الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

قوله : «ولو سميت رجلا بألبب بالضم جمع «لب» لم تصرفه ؛ لأنه لم يخرج بفك الإدغام إلى وزن ليس للفعل ، وحكى أبو عثمان عن أبي الحسن صرفه لأنه باين الفعل بالفك» (١).

حكم ما أوله التاء أو النون :

هناك كلمات رباعية مبدوءة بالتاء أو بالنون ، فإذا كانت هذه الكلمات على أوزان الفعل وأوزان الاسم ، فهل هذه التاء أو النون زائدة أم أنها أصلية؟ وهل هذه الكلمات مصروفة؟ أم ممنوعة من الصرف؟.

ونجد أن الخليل وسيبويه ذهبا إلى أننا لا نستطيع أن نحكم على زيادتها أو أصليتها إلا بدليل ، والدليل غالبا يكون بالاشتقاق. ومن هذه الكلمات : «تولب» للحمار الصغير ، فالتاء أصلية ووزنها «فوعل» قال سيبويه : «وأما ما جاء مثل تولب ونهشل ، فهو عندنا من نفس الحرف مصروف حتى يجيء أمر يبينه ، وكذلك فعلت به العرب لأنّ حال التاء والنون في الزيادة ليس كحال الألف والياء ، لأنهما لم تكثرا في الكلام زائدتين لكثرتهما» (٢).

ويوضح هذا الكلام فيقول : «ومما يقوي أن النون كالتاء فيما ذكرت لك أنك لو سميت رجلا نهشلا أو نهضلا أو نهسرا صرفته ، ولم تجعله زائدا كالألف في «أفكل» ولا كالياء في «يرمع» لأنها لم تمكّن في الأبنية والأفعال كالهمزة أولا ولا كالياء وأختها في الكلام لأنهن أمهات الزوائد ،

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٦١.

(٢) سيبويه ٢ / ٣.

٣٦١

ولو جعلت نون «نهشل» زائدة لجعلت نون جعثن زائدة ، ونون عنتر زائدة وزرنب ، فهؤلاء من نفس الحرف» (١).

ويؤكد المبرد هذا الكلام بقوله : «فأما النون والتاء فيحكم بأن كل واحد منهما أصل حتى يجيء أمر يبين زيادتها ، فمن ذلك قولك : نهشل ونهسر الذئب يدلك على أصليهما أنك تقول : نهشلت المرأة ، ونهشل الرجل (٢) ، وأنه ليس في الكلاك كجعفر (٣).

ومنها «ترتب» وهي مصروفة ، لأنها وإن كان في أولها زيادة إلا أنها خرجت من شبه الأفعال كما يقول سيبويه (٤). أما «ترتب» فلا نصرفها إذا سمينا بها رجلا لأن صياغتها صيغة الفعل ، والترتب. هو العيش ، المقيم ، فاشتقاقه من «ترتب» إذ أقام ، لو لا الاشتقاق لكان حكمه حكم «تدرأ» (٥).

ومن الكلمات المبدوءة بالنون كلمة «نرجس» فلو سمينا بها رجلا لامتنعت من الصرف للعلمية والوزن لأنها على وزن «نضرب» وليس في الأسماء شيء على مثال «فعلل» ولو كان فيها «فعلل» لصرفنا «نرجس» إذا سمينا به (٦).

فأما من كسر فقال «نرجس» فهو أيضا لا يصرفه في المعرفة ؛ لأن الكسر يقع تابعا للكسر ، وقد ثبت أولا أنه «نفعل» فصار بمنزلة «تنفل» المضمون الأول من «تنفل» المفتوح الأول (٧).

__________________

(١) سيبويه ١ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٢) انظر المقتضب ٣ / ٣١٧ ، وما ينصرف / ١٧.

(٣) انظر سيبويه ٢ / ٣ ما ينصرف ص ١٧.

(٤) سيبويه ٢ / ٣.

(٥) سيبويه ٢ / ٣ ، ما ينصرف ص ١٧.

(٦) المقتضب ٣ / ٣١٨ ، ما ينصرف ص ١٨ ، الأصول ٢ / ٨١ ـ ٨٢.

(٧) ما ينصرف ص ١٨.

