الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

كلمات الأصل فيها الاسمية وقد تستعمل صفات

مثال ذلك «أجدل» و «أخيل» و «أفعى».

فهذه الكلمات الثلاث الأصل فيها الاسمية ولهذا تصرف. ثم طرأت عليها الوصفية فمنعت من الصرف لهذه الوصفية. وقد سمى سيبويه باب هذه الكلمات بأنه باب «ما كان من أفعل صفة في بعض اللغات واسما في أكثر الكلام» (١) واختلفت العرب في «أجدل وأخيل وأفعى» فجعلها أكثرهم أسماء فصرفها ، «فأفكل وأيدع» لوحظ فيها معنى الصفة في بعض اللغات فمنعت الصرف ، لوحظ في «أجدل» معنى شديد ، وفي «أخيل الخيلان» ، وفي «أفعى» معنى خبيث (٢).

فهذه الكلمات ينظر إليها على أنها أسماء وهو الأساس كما يقول سيبويه وذلك لأن أجدل اسم للصقر ، وأخيل اسم لطائر ذي خيلان وهي النقط المخالفة في لونها سائر البدن. وأفعى اسم للحية. وعلى هذا تصرف ، ويمكن منعها من الصرف على اعتبار تصور الوصفية فيها.

يقول عباس حسن : «فالأجدل : يلحظ فيه القوة ، لأنه مشتق من الجدل (بسكون الدال) بهذا المعنى. والأخيل : يلحظ فيه التلون ، لأنه من الخيلان بهذا المعنى. والأفعى يلحظ فيها الإيذاء الذي اشتهرت به ، واقترن باسمها. وعلى أساس التخيل والملاحظة المعنوية يجوز منع

__________________

(١) سيبويه ٥ / ٢.

(٢) الارتشاف ١ / ٩٤.

٤٤١

الصرف ولكن الأنسب الاقتصار على صرف هذه الأسماء لغلبة الاسمية عليها (١) ، وجاء في المقتضب أن هذه الكلمات «أجدل ، أخيل ، أفعى» اختلف فيها هل هي أسماء تصرف؟ أم أنها صفات فتمنع؟ فمن ذهب إلى أنها أسماء صرفها ، ومن ذهب إلى كونها صفات منعها الصرف ، والأجود على رأي المبرد كونها أسماء منصرفة في النكرة ، لأنها وإن كان أصلها ما ذكرنا ، فإنما تدل على ذات شيء بعينه (٢).

ويقول السيوطي : «أجدل للصقر ، وأخيل لطائر ذي خيلان وأفعى للحية أسماء لا أوصاف فأكثر العرب تصرفها ، وبعضهم يمنعها ملاحظة للوصفية فلحظ في «أجدل» معنى شديد ، و «أخيل» أفعل من الخيلان و «أفعى» معنى خبيث منكر ، وقيل إنه مشتق من فوعة السم وهي حرارته وأصله أفوع ثم قلب فصار أفعى» (٣).

فقد نظر إليها على أنها أسماء أصلا ، وقد يلاحظ فيها جانب الوصفية ولهذا الأصل فيها الصرف ، وقد تمنع إذا لوحظ الجانب الآخر. وهو الوصفية المتخيّلة ، وفي حاشية الصبان على الأشموني ما يفيد أنها «أسماء في الأصل والحال كما في التوضيح. قال شيخنا وتبعه البعض وبهذا فارقته نحو «أربع» اسم في الأصل وصف في الحال ، وهذه أسماء لم تعرض لها الوصفية ولكن يتخيل فيها الوصفية وكان منع صرف «أربع» أحقّ من منع صرفها إلا أنه لم يرد فيه وورد فيها فقبل» (٤).

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ١٦٩.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٣٩.

(٣) الهمع ١ / ٣١.

(٤) حاشية الصبان ٣ / ٢٣٦.

٤٤٢

وبين كذلك أن هذه الأسماء يتخيل فيها الوصفية لا تعرض لها وفرّق بين التخيل والعروض.

