الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

أنثت ولم تصرفه» (١) فمثل هذه الأسماء الغلبة فيها للتذكير والصرف ، وكذلك «هجر» يؤنث ويذكر. قال الفرزدق :

منهن أيام صدق قد عرفت بها :

أيام فارس والأيام من هجرا

فهذا أنث» (٢)

وفي ذلك يقول أبو إسحاق الزجاج «ومنها ما استعمل على التأنيث والتذكير فالذي استعمل على التذكير والتأنيث ، والأكثر فيه التذكير «منى» أكثرهم يقول «هذا منى» فيذكر ويصرف ، وبعضهم يقول : «هذه منى» فيترك التنوين ولا يصرف. وكذلك «هجر» الأكثر فيه التذكير والصرف وبعضهم يقول : «هذه هجر» ولا ينون ولا يصرف» (٣).

وأما «حجر اليمامة» فيذكر ويصرف ، ومنهم من يؤنث فيجريه مجرى امرأة سمّيت بعمرو ؛ لأن حجرا شيء مذكر سمّي به المذكر (٤).

ومن الأسماء التي يغلب فيها جانب التذكير والصرف كلمة «واسط» التي هي اسم مكان وسط البصرة والكوفة «وأما «واسط» فالتذكير والصرف أكثر ، وإنما سمّي واسطا ؛ لأنه مكان وسط البصرة والكوفة ، فلو أرادوا التأنيث قالوا «واسطة» ، ومن العرب من يجعلها اسم الأرض فلا يصرف» (٥) فمن جعلها اسم مكان وهو الغالب صرفها ؛ لأنه ذكر ، ومن أراد البلدة لم يصرف حيث أنث. ويقول المبرد في هذا : «كما أن

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٢٣.

(٢) سيبويه ٢ / ٢٣. البيت للفرزدق وقيل للأخطل.

(٣) ما ينصرف ٢٥ ـ ٣٥.

(٤) سيبويه ٢ / ٢٤.

(٥) سيبويه ٢ / ٢٣.

٤١

واسطا الأغلب عليه التذكير ، لأنه اسم مكان وسط البصرة والكوفة ، فإنما هو نعت سمي به. ومن أراد البلدة لم يصرفها ، وجعلها كامرأة سمّيت ضاربا» (١).

ويوضح الزجاج هذه الكلمة معلقا على كلام سيبويه : «ومن أسماء البلدان ما يكون مذكرا صفة يسمى به المكان ، فذلك مصروف ، وذلك نحو : «واسط» تقول «دخلت واسطا» و «واسط طيب» وزعم سيبويه : أنه سمي «واسطا» لأنه مكان وسط الكوفة والبصرة أي توسطهما ، يقال : «وسط يسط فهو واسط» يعني متوسط. وبعضهم وهو قليل جدّا : يجعله اسما للبلدة فلا يصرفه ويكون صفة سميت به البلدة كما أن «نابغة» نبغ ، فقيل له «نابغة» فوصف بذلك وجعلت صفته اسما له» (٢). فبينما رأينا عند سيبويه أن المقصود من «واسط» هو اسم مكان وسط البصرة والكوفة ذهب ابن السراج في الأصول إلى أن «واسط» هو اسم قصر ويقول «فمن ذلك ، واسط وهو اسم قصر ، ودابق وهو نهر ، وهجر ذكر ، والشام ذكر ، والعراق ذكر» (٣).

ويتلخص لنا أن أسماء الأرضين ثلاثة أقسام كما بينها السيوطي فيما ذكرنا وتأتي هذه القسمة حسب وجود التأنيث والتذكير وقوة ترجيح أحد الطرفين على الآخر أو تساويهما ، ويتبع ذلك الصرف والمنع مع قوة أحدهما ، ففي الأسماء التي يغلب عليها التذكير مثل واسط ، ومنى ، وهجر ، فإنه يجوز فيها الأمران مع ترجيح كفة الصرف ، وقسم يغلب

__________________

(١) المقتضب ٢ / ٣٥٨.

(٢) ما ينصرف ص ٥٣.

(٣) الأصول ٢ / ١٠٢.

٤٢

عليه جانب التأنيث كفارس وعمان ودمشق ، فهذه الأسماء الغالب فيها منع الصرف مع جواز الصرف. وإلى جانب هذين القسمين هناك قسم ثالث يستوي فيه الطرفان التذكير والتأنيث كثمود وحراء وقباء. هذا ما لم ترجح العجمة جانب التأنيث ومنع الصرف كما في بغداد. أو تاء التأنيث كما في نحو : المدينة والبصرة والكوفة ومكة. فحرف التأنيث وهو التاء يرجح تأنيثها ومن ثمّ منعها من الصرف.

ومن الشواهد الواردة في هذا المجال قول الراجز (١) :

ودابق وأين مني دابق

والشاهد فيه صرف «دابق» حيث جعله اسما للمكان والبلد وهو مذكر ويجوز فيه كذلك تأنيثه ومنعه من الصرف إذا أردناه بمعنى البقعة والبلدة لكن التذكير هو الغالب. وقد سبق ذكر هذا البيت وأنه لغيلان بن حريث.

