الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

الفصل الثالث

الأعلام الأعجمية

آراء النحاة :

يقول النحاة إنه من المواضع التي يمنع فيها الاسم من الصرف موضع العلمية والعجمة أي أن يكون الأصل في الاسم العلم أجنبيّا (أي غير عربي من أية لغة كانت). كيوسف وإبراهيم. وذلك لأن «العجمة فرع من العربية» (١).

علامات العجمة :

ما علامات العجمة؟ وكيف يمكننا أن نفرق بين الاسم العربي والاسم الأعجمي؟

للإجابة عن ذلك نقول إن العلماء قد وضعوا علامات للعجمة يميزونها بها عن الأسماء العربية منها ما جاء في شرح المفصل والأسماء الأعجمية تعرف بعلامات منها خروجها عن أبنية العرب نحو إسماعيل وجبريل. ومنها مقاربة ألفاظ العجم لأنها غيرت إلى معربة نحو «إبراهام» إذ قالوا إبراهيم على الإخلاص ومنها ترك الصرف نحو : «إبليس». ولو كان عربيّا لانصرف. ومن زعم أنه من «أبلس» إذا يئس فقد غلط. لأن الاشتقاق لا يكون في الأسماء الأعجمية» (٢) كما جاء في شرح

__________________

(١) ما لا ينصرف.

(٢) شرح المفصل ١ / ٦٦.

٢٦١

التصريح على التوضيح قال : «وتعرف عجمة الاسم بوجوه : أحدها : نقل الأئمة. والثاني : خروجه عن أوزان الأسماء العربية كإبراهيم. والثالث : أن يعرّي عن حروف الذلاقة وهو خماسي أو رباعي ، وحروف الذلاقة ستة وهي : الميم والراء والباء الموحدة والنون والفاء واللام ... والرابع : أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب كالجيم والقاف بغير فاصل نحو «قج وجق» والصاد والجيم نحو الصولجان والكاف والجيم نحو : السكرجة ، والراء بعد النون أول كلمة نحو «نرجس» والزاي بعد الدال نحو مهندز» (١).

شروط منع الاسم الأعجمي من الصرف :

هناك شروط لمنع الأعجمي من الصرف لا بد من توافرها فيه لتحقيق هذا الحكم الإعرابي وهي :

١) أن يكون الاسم علما في اللغة التي كان فيها.

٢) أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف.

٣) أن يكون متحرك الوسط في الاسم الثلاثي.

والشرط الوحيد الذي لا يكاد يوجد فيه اختلاف بين العلماء هو الشرط الثاني ، أما الأول فقد ذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط علميته في لغته الأصلية.

وكذلك الشرط الثالث فيه خلاف ذهب بعضهم إلى عدم الالتفات

__________________

(١) التصريح على التوضيح ٢ / ٢١٩. وانظر الصبان ٣ / ٢٥٧ والهمع ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

٢٦٢

إلى الحرف الأوسط وأنه لا يؤثر في منع الاسم من الصرف أو عدم منعه. كما سنرى إن شاء الله.

جاء في الكتاب : «وأما إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وهرمز وفيروز وقارون وفرعون ، وأشباه هذه الأسماء فإنها لم تقع في كلامهم إلا معرفة على حد ما كانت في كلام العجم ، ولم تمكّن في كلامهم كما تمكّن الأول ، ولكنها وقعت معرفة ، ولم تكن من أسمائهم العربية فاستنكروها ولم يجعلوها بمنزلة أسمائهم العربية» (١).

وجاء في شرح الكافية : «العجمة : شرطها أن تكون علمية في العجمية وتحرك الأوسط أو زيادة على الثلاثة ، فنوح منصرف وشتر وإبراهيم ممتنع» (٢).

وفصّل المعنى المقصود باشتراط العلمية في العجمية فقال : «قوله علمية في العجمية أي كون الاسم علما في اللغة العجمية أي يكون قبل استعمال العرب له علما». وعلق على هذا الشرط بقوله : «وليس هذا الشرط بلازم بل الواجب أن لا يستعمل في كلام العرب أولا إلا مع العلمية سواء كان قبل استعماله فيه أيضا علما كإبراهيم وإسماعيل أو لا كقالون فإنه الجيّد بلسان الروم سمى نافع به رواية «عيسى» لجودة قراءته».

