الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

وهما في موضع لا يدخل عليهما التأنيث ، لأن التسمية قد حظرت ذلك ..

وكذلك «عثمان» غير مصروف في المعرفة ، فإن نكرته صرفته ؛ لأنه في نكرته كعطشان الذي له عطشى ، وكذلك إن سميته بعريان وسرحان وضبعان لم تصرفه فإن نكرته صرفته» (١).

وبعد أن عرفنا أن السبب في اعتبار الألف والنون الزائدتين مانعين من الصرف هو تشبيههما بالألف والنون في آخر سكران وغضبان. إلخ ، واللتين يشبهان بدورهما ألف التأنيث الممدودة في عدم دخول التأنيث عليهما. وهذا التشابه يوجد سؤالا وهو : هل وجود الألف والنون الزائدتين يكفى لمنع الاسم من الصرف؟ أم لا بد من علة أخرى؟.

والحقيقة أن المسألة فيها خلاف فقد ذهب بعض النحاة إلى أن هذه العلة تقوم وحدها مقام السببين مثل ألف التأنيث الممدودة والمقصورة بينما ذهب الجمهور إلى أن هذه العلة وحدها لا تكفى بل لا بد من وجود علة أخرى إما العلمية كما في نحو «عمران وعدنان وعفان» ، وإما الوصفية كما في «سكران وشبعان وعطشان». وقد تطرق الرضي لهذه النقطة في شرحه للكافية وقال : «ثم إنهم بعد اتفاقهم على أن تأثير الألف والنون لأجل مشابهة ألف التأنيث اختلفوا ، وقال الأكثرون تحتاج إلى سبب آخر ، ولا تقوم بنفسها مقام سببين كالألف لنقصان المشبه عن المشبه به ، وذلك الآخر إما العلمية كعمران ، وإما الصفة كما في سكران.

وذهب بعضهم إلى أنها كالألف غير محتاجة إلى سبب آخر. فالعلمية

__________________

(١) الأصول ٢ / ٨٧.

٣٠١

عنده في نحو «عمران» ليست سببا بل شرط الألف والنون إذ بها يمتنع عن زيادة التاء ، وهذا الانتفاء هو شرطها سواء كانت مع العلمية أو الوصف والوصف عنده في نحو «سكران» لا سبب ولا شرط.

الأول أولى لضعفها فلا تقوم مقام علتيه (١).

علامة زيادة الألف والنون :

يعرف أصالة هذين الحرفين من زيادتهما عن طريق سقوطهما من بعض التصريفات والاشتقاقات كما في «حمدان وفرحان» حيث يمكن ردهما إلى حمد وفرح. بشرط أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصليين بغير تضعيف الثاني نحو : «عثمان ، مروان ، رشدان» .. فإن كان قبلهما حرفان أصليان ثانيهما مضعف جاز أمران ، إما اعتبار الحرف الذي حصل به التضعيف أصيلا فيؤدى هذا إلى الحكم بزيادة الألف والنون ولوقوعها بعد ثلاثة أحرف أصلية ، وإما عدم اعتباره أصيلا فيؤدي إلى الحكم بأصالة النون. ومن الأمثلة «حسان ، عفان ، حيان» (٢) وسنتكلم عن هذا الموضوع بشيء من التفصيل فيما بعد إن شاء الله.

ويقول سيبويه بهذا الخصوص : «وإنما تعتبر أزائدة هي أم غير زائدة بالفعل أو الجمع ، أو مصدر أو مؤنث نحو الضبع وأشباه ذلك» (٣).

ويقول السيوطي : «وعلامة زيادتهما أن يكون قبلهما أكثر من حرفين» (٤) وهذه العلامة في الأعلام التي لا تنصرف وذلك نحو شعبان

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٦٠.

(٢) النحو الوافي ٤ / ١٨٠.

(٣) سيبويه ٢ / ١١ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ص ٣٦.

(٤) سيبويه ٢ / ١١ ، ما ينصرف ولا ما ينصرف ص ٣٦.

٣٠٢

رمضان ولهذا جاء في «حاشية الصبان على الأشموني» قوله : «علامة زيادة الألف والنون سقوطهما في بعض التصاريف كسقوطهما في رد نسيان وكفران إلى نسي وكفر ، فإن كانا فيما لا ينصرف فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصولا» (١).

فعلامة زيادة الألف والنون هي سقوطهما من بعض التصريفات والاشتقاقات وهذا الأمر راجع إلى الأسماء المنصرفة التي لها تصريفات. أما الأسماء الجامدة التي لا تنصرف مثل شعبان ورمضان وغطفان مسمى بها ، فطريق معرفة الزيادة هي أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصول.