ومن الشواهد الدالة على تأنيث «هجر» ومنعها من الصرف مع غلبة التذكير عليها قول الفرزدق (٢) :

فمنهن أيام صدق قد عرفت

بها أيام فارس والأيام من هجرا

ففي البيت شاهدان ، الأول تأنيث «هجر» ومنعه من الصرف مع جواز تذكيره وصرفه وهو الغالب ، والثاني : تأنيث «فارس» ومنعه من الصرف مع جواز تذكير وصرفه لكن الغالب هو التأنيث عكس «هجر». ومنها قول جرير في منع حراء من الصرف لتأنيثها :

__________________

(١) انظر سيبويه ٢ / ٢٣.

(٢) سيبويه ٣ / ٢٣.

٤٣

ستعلم أيّنا خير قديما

وأعظمنا ببطن حراء نارا

الشاهد في هذا البيت هو قوله «حراء» حيث منعه من الصرف للعلمية والتأنيث فالعملية لأنه علم جبل قرب مكة وكثيرا ما يسير الحجاج إليه ويوقدون به النيران لإطعام المساكين (١) ، والتأنيث لأنه أراد بها معنى البقعة ، ولو أراد معنى المكان لجاز وصرف تبعا لذلك.

ومن الشواهد الواردة في هذا الموضع قول الحجاج : «ورب وجه من حراء «منحن» «الشاهد فيه صرف حراء حملا على المكان ، ولو حمله على معنى البقعة ولم يصرف لجاز «والوجه» الناحية» (٢).

٤) أسماء القبائل والأحياء :

هي من الأسماء التي يجوز فيها الصرف وعدمه ، وذلك حسب التأويل الذي تريده فإن أولته بالأب صرف ، وإن أولته بالقبيلة منع من الصرف وذلك بعد حذف المضاف منها ، فإما أن يقوم مقام المضاف فيصرف إذا نظرت غلبة نظرة المذكر. كقولنا مثلا : «هذه بنو تميم» فإذا حذف «بنو» قلت هذه تميم بالتنوين والصرف. ويجوز أن تقول «هذه تميم» بمعنى القبيلة فتمنعه الصرف. يقول سيبويه «فلما حذفت المضاف وقع على المضاف إليه ما يقع على المضاف ؛ لأنه صار في مكانه فجرى مجراه فصرفت «تميما وأسدا» لأنك لم تجعل واحدا منهما اسما للقبيلة فصارا في الانصراف على حالهما قبل أن تحذف المضاف» (٣) ويتابع

__________________

(١) البيت لجرير انظر : حاشية الشنتمري على سيبويه ٢ / ٢٤ ، والمقتضب ٣ / ٣٥٩.

(٢) حاشية الشنتمري على سيبويه ٢ / ٢٤.

(٣) سيبويه ٢ / ٢٥.

٤٤

كلامه في هذا الموضوع فيذكر التأويل الثاني المقصود «وإن شئت جعلت «تميما وأسدا» اسم قبيلة في الموضوعين جميعا فلم تصرفه والدليل على ذلك قول الشاعر :

نبا الخزّ عن روح وأنكر جلده

وعجّت عجيجا من جذام المطارف (١)

فالشاهد في هذا البيت هو قوله «جذام» حيث منعه من الصرف لأنه أوّله بمعنى «قبيلة» ، ويجوز صرفه كذلك حملا على معنى «الحي».

ومن الكلمات التي يجوز فيها الأمران كلمة «سدوس». قال سيبويه : «وسمعنا من العرب من يقول «للأخطل» :

فإن تبخل سدوس بدرهميها

فإن الريح طيبة قبول» (٢)

والشاهد في البيت قوله «سدوس» فلقد منعها من الصرف للعلمية والتأنيث ؛ لأنه أراد معنى القبيلة ، ويجوز فيها الصرف حملا على معنى الحي فإن قلت : «هذه سدوس» فأكثرهم يجعله اسما للقبيلة ، وإذا قلت : «هذه تميم» فأكثرهم يجعله اسما للأب. وإذا قلت : «هذه جذام» فهي كسدوس ، فإذا قلت : «من بنى سدوس» ، فالصرف ، لأنك قصدت قصد الأب» (٣).

والقاعدة هذه وردت أيضا عند المبرد في كتابه المقتضب وبنفس التأويلين السابقين عند سيبويه : «تقول : «هذه تميم» و «هذه أسد» إذا أردت هذه قبيلة «تميم» أو «جماعة تميم» فتصرف ؛ لأنك تقصد قصد

__________________

(١) البيت للنابغة الجعدي ، انظر سيبويه ٢ / ٢٥ ، والمقتضب ٣ / ٣٦٤ ، وجمل الزجاجي / ٢٣٠.

(٢) البيت للأخطل ، انظر سيبويه ٢ / ٢٦ ، جمل الزجاجي / ٢٢٩ ، ديوانه / ١٢٦.

(٣) سيبويه ٢ / ٢٦.