٣٦٢

هذا بالنسبة للأسماء المبدوءة بالتاء أو النون. فإن كان في أول الاسم زيادة ولكن لم يكن هذا الاسم على وزن الفعل فإنه مصروف وذلك نحو «إصليت وأسلوب وينبوت وتغضوض وكذلك هذا المثال إذا اشتققته من الفعل نحو : يضروب أو إضريب وتضريب ، لأن ذا ليس بفعل وليس باسم على مثال الفعل : ألا ترى أنك تصرف «يربوعا» ، فلم كان يضروب بمنزلة يضرب لم تصرفه (١) أما التسمية بهراق فإنها تمنعها من الصرف ؛ لأن الهاء بمنزلة الألف زائدة ، وكذلك «هرق» بمنزلة أقم (٢).

وجاء في كتاب «ما ينصرف وما لا ينصرف» نقلا عن الكتاب قوله : «زعم سيبويه والخليل أن الاسم إذا كان على أربعة أحرف ، وكانت في أوله التاء وكان ذلك الوزن يشبه وزن الفعل ووزن الاسم لم تحكم بأنها زائدة إلا وكذلك حكم النون ، فمن ذلك قولهم للحمار الصغير «تولب». التاء فيه أصل ، وتقديره «فوعل» قال امرؤ القيس :

فيوما على بقع دقاق صدورها

ويوما على بيدانة أم تولب

فإذا سميت به رجلا انصرف في المعرفة والنكرة» (٣).

ويقول ابن السراج في أصوله : «فأما تولب ، إذا سميت به فمصروف لأنه مثل (جعفر)» (٤).

ومن هذه الكلمات كذلك «تألب» فإذا سميت بها رجلا لم تصرفه في

__________________

(١) انظر سيبويه ٢ / ٤.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٤.

(٣) المقتضب ٣ / ٣٤٧.

(٤) ما ينصرف ١٦.

٣٦٣

المعرفة وصرفته في النكرة ، وهي على وزن «تفعل» فالتاء فيها زائدة بدليل قولهم للحمار : ألب يألب ، وهو طرده (١).

ومنها أيضا : «تدرأ والتّدرأ» الرجل الشديد الدفع في الخصوبة وغيرها ، فإذا سمينا رجلا بهذا الاسم منع من الصرف في المعرفة ، وانصرف في النكرة.

والدليل على أن التاء زائدة قولهم «درأت» أي دفعت. وتقدير «التّدرأ» كما يقول سيبويه «التّدرّؤ» فإنما هو من «درأت» (٢).

ومن الكلمات المبدوءة بالتاء «تنفل» فإذا سميت بها رجلا منعتها في المعرفة وصرفتها في النكرة ، وحكمت بأن التاء زائدة لأنه ليس في الكلام اسم على مثال «فعلل».

وكذلك «التّتفل» ويدلك على ذلك قول بعض العرب التّتفل.

وهناك عدة مسائل متعلقة بهذا الفصل وهي :

١) أن العلم الموازن لأحد أوزان الفعل يصرف إذا زالت علميته كقولنا : مررت بأحمد وأحمد آخر.

وهذه النقطة ليست جديدة في الموضوع بل تذكر في كل الأسباب التي تمنع من الصرف فلو زالت العلمية من أحدها صرف الاسم.

٢) هناك سكون عارض يرد بعض الأفعال التي سمي بها مثل : ضرب. بأن نقول فيه ضرب.

__________________

(١) انظر سيبويه ٢ / ٣ ، ما ينصرف ص ١٦ ، الأصول ٢ / ٨١.

(٢) سيبويه ٢ / ٣ ، ما ينصرف ص ١٦.

٣٦٤

فما الموقف بالنسبة لصرفه أو منعه من الصرف؟ لأن السكون يؤدى بالتأكيد إلى تغيير في الوزن فتختل إحدى العلتين تبعا لذلك.

والحقيقة أن هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء ، والخلاف ناشئ من لزوم السكون أو عدم لزومه. «فمذهب سيبويه أنه رأى السكون كالسكون اللازم فينصرف ، وهو اختيار المصنف ، وذهب المازني والمبرّد ومن وافقهما إلى أنه ممتنع الصرف ، فلو خفف قبل التسمية انصرف قولا واحدا» (١).

فمن ذهب إلى الصرف ؛ لأن الوزن قد زال بالسكون ولا يهم بعد ذلك إن كان لازما أو عارضا والأصل في الأسماء هو الصرف. فالرجوع إليه أفضل.