والحقيقة أن هذا الكلام لا يخلو من الجدل العقلي المحض ، لأننا ما دمنا قد بيّنا معاني وصفية في هذه الأسماء فلماذا لا نقول بوجود الوصفية فيها بجانب الاسمية بدلا من التخيل لأن التخيل أمر تصوري وذلك واقع والواقع في اللغة أفضل من التصور.

* * *

٤٤٣

كلمات الأصل فيها الوصفية وقد تستعمل أسماء

وذلك نحو «أدهم» و «أرقم» و «أسود» وغيرها مما سنذكره فيما بعد. فهي خلاف الكلمات التي ذكرناها سباقا ، فقد كانت الاسمية هي الأصل ثم جاءتها الوصفية (أو كما يقول بعضهم الوصفية المتخيلة) أما هنا فالوصفية هي الأصل ثم تأتيها الاسمية.

فالأساس منعها من الصرف لوصفيتها وقد تصرف للاسمية الطارئة. يقول سيبويه : «وأما «أدهم» إذا عنيت القيد ، و «الأسود» إذا عنيت الحية ، و «الأرقم» إذا عنيت الحية فإنك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة ولم تختلف في ذلك العرب» (١).

ويتابع كلامه فيقول : «ولكن الصفة ربما كثرت في كلامهم واستعملت وأوقعت مواقع السماء حتى يستغنوا بها عن الأسماء» (٢).

وجاء في المقتضب : «فأما الأسود إذا عنيت الحية ، والأدهم إذا أردت القيد ، والأرقم إذا عنيت الحية فنعوت غير منصرفة في معرفة ولا نكرة لأنها تحلية لكل ما نعت بها غير دالة على لون بعينه» (٣).

ويقول أبو إسحاق الزجاج بهذا الخصوص : «وقد سماه باب أفعل

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٥.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٥.

(٣) المقتضب ٣ / ٣٤٠.

٤٤٤

الذي استعمل صفة لا غير وإن كانوا أجروه في الجمع مجرى الأسماء» ولذلك قولهم للقيد «أدهم» وللحية «أسود» فالعرب لا تصرف هذا ألبتة ، تقول «السعة أسود يا هذا» وتقول : «جعل في رجله أدهم يا هذا» غير مصروف ألبتة. ومثل ذلك «أرقم» إذا أردت به الحية ، غير مصروف تقول «مررت بأرقم يا هذا» (١).

وجاء في الارتشاف نفس القول لا سابق لسيبويه من أن العرب لا تصرفها كما لا تصرف «أبطح وأبرق وأجرع» وأن كل العرب لم تختلف في منع هذه الأبنية من الصرف (٢) لما فيها من الوصفية ، ويكاد الرأي يتفق فى مثل هذه الأسماء التي هي صفات أصلا مما يؤهلها للمنع من الصرف (٣). يقول عباس حسن : (ومثل أبطح) وأصله وصف للشيء المرتمي على وجهه ثم صار اسما للمكان الواسع الذي يجري فيه الماء بين الحصى الدقيق ، ومثل : أبرق ، وأصله وصف لكل شيء لامع برّاق ، ثم صار اسما للأرض الخشنة التي تختلط فيها الحجارة والرمل والطين (٤). وقد تستعمل استعمال الأسماء إذا جرت مجراها فتصرف ، شأنها في ذلك شأن بقية الأسماء ما لم يوجد فيها أسباب أخرى تمنعها.

وهكذا نعرف أن هذه الكلمات خلاف ما قبلها من حيث الاسمية والوصفية ، فبينما نرى أن المنع هنا هو الأساس لما فيها من الوصفية

__________________

(١) ما ينصرف ١١.

(٢) الارتشاف ١ / ٩٤.

(٣) انظر الهمع ١ / ٣١ وانظر حاشية الصبان ٣ / ٣٣٧.

(٤) النحو الوافي ٤ / ١٧٠.

٤٤٥

الأصلية ، نجد أن الصرف هو الأساس في نحو «أجدل وأخيل وأفعى» لأنها أسماء أصلا.

كلام حول «أجمع وأكتع وأخواتهما» :

نحو «أبص وأبتع» وهي ألفاظ على وزن «أفعل» تفيد التوكيد ويوصف بها المعارف نقول «جاء الفصل كله أجمع» ولها ترتيب خاص حيث يبدأ بأجمع ويثنى بأكتع ويثلث بأبصع.

