الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

وذكر الزجاج في «معاني القرآن وإعرابه» : «وطالوت وجالوت وداود لا تنصرف ، لأنها أسماء أعجمية ، وهي معارف فاجتمع فيها شيئان التعريف والعجمة» (١).

وقال في «ما ينصرف وما لا ينصرف» بعد ذكره الأعلام الأعجمية مبنيا علة منعها وفرعيتها : «فإن هذه لا تنصرف في معرفة وتنصرف في النكرة لأنه اجتمع فيها شيئان : أن أصلها أنها أعجمية فهي فرع في كلام العرب وهي معرفة» (٢). فعلة منع الأعجمي من الصرف مبنية أساسا على فرعيته بالنسبة للغة العربية ونقل ابن السراج عن المبرد قوله : «الأسماء الأعجمية التي أعربتها العرب لا يجيء شيء منها على هيئته ، وأنت إذا تفقدت ذلك وجدته في إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وكذلك فرعون ، وهامان وما أشبهها ، لأنها في كلام العجم بغير هذه الألفاظ» (٣). ثم بيّن أنها بغير هذه الألفاظ في كلام العجم فمن ذلك أن إبراهيم بلغة اليهود منقوص الياء ، ذاهب الميم ، وأن «سارة» لمّا أعربها نقصت نقصا كبيرا ، وكذلك إسحاق ، والأسماء العربية ليس فيها تغيير» (٤).

ويوضح لنا هذا النص نقطة أخرى وهي أن هذه الأعلام يحدث فيها العرب تغييرا بالحذف أو التبديل ، ولكنها على أي حال ليست كالتغيير السابق بإدخال الألف واللام عليها.

__________________

(١) معاني القرآن وإعرابه ١ / ٣٢٤.

(٢) ما ينصرف ٤٥.

(٣) الأصول ٢ / ٩٦.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٩٦ ـ ٩٧.

٢٨١

إذن «فالعجمة الشخصية تمنع مع العلمية وزيادة على ثلاثة نحو إبراهيم» (١) ومن الأسماء الأعجمية هاروت ، لا ينصرف لأنه أعجمي معرفة ، وكذا «ماروت» ويجمع هواريت ومواريت مثل «طواغيت» ويقال : هوارنة وهوار ، وموازنة وموار ، ومثله جالوت وطالوت» (٢).

وهناك نقطة في هذا الموضع بالنسبة للأعلام الأعجمية وهي أنها يراد بها أحيانا معاني أخرى فتصرف وذلك «مثل يعقوب» : ولو سميته بيعقوب تعني ذكر القبج ـ لا يصرف ، لأنه عربي على مثال «يربوع» (٣).

ويقول ابن السراج في موضع آخر : «وكذلك «يعقوب» الذي لم يغير وإنما هو اسم طائر معروف ، قال الشاعر :

عال يقصر دونه اليعقوب (٤)

فإذا سميناه بهذا صرفناه ، وإن سميناه «يعقوب» اسم النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تصرفه ، لأنه قد غيّر عن جهته فوقع غير معروف المذهب» (٥).

ومن الأعلام التي يراد بها معنى آخر غير العجمة «إسحاق» : إذا أردت به المصدر من قولك : أسحقه الله إسحاقا ، وتعرف من ذلك بأن إسحاق ويعقوب الأعجميين على غير هذه الحروف ، وإنما لاءمت هذه الحروف العرب» (٦).

__________________

(١) الارتشاف ١ / ٩٧.

(٢) تفسير القرطبي ٢ / ٥٣.

(٣) المقتضب ٣ / ٣٢٥ الأصول ٢ / ٨٩.

(٤) صدر البيت : صخيان شاهقة يرف بشامه.

(٥) الأصول ٢ / ٩.

(٦) المقتضب ٣ / ٣٢٦.

٢٨٢

ويقول ابن السراج : «ولو قال قائل : هل يجوز أن يصرف إسحاق كنت مشتركا إن كان مصدر أسحق السفر إسحاقا تريد : أبعده إبعادا ، فهو مصروف لأنه لم يغير والسحيق : البعيد ، قال الله عزّ وجل : (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ)(١) وإن سميته إسحاق اسم النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تصرفه ، لأنه قد غيّر عن جهته فوقع في كلام العرب غير معروف المذهب» (٢).

