الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

وطلوعها حمراء صافية

وغروبها صفراء كالورس

اليوم أعلم ما يجيء به

(ومضى بفضل قضائه أمس)

فأمس فاعل مضى وهو مكسور كما ترى» (١).

فالبناء على الكسر إذن هي «لغة الحجازيين لا يدخلونه في باب الممنوع من الصرف فيقولون مضى أمس بأحداثه ، فهنيئا للغد ، عرفت أمس فما ذا يكون اليوم ـ لم أهتم بأمس .. فكلمة «أمس» مبنية على الكسر في محل رفع أو نصب أو جر على حسب حالته بالجملة» (٢).

أحكام عامة في «أمس» :

١) في حالة تسمية الرجل بـ «أمس» فإنه ينصرف على لغتي الحجازيين وبني تميم. أما أنه يصرف عند الحجازيين فلأنه «أمس» هاهنا ليس على الحد ولكنه لما كثر في كلامهم وكان من الظروف تركوه على حال واحدة كما فعلوا ذلك «بأين» وكسرت كما كسروا «غاق» إذ كانت الحركة تدخله لغير إعراب كما أن حركة «غاق» لغير إعراب فإذا صار اسما لرجل انصرف ، لأنك قد نقلته إلى غير ذلك الموضع كما أنك إذا سميت بعناق صرفته ، فهذا يجري مجرى هذا كما جرى ذا مجرى لا» (٣).

وقد علق الزجاج على كلام سيبويه الذي سبق ذكره : «وحقيقة ما قال سيبويه أن «أمس» وجب ألا يعرب لأنه أشبه الحروف التي جاءت لمعنى ، لأن معناه أن كل يوم يلي يومك يقال له «أمس» فهو معرفة من غير جهة التعريف لأن تعريفه «الأمس» كما أن تعريف «غد» «الغد» فلما كان كذلك

__________________

(١) التصريح على التوضيح ٢ / ٢٢٦.

(٢) النحو الوافي ٤ / ١٩٨.

(٣) ما ينصرف ص ٩٤.

٢٤١

وكان ظرفا ، وضمن معنى الألف واللام وجب إسكانه ولكنه كسر لالتقاء الساكنين» (١).

وجاء في حاشية الشيخ ياسين على شرح «التصريح على التوضيح» قوله : «قال الزرقاني فائدة قال الرضي إذا سميت بأمس رجلا على لغة الحجازيين صرفته كما تصرف غاق إذا سميت به وذلك أن كل مفرد مبني تسمى به شخصا فالواجب فيه الإعراب مع الصرف كما يجيء في باب الأعلام» (٢).

وأما أنه يعرب مصروفا عند التسمية على لغة بني تميم ؛ فلذلك «لأنه لابد لك من أن تصرفه في الجر والنصب ، لأنه في الجر والنصب مكسور في لغتهم فإذا انصرف في هذين الموضعين انصرف في الرفع ، لأنك تدخله في الرفع ، وقد جرى له الصرف في القياس في الجر والنصب لأنك تعدله عن أصله في الكلام مخالفة للقياس ، ولا يكون أبدا في الكلام اسم منصرف في الجر والنصب ولا ينصرف في الرفع» (٣).

كما يقول الشيخ ياسين متابعا كلامه السابق الذي نقله عن الرضي «وإن سميت به على لغة بني تميم صرفته أيضا في الأحوال كلها ، لأنه لا بد من صرفه في النصب والجر ؛ لأنه مبني على الكسر عندهم فيهما ، وإذا صرفته في الحالين وجب الصرف أيضا إذ ليس في الكلام اسم منصرف في الجر والنصب غير منصرف في الرفع» (٤). وواضح أن الكلام عن بني تميم يخص المذهب الغالب عندهم وهو القائل بإعرابه

__________________

(١) ما ينصرف ص ٩٤.

(٢) حاشية الشيخ ياسين على التوضيح ٢ / ٢٢٦.

(٣) سيبويه ٢ / ٤٣ ـ ٤٤.