٤٥

تميم نفسه ، وكذلك إذ قلت : «أنا أحب تميما ، أو أنت تهجو أسدا» إذا أردت ما ذكرنا ، أو جعلت كل واحد منهما اسما للحي ، فإن جعلت شيئا من ذلك اسما للقبيلة لم تصرفه على ما ذكرنا قبل ، تقول : «هذه تميم فاعلم» ، و «هذه عامر قد أقبلت» (١). ويتابع بحثه للموضوع «وعلى هذا تقول : هذه تميم بنت مر ، وإنما تريد القبيلة كما قال :

لو لا فوارس تغلب ابنة وائل

نزل العدوّ عليك كلّ مكان

وكما قال الله عز وجل : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)(٢) لأن المعنى : الجماعة وعلى هذا : (كَذَّبَتْ عادٌ)(٣) و (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ)(٤) لأنه عنى القبيلة والجماعة (٥) فلما أراد معنى القبيلة والجماعة ألحق بالفعل تاء التأنيث. هذا إذا كان الاسم مما يقع عليه «بنو كذا» فأما ما كان من هذا اسما لا يقع عليه بنو كذا ، فإن التذكير فيه على وجهين : على أن تقصد قصد الحي ، أو تعمد للأب الذي سمي به القبيل وذلك نحو : «قريش وثقيف» ، تقول : جاء قريش يا فتى ، إنما تريد : حي قريش وجماعة قريش. فهي بمنزلة ما قبلها إلا فيما ذكرنا من أنك لا تقول : «بنو قريش» كما تقول «بنو تميم» ، لأنه اسم للجماعة ، وإن كانوا سموا بذلك لرجل منهم (٦). أما تأنيث نحو : قريش وثقيف فعلى معنى القبيلة

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٦٠.

(٢) سورة الشعراء ، الآية : ١٠٥.

(٣) سورة الشعراء ، الآية : ١٢٣.

(٤) سورة القمر ، الآية : ٢٣.

(٥) المقتضب ٣ / ٣٦١ ـ ٣٦٢ البيت للفرزدق يمدح الأخطل ويهجو جريرا ٨٨٢ ـ ٨٨٣ من ديوانه.

(٦) المقتضب ٣ / ٢٦٢.

٤٦

والجماعة كالأسماء السابقة. ومن جعل هذه الأسماء واقعة على قبائل أو جماعات لم يصرف ، كما قال :

غلب المساميح الوليد سماحة

وكفى قريش المعضلات وسادها (١)

جعله اسما للقبيلة ، كما قال الأعشى :

ولسنا إذا عدّ الحصى بأقلّة

وإن معدّ اليوم مود ذليلها (٢)

جعل (معد) اسما للقبيلة يدلك على ذلك قوله : مود ذليلها على أنه قد يجوز أن يقول (مود ذليلها) لو أراد أبا القبيلة ؛ لأنه يريد : جماعة معد ، ولكن ترك الصرف قد أعلمك أنه يريد القبيلة ، وأن ذليلها على ذلك جاء» (٣) والشاهد في البيت الأول هو قوله : «قريش» فقد منعه من الصرف للعلمية والتأنيث حملا على معنى القبيلة ، ويجوز فيه الصرف أيضا وهو الأكثر إذا قصد به معنى الحي. أما الشاهد في البيت الآخر المنسوب للأعشى فهو قوله : «معد» حيث منع من الصرف حملا على معنى القبيلة ، وقد يجوز فيه الصرف على معنى الحي كذلك. «فإذا قلت : ولد كلاب كذا ، وولد تميم كذا. فالتذكير والصرف لا غير ، لأنك الآن إنما تقصد الآباء. وأما قوله :

بكى الخزّ من عوف وأنكر جلده

وعجّت عجيجا من جذام المطارف

فإنه جعله اسما للقبيلة» (٤) بخلاف نحو سلول وسدوس فالغالب فيها منع الصرف لتأنيثهما ومعرفتهما إلا في حالة النكرة فتصرف «وكذلك

__________________

(١) البيت لعدي بن الرقاع العاملي من قصيدة في مدح الوليد بن عبد الملك.

(٢) انظر سيبويه ٢ / ٢٦.

(٣) المقتضب ٣ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

(٤) المقتضب ٣ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤.

٤٧

سدوس فليس من هذا مصروفا إلا في النكرة ، وإنما ذلك بمنزلة «باهلة وخندف» وإن كان في باهلة علامة التأنيث» (١).