وجاء في شرح المفصل تعليقا على رأي المازني والمبرّد قوله : «ولأبي العباس فيه تفصيل ما أحسنه ، وهو إن كان من التخفيف قبل النقل والتسمية انصرف للزوم الإسكان له ، ومصيره إلى زنة الاسم نحو قفل وبرد ، وإن كان الإسكان بعد النقل والتسمية لم ينصرف إذ الإسكان عارض بدليل جواز استعمال الأصل ، فالحركة وإن كانت محذوفة من اللفظ فهي في حكم المنطوق بها» (٢).

٣) والمسألة الثالثة هي مسألة التصغير وتأثيره على الاسم الموازن للفعل هل يبقى على منعه؟ أم يصرف؟

والحقيقة أن المسألة مرتبطة بنقطة أساسية وهي ، هل يبقى الاسم مع

__________________

(١) الصبان ٣ / ٢٦٢.

(٢) شرح المفصل ١ / ٦٠.

٣٦٥

تصغيره على وزن الفعل؟ أم أن الوزن يختلف حيث يصير الاسم على وزن لا يخص الفعل ولا يغلب فيه؟.

فمحور الحكم إذن مرتبط بالصورة التي سيصير عليها الاسم بعد التصغير فأحيانا يبعد التصغير الاسم عن وزن الفعل فيصرف تبعا لذلك مثل كلمة «أحمد» إذا صغرناها تصغير ترخيم فقلنا «حميد» فإن هذا التصغير جعل الاسم على صورة لا يصح منعها من الصرف.

وكذلك كلمة «خضّم» إذا صغرناها على «خضيضم» صرفناها لأنها تصير على وزن لا يخص الفعل. قال سيبويه بها الخصوص «ولا يصرفون خضّم وهو اسم العنبر بن عمرو بن تميم ، فإن حقرت هذه الأسماء صرفناها ، لأنها تشبه الأسماء» (١).

وذكر سيبويه أيضا «وإن سميت رجلا ببقّم أو شلّم وهو بيت المقدس لم تصرفه ألبتة ، لأنه ليس في العربية اسم على هذا البناء ، ولأنه أشبه فعلا ... فإن حقرته صرفته» (٢).

وأحيانا يكون للتصغير تأثير عكسي بأن يجعل الاسم المنصرف ممنوعا من الصرف لأنه يصير على وزن الفعل فيجتمع فيه علتان العلمية ووزن الفعل فمثلا إذا سميت رجلا بـ «تضارب» فإنه مصروف ؛ لأنه على وزن مشترك بين الاسم والفعل دون ترجيح لأحدهما على الآخر. فإذا صغرناه وقلنا «تضيرب» لم نصرفه لأنه صار على وزن يخص الفعل فخرج بذلك من دائرة

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٨.

(٢) سيبويه ٢ / ٨.

٣٦٦

الأسماء المصروفة إلى دائرة الأسماء الممنوعة من الصرف. قال سيبويه : «وإذا سميت رجلا بتفاعل نحو «تضارب» ثم حقرته فقلت : «تضيرب» لم تصرفه ، لأنه يصير بمنزلة قولك في «تغلب» ويخرج إلى ما لا ينصرف كما تخرج «هند» في التحقير إذا قلت «هنيدة» على ما لا ينصرف ألبتة في جميع اللغات. وكذلك «أجادل» اسم رجل إذا حقرته ، لأنه يصير «أجيدل» مثل أميلح (١).

ويقول ابن السراج : «فإن صغرته (أي تضارب) وهو معرفة قلت :«تضيرب» فلم تصرفه ، لأنه قد ساوى تصغير «تضرب» وأنت لو سميت رجلا «بتضرب» ثم صغرته وأنت تريد المعرفة لم تصرفه» (٢) فقد علل بأنه سبب منع صرف «تضارب» عند التصغير هو تساويه مع تغير «تضرب» وبما أن «تضرب» عند التصغير مسمى به يمنع فكذلك ما يساويه.

وهكذا يتضح لنا أن التصغير له تأثير في الأسماء بالنسبة لصرفها أو لمنعها ، فتارة يؤدي التغير الناشئ عن التصغير إلى صرف الممنوع ، وتارة أخرى يؤدي تغييره إلى منع المصروف كما رأينا.