(٤) حاشية الشيخ ياسين على التصريح ٢ / ٢٢٦.

٢٤٢

إعراب ما لا ينصرف في حالة الرفع والبناء على الكسر في حالتي النصب والجر ، ولم يتكلم عن المذهب الآخر عندهم وهو القائل بمنعه من الصرف في جميع الحالات وذلك لأن هذا الكلام وهو القائل بصرفه عند تسميته يشمله من باب أولى فهو مفهوم بداهة ، لأنه إذا كان المبني يعرب بالصرف فمن باب أولى المعرب.

٢) إذا خالفت كلمة «أمس» الشروط التي ذكرناها فإنها تكون معربة منصرفة عند الحجازيين والتميميين وذلك بأن يراد بها يوم مبهم وذلك نحو قولنا : مضى أمس من الأموس الجميلة.

أو كان مضافا نحو : إن أمس العرب خير من حاضرهم.

أو كان محلّى بأل مثل قولنا : كان الأمس جميلا بهوائه ونقائه.

أو مصغرا نحو : سررت بأميس. وجاء بهذا الخصوص في حاشية الشيخ ياسين على التصريح ما يلي : «قال الدنوشري يفهم منه جواز التصغير وهو مذهب ، ومنعه بعضهم ، فقالوا لا يصغر ، والأول ذهب إليه المبرد والفارسي ، وابن مالك والحريري. الثاني عن سيبويه وقوفا منه مع السماع» (١).

والأولون اعتمدوا على التكسير ، فإن التكسير والتصغير أخوان. قال في الصحاح ولا يصغر أمس. اه.

وذكر نحوه الزرقاني ، وقال إن الرضي اقتصر على كلام سيبويه فقال ولا يصغر «أمس» كما لا يصغر «غدا» ، وإن ثني أو جمع فالإعراب ؛ لأن

__________________

(١) التصريح على التوضيح ٢ / ٢٢٦.

٢٤٣

اللام إنما قدّرت لتبادر الذهن إلى واحد من الجنس لشهرته من بين أشباهه فإذا ثنّي أو جمع ، لم يبق ذلك الواحد المعين فتظهر اللام لعدم شهرة ذلك المثنى والجموع من هذا الجنس شهرة الواحد. وقوله فتظهر اللام إذا أريد بأمس أمسان معينان وبالجمع أموس معينة ، فإن اللام تظهر لتدل على المعين بخلاف ما أريد واحد معين لما ذكر من الاشتهار ، وأما إذا أريد بالمثنى أمسان غير معينين وبالجمع أموس غير معينة ، فذلك كالمفرد المنكر ، فيستعملان كاستعماله (١).

٣) إذا كان أمس ظرفا مجردا من أل والإضافة فهو مبني على الكسر إجماعا لتضمنه معنى الحرف والظاهر أن الحرف المتضمن معناه هو «في» كما قال الدنوشري (٢).

ومثال الظرف قولنا : «ذهبت أمس إلى السوق».

٤) من الآراء التي وردت في إعراب «أمس» ما حكى ابن أبي ربيع أن بني تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف إذا رفع أو جرّ بمذ أو منذ فقط (٣).

ونلاحظ أن الإعراب حسب هذا الرأي مخصص جدّا ومقيد لدرجة تدعو إلى التساؤل ، لماذا خص الإعراب بهذين الحرفين من دون كل الحروف؟ ولكن ما يزيل استبعاد هذا الرأي هو كثرة لزوم هذين الحرفين (مذ ومنذ) لكلمة «أمس».

٥) ومن الآراء التي انفرد بها بعض العلماء هو ما زعم الزجاج أن من العرب من يبنيه على الفتح واستشهد بقول الراجز :

__________________

(١) حاشية الشيخ ياسين على التصريح ٢ / ٢٢٦.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٢٢٦.

(٣) الصبان على الأشموني ٣ / ٢٦٧.

