الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

على ريح عبد ما أتى مثل ما أتى

مصلّ ولا من أهل ميسان أقلف (١)

وكقول «الرماح بن حكيم» :

قلّ في شطّ نهروان اغتماضي

ودعاني هوى العيون المراض (٢)

وجاء في «شرح أشعار الهذليين» مجموعة أخرى من الأعلام المزيدة بالألف والنون وذلك مثل «صوران»

الذي ورد ذكره في بيت «الصخر الغي» يقول فيه :

مآبه الروم أو تنوخ أو الآطام من صوّران أو زيد (٣)

وصوران : جبل في طرف البرية مما يلي الريف ببلاد الروم.

ومنها «ريعان» حيث أورده «ربيعة بن الكودن» في بيت يقول فيه :

ومنها أصحابي بريعان موهنا

تلألؤ برق في سنا متألّق (٤)

وكذلك «حيان» الذي جاء في شعر «عبد مناف بن ريع» حيث يقول :

كانت على حيّان أول صولة

مني فأخضب صفحتيه بالدّم (٥)

ومنها «أهبان» وقد ذكره «أبو بثينة» إذ يقول :

ألا يا ليت أهبان بن لعط

تلفّت نحوهم حين استثيروا (٦)

ويقول «أبو صخر الهذلي» الذي أورد «عروان» :

__________________

(١) الجمهرة ٢ / ٨٨٧.

(٢) الجمهرة ٢ / ٩٩٩.

(٣) شرح الهذليين ١ / ٢٥٤.

(٤) شرح الهذليين ٢ / ٦٥٥.

(٥) شرح الهذليين ٢ / ٦٨٨.

(٦) شرح الهذليين ٢ / ٧٢٨.

٣٤١

فألحقن محبوكا كأن نشاطه

مناكب من عروان بيض الأهاضب (١)

وفيه شاهد آخر وهو «مناكب» إذ منع من الصرف لصيغة منتهى الجموع. ومن الكلمات التي ذكرت كلمة «عسفان» وذلك في قول الشاعر «مليح بن الحكم».

ونحن صبحنا جمع كعب ولفّهم

بعسفان منّا سلّة لم تبرّق (٢)

ومنها «ريحان» الذي يقول «مليح بن الحكم» :

وريّا يلنجوح تطلّل موهنا

ونشوة ريحان غذته الجداول (٣)

وقد صرف «ريحان».

وقد جاء في المفضليات مجموعة أخرى من الكلمات المزيدة بالألف والنون وذلك من مثل «مكران بفتح الميم موضع ، أما الضم فبلدة بفارس» وقد ذكر هذا العلم «الجميح» إذ يقول :

كأنّ واعينا يحدو بها حمرا

بيت الأبارق من مكران فاللوب (٤)

ومنها «رغوان» الذي أورده «الفرزدق» بقوله :

بسيف أبي رغوان سيف مجاشع

ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم (٥)

ومنها «جلّان» الذي ذكره «ربيعة بن مقروم» بقوله :

فصبّح من بني جلّان صلّا

عطيفته وأسهمه المتاع (٦)

__________________

(١) شرح الهذليين ٢ / ٩١٩.

(٢) شرح الهذليين ٣ / ١٠٠٤.

(٣) شرح الهذليين ٣ / ١٥٩.

(٤) المفضليات ٣٥.

(٥) الجمهرة ١ / ١١٥.

(٦) المفضليات ١٨٩.

٣٤٢

وبنو جلان : من عنزة وهم يوصفون بالرمي.

كما جاء ذكر «جيلان» عند «المرقش الأصغر» إذ يقول :

سباها رجال من يهود تباعدوا

لجيلان يدنيها من السوق مربح (١)

وجيلان بالكسر بلد من بلاد العجم.

ومن الأعلام أيضا «رمان» بفتح الراء : بلد بين غني وطيء.

وقد ذكرها «عمير بن جعل» بقوله :

ليالي إذ أنتم لرهطي أعبد

برمّان لّما أجدب الحرمان (٢)

ومنها «حطان» وقد أورده «الأخنس بن شهاب التغلبي» حيث يقول :

لابنة حطان بن عوف منازل

كما رقش العنوان في الرق كاتب (٣)

ثم أخيرا كلمة «عدوان» وقد ذكرها «حرثان بن السموأل» إذ يقول :

عذير الحيّ من عدوا

ن كانوا حيّة الأرض (٤)

ومنها «حمران» الذي يوقل «الأسعر الجعفي».

