الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

الواقع اللغوي

ألف التأنيث المقصورة :

وقد وردت أبيات شعرية كثيرة فيها شواهد على ذلك فمثلا كلمة «ليلى» نراها في الأبيات التالية وهي قول «عبد الله بن عنمة الضبي» :

ليالي ليلى إذ هي الهمّ والهوى

يريد الفؤاد هجرها فيصادها (١)

ويقول أيضا :

سنلهو بليلى والنوى غير غربة

تضمّنها من رامتين جمادها (٢)

ويقول :

أشتّ بليلى هجرها وبعادها

بما قد تواتينان وينفع زادها (٣)

وهناك أبيات أخرى جاءت في «شرح أشعار الهذليين» من مثل قول «البريق بن عياض» :

ألم تسل عن ليلى وقد ذهب

وقد أوحشت منها الموازج والحضر (٤)

وقد ذكر بيت شبيه بهذا البيت مع تغيير بسيط ، ونسب إلى شاعر آخر هو «عامر بن سدوس» يقول فيه :

ألم تسل عن ليلى وقد نفد العمر

وأوحش من ليلى الموازج فالحضر (٥)

__________________

(١) المفضليات ٣٧٩.

(٢) الأصمعيات ٢٢٦.

(٣) الأصمعيات ٢٢٦.

(٤) الهذليين ٢ / ٧٤٨.

(٥) الهذليين ٢ / ٨٢٧.

٥٨١

ويقول «أبو صخر الهذلي» :

ليالي إذ ليلى تدانى بها النوى

ولما ترعنا بالفراق الروائع (١)

ويقول أيضا :

لظلّ صدى صوتي ولو كنت رمّة

لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب (٢)

ووردت كذلك في بيتين «لمليح بن الحكم» وهما :

وحبّ ليلى ولا تخشى محونته

صدع بقلبك مما ليس ينتفد (٣)

ولكنّ ليلى أهلكتني بقولها

نعم ثمّ ليلى الماطل المتبلّح (٤)

ومنها «سلمى» التي ذكرها «زهير بن أبي سلمى» بقوله :

لعمرك ما هرم بن سلمى

بملحيّ لنا اللّؤماء ليموا (٥)

ويقول «عمرو بن معد يكرب» :

فكم من غائط من دون سلمى

قليل الأنس ليس به كتيع (٦)

ويقول «الفرزدق» :

تثاقل أركان عليه ثقيلة

كأركان سلمى أو أعزّ وأكتف (٧)

وفيه شاهدان آخران وهما «أعز ، وأكتف» حيث الوصفية ووزن الفعل.

ووردت كلمة «سلمى» في «المفضليات» ، أيضا وذلك في الأبيات التالية :

فدى لسلمى ثوباي إذ دنس ال

قوم وإذ يدسمون ما دسموا (٨)

__________________

(١) شرح الهذليين ٢ / ٩٣٤.

(٢) شرح الهذليين ٢ / ٩٣٨.

(٣) شرح الهذليين ٣ / ١٠١٦.

(٤) شرح الهذليين ٣ / ١٠٣٩.

(٥) ديوان زهير ٢٠٩.

(٦) الأصمعيات ١٧٦.

(٧) الجمهرة ٢ / ٨٨٦.

(٨) المفضليات ٤٢.

٥٨٢

ويقول «المسيب بن علس» :

أرحلت من سلمى بغير متاع

قبل العطاس ورعتها بوداع (١)

ويقول «مزرد بن ضرار الذبياني» :

ألا يا لقوم والسّفاهة كاسمها

أعائدتي من حبّ سلمى عوائدي (٢)

ويقول «المزرد أخو الشماخ» شاعر مخضرم :

صحا القلب عن سلمى وملّ

وما كاد لأيا حبّ سلمى يزايل (٣)

وجاء في «الأصمعيات» البيت التالي وهو لـ «عباس بن مرداس» :

ليالي سلمى لا أرى مثل دلّها

دلالا وأنسا يهبط العصم آنسا (٤)

ويقول «أبو صخر الهذلي» :

بأطيب نشوا من سليمى وغرّة

إذا ما سقى كأس الكرى كلّ راقد (٥)

وفيه وردت كلمة «سلمى» وهي تصغير سلمى.