فالأسماء التي لا يجوز فيها أن نقول : «من بني فلان» فإنها تصرف يقول سيبويه : «وأما أسماء الأحياء فنحو معد قريش وثقيف وكل شيء لا يجوز لك أن تقول فيه من بني فلان ولا هؤلاء بنو فلان فإنما جعله اسم حي» (٢) ومن ذلك «معد بن عدنان» إنما يقال «فلان من معد» ولا يستعمل فيقال من «بني معد» وكذلك قريش (٣) وقد قال سيبويه عن هذه المسألة بما معناه «إنك إن شئت جعلتها اسما للقبيلة كالحي فلم تصرفها والأكثر فيها الصرف تقول : «فلان من قريش يا هذا» و «من معد» و «من ثقيف» فأما قولك «من باهلة يا هذا» فلا ينصرف لأن فيه هاء التأنيث (٤) وإن شئت جعلت هذه الأسماء أسماء للقبيلة فلم تصرفها كلها وقلت : «فلان من قريش يا هذا» و «من معد يا هذا». فهذه الأسماء «قريش ، ثقيف ، معد ، وباهلة» لا تستعملها العرب إلا أسماء للحي ، بمعنى أنها مذكرة في الغالب وهي التي لا تقول فيها «من بني فلان» كما مر ؛ لأنها لا تصلح أن تكون آباء أو أمهات ، فكلمة مثل «باهلة» لم يرد عن العرب أنهم قالوا «فلان من بني باهلة» وكذلك لم يقولوا «فلان من بني قريش أو من بني معد» وإنما قالوا «فلان من باهلة أو من قريش أو من معد». وهذه عكس «تميم وأسد ، وسلول» التي نقول فيها «فلان من بني تميم أو من بني أسد أو من بني سلول» وهذه الأسماء مصروفة إذا كانت للحي ،

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٩٤. البيت لحميد بنت النعمان بن بشير الأنصاري.

(٢) سيبويه ٢ / ٢٦.

(٣) ما ينصرف ٥٨.

(٤) سيبويه ٢ / ٢٦.

٤٨

وغير مصروفة إذا قدّرت بمعنى القبيلة ، وقال ابن السراج عن أسماء الأحياء «فأما أسماء الأحياء فمعد وقريش وثقيف وكل شيء لا يجوز لك أن تقول فيه من بني فلان ، وإذا قالوا : هذه ثقيف فإنما أرادوا جماعة ثقيف ويتابع كلامه : فإن جعلت «قريش» وأخواتها أسماء للقبائل جاز .. فما جعلته اسما للقبيلة لم تصرفه (١) وملخص ما جاء في كتاب «ما ينصرف وما لا ينصرف» للزجاج حول أحوال «تميم وأسد» ما يلي : «فإذا قلنا : «هذه تميم» وأردنا «جماعة تميم» أو «هذه بنو تميم» و «أسد» وما أشبههما مصروف ذلك كله لأننا لما قلنا «هذه تميم» وأردنا «هذه بنو تميم أو جماعة تميم» ثم حذفنا المضاف «بني وجماعة» وأقمنا المضاف إليه مقامه وهو «تميم» الذي يجوز فيه والحالة هذه لصرف حملا على معنى «الحي» وعدم الصرف حملا على معنى «القبيلة». «فهذه أربعة أوجه في تميم» وما أشبهه : ثلاثة منها تنصرف فيها ؛ لأنك أردت في وجهين من الثلاثة «بني تميم» و «جماعة تميم» وأردت في الثالث أن تجعله اسما للحي ، فصار مذكرا سميت به مذكرا ، والوجه الذي لا ينصرف فيه أن تجعله اسما للمؤنث ، فلم ينصرف ؛ لأنه معرفة وأنه لمؤنث» (٢) ، وجاء في الارتشاف أنه قد تسمى القبيلة باسم الأب والحي باسم الأم فيوصفان بابن وبنت ، قالوا في اسم الأب : تميم بن مر وتميم بنت مر. وقالوا في اسم الأم باهلة بن أعصر ، وباهلة بنت أعصر «أنثوا فيهما على معنى القبيلة وذكّروا على معنى الحي» (٣).

__________________

(١) الأصول ٢ / ١٠٣.

(٢) ما ينصرف ٥٨.

(٣) الارتشاف ١ / ٤٤٤.

٤٩

ومن الأسماء التي يجوز فيها التذكير والتأنيث ، «ثمود وسبأ» فهما تارة منصرفان كما في قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ)(١) فثمود هنا منصرف ، لأنه بمعنى الحي ، وقال تعالى : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)(٢) «سبأ» هنا منصرف ، بينما وردا ممنوعين من الصرف في آيات أخرى كما في قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ)(٣) فقد جاء «ثمود» غير منصرف ؛ لأنه بمعنى القبيلة. قال الشاعر :

من سبأ الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما (٤)

والشاهد في البيت هو قوله «سبأ» حيث جاءت غير مصروفة حملا على معنى القبيلة ولو صرفت على معنى الحي جاز كما في الآية الكريمة السابقة. وكما جاءت أيضا في الشاهد الذي أورده سيبويه بهذا الخصوص :

أضحت ينفّرها الولدان من سبأ

كأنّهم تحت دفّيها دحاريج (٥)

والشاهد في البيت هو مجيء «سبأ» مصروفا ؛ لأنه بمعنى الحي وهو مذكر. وكان أبو عمرو «كما ورد عند سيبويه» (٦) لا يصرف سبأ ، بل يجعله اسما للقبيلة. لكننا رأينا جواز الأمرين كما مر في الشواهد السابقة وخاصة الآيات القرآنية الكريمة التي هي من مصادر اللغة الأساسية. وقال الفراء في

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية : ٣٨.

(٢) سورة النمل ، الآية : ٢٢.

(٣) سورة الإسراء ، الآية : ٥٩.

(٤) سيبويه ٢ / ٢٨ والبيت للنابغة الجعدي.

