الصبان ٣ / ٢٤٨.

(٦) نفس المصدر ٣ / ٢٤٦.

٦٠٥

فجانب التأنيث في «سراويل» يؤكد كما قلنا منعه من الصرف ، حتى لو صغر وزالت صيغة الجموع (١) عنه فإن التأنيث مع العلمية (عند التسمية به) كفيلان بمنعه.

ويتلخص لنا في «سراويل» ما يلي :

١) أنه اسم مفرد أعجمي الأصل عرّب ، ومنع من الصرف لشبهه لصيغة الجمع المتناهي. وهو رأي سيبويه والجمهور.

٢) أنه اسم عربي وهو جمع مفرده «سروالة» وهو رأي المبرد كما نسبه إليه بعض النحاة ، مع أننا كما قلنا لم نجد ترجيحا له لأحد الرأيين على الآخر مع إشارته لهما. وعليه فهو ممنوع من الصرف أيضا لشبهه بقناديل.

٣) وأما الرأي الثالث وهو رأي السيرافي فقد رأى أن سروالة لغة في سراويل.

٤) مما يؤكد منعه الصرف تصور التأنيث فيه وخاصة أنه على أكثر من ثلاثة أحرف ، فهو يشبه من هذه الجهة كلمة «سعاد وزينب» مثلا.

٥) أن التصغير لا يؤثر في منع «سراويل» إذا كان اسما لرجل لأنه أعجمي الأصل ومؤنث وهما من العوامل المساعدة على المنع «فإن حقرتها اسم رجل لم تصرفها كما لا تصرف «عناق» اسم رجل» (٢).

ويقول عباس حسن : «ولو لا التأنيث لصرف كما يصرف شراحيل إذا صغّر فقيل شريحيل لزوال صيغة منتهى التكسير» (٣).

__________________

(١) انظر الأصول ٢ / ٨٩.

(٢) سيبويه ٢ / ١٦ ، الصبان ٣ / ٢٤٨.

(٣) النحو الوافي ٤ / ١٦٤.

٦٠٦

كلمة «شراحيل» : جاء في اللسان : «وقال ابن بري في ترجمة «شراحيل» قال «شراحيل» اسم رجل لا ينصرف عند سيبويه في معرفة ولا نكرة وينصرف عند الأخفش في النكرة ، فإن حقرته انصرف عندهما لأنه عربي وفارق السراويل أنها أعجمية» (١).

يقول سيبويه : «شراحيل» من الكلمات الملحقة بمنتهى الجموع «وقد استعمله العرب علما سمي به عدة رجال ..» (٢).

وعند سيبويه أن الفرق بين «شراحيل» و «سراويل» هو أن «شراحيل» عربي و «سراويل» أعجمي الأصل. ومن هنا فإن التصغير يؤثر في «شراحيل» فيصرفه بخلاف «سراويل» قال : «وأما «شراحيل» فتحقيره ينصرف لأنه عربي» (٣).

ويقول أبو إسحاق الزجاج : فأما «شراحيل» فمن الجمع والواحد «شرحال» فهو غير مصروف (٤).

«فشراحيل» على صيغة منتهى الجموع ولذلك هو ممنوع من الصرف وهو عربي الأصل ، جمع مفرده شرحال ، وقد استعمل علما للمفرد (٥) وقلنا كذلك إن التصغير يؤثر عليه فيصرفه (٦) إذ يزيل مانعه وهي صيغة الجمع المتناهي ، فلا يبقى بجانب العلمية علة أخرى بخلاف سراويل إذ فيه العجمة بجانب العلمية ، وفيه التأنيث المعنوي.

__________________

(١) اللسان ١٣ / ٣٥٦ ، فصل السين ـ حرف اللام.

(٢) سيبويه ٢ / ١٦.

(٣) ما ينصرف ص ٣٧.

(٤) انظر الهمع ١ / ٢٥.

(٥) انظر الأصول ٢ / ٨٩.

(٦) ما ينصرف / ص ٣٧.

