الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

«حضرموت» في أنه ضمّ الآخر إلى الأول. وعمرويه في المعرفة مكسور في حال الجر والرفع والنصب غير منوّن» (١).

وجاء في المقتضب : «وأما قولهم «عمرويه» وما كان مثله فهو بمنزلة «خمسة عشر» في البناء إلا أن آخره مكسور ، فأما فتحة أوله فكالفتحة هناك» (٢).

فالمشهور في هذه الأسماء هو البناء على الكسر وقد جوّز بعض النحاة إعرابه إعراب ما لا ينصرف أما البناء فلأن «ويه» اسم صوت. وأما الكسر فعلى أصل التقاء الساكنين .. واعلم أن سيبويه لا يجوز فيه إلا البناء على الكسر ، وأما الجرمي فجوّز إعرابه إعراب ما لا ينصرف قال أبو حيان :

«وهو مشكل إلا أن يستند إلى سماع وإلا لم يقبل لأن القياس البناء لاختلاط الاسم بالصوت وصيرورتهما اسما واحدا» (٣).

فمذهب الجمهور في هذه الأسماء هو بقاؤها على حالها مبنية (٤) على الكسر ، وهو الصحيح إذ إنّ «ويه» صوت لا تظهر فيه الحركات الإعرابية.

المركّب المزجي وحالتا التنكير والتصغير :

في الحقيقة أن للتنكير تأثيرا في ظاهرة المنع من الصرف ؛ لأن العلمية تدخل جزءا أساسيّا في الأعلام الممنوعة من الصرف بجانب ست علل تكلمنا عنها فإذا فقدت العلمية من أحدها صرف الاسم ، ومن هذه

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٥٢ ـ ٥٣.

(٢) المقتضب ٤ / ٣١.

(٣) حاشية الصبان ٣ / ٢٥٠ ـ ٢٥١.

(٤) الارتشاف ١ / ٩٥.

٣٨١

الأعلام التي يؤثر التنكير في منعها المركب المزجي «وهو مصروف في النكرة كما تركوا صرف إسماعيل وإبراهيم ، لأنهما لم يجيئا على مثال ما لا يصرف في النكرة كأحمر ، وليس بمثال يخرج إليه الواحد للجميع نحو مساجد ومفاتيح وليس بزيادة لحقت لمعنى كألف حبلى ، وإنما هي كلمة كهاء التأنيث فثقلت في المعرفة إذ لم يكن أصل بناء الواحد ؛ لأن المعرفة أثقل من النكرة» (١) فالمركب من الأقسام التي تلعب المعرفة دورا أساسيّا في منعها من الصرف وبزوالها يزول المنع لبقاء الاسم على علة واحدة خاصة باللفظ وهي التركيب المزجي. وهي لا تكفي وذلك بخلاف بعض الأقسام التي تمنع من الصرف ولا تؤثر المعرفة أو النكرة فيها مثل فيها مثل الوصفية والوزن «أحمر وأصفر ـ أبيض» ومثل صيغة منتهى الجموع «مساجد ، مفاتيح ، مصابيح» فمثل هذه الأصناف تمنع سواء كانت معرفة أو نكرة ، إذ إنّ التعريف لا يدخل طرفا في منعها من الصرف.

جاء في شرح المفصل : «فإن نكرته صرفته تقول : هذا حضرموت ، وحضرموت آخر منعت الأول الصرف ؛ لأنه معرفة ، وصرفت الثاني لأنه لما زال التعريف بقيت علة واحدة وهو التركيب فانصرف» (٢).

وفي التصريح جاء فصل ذكر فيه الأشياء التي تجعل غير المصروف مصروفا منها (أن يكون أحد سببه) المانعين له من الصرف (العلمية ثم ينكر) فتزول منه العلمية ويبقى السبب الثاني وهو إما التأنيث أو الزيادة أو العدل أو الوزن أو العجمة أو التركيب أو ألف الإلحاق المقصورة (٣).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٥٠.

(٢) شرح المفصل ١ / ٦٥.

(٣) التصريح على التوضيح ٢ / ٢٢٧.