الأصالة والزيادة :

فإن كان قبلهما حرفان ثانيهما مضعف مثل : غسّان ، حسّان ، مرّان فما الحكم؟ هل يعتبر التضعيف زيادة أم لا؟ لأن المنع والصرف مبني على هذا الاعتبار ، ولذا فإنه يجوز في أمثال هذه الأسماء المنع إذا نظرنا إلى الحرف الذي حصل به التضعيف أصيلا ، فتكون الألف والنون زائدتين ، ويكون وزنه والحالة هذه «فعلان» وتحقق الشرط بوقوعهما بعد ثلاثة أحرف أصلية. ويجوز فيها الصرف كذلك إذا اعتبرنا التضعيف زيادة فتكون النون والحالة هذه أصلية الوزن فعّال. ويصرف الاسم لعدم تحقق شرط المنع وهو وقوع الألف والنون بعد ثلاثة أصول.

يقول سيبويه : «وإذا سميت رجلا طحّان أو سمّان من السي أو تبّان من التبن صرفته في المعرفة والنكرة لأنها نون من نفس الحرف وهي بمنزلة

__________________

(١) الهمع ١ / ٣١.

٣٠٣

دال حمّاد .. وسألت الخليل عن رجل يسمى مرّانا فقال : أصرفه ، لأن المران إنما سمي للينه فهو فعّال كما يسمى الحماض لحموضته ، وإنما المرانة اللين» (١).

فمذهب الخليل وسيبويه هو أن النون أصلية في الأسماء السالفة الذكر وأن التضعيف زيادة وليس أصالة ، ولذا هي مصروفة على مذهبهما وبمناسبة أصالة النون فقد أورد مجموعة من الأسماء لكنها ليست مضعفة مثل : دهقان وشيطان. وبيّن أنهما إن كان من التدهقن والتشيطن فهما مصروفان لأصالة النون فيهما وإن جعلتهما من الدهن وشيط لم تصرفه.

وأورد كذلك «فينان وديوان» لأن الظاهر أن في آخرهما ألفا ونونا زائدتين ، إلا أنه بيّن أن النون فيهما أصلية لأن «فينان» على وزن «فيعال» وديوان بمنزلة «قيراط» و «ديوان» بمنزلة بيطار (٢).

ويقول الزجاج : «فإذا أردت بـ «سمان» فعلان من السم وأردت بـ «حسان» فعلان من الحسّ ، وأردت بـ «تبان» فعلان من التب ـ والتب الخسران لن تصرف هذا الضرب في المعرفة وصرفته في النكرة» (٣).

ومن الكلمات التي أوردها نقلا عن سيبويه : المرّان ، فقال :

إن سميت رجلا «مرانا» صرفته لأن «مرانا» فعال من المرونة وهو اللين ـ فالنون فيه من نفس الكلمة ومن بني «مران» من الشيء المر لم يصرفه في المعرفة وصرفه في النكرة (٤).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١١.

(٢) نفس المصدر ٢ / ١١.

(٣) ما ينصرف وما لا ينصرف ٣٦.

(٤) نفس المصدر ٣٦.

٣٠٤

ويتبع هذه الكلمة في الحكم كلمة «زمّان» فهي إما من «الزّم» فهي غير مصروفة. وهو الرأي الأجود عند الزجاج. وإما فعّال من «الزمن» أو من «زمن الرجل» فهي مصروفة لأصالة النون وجاء في شرح الكافية : «وقد جاءت ألفاظ تحتمل نونها الأصالة فتكون مصروفة إذا سميت بها ، وتحتمل الزيادة فلا تصرف نحو حسان وقبان ، فهما إما من الحسن والقبن فيصرفان وإما من الحسّ والقب فلا يصرفان وكذا شيطان ورمان» (١) وسنرجع إلى شيطان ورمّان بشيء من التفصيل إن شاء الله.

ويقول السيوطي في مسألة الأصالة والزيادة : «فإن كان قبلهما (أي قبل الألف والنون) حرفان ثانيهما مضعف فلك اعتباران : إن قدرت أصالة التضعيف فهما زائدتان ، أو زيادته فالنون أصلية كحسان إن جعلته من الحسن فوزنه «فعلان» فلا ينصرف ، أو من «الحس» فوزنه فعّال فينصرف وكذا حيان. هل هو من الحياة أو الحين. قيل ويدل للأول ما روي أن قوما قالوا نحن : بنو غيان فقال عليه الصلاة والسّلام : «بل أنتم بنو رشدان» .. فقضى باشتقاقه من الغي مع احتمال أن يكون مشتقّا من الغين» (٢).