٦٠٧

وكما أن التصغير يؤثر على «شراحيل» فيصرفه لإزالة علة المنع فكذلك يؤثر على الجموع المتناهية نحو «منابر» و «دفاتر» وكذلك «مساجد» على فرض تصغيره لأنه من الكلمات التي لا يجوز تصغيرها إجلالا للمساجد إذ الأصل في التصغير هو التحقير. قال ابن السراج : «فإن صغرته صرفته فقلت : مسيجد ، لأنه قد عاد البناء إلى ما يكون في الواحد مثله وصار عييسر» (١).

المعتل الآخر من صيغ منتهى الجموع :

صيغ منتهى الجموع التي تكلمنا عنها كانت صحيح الآخر ، أما إذا كان الحرف الأخير منها حرف علة (ياء) وكان مجردا من (أل) والإضافة فإن الياء تحذف في حالتي الرفع والجر ويعوض عنها بتنوين العوض. بينما تظهر الفتحة على الياء عند النصب لخفة الفتحة وذلك نحو جواري ، غواشي.

تقول : مررت بجوار وغواش ، وجاءت جوار وغواش. (الرفع والجر) ورأيت جواري وغواشي (النصب).

فظهور الفتحة على الياء أمر لا خلاف فيه ، أما التنوين في حالتي الرفع والنصب فالمسألة فيها خلاف سنذكره إن شاء الله.

والأصل في «جوار» قبل الحذف «جواري» بوجود الياء وحذف الياء منها على اعتبارين : (جواري).

١) إما أن الحذف سابق على منع الصرف ، استثقلت الضمة على الياء فحذفت. فصارت «جوارين» فالتقى ساكنان الياء والتنوين فحذفت

__________________

(١) الأصول ٢ / ٨٩ ، الموجز ص ٧٠.

٦٠٨

الياء للتخلص من التقاء الساكنين فصارت الكلمة (جوارن) بالتنوين ، ثم حذف التنوين لأنها ممنوعة من الصرف ، وحل تنوين العوض محله ليكون عوضا من الياء المحذوفة وليمنع رجوعها عند النطق فصارت «دواع».

٢) الاعتبار الآخر هو أن الحذف متأخر عن منع الصرف فالأصل جواري (جوارين) حذف التنوين لأن الاسم ممنوع من الصرف ، فصارت الكلمة «جواري» ثم حذفت الياء للخفة وعوض عنها بتنوين العوض ولمنع رجوعها (١).

وهذا التنوين الذي جئنا به عوضا عن المحذوف هل هو عوض عن الياء المحذوفة؟ أم عوض عن الحركة التي كانت على الياء وحذفت معه؟

المسألة فيها خلاف ، فقد ذهب سيبويه إلى أن التنوين عوض عن الياء المحذوفة استثقالا ؛ لأنهم لما حذفوا الياء نقص الاسم عن مثال مفاعل فدخله التنوين على حد دخوله في «قصاع وجفان» لأنه صار على وزنه والذي يدل على ذلك أنك إذا عدت إلى النصب لم تحذف الياء لخفة الفتحة ولأنهم لما حذفوا الياء في الرفع والجر ودخله التنوين وافق المفرد المنقوص فصار قولك «هذه جوار وغواش ومررت بجوار وغواش» كقولك هذا قاض ومررت بقاض أرادوا أن يوافقه في النصب لئلا يختلف حالاهما (٢).

«وأما يونس فكان ينظر إلى كل شيء من هنا إذا كان معرفة كيف حال

__________________

(١) انظر هامش النحو الوافي ٤ / ١٦٢.

(٢) انظر سيبويه ٢ / ٥٦ ـ ٥٧ ، وشرح المفصل ١ / ٦٣.

٦٠٩

نظيره من غير المعتل معرفة ، فإذا كان لا ينصرف لم يصرف ، يقول : هذا جواري قد جاء. ومررت بجواري قبل» (١).

فهو ينظر إلى معتل الآخر ويعامله معاملة نظيره من صحيح الآخر معرفة دون أن يحذف الياء كما رأينا.