ثم بيّن السبب في إيجاد هذا الشرط فقال : «وإنما اشترط استعمال العرب له أولا مع العلمية ؛ لأن العجمة في الأعجمي تقتضي أن لا

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٩.

(٢) شرح الكافية ١ / ٥٣.

٢٦٣

يتصرف فيه تصرف كلام العرب ، ووقوعه في كلامهم يقضي أن يتصرف فيه تصرف كلامهم فإذا وقع أولا فيه مع العلمية ، وهي منافية للام والإضافة فامتنعا معها جاز أن يمتنع ما يعقبهما ، أيضا أعني التنوين رعاية لحق العجمة حين أمكنت فيتبع الكسر التنوين على ما هو عادته وبقي الاسم بعد ذلك قابلا لسائر تصرفات كلامهم على ما يقتضيه وقوعه فيه» (١).

وعند ما تكلم السيوطي عن شروط منع صرف الأعجمي فرّق بين نقطتين وهما مسألة الشخصية في الأعلام والجنسية ، وهذه الإشارة نجدها عند سيبويه كذلك (٢).

يقول السيوطي في الهمع العجمة وتمنع مع العلمية بشروط : أحدها أن تكون شخصية بأن ينقل في أول أحواله علما إلى لسان العرب كإبراهيم وإسرائيل ، فأول ما استعملتهما العرب استعملتهما علمين بخلاف الجنسية وهو ما نقل من لسان العجم إلى لسان نكرة كديباج ولجام وفيروز فإنها لنقلها نكرات أشبهت ما هو من كلام العرب فصرفت وتصرف فيها بإدخال الألف واللام عليها والاشتقاق منها. وهل يشترط أن يكون علما في لسان العجم؟ قولان ، المشهور : لا. وعليه الجمهور فيها نقله أبو حيان.

والثاني : نعم ، وعليه أبو الحسن الدباج ، وابن الحاجب ، ونقل عن ظاهر مذهب سيبويه.

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٥٣.

(٢) الكتاب ٢ / ١٩.

٢٦٤

وينبني على ذلك صرف نحو «قالون وبندار فينصرف على الثاني لأنه لم يكن علما في لغة العجم دون الأول لأنه لم يكن في كلام العرب قبل أن يسمى به» (١).

الشرط الثاني : أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف كإبراهيم وإسحق فإن كان ثلاثيّا صرف ، سواء تحرك الوسط كشتر اسم رجل ، أو لا كنوح ولوط ، وقيل يمنع متحرك الوسط إقامة للحركة مقام الحرف الرابع كما في المؤنث ، وفرّق الأول بأن العجمة سبب ضعيف فلا يؤثر دون الزيادة على الثلاثة ، وذلك لأنها متوهّمة ، والتأنيث ملفوظ به غالبا ، ولذلك لم تعتبر مع علمية متجددة ولا وصفية ، ولا وزن الفعل ، ولا تأنيث ولا زيادة.

وقيل يجوز في الساكن الوسط الوجهان الصرف والمنع ، وهو فاسد إذ لم يحفظ ، نعم إن كان فيه تأنيث تعين المنع (٢).

وجاء في حاشية الصبان على الأشموني : «مما لا ينصرف ما فيه فرعية المعنى ، بالعلمية ، وفرعية اللفظ يكون من الأوضاع العجمية لكن بشرطين :

أن يكون عجمي التعريف أي يكون علما في لغتهم. وأن يكون زائدا على ثلاثة أحرف وذلك نحو إبراهيم وإسماعيل وإسحاق. فإن كان الاسم عجمي الوضع غير عجميّ التعريف انصرف كلجام إذا سمي به رجل لأنه قد تصرف فيه بنقله عما وضعته العجم فألحق بالأمثلة العربية (٣).

__________________

(١) الهمع ١ / ٣٢.

(٢) الهمع ١ / ٣٢.

(٣) الحاشية ٣ / ٢٥٦.

٢٦٥

ويقول الأستاذ عباس حسن في النحو الوافي : «يمنع الاسم من الصرف للعلمية مع العجمة بشرطين : أولهما أن يكون علما في أصله الأعجمي .. ثانيهما : أن يكون رباعيّا فأكثر مثل : يوسف ، إبراهيم ، إسماعيل» (١) ويتضح لنا أن الشروط التي وضعت لمنع الأعجمي من الصرف ، قد اختلف فيها كما رأينا في الآراء التي قمنا بسردها فبالنسبة للشرط الأول وهو اشتراط كونه علما في لسان العجم ، رأينا أن هناك رأيين رأيا يقول بوجوب هذا الشرط وعليه أبو الحسن الدباج وابن الحاجب ونقل عن ظاهر مذهب سيبويه كما رأينا في النص الوارد عند السيوطي (٢) ورأيا يقول بعدم وجوب هذا الشرط وهو رأي الجمهور كما قال السيوطي نقلا عن أبي حيان (٣).