وجاء في حاشية الصبان على الأشموني في قوله : «فإن كان قبلهما حرفان ثانيهما مضعف فلك اعتباران : إن قدرت أصالة التضعيف فالألف والنون زائدتان وإن قدرت زيادة التضعيف فالنون أصلية. مثال ذلك «حسان» إن جعل من الحس فوزنه فعلان وحكمه أن لا ينصرف وهو الأكثر فيه. ومن شعره :

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٦١.

(٢) الهمع ١ / ٣١.

٣٠٥

ما هاج حسان رسوم المدام

ومظعن الحيّ ومبنى الخيام

وإن جعل من الحسن فوزنه فعال ، وحكمه أن ينصرف» (١).

ومثل هذا الرأي ورد في شرح التصريح على التوضيح : «وما كان من الأسماء في آخره ألف ونون واحتملت النون فيه الأصالة والزيادة ففيه وجهان الصرف ، وعدمه اعتبارا بأصالتها وزيادتها ، فمن ذلك : رمان وحسان ودهقان وشيطان أعلاما ، فإن اعتقدت أنها من الرم والحسّ والدهق والشيط ، لم تصرفها ، وإن اعتقدت أنها من الرمن والحسن بالنون والدهقنة والشيطنة صرفتها ،. وإذا تمحضت لجهة الأصالة صرفت. كما إذا سميت بطحان من الطحن أو بتبان من التبن أو سمان من السمن» (٢).

ومن الكلمات التي تحتمل الوجهين الصرف والمنع نظرا للاعتبارين السابقين اعتبار الأصالة واعتبار كلمة رمان ـ وشيطان وأخرتهما نظرا للاختلاف بين العلماء في حكمهما.

فبالنسبة لكلمة «رمان» يقول سيبويه : «وسألته عن «رمان» فقال : لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف» (٣) أي لأنه لم يعرف اشتقاق رمان وجهل أصله فقد بناه على الأكثر وهو اعتبار الألف والنون زائدتين وهذا القول فسره الزجاج : «وقال (أي سيبويه) في رمان إن سميت به رجلا لم تصرفه في المعرفة ؛ لأن هذا الباب ما لم يعرف منه اشتقاقه ، فبابه أن يحمل على أن الألف والنون زائدتان.

__________________

(١) الصبان ٣ / ٢٥٢.

(٢) التصريح على التوضيح ١ / ٢١٧.

(٣) سيبويه ٢ / ١١.

٣٠٦

وليس في اللغة «رمن» فيكون «رمان» فعّالا ، وليس اشتقاقه بالمعروف ، إلا أنه قد يخرج «فعلان» من الرم وهي الكثرة (١) وجاء في شرح المفصل لابن يعيش : «فإن سميت برمان فسيبويه والخليل لا يصرفان ويحكمان على الألف والنون بالزيادة حملا على الأكثر وأبو الحسن يصرفه ، ويحملها على أنها أصل ، وحجته أنه قد كثر في النبات فعّال : نحو سمّاق وحمّاض وعنّاب وجمّار (٢).

وورد في ارتشاف الضرب : «ولو سميت برمان فمذهب الخليل وسيبويه ، منع صرفه لاعتقادهما زيادة النون. ومذهب الأخفش صرفه لاعتقاده أصالة النون» (٣).

وفي «حاشية الصبان» : «ولو سميت برمان فمذهب سيبويه والخليل إلى المنع لكثرة زيادة النون في نحو ذلك ، فذهب الأخفش إلى صرفه لأن فعّالا في النبات أكثر ، ولا يؤيده قول بعضهم «أرض مرمّنة» (٤).

وجاء في حاشية الشيخ ياسين على التصريح بخصوص «رمان» قال الدنوشري : فيه نظر ، فإن رمان «فعّال» لا فعلال ، وأما «قرطاس» بالضم فقليل كما قال علماء الرف فإن سمي به وجب منعه من الصرف لوجوب الحكم بزيادة ألفه ونونه. وقال أيضا : «رمان» عند سيبويه والخليل ممنوع من الصرف لكثرة زيادة الألف والنون في ذلك

__________________

(١) ما ينصرف وما لا ينصرف ٣٧ وانظر الأصول ٢ / ٨٨.

(٢) شرح المفصل ١ / ٦٧.

(٣) الارتشاف ١ / ٩٤.

(٤) الصبان ٣ / ٢٥٢.

