الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

الفصل الثاني

الأعلام المعدولة

آراء النحاة :

معنى العدل : هو تحويل الاسم من حالة لفظية إلى أخرى مع بقاء المعنى الأصلي بشرط ألا يكون التحويل لقلب أو تخفيف أو لإلحاق ، أو لزيادة معنى. فليس من المعدول «يئس» ولا «فخذ» بسكون الخاء تخفيف «فخذ» بكسرها ، ولا «كوثر» بزيادة الواو ، لإلحاق الكلمة بجعفر. ولا «رجيل» بالتصغير لإفادة معنى التحقير أو غيره.

والعدل هو العدول والانتقال من صورة إلى أخرى ، ويترتب على هذا الانتقال تغيير في الحكم الإعرابي ، ولعل هذا ما قصده سيبويه حين يقول «وأما عمر وزفر فإنما منعهم من صرفهما وأشباههما أنهما ليسا كشيء مما ذكرناه وإنما هما محدودان من البناء الذي هو أولى بهما وهو بناؤهما في الأصل ، فلما خالفا بناءهما في الأصل تركوا صرفهما وذلك نحو عامر وزافر» (١) اشترط في منع المعدول من الصرف العلمية والتكبير كما هو واضح في قوله : «ولا يجيء عمر وأشباهه محدودا عن البناء الذي أولى به إلا وذلك البناء معرفة ، كذلك جرى في هذا الكلام فإن قلت عمر آخر صرفته لأنه نكرة فتحول عن موضع عامر معرفة ، وإن حقرته صرفته ،

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٤.

٢٠١

لأن فعيلا لا يقع في كلامهم محدودا عن فويعل وأشباهه كما لم يقع فعل نكرة محدودا عن عامر ، فصار تحقيره كتحقير عمرو كما صارت نكرته كصرد وأشباهه» (١).

ولم يمنع الاسم من الصرف إلا لاجتماع فرعين أو أكثر فيه ، فمثلا التعريف فرع من التنكير ، والتأنيث فرع من التذكير ، والزيادة فرع من التام وعدم الزيادة كما أن العجمة فرع من الأصل العربي ، ومن هذه الفروع العدل فالعدل إذن فرع كما يقول الزجاج : «ومنها (أي ومن الفروع) عدل الاسم عن جهته ، فإن العدل فرع أيضا ، لأن عدلك إياه عن أصله هي إزالة عن الأصل» (٢) وبناء على ذلك «فعامر هو الأصل» و «عمر» فرع عنه ولهذا جاء في الأصول لابن السراج : «ومعنى العدل أن يشتق من الاسم النكرة اسم ، ويغير بناؤه ، إما لإزالة معنى إلى معنى ، وإما لأن يسمى به ، فأما الذي عدل لإزالة معنى إلى معنى ، فمثنى وثلاث ورباع وأحاد ، فهذا عدل لفظ ، ومعناه ، عدل عن معنى اثنين إلى معنى اثنين اثنين وعن لفظ اثنين إلى لفظ مثنى ، وكذلك أحاد عدل عن لفظ واحد إلى لفظ أحاد ، وعن معنى واحد إلى معنى واحد واحد ، وسيبويه يذكر أنه لم ينصرف ، لأنه معدول «وأنه صفة» ولو قال قائل : «إنه لم ينصرف ، لأنه عدل في اللفظ والمعنى جميعا وجعل ذلك لكان قولا.

فأما ما عدل في حال التعريف فنحو : «عمر ، وزفر ، وقثم ، عدلن عن عامر وزافر وقاثم .. أما قولهم : يا فسق ، فإنما أرادوا : يا فاسق ، وقد ذكر

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٤.

(٢) ما ينصرف ص ٥.

٢٠٢

في باب النداء ، «وسحر إذا أردت سحر ليلتك فهو معدول عن الألف واللام» (١).