وجاء في حاشية الصبان على الأشموني : «وذهب قوم منهم الشلوبين وابن عصفور إلى منع صرف ما نقلته العرب من ذلك إلى العلمية ابتداء «كبندار» وهؤلاء لا يشترطون أن يكون الاسم علما في لغة العجم» (٤).

ويعلق الأستاذ عباس حسن على هذا الرأي بقوله : «ويرى بعض النحاة أنه لا داعي لاشتراط علميته في لسان الأعاجم قبل نقله علما إلى لغتنا وهذا أحق بالاتباع والتفضيل ، لأنه عملي ، فيه نفع وتيسير بغير إساءة للغتنا. فمن العسير اليوم بل من المستحيل أن نهتدي إلى

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ١٨٥.

(٢) الهمع ١ / ٣٢.

(٣) الهمع ١ / ٣٢.

(٤) الصبان ٣ / ٢٥.

٢٦٦

أصل كل علم أجنبي نريد التسمية به ، ونعرف : أهو علم في اللغة الأجنبية فنمنعه من الصرف أم غير علم فلا نمنعه» (١).

وهذا الرأي كما يقول الأستاذ عباس حسن رأي عملي وفيه يسر وسهولة وأنه لا داعي للفحص والتدقيق بأصل الكلمة الأجنبية لأن أصلها لا يؤثر على لغتنا في شيء فلا داعي لهذا الشرط لأن فيه صعوبة تستلزم علما باللغات ، وهذا غير متيسر لكل شخص.

ولكن قد يختلف الأمر في الوقت الحاضر حيث الترجمات متوفرة بجانب وجود مختصين في اللغات يمكن الرجوع إليهم للوصول إلى معرفة أصول الكلمات الأجنبية.

أما بالنسبة للشرط الثاني القائل بوجوب زيادة الاسم على أربعة أحرف فهذا الشرط لا يكاد يختلف فيه.

أما ما يتعلق بالنسبة بتحريك الحرف الأوسط في الثلاثي ، وأن هذه الحركة تؤدى إلى منع الاسم من الصرف بجانب جواز الصرف فهذا أمر مختلف والغالب من العلماء يذهب إلى صرف الثلاثي سواء تحرك وسطه نحو شتر ولمك أم سكن نحو نوح ولوط وذلك «لضعف فرعية اللفظ فيه لمجيئه على أصل ما تبني عليه الأسماء العربية» (٢).

«وقال في شرح الكافية قولا واحدا في لغة جميع العرب ، ولا التفات إلى من جعله ذا وجهين من السكون ، ومتحتم المنع مع الحركة ؛ لأن

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٢) حاشية الصبان ٣ / ٢٥٦.

٢٦٧

العجمة سبب ضعيف فلم تؤثر بدون زيادة على الثلاثة. قال وممن صرح بإلغاء عجمة الثلاثي مطلقا السيرافي وابن برهان وابن خروف ، ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفا ، ولو كان منع صرف العجمي الثلاثي جائزا لوجد في بعض الشواذ كما وجد غيره من الوجوه الغريبة» (١).

ولعل الحديث في هذا المجال يجرنا إلى الأعجمي الثلاثي والآراء التي قيلت فيه بقسميه ساكن الوسط ومتحركه.

* * *

__________________

(١) المصدر السابق ٣ / ٣٥٧.

٢٦٨

الأعجمي الثلاثي

هناك أعلام أعجمية الأصل وثلاثية وذلك نحو «شتر ولمك» وهما متحركا الوسط ، ونحو «نوح ولوط وهود» وهي ساكنة الوسط. فما موقف العلماء من هذين النوعين من الأعلام الأعجمية؟ أهي أعلام ممنوعة من الصرف؟ أم مصروفة؟ أم يمنعون نوعا ويصرفون آخر؟.