(٥) سيبويه ٢ / ٢٨ والبيت للنابغة الجعدي.

(٦) سيبويه ٢ / ٢٨ ، ما ينصرف ٥٩ معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٨٩.

٥٠

سبب منع «سبأ» من الصرف «ولو جعلته اسما للقبيلة إن كان رجلا ، أو جعلته اسما لما حوله إن كان جبلا لم تجره أيضا» (١). وقال الشاعر في إجرائه :

الواردون وتيم في ذرا سبأ

قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس (٢)

وقد وردت كلمة «سبأ» مصروفة في البيت لأنها بمعنى الحي :

وقد أورد سيبويه شواهد للدلالة على منع نحو هذه الأسماء من الصرف كقول الشاعر :

علم القبائل من معدّ وغيرها

أن الجواد محمد بن عطارد (٣)

شاهده ترك صرف «معد» حملا على معنى القبيلة وإن كان الأكثر هو ترك صرفه على اعتبار معنى الحي وهو الغالب. وكذلك :

ولسنا إذا عدّ الحصى بأقلّة

وإن معدّ اليوم مود ذليلها

وأيضا قول الآخر :

وأنت امرؤ من خير قومك فيهم

وأنت سواهم في معدّ مخيّر

وقد مر ذكر هذين وموضع الشاهد فيهما (٤).

وقال زهير :

تمدّ عليهم من يمين وأشمل

بحور له من عهد عاد وتبّعا (٥)

__________________

(١) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٠.

(٢) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٠.

(٣) سيبويه ٢ / ٢٧.

(٤) انظر ص / ٤٧.

(٥) سيبويه ٢ / ٢٧ ، والإنصاف / ٥٠٤ ، وليس في ديوانه.

٥١

فالشاهد في البيت هو ترك صرف «عاد» للعلمية والتأنيث حيث قدره بمعنى القبيلة وإن كان الغالب فيه هو صرفه ؛ لأنه بمعنى الحي كمعد. وقال (ولم يذكر الشاعر) :

لو شهد عاد في زمان عاد

لابتزها مبارك الجلاد (١)

والشاهد في البيت هو في ترك «عاد» من الصرف حملا على معنى القبيلة كما مر في البيت السابق ، وإن كان يجوز فيه الصرف وهو الغالب.

٥) وبعد أن ألقينا نظرة على أسماء الأرضين التي يجوز تفسيرها بمعنى الحي وبمعنى القبيلة ، وما يترتب على ذلك من جواز الصرف وعدم الصرف ننتقل إلى الأسماء التي لم تستعمل إلا للقبيلة بمعنى أنها مؤنثة وبناء على ذلك هي ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث من مثل «يهود ومجوس» والذي أسماه سيبويه «بباب ما لم يقع إلا اسما للقبيلة» وقال : «كما أن «عمان» لم يقع إلا اسما لمؤنث وكان التأنيث هو الغالب عليها وكذلك «مجوس ويهود» قال الشاعر (هو امرؤ القيس) :

أحار أريك برقا هبّ وهنا

كنار مجوس تستعر استعارا

وقال (لرجل من الأنصار)

أولئك أولى من يهود بمدحة

إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب (٢)

والشاهد في البيتين هو ترك صرف «مجوس ويهود» حملا على معنى القبيلة وهو الغالب والكثير ، وقد يجوز على قلة صرفهما إذا أردنا معنى

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٢٧.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٢٨ ـ ٢٩.

٥٢

الحي. لكن هنا نقطة يجدر بنا أن نشير إليها وهي متعلقة بكلمة «يهود» فإننا لو حملناها على معنى الحي فهي ممنوعة من الصرف ومنعها من الصرف ليس للعلمية والتأنيث وإنما للعلمية ووزن الفعل وذلك لزيادة الياء في أولها .. «فلو سميت رجلا بمجوس لم تصرفه كما لا تصرفه إذا سميته «بعمان» (١) ويقول ابن السراج : «وأما مجوس ويهود فلم تقع إلا اسما للقبيلة ، ولو سميت رجلا بمجوس لم تصرفه» (٢) وشبه سيبويه دخول الألف واللام عليهما بدخول الألف واللام على زنجي وزنج» وأما قولهم اليهود والمجوس فإنما أدخلوا الألف واللام ههنا كما أدخلوها في المجوسي واليهودي ، لأنهم أرادوا اليهوديين والمجوسيين ولكنهم حذفوا ياءي الإضافة وشبهوا ذلك بقولهم زنجي وزنج إذا أدخلوا الألف واللام على هذا فكأنك أدخلتها على يهوديين ومجوسيين وحذفوا ياءي الإضافة وأشباه ذلك ، فإن أخرجت الألفة واللام من المجوس صار نكرة كما أنك لو أخرجتها من المجوسيين صار نكرة» (٣) ، وأورد ابن السراج في أصوله نفس القاعدة السابقة عند سيبويه فقال : «وأما قولهم : اليهود والمجوس فإنما أرادوا المجوسيين واليهوديين ولكنهم حذفوا ياءي الإضافة ، كما قالوا : زنجي وزنج» (٤) بينما فصل الزجاج هذه النقطة بصورة أكثر وقال : «هذا الباب يجري على ثلاثة أوجه : فأحدها وهو شرح ما قال سيبويه : أن «مجوس» و «يهود» اسم لهذا الجيل ، نحو «سند» و «وهند»

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٢٩.