أبلغ أبا حمران أن عشيرتي

ناجوا وللقوم المناجين التّوى (٥)

ومنها «عدان» الذي أوردها «دوسر بن ذهيل القريعي» بقوله :

وحنّت قلوصي من عدان إلى نجد

ولم ينسها أوطانها قدم العهد (٦)

عدان : موضع.

__________________

(١) المفضليات ٢٤٢.

(٢) المفضليات ٢٥٩.

(٣) المفضليات ٣٠٤.

(٤) الأصمعيات ٧٢.

(٥) الأصمعيات ١٤.

(٦) الأصمعيات ١٥٠.

٣٤٣

الأعلام المزيدة بالألف والنون

عدد الأبيات ٥٨١ بيتا موزعة على النحو التالي :

١

٤٤

بيتا من شرح أشعار الهذليين

٢

٣٦

بيتا من المفضليات

٣

٣٠

بيتا من جمهرة أشعار العرب

٤

٢٤

بيتا من الأصمعيات

٥

١١

بيتا من ديوان امرئ القيس

٦

١٠

أبيات من النابغة الذبياني

٧

٦

أبيات من ديوان طرفة بن العبد

٨

٤

أبيات من ديوان زهير بن أبي سلمى

جدول بالأسماء التي وردت مصروفة

الرقم

الكلمة المصروفة

عدد مرات الصرف

اسم الشاعر

١

لقمان

١

أفنون التغلبي

٢

شيبان

١

عنترة

* * *

٣٤٤

الفصل الخامس

الأعلام التي على وزن الفعل

آراء النحاة :

إن الاسم الذي على وزن الفعل يمنع من الصرف بشروط وهي :

١) أن يكون خاصّا بالفعل بأن لا يوجد في الاسم إلا في علم منقول من الفعل أو في أعجمي معرّب.

٢) أو يكون الوزن غالبا في الفعل ، أو مشتركا بينهما ، وسنتكلم عن كل قسم بالتفصيل فيما بعد.

٣) أن يكون لازما ليخرج نحو «امرئ وابنم» علمين ، فإنهما على لغة الاتباع رفعا ونصبا وجرّا.

٤) أن لا يخرجه إلى شبه الاسم سكون تخفيف ليخرج نحو : «رد وقيل» إذا سمي بهما ، فإنهما يصرفان ، لأن الإسكان أخرجهما إلى شبه الاسم.

٥) أن يكون مع الوزن علمية «كخضّم» اسم لعنبر بن عمرو بن تميم و «بدر» اسم بئر ، و «عثر» اسم واد بالعقيق ، وأحمد وزيد ويشكر وأجمع وأخواته في التوكيد ، أو وصفية (وسنتكلم عنها بالتفصيل).

صور أوزان الفعل التي ترد عليها الأسماء :

يمنع الاسم للعلمية ووزن الفعل إذا كان على صورة من صور ثلاث وهي :

١) أن يكون الاسم العلم على وزن خاص بالفعل ، سواء كان هذا

٣٤٥

الوزن للفعل الماضي ، كالماضي الذي على وزن (فعّل) بالتشديد نحو : كلّم ـ فهّم ، وكالماضي المجهول نحو : ضورب ، عوفي ، كرّم. وأيضا الماضي المبدوء بهمزة وصل ، أو بتاء زائدة للمطاوعة أو غير المطاوعة نحو : انطلق ـ استخرج ـ تسابق ـ تقاتل ـ تبين فهذه الأفعال إذا صارت أعلاما منقولة دون فاعلها فإنها تمنع من الصرف وجوبا للعلمية ووزن الفعل. ويجب في همزة الوصل أن نقطعها وننطق بها. أو أن يكون الاسم على وزن خاص بالمضارع ، أو بالأمر إذا كان من غير الثلاثي نحو : يدحرج ، ينطلق ، يستخرج ، ونحو ـ دحرج ، انطلق ، استخرج إلا أن الأمر من الفعل الدال على المفاعلة ، فإنه ليس خاصّا بالفعل ولا غالبا فيه نحو ، قاوم ـ قاتل ـ عارض .. فنظائره من الأسماء كثرة على هذا الوزن نحو : راكب ـ فاضل ـ صاحب ..

ولا يخرج الصيغة عن اختصاصها بالفعل أن يكون العرب قد استعملوها قليلا في غيره كاستعمالهم صيغة الماضي الذي على وزن : «فعل» علما ، نحو : «خضّم» علم رجل تميمي ، و «شمّر» علم فرس.