وللإجابة على مثل هذه الأسئلة نقول : إن الرأي الغالب عند النحاة هو صرف الأعجمي الثلاثي مطلقا سواء تحرك وسطه أم سكن ولا يلتفتون إلى حركة الوسط ولا يقارنونها بحركة المؤنث الثلاثي التي قلنا عنها إنها تقوم مقام الحرف الرابع كما في س «قر وقدم» اسمي امرأة ، ولكن الأمر مختلف في الأعجمي الثلاثي ولا ينظر إليه هذه النظرة ، لأن الأعجمية علة ضعيفة وتضعف أكثر إذا قلّ عدد حروف الأعجمي ، لأنها ليست من أصل اللغة بل واردة من لغة أخرى بخلاف المؤنث فهي علة قوية كما يقولون.

يقول سيبويه : «وأما هود ونوح ولوط فتنصرف على كل حال» (١) فقد أشار إلى ساكن الوسط دون متحركه ولكن يفهم أن مذهبه هو صرف النوعين كما أشار بذلك الرضي في شرح الكافية قال : «وعند سيبويه وأكثر النحاة تحرك الأوسط لا تأثير له في العجمة فنحو «لمك» عندهم منصرف متحتما ، «كنوح ولوط» فهم يعتبرون الشرطين المعينين كون الأعجمي علما في أول استعمال العرب له والزيادة على الثلاثة وهو

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٩.

٢٦٩

أولى وذلك أن تحرك الأوسط من المؤنث نحو «سقر» إنما أثر لقيامه مقام السادّ مسدّ علامة التأنيث ، أما العجمة ، فلا علامة لها حتى يسد مسدها شيء بل العجمي بمجرد كونه ثلاثيّا سكن وسطه أو تحرك» (١).

فقد صنّف سيبويه ضمن القائلين بصرف الثلاثي سواء تحرك وسطه أو سكن وهذا ما ذهب إليه أبو إسحاق الزجاج حيث يقول : «فأما ما كان نحو «سبك» وما أشبهه مما عدته ثلاثة فمصروف» (٢) و «سبك» أعجمي ثلاثي متحرك الوسط وإذا كان يصرف المتحرك فالساكن مصروف من باب أولى.

ويقول ابن السراج : «فإن كان الاسم العلم ثلاثيّا صرفوه لخفته نحو : نوح ولوط ، ينصرفان على كل حال» (٣).

فقد ذكر ابن السراج أن الأعجمي الثلاثي مصروف ولم يقيده بساكن الوسط أو متحركه مما يفيد أن النوعين مصروفان ، ولكنه اقتصر في ذكر الأمثلة على الساكن وهما نوح ولوط.

والزمخشري تجاوز ما ذهب إليه المصنف بأن جعل الأعجمي إذا كان ثلاثيّا ساكن الأوسط جائرا صرفه وترك صرفه مع ترجيح الصرف ، فقد جوّز تأثير العجمة مع سكون الوسط أيضا ، فكيف لا يؤثر مع تحركه وليس بشيء لأنه لم يسمع نحو «لوط» غير منصرف في شيء من الكلام ، والقياس المذكور أيضا يمنعه (٤).

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٥٣.

(٢) ما ينصرف ٤٥.

(٣) الأصول ، الموجز ٢ / ٩٤ ، ٧٣.

(٤) الكافية ١ / ٥٤.

٢٧٠

ويعلق الرضي على مذهب ابن الحاجب صاحب الكافية الذي ذهب إلى منع الأعجمي من الصرف بشرط العلمية في العجمة مع أحد الشرطين وهما إما الزيادة أو تحرك الأوسط (١). يعلق الرضي على مذهبه هذا بقوله : «والذي غرّه تحتم منع صرف «ماه وجور» ولو لا العجمة لكان مثل : «هند ودعد» يجوز صرفه وترك صرفه ، وذهل عن أن تأثير الشيء على ضربين إما لكونه شرطا كالزيادة على الثلاثة في التأنيث المعنوى وإما لكونه سبيا كالعدل في ثلاث والعجمة في «ماه وجور» من القسم الأول إذ لو كانت سببا في الثلاثي الساكن الأوسط لسمع نحو «لوط» غير منصرف في كلام فصيح أو غير فصيح» (٢).