٣٨٢

هذا بالنسبة للتنكير. أما التصغير فإنه لا يزيل علة منعه ولذلك يظل المركّب ممنوعا من الصرف للعلمية والتركيب المزجي ؛ لأن التركيب لا يزول بالتصغير بل يظل باقيا ؛ ولأن المركّب من الأسماء التي تمنع من الصرف مصغرة أو مكّبرة فنقول في «حضرموت وبعلبك ومعد يكرب». «حضيرموت وبعيلبك ومعيديكرب» فالعلم المركب ممنوع من الصرف مع وجود التصغير لبقاء علتي المنع وهما العلمية والتركيب المزجي.

* * *

٣٨٣

الواقع اللغوي

هذا النوع من الأعلام قليل الورود في الشعر العربي فمن خلال رجوعي إلى المصادر الشعرية التي اعتمدت عليها وقفت على سبعة أبيات ، كل بيت فيه كلمة من هذا النوع ، خمسة منها جاءت في كتاب «شرح أشعار الهذليين» ، وبيتان لشاعرين من الجاهلية وهما «امرؤ القيس» و «عنترة» أما «امرؤ القيس» فقد جاءت عنده «بعلبك» في البيت التالي وهو قوله :

لقد أنكرتني بعلبكّ وأهلها

ولابن جريح في قرى حمص أنكر (١)

وفيه كلمة أخرى ممنوعة من الصرف وهي «حمص» لأنها من الأعلام المؤنثة.

وأما «عنترة» فقد ذكر كلمة «خندريس» إذ يقول :

تطوف عليهم خندريس مدامة

ترى حببا من فوقها حين تمزج (٢)

خندريس : الخمر القديمة ـ معربة.

وأما الكلمات التي وردت في شرح أشعار الهذليين ، فهي : «قسطنطين» وذلك في قول «أبي العيال» :

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ٦٨.

(٢) ديوان عنترة ٣٥.

٣٨٤

أقام لدى مدينة آل قسطنطين وانقلبوا (١)

ومنها «قيسرون» إذ يقول : «حبيب أخو بني عمرو بن الحارث» :

ولقد نظرت ودون قومي منظر

من قيسرون فبلقع فسلاب (٢)

وأما «حضرموت» فقد أوردها «أبو صخر الهذلي» في قوله :

حدت مزنه من حضرموت

ضجوع له منها مدرّ وحالب (٣)

وذكر «ساعدة بن جؤية» كلمة «شمنصير» حيث يقول :

مستأرضا بين بطن الليت أيمنه

إلى شمنصير غيثا مرسلا معجا (٤)

__________________

(١) شرح الهذليين ١ / ٤٢٦.

(٢) شرح الهذليين ٢ / ٨٧٠.

(٣) شرح الهذليين ٢ / ٩٤٨.

(٤) شرح الهذليين ٣ / ١١٧٣.

٣٨٥

الأعلام المركّبة تركيبا مزجيّا

عدد الأبيات ٧ أبيات موزعة على النحو التالي :

١

٥

أبيات

من شرح أشعار الهذليين

٢

١

بيت

واحد من ديوان امرئ القيس

٣

١

بيت

واحد من ديوان عنترة

وقد جاءت كلها ممنوعة من الصرف.

* * *

٣٨٦

الباب الثاني

الصفات

الفصل الأول : الصفات المعدولة

الفصل الثاني : الصفات المزيدة بالألف والنون.

الفصل الثالث : الصفات التي على وزن الفعل

٣٨٧
٣٨٨

الفصل الأول

الصفات المعدولة

آراء النحاة :

وبعد أن تكلمنا عن الأعلام المعدولة وعرفنا جوانب كثيرة منها يجدر بنا أن ننظر إلى الصور الواردة في الأوصاف المعدولة وهي :

أولا : ـ ألفاظ الأعداد شرط أن تكون أحد أعداد العشرة الأولى ، ولها صيغتان «فعال» و «مفعل» وذلك نحو : أحاد وموحد ، وثناء ومثنى وثلاث ومثلث إلى عشار ومعشر. وهي ممنوعة من الصرف لدلالتها على الوصف ؛ ولكونها معدولة عن تكرار العدد فمثلا الأصل في أحاد واحد واحد ، وأصل ثناء اثنين اثنين وهكذا.