ومن الكلمات الأجنبية «يأجوج ومأجوج» وقد وردتا في قوله تعالى : (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ)(٣) .. وامتنع صرفهما ، وهما مشتقان للتأنيث والتعريف لأنهما اسمان لقبيلتين كمجوس اسم للقبيلة ، فإن جعلتهما في القراءتين أعجميين لم تقدر لهما اشتقاقا ، ويكون ممتنع الصرف فيهما للعجمة والتعريف» (٤).

ويقول السيوطي في الهمع : «ما كان من الأسماء الأعجمية موافقا في الوزن لما في اللسان العربي نحو «إسحاق» فإنه مصدر لأسحق بمعنى «أبعد» أو بمعنى «ارتفع» تقول : أسحق الضرع ارتفع لبنه ونحو «يعقوب» فإنه ذكر الحجل فإن كان شيء منه اسم رجل يتبع فيه قصد المسمى فإن قصد النبي منع الصرف للعلمية والعجمة ، وإن عين مدلوله في اللسان العربي صرف ، وإن جهل قصد المسمى حمل على ما جرت به عادة الناس وهو القصد بكل واحد منهما موافقة اسم النبي فلو سمت العرب باسم مجهول أو باسم ليس مجهولا أو باسم ليس من عادتهم

__________________

(١) سورة الحج الآية ٣١.

(٢) الأصول ٢ / ٩٧.

(٣) سورة الكهف ، الآية : ٩٤.

(٤) الكشف عن وجوه القراءات السبع ٢ / ٩٣ ـ ٩٤.

٢٨٣

التسمية به فقيل يجري الأعجمي لشبهه به من جهة أنه غير معهود في أسمائهم كما أن العجمي كذلك. وعلى هذا الفراء ومثل الأول بسبا الثاني بقولهم : هذا أبو صعرور فلم يصرف ، لأنه ليس من عادتهم التسمية به. والأصح وعليه البصريون خلاف ذلك (١).

* * *

__________________

(١) الهمع ١ / ٣٣.

٢٨٤

أسماء الأنبياء

ما حكم أسماء الأنبياء بالنسبة للمنع وعدمه حيث فيها أسماء عربية وأخرى أعجمية؟ وقد ورد تقسيم لهذه الأسماء في حاشية الشيخ ياسين على الأشموني. فقال : «واعلم أن أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام ممنوعة الصرف إلا ستة : محمد وشعيب وصالح وهود ونوح ولوط لخفة الأخيرين وكون الأربعة الأول عربية. وقيل هود كنوح ؛ لأن سيبويه قرنه معه فهو أعجمي وصرفه للخفة ، ويؤيده ما يقال من أن العرب من ولد إسماعيل وما كان قبل ذلك فليس بعربي ، وهود قبل إسماعيل فكان كنوح كذا في الجامي قال العصام ، ويرد على الحصر في الستة شيث وعزير. وقال البيضاوي تنوين عزير بناء على أنه عربي وترك تنوينه بناء على أنه أعجمي» (١).

فأسماء الأنبياء تنطبق عليها قاعدة الاسم الأعجمي من حيث كونها زائدة على ثلاثة أحرف ، وكونها علما في اللسان الأجنبي ، ولذا فقد قلنا إن مثل إسحق ويعقوب ويوسف وغيرها من أسماء الأنبياء ممنوعة من الصرف لانطباق الشروط عليها.

أما الأسماء الستة المستثناة من هذه القاعدة فهي «محمد وشعيب وصالح» وذلك لأنها عربية الأصل ، فخرجت بذلك عن دائرة الأجنبي.

وأما الثلاثة الأخرى فهي هود ونوح ولوط وهذه الأعلام وإن كانت

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٥٦.

٢٨٥

أعجمية إلا أنها مصروفة لخفتها ، لكونها ثلاثية ساكنة الوسط وقد مرّت بنا قاعدة الثلاثي ساكن الوسط. وبعضهم أدخل هود ضمن الأسماء العربية ولكنه في الحقيقة أعجمي (١).

ومن هذه الأسماء كما في قوله عزّ وجلّ : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى)(٢) عيسى اسم أعجمي عدل عن لفظ الأعجمية إلى هذا البناء ، وهو غير مصروف في المعرفة لاجتماع العجمة والتعريف فيه. ومثال اشتقاقه من كلام العرب أن عيسى : فعلى فالألف يصلح أن تكون للتأنيث فلا تنصرف في معرفة ولا نكرة ، ويكون اشتقاقه من شيئين : أحدهما : العيس ، وهو بياض الإبل ، والآخر : من العوس والعياسة إلا أنه قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها.