وهناك فرق بين «ماه وجور» ، وبين «نوح ولوط» وذلك أن مما يرجح منع الصرف في ماه وجور ويقويه التأنيث ، وقد سبق أن قلنا إن المؤنث الثلاثي ساكن الوسط إذا وجد بجانب العلمية والتأنيث العجمة فإن ذلك يرجح علة المنع ويقويها. والتأنيث علة قوية ومن أصل اللغة كما قلنا بخلاف العجمة إذ هي علة واردة. ولهذا يقول الرضي : ويتبين بما تقدم علة وجوب صرف نحو «لوط» وجواز منع نحو «هند» مع أن كل واحد منهما ثلاثي ساكن الأوسط وذلك أن خفة الأول ألحقته بالعربي ، وأيضا فالتأنيث له معنى ثبوتي في الأصل ، وله علامة مقدرة تظهر في بعض التصرفات ، وهو التصغير بخلاف العجمة ، فإنه لا معنى لها ثبوتي بل معناها أمر عدمي ، وهو أن الكلمة ليست من أوضاع العرب ولا علامة لها مقدرة ، فالتأنيث أقوى منها» (٣).

__________________

(١) الكافية ١ / ٥٣.

(٢) شرح الكافية ١ / ٥٤.

(٣) شرح الكافية ١ / ٥٤.

٢٧١

وجاء في الارتشاف : «فإن كان ثلاثيّا بتحرك الوسط نحو «لمك وتتل» اسمي رجلين ففيه خلاف ، وإن كان ساكن الوسط نحو «نوح» فأكثر النحاة على الصرف تحرك الوسط أو سكن ، صرح بذلك الفارسي وابن برهان وابن خروف ، وأجاز عيسى بن عمر ، وتبعه ابن قتيبة وعبد القاهر الجرجاني فيه الصرف والمنع فإذا انضاف إلى ذلك التأنيث نحو «جور» فالمنع» (١).

ويقول ابن عقيل بهذا الخصوص : «وكذلك تصرف ما كان علما أعجميّا على ثلاثة أحرف ، سواء كان محرك الوسط كـ «شتر» ، أو ساكنه كـ «نوح ولوط» (٢) وورد مثل هذا الكلام في التصريح على التوضيح : «ونحو نوح ولوط» من الثلاثية الساكنة الوسط (وشتر) بفتح الشين المعجمة والتاء المثناة فوق اسم قلعة من أعمال «أزّان» بفتح الهمزة وتشديد الراء إقليم بأذربيجان (مصروفة) لكونها ثلاثية والعجمة ملغاة فيها.

صرح بذلك السيرافي وابن برهان وابن خروف (وقيل الساكن كنوح ولوط ذو وجهين) الصرف وعدمه كهند (والمحركة) أي الوسط كشتر (متحتم المنع) كزينب إقامة لحركة الوسط مقام الحرف الرابع وهذا التفصيل قال به عيسى بن عمر الثقفي وابن قتيبة والجرجاني والزمخشري» (٣).

وجاء في حاشية الشيخ ياسين تعليقا على هذا الكلام : «قوله وشتر

__________________

(١) ارتشاف الضرب ١ / ٩٦.

(٢) شرح ابن عقيل ٢ / ٢٥٩.

(٣) التصريح على التوضيح ٢ / ٢١٩.

٢٧٢

إلخ) قال الدنوشري : هذا مشكل بما تقدم في ماه وجور علمين على بلدين فإنه ذكر هنا أن العجمة لما انضمت إلى العلمية والتأنيث تحتم المنع ، وكذا يقال «شتر» على أنه أولى لتحرك وسطه منضما إلى العلمية والتأنيث. قال شيخ شيوخنا الملا عيسى الصفوي في شرحه على الكافية بعد أن ذكر ابن الحاجب أن «شتر» ممنوع من الصرف. وأما على مذهب الأكثر ، فصرح ابن هشام بأن «شتر» منصرف ونقله الشارح عن السيرافي وغيره. وقال الشيخ : «يجوز أن يكون امتناع صرفه لأجل التأويل بالقلعة فهو علم مؤنث ، وعلى هذا لا يتم ظاهر التفريع فتأمله .. (فإن قلت) في «هند ودعد» سببان مع سكون الوسط وقد جاز فيهما الصرف ومنعه فينبغي أن يجوز الصرف ومنعه في «نوح ولوط» لوجود السببين فيهما أيضا (قلت) إن التأنيث سبب محقق قوي فيمكن اعتباره مع سكون الوسط أما العجمة فهي سبب مقدر ضعيف ؛ لأن معناها أن هذا اللفظ كان مستعملا في لغة العجم» (١).