٢٤٤

لقد رأيت عجبا منذ أمسا

قال في شرح التسهيل : ومدعاه غير صحيح ، لامتناع الفتح في موضع الرفع ولأن سيبويه استشهد بالرجز على أن الفتح في «أمسا» فتح إعراب وأبو القاسم لم يأخذ البيت من غير كتاب سيبويه ، فقد غلط فيما ذهب إليه ، واستحق أن لا يعوّل عليه» (١).

ولم أجد في كتابه «ما ينصرف» هذا الرأي للزجاج ، ومن الجائز أن يكون قد سمع أو قرئ عنه في كتب أو مخطوطات أخرى.

وجاء في حاشية الصبان في معرض الرد على رأي الزجاج هذا : «قال البعض أي لعدم وجدان الفتح في لسانهم في موضع الرفع ، فقالوا : مضى أمس بالرفع ولم يفتحوه ولو كان مبنيّا على الفتح في الأحوال كلها ، أي عند بعض العرب لسمع مضى أمس بالفتح. اه. وفيه تصريح بأن منقول الزجاج البناء على الفتح في كل الأحوال ، وحينئذ يتم التعليل ، أما إن كان منقوله البناء على الفتح على الجر فقط فلا» (٢). إذن فالدليل على عدم بناء «أمس» على الفتح كما سمع عن الزجاج هو عدم نيابة الفتح عن الرفع لأنه لم يسمع أن حل الفتح مكان الرفع عن العرب ، خاصة وأن السماع هو المعول عليه في مثل هذه الأحكام كما قلنا عن مذهبي الحجازيين وبني تميم ، فلو لا السماع لما صحّ لنا ادعاء تلك الأحكام السابقة.

وما ورد عن الزجاج بالبناء على الفتح من الممكن أن يكون قد قصد

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٦٧.

(٢) المصدر السابق ٣ / ٢٦٧.

٢٤٥

به رأي قلة من العرب لأنه قد أورد أن حكم «أمس» هو البناء وكان الأصل في بنائه هو السكون إلا أنه كسر لالتقاء الساكنين (١).

وقد ورد في حاشية الصبان في معرض رده كذلك على رأي الزجاج بيت للدلالة على إعراب «أمس» ومما يؤخذ على هذا الرد أن الزجاج لم يزعم البناء دوما «لأمس» ولكنه معرب عند جماعة ومبني عند آخرين كما رأينا فقد جاء في الأشموني : «ويدل للإعراب قوله :

اعتصم بالرجاء إن عنّ بأس

وتناس الذي تضمّن أمس» (٢)

والشاهد في البيت هو ورود «أمس» معربا إعراب ما لا ينصرف حالة الرفع.

«وأجاز الخليل في لقيته «أمس» أن يكون التقدير بالأمس ، فحذف الباء وأل ـ فتكون الكسرة كسرة إعراب» (٣).

٦) إذا زالت علميّة «أمس» دخلها تنوين التنكير ، نحو : سأزورك في أمس من الأموس. وإذا زال العدل بأن استعملت مقرونة «بأل» فهي معربة يمتنع تنوينها بسبب «أل» كما هو معروف. لا بسبب منع الصرف وكذلك عند الإضافة (٤).

* * *

__________________

(١) انظر ما ينصرف ص ٩٤.

(٢) حاشية الصبان ٣ / ٢٦٨.

(٣) المصدر السابق ٣ / ٢٦٨.

(٤) النحو الوافي ٤ / ١٩٩.

٢٤٦

خامسا : سحر

جاء في اللسان : «والسحر آخر الليل ، قبيل الصبح والجمع أسحار والسحرة سحر ، وقيل أعلى السحر ، وقيل هو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر ، يقال لقيته بسحرة ، ولقيته سحرة وسحرة يا هذا ولقيته سحرا وسحر بلا تنوين» (١).

وسحر ممنوع من الصرف بشروط :

١) أن يكون ظرف زمان.

٢) أن يراد به سحر يوم معين.

٣) أن يكون مجردا من أل.

٤) أن يكون مجردا من الإضافة.

فإذا تحققت فيه هذه الشروط امتنع من الصرف وذلك كقولنا : «قمت من النوم يوم الجمعة سحر».