فأما عيسى عليه السّلام فمعدول من «يشوع» كذا يقول أهل السريانية (٣). وأما «موسى» فيجوز منعه وعدم منعه إذا لم يكن اسما للنبي وكان اسما للأداة التي للحلق ، فيصرف إن كان من «أوسيت رأسه» إذا حلقته زفا لرأس موسى كمعطى».

ويكون ممنوعا إن كان فعله : «ماس يميس» فهو فعلى ، منها قلبت الياء واوا لوقوعها بعد ضمة (كما قلبت في موقن من أيقن) ومنع الصرف لألف التأنيث ، وأما موسى اسم النبي فممنوع من الصرف للعلمية والعجمة على اعتباره أعجمي الأصل (٤).

__________________

(١) ارجع للنص السابق الصبان ٣ / ٢٥٦.

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ٥٥.

(٣) معاني القرآن وإعرابه ١ / ٤٢٥.

(٤) انظر النحو الوافي ٤ / ١٨٧.

٢٨٦

فالمنع في «عيسى وموسى» مبني أساسا على العجمة أو شبه العجمة كما في «موسى» والصرف على أساس الأصل العربي ومشتقاته.

ومن أسماء الأنبياء الأعجمية «يوسف» قال تعالى : (إِذْ قالَ يُوسُفُ)(١) وقرأ طلحة بن مصرف «يؤسف» بكسر السين والهمز ، جعله عربيّا على «يفعل» من الأسف لكنه لم يصرفه للتعريف ووزن الفعل.

وحكى أبو زيد «يؤسف» بفتح السين والهمز ، جعله «يفعل» من الأسف أيضا ، وهو عربي ، ولم يصرفه أيضا لما ذكرنا.

ومن ضم السين (٢) جعله أعجميّا لم ينصرف للتعريف والعجمة وليس في كلام العرب «يفعل» فلذلك لم يكن عربيّا على هذا الوزن (٣).

ومن هذه الأعلام «يونس» قال تعالى : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ)(٤).

قوله (يونس) هو اسم أعجمي معرفة ، ولذلك لم يصرف ومثله يوسف.

وقد روي عن الأعشى وعاصم أنهما قرأا : (يونس) بكسر النون والسين ، جعلاه فعلا مستقبلا من : (أنس) و (أسف) سمي به علم يصرف للتعريف والوزن المختص بالفعل. وقال أبو حاتم : يجب أن يهمز ، وترك الهمز جائز حسن ، وإن كان أصله الهمز.

قد حكى أبو زيد : فتح السين والنون فيهما. على أنهما فعلان مستقبلان لم يسمّ فاعلهما ، سمي بهما أيضا (٥).

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ٤.

(٢) وهي قراءة الجمهور.

(٣) مشكل إعراب القرآن ١ / ٤١٨ ـ ٤١٩.

(٤) سورة يونس ، الآية : ٩٨.

(٥) مشكل إعراب القرآن ١ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣.

٢٨٧

فهذه أربعة آراء في كلمة «يونس» :

الرأي الأول : الذي يقول بضم النون وهو اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية بجانب العجمة ، وهو رأي الغالب من النحاة.

الرأي الثاني : وهو القائل بكسر النون ، على أساس أن أصله فعل مضارع سمي به ، وهو ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. وأن فعله الماضي أنس ، يؤنس : إلا أنه سهل الهمزة فلم ينطق بها.

الرأي الثالث : ذهب أبو حاتم في هذا الرأي إلى وجوب إظهار الهمز.

وترك الهمز حسن جائز. وهو ممنوع من الصرف للعلمية والوزن.

الرأي الرابع : وهو القائل بفتح النون على أساس أن أصله فعل مضارع مبني للمجهول سمي به. وهو ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل أيضا.

فالرأي الأول هو القائل بمنعه للعلمية والعجمة ، وعلة منعه في الآراء الثلاثة الأخرى هي العلمية ووزن الفعل المختص به.

ومن أسماء الأنبياء الأعجمية (اليسع) وقد ورد في قوله تعالى :

(وَالْيَسَعَ)(١) قرئ بلام واحدة ، وقرئ بلامين ، فمن قرأ «اليسع» بلام واحدة ، جعله اسما أعجميّا ، ولهذا لا ينصرف للعجمة والتعريف.