أو استعملوها نادرا بصيغة المبني للمجهول نحو : «دئل» علم قبيلة أو بصيغة المضارع نحو : «ينجلب» لخرزة ، و «تبشر» لطائر .. و «تعز» لمدينة في اليمن.

وكذلك لا يخرجها عن اختصاصها أن يكون لها نظير في لغة الأعاجم مثل «رند» علم فتاة و «طسج» علم ثبات و «بقّم» علم صبغ ، و «يجقّب» علم رجل رسام (١).

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ١٨٨.

٣٤٦

ويقول سيبويه : «وإذا سميت رجلا بأضرب أو أقتل أو إذهب لم تصرفها وقطعت الألفات حتى يصير بمنزلة الأسماء لأنه قد غيرّتها عن تلك الحال ألا ترى أنك ترفعها وتنصبها إلا أنك استثقلت فيها التنوين كما استثقلته في الأسماء التي تشبّهها بها نحو ، إثمد وإصبع وأبلم» (١).

وأشار سيبويه إلى أنه إذا سمي بفعل ثلاثي مضعف مثل ضرّب ، وضرّب فإنه لا يصرف قال : «فإن سميت رجلا ضرّب أو ضرّب لم تصرف ، فأما فعّل فهو مصروف ، ودحرج ودحرج لا تصرفه ؛ لأنه لا يشبه الأسماء» (٢).

ومن الأمور التي أشار إليها سيبويه التسمية بامرئ حيث يقول : «وليس شيء من هذه الحروف بمنزلة امرئ ؛ لأن ألف امرئ كأنك أدخلتها حين أسكنت الميم على «مرء ومرا ومرء» فلما أدخلت الألف على هذا الاسم حين أسكنت الميم تركت الألف وصلا كما تركت ألف ابن وكما تركت ألف «اضرب» في الأمر» (٣) ولكنه أشار إلى التسمية دحرج ودحرج وأنهما لا ينصرفان لأنهما لا يشبهان الأسماء (٤).

وقد أشرنا إلى هذه النقطة ضمن شروط منع العلم الذي على وزن الفعل في مسألة لزوم الوزن. وبيّنا أن هذا الاسم و «ابنم» غير ممنوعين لأن وزنهما يتغير إذ يتغير الحرف الأخير وما قبله رفعا ونصبا وجرّا لأنهما على لغة الاتباع.

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤.

(٢) سيبويه ٢ / ٧.

(٣) سيبويه ٢ / ٤.

(٤) سيبويه ٢ / ٧.

٣٤٧

وجاء في المقتضب بهذا الخصوص قوله : «فإذا سميت بفعل لم تسم فاعله لم تصرفه ، لأنه على مثال ليست عليه الأسماء وذلك نحو : ضرب ، ودحرج ، وبوطر ، إلا أن يكون معتلا أو مدغما ، فإن كان كذلك خرج إلى باب الأسماء ، وذلك نحو : قيل ، وبيع ، وردّ ، وما كان مثلها ، لأن (ردّ) بمنزلة «كرّ» ، وبرد ، ونحوهما ، وقيل بمنزلة ، فيل ، وديك. وكذلك إن سميت بمثل «قطّع» و «كسّر» لم ينصرف في المعرفة ، لأن الأسماء لا تكون على «فعّل» (١).

وأشار إلى أن ورود اسمين أو ثلاثة على صيغة «فعّل» لا يناقض هذه القاعدة بل أرجع مثل هذه الأسماء إلى أصولها وقال : «فإن قلت قد جاء مثل (بقّم) فإنه أعجمي. وليست الأسماء الأعجمية بأصول إنما داخلة على العربية.

فأما قولهم : (خضّم) للعنبر بن عمرو بن تميم ـ فإنما هو لقب لكثرة أكلهم وخضم بعد إنما هو فعل (٢).

ويقول أبو إسحاق الزجاج : «فإذا سميت رجلا ضرب» لم تصرفه في المعرفة لأنه اجتمع فيه : شبه الفعل ، وأنه معرفة ، وهذا المثال للأفعال خاصة فهو أجدر ألا ينصرف» (٣).

ثم أشار في موضع آخر إلى التسمية بفعل الأمر المبدوء بهمزة الوصل والماضي الزائد على ثلاثة أحرف المبدوء بهمزة الوصل فقال : وإذا سميت

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣١٤.

(٢) نفس المصدر ٣ / ٣١٥.

(٣) ما ينصرف / ٥.