وهي ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل ، كما أن نحو أحمر وأبيض ممنوع للوصفية والوزن أيضا. ولكن الفرق بينهما أن أحمر يوصف بها النكرة إذا سميت بها ازداد ثقلا ، و «أجمع» لم يكن نكرة إنما هو معرفة.

قال سيبويه : «وأما أجمع وأكتع فإذا سميت رجلا بواحد منهما لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة. وليس واحد منهما في قولك مررت به أجمع أكتع بمنزلة «أحمر» لأن أحمر صفة للنكرة. وأجمع وأكتع إنما وصفت به معرفة فلم ينصرفا ؛ لأنهما معرفة فأجمع ههنا بمنزلة «كلّهم» (١)».

ويقول المبرّد : «فأما أجمع وأكتع فمعرفة ولا يكون إلا نعتا ، فإن سميت بواحد منهما رجلا صرفته في النكرة. والفصل بينه وبين أحمر وجميع بابه ، أن «أحمر» كان نعتا وهو نكرة ، فلما سميت به ازداد

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٥.

٤٤٦

ثقلا ، و «أجمع» لم يكن نكرة ، إنما هو معرفة ونعت ، فإذا سميت به صرفته في النكرة لأنك لست ترده إلى حال كان فيها لا ينصرف» (١).

وجاء في شرح الكافية قوله : «ولو سميت رجلا بأجمع الذي يؤكد به ثم نكرته صرفته ألبتة إجماعا لكونه في معنى الوصف أخفى من أفعل التفضيل لأنه كان بمعنى «كل» قبل العلمية وأنحى عنه معنى الوصف» (٢).

فالفرق بين «أجمع وأخواتها» وبين بقية الصفات التي على وزن «أفعل» من جهتين :

الأولى : أن «أجمع» يوصف بها المعرفة ، وتلك يوصف بها النكرة ، ولذا فإننا إذا سمينا رجلا بأجمع ، أو أكتع أو أبصع ، ثم نكرناها فإنها تصرف ؛ لأن أصل وصفها حال المنع هو كونها نعتا لمعرفة ، فإذا خرجت عن هذا الأصل صرف.

أما بقية الصفات نحو «أحمر وأبيض وأسود» فإنها في الأصل كانت صفات لنكرات ومنعت من الصرف في حالها هذه.

أما الجهة الثانية : «فتتلخص في أن الوصفية ظاهرة واضحة في نحو «أحمر وأبيض وأخواتهما» ومتنوعة كذلك إذ إن كل صيغة تدل على معنى وصفي مغاير للآخر. أما «أجمع وأخواتها» فإن الوصفية خافية فيها ومحصورة في معنى وصفي واحد وهو التوكيد ، ولهذا فإنها ليست

__________________

(١) المقتضب ، ما لا ينصرف ، الأصول ٣ / ٣٤٢ ، ص ١٢ ، ٢ / ٨٣ ، ١٠٣.

(٢) شرح الكافية ١ / ٦٩.

٤٤٧

أصلا في هذا الباب بل محمولة على نحو «أحمر وأبيض» في المنع من الصرف.

أما من ناحية التسمية بالصفات نحو «أحمر وأسود وأصفر» فقد «زعم الخليل وسيبويه وجماعة من أصحابها أن هذه الصفة (أي أحمر وأسود) إذا سميت بها رجلا لم ينصرف في معرفة ولا نكرة» (١).

«وعم الأخفش وجماعة من البصريين والكوفيين أن الصفة إذا سميت بها رجلا نحو «أحمر» لم ينصرف في المعرفة وانصرف في النكرة» (٢). فالمسألة التي فيها خلاف هنا هي هل المنع ساري المفعول معرفة وتنكيرا؟ أم أن الأمر مقصور على التعريف دون التنكير؟ وقد رأينا الرأي في ذلك وخلاف العلماء.

