الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

قولك رباب ، وسحاب ، وجمال. وأما المؤنث فنحو قولك : عناق ، وأتان وصناع. فما كان من هذا مذكرا فمصروف إذا سميت به رجلا أو غيره من المذكر. وما كان فيه مؤنثا فغير مصروف في المعرفة ، ومصروف في النكرة لمذكر كان أو لمؤنث ، وأما ما كان معدولا فمجراه واحد في العدل وإن اختلفت أنواعه. فمن ذلك ما يقع في معنى الفعل نحو قولك : حذار يا فتى. ونظار يا فتى ، ومعناه : احذر وانظر ، فهذا نوع. ومنه ما يقع في موضع المصدر نحو قولك : الخيل تعدو بداد يا فتى ومعناه بددا ، ومثله : لا مساس يا فتى ، أي : لا مماسّة. فهذا نوع ثان. وتكون صفة غالبة حالة محل الاسم ، كتسميتهم المنية حلاق يا فتى فهذا نوع ثالث.

والنوع الرابع : ما كان معدولا للنساء نحو : حذام وقطام ، إلا أن جملة هذا أنه لا يكون شيء من هذه الأنواع الأربعة إلا مؤنثة معرفة. فأما ما لم يكن كذلك فغير داخل في هذا الباب (١).

وما يهمنا في هذا النص الذي ذكرنا هو النوع الرابع أي الأعلام المؤنثة التي على وزن «فعال» والتي وصفها النحاة بأنها معدولة وكذلك الأنواع الثلاثة الأولى المذكورة وهي اسم الفعل نحو ، حذار ، والمصدر : نحو بداد ، والصفة الحالة محل الاسم كتسميتهم المنية بحلاق ، كل هذه الأنواع إذا سمينا بأحد منها مؤنثا «فإن بني تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسم لا ينصرف وهو القياس ؛ لأن هذا لم يكن اسما علما ، فهو عندهم بمنزلة الفعل الذي يكون فعال محدودا عنه ، وذلك الفعل افعل ، لأن فعال لا يتغير عن الكسر ، كما أن افعل لا

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٦٨.

٢٢١

يتغير عن حالة واحدة ، فإذا جعلت افعل اسما لرجل أو امرأة ، تغير وصار فى الأسماء ، فينبغى لفعال التى هى معدولة عن افعل أن تكون بمنزلته بل هى أقوى ، وذلك أن فعال اسم للفعل فإذا نقلته إلى الاسم نقلته إلى شيء هو مثله» (١).

إذن فالأنواع الأربعة المعدولة إذا سمينا بها امرأة منعت من الصرف للعلمية والعدل. وهنا سؤال يطرح نفسه فمثلا ذكر المبرد في النص أن الأسماء الواردة على صيغة «فعال» خمسة أنواع أربعة منها معدولة ، وهي التي تكلمنا عنها وضرب على وجهه أي غير معدول ، وهو قسمان مذكر كرباب وسحاب ومؤنث كعناق وأتان وصناع. والمذكر منهما مصروف سواء سمينا به مذكرا أو غيره ، أما المؤنث «فغير مصروف في المعرفة ومصروف في النكرة لمذكر كان أو لمؤنث» (٢) ولم يذكر العلة في منع هذا النوع الذي قال عنه إنه غير معدول ، وبالتأكيد هو ممنوع للعلمية والتأنيث. والسؤال المطروح هو : لماذا جعل علة المنع مختلفة في هذا النوع عنه في الأنواع الأربعة الأخرى مع أنها جميعا على وزن «فعال»؟ ولماذا قلنا عن هذا الضرب أنه على وجهه بينما نظرنا إلى الأضرب الأخرى على أنها معدولة؟ وأرى أننا لو ذهبنا إلى القول إن سبب المنع هو العلمية والتأنيث ، أو العلمية ووزن «فعال» لكان أقوى وأقرب عن تكلف تصور العدل.

وبعد ، فإن كانت صيغة «فعال» مختومة بالراء مثل : وبار اسم قبيلة

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤٠.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٦٨.

٢٢٢

عربية ، و «ظفار» علم بلدة باليمن ، و «سفار» علم على بئر. فالموقف هنا مختلف عن سابقه ، وبينما ذهب التميميون كما رأينا إلى إعراب نحو «قطام وحذام» إعراب ما لا ينصرف نرى أكثرهم يبنون الأعلام المختومة بالراء على الكسر في كل الحالات ولذلك يقول سيبويه : «فأما ما كان آخره راء ، فإن أهل الحجاز وبني تميم فيه متفقون ، ويختار بنو تميم فيه لغة أهل الحجاز» (١) وهي البناء على الكسر وقد يجوز فيه أن ترفع وتنصب ما كان في آخره الراء ، قال الأعشى :

ومرّ دهر على وبار

فهلكت جهرة وبار (٢)

والقوافي مرفوعة (٣).