٣٤٨

«رجلا» «أضرب» أو «استضرب» أو «احرنجم» ومعنى «احرنجم» اجتمع ، فإنك تقطع الألف فتقول : «هذا «إضرب قد جاء» وتمنع من الصرف ، لأنه على وزن الفعل وهو معرفة» (١).

وتطرق إلى مسألة التسمية بامرئ فبيّن بأنه يصرف وإن كان على وزن «افعل» أو «افعل» وإنما انصرف ، لأن الفعل لا يكون ما قبل آخره متغيرا (٢).

وجاء في «الأصول» قوله : فما جاء من الأسماء على «أفعل» أو «يفعل» أو «فعل» ويفعل. وانضم معه سبب من الأسباب التي ذكرنا لم ينصرف (٣).

ويقول في موضع آخر : فإذا سميت باضرب أو اقبل قطعت الألف ولم تصرفه فقلت : هذا إضرب قد جاء ، وإذهب وإقبل قد جاء ؛ لأن ألف الوصل إنما حقها الدخول على الأفعال ، وعلى الأسماء الجارية على تلك الأفعال نحو : استضرب استضرابا ـ وانطلق انطلاقا» (٤).

وورد في شرح الكافية : «أن الأوزان الخاصة بالفعل كثيرة نحو استفعل واستفعل ، واستبرق أعجمي ، ومنا تفاعل وتفوعل ومنها وتفاعل ودحرج ودحرج ، وافتعل وافتعل وافتعل ، وكذلك انفعل وانفعل وانفعل وغير ذلك» (٥).

__________________

(١) نفس المصدر ١٩.

(٢) انظر نفس المصدر ١٨.

(٣) الأصول ١ / ٨١.

(٤) الأصول ٢ / ٦٣.

(٥) شرح الكافية ١ / ٦٣.

٣٤٩

والقواعد التي أوردناها من حيث الوزن الخاص بالفعل سواء كان ماضيا أم مضارعا أم فعل أمر نجد أن هناك شبه اتفاق عليها من العلماء.

وعلمنا مما مضى أن الوزن الخاص بالماضي هو المبدوء بهمزة الوصل أو تاء المطاوعة نحو استخرج وانطلق تقاتل ـ تكلم. وكذلك المبني للمجهول مثل : حوكم ، ضورب. والخاص بالمضارع أو بالأمر إذا كان من غير الثلاثي مثل يدحرج ينطلق ويستغفر ، والأمر منها ادحرج ، انطلق ، استغفر.

وعلمنا أن هناك أسماء قليلة وردت على بعض هذه الأوزان ولكن هذا الأمر لا يغير من القاعدة شيئا لأنها إما «في علم أو أعجمي أو ندور ، فالعلم (كخضّم) بالخاء وتشديد الضاد المعجمتين علما لمكان وقال الجوهري : اسم لعنبر بن عمرو بن تميم. وقد غلب على القبيلة. قال : «لو لا الإله ما سكنا خضما» أي بلا خضم.

و (وشمّر) بالشين المعجمة ، وتشديد الميم علما (لفرس) والأعجمي كبقّم لصبغ وبذر لماء (و) النادر ما كان على صيغة الماضي المبني للمفعول نحو (دئل) اسما (لقبيلة) فلا يمنع وجدان هذه الأمثلة اختصاص أوزانها بالفعل لأن النادر والأعجمي لا حكم لهما ، ولأن العلم منقول من فعل فالاختصاص فيه باق (١).

٢) الوزن المشترك بين الفعل والاسم ولكنه في الفعل أكثر كصيغة

__________________

(١) انظر التصريح على التوضيح ٢ / ٢٢٠ ، وانظر حاشية الصبان على الأشموني ٣ / ٢٥٨.

٣٥٠

«افعل» مثل : اثمد ـ اجلس ، وكصيغة «أفعل». مثل : «أبلم» «اكتب».

وكصيغة «إفعل» نحو : إصبع ـ إسمع فإذا سمي شخص بإحدى هذه الصيغ وجعل علما عليه منع من الصرف لعلم ووزن الفعل ؛ لأن هذه الصيغ أكثر استعمالا في الفعل عنه في الاسم.

جاء في الكتاب لسيبويه : «وإذا سميت رجلا باثمد» لم تصرفه ؛ لأنه يشبه «اضرب» وإذا سميت رجلا «بإصبع» لم تصرفه ، لأنه يشبه اصنع ، وإن سميته «بأبلم» لم تصرفه ، لأنه يشبه «اقتل» (١).