ومن الأعلام المختومة بألف التأنيث المقصورة كلمة «لبنى» وقد أوردها «أمية بن أبي الصلت» حيث يقول :

يربّبها الترعيب والمحض خلفة

ومسك وكافور ولبنى تأكل (٦)

وكما جاء في جمهرة أشعار العرب أن الشاعر قصد من «لبنى» هنا شجرة لها لبن كالعسل وأورد الشاعر نفسه «أمية بن أبي الصلت» في بيت آخر كلمة «لبينى» تصغير لبنى ، ويقصد بها امرأة ، إذ يقول :

__________________

(١) المفضليات ٦٠.

(٢) المفضليات ٧٥.

(٣) المفضليات ٩٣.

(٤) الأصمعيات ٢٠٥.

(٥) شرح الهذليين ٢ / ٩٣٢.

(٦) الجمهرة ٢ / ٥٢٤.

٥٨٣

فإما تسألي عني لبينى

وعن نسبي أخبّرك اليقينا (١)

يقول «أبو خراش» :

فقدت بني لبنى فلما فقدتهم

صبرت ولم أقطع عليهم أبا جلى (٢)

ومن الأعلام المؤنثة المختومة بالألف المقصورة «أوفى وحبلى» وذلك في البيتين الآتيين ، إذ يقول «زهير بن أبي سلمى» في معلقته :

أمن أم أوفى دمنة لم تكلّم

بحومانة الدراج فالمتثلّم (٣)

ويقصد بأم أوفى : اسم المرأة.

وفيه شاهد آخر سبق ذكره في العلمية والتأنيث وهو «حومانة» وأما «حبلى» فقد ذكرها «امرؤ القيس» بقوله :

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم محول (٤)

وفيه شاهد آخر على المنع من الصرف وهو «تمائم» حيث منعت لصيغة منتهى الجموع.

ومنها أيضا «سعدى» حيث يقول «مليح بن الحكم» :

فلم أنصرف من دار سعدى ولم أفق

من الوجد حتى كادت النفس تخرج (٥)

وجاءت أيضا كلمة «أجلى» وهي اسم موضع ، وذلك في بيت «لأوس ابن غلفاء الهجيمي» يقول فيه :

__________________

(١) الجمهرة ٢ / ٥٠٩.

(٢) الهذليين ٣ / ١١٩٥.

(٣) الجمهرة ١ / ١٧٨ وانظر ديوانه ٤ ، دار الكتب المصرية ١٣٦٣ ه‍ / ١٩٤٤ م.

(٤) الجمهرة ١ / ١٣٥.

(٥) الهذليين ٣ / ١٠٣١.

٥٨٤

جلبنا الخيل من جنبي أريك

إلى أجلى إلى ضلع الرّجام (١)

ويقول «المزرد بن ضرار الذبياني» :

أتاني وأهلي في جهينة دارهم

بنصع فرضوى من وراء المرابد (٢)

وفيه كلمة «رضوى» وهي جبل بالقرب من المدينة.

ومنها أيضا «بصرى» وهي من أعمال دمشق وهي قصبة حوران وقيل إنها بلدة ينسب إليها جياد السيوف ، وقد ذكرها «عدي بن رعلاء الغساني» بقوله :

ربما ضربة بسيف صقيل

دون بصرى وطعنة نجلاء (٣)

ويقول «الحصين بن الحمام المري» :

صفائح بصرى أخلصتها قيونها

ومطّردا من نسج داوود مبهما (٤)

وفى كل بيت من هذين البيتين شاهد آخر ، حيث وردت كلمة «نجلاء».

في البيت الأول وهي ممنوعة لصيغة منتهى الجموع كما سيأتي ذكرها وجاءت كلمة «داوود» في البيت الثاني وهي ممنوعة للعلمية والعجمة وقد سبق ذكرها.

ويقول «أبو صخر الهذلي» :

تحمّل آل بصرى من وحاه

وأهل الحوف همّوا بارتحال (٥)

__________________

(١) المفضليات ٣٨٧.