والضابط في كلتا الحالتين هو الوزن الجديد الذي يؤول إليه الاسم بعد التصغير فإن كان من أوزان الفعل منع ، وإن كان وزنا مشتركا صرف.

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤.

(٢) الأصول ٢ / ٨٣.

٣٦٧

الواقع اللغوي

وقد قلّ مجيء هذا النوع من الأعلام في الشعر بخلاف الوصيفة ووزن الفعل التي وردت كثيرا كما سيأتي إن شاء الله. ومما ذكر «أسود» الذي هو في الأصل صفة إلا أنه استعمل علما وذلك في قول «عنترة» :

عمرو بن أسود فا زبّاء قاربة

ما الكلاب عليها الظّبي معناق (١)

ومنها كلمة «يثرب» التي ذكرها امرؤ القيس بقوله :

تنوّرتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عال (٢)

وجاء عنده أيضا «يشكر» حيث يقول :

له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم

قريب ولا البسباسة آبنة يشكرا (٣)

ومنها «يزيد» وقد ذكره «امرؤ القيس» أيضا بقوله :

خالي ابن كبشة قد علمت مكانه

وأبو يزيد ورهطه أعمامي (٤)

وفيه أيضا «كبشة» الممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.

كما جاء ذكر «يزيد» في «شرح الهذليين» على لسان «أبي الرعاس» حيث يقول :

__________________

(١) ديوان عنترة ١١٠.

(٢) ديوان امرئ القيس ٣١.

(٣) ديوان امرئ القيس ٦٨.

(٤) ديوان امرئ القيس ١١٨.

٣٦٨

وأبو يزيد قائم كالمؤتمة (١)

ومنها «أيدع» وهو علم على شجر تصبغ به الثياب أورده «أبو ذؤيب» بقوله :

فنما لها بمذلّقين كأنما

بهما من النّضج المجدّح أيدع (٢)

ومن هذه الأعلام أيضا «تنوخ» الذي هو علم على حاضري حلب ، ذكر «صخر الغي» بقوله :

مآبه الروم أو تنوخ أو الآ

طام من صوّران أو زبد (٣)

وفيه كذلك «صوّران» حيث منع للعلمية وزيادة الألف والنون كما مرّ سابقا. وورد أيضا «أخنس» وهو علم على الأسد ، ذكره «أبو عامر بن أبي الأخنس الفهمي» إذ يقول :

أقائد هذا الجيش بطرفة

ولكن علينا جلد أخنس قرثع (٤)

* * *

__________________

(١) شرح الهذليين ٢ / ٧٨٧.

(٢) شرح الهذليين ١ / ٢٨.

(٣) شرح الهذليين ١ / ٢٥٤.

(٤) شرح الهذليين ٢ / ٦٠٤.

٣٦٩

خامسا : الأعلام التي على وزن الفعل

عدد الأبيات موزعة على النحو التالي :

١

٤

أبيات

من شرح أشعار الهذليين

٢

٣

أبيات

من ديوان امرئ القيس

٣

١

بيت واحد

من ديوان عنترة

وقد جاءت كلها ممنوعة من الصرف إلا «يزيد» فقد صرف.

* * *

٣٧٠

الفصل السادس

(الأعلام المركبة تركيبا مزجيّا)

آراء النحاة :

ضابط المركب المزجي هو كل اسمين ضم أولهما إلى الثاني وجعلا اسما واحدا لا عن طريق الإضافة ولا الإسناد وذلك نحو حضرموت ومعد يكرب ، وبور سعيد.

ويفهم من ذلك أن شرطه العلمية ، وأن لا يكون تركيبه عن طريق الإضافة ولا عن طريق الإسناد. فبدون هذين الشرطين يصرف الاسم ما لم توجد علة أخرى مانعة.

وقد سماه سيبويه «باب الشيئين اللذين ضمّ أحدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد كعيضموز وعنتريس» (١).

وسماه المبرد باب «الاسمين اللذين يجعلان اسما واحدا نحو :

حضرموت ، وبعلبك ، ومعد يكرب» (٢).

ويقول : «اعلم أن كل اسمين جعلا اسما واحدا على غير جهة الإضافة فإن حكمهما أن يكون آخر الاسم الأول منهما مفتوحا ، وأن

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤٩.