ويقول أبو إسحاق الزجاج : «فإذا كان الاسم على مثال الفعل لم تصرفه وحكمت بأن «الهمزة» زائدة ، نحو «أبلم» وهو خوص المقل واحدته «أبلمة» فهذا يحكم عليه بأنه «أفعل» على وزن «أقتل» فلا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة ، وإن لم يعلم بالاشتقاق أنه فيه زيادة». وذكر في موضع آخر : «فإذا سميت رجلا «اثمد» لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة (٢) فالوزن الغالب هو ما أوله زيادة من حروف «نأيت» وهو منقول من فعل نحو «يشكر». وغير المنقول من فعل نحو «أفكل» و «يرفع» (٣).

وجاء في شرح المفصل قوله : «وأما الضرب الثاني وهو ما يغلب وجوده في الأفعال نحو «أفكل» وهو اسم للرعدة ، و «أبدع» وهو صبغ و «أرمل وأكلب وإصبع ، ويرمع» وهي حجارة دقاق تلمع ، و «يعمل»

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٣.

(٢) ما ينصرف ١٤.

(٣) الارتشاف ١ / ٩٣.

٣٥١

وهو «جمع يعملة» وهي الناقة السريعة ، و «يلمق» وهو من أسماء القباء ، فهذه الأبنية في الأسماء وإن كانت صالحة العدة ، فهي في الأفعال أعم وأغلب لأن في أولها هذه الزوائد. وهي تكثر في أوائل الأفعال المضارعة ، فكان البناء للفعل لذلك ، «فأفكل وأبدع وأرمل» بمنزلة «أذهب وأشرب» من الأفعال «وأكّلب» بمنزلة «أقتل» ، «واخرج واصبع» بمنزلة «اعلم واسمع» في الأمر ، وفي المضارع فيمن بكر حرف المضارعة ما عدا الياء ، «ويربع ويعمل ويلمق» بمنزلة «يذهب ويركب» فإذا سمي بشيء من ذلك لم ينصرف في المعرفة للتعريف ووزن الفعل ؛ لأنه لما غلب في الفعل كان البناء له ، والأسماء دخيلة عليه (١).

ونحو «يزيد ويشكر ونرجس» خواص لعدم هذه الأوزان في أجناس أسماء العربية ، «فيزيد ويشكر» في الأسماء منقولان ، و «نرجس» أعجمي ونحو .. «تنضب ويرمع وأعصر واصبع وتدرأ وأثمد ..» من الغالبة في الفعل (٢).

وفي حاشية الصبان على الأشموني حدد الوزن الغالب بقوله : «والمراد بالغالب ما كان الفعل به أولى إما لكثرته فيه كأثمد ، وإصبع وأبلم ، فإن أوزانها تقل في الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي ، وإما لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم كأفعل وأكلب ، فإن نظائرهما تكثر في الأسماء والأفعال ، لكن الهمزة من أفعل وأفعل تدل على معنى في الفعل نحو «أذهب وأكتب» ولا تدل على معنى في الاسم فكان المفتتح

__________________

(١) شرح المفصل ١ / ٦١.

(٢) الكافية ١ / ٦١.

٣٥٢

بأحدهما من الأفعال أصلا ، للمفتتح بأحدهما من الأسماء ، وقد يجتمع الأمران نحو «يرمغ وتنضب» فإنهما «كأثمد» في كونه على وزن يكثر في الأفعال ، ويقل في الأسماء. و «كأفكل» في كونه مفتتحا بما يدل على معنى في الفعل دون الاسم» (١).

والخلاصة أن الوزن المشترك غير الغالب في الفعل «وقد بيّن في شرح الصبان أن التعبير بالوزن الأولى بالفعل أجود من الغالب» (٢) هذا الوزن حدد معالمه وبيّن ضوابطه بما يلي :

١) إما أن يكثر في الفعل دون الاسم كأثمد وإصبع وأبلم صيغ «افعل وافعل وأفعل» فإن هذه الأوزان موجودة في الأفعال والأسماء ولكنها في الأفعال أكثر.

وقوله (لكثرته) يرد عليه أن وزن «فاعل» بفتح العين كضارب وقاتل أكثر في الأفعال مع أن ما على وزنه من الأسماء كخاتم بالفتح مصروف إلا أن يكون أطلق بناء على أن الغالب أن أكثرية الوزن في الفعل تقتضي المنع ، ومن غير الغالب قد لا تقتضيه (٣).