ومن المسائل التي تلحق بموضوع الوصفية والوزن هي «أفعل التفضيل» وذلك لأنها صفات ، ومنها صور تأتي على وزن الفعل ولهذا تمنع من الصرف ، ولكن لما كان لهذه الصيغة وأعني بها «أفعل التفضيل» صور متعددة وليست صورة واحدة ، وبالتأكيد فليس كل صورها على هذه الزنة ، لذا فقد أفردت لها الكلام ، وكما نعلم فإن لأفعل التفضيل صورا أربع هي :

المحلى بأل ، والمضاف إلى نكرة ، والمضاف إلى معرفة أو أن يكون المفضل عليه مجرورا بمن ، وما يهمنا من هذه الأنواع هو ما تلحقه «من»

__________________

(١) ما ينصرف ٦.

(٢) نفس المصدر ٦.

٤٤٨

الجارة للمفضل عليه أما بقية الأنواع فخارجة عن دائرة المنع من الصرف لوجود الإضافة أو التحلية «بأل» ، وكلاهما يخرج الاسم إلى دائرة الصرف.

يقول سيبويه : «اعلم أنك إنما تركت صرف «أفعل منك» لأنه صفة فإن سميت رجلا «بأفعل» هذا بغير «منك» صرفته في النكرة وذلك نحو «أحمر» وأصفر وأكبر ، لأنك لا تقول هذا رجل «أصفر» ولا «هذا رجل أفضل منك» وإنما هذا صفة «بمنك» فإن سميته «أفضل منك» لم تصرفه على حال» (١).

ويقول ابن السراج بهذا الخصوص : «وإن سميت رجلا بأفضل وأعلم بغير «منك» لم تصرف في المعرفة وصرفته في النكرة ، فإن سميته «بأفعل منك» كله لم تصرفه على حال ، لأنك تحتاج إلى أن تحكي ما كان عليه» (٢).

ويقول في موضع آخر : و «أفعل منك» لا يصرف نحو : أفضل منك وأظرف منك ؛ لأنه على وزن الفعل وهو صفة ، فإن زال ونوّن الفعل انصرف ، ألا ترى أن العرب تقول : «هو خير منك وشر منك» لما زال بناء «أفعل» صرفوه» (٣).

«فأفعل التفضيل» غير مصروف في المعرفة سواء كان بمن أو مجردا منه. أما في حالة التنكير فإنه يشترط لمنعه من الصرف وجود

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٥.

(٢) الأصول ٢ / ١٠٣.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٨٣.

٤٤٩

«من» جارة المفضل عليه والسبب في ذلك أن أفعل التفضيل لم يمنع من الصرف إلا لوجود الوصفية فيه ، وهو لم يستعمل صفة إلا بمن ظاهرة أو مقدرة. ولم يشترط ذلك في المعرفة عند التسمية لأن وجود المعرفة كفيل بالمنع بجانب وزن الفعل. ولهذا جاء في شرح الكافية قوله : «وأما أفعل التفضيل نحو «أعلم» فإنك إذا سميت به ثم نكرته فإن كان مجردا من «من التفضيلية» انصرف إجماعا ولا يعتبر فيه سيبويه الوصف الأصلي كما اعتبر في نحو «أحمر» وإن كان مع «من» لم يصرف إجماعا (١).

وتكلم السيوطي عن التنكير بعد العلمية فبّين أنه لا ينصرف كذلك بعد التنكير «واستثنى من ذلك ما كان أفعل تفضيل مجردا من «من» فإنه إذا سمي به ثم نكّر انصرف بإجماع لأنه لم يبق فيه صفة الوصف إذ لم يستعمل صفة إلا به «من» ظاهرة أو مقدرة» (٢) فبيّن أن السبب هو أن «أفعل التفضيل» لم يستعمل صفة إلا مقترنا بـ «من».

كلمة «أول» وموقعها من الوصفية والوزن :

لكلمة «أول» ثلاثة استعمالات وهي :

١) أن تكون «أفعل التفضيل» إذا ذكرت معها «من» أو قدرت.

٢) أن تكون اسما منصوبا وذلك عن حذف «من» وعدم تقديرها.

٣) أن تكون ظرفا منصوبا أو مبنيّا على الضم.

وما يهمنا هو القسم الأول منها لأنه داخل في الممنوع من الصرف ولا

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٦٨.