(٢) المفضليات ٧٦.

(٣) الأصمعيات ١٥٢.

(٤) المفضليات ٦٦.

(٥) الهذليين ٢ / ٩٦٤.

٥٨٥

ومما ورد أيضا «عجلى» وهي اسم فرس ، وقد ذكرها «المرقش الأصغر» بقوله :

فأعددت عجلى لحسن الدوا

ء لم يتلمس حشاها طبيب (١)

ومنها «حبارى» إذ يقول «الفرزدق» :

وأشلاء لحم من حبارى يصيدها

إذا نحن شئنا صاحب متألّف (٢)

ويقول «أوس بن غلفاء» :

وهم تركوك أسلح من حبارى

رأت صقرا وأشرد من نعام (٣)

وفيه أيضا شاهد ثان وهو «أشرد» حيث منع للوصفية ووزن الفعل.

__________________

(١) المفضليات ٢٥٤.

(٢) الجمهرة ٢ / ٨٧٢.

(٣) الأصمعيات ٢٣٣ والمفضليات ٣٨٨.

٥٨٦

ألف التأنيث المقصورة

عدد الأبيات ٢٩ بيتا موزعة على النحو التالي :

١

١٠

أبيات

من شرح أشعار الهذليين

٢

٩

أبيات

من المفضليات

٣

٦

أبيات

من الأصمعيات

٤

٢

بيتان

من ديوان زهير

٥

٢

بيتان

من جمهرة أشعار العرب

كل الكلمات المختومة بألف التأنيث المقصورة جاءت ممنوعة من الصرف.

* * *

٥٨٧
٥٨٨

الباب الرابع

صيغ منتهى الجموع

الفصل الأول : آراء النحاة.

الفصل الثاني : الواقع اللغوي.

٥٨٩
٥٩٠

الفصل الأول

آراء النحاة

تعريفها : التعريف المتفق عليه لهذه الصيغة : أنها كل جمع تكسير بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن ومثال ما بعد الألف حرفان نحو «مساجد ، معابد ، تجارب». ومثال ما بعد ألف ثلاثة أحرف أوسطها ساكن «عصافير ، مفاتيح ، مناديل».

وهي ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع. أي الجمع الذي ليس بعده جمع ، وهي علة قائمة بذاتها لا تحتاج إلى علة أخرى كما مرّ في العلمية ، وفي الوصفية.

ويقول النحاة إن منتهى الجموع هي جمع تكسير مماثل لصيغتي مفاعل ومفاعيل ، ولهذا سمى سيبويه هذا الباب بباب «ما كان على مثال مفاعل ومفاعيل» (١). وليس المراد بالمماثلة هنا أن تكون الكلمات التي نسميها : منتهى الجموع أن تكون جارية على قواعد الميزان الصرفي الذي يراعى فيه عدد الحروف وأصليتها وزيادتها وحركاتها وسكناتها ، مع بقاء الحرف الزائد في الميزان فمثلا استخرج نقول في وزنها (استفعل) فنقابل الزوائد بالزوائد والأصول بالأصول.

وإنما المقصود بالمماثلة هنا هو كون الكلمة خماسية أو سداسية ثم مشابهتها في أمور أخرى وهي حركة الحرف الأول سواء كان ميما أم

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٥. انظر ما ينصرف وما لا ينصرف ص ٤٦.

٥٩١

غيره (١) (لأن صيغة منتهى الجموع تشمل كلمات لا يشترط أن يكون أولها ميما) ووجه الشبه الثاني هو وجود ألف ثالثة زائدة ، ثم كسر الحرف الأول من الحرفين بعدها أو من الحروف الثلاثة بشرط سكون الأوسط ، ولهذا فقد ذهب بعض العلماء إلى تعريف آخر لهذه الصيغة فيه كثير من الشروط والضوابط كما نجده في حاشية الصبان على الأشموني حيث يقول : «يعني أن مما يمنع من الصرف الجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل أي في كون أوله مفتوحا وثالثه ألفا غير عوض يليها كسر غير عارض ملفوظ أو مقدر على أول حرفين بعدها أو ثلاثة أوسطها ساكن غير منوي به ، وبما بعده الانفصال ، فإن الجمع متى كان هذه الصفة كان فيه فرعية بخروجه عن صيغ الآحاد العربية ، وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية باستحقاق منع الصرف» (٢).