الشاهد فيه إعراب «وبار» ورفعها ، والمطرد فيما كان في آخره الراء أن يبنى على الكسر في لغة أهل الحجاز ولغة بني تميم ؛ لأن كسرة الراء توجب إمالة الوقف ، والارتفاع إذا رفعوا ؛ لأن الشاعر إذا اضطر أجرى ما كان في آخره الراء على مقياس غيره مما يبنى على فعال وأعرب في لغة بني تميم ، فاضطر الأعشى فرفع ، لأن القوافي مرفوعة (٤).

ويتابع سيبويه كلامه فيقول : «والحجازية هي اللغة الأولى القدمى فزعم الخليل أن إجناح الألف أخف عليهم ، يعني الإمالة ليكون العمل من وجه واحد فكرهوا ترك الخفة وعلموا أنهم إن كسروا الراء وصلوا إلى ذلك وأنهم إن رفعوا لم يصلوا» (٥).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤٠.

(٢) البيت للأعشى وهو من بني قيس ، ومنزله باليمامة ، وبها بنو تميم.

(٣) سيبويه ٢ / ٤١.

(٤) هامش سيبويه ٢ / ٤١.

(٥) سيبويه ٢ / ٤١.

٢٢٣

وجاء في المقتضب : «وما كان في آخره راء من هذا الباب فإن بني تميم يتبعون فيه لغة أهل الحجاز ، وذلك أنهم يريدون إجناح الألف ، ولا يكون ذلك إلا والراء مكسورة» (١).

ويؤكد القاعدة السابقة ما يقوله ابن السراج في موجزه : «وجميع ما ذكر (من صيغة فعال المؤنثة المعدولة) إذا سمي به امرأة فبنو تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسم لا ينصرف. فأما ما كان آخره راء ، فإن بني تميم وأهل الحجاز يتفقون على البناء ، وذلك : سفار اسم ماء ، وحضار اسم كوكب» (٢) وقد ورد نفس المعنى عند الزجاج في كتابه «ما ينصرف وما لا ينصرف» وبيّن فيه أن لغة بني تميم تعرب نحو حذام وقطام ورقاش بالضمة رفعا وبالفتحة نصبا وجرّا دون تنوين وذكر أيضا أن ما كان في آخره راء نحو : وبار ، سفار ، خمار فإن بني تميم وأهل الحجاز يذهبون مذهبا واحدا وهو البناء على الكسر. وقد يعربون ما في آخره راء كما رأينا في البيت السابق للأعشى (٣) ويقول في شرح الكافية : «علم الأعيان المؤنثة ، فلغة الحجازيين بناؤه كلّه قيل لمشابهتها أيضا لنزال وزنا وعدّا مقدرا ، وبنو تميم افترقوا فرقتين أكثرهم على أن ذات الراء من هذا القسم مبنية على الكسر للوزن والعدل المقدر كخمار وأنهما قدروا العدل فيها تحصيلا للكسر اللازم بسبب البناء إذ كسر الراء مصحح للإمالة المطلوبة المستحسنة. وغير ذات الراء كقطام معربة غير منصرفة للتأنيث والعلمية ، ولم يحتاجوا في ترك الصرف ههنا إلى تقدير العدل كما

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٧٥.

(٢) الموجز ص ٧١.

(٣) انظر ما ينصرف ص ٧٦.

٢٢٤

احتيج إليه في عمر إلا أن بعض النحاة يقدرونه فيه من غير ضرورة لأنه من باب خمار الذي وجب تقدير العدل فيه لغرض البناء الذي هو سبب الإمالة فقدروه فيه أيضا طردا للباب ، وأقلهم على أن جميع هذا القسم غير منصرف من ذوات الراء كان ، أولا» (١).

وجاء في شرح التصريح على التوضيح : «من المعدول (فقال) : علما للمؤنث كحذام وقطام في لغة بني تميم ، وتميم أبو قبيلة وهو تميم بن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر (فإنهم يمنعون صرفه) واختلف في علة ذلك (فقال سيبويه للعلمية والعدل عن فاعلة) ويرجحه أن الغالب على الأعلام أن تكون منقولة (وقال المبرد للعلمية والتأنيث المعنوي كزينب) ويرجحه أنهم لا يدعون العدل في نحو طوى» (٢).