٣٠٧

ومصروف عند الأخفش لأن «فعالا» في النبات أكثر ، ويؤيده قول بعضهم : أرض مرمنة (١).

فكلمة «رمان» اختلف فيها ، فقد ذهب البعض (الخليل وسيبويه) إلى منعها من الصرف ، وحملا الألف والنون على الأكثر وهو الزيادة بينما ذهب آخرون ومنهم الأخفش إلى الصرف واعتبروا النون أصلية ؛ لأن صيغة «فعّال» في النبات نحو : سمّاق وحمّاض. أما كلمة «شيطان ودهقان» فقد سبق أن أشرنا إلى أن الخليل وسيبويه يريان أنهما إن كانتا من التدهقن والتشيطن فهما مصروفتان لأصالة النون أما إن كانتا من الدهق ومن «شيط» فهما ممنوعتان من الصرف لزيادة الألف والنون (٢).

ويقول ابن السراج في «أصوله» : «وإن سميته بدهقان من الدهق لم تصرفه ، وإن سميته من التدهقن صرفته. وكذلك «شيطان» إن كان من التشيطن صرفته ، وإن كان من «شيط» لم تصرفه» (٣).

وقد وردت كلمة «شيطان» في قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ)(٤) «الشيطان فيعال» من «شطن» إذا بعد. ولا يجوز أن يكون «فعلان» من «شيط وشاط» لأن سيبويه حكى : شيطنته فتشيطن «فلو كانت من «شاط» لكان «شيطنته» على وزن «فعلنته» وليس هذا الكلام في كلام العرب ، فهو إذا «فيعلته» كبيطرته ، فالنون أصلية والياء زائدة ، فلا بد أن

__________________

(١) التصريح على التوضيح ٢ / ٢١٧.

(٢) ارجع إلى سيبويه ٢ / ١١.

(٣) الأصول ٢ / ٨٨.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٦٨.

٣٠٨

تكون النون لاما ، وأن يكون «شيطان» فيعلا من شيطن إذا بعد ، كأنه لما بعد من رحمة الله تعالى سمّي بذلك» (١).

فقد ذهب القيسي في هذا النص إلى أن «شيطان» على وزن «فيعال» من «شطن» إذا بعد. فهو يصرفه لأصالة النون. وقد خالف سيبويه رأيه القائل بجواز كونه «فعلان» من «شيط وشاط» لعدم وجود صيغة «فعلنته» في البناء العربي. ولا يجوز منعه من الصرف على هذا الافتراض ، وجاء في الارتشاف : «وحسان ، شيطان ، ودهقان ، يبنى على أصالة النون فيصرف ، أو زيادتها فيمنع يسمى بها وقد منعت العرب شيطان وإنسانا اسمي قبيلتين» (٢).

ونخلص إلى أن «شيطان» يجوز فيها الصرف على أنها من «شطن» لأصالة النون. ويجوز فيها المنع إذا قلنا إنها من شاط يشيط أي احترق لزيادة النون. وهذا هو رأي الجمهور القائل بجواز الأمرين.

بينما رأينا القيسي يخالف هذا الرأي حيث يذهب إلى وجوب الصرف في كلمة «شيطان» لأنه يرى أنها «فيعال» من شطن.

ومن الكلمات المختومة بالألف والنون التي تأخذ هذا الحكم ـ وهو المنع من الصرف إن سمي بها ، فهي تمنع في المعرفة وتصرف في النكرة ـ نحو «عريان ، سرحان ، إنسان ، ثعبان». قال سيبويه : «وذلك نحو عريان وسرحان وإنسان يدلك على زيادته سراح فإنما أرادوا حيث قالوا : سرحان أن يبلغوا باب سرداح» (٣).

__________________

(١) مشكل إعراب القرآن ١ / ١١٢.

(٢) الارتشاف ١ / ٩٤ ، وانظر التصريح ٢ / ٢١٧.

(٣) سيبويه ٢ / ١١.

٣٠٩

ويقول المبرد : فإن كان «فعلان» ليس له «فعلى» أو كان على غير هذا الوزن مما الألف والنون فيه زائدتان ـ انصرف في النكرة ولم ينصرف في المعرفة نحو عثمان وعريان وسرحان.

وإنما امتنع من الصرف في المعرفة للزيادة التي في آخره ، لأنها كالزيادة التي في آخر «سكران» وانصرف في النكرة ، لأنه ليست مؤنثة «فعلى» لأنك تقول في مؤنثة : عريانة (١).