وذكر في الحاشية محترزات هذا التعريف التي يظهر من خلالها شروط هذا الجمع لكي يمنع : «قوله أو في كون أوله مفتوحا» خرج به نحو غدافر ، وبقوله (ثالثه ألفا غير عوض) أي من إحدى ياءي النسب تحقيقا أو تقديرا نحو : يمان وشآم ، ونحو تهام وثمان. وبقوله (يليها كسر) خرج نحو براكاء وتدارك ، وبقوله (غير عارض) خرج نحو «تردان» وتوان وبقوله (أوسطها ساكن) خرج ملائكة. وبقوله (غير منوي به وبما بعده الانفصال) أي بأن يكون غير ما يرى النسب بأن يكون الثالث غير باء كمصابيح ، أو باء من بنية الكلمة بأن يكون سابقا على ألف التكسير

__________________

(١) انظر حاشية الصبان ٣ / ٢٤٣.

(٢) الصبان ٣ / ٢٤١.

٥٩٢

ككرسي وكراسي ، خرج نحو رباحي وجواري وجملة الشروط ستة .. وفيه أن هذه الأمور المخرجة لم تدخل في موضوع المسألة حتى تخرج بهذه القيود لأن موضوع المسألة الجمع ، والأمور المخرجة مفردات.

والجواب : ما علم مما مرّ أن الجمع مثال لا قيد. والمراد الجمع وكل لفظ على أحد الوزنين (١).

والتعريف الثاني لا يختلف كثيرا عن التعريف الأول إلا من حيث ذكر صفات أكثر لهذا الجمع ليكون التعريف جامعا مانعا بصورة أكبر ، وهذا لا يعني الإقلال من الأول بل هو الأسهل والأقرب ، لكن الثانى كما قلنا شامل ، وفيه شروط كثيرة لإخراج ما لا ينطبق عليه هذه الشروط.

ضابط هذا الجمع : أن يكون شبيها بوزن «مفاعل أو مفاعيل» وجه الشبه كما قلنا هي وجود الفتحة في أولها سواء كان ميما أم غيره.

وثانيا : أن يكون ثالثه ألفا زائدة ولذا قلنا غير عوض.

أما الوجه الثالث فهو أن يكون بعد الألف الثالثة حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن (٢).

هذه هي ضوابط هذا الجمع ، فالكلمة التي لا تشملها هذه الضوابط لا تنطبق عليها قاعدة المنع.

ويشترط فيها بعد ذلك عدم إلحاق تاء التأنيث في آخرها نحو صياقلة وصيادلة فإنهما يصرفان لأن التاء تقربها إلى صورة المفرد والأصل في هذا الموضوع هو الجمع ، قال سيبويه : «اعلم أنه ليس شيء يكون على هذا

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٤١.

(٢) انظر شرح الكافية ١ / ٥٤.

٥٩٣

المثال إلا لم ينصرف في معرفة ولا نكرة ، وذلك لأنه ليس شيء يكون واحدا يكون على هذا البناء ، والواحد أشد تمكنا وهو الأول» (١). ويشير إلى إلحاق التاء فيقول : «قلت أرأيت صياقلة وأشباهها لم صرفت؟ قال : من قبل أن هذه الهاء إنما ضمّت إلى صياقل كما ضمّت .. «موت» إلى «حضر» و «كرب» إلى «معدي» في قول من قال «معديكرب» وليست الهاء من الحروف التي تكون زائدة في هذا البناء كالياء والألف في صياقلة .. فتلحق ما فيه الهاء من نحو صياقلة بباب طلحة وتمرة كما تلحق هذا بباب تميمي كما أخرجته الهاء إلى باب طلحة» (٢).

وجاء في المقتضب قوله : «فإن لحقته الهاء للتأنيث انصرف على ما وصفت لك في الهاء أولا لأن كل ما كانت فيه فمصروف في النكرة ، وممتنع من الصرف في المعرفة لأن الهاء علم تأنيث ، فقد خرجت بما كان من هذا الجمع إلى باب طلحة وحمدة وذلك نحو : صياقلة وبطارقة.