ثم تكلم عن المختوم بالراء وبيّن أنّ الحجازيين وبني تميم متفقان على بنائها على الكسر ، وقد أورد بيت الأعشى السابق ذكره والذي ورد فيه «وبار» مبنيّا مرة ، ومعربا إعراب ما لا ينصرف مرة أخرى. وجاء في حاشية الشيخ ياسين على التصريح تعليقا على هذا البيت : «قال الدنوشرى قد يقال إن هذا الشاعر لا يخلو من أن يكون من غير بني تميم أو منهم وعلى تقدير كونه منهم ، لا يخلو من أن يكون من الكثير منهم أو من القليل الذين يعربون ما آخره راء ، فإن كان الأول أشكل الحال ، وعلى الأول من الثاني منه يشكل بأن القليل لا يبنون. اه.

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٤٦.

(٢) التصريح على التوضيح ٢ / ٢٢٥.

٢٢٥

وكتب شيخنا العلامة الغنيمي بعده أقول على كل تقدير لا إشكال إذ العربي يجوز له أن يتكلم غير لغته وهذا بعد تسليم أنه عربي وأنه يحتج بكلامه والله أعلم بالصواب. ثم كتب الدنوشري بعد قول هذا المعقب أقول على كل تقدير لا إشكال «كلام ساقط لا يصدر عن جاهل فضلا عن فاضل أما أولا : فإن العربي لا يتكلم بغير لغته ولو قطع إربا إربا كما في مسألة الكسائي وسيبويه (١). وأما ثانيا : فلأن الأعشى ميمونا لا ينكر أحد الاحتجاج بكلامه وأنه عربي خالص. اه. والحق أن العربي يتكلم بغير لغته ولا يتكلم بالخطأ ، وسيبويه ظن أن ما قاله الكسائي في مسألة الزنبور خطأ» (٢).

قال أبو سعيد : «اعلم أن بني تميم تركوا لغتهم في قولهم : «هذا حضار وسفار ، وتبعوا لغة أهل الحجاز بسبب الراء وذلك أن بني تميم يختارون الإمالة ، وإذا ضموا الراء ثقلت عليهم الإمالة وإذا كسروها خفت الإمالة أكثر من خفتها في غير الراء ؛ لأن الراء حرف مكرر ، والكسرة فيها مكررة كأنها كسرتان ، فصار كسر الراء أقوى في الإمالة من كسر غيرها ، وصار ضم الراء في منع الإمالة أشدّ من منع غيرها من الحروف ، فلذلك اختاروا موافقة أهل الحجاز (٣).

وخلاصة ما ذكر هو جواز الأمرين البناء والإعراب في الأعلام المختومة بالراء أما البناء فجريا على القاعدة وكلام الحجازيين وأغلب

__________________

(١) المسألة الزنبورية.

(٢) حاشية الصبان على الأشموني ٣ / ٢٦٩.

(٣) المخصص ١٧ / ٦٧.

٢٢٦

التميميين ، وأما الإعراب فحملا على أصل كلام أكثر بني تميم في مثل هذه الأعلام وهو إعرابها إعراب ما لا ينصرف.

وكل ما ذكرنا حول هذه الأعلام خاص ببني تميم الذين قالوا بإعرابها إعراب ما لا ينصرف إلا المختوم بالراء فيشاركون فيه الحجازيين البناء ، وقد يرد معربا الإعراب السابق كما رأينا في بيت الأعشى ميمون.

٢) أما مذهب الحجازيين في مثل هذه الأعلام المؤنثة التي على زنة «فعال» فهو البناء على الكسر مطلقا ، أى سواء كانت مختومة بالراء أو غير مختومة ، ويقول سيبويه في ذلك : «وأما أهل الحجاز فلما رأوه اسما لمؤنث ، ورأوا ذلك البناء على حاله لم يغيروه لأن البناء واحد وهو ههنا اسم للمؤنث كما كان ثمّ اسما للمؤنث وهو ههنا معرفة كما كان ثمّ (١).

وجاء في المقتضب : «وأما ما كان اسما علما نحو : حذام ، قطام ، ورقاش فإن العرب تختلف فيه : فأما أهل الحجاز فيجرونه مجرى ما ذكرنا قبل من البناء لأنه مؤنث معدول وإنما أصله حاذمة ، وراقشة ، وقاطمة.

ففعال في المؤنث نظير «فعل» في المذكر ألا ترى أنك تقول للرجل : يا فسق ، يا لكع ، والمرأة : يا فساق. يا لكاع. فلما كان المذكر معدولا عما ينصرف عدل إلى ما لا ينصرف. ولما كان المؤنث معدولا عما لا ينصرف عدل إلى ما لا يعرب» (٢).