وجاء هذا الأمر بصورة أكثر تفصيلا في حاشية الصبان على الأشموني : «وكذا ينصرف العلم في العجمة إذا لم يزد على الثلاثة بأن يكون على ثلاثة أحرف لضعف فرعية اللفظ فيه لمجيئه على أصل ما تبنى عليه الآحاد العربية ولا فرق في ذلك بين الساكن الوسط نحو نوح ولوط ، والمتحرك نحو شتر ولمك. قال في شرح الكافية قولا واحدا في لغة جميع العرب ، ولا التفات إلى من جعله ذا وجهين مع السكون متحتم المنع مع الحركة ؛ لأن العجمة سبب ضعيف فلم تؤثر بدون زيادة على

__________________

(١) حاشية الشيخ ياسين على التصريح ٢ / ٢١٩.

٢٧٣

الثلاثة قال : وممن صرح بإلغاء عجمة الثلاثي مطلقا السيرافي وابن برهان وابن خروف ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفا ، ولو كان منع الصرف العجمي الثلاثي جائزا لوجد في بعض الشواهد كما وجد غيره من الوجوه الغريبة».

قلت الذي جعل ساكن الوسط على وجهين هو عيسى بن عمر وتبعه ابن قتيبة والجرجاني.

ويتحصل في الثلاثي أقوال : أحدها أن العجمة لا أثر لها فيه مطلقا وهو الصحيح. الثاني : أن ما تحرك وسطه لا ينصرف وفيما سكن وسطه وجهان. الثالث : أن ما تحرك وسطه لا ينصرف وما سكن وسطه ينصرف وبه جزم ابن الحاجب (١).

* * *

__________________

(١) الصبان ٢ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

٢٧٤

أقسام الأعجمي

ينقسم الأعجمي المنقول إلى اللغة العربية إلى قسمين :

الأول : ما عرّب من كلامهم من أسماء الأجناس وتمكن في الكلام العربي وصار جنسا شائعا واستعمل استعمال الأجناس وجرى مجرى الاسم العربي ، ولا يكون من أسباب منع الصرف ، واعتباره بدخول الألف واللام عليه وذلك كالإبريسم والديباج والفرند واللجام والإستبرق فهذا النوع من الأعجمي جار مجرى العربي يمنعه من الصرف ما يمنعه ويوجبه له ما يوجبه.

الثاني : من المعرب ما نقل علما نحو إسحاق ويعقوب وفرعون وهامان وختلخ وتكين ، فهذه في لغتها الأعجمية أعلام والأعلام معارف ، والمعرفة أحد الأسباب المانعة من الصرف وقد عربت بالنقل فزادها ذلك ثقلا (١).

١ ـ أسماء الأجناس :

يقول سيبويه : «اعلم أن كل اسم أعجمي أعرب وتمكن في الكلام فدخلته الألف واللام صار نكرة ، فإنك إذا سميت به رجلا صرفته إلا أن يمنعه من الصرف ما يمنع العربي وذلك نحو اللجام والديباج واليرندج والنيروز والزنجبيل والأرندج والياسمين فيمن قال ياسمين كما ترى والآجر» (٢).

__________________

(١) شرح المفصل ١ / ٦٦.

(٢) سيبويه ٢ / ١٩.

٢٧٥

ويقول المبرد : وما كان من الأعجمية معربا فهذا سبيله ، والمعرب منها ما كان نكرة في بابه ؛ لأنك تعرفه بالألف واللام ، فإذا كان ذلك كان حكمه حكم العربية ، لا يمنعه من الصرف إلا ما يمنعها ، فمن ذلك : راقود وجاموس ، وفرند ، لأنك تعرفه بالألف واللام ، فإذا كان معرفة في كلام العجم ، فغير منصرف لامتناعه بالتعريف الذي فيه من إدخال الحروف العربية عليه. وذلك نحو : إسحاق ، ويعقوب ، وفرعون ، وقارون لأنك لا تقول : الفرعون. ولو سميته بيعقوب ـ تعني ذكر القبج ـ لانصرف لأنه عربي على مثال يربوع ، والزوائد التي في أوله لا تمنعه من الصرف ، لأنها لا تبلغ به مثال الفعل ، لأن الفعل لا يكون على يفعول» (١).