فإن قال قائل : «فما باله انصرف في النكرة ، وقد كان قبل الهاء لا ينصرف فيها؟ فالجواب في ذلك : أنه قد خرج إلى مثال يكون للواحد» (٣).

فالسبب في صرف نحو «صياقلة» أن التاء قد أخرجته إلى مثال الواحد كما أن ياء النسب يخرجه إلى باب النسب حين نقول في «مدائن» مدائني والفرق بين ما آخره تاء التأنيث وما آخره ياء النسب أن ما آخره التاء

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٥ ـ ١٦.

(٢) المصدر السابق ٢ / ١٦.

(٣) المقتضب ٣ / ٣٢٧. انظر ما ينصرف ٤٧ ، الأصول ٢ / ٩٢ ، الموجز ٧٢ ، الهمع ١ / ٢٥.

٥٩٤

يمنع في المعرفة للعلمية والتأنيث ، وما آخره ياء النسب مصروف في المعرفة والنكرة إذ لا مانع موجود والحالة هذه.

ومن الكلمات التي تخرجها تلك الضوابط كلمة «أجمال وفلوس» لأنهما ليستا من صيغ منتهى الجموع ولا مشبهتين «مفاعل أو مفاعيل» وأما أجمال وفلوس فإنها تنصرف وما أشبهها ؛ لأنها ضارعت الواحد ألا ترى أنك تقول أقوال وأقاويل وأعراب وأعاريب وأيد وأياد فهذه الأحرف تخرج إلى مثال مفاعل ومفاعيل إذا كسّر للجمع كما يخرج إليه الواحد إذا كسر للجمع. وأما مفاعل ومفاعيل فلا يكسّر فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا ؛ لأن هذا البناء هو الغاية فلما ضارعت الواحد صرفت (١).

وجاء في حاشية الصبان : «مع أن أفراس وأفلس جمعان ولا نظير لهما في الآحاد إلا أنهما مصروفان للأسباب التالية :

١) أن أفعالا وأفعل يجمعان نحو أكالب وأناعم في أكلب وأنعام وأما مفاعل ومفاعيل فلا يجمعان ، فقد جرى أفعال وأفعل مجرى الآحاد في جواز الجمع ، وقد نص الزمخشري على أنه مقيس فيهما.

٢) الثاني أنهما يصغران على لفظهما كالآحاد نحو أكيلب وأنيعام ، وأما مفاعل ومفاعيل فإنهما إذا صغرا ردا على الواحد أو إلى جمع القلة ثم بعد ذلك يصغران.

٣) الثالث : أن كلا من «أفعال وأفعل» له نظير من الآحاد يوازنه في الهيئة وعدة الحروف ، فأفعال نظيره في فتح أوله ، وزيادة الألف رابعة تفعال

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٦ ـ ١٧ ، المقتضب ٣ / ٣٢٩.

٥٩٥

نحو تجوال وتطواف ، وفاعال نحو ساباط وخاتام ، وفعلال نحو صلصال وخزعال (١).

ولما كان الجمع هو أساس هذا الموضوع كما قلنا بالضوابط السابقة خرجت عن دائرتها كلمات أخرى وصرفت «وإنما صرفت مقاتلا وعذافرا لأن هذا المثال يكون للواحد» (٢).

«فأما سراري وبخاتي وكراسي فغير مصروف في معرفة ولا نكرة ؛ لأن الياء ليست للنسب وإنما هي الياء التي كانت في الواحد في بختية وكرسي» (٣).

«وما كان من الجمع على مثال (فعال) فمصروف وذلك نحو : كتاب وكلاب ، لأنه بمنزلة الواحد نحو : حمار وكتاب» (٤).

كسر ما بعد ألف الجمع :

يظهر من خلال التعريف السابق أنه يشترط كسر ما بعد الألف وهو المذهب الذي سار عليه سيبويه والجمهور «وذهب الزجاج إلى أنه لا يشترط ذلك ولا يعتدّ في هذا الوزن بكسرة عارضة كنوان وتقاز فإن الكسرة فيها محولة عن ضمة لاعتلال الآخر إذ أصله تفاعل بضم العين مصدر تفاعل» (٥).