(٢) المقتضب ٤ / ١٠ وانظر الأصول ٢ / ٩٤.

٣٧١

يكون الإعراب في الثاني. فنقول : هذا حضرموت يا فتى ، وبعلبك فاعلم وكذلك رامهرمز» (١).

وضابطه كما قلنا كل اسمين جعلا اسما واحدا لا بالإضافة ولا بالإسناد بتنزيل ثانيهما من الأول منزلة هاء التأنيث كبعلبك ومعد يكرب (٢) وحكمه كما قلنا هو المنع من الصرف للعلمية والتركيب المزجي. حيث جعل الاسمان اسما واحدا وأعطيا حكم الاسم الواحد على الرأي المشهور.

علّة المنع :

ويقول سيبويه في علة منعه من الصرف : «وإنما استثقلوا صرف هذا ؛ لأنه ليس أصل بناء الأسماء ، يدلك على هذا قلّته في كلامهم في الشيء الذي يلزم كل من كان من أمته ما لزمه ، فلما لم يكن هذا البناء أصلا ولا متمكنا كرهوا أن يجعلوه بمنزلة المتمكن الجاري على الأصل فتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجمي» (٣). فسبب المنع عنده هو جعل الاسمين اسما واحدا بالمزج وهذا يعدّ خروجا عن الأصل ، والاسم الحاصل من مزج الاسمين يعدّ فرعا بالنسبة للأصل وهو الاسمان قبل مزجهما. وقلنا في بداية الكلام عن أسباب منع الاسم ، إن الاسم لا يمنع إلا إذا كان على حال يعد فرعا بالنسبة لغيره فمثلا التأنيث فرع التذكير ، والعجمة فرع العربي ، والتركيب فرع الاسم غير المركب والاسم المزيد بالألف والنون فرع للخالي منهما وهكذا.

__________________

(١) المصدر السابق ٤ / ٢٠.

(٢) الهمع ١ / ٣٢ ، وانظر الصبان ٣ / ٢٤٩.

(٣) سيبويه ٢ / ٥٠.

٣٧٢

ومثل هذا الرأي نجده عند أبي إسحاق الزجاج حيث يقول :

«وإنما منع الصرف لأنه معرفة وأنهما اسمان جعلا اسما واحدا وليس ذلك في الأسماء التي تدلّ على النوع نحو «رجل وفرس» فلما خرج عن بنية أصول الأسماء وجعل معرفة منع الصرف كما منع «حمزة وطلحة» الصرف لأنك ضممت الهاء إلى «طلح وحمز» (١).

بينما نرى جماعة أخرى من العلماء يذهبون إلى أن علة المنع في المركب المزجي أن الاسمين جعلا بمنزلة الاسم الذي فيه هاء التأنيث كما ذهب إليه المبرد في قوله : «ولا يصرف (أي المركب المزجي) ، لأنهما جعلا بمنزلة الاسم الذي فيه هاء التأنيث ؛ لأن الهاء ضمت على اسم كان مذكرا قبل لحاقها ، فترك آخره مفتوحا ، نحو : حمزة وطلحة» (٢).

ويقول ابن السراج في موجزه : «الاسمان اللذان يجعلان اسما واحدا الأول منها مفتوح والثاني بمنزلة ما لا ينصرف في المعرفة ، وينصرف في النكرة شبّه بما فيه الهاء ، وذلك نحو : حضرموت وبعلبك ورامهرمز ومارسرجس» (٣).

ويقول في الأصول : «وهو شبّه بما فيه الهاء ؛ لأن ما قبله مفتوح كما أن قبل الهاء مفتوح ، وهو مضموم إلى ما قبله كما ضمت الهاء إلى ما قبلها» (٤) فسبب المنع عندهم هو أنهم شبهوا ضم الاسم الأول إلى الاسم

__________________

(١) ما ينصرف وما لا ينصرف ص ١٠٢.

(٢) المقتضب ٤ / ٢٠.

(٣) الموجز ٧٣.

(٤) الأصول ٢ / ٩٤ ، وانظر حاشية الصبان ٣ / ٢٤٩ ، والتصريح ٢ / ٢١٦.