وقيل : الأصل في «اليسع» بلام واحدة «يسع» وهو فعل مضارع سمي به ونكّر وأدخل عليه الألف واللام ، والأصل في يسع يوسع وأصل «يوسع» «يوسع» لأنه مما جاء على «فعل» يفعل نحو : وطئ يطأ ، وأصله

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٦.

٢٨٨

يوطئ ، إلا أنه فتحت العين لمكان حرف الحلق وحذفت الواو منه على تقدير الأصل كما حذفت في «يعد» «ويزن» وحذفت في «يعد» و «يزن» لوقوعها بين ياء وكسرة وذلك مستثقل ، ومن قرأه : «الليسع» بلامين جعله اسما أعجميّا ونكّره ، وأدخل عليه الألف واللام ، وأصله ، ليسع (ولا ينصرف أيضا للعجمة والتعريف) (١). فـ «اليسع» إما أن الأصل فيه لام واحدة وفي ذلك مذهبان :

الأول : أنه اسم أعجمي لا ينصرف للعلمية والعجمة.

الثاني : أنه فعل مضارع نكّر فأدخل عليه أداة التعريف «أل» وسمّي به فهو ممنوع من الصرف للعلمية والوزن.

وهذان الرأيان إذا اعتبرنا الأصل لاما واحدة. وأما أن يكون الأصل بلامين ، وعلى هذا الرأي فكلمة «ليسع» أعجمية نكرت وأدخل عليها الألف واللام فهي ممنوعة للعلمية والعجمة فالعجمة موجودة في «اليسع» سواء كانت بلامين أو بلام واحدة. قال تعالى : (كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ)(٢) وورد في هذه الآية الكريمة اسم ثلاثة أنبياء هم : «نوح وداود وسليمان» عليهم الصلاة والسّلام ، وقد مرّ الحديث عن «نوح» وحكمه من الصرف ودونه.

أما «داود وسليمان» فهما ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة ومن الممكن اعتبار زيادة الألف والنون علة مانعة في «سليمان» ولكن جانب العجمة فيه أقوى لأنها هي الأصل.

__________________

(١) البيان في إعراب القرآن لابن الأنباري ١ / ٣٣٠ وانظر مشكل إعراب القرآن للقيسي ١ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

(٢) سورة الأنعام الآية : ٨٤.

٢٨٩

قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)(١) و «آدم» لا ينصرف للعجمة والتعريف. وقيل : هو مشتق من «الأدمة» ولا ينصرف لوزن الفعل والتعريف ، وأصله (أأدم) بهمزتين إلا أنه قلبت الهمزة الساكنة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها نحو : آخر وآدر وأصله : أأخر ، وأأدر. فقلبوا الهمزة الساكنة الثانية ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها (٢).

ويظهر لنا أن كلمة «آدم» ممنوعة من الصرف للعلمية وإحدى العلتين إمّا العجمة ، وإما الوزن.

* * *

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٣٤.

(٢) البيان في إعراب غريب القرآن ١ / ٧٤.

٢٩٠

أسماء الملائكة

أسماء الملائكة ممنوعة من الصرف لأنها أسماء أعجمية. إلا : مالكا ومنكرا ونكيرا فمصروفة ، وأما «رضوان» فممنوع من الصرف للعلمية والزيادة (١).

ومن هذه الأعلام «جبريل» قال تعالى في سورة البقرة : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ)(٢) و «جبريل» فيه لغتان ، ولا ينصرف للعجمة والتعريف (٣). وأما «إبليس» ففيها خلاف هل هي من أسماء الملائكة أم لا؟ ولكنها في حالة المنع فعلتها العلمية والعجمة. قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)(٤) .. و (إِبْلِيسَ) منصوب على الاستثناء المنقطع على قول من قال : إنه لم يكن من الملائكة ، أو لأنه استثناء من موجب على قول من قال : أنه من الملائكة ولا ينصرف للعجمة والتعريف.

وقيل : إنه مشتق من (أبلس) إذ يئس وليس بصحيح ، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون منصرفا ، لأنه ليس فيه علة منع الصرف إلا التعريف والتعريف وحده لا يكفي فيمنع الصرف (٥).