(٢) الهمع ١ / ٣٦.

٤٥٠

ينصرف لكونه صفة على وزن «أفعل». قال سيبويه : «وأما أول فهو «أفعل» يدلك على ذلك قولهم : هو أول منه ومررت بأول منه» (١).

فوجود «من» أو تقديرها عند الحذف شرط لمنعها من الصرف ؛ لأن وصفيتها إنما كانت بوجود «من» أو تقديرها. كما ذكر في موضع آخر من الكتاب حيث يقول : «وسألت الخليل عن قولهم «مذ عام أول ومذ عام أول. فقال «أول» ههنا صفة. وهو أفعل من «عامك» ولكنهم ألزموه هنا الحذف استخفافا فجعلوا هذا الحرف بمنزلة أفضل منك» (٢) «فأول» شرطه في المنع كشرط أفعل التفضيل. لا يمنع إلا مع «من» ظاهرة أو مقدرة. والفرق أن أفعل التفضيل كما عرفنا يمنع بغير «من» في المعرفة فقط دون النكرة ، أما أول فوجود «من» ضروري لمنعه.

ويقول كذلك : «وإذ قلت «عامّ أول» فإنما جاز هذا الكلام لأنك تعلم به أنك تعني العام الذي يليه عامك كما أنك إذا قلت : أول من أمس أو بعد غد» فإنما تعني «الذين يليه أمس» والذي يليه غد. وأما قولهم «أبدأ به أول وأبدأ بها أول» فإنما تريد أيضا أول من كذا. ولكن الحذف جائز جيد كما تقول : «أنت أفضل» وأنت تريد «من غيرك» إلا أن الحذف لزم صفة عام لكثرة استعمالهم إياه حتى استغنوا عنه» (٣).

جاء في المقتضب : «أما (أول) فهو يكون على ضربين : يكون اسما. ويكون نعتا موصولا به من كذا. وأما كونه نعتا فقوله : هذا رجل أول

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٣.

(٢) المصدر السابق ٢ / ٥٤ ـ ٤٦.

(٣) سيبويه ٢ / ٤٦.

٤٥١

منك ، وجاءني هذا أول من مجيئك ، وجئتك أول من أمس. وأما كونه اسما فقوله : ما ترك له أولا ولا آخرا ، كما يقول : ما تركت له قديما ولا حديثا. وعلى أي الوجهين سميت به رجلا انصرف في النكرة لأنه على باب الأسماء بمنزلة «أفكل» ، وعلى باب النعوت بمنزلة «أحمر» (١).

وورد في الخزانة : «قال صاحب المصباح : «ونقول عام أول» إن جعلته صفة لم تصرفه لوزن الفعل والصفة ، وإن لم تجعله صفة صرفته» (٢) ويقول : و «من» التفضيلية محذوفة ، أي من عام أول من هذا العام». وقال أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش فيما كتبه على نوادر أبي زيد قوله «ومن عام أولا يريد من عام زمان أول أو دهر أول» فأقام الصفة مقام الموصوف» (٣).

«وإنما تظهر وصفية «أول» بسبب تأويله بالمشتق وهو «أسبق» فصار مثل «مررت برجل أسد» أي جريء. فلا جرم. لم تعتبر وصفيته إلا مع ذكر الموصوف قبله ظاهرا نحو «يوما أول ، أو ذكر «من» التفضيلية بعده ظاهرة إذ هي دليل على أن أفعل ليس اسما صريحا كأفكل وأيدع ، فإن خلا منهما معا ولم يكن مع اللام والإضافة دخل فيه التنوين مع الجر لخفاء وصفيته كما مرّ ، وذلك كقول علي رضي الله عنه «أحمده أولا ياديا» ويقال «ما ترك له أولا ولا آخرا» ويجوز حذف المضاف إليه وبناؤه على الضم إذا كان مؤولا بظرف الزمان نحو قوله :

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٤٠ ، ارجع إلى ما ينصرف ص ٩٣ وابن يعيش ٦ / ٩٧.

(٢) خزانة الأدب ٢ / ٣٤٢.

(٣) خزانة الأدب ٢ / ٣٤٢.