٢) والميزة الثانية التي تميز الوزن الغالب هي أن يكون في أول الصيغة زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم كالهمزة في نحو «أفكل وأكلب» فإن وجودها في هاتين الصيغتين يدل على معنى في الفعل دون الاسم.

__________________

(١) الصبّان ٣ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، انظر التصريح ٢ / ٢٢٠.

(٢) انظر الهمع ١ / ٣٠.

(٣) حاشية الصبان ٣ / ٢٥٩.

٣٥٣

وقد اجتمع هاتان الميزتان «كثرة ورود الوزن في الفعل ووجود زيادة خاصة به في أول الكلمة» في نحو «يرمغ وتنضب» فإنهما على وزن يكثر في الفعل ويقل في الاسم كما أن في أولهما زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم.

ووزن الفعل الغالب والمختص بالفعل بشروطه يمنع الصرف هذا مذهب سيبويه والخليل والجمهور (١).

٣) ثالثا : الوزن المشترك بين الاسم والفعل دون ترجيح أحدهما على الآخر فإن الرأي الذي عليه الجمهور هو صرف هذا النوع من مثل «ضرب ودحرج» مسمّى بهما الرجل ، فإنهما مصروفان لأنهما على صيغة مشتركة وليس فيهما ما يرجح أحد الطرفين.

قال سيبويه : «زعم يونس أنك إذا سميت رجلا بضارب من قولك ضارب وأنت تأمر فهو مصروف ، وكذلك إن سميته ضارب وكذلك ضرب وهو قول الخليل وأبي عمرو ، وذلك لأنها حيث صارت اسما وصارت في موضع الاسم المجرور والمنصوب والمرفوع ولم تجئ في أوائلها الزوائد التي ليس في الأصل عندهم أن تكون في أوائل الأسماء التي هي في الأصل للأسماء فصارت بمنزلة ضارب الذي هو اسم وبمنزلة حجر وتابل كما أن يزيد وتغلب يصيران بمنزلة تنضب ويعمل إذا صارت اسما.

وأما عيسى فكان لا يصرف ذلك وهو خلاف قول العرب ، سمعناهم

__________________

(١) الارتشاف ١ / ٩٣. وانظر الهمع ١ / ٣٠.

٣٥٤

يصرفون الرجل يسمى «كعسبا» وإنما هو «فعل» من «الكعسبة» وهو العدو الشديد مع تداني الخطا ، والعرب تنشد هذا البيت لسحيم بن وثيل من يربوع :

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

ولا نراه على قول عيسى ، ولكنه على الحكاية» (١).

ويقول المبرد : «اعلم أنك إذا سميت رجلا بشيء من الفعل ليست في أوله زيادة ، وله مثال في الأسماء فهو منصرف في المعرفة والنكرة ، فمن ذلك :

ضرب وما كان مثله ، وكذلك علم وكرم ، وما بهما ، لأن «ضرب» على مثال : جمل ، وحجر ، و «علم» على مثال : فخذ. «وكرم» على مثال : رجل وعضد.

وكذلك ما كثر عدته وكان في هذا الشرط الذي ذكرناه ، فمن ذلك :

دحرج لأن مثاله : جعفر ، وحوقل ، لأن مثاله كوثر ، والملحق بالأصل بمنزله الأصلي (٢).

وجاء في «ما ينصرف وما لا ينصرف» بخصوص الوزن المشترك بين الاسم والفعل دون ترجيح بأن أكثر قول البصريين أنه منصرف في المعرفة والنكرة ، وذلك إذا سميت بها ولا ضمير فيها ، وذلك نحو رجل سميته بـ «ضارب» من قولك «ضارب زيدا» أو «ضارب» من قولك «قد ضارب زيد عمرا» لأن «ضارب» مثل «حاجز» و «ضارب» مثل «تابل» و «خاتم» فليس هذا المثال بأحقّ بالأفعال منه بالأسماء ، وكذلك «ضرب».

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٦ ـ ٧.

(٢) المقتضب ٣ / ٣١٤.

٣٥٥

إلا أن عيسى بن عمر كان لا ينصرف شيئا من هذا اسم رجل ، ويحتج بقول الشاعر :

أنا ابن جلا وطلاع الثناينا

متى أضع العمامة تعرفوني (١)

وقد عرفنا فيما مضى أن سيبويه خطّأ هذا الرأي عن طريق السماع من العرب بصرف «كعسب» مسمى به.

وقال ابن السراج في أصوله : «وإن سميته بضرب صرفته ، لأنه مثل حجر وجمل وليس بناؤه بناء يخص الأفعال ، ولا هي أولى به من الأسماء ، بل الأسماء والأفعال فيه مشتركة ، وهو كثير فيها جميعا» (٢).