فـ «سحر» هنا ممنوع الصرف لتحقق الشروط. فهو ظرف يوم معين مجرد من أل والإضافة ، منصوب على الظرفية دون تنوين ، وعلة منعه العلمية والعدل ، أما أنه علم فلأنه يدل على وقت معين خاص وأما أنه معدول ، فلأنه عدل عن لفظ «السحر» المقرون بأل التي هي للتعريف ، فكان الأصل فيه دلالته على الوقت المعين مقرونا بأل ، إلا أن العرب عدلت عن ذلك ونطقت به مجردا منها ،. يقول سيبويه :

__________________

(١) اللسان فصل السين حرف الراء ٦ / ١٣.

٢٤٧

«وكما تركوا صرف سحر ظرفا ، لأنه إذا كان مجرورا أو مرفوعا أو منصوبا غير ظرف لم يكن معرفة إلا وفيه الألف واللام أو يكون نكرة إذا جرّدتا منه ، فلما صار معرفة في الظرف بغير ألف ولام خالف التعريف في هذه المواضع ، وصار معدولا عندهم كما عدلت أخر عندهم فتركوا صرفه في هذا الموضع ، كما ترك صرف «أمس» في الرفع» (١).

وجاء في المقتضب بهذا الخصوص : «فأما (سحر) فإنه معدول ـ إذا أردت به يومك ـ عن الألف واللام» (٢).

ويقول الزجاج : «فأما «سحر» فلا اختلاف بين النحويين أن «سحر» لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة ، تقول «آتيك سحر يا هذا». و «قمت سحر» إذا أردت «آتيك السحر» الذي هو لليلتنا ، فإن أردت «سحرا» من الأسحار صرفت ، قال الله عزّ وجل : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)(٣) وإنما لم يصرف «سحر» لأن استعماله في الأصل بالألف واللام ، تقول «قمت في أعلى السحر يا هذا» ، فيؤدي عن المعنى الذي كان في الألف واللام بعينه ، وقد حذفنا ، فاجتمع فيه أنه معرفة بغير ألف ولام ، وأنه يراد به عهد الألف واللام» (٤).

وجاء في شرح الكافية للرضي بعد أن تكلم عن الظروف المعربة غير المنصرفة والتي أرود ضمنها سحر قال : «فتعريف هذه الأسماء إذن بكونها

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤٣.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٧٨.

(٣) سورة القمر ، الآية : ٣٤.

(٤) ما ينصرف وما لا ينصرف ٩٩.

٢٤٨

معدولة عن اللام ، فهي معدولة عن اللام وليست متضمنة لها كما تضمنت «أمس» في لغة أهل الحجاز أعني البناء إذ لو تضمنتها لبنيت بناء أمس ، والدليل على كونها معدولة عن اللام أن من قاعدتهم الممهدة أن لفظ الجنس لا يطلق على واحد معين منه ، إذا لم يكن مضافا إلا معرفا بلام العهد سواء كانت علما أو لا» ويتابع كلامه فيقول : «بلى وجد «سحر» من جملة هذه الأسماء المعينة ممنوعا من الصرف فاضطررنا إلى تقدير العلمية فيه بعد العدل عن اللام لتحصيل السببين» (١) فسحر من الظروف المعربة غير المنصرفة للعلمية والعدل عن أل «وسحر إذا أردت سحر ليلتك فهو معدول عن الألف واللام فهو لا يصرف ، تقول : لقيته سحر يا هذا فاجتمع فيه التعريف والعدل عن الألف واللام ، فإن أردت سحرا من الأسحار صرفته ، وإن ذكرته بالألف واللام أيضا صرفته» (٢).

وجاء في شرح الأشموني : «سحر إذا أريد به يوم بعينه فالأصل أن يعرف بأل والإضافة فإن تجرد منهما مع قصد التعيين فهو حينئذ ظرف لا ينصرف ولا يتصرف نحو جئت يوم الجمعة سحر ، والمانع له من الصرف العدل والتعريف» (٣).