قال سيبويه : «وسألته عن أحاد وثناء وثلاث ورباع ، فقال : هو بمنزلة أخر إنما حدّه واحدا واحدا واثنين اثنين فجاء محدودا عن وجهه ، فترك صرفه. قلت : أفتصرفه في النكرة؟ قال : لا لأنه نكرة يوصف به نكرة ، وقال لي : قال أبو عمرو : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) صفة كأنك قلت أولي قلت أولي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وتصديق قول أبي عمرو قول ساعدة بن جؤيّة :

وعاودني ديني فبتّ كأنّما

خلال ضلوع الصدر شرع ممدّد

٣٨٩

ثم قال :

ولكنّما أهلي بواد أنيسه

ذئاب تبغّي الناس مثنى وموحد (١)

والشاهد في البيت هو : «مثنى وموحد» فهما صفتان على زنة «مفعل» ممنوعان من الصرف للوصفية والعدل عن اثنين اثنين وواحد واحد.

ويقول المبرد بهذا الخصوص : «ومن المعدول قولهم : مثنى وثلاث ورباع ، وكذلك ما بعده. وإن شئت جعلت مكان مثني ثناء يا فتى حتى يكون على وزن رباع وثلاث. وكذلك أحاد ، وإن شئت قلت : موحد (٢) ، كما قلت مثنى. قال الله عزّ وجل : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٣) وقال عزّ وجل : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٤). وقال الشاعر :

منت لك أن تلاقيني المنايا

أحاد أحاد في شهر حلال

وقال الآخر :

ولكنما أهلي بواد أنيسه

ذئاب تبغيّ الناس مثنى وموحد (٥)

والشاهد في الآيتين والبيتين هو ورود أحاد ومثنى وثلاث ورباع أعدادا ممنوعة من الصرف لعدولها ولكونها صفات.

السماع والقياس في مفعل وفعال :

ولكن هل يرد «فعال ومفعل» في كل الأعداد من واحد إلى عشرة ، وهل

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٥.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٣) سورة فاطر ، الآية : ١.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٣.

(٥) المقتضب ٣ / ٣٨٠. والتبيان غير منسوبين ، وانظر شرح ابن يعيش ١ / ٦٢ ، والمخصص ١٧ / ١٤.

٣٩٠

هناك خلاف في ذلك؟ هذا ما سنعرفه حين نعرض آراء النحاة ، فلو نظرنا إلي ما جاء عند سيبويه مثلا لرأينا أنه اقتصر على ذكرها من واحد إلى أربعة قال : «وسألته عن أحاد وثناء ومثنى وثلاث ورباع» (١) ولم يتطرق إلى الأعداد الباقية مما يدل على أنه غير مقتنع بها لعدم ورودها عن العرب ، وإن كان ورد لفظ «عشار» عند الكميت كما سنرى بينما ذهب المبرد إلى جواز مجيء بقية الأعداد على هذين الوزنين بقوله : «ومن المعدول قولهم : مثنى وثلاث ورباع وكذلك ما بعد ، وإن شئت جعلت مكان مثنى وثناء يا فتى حتى يكون على وزن رباع وثلاث ، وكذلك أحاد» (٢) فعبارته واضحة ، وتفيد أنه يجوز قياس فعال ومفعل إلى العدد عشرة.

وذهب الزجاج مذهبا آخر حيث رأى أن القياس هو مجيء الأعداد من واحد إلى عشرة على صيغة «فعال». بينما مجيئها على صيغة مفعل يكون قياسا إلى العدد ثمانية حيث لم يسمع «متسع ومعشر» فهو يقول : «وإن عدلت أسماء العدد إلى العشرة كلها على هذا قياسا نحو «عشار» و «تساع» و «خماس» و «سداس» ولكن «مثنى» و «موحد» لم يجئ في مثل «معشر» تريد به «عشار» وكذلك «متسع» يراد به «تساع» إنما استعمل من هذا ما استعملت العرب» (٣).

وقد أشار ابن جني في خصائصه إلى صيغة «فعال» ومجيء الأعداد

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٥.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٨٠.

(٣) ما ينصرف وما لا ينصرف ٤٤.