وقد بيّن لنا ابن السراج هنا معنى العدل وهو التحويل والانتقال من صورة إلى صورة ، ثم بيّن الغرض من هذا التحويل وهو إما إزالة معنى إلى معنى آخر ، وإما لأن يسمى به. كما سنعرف ذلك إن شاء الله. وذكر في شرح «الكافية» أن العدل إخراج الاسم عن صيغته الأصلية بغير القلب لا للتخفيف ولا للإلحاق ولا لمعنى ، فقولنا بغير القلب ليخرج نحو «أيس» في «يأس». وقولنا : ولا للتخفيف احتراز عن نحو «مقام ومقول وفخذ وعنق» وقولنا «ولا للإلحاق» ليخرج نحو «كوثر» وقولنا «ولا لمعنى» ليخرج نحو «رجيل ورجال» (٢).

والعدل فيه معنى الاشتقاق كما جاء في شرح المفصل لابن يعيش : «وأما العدل فهو اشتقاق اسم من اسم على طريق التغيير له نحو اشتقاق عمر من عامر. والمشتق فرع على المشتق منه» (٣). ثم بيّن الفرق بين العدل والاشتقاق «والفرق بين العدل وبين الاشتقاق الذي ليس بعدل أن الاشتقاق يكون لمعنى آخر أخذ من الأول كضارب من الضرب ، فهذا ليس بعدل ، ولا من الأسباب المانعة من الصرف ، لأنه اشتق من الأصل بمعنى الفاعل ، وهو غير معنى الأصل الذي هو الضرب ، والعدل هو أن تريد لفظا ثم تعدل عنه إلى لفظ آخر ، فيكون المسموع لفظا ، والمراد غيره ، ولا يكون العدل في المعنى إنما يكون في اللفظ ، فلذلك كان سببا ، لأنه

__________________

(١) الأصول ٢ / ٨٨.

(٢) شرح الكافية ١ / ٤٠ ـ ٤١.

(٣) شرح المفصل ١ / ٦١ ـ ٦٢.

٢٠٣

فرع على المعدول عنه ، فعمر علم معدول عن عامر علما أيضا ، وكذلك زفر معدول عن زافر علما أيضا ، وفي الأعلام زافر ، وإليه تنسب الزافرية ، من زفر الحمل يزفره إذا حمله ، وقثم معدول عن قاثم علما ، وهو منقول من القائم وهو اسم الفاعل من قثم إذا أعطى كثيرا ، وزحل معدول عن زاحل سمي بذلك لبعده ، فهذه الأسماء كلها معدولة ، ألا ترى أن ذلك ليس في أصول النكرات» (١).

وجاء في الهمع : «العدل : وهو صرفك لفظا أولى بالمسمى إلى آخر وهو فرع عن غيره ، لأن أصل الاسم أن يكون محرّفا عما يستحقه بالوضع لفظا أو تقديرا» (٢) فخروج الاسم عن الأصل الذي وضع له أدى إلى منعه من الصرف.

وذكر في الارتشاف أن : «العدل صرف لفظ أول بالمسمى إلى آخر فيمنع مع الصفة نحو : مثنى وثلاث» هذا مذهب سيبويه والخليل وذهب الأعلم إلى أنه لا تدخله التاء فضارع أحمر فلم ينصرف ، فهو معدول عن أصله» (٣).

إذن فالعدل انتقال من صورة إلى أخرى لفائدة ، وهذا الانتقال هو انتقال من أصل إلى فرع أدى إلى خروجه من حكمه الإعرابي الأصلي وهو الإعراب المصحوب بالتنوين إلى إعراب فرعي وهو المجرد من التنوين ، وقد وضح الأمر من خلال التعريفات التي أوردناها للنحاة.

__________________

(١) شرح المفصل ١ / ٦٢.

(٢) الهمع ١ / ٢٥.

(٣) الارتشاف ١ / ٩٣.

٢٠٤

جاء في شرح الكافية : ويعني بالعدل المحقق ما يتحقق حاله بدليل يدل عليه غير كونه معدولا ، بخلاف العدل المقدر فإنه الذي يصار إليه لضرورة وجدان الاسم غير منصرف وتعذر سبب آخر غير العدل ، فإن عمر ، مثلا لو وجدناه منصرفا لم نحكم قط بعدوله عن عامر بل كان كأدد» (١) وأما ثلاث ومثلث فقد قام دليل على أنهما معدولان عن ثلاثة ثلاثة وذلك أنا وجدنا «ثلاث» و «ثلاثة وثلاثة» بمعنى واحد.