فالرأي الغالب عند النحاة هو صرف العلم الأعجمي الثلاثي سواء تحرك وسطه أم سكن وذلك لضعف علة العجمة. بينما يرى بعض النحاة أن الثلاثي ساكن الوسط يجوز صرفه ومنعه من الصرف ، وأن المتحرك الوسط واجب المنع من الصرف. وثالث الآراء هو منع متحرك الوسط وصرف ساكنه كما ذهب ابن الحاجب. ولهذا يقول سيبويه : «وأما هود ونوح ولوط فتنصرف على كل حال لخفتها» (٢).

وجاء في «نوح» رأي آخر نوح منصرف لأنه خفيف وإن كان فيه العجمة والتعريف ، وقيل : هو منصرف لأنه عربي من ناح ينوح» (٣).

فقد ذكر ابن الأنباري رأيا جديدا في «نوح» فبالإضافة إلى الرأي السائد بأنه أعجمي على ثلاثة أحرف ومصروف لخفته فقد ذكر أنه

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٢٥ ، شرح المفصل ١ / ٧٠ ـ ٧١.

(٢) سيبويه ٢ / ١٩.

(٣) البيان في إعراب غريب القرآن ٢ / ١٢ ، وانظر نفس المصدر ٢ / ٤٢٩.

٢٧٦

عربي مشتق من «ناح ينوح» وهذا الرأي نجده كذلك في تفسير القرطبي حيث يقول : «قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً)(١) .. «ونوحا» قيل إنه مشتق من «ناح ينوح» وهو اسم أعجمي إلا أنه انصرف ، لأنه على ثلاثة أحرف» (٢).

هذا بالنسبة لهود ونوح ولوط ، وأما «عاد» فإنه منصرف في قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِ)(٣) ؛ لأن كل عجمي لا علامة فيه للتأنيث على ثلاثة أحرف فهو مصروف (٤).

وأما «ثمود» كما في قوله تعالى : (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ)(٥) ، (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ)(٦) فإن «ثمود» اسم عربي وإنما هو فعول من الثمد ، فمن جعله اسما لأب أو حي صرفه ، ومن جعله اسما لقبيلة ، أو جماعة لم يصرفه (٧) هذا إذا كان العلم الثلاثي الأعجمي مذكرا : «أما المؤنث كماه وجور فممنوع من الصرف لتقوّي العجمة بالتأنيث ، وإنما لم يجز في «نوح ولوط» الوجهان كما جاز في «هند ودعد» مع أن كلا وجد فيه سببان ؛ لأن التأنيث سبب قوي فيمكن اعتباره مع سكون الوسط بخلاف العجمة» (٨).

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٣٣.

(٢) تفسير القرطبي ٤ / ٦٢.

(٣) سورة الفرقان ، الآية : ٣٨.

(٤) انظر الأصول ٢ / ٩٨.

(٥) سورة هود ، الآية : ٦٨.

(٦) سورة هود ، الآية : ٦١.

(٧) المقتضب ٣ / ٣٥٤. الأصول ٢ / ٩٨.

(٨) شرح الكافية ١ / ٦١.

٢٧٧

وكذلك «إسحاق» إذا أردت به المصدر من قولك : أسحقه الله إسحاقا وتعرفه هذا من ذاك بأن إسحاق ويعقوب الأعجميين على غير هذه الحروف ، وإنما لاءمت هذه الحروف العرب (١).

ويتابع المبرد كلامه فيقول : «وإن كان الأعجمي قد أعرب ، ولم يكن على مثال الأسماء المنصرفة ولا غيرها ، صرف وصار كعربي لا ثاني له ، لأنه إذا عرّب فهو كالعربية الأصلية ، فمن ذلك آجر ، مصروف لدخوله في التعريف ، إذ كان نكرة ، فهو بمنزلة عربي منفرد ببنائه نحو : إبل وإطل وصعفوق» (٢).

ونتابع الحديث عن أسماء الأجناس الأعجمية فنورد هذا النص للزجاج : «وأما الأعجمية التي هي أسماء الأجناس ، نحو : «ديباج» و «ياسمين» و «فرند» و «إبريسم» و «آجر» و «جاموس» فهذه كلها مصروفة في بابها أيضا إن سميت بها رجلا ، وكذلك «ياسمين» و «سوسن» وإنما صرفت هذه ، لأنها دخلتها الألف واللام فتمكنت في العربية» (٣).