٤٥٢

لعمرك لا أدري وإني لأوجل

على أينا تغدو المنية أول

أي : أول أوقات غدوها».

ويقال : «ما لقيته مذ عام أول» برفع «أول» صفة لعام. أي عام أول من هذا العام. وبعض العرب يقول : مذ عام أول «بفتح» وهو قليل. حكى سيبويه عن الخليل أنهم جعلوه ظرفا كأنه قيل مذ عام قبل عامك» (١).

وبعد ذكر آراء النحاة يتلخص لنا أن لأول ـ كما سبق أن قلنا ـ ثلاثة استعمالات :

١) أن يكون «أفعل تفضيل» وسبب الوصفية تأويله بالمشتق وهو أسبق وشرط وصفيته وجود «من» التفضيلية ظاهرة أو مقدرة. أو يشترط في وصفيته ذكر الموصوف قبله ظاهرا نحو «يوما أول».

٢) وقد يكون اسما منصرفا عند فقدان الشرطين السابقين.

٣) أو ظرفا منصوبا ، أو مبنيّا على الضم.

التصغير وتأثيره :

سبق أن قلنا إن للتصغير تأثيرا في الأسماء. فتارة يؤدي التصغير إلى المنع وتارة أخرى إلى الصرف ، وتارة ثالثة لا يكون له تأثير في هذه الظاهرة لأن الضابط كما قلنا هو بقاء علة المنع أو ذهابها مع التصغير.

والحقيقة أن التصغير لا يؤثر في الأوصاف الموزونة إذ إن علة المنع ؛ لا تزال قائمة مع التصغير.

قال سيبويه : «فإذا حقرت قلت : أخيضر وأحيمر ، فهو على حاله قبل

__________________

(١) شرح الكافية ٢ / ٢١٨.

٤٥٣

أن تحقره ، من قبل أن الزيادة التي أشبه بها الفعل مع البقاء ثابتة وأشبه هذا من الفعل : «ما أميلح زيدا» كما أشبه أحمر أذهب» (١). فالتصغير لم يزل علة المنع في نحو «أحمر وأخضر» كما أن التصغير في نحو «أميلح» لم يزل فعليته. على الرغم من أن التصغير ظاهرة خاصة بالأسماء.

فإن قال قائل : إنما منع (أفعل) من الصرف ، لأنه على مثال الفعل نحو : أذهب ، وأعلم. فإذا قلت : أحيمر ، وأحيمد. فقد زال عنه شبه الفعل ، فما بالك لا ترده إلى الصرف ، كما تصرف تتفلا ، لأن زوائد الفعل المضارع لا تكون مضمومة ، وكما تصرف يربوعا ؛ لأن زيادته لا تبلغ به مثال الأفعال؟

قيل له : إنه قد صرف العلم مصغرا ، فكما أشبه أحمر أذهب ، أشبه أحيمر قولهم : ما أميلح هذا وما أحيسنه والمانع قائم بعد معه فجعله هذا ، أنه كل ما صغر ، فخرج تصغيره من المانع فهو مصروف وما كانت العلة قائمة فيه فترك الصرف له لازم (٢).

ويقول ابن السراج في «الموجز» : «فإن صغرت «أحمر» أيضا لم ينصرف» (٣). فالصفة التي على وزن الفعل من الكلمات تمنع من الصرف مصغرة ومكبرة إذ إن الضابط هو وجود العلة المانعة ، والعلة موجودة هنا سواء كانت الصفة مصغرة أم مكبرة.

* * *

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٣.

(٢) المقتضب ٤ / ١٨.

(٣) الموجز ٦٨.