وقد بين الخليل خطأه بقوله : «هذا خطأ لو كان من شأنهم أن يقولوا هذا في موضع الجر لكانوا خلقاء أن يلزموه الرفع والجر إذا صار عندهم بمنزلة غير المعتل في موضع الجر ، ولكانوا خلقاء أن ينصبوها في النكرة إذا كانت في موضع الجر ، فيقولوا : مررت بجواري قبل ، لأن ترك التنوين في الاسم في المعرفة والنكرة على حال واحدة» (٢).

«وقال أبو العباس في المعرفة والنكرة على حال واحدة».

«وقال أبو العباس رحمه الله ـ قال أبو عثمان : كان يونس وعيسى وأبو زيد ، والكسائي ينظرون إلى جوار وبابه ، فكل ما كان نظيره من غير المعتل مصروفا صرفوه ، وإلا لم يصرفوه ، وفتحوه في موضع الجر كما يفعلون بغير المعتل يسكنونه في الرفع خاصة ، وهو قول أهل بغداد» (٣).

قال سيبويه : «إن التنوين دخل هذا الباب عوضا عن الياء» (٤) وقال محمد بن يزيد (المبرد) : «التنوين عندي عوض من حركة لا غير ،

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٥٨.

(٢) سيبويه ٢ / ٥٨.

(٣) الأصول ٢ / ٩٣ ، وانظر ابن يعيش ١ / ٦٤.

(٤) ما لا ينصرف ١١٢ ، وانظر شرح الكافية ١ / ٥٧.

٦١٠

وذلك أن الياء كان يجب أن تكون في هذا الباب ساكنة غير محذوفة» (١).

هذا النص (الذي أشار فيه المبرد بوضوح إلى أن التنوين عوض من حركة الياء لا غير) هذا النص أورده الزجاج كما بيّنا. إلا أن المبرد لم يشر بهذا الوضوح وإنما قال : فإنما انصرف باب جوار في الرفع والخفض ، لأنه أنقص من باب ضوارب في هذين الموضعين ، وكذلك «قاض» فاعلم. لو سميت به امرأة لانصرف في الرفع والخفض لأن التنوين يدخل عوضا مما حذف منه» (٢).

والمحذوف شيئان هما الياء والحركة (ضمة أو كسرة) ، فهل يقصدهما معا؟ أم يقصد الياء وحدها؟ أم يقصد الحركة وحدها؟ ومما يؤيد أن المبرد أراد أن التنوين عوض عن حركة الياء ما ورد في شرح الكافية من أن المبرد قال إن «التنوين عوض من حركة الياء» (٣).

ومن الذين ذهبوا هذا المذهب أبو إسحاق الزجاج (٤).

وجاء في «معاني القرآن وإعرابه» قوله : (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ ..) وقوله «غواش» زعم سيبويه والخليل جميعا أن النون ههنا عوض من الياء ، لأن غواش لا تنصرف ، والأصل فيها «غواشي» بإسكان الياء فإذا ذهبت الضمة أدخلت التنوين عوضا منها (٥).

وورد في «مشكل إعراب القرآن» أن «غواش» في قوله تعالى (فَوْقِهِمْ غَواشٍ)(٦) مبتدأ ، والمجرور خبرها ، وأصلها ألا تنصرف لأنها على

__________________

(١) ما لا ينصرف ١١٢.

(٢) المقتضب ١ / ١٤٣.

(٣) شرح الكافية ١ / ٥٨.

(٤) انظر ما لا ينصرف ١١٢.

(٥) معانى القرآن وإعرابه ٢ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٦) سورة الأعراف ، الآية ٤١.

٦١١

فواعل مثل «سلاسل» في ترك الصرف ، وواحدتها «غاشية» إلا أن التنوين دخلها عوضا من ذهاب حركة الياء المحذوفة ، فلما التقى ساكنان سكون الياء لثقل الضمة عليها ، والتنوين حذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار التنوين تابعا للكسرة التي كانت قبل الياء المحذوفة» (١).

بينما يقول السيوطي عن التنوين في «غواش» و «ليال» أنه عوض عن الياء المحذوفة بحركتها تخفيفا (٢).