وورد في مشكل إعراب القرآن للقيسي : «قوله تعالى (بسحر) إنما انصرف لأنه نكرة ، ولو كان معرفة لم ينصرف ، لأنه إذا كان معرفة فهو معدول عن الألف واللام ، إذ تعرّف بغيرهما ، وحق هذا الصنف أن يتعرف بهما ، فلما لم يتعرف بهما صار معدولا عنهما ، فنقل مع ثقل التعريف فلم

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ١٨٨.

(٢) الأصول ٢ / ٩٠.

(٣) الأشموني ٣ / ٢٦٥. انظر التصريح ٢ / ٢٢٣ ، الهمع ١ / ٢٢.

٢٤٩

ينصرف فإن نكر انصرف» (١) وذلك لزوال علله المانعة من الصرف. و «سحر» إذا كان معرفة ، فإنه لا ينصرف ولا يتصرف ، ونعني بالانصراف دخول التنوين ونعني بالتصرف نقله عن الظرفية إلى الاسمية ، فإنه لم يستعمل في حالة التعريف إلا ظرفا. وإذا نكر جاز نقله عن الظرفية إلى الاسمية (٢).

وجاء في شرح المفصل لابن يعيش أن «سحر» من الكلمات التي لم تستعمل إلا ظرفا لخروجها عن التمكن بتضمنها ما ليس أصلا ، وبيّن أن «سحر» إذا أردت به سحر يومك فإنه غير متصرف ولا منصرف والذي منعه من الصرف أنه معدول عن الألف واللام معرفة ، ومعنى ذلك أنه إذا أردت به سحر يومك الذي أنت فيه فتزيد فيه الألف واللام للتعريف ثم غيّر عن لفظ ما فيه الألف واللام مع إرادة معناهما كما عدل جمع في قولك جاءت النساء جمع وهو معرفة فاجتمع فيه العدل والتعريف فلم ينصرف لذلك (٣).

وقد علمنا فيما سبق أن العدل هو نطقنا ببناء ونحن نريد بناء آخر نحو عمر عن عامر ، وزفر عن زافر ، وهكذا ، فهل هذا المعنى الذي أريد به التوسع في اللغة موجود في نحو سحر المنقول عن السحر إذ لا فرق بين اللفظين إلا وجود الألف واللام وعدم وجودهما؟ ويجيب ابن يعيش عن هذا التساؤل بقوله : «فالجواب أن «سحر» وإن كان فعلا كما أن «السّحر» كذلك فإنه لما اتصلت به لام التعريف صارت لامتزاجها بما عرفته كأنها

__________________

(١) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٣٣٩.

(٢) البيان في إعراب غريب القرآن ٢ / ٤٠٦.

(٣) شرح المفصل ٢ / ٤٢.

٢٥٠

جزء منه فجرت اللام في «السّحر» مجرى همزة أحمر وإجفيل وإخريط وتاء تجفاف وياء يرمع فلما عدلت «سحر» صار كأنك عدلت مثالا من هذه الأمثلة إلى فعل» (١) نلاحظ مما سبق أن هذا التعليل فيه نوع من التكلف مرده أن لفظي «سحر» موجودان في اللغة وقد نطقت العرب بهما ، ولكل موضعه وخصائصه البلاغية ، فلماذا لا نرجع إلى المنطوق من العرب بدلا من البحث المتكلف فيه ، كي تسير القاعدة النحوية باطراد؟ وفي ذلك ما فيه من البعد عن الواقع والحقيقة؟.

إذن خلاصة القول في «سحر» هو أنه ممنوع من الصرف للعلمية والعدل بالشروط السالفة الذكر ، بحيث لو زال منها شرط فإنه يصرف فإن نكر انصرف نحو قوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) لأنه قد زال السببان معا بالتنكير ، لأنه إنما كان معدولا في حال التعريف ، وكذلك إذا دخلته الألف واللام صرفته نحو السحر ، لأنك قد رددته إلى الأصل فزال العدل (٢).