ويقول الزجاج : «فإذا سميت امرأة بـ «حذام ، أو قطام ، أو رقاش»

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤٠.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٧٣.

٢٢٧

فإنها مبنية على الكسر في لغة أهل الحجاز تقول «هذه قطام قد جاءت» و «حذام .. قال الشاعر :

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

فهذا مذهب أهل الحجاز» (١)(٢).

ويقول ابن سيده في مخصصه : «فقال (أي أبو العباس المبرد) القياس قول أهل الحجاز ؛ لأن أهل الحجاز يجرون ذلك مجراه الأول فيكسرون ويقولون في امرأة اسمها حذام ، هذه حذام ، ورأيت حذام ومررت بحذم» (٣).

وجاء في الهمع «أما الحجازيون فإن باب حذام عندهم مبني على الكسر إجراء له مجرى «فعال» الواقع موقع الأمر كنزال لشبهه به في الوزن والعدل والتعريف ، وقيل لتضمنه معنى الحرف وهو علامة التأنيث في المعدول عنه.

وقال المبرد لتوالي علل منع الصرف عليه وهي التعريف والتأنيث والعدل» (٤).

وورد في حاشية الصبان على الأشموني تعليقا على علة منع صرف نحو «فعال» على مذهب التميميين أنها ممنوعة من الصرف للعلمية والعدل عن «فاعلة» وهو رأي سيبويه كما رأينا ، بينما ذهب المبرد إلى العلمية والتأنيث المعنوي ، وهو أقوى «لأن التأنيث يتحقق فلا حاجة إلى تقدير

__________________

(١) ما ينصرف من ص ٧٥ ـ ٧٦.

(*) ينسب البيت إلى لجيم بن صعب وإلى ويسم بن ظالم الأعصري.

(٢) المخصص ١٧ / ٦٦.

(٣) الهمع ١ / ٢٩.

٢٢٨

العدل ، لأنه إنما يقدر إذا لم يتحقق غيره ، وأجاب الدماميني بأن العلمية على الأعلام النقل ، فلذا جعلها سيبويه منقولة عن فاعلة المنقولة كما تقدم في عمر ، وعلى مذهب المبرد تكون مرتجلة» (١).

وهذا الكلام ينقلنا للحديث عن العلة التي أدت إلى بناء هذه الصيغة على الكسر حسب مذهب الحجازيين ، والعلة كما تظهر من هذا النص لها جوانب عدة فهي إما لشبهها بنزال وأمثاله (وهو اسم فعل أمر مبني على الكسر) والشبه بينهما في الوزن والعدل والتعريف ، أو لتضمنه معنى الحرف من حيث إن اسم فعل الأمر يعمل ولا يتأثر بالعامل كما أن الحرف كذلك.

وذهب المبرّد مذهبا آخر حيث بيّن أن علة بنائها هي اجتماع أكثر من سبب مانع للصرف فيها ، والقاعدة أنه إذا اجتمع سببان منع الاسم من الصرف وإذا زادت الأسباب فليس بعد المنع إلا البناء فعلة البناء عنده هي توالي علل منع الصرف عليه.

قال المبرد : «ولما كان المؤنث معدولا عمّا لا ينصرف عدل إلى ما لا يعرب لأنه ليس بعد ما لا ينصرف إذ كان ناقصا منه التنوين إلا ما ينزع منه الإعراب لأن الحركة والتنوين حق الأسماء ، فإذا أذهب العدل التنوين لعلة أذهب الحركة لعلتين» (٢).

وقد رد ابن جني في كتابه (الخصائص) على رأي المبرد هذا بقوله : «فأما قول من قال : إن الاسم الذي اجتمع فيه سببان من أسباب منع

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٦٩.

(٢) المقتضب ٣ / ٣٧٤.

٢٢٩

الصرف فمعناه إذا انضم إلى ذلك ثالث امتنع من الإعراب ففاسد عندنا من أوجه :

أحدها : أن سبب البناء في الاسم ليس طريقه طريق حديث الصرف وترك الصرف إنما سببه مشابهة الاسم للحرف لا غير ، وأما تمثيله ذلك بمنع إعراب حذام ، وقطام ، وبقوله فيه : إنه لما كان معدولا عن حاذمة وقاطمة ، وقد كانتا معروفتين لا ينصرفان ، وليس بعد منع الصرف إلا ترك الإعراب فلاحق في الفساد بما قبله ، لأنه منه وعليه حذام. وذلك أن علة منع هذا الإعراب إنما هو شيء أتاها من باب دراك ونزال ، ثم شبهت حذام ، وقطام ، ورقاش بالمثال ، والتعريف والتأنيث بباب دراك ونزال ، على ما بيناه هناك فأما لأنه ليس بعد منع الصرف إلا رفع الإعراب أصلا فلا.