ويقول أبو إسحاق الزجاج : «وكذلك إن سميت رجلا «إنسانا» لم تصرفه في المعرفة ، وصرفته في النكرة ، ومثله «سرحان» إذا سميت به رجلا لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة» (٢) ثم يستدل على زيادة الألف والنون فيها ويقول : فأما «سرحان» و «عريان» فيستدل على زيادته بقولهم «سراح» وبقولهم في عريان «عرى الرجل» وبقولهم في «إنسان» «أناسيّ» (٣). فطريقة معرفة الزيادة هي المصدر في «سرحان» والفعل في «عريان» والجمع في «إنسان» ولذا فقد قال سيبويه كما رأينا فيما سبق أن طريقة معرفة الزيادة هي «الفعل أو الجمع أو المصدر» (٤).

وجاء في أمالي السيوطي قوله : «فإذا كان «فعلان» مضموم الأول أو «فعلان» مكسور الأول كانت مضارعته للواحد الذي آخره ألف بعدها حرف أولى من مضارعته للاثنين ، لأنه قد صار على وزنه بانضمام أوله

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٢٣٥.

(٢) ما ينصرف ٣٦.

(٣) نفس المصدر ٣٦.

(٤) انظر سيبويه ٢ / ١١.

٣١٠

أو بانكسار أوله مثل : ثعبان فإنهم ألحقوه بفسطاط ، ومثل : «سرحان» فإنهم ألحقوه بمثل «قرطاس» إذ كان على عدة حركاته وسكناته وكسراته وضماته ، فكان إلحاقه بما هو واحد مثله أولى من إلحاقه وتشبيهه بالتثنية ، ولم يجدوا في الأسماء ما هو على وزنه «فعلان» فيلحقوا به «غضبان» فألحقوا «غضبان» بمثل «زيدان وعمران» الذي هو مثله ، وألحقوا «سرحان وثعبان» «بقرطاس» إذ وزنه شبيه بوزنه ، وهو واحد مثله ، ومعنى التضعيف فيه معدوم. فجمعوه كما جمعوا «فسطاطا وقرطاسا» وصغروه كذلك ، فإن سميت «بثعبان وسرحان» «رجلا» فلا تنوين فيه ، لأنه قد خرج عن الأجناس التي تلحق بعضها ببعض وتشبه بعضها ببعض ، ألا ترى أن العلم لا يجمع ولا يثنى وهو علم ، فكيف يشبه بفسطاط وفساطيط ، وقرطاس وقراطيس وهو لا يجمع» (١).

وقد علل السهيلي بهذا النص منع صرف «سرحان وثعبان» عند التسمية بهما بأنهما قد خرجا عن الأجناس التي تلحق بعضها بعضا وتشبه بعضها بعضا لأنهما لا يصيران علمين فإنهما لا يجمعان ولا يثنيان بخلاف المشبه به نحو «قرطاس وفسطاط» فإنهما يجمعان ويثنيان ومن هنا فقد خالف «سرحان وثعبان» نظيريهما عند التسمية بهما فمنعا من الصرف لذلك.

ويقول ابن يعيش في شرحه «للمفصل» بهذا الصدد : «فإن سميت رجلا «بسرحان» أو امرأة منعته الصرف ، لأنه صار حكمه حكم «عدنان وذبيان» فإن نكرته انصرف لا محالة (٢).

__________________

(١) أمالي السهيلي ٣٨.

(٢) شرح المفصل ١ / ٦٧.

٣١١

و «كلمة لقمان» من الأعلام المختومة بالألف والنون والزائدتين ولكن ذهب بعض النحاة إلى أن علة المنع هي العلمية والعجمة.

قال تعالى : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ)(١) .. (ولقمان) اسم معرفة فيه «زائدتان» كعثمان ، فلذلك لم ينصرف ، وقد يجوز أن يكون أعجميّا (٢).

ومن الكلمات التي أوردها سيبويه في الكتاب وذهب إلى صرفها لأصالة النون كلمة «جنجان» ويقول عنها : «فلو جاء شيء في مثال «جنجان» لكانت النون عندنا بمنزلة نون «مران» إلا أن يجيء أمر مبين أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه فسيعلم أنهم جعلوها زائدة كما قالوا : «غوغاء» فجعلوها بمنزلة «عوراء» فلما لم يريدوا ذلك ، أرادوا أن لا يجعلوا النون زائدة صرفوا» (٣).

فنون «جنجان» أصلية كأصالة نون «مران» ولذا فقد ذهب إلى صرفها لأنهم كما قال لم يريدوا أن يجعلوا النون زائدة فيها.