قلنا إذا زال أحد تلك الشروط فإنه يصرف وذلك لأنه لو «لم يكن لفظ «سحر» ظرف زمان بأن كان اسما محضا ، معناه الوقت المعين دون دلالة على ظرفية شيء وقع فيه ، وجب تعريفه «بأل» أو «بالإضافة» إذا أريد منه أن يدل على التعيين ، ولا تصح العلمية ، نقول السحر أنسب الأوقات للتفكير الهادئ وصفاء الذهن ، وعجيب أن يغفل الناس عن سحرهم وأن يقضوا سحرهم نائمين (٣).

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤١ ـ ٤٢.

(٢) شرح المفصل ٢ / ٤٢ ، شرح الكافية ١ / ٦٦.

(٣) النحو الوافي ٤ / ١٩٦.

٢٥١

وكذلك إن لم يدل على التعيين وذلك بأن تريد به «سحرا من الأسحار صرفته لأنه غير معدول ، ألا ترى أنك تقول : جاء زيد في ليلة سحرا ، وقمت مرة سحرا ، وكل سحر طيب فهذا منصرف» (١).

«وإن كان ظرفا معينا لكنه غير مجرد من «أل» و «الإضافة» وجب صرفه كذلك نحو : سأسافر يوم الخميس من السحر إلى العصر ، أو أعود يوم السبت سحره» (٢).

ومن الحالات التي يصرف فيها «سحر» ما أورده سيبويه فهو يقول «وكذلك» «سحر» اسم رجل تصرفه وهو في الرجل أقوى لأنه لا يقع ظرفا ولو وقع اسم شيء وكان ظرفا ولو وقع اسم شيء وكان ظرفا صرفته وكان كأمس لو كان أمس منصوبا غير مكسور (٣).

وعلق السيرافي على هذا فقال : «قوله وهو في الرجل أقوى إلخ ..» يعني لو سمينا وقتا من الأوقات أو مكانا من الأمكنة التي تكون ظرفا بسحر وجعلناه لقبا له لانصرف ، لأنه ليس هو بالشيء المعدول ، وكان كأمس لو سميت به.

وقوله : «وهو في الرجل أقوى» يعني أن الصرف في الرجل أقول لأنه لا يقع ظرفا» (٤).

وجاء في المقتضب حول تسمية الرجل بسحر : «فإن سميت به رجلا

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٧٨.

(٢) النحو الوافي ٤ / ١٩٦.

(٣) سيبويه ٢ / ٤٤.

(٤) شرح السيرافي على سيبويه ٢ / ٤٤.

٢٥٢

فلا اختلاف في صرفه ، فيقال لسيبويه : «ما بالك صرفت هذا اسم رجل ، ولم تفعل مثل ذلك في باب «أخر»؟ فمن حجة من يحتج عنه أن يقول : إن «أخر» على وزن المعدول ، وعدل في باب النكرة ، فلما امتنع في النكرة كان في المعرفة أولى. وأما أنا فلا أرى الأمر فيها إلا واحدا ، ينصرفان جميعا إذا كانا لمذكر ، وترجع أخر إذا فارقه العدل إلى باب صرد ونغر» (١).

فالمبرد لم يفرق بين «سحر» و «أخر» في حالة تسمية الرجل بهما إذ يصرفهما جميعا دونما تفريق بينهما ، بينما فرق سيبويه حيث صرف سحر عند التسمية به ومنع في باب «أخر» ؛ لأنه نظر إليه على أنه أصل الباب وعلى وزن فعل.

* * *

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٧٩.

٢٥٣

«الاختلاف في إعراب «سحر» وبنائه»

هناك اختلاف بين النحاة في «سحر» أمعرب هو أم مبني؟ وما علة إعرابه إعراب ما لا ينصرف؟ ولماذا قال بعض النحاة ببنائه؟. ويلاحظ أن الرأي السائد هو القائل بأنه معرب إعراب ما لا ينصرف وهو رأي الجمهور ، وعلة بنائه عندهم كما رأينا فيما سبق هو العلمية والعدل ، وعرفنا أن العدل المقصود في «سحر» هو عدله عن الألف واللام. بينما ذهب آخرون إلى أنه ممنوع للعدل وشبه العلمية وهو اختيار ابن عصفور. وقال السهيلي على نية الإضافة وذكر الشلوبين الصغير أنه على نية أل ، فعلى هذين القولين ليس من باب ما لا ينصرف (١) وذلك لفقدان العلمية أو شبهها من الاسم ، والعلمية كما نعلم علة قوية لمنع الاسم من الصرف.