__________________

(١) النحو الوافي ٢ / ١٨٧.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٩٧.

(٣) البيان في إعراب غريب القرآن ١ / ١١١.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٣٤.

(٥) البيان في إعراب غريب القرآن ١ / ٧٤.

٢٩١

وقد ذهب بعض النحاة إلى ربط «إبليس» بكلمة «يبلس» الواردة في قوله تعالى : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ)(١). ولهذه فقد ورد في تفسير القرطبي : وقد زعم بعض النحويين أن «إبليس» مشتق من هذا ، وأنه أبلس ؛ لأنه انقطعت حجته.

النحاس : ولو كان كما قال لوجب أن ينصرف ، وهو في القرآن غير منصرف. الزجاج : المبلس : الساكت المنقطع في حجته ، اليائس من أن يهتدى إليها (٢).

وقد قال الأستاذ عباس حسن في النحو الوافي بهذا الخصوص : وأما إبليس فممنوع من الصرف للعلمية والعجمة على اعتباره أعجمي الأصل. وأما على اعتباره عربي الأصل مشتق من الإبلاس ، وهو الإبعاد ، فممنوع من الصرف أيضا ، ولكن للعلمية وشبه العجمة ، لأن العرب لم تسمّ به أصلا (٣).

فالرأي إذن في إبليس : أنه اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة وذهب البعض إلى أنه مشتق من الإبلاس وهو الإبعاد وإذا كان كذلك فإنه مصروف لأنه ليس فيه إلا التعريف وحده وهو لا يكفي لمنع الاسم من الصرف ، بينما ذكر الأستاذ عباس حسن منعه على هذه الحال وشبه العلمية لأن العرب لم تسم بهذا الاسم فهو وإن كان مشتقّا من الإبلاس إلا أنه يشبه الأعجمي لعدم استعماله في اللغة العربية.

__________________

(١) سورة الروم ، الآيتان : ١٠ ـ ١١.

(٢) تفسير القرطبي ١٤ / ١٠ ـ ١١.

(٣) النحو الوافي ٤ / ١٨٧.

٢٩٢

الواقع اللغوي

وهذا النوع من الأعلام قليل الورود كسابقه ، ولكننا سنلاحظ في الأبيات التي سنذكرها ذكر الشعراء الجاهليين أمثال «النابغة الذبياني» إذ يقول :

وعيد أبي قابوس في غير كنهه

أتاني ودوني راكس فالضواجع (١)

ويقول أيضا :

فإن يهلك أبو قابوس يهلك

ربيع الناس ، والشهر الحرام (٢)

كما أنه جاء «طرفة بن العبد» بقوله :

لعمرك إن قابوس بن هند

ليخلط ملكه نوك كثير (٣)

ومن هذه الأعلام «داود» إذ نراها عند شاعرين من شعراء الجاهلية المشهورين وهما «زهير بن أبي سلمى» حيث يقول :

وآخرين ترى الماذي عدتهم

من نسج داود ما قد أورثت إرم (٤)

وطرفة بن العبد بقوله :

وهم ما هم إذا ما لبسوا

نسج داود لبأس محتضر (٥)

__________________

(١) ديوان النابغة الذبياني ٧٩.

(٢) ديوان النابغة الذبياني ١١٠.

(٣) ديوان طرفة ٩٧.

(٤) ديوان زهير ١٥٨.

(٥) ديوان طرفة ٥٨.

٢٩٣

وقد جاءت كلمة «داوود» أربع مرات في «شرح أشعار الهذليين» وذلك بقول «أبي ذؤيب» :

وعليها ماذيّتان قضاهما

داوود أو صنع السوابغ تبّع (١)

ووردت ثلاث مرات عند أبي صخر الهذلي وذلك في الأبيات التالية :

وقد هاجني طيف لداود بعد ما

دنت فاستقلّت تاليات الكواكب (٢)

وقوله :

فأسقى صدى داود دان غمامه

هزيم يسحّ الماء من كل جانب (٣)

وقوله أيضا :

ليروى صدى داود واللحد دونه

وليس صدى تحت العداء بشارب (٤)

وبجانب ذلك وردت أربعة أعلام أعجمية عند ثلاثة شعراء من الجاهلية فقد ورد ذكر «آدم» و «فرعون» عند «زهير بن أبي سلمى» في البيتين التاليين وهما :

إذ تستبيك بجيد آدم عاقد

يقرو طلوع الأنعمين فثمهد (٥)

__________________

(١) الهذليين ١ / ٣٩.