وأرى أن الأفضل أن يكون التنوين عوضا عن الياء المحذوفة لأنها حرف وجزء من كلمة ، فهو أحق بالتعويض من الحركة (ضمة أو كسرة) لأنها حركة ، فهي أقل شأنا من الحرف ، بل لا يكون ظهورها إلا على الحرف ، فالحرف إذن أحق لأنه أصل وجزء.

ويترتب على مسألة التعويض هل هو تعويض عن الحرف؟ أم تعويض عن حركة الحرف؟ أمر آخر وهو : هل الإعلال مقدم على منع الصرف أم العكس؟ وهو أمر فيه خلاف أيضا لأنه مترتب على ما قبله فقد فسّر أكثر النحاة مذهب سيبويه على أن الإعلال مقدم على منع الصرف لكون سببه وهو الثقل أمرا ظاهرا محسوسا بخلاف منع الصرف فإن سببه مشابهة الاسم الفعل وهي خفية (٣).

وأيد السيرافي هذا التفسير وبيّن أن أصل جواري بالتنوين ، والإعلال مقدم على منع الصرف (٤).

__________________

(١) مشكل إعراب القرآن للقيسي ١ / ٣١٥.

(٢) الهمع ١ / ٣٥ ـ ٣٦. انظر الصبان ٣ / ٢٤٥.

(٣) حاشية الصبان ٣ / ٢٤٥.

(٤) انظر شرح الكافية ١ / ٥٨.

٦١٢

وقلنا إن أكثر النحاة فسّروا مذهب سيبويه على هذا النحو ؛ لأن بعضهم فسر قول الخليل وسيبويه أن التنوين عوض عن الياء أن منع الصرف مقدم على الإعلال (١) وعليه سار الزجاج (٢).

وقال المبرد : التنوين عوض من حركة الياء ، ومنع الصرف مقدم على الإعلال (٣). «وحصل التنوين قبل حذف الياء بدليل قوله ثم حذفت الياء وهذا بناء على أن منع الصرف مقدم على الإعلال فأصله على مذهب المبرد جواري بترك التنوين ، حذفت ضمة الياء لثقلها وأتي بالتنوين عوضا عنها فالتقى ساكنان فحذفت الياء لالتقائهما» (٤).

وقد اعترض عليه في شرح الكافية بقوله : «واعتراض عليه (يقصد سيبويه في الرأي القائل بتقديم المنع على الإعلال) وعلى مذهب المبرد أنه لو كان منع الصرف مقدما على الإعلال لوجب الفتح في قولك «مررت بجواري» كما في اللغة القليلة الخبيثة ، وذلك لأن منع الصرف يقتضى شيئين حذف التنوين وتبعية الكسر له في السقوط وصيرورته فتحا ، وأيضا يلزم أن يقال جاء في الجوار ومررت بالجوار عند سيبويه بحذف الياء ؛ لأن الكلمة لا تخف بالألف واللام ، وثقل الفرعية باق (٥).

يتخلص لنا بالنسبة للحذف والتعويض عدة أمور :

١) أنه في حالتي الرفع والجر في المعتل الآخر من صيغ الجمع المتناهي إذا كان مجردا من أل والإضافة ، وكان ما قبل حرف العلة مكسورا

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٥٨.

(٢) نفس المصدر ١ / ٥٨ ..

(٣) الكافية ١ / ٥٨.

(٤) الصبان ٣ / ٢٤٥.

(٥) شرح الكافية ١ / ٥٨.

٦١٣

فإن الياء تحذف ويعوض عنها بتنوين يسمى تنوين عوض عن حرف.

٢) عرفنا أن هناك خلافا حول التعويض هل هو عوض من الياء أم من حركة؟ وعلمنا مذهب العلماء في هذا الأمر.

٣) يترتب على مسألة التعويض مسألة أخرى وهي ، هل الإعلال مقدم على المنع من الصرف؟ أم العكس؟

٤) يخرج عن القواعد السابقة إذا كان ما قبل الياء أو الواو ساكنا «فهو بمنزلة غير المعتل وذلك نحو قولك ظبي ودلو» (١).