١) إذن رأي الجمهور أنه معرب إعراب ما لا ينصرف للعدل والعلمية أو شبهها.

٢) ذهب السهيلي والشلوبين الصغير إلى أنه معرب مصروف أما مسألة عدم تنوينه فقد اختلفا فيها فذهب السهيلي إلى أنه على نية الإضافة وذهب الشلوبين الصغير إلى أنه على نية أل (٢).

٣) الرأي الثالث في «سحر» هو القائل ببنائه وهو رأي أبي الفتح ناصر ابن أبي المكارم المطرزي تلميذ الزمخشري ، وعلل رأيه هذا بأن «سحر»

__________________

(١) الارتشاف ١ / ٩٥ ، التصريح على التوضيح ٢ / ٢٢٣.

(٢) الهمع ١ / ٢٩.

٢٥٤

تضمن معنى الحرف «اللام» فبني لذلك كما بني «أمس» عند الحجازيين (١) ، وذهب ابن الطراوة هذا المذهب «ونصره أبو حيان فقال الفرق بين سحر وأمس عندي يعسر» (٢).

الرد على هذا الرأي :

وقد رد على هذا الرأي القائل ببناء «سحر» من عدة أوجه :

١) أنه لو كان مبنيّا لكان غير الفتح أولى به لأنه في موضع نصب فيجب اجتناب الفتحة فيه لئلا يتوهم الإعراب كما اجتنبت في «قبل وبعد والمنادى المبني» (٣).

٢) ومنها أنه لو كان مبنيّا لكان جائز الإعراب جواز إعراب «حين» في قوله : «على حين عاتبت المشيب على الصبا».

(الشاهد فيه ههنا في «على حين» حيث يجوز فيه الإعراب والبناء على الفتح) لتساويهما في ضعف سبب البناء بكونه عارضا ، وكأن يكون علامة إعرابه تنوينه في بعض المواضع ، وفي عدم ذلك دليل على عدم البناء ، وأن فتحته إعرابية وأن عدم التنوين إنما كان من أجل منع الصرف» (٤).

٣) ومنها أن دعوى منع الصرف أسهل من دعوى البناء ؛ لأن البناء أبعد من الإعراب الذي هو الأصل في الأسماء ، ودعوى الأسهل أرجح من دعوى غير الأسهل ، وإذا ثبت أن «سحر» غير مبني ثبت أنه غير مضمن معنى حرف التعريف ، وإنما هو معدول عما فيه حرف التعريف ، والفرق

__________________

(١) انظر الارتشاف ١ / ٩٥ ، التصريح ٢ / ٢٢٤ ، الهمع ١ / ٢٨ ، الأشموني ٣ / ٢٢٦.

(٢) الهمع ١ / ٢٨.

(٣) التصريح ٢ / ٢٢٤ ، الصبان ٣ / ٢٦٦ ، الهمع ١ / ٢٨.

(٤) التصريح ٢ / ٢٢٤ ، الصبان ٣ / ٢٦٦.

٢٥٥

بين التضمين والعدل ، أن التضمين استعمال الكلمة في معناها الأصلي مزيدا عليه معنى آخر ، والعدل تغيير صفة اللفظ مع بقاء معناه ، وعند صدر الأفاضل وارد على صيغته الأصلية ، ومعناها وهو التنكير مزيدا عليه معنى حرف التعريف (١).