(٢) الهذليين ٢ / ٩١٨.

(٣) الهذليين ٢ / ٩١٩.

(٤) الهذليين ٢ / ٩٢٢.

(٥) ديوان زهير ٢٦٩.

٢٩٤

وقوله أيضا :

وأهل ذا القرنين من قبل ما ترى

وفرعون أردى جنده والنجاشيا (١)

وأما الكلمتان الأخريان فهما «قيصر» وقد أورد «امرؤ القيس» بقوله :

أعالج ملك قيصر كلّ يوم

وأجدر بالمنية أن تعودا (٢)

وأما الكلمة الأخرى فهي «جهنم» التي ذكرها «عنترة» بقوله :

ماء الحياة بذلة كجهنم

وجهنّم بالعزّ أطيب منزل (٣)

ونلاحظ بأنه قد صرف «جهنم» فنونه.

* * *

__________________

(١) ديوان زهير ٢٨٨.

(٢) ديوان امرئ القيس ٢١٣.

(٣) ديوان عنترة ١٣٥.

٢٩٥

رابعا : الأعلام الأعجمية

عدد الأبيات الواردة ١٣ بيتا موزعة على النحو التالي :

١

٢

أبيات من شرح أشعار الهذليين

٢

٣

أبيات من ديوان زهير بن أبي سلمى

٣

٢

بيتان من ديوان عنترة

٤

٢

بيتان من ديوان النابغة الذبياني

٥

٢

بيتان من ديوان طرفة بن العبد

٦

١

بيت واحد من ديوان امرئ القيس

* * *

الرقم

الكلمة المصروفة

عدد مرات الصرف

اسم الشاعر

١

جهنم

٢

عنترة وفي بيت واحد

* * *

٢٩٦

الفصل الرابع

الأعلام المزيدة بالألف والنون

وذلك نحو : عثمان ، رمضان ، عفان ، غطفان. وغيرها من الأعلام المزيدة بالألف والنون.

وشرط منعها من الصرف : العلمية وزيادة الألف والنون في آخرها وهذه الأعلام سواء كانت للأشخاص كما مرّ في الأسماء السابقة ، أو للأشهر نحو : شعبان ، رمضان.

أو أسماء بلدان نحو : أصفهان ، وعمان ، ورغدان.

وهذه الأسماء تنصرف في النكرة ، وتمنع من الصرف في المعرفة إذا سمينا بها إنسانا.

آراء النحاة :

يقول سيبويه : «وذلك كل نون لا يكون في مؤنثها فعلى وهي زائدة وذلك نحو عريان وسرحان وإنسان يدلك على زيادته سراح ، فإنما أرادوا حيث قالوا : سرحان أن يبلغوا به باب «سرداح» كما أرادوا أن يبلغوا بمعزى باب هجرع ومن ذلك ضبعان يدلك على زيادته قولك : الضّبع والضباع وأشباه هذا كثير» (١).

ويقول المبرد : «فإن كان «فعلان» ليس له «فعلى» أو كان على غير

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١١.

٢٩٧

هذا الوزن مما الألف والنون فيه زائدتان ـ انصرف في النكرة ، ولم ينصرف في المعرفة نحو : عثمان وعريان وسرحان» (١).

وجاء في كتاب «ما ينصرف ولا ما ينصرف» لأبي إسحاق الزجاج : «فإذا سميت به رجلا لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة مثل «عثمان» وهو «فعلان» من العثم ـ وهو الجبر ـ وكذلك إن سميت رجلا «إنسانا» لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة ، ومثله «سرحان» إذا سميت به رجلا لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة» (٢).

وجاء في شرح ابن يعيش : «وأما الأعلام نحو «مروان وعدنان وغيلان» فهي لا تنصرف للتعريف وزيادة الألف والنون» (٣).

وجاء في شرح التصريح على التوضيح : «... العلم ذو الزيادتين الألف والنون .. سواء كان أوله مفتوحا أو مكسورا أم مضموما (كمروان وعمران وعثمان) لا فرق بين أعلام الأناس كما تقدم وغيرها نحو (غطفان) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء اسم قبيلة من قبائل العرب سمّيت باسم أبيها وهو غطفان بن قيس بن عيلان (وإصبهان) بكسر الهمزة وفتح الباء الموحدة علم بلد سميت بذلك ، لأن أول من نزلها أصبهان بن فلوح بن لمطي بن يافث.