٣٩١

عليها إلى العدد عشرة ، لكنه لم يشر إلى الصيغة الثانية وهي «مفعل» قال : «ألا ترى أن فعالا أيضا مثال قد يؤلف العدد ، نحو أحاد وثناء وثلاث ورباع ، وكذلك إلى عشار قال (١) :

ولم يستريثوك حتى علو

ت فوق الرجال خصالا عشارا (٢)

«وقالوا موحد كمثنى ومثلث ، فأما مثلث ومربع إلى العقد فقياس ولم يسمع ونظر ثلاث ورباع في الصفة والوزن أحاد وثناء ، وقد سمعا. قال الشاعر :

منت لك أن تلاقيني المنايا

أحاد أحاد في شهر حلال

وأما ما وراء ذلك إلى عشار فغير مسموع ، والقياس لا يدفعه. على أنه قد جاء في شعر الكميت : «خصالا وعشارا» (٣). فالمسموع هو إلى رباع أما ما بعد هذا العدد فلم يسمع به إلا «عشار» في شعر الكميت مع أن القياس يجيزه.

وورد في شرح الكافية للرضي : «وقد جاء فعال ومفعل في باب العدد من واحد إلى أربعة اتفاقا ، وجاء من عشرة في قول الكميت :

ولم يستريثوك حتى علو

ت فوق الرجال خصالا عشارا

والمبرد والكوفيون يقيسون عليها إلى التسعة نحو خماس ومخمس وسداس ، والسماع مفقود ، بل يستعمل على وزن «فعال» من واحد إلى

__________________

(١) البيت للكميت بن زيد من قصيدة يمدح بها أبان بن الوليد.

(٢) الخصائص ٣ / ١٨١.

(٣) شرح المفصل ١ / ٦٢.

٣٩٢

عشرة مع يائي النسب نحو الخماسي والسداسي والسباعي والثماني والتساعي (١).

ويفهم من ذلك أن السماع مقصور على رباع ومربع ، ولم يسمع بالبقية في حين ذهب المبرد كما رأينا وكذلك الكوفيون إلى جواز القياس في الأعداد الباقية. وأورد جزءا لا يخص المنع من الصرف ، وهي إلحاق ياء النسب بصيغة «فعال» في الأعداد مثل الخماسي والسداسي .. إلخ ويقول ابن سيده في مخصصه : «وقد ذكر الزجاج أن القياس لا يمنع أن يبنى منه إلى العشرة على هذين البناءين فيقال خماس ومخمس وسداس ومسدس ، وسباع ومسبع ، وثمان ومثمن وتساع ومتسع وعشار ومعشر وقد صرح به كثير من اللغويين منهم ابن السكيت والفراء وبعض النحويين» (٢). بينما ذكر في موضع آخر أن الفراء يرى أنه لا قياس فيما بعد رباع. ويقول : «وقال الفراء العرب لا تجاوز رباع غير أن الكميت قد قال :

فلم يستريثوك حتى رمي

ت فوق الرجال خصالا عشارا

فجعل «عشار» على مخرج «ثلاث» وهذا مما لا يقاس. وقال في مثلث ومثنى ومربع «إن أردت به مذهب المصدر لا مذهب الصرف جرى كقولك ثنيتهم مثنى ، وثلثتهم مثلثا وربعتهم مربعا» (٣).

وذكر أن المتفق على سماعه من هذه الأعداد هي : «أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع وخماس ومخمس وعشار

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٤١.

(٢) المخصص ١٧ / ١٢٠.

(٣) المخصص ١٧ / ١٢٥.

٣٩٣

ومعشر» (١) فهي اثنا عشر لفظا ، قال السيوطي إنها مسموعة عن العرب لكننا نرى أن الأمر يختلف عند ابن يعيش في الأشموني حيث يبين أن المسموع المتفق عليه ثمانية ألفاظ هي «موحد وأحاد ومثنى وثناء ، ومثلث وثلاث ، ومربع ورباع ، وهذه الألفاظ الثمانية متفق عليها ولهذا اقتصر عليها. وقال في شرح الكافية وروي عن بعض العرب مخمس ، وعشار ومعشر ولم يرد غير ذلك» (٢). هذا الحكم بالنسبة للمسموع من العرب سواء باتفاق أو باختلاف.