ومما يفسّر قول من قال : إن الاسم إذا منعه السببان الصرف فإذا اجتماع الثلاثة فيه ترتفع عنه الإعراب أنا نجد في كلامهم من الأسماء ما يجتمع فيه خمسة أسباب من موانع الصرف ، وهو مع ذلك معرب غير مبني ، وذلك كامرأة سميتها «بأذربيجان» فهذا اسم قد اجتمعت فيه خمسة موانع : وهي التعريف والتأنيث والعجمة ، والتركيب ، والألف والنون ، وكذلك إن عنيت «بأذربيجان» البلدة والمدينة ، لأن البلد فيه الأسباب الخمسة وهو مع ذلك معرب كما ترى ، فإذا كانت الأسباب الخمسة لا ترفع الإعراب فالثلاثة أحجى بألا ترفعه» (١).

وهذا كلام صحيح ، لأن اجتماع العلل لا يؤدي إلى البناء بعد منع

__________________

(١) الخصائص ١ / ١٨٠.

٢٣٠

الصرف خاصة إذا علمنا أن الأصل في الأسماء هو الإعراب ويبنى الاسم لشبهه بالحروف كما قال ابن مالك :

والاسم منه معرب ومبني

لشبه من الحروف مدني

فيرى علماء النحو أن بناء الاسم يأتي في المرتبة الثانية بعد الإعراب لشبه من الأشباه التي تقربه من الحروف ويقول الزجاج في رده على رأي المبرد : «وهذا مذهب يفسده عندي أني أرى ما لا ينصرف من الأسماء إذا زادت علته على اثنتين لم يبلغ به أكثر من ترك الصرف» (١). ويؤكد هذا الكلام ما جاء في المخصص لابن سيده : «وكان المبرد يحتج بكسر قطام وحذام وما أشبه ذلك إذا كان اسما علما لمؤنث أنها معدولة عن قاطمة وحاذمة علمين وأنها لم تكن تنصرف قبل العدل لاجتماع التأنيث والتعريف فيها فلما عدلت ازدادت بالعدل ثقلا فحطت عن منزلة ما لا ينصرف ولم يكن بعد منع الصرف إلا البناء وهذا القول يفسد لأن العلل المانعة للصرف يستوي فيها أن تكون علتان أو ثلاث لا يزاد ما لا ينصرف بورود علة أخرى على منع الصرف ، ولا يوجب له البناء» (٢).

وبعد ذكر الآراء في «فعال» من إعرابها إعراب ما لا ينصرف إلى بنائها على الكسر ، ومعرفة أسباب بنائها ننظر إلى نص أورده السهيلي في أماليه ، فحواه أنه يرجح الكسر لهذه الصيغ لأنها صيغ مؤنثة والكسر فيها كما يقول إشارة إلى كونهن محبوبات مقربات إلى النفس فهو يقول : «على أن للاسم العلم المؤنث خاصية تمنع من التنوين ، وهي في قولهم : حذام ورقاش وذلك أنهم يشيرون بهذه الأسماء إلى أنهن محبوبات ، وكل محبوب

__________________

(١) ما ينصرف وما لا ينصرف ص ٧٦.

(٢) المخصص ١٧ / ٦٨.

٢٣١

مقرب إلى النفس مضاف إليها ، وترك التنوين يشعر بهذا المعنى. ألا ترى كيف خصوه بالكسرة التي هي أخت الياء كأن المتكلم يريد إضافتها إلى نفسه» (١) ولعل في هذا الكلام نوعا من الذوق واتباعا للناحية الجمالية في الأسلوب وهذا معنى جميل خاصة إذا علمنا أن من صور الإضافة إلى ياء المتكلم حذف الياء مع بقاء الكسرة قبلها للدلالة عليها (٢) فبدلا من أن نقول : قلمي ، كتابي نقول : قلم ـ وكتاب ، مكتفين بالكسرة ، وهي صورة قريبة من : حذام ورقاش.

ثانيا : تسمية المذكر بصيغة «فعال» المؤنثة :

ورد عن النحاة أننا لو سمينا مذكرا بأحد هذه الأسماء المؤنثة نحو : حذام ، رقاش ، قطام ، فأنه لا ينصرف قال سيبويه : «وأنهم لا يصرفون رجلا سموه رقاش وحذام ، ويجعلونه بمنزلة رجل سموه بعناق ، واعلم أن جميع ما ذكرنا في هذا الباب من فعال ما كان منه بالراء وغير ذلك إذا كان شيء منه اسما لمذكر لم ينجر أبدا ، وكان المذكر في هذا بمنزلته إذا سمي بعناق ، لأن هذا البناء لا يجيء معدولا عن مذكر فيشبّه به. تقول هذا حذام ، ورأيت حذام قبل ومررت بحذام قبل ، سمعت ذلك من يوثق بعلمه» (٣).