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٤٤.

(٢) سيبويه ٢ / ١٦.

(٣) المقتضب ٣ / ٣٢٨.

(٤) المقتضب ٣ / ٢٣٠ ، ما ينصرف ٤٧ ، الموجز ٧٢ ، الأصول ٢ / ٩٣ ، حاشية الصبان ٣ / ٢٤٣.

(٥) الهمع ١ / ٢٥.

٥٩٦

«اشتراط كسر ما بعد الألف مذهب سيبويه والجمهور قال في الارتشاف وذهب الزجاج إلى أنه لا يشترط ذلك فأجاز في «تكسير» هي أن يقال هباي بالإدغام أي ممنوعا من الصرف. قال : وأصل الياء عندي السكون ولو لا ذلك لأظهرتها» (١).

علة المنع : نعلم أن الأساس في باب الممنوع من الصرف هو أنه قائم على الأصلية والفرعية ، فالأصل مصروف والفرع ممنوع منه ، فمثلا المذكر أصل مصروف والمؤنث فرع ممنوع ، والعربي أصل مصروف والأعجمي فرع ممنوع ، والواحد أصل والجمع فرع ، وهكذا فلما كان الأصل أشد تمكنا من الفرع صرف بخلاف الفرع الذي هو أقل تمكنا منه ولهذا يقول سيبويه : «واعلم أن الواحد أشد تمكنا من الجمع ؛ لأن الواحد الأول ، ومن ثم لم يصرفوا ما جاء من الجمع على مثال ليس يكون للواحد نحو مساجد ومفاتيح» (٢).

وفى المقتضب قوله : «وإنما امتنع الصرف فيهما ؛ لأنه على مثال لا يكون الواحد ، والواحد هو الأصل فلما باينه هذه المباينة وتباعد هذا التباعد في النكرة امتنع من الصرف فيها وإذا امتنع من الصرف فيها فهو من الصرف في المعرفة أبعد» (٣).

ويقول ابن السراج : «وإنما منع الصرف ، لأنه جمع لا جمع بعده ألا ترى أن أكلبا جمع كلب فإن جمعت أكلبا قلت : أكالب فهذا قد جمع مرتين» (٤).

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٤٢.

(٢) سيبويه ١ / ٧.

(٣) المقتضب ٣ / ٣٢٧ ، وانظر ما ينصرف ص ٤٦.

(٤) الأصول ٢ / ٩٢ ، الموجز ٧٢.

٥٩٧

فالسبب في منعه من ناحيتين :

١) كونه جمعا فهو فرع الواحد ؛ لأن الواحد أشد تمكنا كما قلنا.

٢) كونه جمع الجمع الذي لا جمع بعده. وهذا ما نجده في شرح المفصل الذي يرى أن في جمعه مرتين تكرارا للعلة فكأن في الجمع علتين بدلا من العلة الواحدة ، وكذلك نحو «مساجد ومصابيح» وذلك أن هذا الجمع لما لم يكن له نظير في الآحاد ، وليس في الجموع جمع إلا وله نظير في الآحاد على ما تقدم فصار هذا الجمع لعدم النظير كأنه جمع ثانيا فتكررت العلة» (١).

وللسهيلي رأي بهذا فهو يقول : «وأما باب مساجد ودراهم وكل جمع على عدة هذا الجمع فإنه جمع ليس له نظير في الواحد فيشبّه به فهو بناء مخصوص بالجمع ، كما أن بنية الجمع المسلم مخصوصة بالجمع أيضا ونونه لا تنون أبدا كنون التثنية ، فكان آخر هذا الجمع لا ينون أبدا ، لأنه بناء مخصوص بالجمع ، فكان حمله على الجمع المسلم في ترك التنوين أولى من حمله على الواحد ، وتشبيهه به. ولا شك أن تشبيه جمع بجمع أولى من تشبيه جمع بواحد» (٢).