٣٧٣

الثاني ، بضم تاء التأنيث إلى الاسم المجرد منها فكما أن التاء بجانب العلمية تمنع الاسم من الصرف كما في «فاطمة وطلحة وحمزة» فكذلك الاسم المركب تركيبا مزجيّا.

وتبعهم السيوطي وبيّن أوجه الشبه بين التاء وعجز المركب فقال : «ويمنع مع العلمية لشبهه بهاء التأنيث في أن عجزه يحذف في الترخيم كما تحذف ، وأن صدره يصغّر كما يصغّر ما هي فيه ويفتح آخره كما يفتح ما قبلها» (١).

فوجه الشبه بينهما من ثلاثة أوجه :

١ ـ الوجه الأول : أنه عند الترخيم تحذف تاء التأنيث فنقول : يا فاطم على لغة من ينتظر ، ويا فاطم على لغة من لا ينتظر كما يحذف عجز المركب فنقول : يا معدي.

٢ ـ الوجه الثاني : أن التصغير في المؤنث بالتاء يشمل ما قبل التاء فنقول في «حمزة وطلحة حميزة وطليحة». كما أن التصغير في المركب يشمل الصدر فنقول في «حضرموت» «حضيرموت».

٣ ـ أما الوجه الثالث : فهو أن الحرف الذي قبل تاء التأنيث مفتوح ، كما أن آخر الصدر مفتوح على الرأس المشهور فنقول رامهرمز وحضرموت وبعلبك.

ولأبي القاسم عبد الرحمن السهيلي رأي في هذا الموضوع فبيّن أنّ المركّب امتنع للعلمية والتركيب ، وأنه امتنع عن التنوين للاستغناء عنه

__________________

(١) الهمع ١ / ٣٢.

٣٧٤

«لأنه قلّما يضاف اسم مركّب فيقال : بعلبك زيد. فلما قلّ ذلك استغنى عن التنوين ، وما لا ينون لا يخفض أبدا مع أنه غير منقول من شيء كان منونا قبل التّسمية فهو كالأعجمي والمرتجل» (١).

فقد بيّن أنه أعطى المركّب حكم الممنوع من الصرف لاستغنائه عن التنوين لأنه قليل الإضافة ، ومتى امتنع عن الإضافة امتنع عن التنوين ، فقد ربط بين الإضافة والتنوين وأنّ ما لا يضاف ولا ينون ، والتنوين والإضافة هما محورا باب الممنوع من الصرف.

القول في الأسماء المركّبة :

الرأي المشهور هو أن يجعل الاسمان اسما واحدا ويترك الاسم الأول على حاله من الحركة أو السكون ولا ينظر إليه على أنه اسم على حدة بل ينظر إليه على أنه جزء من كلمة غير مستقل عن الجزء الآخر ، ويجري الإعراب على الجزء الثاني فيعرب إعراب الممنوع من الصرف فيرفع بالضمة وينصب بالفتحة نيابة عن الكسرة.

ولكن هناك رأي بإضافة الجزء الأول إلى الثاني ، فيكون الأول معربا مضافا غير ممنوع لإضافته ، ويكون الجزء الثاني مضافا إليه ثم ينظر إليه فإن كان مما يستحق الصرف صرف نحو «بك» في قولنا «بعل بك» وإن كان مما يستحق المنع منع مثل «رام هرمز» لأنه اسم أعجمي فهو ممنوع للعلمية والعجمة.

قال سيبويه : «وذلك نحو حضرموت وبعلبك ، ومن العرب من

__________________

(١) أمالي السهيلي.

٣٧٥

يضيف «بعل إلى بك» كما اختلفوا في «رام هرمز» فجعله بعضهم اسما واحدا وأضاف بعضهم «رام» إلى «هرمز» وكذلك «مارسرجس» وقال بعضهم : «مارسرجس لا قتالا».

وبعضهم يقول في بيت جرير :

لقيتم بالجزيرة خيل قيس

فقلتم مارسرجس لا قتالا (١)

فالشاهد أن الشاعر نظر إلى كلمة «مارسرجس» على أنها كلمة واحدة وجعل الإعراب على آخر الجزء الثاني ممنوعا من الصرف للعلمية والتركيب ، أما في الرأي الآخر فقد أضاف «مار» إلى «سرجس» ومنع سرجس للعجمة والعلمية.