وأورد ابن السراج نصّا للمبرد بهذا الخصوص يقول فيه : «قال أبو العباس : صرف «جنجان» ، لأن المضاعف من نفس الحرف بمنزلة خضخاض ونحوه ، فأما غوغاء يختلف فيها ، فمنهم من يجعلها كخضخاض فيصرف ، ومنهم من يجعلها بمنزلة عوراء فلا يصرف» (٤).

فصرف «جنجان» فأن المضاعف من نفس الحرف كما هو الأمر في «خضخاض» وقد أشار سيبويه إلى هذه النقطة.

__________________

(١) سورة لقمان ، الآية : ١٣.

(٢) مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٨٣ وانظر البيان في إعراب غريب القرآن ٢ / ٢٥٥.

(٣) سيبويه ٢ / ١١ ـ ١٢.

(٤) الأصول ٢ / ٨٨.

٣١٢

وأورد أبو إسحاق الزجاج مجموعة من الكلمات بهذا الخصوص من مثل : «ظربان وكروان ، وورشان» وهي تمنع في المعرفة وتصرف في النكرة لزيادة الألف والنون فيها.

أما كلمة : «سعدان» فمصروف في النكرة لأن واحدته «سعدانة» (١) وفي ختام موضوع العلمية والزيادة هناك ثلاثة أمور جديرة بالذكر وهي :

١ ـ مسألة فقدان إحدى علتي منع الصرف العلمية أو الزيادة ، والحقيقة أن فقدان أية علة يؤدي إلى صرف الاسم لعدم تمكن علة واحدة من القيام بهذا العمل. يقول الأستاذ عباس حسن : «إذا كان الاسم ممنوعا من الصرف للعلمية مع الزيادة وفقدهما أو أحدهما وجب تنوينه إن لم يوجد داع آخر للمنع ، فمثال ما فقد العلمية كلمة «بدران» في مثل : «ادع بدرانا» واحدا من بين أصحاب هذا الاسم ، والتنوين هنا للتنكير .. ومثال ما فقد الزيادة «بدر» علم رجل» (٢).

٢ ـ المسألة الثانية هي مسألة «إبدال النون الزائدة» ونلاحظ أن الحكم يختلف من إبدال النون لاما ، وإبدال الحرف الأصلي نونا. وإذا أبدل النون الزائدة لاما فإن الاسم يمنع من الصرف ويعطى البدل حكم المبدل منه وذلك نحو «أصيلال» وأصله «أصيلان» تصغير «أصيل». (الوقت بين العصر والمغرب) إذا سمي به.

أما إذا أبدل الحرف نونا فإنه يصرف وذلك نحو «حنّان» فإن النون مبدلة عن الهمزة في «حنّاء». ويقول الدنوشري في «شرح التصريح

__________________

(١) ما ينصرف / ٢٧.

(٢) النحو الوافي ٤ / ١٨٠.

٣١٣

على التوضيح» بخصوص الهمزة في «حنّاء» حنان بكسر الحاء وتشديد النون وإبدال الهمزة نونا ، ولكن الهمزة ليست حرفا أصليّا بل بدل من الأصل (١).

وجاء في «التصريح على التوضيح» بخصوص الإبدال : «وإذا أبدل من النون الزائدة لام منع من الصرف إعطاء للبدل حكم المبدل منه وذلك نحو «أصيلال» مسمى به أصله «أصيلان» تصغير «أصيل» على غير قياس ، ولو أبدل من حرف أصلي نون صرف ، وذلك نحو «حنان» سمى به ، أصله «حنّاء» أبدلت همزته نونا» (٢).

وورد في «شرح الكافية» : «وقال الأخفش : إذا سميت بأصيلال منعت الصرف ، لأن اللام بدل من النون» (٣).

وجاء في حاشية الصبان : «إذا أبدل من النون الزائدة لام منع الصرف إعطاء للبدل حكم المبدل مثال ذلك أصيلال فإن أصله «أصيلان» فلو سمي به منع. ولو أبدل من حرف أصلي «نون» صرف بعكس أصيلال. مثال ذلك : «حنّاء» في «حنّاء» أبدلت همزته نونا» (٤).

ويقول الأستاذ عباس حسن في «النحو الوافي» : «لو أبدلت النون الزائدة لاما كما يجري في بعض اللهجات القديمة منع الاسم من الصرف إذا كان مستوفيا شروط المنع كقولهم : أصيلال في أصيلان

__________________

(١) التصريح على التوضيح ٢ / ٢١٧.

(٢) التصريح على التوضيح ٣ / ٢١٧.

(٣) شرح الكافية ١ / ٦١.

(٤) الصبان ٣ / ٢٥٢.