ويقول المبرد مؤكدا هذه القاعدة : «ولو سميت شيئا من هذا أعربته ولم تصرفه ، لأنك لا تصرف المذكر إذا سميته بمؤنث على أربعة فصاعدا ، فإنما بمنزلة رجل سميته عقربا ، وعناقا. تقول هذا حذام

__________________

(١) أمالي السهيلي ٣٢.

(٢) انظر شرح ابن عقيل ٢ / ٧٢.

(٣) سيبويه ٢ / ٤١.

٢٣٢

قد جاء ، وقطام يا فتى .. وإنما فعلت ذلك .. لأنه لم يلزم الكسر بالتأنيث ، ولو كان للتأنيث لكان هذا في عقرب وعناق ، ولكنه للمعنى ، فإذا نقلته إلى المذكر زال المانع منه ، وجرى مجرى مؤنث سميت به مذكرا مما لم يعدل» (١). علل المبرد منع الصرف بأن هذه الأعلام رباعية ، المذكر إذا سميته بمؤنث مكون من أربعة أحرف فصاعدا فإنه يمنع من الصرف كما تسمي رجلا بعقرب وعناق.

ثم علل عدم لزوم بناء الكسر فيها عند التسمية بأن البناء ليس راجعا للتأنيث وإلا لكان نحو : عقرب وعقاب مبنيين ولكن أرجع سبب البناء إلى المعنى ولهذا يعرب حينما ينقل إلى المذكر لزوال المانع منه ، فيعرب إعراب الممنوع من الصرف : «وكان بمنزلة رجل سمي بعناق ، وهو لا ينصرف لاجتماع التأنيث والتعريف» (٢) فالبناء أساسا ليس للتأنيث بل التأنيث باق وهو الذي أدى إلى منع صرفه إذا سمي به مذكر مثل عناق وعقاب ، ومثل حمزة وطلحة.

قلنا إن صيغة «فعال» إذا سمي بها مذكر فإنها تمنع من الصرف وبيّنا الرأي في ذلك ، ومع هذا الوجه فإنه يجوز فيها الصرف أيضا ، جاء في الأصول لابن السراج : «وجميع (ويعني به صيغ «فعال المؤنثة») هذا إذا سمي به المذكر لم ينصرف لأن هذا بناء بني للتأنيث ، وحرك بالكسر ؛ لأن الكسرة من الياء والياء يؤنث بها» (٣).

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٧٤.

(٢) المخصص ١٧ / ٦٨.

(٣) الأصول ٢ / ٩٠.

٢٣٣

ويقول صاحب الارتشاف : «ولو سميت مذكرا بحذام وبابه منعته الصرف كانت فيه «راء» أو لم تكن ، وجاز أيضا صرفه ، ولا يكون فيه البناء كحاله علما للمؤنث في لغة الحجاز» (١).

والجملة الأولى من هذا النص تنقلنا إلى الحالة الثانية الجائزة في صيغ «فعال» المؤنثة إذا سمي بها مذكر فقد قلنا فيما مضى إن الغالب فيها عند تسميتها بالمذكر هو منع الصرف للعلمية والتأنيث.

ويجوز فيها كذلك صرفها ، قال سيبويه : «ومن العرب من يصرف رقاش وغلاب إذا سمي به مذكر لا يضعه على التأنيث بل يجعله اسما مذكرا كأنه سمى رجلا بصباح» (٢) فالصرف على أساس تجاهل جانب التأنيث فيها واعتبارها أسماء مذكرة. فيبقى الاسم على علة واحدة (العلمية) وهي غير كافية لمنع الاسم من الصرف. قال ابن السراج : «ومنهم من يصرف رقاش وغلاب إذا سمي به كأنه سمى بصباح» (٣).

ويقول السيوطي : «ولو سمي به مذكر جاز فيه الوجهان المنع إبقاء على ما كان لبقاء لفظ العدل ، والصرف لزوال معناه وزوال التأنيث بزواله لأنه إنما كان مؤنثا لإرادة ما عدل عنه وهو راقشة» (٤).

وجاء في حاشية الصبان على الأشموني : «أن حذام وبابه لو سمي به مذكر لم يبن ، وهو كذلك ، بل يكون معربا ممنوعا من الصرف للعلمية

__________________

(١) الارتشاف ٢ / ٤١.