وأما إذا كان ما قبلها مفتوحا فإن الياء تقلب ألفا «وذلك قولك عذارى وصحارى فهي الآن بمنزلة مدارى ومعايا لأنها مفاعل وقد أتم وقلبت ألفّا» (٢).

«وتنقلب الياء ألفا بشرط أن يكون وزن المنقوص كوزن إحدى الصيغ الأصلية لمنتهى الجموع ، وأن يكون مفرده اسما محضا على وزن «فعلاء» الدالة على مؤنث ليس له ـ فى الغالب ـ مذكر كصحراء وصحار ، فيقول فيها صحاري .. رفعا ونصبا وجرّا بغير تنوين (٣).

وجاء عند الزجاج قوله : «ومن قال إن التنوين عوض من الحركة أيضا لم يلزمه أن يدخل التنوين في «عذارا» و «مدارا» ؛ لأن الحركة لم تثبت قط مع هذه الألف ، لأن الألف لا تكون إلا ساكنة. والحركات كلها تدخلها الياء ، فلذلك صار التنوين عوضا من الحركة فيما كان من هذا الباب بالياء ، وامتنع مما لفظه الألف» (٤).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٥٧.

(٢) سيبويه ٢ / ٥٧.

(٣) النحو الوافي ٤ / ١٦٣ (الهامش).

(٤) ما ينصرف ١١٥.

٦١٤

كل هذه الأمور كما قلنا في حالتي الرفع والجر إذا كان الاسم مجردا من أل والإضافة ، أما في حالة النصب فإن الفتحة تظهر دون تنوين كقولنا : رأيت جواري.

أما في حالتي الإضافة والتحلية بأل فإنه يعرب بحركات مقدرة على الآخر إلا الفتحة التي تظهر كذلك لخفتها.

مسألتان في هذا الموضوع : وهما :

١) ما الحكم إذا صار الاسم الذي على صيغة الجمع المتناهي علما فهل يمنع للعلمية وشبه العجمة (لأنه ليس بين أوزان المفرد العربي الأصيل ما يكون على هذا الوزن)؟ أم أن المانع هو صيغة منتهى الجموع؟ والمسألة فيها رأيان : رأي يقول لصيغة منتهى الجموع ، وعليه فلو صار علما لمفرد ثم أزيل علميته للتنكير فإنه ممنوع من الصرف لبقاء صورته الأصلية. وذهب آخرون إلى أن سبب المنع في حال التعريف هو التعريف وشبه العجمة وعليه فإنه يصرف عند التنكير لزوال العلمية.

يقول المبرد : «فإن سميت رجلا بمساجد وقناديل ، فإن النحويين أجمعين لا يصرفون ذلك في معرفة ، ولا نكرة ويجعلون حاله وهو اسم الواحد كحاله في الجمع» (١).

ويقول ابن السراج : «فإن سميت بالجمع الذي لا ينصرف رجلا نحو «مساجد» لم تصرفه وقلت : «هذا مساجد قد جاء» إنما لم يصرف لأنه معرفة ، وأنه مثال لا يكون في الواحد فأشبه الأعجمي المعرفة» (٢).

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٤٥.

(٢) الأصول ٢ / ٨٩ الموجز ص ٧٠.

٦١٥

وقال الأخفش : «الجمع الذي لا ينصرف إذا سميت به إن نكرته بعد ذلك لم تصرفه أيضا» (١).

فالأخفش لا يصرفه بعد التنكير كما أورده ابن السراج ، بينما نرى أن السيوطي يقول رأيا آخر بالنسبة لهذا العالم : «الجمع المتناهي إذا سمي به ثم نكر ذهب الأخفش أيضا إلى صرفه وخالفه الجمهور» (٢).

فأي الرأيين أصح؟ ولكن قد يزول هذا الاستفهام حين نرى ما جاء في حاشية الصبان على الأشموني إذ يقول : «قال المرادي : قلنا : مذهب سيبويه أنه لا ينصرف بعد التنكير لشبهه بأصله ، ومذهب المبرد صرفه لذهاب الجمعية ، وعن الأخفش القولان والصحيح قول سيبويه لأنهم منعوا سراويل من الصرف وهو نكرة وليس جمعا على الصحيح» (٣).