فهذه هي الردود التي رد بها العلماء على رأي أبي الفتح المطرزي وتتلخص بأنه لو كان مبنيّا لكان بناؤه غير الفتح لئلا يلتبس الأمر بالنصب حيث هو ظرف منصوب. وكذلك لو كان مبنيّا لكان جائز الإعراب إذ البناء لا يمنع الإعراب في الظروف خاصة كما رأينا في «حين» وعلمنا أيضا أن المنع أسهل من البناء لأنّ الأصل في الأسماء هو الإعراب بالتنوين (الصرف) ثم يأتي بعده الإعراب دون تنوين (المنع من الصرف) في المرتبة التالية. وذلك بعد التغييرات التي تحدث في الاسم لتمنعه من الصرف كما يقول النحاة.

وبعد هذين الإعرابين الأصليين يأتي البناء حين يشبه الاسم جانبا من جوانب الحروف التي تستدعي بناء الاسم ، وبما أن المنع أقرب إلى الأصل وأسهل ، فإننا نرجح هذا الأسهل ونقويه.

٤) رابعا أنه لا معرب ولا مبني ، وهي مفروضة في «سحر» المراد به معين المجعول ظرفا ، فإن نكّر صرف ، وإن أريد به معين ولم يجعل ظرفا قرن بأل أو أضيف وجوبا كما صرح به الدماميني (٢).

* * *

__________________

(١) التصريح ٢ / ٢٢٤.

(٢) حاشية الصبان على الأشموني ٣ / ٢٦٦.

٢٥٦

الواقع اللغوي

علمنا مما ذكر أن الأعلام المعدولة نوعان «فعل» «كعمر وزفر ومضر» وهي تمنع من الصرف بالاتفاق. و «فعال» كحذام وقطام وفيه اختلاف بين أهل الحجاز وبني تميم ، فالحجازيون يبنونه على الكسر ، وأما بنو تميم فإنهم قالوا : إذا لم يكن العلم مختوما بالراء كحذام وقطام فإنهم يعربونه إعراب ما لا ينصرف ، وأما المختوم بالراء كسفار ووبار فإنهم يبنونه على الكسر مثل الحجازيين.

وقد أوردت هذه القاعدة ؛ لأنه كما سنرى قد استعمل العلم المختوم بالراء ممنوعا من الصرف كما في قول «لبيد» :

بل ما تذكر من نوار وقد نأت

وتقطعت أسبابها ورمامها (١)

وقال في بيت آخر :

أو لم تكن تدري نوار بأنني

وصّال عقد حبائل صرامها (٢)

بينما جاءت «نوار» مصروفة في البيت التالي وهو «لأبي الحنّان» :

ولو سمعت تدلّلها نوار

تبيت بمشرف نائي الشّمام (٣)

وجاء عند «أعشى باهلة» كلمة «مضر» على وزن «فعل» إذ ذكرها بقوله :

__________________

(١) الجمهرة ١ / ٢٩٦.

(٢) الجمهرة ١ / ٣١٩.

(٣) شرح الهذليين ٢ / ٨٩٨.

٢٥٧

تأتي على الناس لا يلوى على أحد

حتى أتتنا وكانت دوننا مضر (١)

وقد ورد هذا البيت في «الأصمعيات» لنفس الشاعر ، ولكن مع اختلاف بسيط وهو جعل «التقينا» بدلا من «أتتنا» في بداية الشطر الثاني (٢).

ومن هذه الأعلام أيضا «جشم» الذي أورده «الكلحبة» في بيت شعر ذكر في «الأصمعيات» يقول فيه :

تسائلني بنو جشم بن بكر

أغرّاء العرادة أم بهيم (٣)

* * *

__________________

(١) الجمهرة ٢ / ٧١٠.

(٢) الأصمعيات ٨٩.

(٣) المفضليات / ٣٣.

٢٥٨

الأعلام المعدولة

عدد الأبيات ٦ أبيات موزعة على النحو التالي :

١

٣

أبيات من جمهرة أشعار العرب.

٢

١

بيت واحد من المفضليات.

٣

١

بيت واحد من الأصمعيات.

٤

١

بيت واحد من شرح أشعار الهذليين.

جدول الأسماء المصروفة

الرقم

الكلمة المصروفة

عدد مرات الصرف

اسم الشاعر

١

نوادر

١

أبو الحنان

٢٥٩
٢٦٠