(٢) سيبويه ٢ / ٤١.

(٣) الأصول ٢ / ٦٢.

(٤) الهمع ١ / ٢٩.

٢٣٤

والنقل عن مؤنث لغيره ، ويجوز صرفه لأنه إنما كان مؤنثا لإرادتك به ما عدل عنه فلما زال العدل زال التأنيث بزواله» (١).

ويعلق الأستاذ عباس حسن على ذلك بقوله : «فإن صارت علما لمذكر جاز إعرابها مع منعها من الصرف ـ وهذا هو الأغلب ـ وجاز إعرابها مع تنوينها ، ولا يصح البناء في الحالتين» (٢).

ثالثا : ما كان على صيغة «فعال» مجهول الأصل :

وإذا كان الاسم الذي على هذه الصيغة مجهول الأصل ، هل هو معدول أو لا؟ مؤنث أو مذكر؟ فإنه يصرف قياسا على أنه «الأكثر من هذا البناء مصروف غير معدول مثل الذّهاب والصّلاح والفساد والرّباب» (٣).

وجاء في الموجز لابن السراج : «وإذا كان اسم على «فعال» لا يدري ما أصله فالقياس صرفه» (٤).

وقد أشار ابن سيده بهذا الخصوص إلى القول السابق الذي أوردناه لسيبويه.

وخلاصته أن مجهول الأصل من هذه الصيغة مصروف لأن الغالب فيهما الصرف وعدم العدل ، خاصة إذا علمنا أن الأصل في السماء هو الصرف ثم

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٦٩.

(٢) انظر هامش النحو الوافي ٤ / ١٩٧.

(٣) سيبويه ٢ / ٤١.

(٤) الموجز لابن السراج ٧٢.

٢٣٥

يأتي المنع لعلة من العلل. فالرجوع إلى الأصل في مثل هذه الحالات أفضل ، حتى لو صرفنا النظر عن مسألة الأصل والفرع فإننا نرجع إلى الأغلب ألا وهو الصرف.

٢٣٦

رابعا ـ كلمة «أمس»

ومن الأسماء الواردة في باب الأعلام المعدولة كلمة «أمس» المراد به اليوم الذي قبل يومك. وهناك لغات في هذه الكلمة أشهرها لغتان :

لغة بني تميم وهي منقسمة إلى مذهبين :

أ ـ المنع من الصرف مطلقا أي في الرفع والنصب والجر.

وهذه لغة بعضهم بشرط أن يكون مرادا به اليوم الذي قبل يومك مباشرة وأن يكون خاليا من «أل» والإضافة ، وأن يكون غير مصغر ، وغير مجموع جمع تكسير ، وغير ظرف (١).

وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعدل ، لأنه معدول عن الأمس المعرّف بالألف واللام ، فهو علم على وقت معيّن بدون أن يكون فيه علامة على التعيين وهي الألف واللام. ويقول سيبويه : «وبنو تميم يكسرونه في أكثر المواضع في النصب والجر ، فلما عدلوه عن أصله في الكلام ومجراه تركوا صرفه كما تركوا صرف «آخر» حين فارقت أخواتها في حذف الألف واللام منها» (٢).

وجاء في شرح «التصريح على التوضيح» بعد سرده الأعلام المعدولة التي ذكرناها فيما سبق ما يلي بخصوص «أمس» : «الخامس أمس» من المعدول (إذا كان مرادا به اليوم الذي يليه يومك ولم يضف ولم يقرن

__________________

(١) انظر النحو الوافي ٤ / ١٩٨.

(٢) سيبويه ٢ / ٤٣.

٢٣٧

بالألف واللام) ولم يصغر ولم يكسر (ولم يقع ظرفا فإن بعض بني تميم يمنع صرفه مطلقا) رفعا ونصبا وجرّا (لأنه) علم على اليوم الذي يليه يومك (معدول عن الأمس) المعرف بأل فيقولون «مضى أمس» بالرفع بلا تنوين و «شاهدت أمس» وما رأيت زيدا مذ أمس بالفتح فيهما كقوله :

لقد رأيت عجبا مذ أمسا

عجائزا مثل السعالي خمسا

فأمس مجرور بالفتحة ، والألف فيه للإطلاق ، وليس فتحته هنا فتحة بناء خلافا للزجاجي (١).

ورأى الزجاجي في «أمسا» الوارد في البيت السابق أنه فعل ماض وفتحته فتحة بناء ، وليست فتحة إعراب ، وفي «أمسا» ضمير عائد على الظرف المفهوم من السياق وهو اليوم.