وأما «معد يكرب» ففيه لغات منهم من يقول «معد يكرب» فيضيف ويصرف ومنهم من يقول «معد يكرب» فيضيف ولا يصرف بجعل «كرب» اسما مؤنثا. ومنهم من يقول «معد يكرب» فيجعله اسما واحدا (٢) وجاء في شرح المفصل : «وأما معد يكرب ففيه الوجهان التركيب والإضافة فإن ركّبتهما جعلتهما اسما واحدا وأعربتهما إعراب ما لا ينصرف فتقول «هذا معد يكرب ورأيت معد يكرب ومررت بمعد يكرب» كما نقول : هذا طلحة ورأيت طلحة ومررت بطلحة».

وإذا أضفت كان لك في الثاني منع الصرف وصرفه ، فإذا صرفته اعتقدت فيه التذكير ، وإذا منعته الصرف اعتقدت فيه التأنيث (٣).

إذن ففي «معد يكرب» ثلاث لغات :

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤٩ ـ ٥٠ وانظر المقتضب ٤ / ٢٣ وانظر ما ينصرف وما لا ينصرف ص ١٠٢.

(٢) سيبويه ٢ / ٥٠ ، ما ينصرف ص ١٠٣ ، الموجز ٧٣ ـ ٧٤ ، الأصول ٢ / ١٤ ـ ١٥. المفصل ٢ / ٦٥.

(٣) المفصل ٢ / ٦٥ ، وانظر حاشية الصبان ٣ / ٢٥٠.

٣٧٦

١) الأولى جعلهما اسما واحدا ممنوعا من الصرف للعلمية والتركيب.

٢) أن يضاف «معدي» إلى «كرب» على أنه مذكّر.

٣) أن يضاف «معدي» إلى «كرب» ويمنع «كرب» من الصرف إذا اعتقدنا فيه التأنيث فيكون ممنوعا للعلمية والتأنيث.

ويرى المبرد أن النظر إليهما على أنهما اسم واحد أجود من الإضافة ؛ لأن الإضافة إنما حقها التمليك ، نحو قولك : «هذا غلام زيد ، ومولى زيد» فيكون موصولا بزيد ببعض ما ذكرنا ، أو تضيف بعضا إلى كل نحو قولك : هذا ثوب خزّ وخاتم حديد ، ونحو ذلك. وأنت إذا قلت : «حضرموت» فليس «حضر» شيئا تضيفه إلى «موت» على شيء من هذه الجهات. وإنما صلحت فيه الإضافة على بعد ؛ لأنه على وزن المضاف ؛ لأنك ضممت اسما إلى اسم كما تفعل ذلك في الإضافة» (١).

فحق هذه الأسماء أن نعتبرها اسما واحدا ونجري عليها الأحكام لأنها وجدت هكذا فإن العربي لم يجمع كلمتين ومزجهما ليخرج منهما كلمة واحدة. وإنما التركيب المزجي أمر تصوره علماء النحو لاطراد القاعدة ومهما يكن فالتركيب أجود وأقرب إلى الواقع من الإضافة ؛ لأن الإضافة كما قال المبرد قائمة على معنى التمليك ، أو إضافة الجزء إلى الكل ، وليس شيء من هذه الأسماء فيه هذا المعنى والخلاصة أن الرأي المشهور في مثل هذه الأسماء هو أنها اسم واحد ولا يلتفت إلى

__________________

(١) المقتضب ٤ / ٢٤.

٣٧٧

الجزء الأول على أنه جزء من الثاني الذي يكمله فهو على حاله من السكون أو الحركة وتجري الأحكام الإعرابية من رفع ونصب وجرّ على الجزء الثاني الذي ينزّل منزلة تاء التأنيث في نحو «طلحة وحمزة» وقلنا إنه يجوز أن يضاف الجزء الأول إلى الثاني. وعلى هذا فالأول معرب غير ممنوع لأنه مضاف أما الجزء الثاني فينظر إليه إن كان فيه علة مانعة منع الاسم من الصرف كما في «كرب» الذي قلنا فيه إنه يمنع للعلمية والتأنيث فنقول «معدي كرب» وكالعجمة في «هرمز» من قولنا «هذه رام هرمز» فالعجمة تمنعهما من الصرف.