٤٥٤

الواقع اللغوي

الأوصاف التي على وزن الفعل :

وبعد أن انتهينا من عرض الأبيات التى كانت شواهد على الصفات التى تمنع من الصرف ، سننظر الآن فى الأبيات التى وردت فيها الصفات الممنوعة من الصرف ، ومعلوم أن الصفة تمنع إذا كانت على وزن الفعل أو فيها ألف ونون زائدتان أو كانت صفة معدولة. وسنبدأ بالوصفية ووزن الفعل لكثرة الشواهد الواردة فيها ، وسنبدؤها بصفات الألوان ، وذلك من مثل «أسود» وقد وردت هذه الصفات عند «دريد بن الصمة» إذ يقول :

فطاعنت عنه الخيل حتى

وحتى علاني حالك اللون أسود (١)

وجاء ذكر «أسود» كثيرا عند «عنترة» وذلك راجع لسواد لونه وما كان يعانيه من قومه وعشيرته نتيجة لذلك ، قد صرفها في الأبيات التي وردت فيه حيث يقول :

لئن أك أسودا فالمسك لوني

وما لسواد لوني من دواء (٢)

ويقول :

وإن كان جلدي يرى أسودا

فلي في المكارم عزّ ورتبه (٣)

__________________

(١) الأصمعيات ١٠٩.

(٢) ديوان عنترة ٧.

(٣) ديوان عنترة ٩.

٤٥٥

ويقول :

وإن كان لوني أسودا فخصائلي

بياض ومن كفي يستنزل القطر (١)

ويقول أيضا :

ومن قال إني أسود ليعيبني

أريه بفعل أنه أكذب الناس (٢)

طفاها أسود من آل عبس

بأبيض صارم حسن الصقال (٣)

وفي هذا البيت صرف «عبس» ، ولكنه منع «أبيض» من الصرف.

ويقول :

بنواظر زرق ووجه أسود

وأظافر يشبهن حدّ المنجل (٤)

فبينما صرف «أسود» نرى أنه منع «نواظر وأظافر» لصيغة منتهى الجموع. وممن ذكرها «امرؤ القيس» بقوله :

وفرع يغشّى المتن أسود فاحم

أثبت كقنو النخلة المتعثكل (٥)

وقد جاء ذكر هذا البيت في «جمهرة أشعار العرب» (٦) و «شرح القصائد السبع الطوال» (٧) وجاء قوله أيضا :

__________________

(١) ديوان عنترة ٨٩.

(٢) ديوان عنترة ٩٣.

(٣) ديوان عنترة ١٣٧.

(٤) ديوان عنترة ١٣٨.

(٥) ديوان امرئ القيس ١٦.

(٦) ١ / ١٤٥.

(٧) ٦٢.

٤٥٦

بأسود ملتف الغدائر وارد

وذي أشر تصوغه وتغوص (١)

ويقول «طرفة بن العبد» :

ألا إنني شربت أسود حالكا

ألا بجلى من الشراب ألا بجل (٢)

وجاء في «المفضليات» قول «ذي الإصبع العدواني» :

ثم كساها أحمّ أسود في

نانا وكان الثلاث والتّبعا (٣)

ومعنى أحم : ريشا أسود.

وجاء أيضا قول «ثعلبة بن عمرو العبدي» :

ولو كنت في غمدان يحرس بابه

أراجيل أخبوش وأسود آلف (٤)

وذكر في «شرح أشعار الهذليين» قول «أبي ذؤيب» :

على أنها قالت رأيت خولدا

تنكّر حتى عاد أسود كالجذل (٥)

وقول «أبي ضب» :

فتركت مسعودا على أحشائه

حريّ يعاندها بخيع أسود (٦)

ومن الصفات التي على وزن «أفعل» أسحم ويعني بها السحاب الأسود أو اللون الأسود. وقد ذكره «امرؤ القيس» بقوله :

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ٨٩.

(٢) ديوان طرفة ٨٩.

(٣) المفضليات ١٥٥.

(٤) المفضليات ٢٨٣.

(٥) شرح الهذليين ١ / ٩١.

(٦) شرح الهذليين ٢ / ٧٠٤.