ويقول ابن السراج : «فأما ما أعربته العرب من النكرات من كلام العجم فأدخلت عليه الألف واللام فقد أجرته مجرى ما أصل بنائه له وذلك نحو : ديباج ، وإبريسم ، ونيروز ، وفرند ، وزنجبيل ، وسهريز ، وآجر ، فجميع هذا قد أعرب ، وأدخل عليه الألف واللام. فإن سميت بشيء من ذلك مذكرا صرفته ؛ لأن حكمه حكم العرب» (٤).

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٢٦.

(٢) المقتضب ٣ / ٦٢٣.

(٣) ما ينصرف ص ٥٤.

(٤) الموجز ٧٣ ، الأصول ٣ / ٩٤.

٢٧٨

وحين تحدث ابن جني في الخصائص عن أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم أكد مذهبه بقوله : «ويؤكد هذا عندك أن ما أعرب من أجناس الأعجمية قد أجرته العرب مجرى أصول كلامها ، ألا تراهم يصرفون في العلم نحو : آجر ، وإبريسم ، وفرند ، وفيروز ، وجميع ما تدخله لام التعريف. وذلك أنه لما دخلته اللام في نحو الديباج والفرند والسهريز والآجر أشبه أصول كلام العرب أعني النكرات فجرى في الصرف ومنعه مجراها» (١).

وتكلم ابن الأنباري عن «إستبرق» ضمن أسماء الأجناس وأنه مختلف. عن نحو إبراهيم فقال : «وإستبرق اسم أعجمي ، وهو غليظ الديباج وأصله (استبره) فأبدلوا من الهاء قافا كما قالوا : يرق ومهرق وأصله بالفارسية : يره ومهره. فأبدلوا من الهاء قافا فقالوا : يرق ومهرق ، وألفه ألف قطع وهو منصرف ، لأنه يحسن فيه دخول الألف واللام ، وليس باسم علم كإبراهيم ، ومن لم يصرفه فقدوهم» (٢).

ويقول أبو حيان : «فالجنسية ما نقلته العرب إلى لسانها نكرة فتصرفت فيه بإدخال أل تارة وبالاشتقاق تارة» (٣).

فالقسم الأول من الأسماء الأعجمية أسماء أجناس كما قلنا وقد نقلتها العرب إلى لغتها نكرة ثم عرفتها بإدخال الألف واللام عليها وأعطتها ما تعطيه الأسماء العربية من أحكام ، فيصرفها ما يصرف الأسماء العربية ،

__________________

(١) الخصائص ١ / ٣٥٧.

(٢) البيان في إعراب غريب القرآن ٢ / ٤٨٤.

(٣) الارتشاف ١ / ٩٦.

٢٧٩

ويمنعها من الصرف ما يمنع الأسماء العربية ولذا قلنا بأنها أسماء أجناس عرّبت وأخذت الأسماء العربية.

٢ ـ الأعلام الأعجمية :

وهو القسم الثاني من هذا الموضوع ، وهو ما نقل إلى العربية علما وقد كان علما في لغته الأعجمية ، وذلك مثل «إسحاق ويعقوب وفرعون» وهذه الأسماء ممنوعة من الصرف لأنها أعجمية ، ولأنها أعلام والأعلام معارف ، والمعرفة كما مرّت بنا من الأسباب المانعة من الصرف قال سيبويه : «وأما إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وهرمز وفيروز وقارون وفرعون وأشباه هذه الأسماء فإنها لم تقع في كلامهم إلا معرفة على حد ما كانت في كلام العجم ، ولم تمكّن في كلامهم كما تمكن الأول ولكنها وقعت معرفة ، ولم تكن من أسمائهم العربية فاستنكروها ولم يجعلوها بمنزلة أسمائهم العربية» (١).

وهذا القسم كما يقول سيبويه يشارك القسم الأول في عدم تمكنه ولكن الفرق بينهما أن هذه الأعلام كانت أصلا أعلاما في لغاتها فاستنكروها ولم يدخلوها ضمن الأسماء العربية بل بقيت متميزة عنها بخلاف القسم الأول الذي عرّف واستعمل استعمال الأسماء العربية.

ويقول المبرد : «فإذا كان معرفة في كلام العجم فغير منصرف لامتناعه بالتعريف الذي فيه من إدخال الحروف العربية عليه وذلك نحو : إسحاق ، ويعقوب ، وفرعون وقارون ، لأنك لا تقول : الفرعون» (٢).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٩.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٢٥. وانظر الأصول ٢ / ٩٤ ، والموجز / ٧٢ ـ ٧٣.

٢٨٠