(٢) الأصول ٢ / ١٠١.

(٣) سيبويه ٢ / ٢٩.

(٤) الأصول ٢ / ١٠ ـ ١٠٤.

٥٣

و «روم» تقول «سندي وسند» و «رومي وروم» ، ثم جعلت العرب كل اسم جيل من هذه اسما للقبيلة ، فإذا كان اسما للقبيلة قلت : «هذا رجل من يهود يا هذا» و «من مجوس يا هذا» والذين قالوا «من اليهود والمجوس» ، جعلوه على أصله جمع «يهودي ويهود» وأدخلوا الألف واللام للتعريف ، فعلى هذا القياس تقول : «هذا رجل من يهود ومن مجوس» تصرفه لأنه جمع. وإن شئت جعلته اسما للحي فصرفته أيضا (١). والحقيقة أن العنوان الذي جعله سيبويه لهذه النقطة وأعني بها الأسماء التي لا تستعمل إلا اسما للقبيلة ، هذا العنوان يوحي بأنها لا يجوز فيها إلا المنع من الصرف بناء على معنى القبيلة ولكن مع عرضنا لآراء العلماء في هذه الأسماء نجد أن الغالب فيها هو التأنيث مع جواز التذكير حملا على معنى الحي وذلك قليل ، والغريب أن الزجاج في كتابه «ما ينصرف وما لا ينصرف» قد تبع سيبويه ووضع العنوان نفسه على الموضوع. مع أنه ذكر صراحة «وإن شئت جعلته اسما للحي فصرفته أيضا» (٢).

وخلاصة القول في أسماء البلدان والقبائل : أن الصرف فيها بتأويل الأب إن كان اسمه كثقيف أو الحي ، وفي الأماكن بتأويل المكان والموضوع ونحوهما وترك الصرف في القبائل بتأويل الأم إن كان في الأصل كخندف أو القبيلة وفي الأماكن بتأويل البقعة ونحوهما (٣).

وقد جاء في الهمع أن : «صرف أسماء القبائل والبلاد والكلمة

__________________

(١) ما ينصرف ٦٠.

(٢) ما ينصرف ص ٨٠.

(٣) شرح الكافية ١ / ٥٢.

٥٤

وحروف الهجاء ومنعها مبنيان على المعنى ، فإن أريد باسم القبيلة الأب كمعد وتميم أو الحي كقريش وثقيف صرف «أو الأم كباهلة» أو القبيلة كمجوس ويهود منع للتأنيث مع العلمية» (١).

ولننظر بعد ذلك إلى هذا التقسيم لأسماء الأحياء والقبائل ، وما يتعين من معنى القبيلة في بعضها والحي في بعضها الآخر. وغلبة معنى القبيلة على بعضها ، أو غلبة معنى الحي على البعض الآخر : «ثم القبائل والأحياء على أقسام ، قسم يتعين للقبيلة وذلك يهود ومجوس علمين للقبيلتين ويمنعان الصرف ، فإن جعلتهما جمع يهودي ومجوسي كروم ورومي فيجوز إذ ذاك دخول «أل» عليهما. وقسم يتعين للحي ، وقسم يغلب عليه اسم القبيلة كجذام وسدوس وقسم يغلب عليها اسم الحي وهو قريش وثقيف وكلاب ومعد وعاد فيصرف ، وقد لا يصرف باعتبار القبيلة. وقسم يجوز فيه الأمران وهو ثمود وسبأ (٢).

٦) تسمية الحروف والكلم التي تستعمل وليست ظروفا ولا أسماء غير ظروف ولا أفعالا :

وقد أدرجت هذه النقطة ضمن موضوع الصرف وعدمه جوازا لأن الضابط هنا هو علتا العلمية والتأنيث أو انعدام التأنيث فيأتي الصرف تبعا لذلك ، وهذه الحروف كما يقول سيبويه اختلف العرب في تأنيثها وتذكيرها زعم ذلك يونس وأنشدنا قول :

كافا وميمين وسينا طاسما (٣)

__________________

(١) الهمع ١ / ٣٤.

(٢) الارتشاف ١ / ٩٧.

(٣) سيبويه ٢ / ٣١ ، الرجز لم يعرف قائله ، انظر جمل الزجاجي / ٢٨٦ ، ومخصص ابن سيده ١٧ / ٤٩.

٥٥

الشاهد هو تذكير الحرف «سينا» والدليل على تذكيره هو تذكير نعته «طاسم» وتذكيره على معنى الحرف. ويجوز له التأنيث على معنى الكلمة.

ولذلك علق سيبويه على الرجز بقوله : «ذكر ولم يقل طاسمة». وقال الرضي : «كما بينت كاف تلوح وميمها» فقال : ينت فأنث (١) والشاهد في البيت هو تأنيث الحرف «كاف» حملا على معنى الكلمة أو اللفظة وتذكيره جائز أيضا على المعنى السابق وهو الحرف (٢).