لكن ما الموقف بالنسبة لغير المسموع؟ هل يجوز أن نقيسها على المسموع أم لا؟.

وللرد على هذه الأسئلة فقد بيّن السيوطي وابن يعيش اختلاف المدارس النحوية فيها ، حيث قسّماها إلى ثلاثة مذاهب :

١) مذهب البصريين القائل بمنع القياس عليها والاقتصار على المسموع من العرب إذ لو أرادوها لنطقوا بها. فالقياس هنا يؤدى إلى إيجاد لفظ لم تتكلم به العرب.

٢) مذهب الكوفيين ومعهم الزجاج ، وهو مذهب يدعو إلى جواز القياس لسهولة الأمر ، وعدم حاجته إلى تكلف أو بعد عن الواقع اللغوي ، وأرى في هذا الرأي ليونة ومرونة يقتضيها تطور اللغة ، وحاجته إلى مثل هذه الألفاظ ، خاصة أن القياس هنا لا يؤدي إلى مخالفة لغوية ، بل يدعو إلى توسعة اللغة مع مراعاة الأصل. «ووافقهم الناظم» يعني ابن مالك «في بعض نسخ التسهيل وخالفهم في بعضها» (٣).

__________________

(١) الهمع ١ / ٢٦.

(٢) حاشية الصبان ٣ / ٢٤٠.

(٣) الصبان ٣ / ٢٤٠.

٣٩٤

٣) أما المذهب الثالث فقد فرّق في القياس بين صيغة «فعال» فدعا إلى القياس عليها لكثرتها ، وبيّن صيغة «مفعل» التي لم يجز أن يقاس عليها لقلتها.

يقول السيوطي : «وما ذكرته من أن المسموع اثنا عشر بناء هو المذكور في التسهيل. وذكر في شرح الكافية أن «خماس» لم يسمع ، وذكر أبو حيان أن سداس وما بعده ، مسموع أيضا فقال في شرح التسهيل : الصحيح أن البناءين مسموعان من واحد إلى عشرة حكى أبو عمرو وإسحاق بن مرار الشيباني «موحدا إلى معشر» وحكى أبو حاتم في كتاب الإبل ، ويعقوب ابن السكيت أحاد إلى عشار. قال : ولا التفات إلى قول أبي عبيدة في المجاز لا نعلمهم قالوا فوق «رباع» فمن علم حجة عليه» (١).

فخلاصة الأمر أن المسموع من هذه الألفاظ ثمانية ألفاظ اتّفاقا وهي من واحد إلى أربعة بالصيغتين «فعال ـ مفعل» وهناك لفظان اختلف فيهما هما «خماس ، عشار» أيضا بالصيغتين فمجموعها اثنا عشر لفظا. أما الحكم فيما لم يسمع به عن العرب فقد علمنا موقف المدارس والعلماء منها من المنع والجواز بالتخصيص أي جواز القياس على «فعال» لكثرته ، ومنعه من «مفعل» لقلته.

الآراء في علّة منعها من الصرف :

اختلف في علة منع الأعداد من الصرف فيقول الزجاج مثلا : «اعلم أن جميع ما جاء معدولا من هذا الباب لا ينصرف في النكرة ، وإنما ترك

__________________

(١) انظر الهمع ١ / ٢٦ ، والصبان ٣ / ٢٤٠.

٣٩٥

صرفه ، لأنه عدل به عن ثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، فاجتمع فيه أنه معدول عن هذا المعنى ، وأنه صفة لا يستعمل معدولا إلا صفة» (١).

وجاء في مشكل إعراب القرآن للقيسي قوله : «وقال الفراء ، لم ينصرف لأنه معدول عن معنى الإضافة ، وفيه تقدير دخول الألف واللام ، وأجاز صرفه في العدد على أنه نكرة» (٢).

وقال الأخفش : «إن سميت به صرفته في المعرفة والنكرة ، لأنه قد زال عنه العدل وقيل لم ينصرف ، لأنه معدول عن لفظه وعن معناه» (٣). وقيل امتنع من الصرف لأنه معدول ولأنه صفة» (٤).

«وقيل امتنع من الصرف لأنه معدول ولأنه جمع».