٤٥٧

ديار لسلمى غافيات بذي

ألحّ عليها كلّ أسحم هطّال (١)

ويقول أيضا :

تحاماه أطراف الرماح تحاميا

وجاد عليه كلّ أسحم هطّال (٢)

ومنه قوله :

وأسحم ريان العسيب كأنه

عثاكيل قنو من سميحة مرطب (٣)

كما ذكرها «زهير بن أبي سلمى» بقوله :

نجاء مجدّ ليس فيه وتيرة

وتذبيبها عنها بأسحم مذود (٤)

ويقول «طرفة بن العبد» :

أربّت بها نآجة تزدهي الحص

وأسحم وكاف العفي هطول (٥)

وذكرها صاحب «المفضليات» على لسان «ثعلبة بن صعير» إذ يقول :

لعدات ذي أرب ولا لمواعد

خلف ولو خلفت بأسحم مائر (٦)

وعلى لسان «الخصفي المحاربي» :

لقد لقيت شول بجنبي بوانة

نصبّا كأعراف الكوادن أسحما (٧)

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ٢٧.

(٢) ديوان امرئ القيس ٣٧.

(٣) ديوان امرئ القيس ٤٨.

(٤) ديوان زهير ٢٢٩.

(٥) ديوان طرفة ٧٧.

(٦) المفضليات ١٢٨.

(٧) المفضليات ٣٢٠.

٤٥٨

كما ذكر في «شرح الهذليين» إذ يقول «ساعدة بن جؤية» :

وافت بأسحم فاحم لا ضرّه

قصر ولا حرق المفارق أشيب (١)

ومن الصفات التي تدلّ على السّواد «أدكن» وقد ذكرها «لبيد» في معلقته إذ يقول :

أغلي السّباء بكل أدكن عاتق

أو جونة قدحت وفض ختامها (٢)

كما جاء ذكرها في «المفضليات» الشاعر «الحادرة» :

فسمّي ما يدريك أن رب فتية

باكرت لذّتهم بأدكن مترع (٣)

ومنها أيضا «أسفع» وتعني الأسود أو المتغير. وقد ذكرها «أبو ذؤيب» بقوله :

حميت عليه حتى وجهه

من حرّها يوم الكريهة أسفع (٤)

وذكرها «أبو زبيد الطائي» بقوله :

فقلت لها طول الأسى إذا سألتني

ولوعة حزن تترك الوجه أسفعا (٥)

ومنها «أحوى» أى الأسود ، وقد جاء ذكرها عند «مالك بن حريم الهمداني» بقوله :

وأقبل إخوان الصّفاء فأوضعوا

إلى كلّ أحوى في المقامة أفرعا (٦)

__________________

(١) الهذليين ٣ / ١١٠٦.

(٢) الجمهرة ١ / ٣٢٠.

(٣) المفضليات ٤٦.

(٤) الجمهرة ٢ / ٦٨٣ ، والمفضليات ٤٢٧ ، والهذليين ١ / ٣٣.

(٥) الجمهرة ٢ / ٧٤٩.

(٦) الأصمعيات ٦٣.

٤٥٩

في البيت كذلك «أفرع» التام الشعر.

وقد جاء عند الشاعر نفسه كلمة «أدرع» وتعني ما فيه بياض وسواد إذ يقول :

وقد وعدوه عقبة فمشى لها

فما نالها حتى رأى الصّبح أدرعا (١)

ومن الصفات الواردة «أسمر» حيث ذكرها «عمرو بن أحمر» بقوله :

شيخ شموس إذا ما عزّ صاحبه

شهم وأسمر محبوك له عذر (٢)

وذكرها كذلك «أبو قيس بن الأسلت» بقوله :

صدق حسام وادق حدّه

ومجنأ أسمر قرّاع (٣)

ووردت في «الأصمعيات» حيث يقول «حجلة بن نضلة» :

ومقارب الكعبين أسمر عاتر

فيه سنان كالقدامى منجل (٤)

ويقول «عامر بن الطفيل» :

إلا بكل أحم نهد سابح

وعلالة من كل أسمر مذود (٥)

وهذا البيت جاء ذكره في «المفضليات» منسوبا إلى شاعر آخر هو «عوف بن الأحوص» (٦) وجاء في المفضليات أيضا قول «راشد بن شهاب اليشكري» :

__________________

(١) الأصمعيات ٦٥.

(٢) الجمهرة ٢ / ٨٤٦.

(٣) الجمهرة ٢ / ٦٥٤.

(٤) الأصمعيات ١٣٩.

(٥) الأصمعيات ٢١٢.

(٦) المفضليات ٣٦٤.

٤٦٠