وقسّم هذه الأوزان إلى أضربها الثلاثة الخاص والغالب والمشترك ونجد هذا التقسيم كذلك في شرح المفصل : «وضرب يكون فيهما من غير غلبة لأحدهما على الآخر» (٣). ويقول في موضع آخر : «وهو البناء الذي يشترك فيه الأسماء والأفعال وذلك بأن يسمى بمثل ضرب وعلم وظرّف فإنه منصرف كان أو نكرة لأنه يكثر في الأسماء كثرته في الأفعال من غير غلبة فنظير «ضرب» في الأفعال من الأسماء جبل وقلم ونظير علم كتف ..

ونظير ظرف عضد ويقظ وليس ذلك في أحدهما أغلب منه في الآخر فلم يكن الفعل أولى به فلم يكن سببا» (٤).

إذن فالوزن المشترك فيه بين الاسم والفعل الذي لا اختصاص له

__________________

(١) ما ينصرف ٢٠.

(٢) الأصول ٢ / ٨١.

(٣) شرح المفصل ١ / ٦٠.

(٤) نفس المصدر ١ / ٦١.

٣٥٦

بالفعل بوجه لا يؤثر مطلقا خلافا ليونس فإنه اعتبر وزن الفعل مطلقا سواء غلب على الفعل أو لم يغلب فمنع الصرف في نحو جبل وعضد وكتف (١).

فالوزن المشترك غير الغالب لا يمنع الصرف نحو ضرب ودحرج خلافا لعيسى بن عمر فيما نقل من فعل فإنه لا يصرف تمسكا بقوله :

أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا

ولا حجة فيه لأنه محمول على إرادة أنا ابن رجل جلا الأمور وجربها ، فجلا جملة من «فعل وفاعل» فهو محكيّ لا ممنوع من الصرف كقوله :

نبئت أخوالي بني يزيد

والذي يدلّ على ذلك إجماع العرب على صرف كعسب اسم رجل مع أنه منقول من كعسب إذا أسرع (٢).

فقد رد على عيسى بن عمر بردين وجدنا أحدهما عند سيبويه وهو إجماع العرب على صرف «كعسب» اسم رجل مع أنه منقول من كعسب بمعنى أسرع.

والرد الآخر هو اعتبار «جلا» جملة فعلية من فعل وفاعل وقعت نعتا لمنعوت مقدر هو «رجل» ولم يعتبره اسما مسمى به.

وذكر في «حاشية الصبان على الأشموني» رأى للفراء قريب من رأي

__________________

(١) الكافية ١ / ٦٤.

(٢) الصبان ٣ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

٣٥٧

عيسى : قال : في الأمثلة التي تكون للأسماء والأفعال إن غلبت للأفعال فلا تجره في المعرفة نحو «رجل» اسمه «ضرب» فإن هذا اللفظ وإن كان اسما للعسل الأبيض هو أشهر في الفعل ، وإن غلب في الاسم فأجره في المعرفة والنكرة نحو «رجل مسمى بحجر» لأنه يكون فعلا تقول «حجر عليه القاضي» ولكنه أشهر في الاسم» (١).

فإن كان الوزن مشتركا ، ونقل من فعل صرف نحو «ضرب» مسمى به خلافا لعيسى بن عمر والفراء (٢).

وإذا سأل سائل ما الفرق بين مذهب عيسى بن عمر ومذهب الفراء؟

أجاب في الحاشية بقوله : «إنما قال يقرب لمخالفته مذهب عيسى فيما غلب استعماله اسما وإن وافقه فيما غلب استعماله فعلا ، ولأن نظر عيسى إلى الوزن بقطع النظر عن المادة ، ونظر الفراء إلى المادة ذات الوزن» (٣).

وبما أننا قد تكلمنا عن الشرط الأول «وهو كون الوزن خاصّا بالفعل أو غالبا فيه أو مشتركا مع الاسم «بشيء من التفصيل ، فإنه يجدر بنا أن نذكر شيئا عن الشرط الثاني : وهو كون الوزن لازما وإن كنا قد تطرقنا من خلال حديثنا عن الأوزان إلى الكلام عن بعض هذه الكلمات التي يتطرق إليها هذا الشرط من مثل كلمة «امرئ وابنم» و «قيل ورد» ، والتسمية بواحدة من هذه الكلمات.