«وقيل امتنع لأنه معدول ولأنه عدل على غير أصل العدل ؛ لأن الأصل العدل إنما هو للمعارف ، وهذه نكرة بعد العدل» (٥).

ومما ورد قولهم : «قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) هذه أعداد معدولة في حالة تنكيرها ، فتعرفت بالعدل ، فمنعت من الصرف للعدل والتعريف (٦). وجاء في الكشّاف قوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) معدولة عن صيغها وعدلها عن تكررها (٧).

__________________

(١) ما ينصرف ٤٤.

(٢) مشكل إعراب القرآن ١ / ١٧٩ ، الهمع ١ / ٢٦.

(٣) مشكل إعراب القرآن ١ / ١٨٠.

(٤) سيبويه ٢ / ١٥ ، تفسير القرطبي ٥ / ١٥ ، حاشية الصبان ٣ / ١٣٨.

(٥) انظر ما ينصرف وما لا ينصرف ٤٤.

(٦) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢١٤ ، شرح الكافية ١ / ٤١.

(٧) الكشاف ١ / ٤٩٦.

٣٩٦

وجاء في تفسير القرطبي «قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) وموضعها من الإعراب نصب على العدل من «ما» وهي نكرة لا تنصرف لأنها معدولة وصفة ، كذا قال أبو علي» (١).

ونسب الرضي في «شرح الكافية» مسألة المنع للتعريف والعدل إلى الكوفيين وابن كيسان كما في عمر. ورد على هذا الرأي أنه لو كان معرفة لما وقع حالا نحو جاءني القوم مثنى (٢).

ومن العلل الواردة في منعها من الصرف ما جاء في (الهمع) إذ يقول السيوطي : «وذهب الأعلم إلى أنها لم تنصرف ، للعدل ولأنها لا تدخلها التاء ، لا يقال ثلاثة ولا مثلثة فضارعت أحمر» (٣).

وغير ذلك من العلل الكثيرة التي لا تخلو في غالبها من الجدل وشيء من التكلف ولو اكتفوا بالسماع لجنبوا أنفسهم كثرة النقاش الذي لا يجدي في مثل هذه المسائل.

ففي النص الوارد في كتاب «مشكل إعراب القرآن للقيسي» عدة آراء كل منها تدور حول العلة التي منعت الأعداد من الصرف ، من ذلك رأي الفراء القائل بعدله عن معنى الإضافة مع تقدير دخول الألف واللام.

وذهب الأخفش إلى صرفه عند التسمية به سواء كان معرفة أو نكرة ؛ لأن التسمية أذهبت عنه صفة العدل فصرف.

والقول الذي عليه سيبويه والجمهور هو أنه ممنوع للوصفية حيث تدل

__________________

(١) تفسير القرطبي ٥ / ١٥.

(٢) شرح الكافية ١ / ٤١ ـ ٤٢.

(٣) همع الهوامع ١ / ٢٧.

٣٩٧

على صفة العدد ، وللعدل لأنها معدولة عن اللفظ المكرر ، وهذا التعليل أقرب للواقع والصحة.

وأما القول بأنها منعت للعدل ، ولأنها عدلت على غير أصل العدد فإنه يطرح سؤالا في هذا المجال ، وهو أنه ما دام الضابط في باب العدل هو السماع ، فلماذا نجعل الأصل في العدل هو المعارف مع أنه ورد عن العرب العدل في النكرات وهي هذه الأعداد المعدولة؟ ولماذا لا نقول بأنه قد ورد العدل في القسمين المعرفة والنكرة ، إلا أن دائرة المعارف في العدل أوسع من دائرة النكرات ، ولا داعي إلى مسألة الأصل والفرع لكي نتجنب مثل هذه المسائل الجدلية التي لا تجدي.

تسمية الرّجل بها :

ما حكم هذه الأعداد عند تسمية الرّجل بها؟ هل تبقى ممنوعة من الصرف؟ أم تصرف؟

ونلاحظ أن هذه المسألة فيها خلاف شأنها شأن بقية المسائل التي لا تخلو من جدال ونقاش يدل على عمق الفكر والتأمل والبحث ولكنه أحيانا يجر إلى التكلف والجدل العقيم.