٣١٤

التي هي تصغير شاذ لكلمة «أصيل» ، «فإذا سمي إنسان : أصيلال منع الصرف إعطاء لحرف المبدل حكم الحرف المبدل منه. ولو أبدل الحرف الأصلي نونا ، لم يمنع من الصرف كقول بعض العرب حنّان وهي الحناء فأبدلوا الهمزة الأصلية نونا ، فلو سمي رجل «حنانا» لم يمنع من الصرف» (١) بل يصرف ، والسبب في منع صرف «أصيلال» مع أن آخره «لام» وليس «نونا» مع أن شرط المنع هو زيادة الألف والنون أنّ أصل اللام نون. ونحن ننظر في مثل هذه الأحكام إلى الأصل. ولهذا قلنا في مثل «حنان» يصرف ولم يمنعه أن في آخره «نونا» قبلها ألف زائدة ، والسبب أن أصل النون «حاء» والضابط هو الأصل.

٣ ـ والمسألة الثالثة المتعلقة بموضوع العلمية وزيادة الألف والنون هي مسألة «التصغير» ومدى تأثيره في حكمه الإعرابي ، هل يبقى الاسم ممنوعا من الصرف بعد التصغير؟ أم يصرف؟ وما ضابط الصرف والمنع في هذه الحالة؟ والملاحظ أن تأثير التصغير ليس مقصورا على هذا الموضوع بل هو يشمل كل أنواع الممنوع من الصرف ، لأن التصغير يحدث تغييرات في الكلمة ، فإن كانت هذه التغييرات تؤدي إلى زوال علل المنع من الصرف صرف الاسم ، مثال ذلك : عمر وأحمد وجنادل وتصغيرها يزيل علل المنع فيها فتصرف فمثلا يزول العدل في «عمير» ووزن الفعل في «أحيمد» وصيغة منتهى الجموع في «جنيدل».

أما إذا لم يزل التصغير الأسباب المانعة فإن الاسم يبقى على منعه الصرف لبقاء علل المنع حيث نقول : «حميزة ، صفيراء ، غضيبان»

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ١٨٠.

٣١٥

فالعلمية والتأنيث ، وألف التأنيث الممدودة والوصفية مع زيادة الألف والنون ، كلها علل باقية مع التصغير ، فضابط المنع مع التصغير هو بقاء العلل وزوالها وهذه القاعدة تنطبق على موضوعنا الذي نحن بصدده ألا وهو «الأعلام المزيدة بالألف والنون».

فنرى التصغير يؤثر في بعض الكلمات فيزيل عللها فتصرف مثل : «سرحان وسلطان وضبعان û وتقول في تصغيرها : «سريحين ، سليطين ، ضبيعين» وبتأملها نرى أن إحدى العلتين المانعتين قد زالت وهي الألف والنون.

بينما لا نرى هذا التأثير في تصغير كلمات أخرى من نفس الصنف مثل «عثمان ، شعبان ، رمضان» إذ نقول في تصغيرها : عثيمان ، شعيبان ، رميضان.

فهي مع تصغيرها ما زالت ممنوعة من الصرف لبقاء العلمية مع الألف والنون. فالتصغير لم يؤثر فيها من هذه الناحية. ويقول سيبويه بهذا الخصوص : «فإذا حقرت سرحان اسم رجل فقلت : سريحين صرفته لأن آخره الآن لا يشبه آخر غضبان ، لأنك تقول في تصغير «غضبان غضيبان» ويصير بمنزلة غسلين وسنين» (١).

وجاء في المقتضب : «وكذلك سرحان لو صغرته فقلت سريحين لصرفت سريحينا في المعرفة والنكرة. وما كان مثله نحو «تصغيرك» سلطانا وضبعانا إذا قلت سليطين وضبيعين» (٢).

وجاء في «النحو الوافي» قوله : «أسماء تمنع من الصرف مكبرة

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١١.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٣٧.

٣١٦

وتصرف وهي مصغرة نحو : عمر ـ شمر ـ سرحان ـ أرطى جنادل ..

أعلاما فإن تصغيرها على : عمير ـ شمير ـ سريحين ـ أريط ـ وجنيدل ـ يزيل سببا لازما لمنعها من الصرف هو العدل في «عمير» ووزن الفعل في «شمير» وعدم وجود الألف الزائدة في «سريحين» وعدم وجود ألف الإلحاق في «أريط» وعدم وجود صيغة منتهى الجموع في «جنيدل» (١).