جاء في التصريح :

«نظير سحر في امتناعه من الصرف «أمس» عند بني تميم فإن منهم من يعربه في الرفع غير منصرف ، ويبنيه على الكسر في النصب والجر ، ومنهم من يعربه إعراب ما لا ينصرف في الأحوال الثلاث خلافا لمن أنكر ذلك ، وغير بني تميم يبنونه على الكسر ، وحكى ابن أبي الربيع أن بني تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف إذا رفع أو جرّ بمذ أو منذ فقط» (٢).

وبعد أن عرفنا الرأي لبني تميم وهو القائل بمنع «أمس» في جميع الحالات رفعا ونصبا وجرّا ، وعرفنا شروط منعه من الصرف ومعنى عدله وهو العدل عن الألف واللام حيث إنه معيّن دون أن يكون فيه علامة للتعيين بعد هذا الرأي ننتقل إلى المذهب الثاني لبني تميم وهو

__________________

(١) التصريح على التوضيح ٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٢) الأشموني ٣ / ٢٦٧.

٢٣٨

الغالب عندهم والقائل بمنع «أمس» من الصرف في حالة واحدة وهي «الرفع» خاصة. ويبنونه على الكسر في حالتي النصب والجر موافقين مذهب الحجازيين كما سنرى إن شاء الله. «واعلم أن بني تميم يقولون في موضع الرفع ، لأنهم عدلوه عن الأصل الذي هو عليه في الكلام لا عن ما ينبغي له أن يكون عليه في القياس» (١).

وجاء في «ما ينصرف وما لا ينصرف» : «وزعم سيبويه : أن بني تميم يمنعونه الصرف في الرفع فيقولون «ذهب أمس بما فيه» لأنه قد خرج من باب الظروف ، ويوافقون غيرهم على الكسر في الظروف. فأما قولهم :

لقد رأيت عجبا مذ أمسا

عجائزا مثل الأفاعي خمسا

فإنما جر بـ «مذ» وقد كان يرفع بها ، فأجراها في ترك الصرف في الجر في الرفع إذ معنى الرافعة معنى الجارة» (٢).

وجاء في شرح «التصريح على التوضيح» بهذا الخصوص ما يلي : «وجمهورهم يخص ذلك» الإعراب الممنوع من الصرف (بحالة الرفع) خاصة دون حالتي النصب والجر فيبنيه على الكسر فيهما كقوله :

اعتصم بالرجاء إن عنّ بأس

وتناس الذين تضمّن أمس

فرفع أمس على الفاعلية بتضمن ولم ينونه ، و «عنّ» بالنون من «عنّ يعين» إذا عرض ، ويروى «عزّ» بالزاي بمعنى غلب ، «وتناس» أمر من التناسي وهو أن يرى من نفسه أنه نسيه» (٣).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤٣.

(٢) ما ينصرف وما لا ينصرف ٩٤ ـ ٩٥.

(٣) التصريح على التوضيح ٢ / ٢٢٦.

٢٣٩

ب ـ أما أكثر التميميين فيمنعه من التنوين في حالة الرفع وحدها ، ويبنيه على الكسر في حالتي النصب والجر ، فلا يدخله في باب الممنوع من الصرف. فخلاصة الأمر بالنسبة لأمس أن لبني تميم رأيين أحدهما وهو القليل إعرابه إعراب ما لا ينصرف في جميع الحالات رفعا ونصبا وجرّا ، والآخر هو إعرابه هذا الإعراب في حالة الرفع خاصة وهو الغالب.

ثانيا : والرأي الآخر بالنسبة لأمس المراد به اليوم الذي قبل يومك هو رأي الحجازيين القائل ببنائه على الكسر في جميع حالاته وبنفس الشروط التي ذكرناها فيما سبق وهي :

١) أن يكون مرادا به اليوم الذي قبل يومك.

٢) كونه خاليا من «أل» والإضافة.

٣) كونه غير مصغر.

٤) كونه غير مجموع جمع تكسير.

٥) كونه غير ظرف.

فإذا اجتمعت فيه هذه الشروط فإنه يبنى على الكسر مطلقا عند الحجازيين قال سيبويه : «ألا ترى أن أهل الحجاز يكسرونه في كل المواضع» (١).

«وجاء في التصريح : (والحجازيون يبنونه على الكسر مطلقا) في الرفع والنصب والجر (على تقديره متضمنا معنى اللام) المعرفة (قال) أسقف نجران أو تبع بن الأقرن :

منع البقاء تقلب الشمس

وطلوعها من حيث لا تمسي

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٤٣.

٢٤٠