إذن هذا الموضوع وأعني به «الحروف والكلم» قائم أساسا على التذكير والتأنيث ومن ثمّ صرفها أو منعها من الصرف تبعا لهاتين النقطتين فالموضوع كسابقه «أسماء الأحياء والأرضين» ولوضوح علتي المنع «العلمية والتأنيث» واتفاقهما في كل الحروف قدمت هذا الموضوع على «أسماء السور» وذلك لاختلاف علل المنع في كل اسم سورة ليكون الكلام على وتيرة واحدة.

ومن تلك الحروف «إن وليت ولعل وكأن» وقد بدأ سيبويه بـ (أن ولعل) وبيّن الأوجه الجائزة فيهما فقال : وأما «أن وليت» فحركت أواخرهما بالفتح لأنهما بمنزلة الأفعال نحو «فصار الفتح أولى ، فإذا صيّرت واحدا من الحرفين اسما للحرف فهو ينصرف على كل حال ، وإن جعلته اسما للكلمة وأنت تريد لغة من ذكّر لم تصرفها كما لم تصرف امرأة اسمها «عمرو» وإن سميتها بلغة من أنّث كنت بالخيار» (٣). فنحن إذن أمام ثلاثة آراء في حالة التسمية «بأنّ وليت»

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٣١ ـ ٣٢.

(٢) الارتشاف ١ / ٧٩.

(٣) سيبويه ٢ / ٣٢.

٥٦

وذلك إن جعلتهما علمين للحرف صرفا للتذكير ، وإن جعلتهما علمين للكلمة (وهي مؤنثة) وأنت تريد التذكير «أي معنى الحرف» لم تصرفهما كما لا تصرف امرأة «وهي مؤنثة» سميتها باسم مذكر مثل «عمرو أو زيد أو علي ... إلخ» وإن سميت بهما بلغة من أنث كنت مخيرا بين الصرف والمنع.

وقال المبرد : «وكذلك ما ضارع الفعل نحو «إن وليت ولعل» لأنها مضارعة للأفعال التي صح تذكيرها ، فما جعلته منها اسما لحروف فمصروف وما علّقته على كلمة فغير مصروف في المعرفة إلا ما كان منها ساكن الوسط وسميت به مؤنثا فإنه كـ «زيد» سميت به امرأة» (١).

وهناك تفرقة بين «إن» المكسورة المهمزة و «أنّ» المفتوحة ، فالمكسورة لا تؤول إلى مصدر بينما المفتوحة تؤول إلى مصدر ، ولكل منهما مواضع معروفة في كتب النحو وتلك الفرقة أدت إلى فرقة أخرى من ناحية الصرف وعدمه حين نسمي بهما. يقول سيبويه : وسألت الخليل عن رجل سميته «أنّ» فقال هذا «أن» لا أكسره و «أنّ» غير «إنّ» ، «إنّ» كالفعل و «أن» كالاسم ألا ترى أنك تقول : علمت أنك منطلق فمعناه ، علمت انطلاقك. ولو قلت هذا لقلت لرجل يسمى بضارب يضرب ولرجل يسمى يضرب ضارب ، ألا ترى أنك لو سميته بإن الجزاء كان مكسورا وإن سميته بأن التي تنصب الفعل كان مفتوحا» (٢) ومعنى هذا الكلام أن «إن» وهو حرف شرط لو سمي به الحرف فإنه يكون مصروفا لحمله على معنى الحرف فقط ، وأما «إن» التي تنصب الفعل فإنها تمنع من

__________________

(١) المقتضب ٤ / ٤٢.

(٢) سيبويه ٢ / ٣٢.

٥٧

الصرف لو سمينا بها الكلمة حملا على معنى اللفظة أو الكلمة لتأويلها مع الفعل إلى مصدر.

وكان سيبويه يرى أن أواخر ذلك الأحرف «إنّ ، أنّ ، لعلّ ، لكنّ ، كأنّ» مفتوحة لتنزيلها منزلة الأفعال ، فقد عملت في الأسماء التي تأتي بعدها لتضمنها معنى الفعل فإن وأن بمعنى : «أؤكد». ولكن بمعنى «أستدرك» وكأن بمعنى «أشبه» ولعل بمعنى «أترجى» وليت بمعنى «أتمنى». هذا رأي سيبويه في فتح أواخر هذه الحروف. وأما الزجاج فقد ذهب إلى أن «آخرها فتح لالتقاء الساكنين ؛ لأنها حروف مضاعفة ، فكان الفتح لالتقاء الساكنين أخف الحركات عليه مع ثقل التضعيف ، كما أنهم فتحوا «ثم» و «رب» لالتقاء الساكنين (١). وأما «لو وأو» فهما ساكنتا الأواخر ، لأن قبل آخر كل واحد منهما حرفا متحركا فإذا صارت كل واحدة منهما اسما فقصتها في التأنيث والتذكير والانصراف وترك الانصراف كقصة ليت وإنّ إلا أنك تلحق واوا أخرى فتثقل وذلك لأنه ليس في كلام العرب اسم آخره واو قبلها حرف مفتوح. قال الشاعر :

ليت شعري وأين مني ليت

إنّ ليتا وإنّ لوّا عناء (٢)

«الشاهد في تضعيف «لو» لما جعلتها اسما وأخبرت عنها ؛ لأن الاسم المفرد المتمكن لا يكون على أقل من حرفين متحركين ، والواو في «لو» لا تتحرك فضوعفت لتكون كالأسماء المتمكنة ، وتحتمل الواو لتضعيف الحركة وأراد بـ «لوّها» هنا «لو» التي للتمني في نحو قولك : لو أتيتنا ،

__________________

(١) ما ينصرف ٦٤.