فخلاصة الأمر في هذا الموضوع هو أن صرف هذه الأسماء أو منعها من الصرف عند التصغير ، مرتبط ببقاء العلل أو زوالها ، فبقاؤها بقاء للمنع ، وزوالها زوال للمنع.

* * *

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ٢٠٨ ، وانظر حاشية الصبان للأشموني ٣ / ٢٧٦.

٣١٧

الواقع اللغوي

نعلم أن العلمية وزيادة الألف والنون علتان تمنعان الاسم من الصرف وهذا ما قاله علماء النحو ، وحين ننظر إلى ما جاء في الشعر العربي من أعلام ينطبق عليها هذان الشرطان نجدها مطابقة لهذه القاعدة ، ويجري عليها أحكام الاسم الممنوع من الصرف ، حيث الجر بالفتحة وعدم التنوين.

وقد ورد عند الشعراء أعلام كثيرة من هذا النوع وذلك مثل «ذبيان» إذ إنه جاء عند النابغة أكثر من غيره وهذا أمر طبيعي لأنها قبيلته. وقد ورد عنده أربع مرات ، وممنوع من الصرف في هذه الحالات كلها كما هو واضح في الأبيات :

إلى ذبيان حتى صبحتهم

ودونهم الربائع والخبيت (١)

ويقول :

ألا أبلغا ذبيان عني رسالة

فقد أصبحت عن منهج الحق جائره (٢)

ويقول أيضا :

ليهنئ بني ذبيان أنّ بلادهم

خلت لهم من كلّ مولى وتابع (٣)

__________________

(١) ديوان النابغة الذبياني ٢٦.

(٢) ديوان النابغة الذبياني ٦٨.

(٣) ديوان النابغة الذبياني ٨٢.

٣١٨

ومنه قوله :

هلا سألت بني ذبيان ما حسبي

إذا الدخان نعشى الأشمط البربا (١)

كما أنها وردت مرة عند «زهير بن أبي سلمى» في معلقته المشهورة إذ يقول :

تداركتما عبسا وذبيان بعد ما

تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم (٢)

وقد سبق الاستشهاد بهذا البيت في صرف «عبس».

ومن الشعراء الجاهليين الذين وردت عندهم «الأعشى» إذ يقول في معلقته :

من نواصي دودان إذ حضر البأ

س وذبيان والهجان العوالي (٣)

وفيه شاهد آخر على العلمية وزيادة الألف والنون ، هو «دودان» وهو ابن أسد بن خزيمة كما جاء في «الجمهرة» (٤).

وجاءت كلمة «ذبيان» أيضا ست مرات في «المفضليات» منها بيتان «للخصفي المحاربي» يقول فيهما :

فريقي بين ذبيان إذ زاغ رأيهم

وإذ سعطوا صابا علينا وشبرما (٥)

ويقول :

من مبلغ سعد بن نعمان مألكا

وسعد بن ذبيان قد تختّما (٦)

__________________

(١) ديوان النابغة الذبياني ١٠٢.

(٢) ديوان زهير ١٥.

(٣) جمهرة أشعار العرب ١ / ٢٧٦.

(٤) جمهرة أشعار العرب ١ / ٢٦٧.

(٥) المفضليات ٣١٨.

(٦) المفضليات ٣١٨.

٣١٩

وفيه أيضا «نعمان» وهو شاهد آخر على المنع للعلمية وزيادة الألف والنون. ومنها أيضا بيتان «للحصين بن الحمام المري» حيث يقول :

وقلت لهم : يا آل ذبيان مالكم

تفاقدتم لم تذهبوا العام مذهبا (١)

وهناك بيتان آخران ، أولهما «لسلمة بن الخرشب الأغاري» يقول فيه :

فإنّ بني ذبيان حيث عهدتم

بجزع البتيل بين باد وحاضر (٢)

وثانيهما «للمزرد الشيباني» إذ يقول :

فقد علمت فتيان ذبيان أنني

أنا الفارس الحامي الذّمار المقاتل (٣)

ووردت مرة في «شرح أشعار الهذليين» لأبي ذؤيب بقوله :

وقد أكثر الواشون بيني وبينه

كما لم يغب عن غي ذبيان داحس (٤)

ومن الأعلام المزيدة بالألف والنون «غطفان» وقد جاءت عند «امرئ القيس» بقوله :

وأتى على غطفان فاختلفوا

دين يجيء وهارب مجلي (٥)

__________________

(١) المفضليات ٣١٨.

(٢) المفضليات ٣٦.

(٣) المفضليات ٩٥.

(٤) الهذليين ١ / ٢١٧.

(٥) ديوان امرئ القيس ٢٠٥.

٣٢٠