فهو يرى أنه لم يصرف ولم ينون ؛ لأنه مشبه بالجمع السالم الذي لا ينون ومن هنا صرف الجمع المتناهي إذا دخلت عليه تاء التأنيث لأنها تقربها إلى المفرد إذ إن التاء لا تدخل على نون الجمع. كما لا تدخل على نون التثنية بل تدخل على المفرد.

__________________

(١) شرح المفصل ١ / ٧١.

(٢) أمالي السهيلي ص ٣٨ ـ ٣٩.

٥٩٨

وقلنا إن صيغة منتهى الجموع تقوم مقام علتين في منع الاسم من الصرف ، ولكن يبدو أن جماعة من العلماء تخيلوا في الجمع علة أخرى مساندة ويظهر هذا الأمر جليّا فيما ورد في «حاشية الصبان على الأشموني» إذ يقول : «اتفقوا على أن إحدى العلتين هي الجمع واختلفوا في العلة الثانية : فقال أبو علي هي خروجه عن صيغ الآحاد وهذا الرأي هو الراجح ، وهو معنى قولهم أن هذه الجمعية قائمة مقام علتين.

وقال قوم : العلة الثانية تكرار الجمع تحقيقا أو تقديرا ، فالتحقيق نحو : أكالب وأراهط ، إذ هما جمع أكلب وأرهط. والتقدير نحو :

مساجد ومنابر فإنه وإن كان جمعا من أول وهلة لكنه بزنة ذلك المكرر ، أعنى «أكالب وأراهط» فكأنه أيضا جمع جمع وهذا اختيار ابن الحاجب» (١).

ما ينطبق عليه حكم الجمع المتناهي :

الأصل في الموضوع أن تكون الكلمة جمعا مشبهة مفاعل أو مفاعيل مع الضوابط والشروط التي ذكرناها نحو : منابع ، مخارج ، مساجد ، قنابل ، دوافع .. إلخ من الجموع التي على وزن يشبه مفاعل سواء كان أولها ميما كما في الكلمات الثلاث الأولى ، أم لا كما في «قنابل» دوافع».

وكذلك نحو مصابيح ، مناديل ، قناديل ، صناديل ، وغيرها من الجموع التي على زنة مفاعيل ، بدأت بميم أو غيرها.

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٤٣.

٥٩٩

وهذا هو الأساس هنا ولذا قلنا عنها بأنها الجموع التى لا جمع بعدها ، أي التي لا تجمع بعد هذا الجمع.

ولكن هناك مفردات لها حكم الجمع المتناهي لأنها على وزنه ويطلق عليها ملحقة بهذا الجمع ، وهو : كل اسم جاء وزنه مماثلا لوزن صيغة من الصيغ الخاصة بها مع دلالته على مفرد سواء أكان هذا الاسم عربيّا أصيلا أم غير أصيل ، علما مرتجلا أم منقولا ، فمثال العلم العربي المرتجل الأصيل «هوازن» اسم قبيلة عربية ، ومثال العلم المعرب «شراحيل» وقد استعمله العرب علما سمي به عدة رجال ومن الأعجمي المعرب الذي ليس علما «سراويل» بصورة الجمع اسم نكرة مؤنث للإزار المفرد.

ومثال الأعلام المرتجلة في العصور الحديثة «كشاجم» (١) علم رجل و «بهادر» علم مهندس هندي و «صنافير» علم قرية مصرية وكذا «أعانيب» فكل اسم من هذه الأسماء ونظائرها يعتبر ملحقا بصيغة منتهى الجموع يجري عليه حكمها بشرط أن يكون دالا على مفرد وجاريا على وزن من أوزانها لا فرق في هذا بين العلم وهو الأكثر وغير العلم (٢).

كلمة «سراويل» :

جاء في لسان العرب : «أما سراويل فليس بعربي صحيح ، والسراويل فارسي معرب يذكر ويؤنث ولم يعرف الأصمعي فيها إلا التأنيث قال قيس ابن عبادة :

__________________

(١) هو شاعر متوفى فى عام ٣٥٠ ه فهو من شعراء القرن الرابع واسمه محمود بن حسين انظر الأعلام.

(٢) النحو الوافي ٤ / ١٦٤ ـ ١٦٥.

٦٠٠