ولو رجعنا إلى المبرد في المقتضب لرأينا أنه قد بيّن أن الأخفش قد ذهب إلى صرفه بعد التنكير وقد أيّده في ذلك وبيان أنه هو القياس إذ يقول : «إلا أن أبا الحسن الأخفش فإنه كان إذا سمى بشيء من هذا رجلا أو امرأة صرفه في النكرة ، فهذا عندي هو القياس ، وكان يقول إذا منعه من الصرف أنه مثال لا يقع عليه الواحد فلما نقلته فسميت به الواحد خرج من ذلك المانع. وكان يقول : الدليل على ذلك ما يقول النحويون في مدائني وبابه أنه مصروف في المعرفة والنكرة ، وصياقلة أنه مصروف فى النكرة ممتنع بالهاء من الصرف في المعرفة ، لأنهما قد خرجا إلى مثال الواحد (٤). فسيبويه يذهب إلى المنع حتى بعد التنكير

__________________

(١) الأصول ٢ / ٨٩.

(٢) الهمع ١ / ٣٦.

(٣) الصبان ٣ / ٢٤٩.

(٤) المقتضب ٣ / ٣٤٥.

٦١٦

لبقاء الصورة المانعة بينما ذهب الأخفش والمبرد إلى الصرف بعد التنكير لزوال العلة المانعة.

من مسائل هذا الباب

ما يتعلق بأوجه الاتفاق والاختلاف بين المنقوص الذي هو صيغة منتهى الجموع ، والمنقوص المفرد نحو داع وقاض وساع.

والحقيقة أن الطرفين متفقان من جهة أنه في حالتي التجرد من الإضافة وأل. فإن حرف العلة يحذف (رفعا وجرّا) ويعوض عنه بالتنوين ويتشابهان كذلك في ظهور الفتحة فى حالة النصب. ويختلفان بعد ذلك في أن المنقوص المفرد المجرد من «أل» والإضافة يلحقه التنوين في حالة النصب أيضا. وتنوينه في حالاته الثلاث تنوين «أمكنية» وليس تنوين عوض ، أما المنقوص الذي هو صيغة منتهى الجموع فيجب تنوينه عند صرف يائه رفعا وجرّا فقط ، كما سبق وتنوينه عوض «عن الياء المحذوفة» وليس تنوين أمكنية ، ولا يجوز تنوينه في حالة النصب.

ويختلفان كذلك في الجر فالمفرد يجر بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة أما الآخر فيجر بفتحة على الياء المحذوفة ؛ لأنه ممنوع من الصرف. ويختلفان كذلك في أن حذف الياء في صيغته منتهى الجموع هو للخفة أو للتخلص من التقاء الساكنين على خلاف في ذلك ، أما في المفرد فللتخلص من التقاء الساكنين (١).

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ١٦٢ (الهامش).

٦١٧

الفصل الثاني

الواقع اللغوي

صيغة منتهى الجموع

وقد وردت كلمات كثيرة من هذا النوع بالصيغتين المعروفتين مفاعل ومفاعيل وما على منوالهما وسأقوم بذكر الأبيات التي وردت فيها الكلمة الواحدة كثيرا. ثم أبدأ بذكر ما ورد عند الشعراء الجاهليين ، ثم ما ورد في مصادر الشعر العربي كالجمهرة ، والمفضليات ، والأصمعيات ، وشرح أشعار الهذليين وذلك بالنسبة للكلمات القليلة الورود.