وحين ننظر إلى رأي سيبويه نجد أنه أشار ضمنا إلى الصرف في قوله حين سأل الخليل : «قلت أفتصرفه في النكرة قال : لا ، لأنه نكرة يوصف به نكرة» (١).

فحصر السؤال في النكرة ، وأنه يبقى على منعه من الصرف فيها وعدم

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٥.

٣٩٨

ذكر الحكم في المعرفة دليل صرفه حين سمي به رجل لأنه يصير معرفة بالعلمية ، فكأنه أشار ضمنا إلى هذا الحكم. ومثل هذه الإشارة الضمنية نجدها عند أبي إسحاق الزجاج حين يقول : «اعلم أن جميع ما جاء معدولا من هذا الباب لا ينصرف في النكرة» (١). فكأنه قال : ولكنه ينصرف في المعرفة ، والإشارة الصريحة بالصرف عند تسمية الرجل بهذه الأعداد وردت في «شرح المفصل لابن يعيش» الذي يقول : «فإن سمي رجل بمثنى وثلاث ورباع ، ونظائرها انصرف في المعرفة فنقول فيه : هذا مثنى وثلاث ، بالتنوين ؛ لأن الصفة قد زالت وزال العدل أيضا لزوال معنى العدل بالتسمية ، وحدث فيه سبب آخر غيرهما ، وهو التعريف فانصرف لبقائه على سبب واحد» (٢).

ويقول الأستاذ عباس حسن في «النحو الوافي» وإذا زالت الوصفية وحل محلها العلمية بقي على منع الصرف كتسمية إنسان «مثنى» أو «ثلاث» أو نحوهما مما كان في أصله وصفا معدولا ثم صار علما باقيا على حاله» (٣).

والظاهر أن المذهب الذي يدعو إلى الصرف حال تسمية المذكر بهذه الأعداد هو المذهب البصري.

أما الكوفيون فقد ذهبوا إلى بقاء العدد ممنوعا والحالة هذه ، كما ورد في «شرح المفصل» حيث قال : «وحكى ابن كيسان قال : قال أهل

__________________

(١) ما ينصرف ٤٤.

(٢) شرح المفصل ١ / ٦١ ـ ٦٢.

(٣) النحو الوافي ٤ / ١٧٣.

٣٩٩

الكوفة : «مثنى وموحد» بمنزلة عمر ، وأن هذا الاسم معرفة ، فإذا سميت به رجلا لم ينصرف كما لم ينصرف عمر اسم رجل» (١).

وحكمهم هذا راجع إلى علة منعه من الصرف ، فقد رأينا كما ورد في شرح الكافية (٢) أن الكوفيين يرون أن هذه الأعداد المعدولة منعت من الصرف للعدل والتعريف فعند تسمية الرجل بها تبقى العلتان كما هما دون تغيير. أما قول سيبويه والبصريين بصرفها حال التسمية فهذا راجع أيضا إلى علة المنع حيث ذهبوا إلى أنها منعت للوصفية والعدل ، فعند التسمية تزول الوصفية فيصرف الاسم فمرد الحكم هنا هو علة المنع.

وهناك مسألة أخرى مبنية على هذه المسألة وهي أنه إذا نكّر الاسم بعد التسمية فما الحكم؟ هل يرجع إلى حكمه السابق قبل النقل؟ أم يبقى على حكمه الجديد؟

والجواب على ذلك هو أن الجمهور لا يصرفه إذا نكّر بعد التسمية لأنه يرجع إلى الحالة التي كان عليها قبل النقل وهي المنع. بينما ذهب الأخفش إلى صرفه مشبها إياه بـ «أخر» في هذه النقطة التي قال في علة صرفها «لأن العدل قد زال لكونه مخصوصا بحمل الوصف فلا يؤثر في غيره» (٣).

قال الأسيوطي : «معدول العدد إذا سمي به ثم نكر بعد التسمية ذهب الأخفش أيضا إلى صرفه وخالفه الجمهور» (٤).

__________________

(١) شرح المفصل ١ / ٦٣.

(٢) الكافية ١ / ٤١ ـ ٤٢.

(٣) الهمع ١ / ٣٦.

(٤) الهمع ١ / ٣٦.

٤٠٠