فهذه الأسماء ممنوعة الصرف اتفاقا ، لأن الألف والنون فيها زيدتا معا (٤).

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٣٥.

(٢) ما ينصرف ٣٦.

(٣) شرح المفصل ١ / ٦٧.

(٤) شرح التصريح ٢ / ٢١٧.

٢٩٨

علة المنع من الصرف :

يمنع العلم المختوم بألف ونون زائدتين للعلمية ولوجود شيء في آخره يشبه آخر «سكران» وهو الألف والنون الزائدتان ، وهذان النوعان المختومان بالألف والنون وأعني بهما العلمية والوصفية يشبهان المختوم بألف التأنيث الممدودة من جهة عدم دخول تاء التأنيث عليهما.

قال سيبويه : «وإنما دعاهم إلى أن لا يصرفوا هذا في المعرفة أن آخره كآخر ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة ، فجعلوه بمنزلته في المعرفة كما جعلوا «أفكلا» بمنزلة ما لا يدخله التنوين في معرفة ولا نكرة ، وذلك «أفعل» صفة لأنه بمنزلة الفعل وكان هذه النون بعد الألف في الأصل لباب «فعلان» الذي له «فعلى» ، كما كان بناء أفعل في الأصل للأفعال فلما صار هذا الذي ينصرف في النكرة في موضع يستثقل فيه التنوين جعلوه بمنزلة ما هذه الزيادة في الأصل ، فإذا حقّرت «سرحان» اسم رجل فقلت : «سريحين» صرفته ، لأن آخره الآن لا يشبه آخر غضبان» (١).

فلما كان آخر «عثمان ورمضان» يشبه آخر نحو «غضبان» و «شعبان» في عدم دخول التأنيث عليهما منع من الصرف. ولذا لما زال الشبه بينهما بتصغير سرحان على سريحين صرف لأن تصغير غضبان : غضيبان.

وتكلم المبرد عن سبب المنع في مثل : عثمان وعريان وسرحان. قال : فإن كان (فعلان) ليس له (فعلى) أو كان على غير هذا الوزن مما الألف والنون فيه زائدتان ـ انصرف في النكرة ولم ينصرف في المعرفة

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١١.

٢٩٩

نحو : عثمان وعريان وسرحان. وإنما امتنع من الصرف في المعرفة للزيادة التي في آخره كالزيادة التي في آخر سكران ، وانصرف في النكرة ؛ لأنه ليست مؤنثه «فعلى» ، لأنك تقول في مؤنثه : عريانة وخمصانة ، فقد وجبت فيه حقيقة التذكير ، فمنزلة هذا من باب «غضبان» كمنزلة «أفكل» من باب أحمر وكمنزلة «حبنطى» من باب حبلى وسكرى (١).

وقد عرفنا أن وجه الشبه بين عثمان وغضبان مثلا ليس كاملا ؛ لأن مؤنث غضبان «فعلى» غضبى. ومؤنث ، عثمان ليس كذلك ولذا يصرف نحو عثمان وسرحان في التنكير ، ونزّل عثمان من غضبان منزلة أفكل من أحمر ؛ لأن مؤنث أحمر حمراء وليس أفكل كذلك.

وبيّن أبو إسحاق الزجاج علة منعه بقوله : «وإنما امتنع من الصرف في المعرفة أن آخره يشبه آخر «سكران» وأنه معرفة ، فإذا نكرته حططته عن المعرفة درجة فانصرف في النكرة» (٢).

ويبين علة الصرف في النكرة فيقول : «وإنما انصرف في النكرة لأنه أشبه «سكران» في الزيادتين ، وانحط في باب «سكران» لأنه ليس مثله في الحركة والسكون ، وأنه ليس له مؤنث على حدثه» (٣).

وذكر ابن السراج في «الأصول» بهذا الخصوص : «وكذلك كل اسم معرفته في آخره ألف ونون زائدتان ، زيدا معا ، فهو غير مصروف وذلك نحو : عثمان : اسم رجل لا تصرفه ، لأنه معرفة ، وفي آخره ألف ونون ،

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٣٦.

(٢) ما ينصرف ٣٦.

(٣) نفس المصدر ٣٦.

٣٠٠