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ينظر إلى الحرف الأخير من الاسم الأول فإن كان صحيحا فإنه تظهر عليه الحركات الإعرابية من رفع ونصب وجر بالفتحة حسب موقعه من الإعراب كما في «حضرموت» ، «ورام هرمز» فالراء والميم حرفان صحيحان من الممكن أن تظهر عليهما الحركات الإعرابية.

أما إن كان الحرف الأخير من الجزء الأول معتلا مثل «معدي» في «معد يكرب» ، و «نيويورك» و «حادي شمر» فإن الحركات تقدر عليها.

هنا نقطة جديرة بالوقوف ، وهي أن المنقوص يقدر على يائه الضمة والكسرة أما الفتحة فتظهر لخفتها فلم لم يعامل أمثال «معدي» هذه المعاملة في حالة النصب كأن نقول مثلا «رأيت معدي كرب» شأنها في ذلك شأن القاضي والداعي والرامي في قولنا : «رأيت القاضي والداعي والرامي» فنرى ظهور الفتحة؟!

وأشار سيبويه إلى هذه النقطة بقوله : وسألت الخليل عن الياآت لم لم

٣٧٨

تنصب في موضع النصب إذا كان الأول مضافا وذلك قولك : «رأيت معد يكرب» واحتملوا أيادي سبا. فقد : شبهوا هذه الياآت بألف مثنّى حيث عرّوها من الرفع والجر ، فكما عرّوا الألف منهما عرّوها من النصب أيضا فقالت الشعراء حيث اضطروا (وهو رؤبة) :

سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق

وقال بعض السعدييّن :

يا دار هند عفت إلّا أثافيها

ونحو ذلك. وإنما اختصّت هذه الياآت في هذا الموضوع بذلك لأنهم يجعلون الشيئين ههنا اسما واحدا فتكون الياء غير حرف الإعراب فيسكّنونها ويشبهونها بياء زائدة ساكنة نحو يا دردبيس ومفاتيح (١).

والشاهد في البيتين هو إسكان الياء في «مساحيهن» و «أثافيهن» عند الضرورة مع أن الأصل ظهور الفتحة لخفتها وإنما جاز ذلك عند الضرورة حملا لها على أختها ألف المثنى وحيث إن الفتحة لا تظهر على الألف لسكونها فكذلك الياء.

ولهذا نرى في شرح المفصل أنه قال : «واعلم أن في «معد يكرب» شذوذين أحدهما : من جهة البنية لأنهم قالوا «معدي» بالكسر على زنة مفعل والقياس مفعل بالفتح نحو المرمى والمغزى وما اعتلت فاؤه يجيء المكان منه على مفعل بالكسر نحو المورد والموضع فهذا وجه من الشذوذ.

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٥٥.

٣٧٩

والوجه الثاني (والذي نحن بصدده) سكون الياء من «معد يكرب» وهو في موضع حركة. ألا ترى أنك ركّبت فقلت : «هذا معد يكرب» كانت الياء بإزاء الراء من «حضرموت» واللام من «بعلبك» وكلاهما مفتوح.

وإذا أضفت كان ينبغي أن تسكن في موضع الرفع والجر ، وتفتح في موضع النصب كما في سائر المنقوصة من نحو : هذا قاضي زيد ومررت بقاضي زيد ، ورأيت قاضي زيد ، ولم يجز الأمر في معد يكرب كذلك بل سكنت في حال النصب كما سكنت في حال الرفع والجر ؛ وذلك لأنهم شبهوها في حال التركيب وحصولها حشوا بما هو من نفس الكلمة نحو الياء في «دردبيس» والياء في «عيضموز» (١).

الأعلام المختومة بويه :

نحو «سيبويه ، عمرويه ، خالويه» فالغالب أنها أسماء مبنية على الكسر رفعا ونصبا وجرّا وتلزم حالة واحدة.

ولكن ذهب جماعة من العلماء إلى أنها ممنوعة من الصرف ولذا أدخلتها في هذا الباب ، وإلا فحقها البناء.

يقول سيبويه : «وأما عمرويه فإنه زعم أنه أعجميّ وأنه ضرب من الأسماء الأعجمية وألزموه آخره شيئا لم يلزم الأعجمية ، فكما تركوا صرف الأعجمية جعلوا ذا بمنزلة الصوت .. وعمرويه عندهم بمنزلة

__________________

(١) المفصل ١ / ٦٦.

٣٨٠