قلنا إن الشرط هو أن يكون الوزن لازما أصليّا ، ولا تتغير صورة

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٦٠ ـ ٢٦١.

(٢) الارتشاف ١ / ٩٣.

(٣) حاشية الصبان (الهامش) ٣ / ٢٦٠.

٣٥٨

الكلمة المسمى بها تبعا لتغير الحالة الإعرابية ، فمثلا كلمة «امرئ» لا تمنع من الصرف عند التسمية بها لأنها لا تلزم صورة واحدة بل تتغير صورة الحرف قبل الأخير «الراء» تبعا لتغير الحرف الأخير الهمزة رفعا «جاء امرؤ القيس» ونصبا «رأيت امرأ القيس» وجرّا «نظرت إلى امرئ القيس» فقد أخذت الراء حركة الحرف الأخير فتغيرت حركتها تبعا لتغير حركة الحرف الأخير ، وهذا ما جعل العلماء يذهبون إلى صرفه كما رأينا في النصوص التي أوردناها عنهم. ومن الأسماء التي تصرف كذلك بالرغم من أنها على وزن فعل من الأفعال كلمة «قفل» و «ديك» فإنهما تصرفان مع موازنتها للفعل «رد» ، والفعل «قيل» والسبب في ذلك هو أن وزن الفعل الذي نزّل منزلته ليس وزنا أصليّا بل هو وزن متغير عن وزن آخر سابق له ، فمثلا «رد» الأصل فيه فك الإدغام «ردد» ثم يدغم الحرفان لأنهما من جنس واحد فصارت «رد» فرد إذن ليس أصليّا بل تابعا للأصل ، ولذلك صرف «قفل» لأنه نزّل منزلة تابع وليس منزلة أصل وهو ضعيف لا يستدعي المنع.

وكذلك «ديك» يصرف لأنه على وزن «قيل وبيع» وصيغة هذين الفعلين ليست أصلية إذ أصل «قيل» «قول» وأصل «بيع» «بيع» ثم غيرنا الضمة كسرة لتناسب ما بعدها فقبلت الواو ياء في «قول» فصارت «قيل» و «بيع» إذن فصورتها الحالية جاءت بعد سابقتها مع أننا في الميزان الصرفي نرجع إلى الأصل. ولذلك صرف «ديك» لتنزيله منزلة صيغة تابعة وليست صيغة أصلية.

أما كلمة «ألبب» مسمى بها وهي علم مخالف للطريقة العائدة في الفعل والتي تستوجب الإدغام في مثل هذه الصيغ التي فيها حرفان من جنس واحد مثل «أعد وأرد وأصد» المدعمة والأصل فيها الفك «أعدد

٣٥٩

وأردد وأصدد» ففيها خلاف بالنسبة للصرف وعدمه ، فبعض النحاة ذهب إلى الصرف على أساس أن صيغة «ألبب» مخالفة لصيغ مثل هذه الأفعال التي يجب فيها الإدغام.

بينما ذهب سيبويه إلى المنع ؛ لأن فك الإدغام ليس غريبا عن الفعل بل يدخل فيه وجوبا كما في التعجب مثل : «اشدد بهذا الولد». ففك الإدغام هنا واجب.

أو جوازا كما في فعل الأمر : إذ تقول : «اردد ورد» وكذلك في مضارعة المنفي بلم «لم يردد ولم يرد».

ومن هنا فإن سيبويه وأتباعه ذهبوا إلى منع «ألبب» إذ إن فك الإدغام ليس غريبا عن الفعل بل موجودا فيه كما جاء في شرح الكافية : «وأما» «ألبب» علما فممنوع من الصرف لكونه منقولا من جمع «لب» ، والفك شاذ ولم يأت في الكلام فعل حتى يكون ملحقا به (١).

ويقول السيوطي في الهمع : «ويجريان أيضا في «ألبب» عدما فعن الأخفش صرفه لمباينة الفعل بالفك ، والأصح وعليه سيبويه منعه ، ولا مبالاة بفكه لأنه رجوع إلى أصل متروك فهو كتصحيح مثل «استحوذ» وذلك لا يمنع اعتبار الوزن إجماعا ، فكذا الفك ، ولأن وقوع الفك في الأفعال معهود كأشدد في التعجب ولم يردد ، وألبب السقاء فلم يباينه» (٢).

وجاء في «حاشية الصبان على الأشموني» بخصوص التسمية «بألبب»

__________________

(١) الكافية ١ / ٦٢.

(٢) الهمع ١ / ٣١.

٣٦٠