(٢) سيبويه ٢ / ٣٢.

٥٨

لو أقمت عندنا ، أي ليتك أتيت وأقمت» (١) إذن ما كان آخره حرف عله وهو على حرفين نحو «لو» أو «في» وقد سمينا بأحد منهما لا بد من تضعيف الحرف الثاني ليكون على ثلاثة أحرف ؛ لأن الاسم لا بد أن يكون على ثلاثة أحرف إذا كان بهذه الصورة «وذلك لأنه ليس في كلام العرب اسم آخره واو قبلها حرف مفتوح» (٢). وعلل سيبويه تضعيف الواو بقوله : «وإنما دعاهم إلى تثقيل «لو» الذي يدخل الواو من الإجحاف لو نوّنت وقبلها متحرك مفتوح ، فكرهوا أن لا يثقلوا حرفا لو انكسر ما قبله أو انضم ذهب في التنوين ورأوا ذلك إخلالا لو لم يفعلوا ، فمما جاء فيه الواو وقبله مضموم «هو» فلو سميت به ثقّلت فقلت «هذا هوّ» وتدع الهاء مضموما ؛ لأن أصلها الضم تقول : هما ، وهم ، وهن. ومما جاء وقبله مكسور هي وإن سميت به رجلا ثقّلته كما ثقلت هو (٣) فما كان ثنائيّا من الألفاظ وكان الحرف الثاني حرف لين وجب تضعيف حرف اللين لكي لا يدخله الإجحاف ويضيع الحرف نتيجة سرعة الانتقال من الحرف الثاني إلى التنوين بل يضعّف ليأخذ حقه من النطق وبصورة أوضح لو قلنا : «هذا لو» دون تضعيف. ماذا يحدث حتى يدخل «لو» الإجحاف؟ والجواب على ذلك هو أن الضمة في «لو» تستثقل على الواو ، أو على الياء كما في نحو «في» فتحذف ، وبحذف الضمة يلتفي ساكنان الواو أو الياء والتنوين ، فتحذف الواو من «لو» أو الياء من «في» فيبقى اللفظ على حرف واحد ، فدفعا لهذا الإجحاف ضعّفوا حرف اللين.

__________________

(١) حاشية الشنتمري على سيبويه ٢ / ٣٢.

(٢) سيبويه ٢ / ٣٢.

(٣) المصدر نفسه ٢ / ٣٣.

٥٩

ثم إن هذه الحروف عند سيبويه معارف بمنزلة «زيد» و «عمرو» ، بمنزلة قولهم للأسد «أسامة» و «أبو الحارث» ، لا يجوز أن تقول «الإنّ» ولا «الأوّ» (١).

ومن الأسماء الثنائية «هو ، ذو» و «إن سميت مؤنثا بهو لم تصرفه ؛ لأنه مذكر» (٢) فقد اجتمع فيه علتان ، العلمية والتأنيث بجعله علما لمؤنث كأن نجعل نحو «زيد وعمرو» علما لمؤنث.

أما «ذو» فيقول عنه سيبويه : «ولو سميت رجلا «ذو» لقلت هذا ذوا لأن أصله «فعل» ألا ترى أنك تقول : «هاتان ذواتا مال» فهذا دليل على أن «ذو» فعل ، كما أن «أبوان» دليل على أن «أبا» فعل» (٣). والحقيقة أن هناك مذهبين في «ذو» من ناحية التحريك والسكون ، مذهب سيبويه الذي رأى أن «ذو» فعل بالتحريك ودليله على ذلك قولهم : هاتان ذواتا مال كما يقال «أبوان في أب» فهذا دليل على أن أصله «أبو» على وزن «فعل» كما أن «ذو» أصله «ذوو» أي فعل.

والمذهب الثاني هو مذهب الخليل الذي رأى أن أصل «ذو» «ذوو» بالتسكين. ووافقه الزجاج على ذلك. «وحجة الخليل : أنها إنما حركت العين حيث أتمت ليدل على أن أصلها السكون ، كما أنك إذا نسبت إلى «يد» قلت «يدوي» وأصل «يديدى» بتسكين الدال ، إلا أن الياء حذفت من آخرها لاستثقالهم إياها فإذا نسب إليها فرددت المحذوف فتحت الدال فقلت «يدوي» (٤).

__________________

(١) ما ينصرف ٦٦.

(٢) سيبويه ٢ / ٣٢.

(٣) سيبويه ٢ / ٣٢.

(٤) ما ينصرف ٦٩.

٦٠