فمن الكلمات الكثيرة الورود كلمة «فوارس» التي يلاحظ أنها قد صرفت كثيرا ولهذا سأبدأ بذكر الأبيات التي صرفت فيها ، كما يلاحظ أن عنترة قد ذكرها مصروفة وذلك في البيتين التاليين إذ يقول :

فإن يك عبد الله لاقى فوارسا

يردّون خال العارض المتوقد (١)

ويقول أيضا :

وفوارس لي قد علمتهم

صبر على التّكرار والكلم (٢)

ومن الأبيات التي صرفت فيها ، قول «عبيد بن الأبرص» :

منا بشجنة والذناب فوارس

وعتائد مثل السواد المظلم (٣)

وفي هذا البيت صرف فوارس كما صرف عنائد. وقد نسب هذا البيت لسنان بن أبي حارثة (٤) ويقول «المتنخل اليشكري» :

__________________

(١) ديوان عنترة ٤٦.

(٢) ديوان عنترة ١٥٥.

(٣) الجمهرة ٢ / ٥٠٦.

(٤) الأصمعيات ٢٠٨ والمفضليات ٣٤٩.

٦١٨

وعلى الجياد المضمرا

ت فوارس مثل الصقور (١)

ويقول أيضا :

وفوارس كأوار ح

ر النار أخلاس الذكور (٢)

ويقول «سلامة بن جندل» :

فخرتم علينا أن طردتم فوارسا

وقول فراس هاج فعلي ومنطقي (٣)

ويقول «العباس بن مرداس» :

فلم أر مثل الحي حيّا مصبّحا

ولا مثلنا لمّا التقينا فوارسا (٤)

وأما الأبيات التي جاءت فيها «فوارس» ممنوعة من الصرف فهي قول «النابغة الذبياني» :

فوارس من منولة غير ميل

ومرة فوق جمعهم العقاب (٥)

ويقول «عمر بن كلثوم» :

أخذن على فوارسهن عهدا

إذا لاقوا فوارس معلمينا (٦)

ويقول «طريف العنبري» :

حولي فوارس من أسيّد شجعة

وإذا غضبت فحول بيتي خضّم (٧)

وأوردها كذلك «العباس بن مرداس» بقوله :

وأحصننا منهم فما يبلغوننا

فوارس منا يحبسون المحابسا (٨)

__________________

(١) الأصمعيات ٥٩.

(٢) الأصمعيات ٥٩.

(٣) الأصمعيات ١٣٦.

(٤) الأصمعيات ٢٠٥.

(٥) ديوان النابغة ٢٠.

(٦) الجمهرة ١ / ٣٦٥.

(٧) الأصمعيات ١٢٨.

(٨) الأصمعيات ٢٠٦.

٦١٩

يقارعون رؤوس العجم ضاحية

منهم فوارس لا عزل ولا ميل (١)

وجاء في «شرح أشعار الهذليين» هذان البيتان :

لعل فتاة منهم أن يسوقها

فوارس منا وهي باد شوارها (٢)

والبيت لأم عمرو امرأة خذام الخزاعي :

وجاء هذا البيت وهو «للأبح بن مرة» يقول فيه :

رأيتهم فوارس غير ميل

إذا شرق المقاتل بالكلوم (٣)

ومما جاء من صيغ منتهى الجموع «عوابس» وقد صرفت كثيرا ، وقد أوردها عنترة مصروفة في الأبيات التالية :

وغداة صبّحن الجفار عوابسا

يهدي أوائلهنّ شعث شزّب (٤)

ويقول أيضا :

ألفى صدور الخيل وهي عوابس

وأنا ضحوك نحوها وبشوش (٥)

ومنه قوله :

والخيل تقتحم الخبار عوابسا

ما بين شيظمة وأجرد شيظم (٦)

وفيه أيضا كلمة «أجرد» حيث منعها للوصفة ووزن الفعل.

ويقول :

منعت الكرى إن لم أقدها عوابسا

عليها كرام في سروج كرام (٧)

ويقول كذلك

__________________

(١) المفضليات ١٣٥.

(٢) الهذليين ١ / ٣٩٦.

(٣) الهذليين ٢ / ٦٦٧.

(٤) ديوان عنترة ٢٦.

(٥) ديوان عنترة ٩٥.

(٦) ديوان عنترة ١٥٤ والجمهرة ٢ / ٤٦٤.

(٧) ديوان عنترة ١٦٦.

٦٢٠