فالعدل قسمان :

١) تحقيقي : وهو الذي يدل عليه دليل غير منع الصرف بحيث لو صرف هذا الاسم لم يكن صرفه عائقا عن فهم ما فيه من العدل ، وملاحظة وجوده كالعدل في : سحر ، وأخر ، ومثنى ، فإن الدليل على العدل فيها ورود كل لفظ منها مسموعا عن العرب بصيغة تخالف الصيغة الممنوعة من الصرف مع اتحاد المعنى في الصيغتين ، «فسحر» بمعنى السحر ، و «أخر» بمعنى آخر ، و «مثنى» بمعنى اثنين اثنين وهكذا .. فالذي دلّ على أن كل واحد من هذه الألفاظ وأشباهها معدول ، ليس الصرف أو عدمه ، وإنما هو وروده عن العرب بصيغة أخرى تخالف صيغته الممنوعة بعض المخالفة مع اتحاد معناه في الحالتين برغم هذه المخالفة.

٢) تقديري : هو الذي يمنع فيه العلم من الصرف ، سماعا من العرب من غير أن يكون مع العلمية علة أخرى تنضم إليها في منع الصرف. فيقدر

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٤١.

٢٠٥

فيه العدل لئلا يكون المنع بالعلمية وحدها مثل : عمر ، زفر .. فلو سمع مصروفا لم يحكم بعدله مثل : أدد «وهو جد إحدى القبائل العربية وهذا النوع التقديري خاص بالأعلام ومنها عمر ـ زفر ـ جشم ـ جمح .. ولا دليل يدل عليه إلا منع العلم من الصرف وعدم وجود علة أخرى تنضم إلى العلمية في منع صرفه» (١).

فائدة العدل : والحقيقة أن فائدة العدل بين طرفين طرف اللفظ وهي تخفيفه باختصاره ، وطرف المعنى وهي استقرار العلمية فيه فمثلا لما نقول : عمر ، لم ينصرف الذهن لغير العلمية ، بينما لما نقول عامر ، فإنه يجوز أن يكون علما لشخص ويجوز أيضا أن يكون صفة من عمر يعمر فهو عامر.

فمن ناحية الاختصار أشار في شرح الكافية بقوله : «وفائدتهما (والضمير هنا عائد إلى ثلاث ومثلث) تقسيم أمر ذي أجزاء على هذا العدد المعين ، ولفظ المقسوم عليه في غير لفظ العدد مكرر على الاطراد في كلام العرب نحو : قرأت الكتاب جزءا جزءا ، وجاءني القوم رجلا رجلا ، وأبصرت العراق بلدا بلدا فكان القياس في باب العدد أيضا التكرير عملا بالاستقرار وإلحاقا للفرد المتنازع فيه بالأعم الأغلب ، فلما وجدت «ثلاث» غير مكرر لفظا حكم بأن أصله لفظ مكرر ،. ولم يأت لفظ مكرر بمعنى «ثلاث» إلا «ثلاثة ثلاثة» فقيل إنه أصله» (٢).

وجاء في «حاشية الصبان على الأشموني» قوله : «وذكر بعضهم لعدله

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ١٧١.

(٢) شرح الكافية ١ / ٤١.

٢٠٦

فائدتين إحداهما : لفظية وهي التخفيف ، والأخرى معنوية وهي تمحيض العلمية إذ لو قيل عامر لتوهم أنه صفة» (١) إذن ما ذكر في شرح الكافية هو فائدة راجعة إلى الاختصار الحاصل في نحو مثنى وثلاث ورباع ، وهي فائدة لفظية ، وما ذكر في حاشية الصبان هو فائدة راجعة إلى المعنى وهي استقرار العلمية وتمحيضها في نحو عمر وزفر بعد عدلهما من عامر وزافر. وتلك فائدة معنوية إذ لو وردت صيغة «فعل» مصروفة لحكمنا عليها بعدم العدل كما ورد في «حاشية الصبان» متمما الكلام السابق : «فإن ورد فعل مصروفا وهو علم علمنا أنه ليس بمعدول ، وذلك نحو «أدد» وهو عند سيبويه من الود ، فهمزته عن واو ، وعند غيره من الأد وهو العظيم ، فهمزته أصلية ، فإن وجد في فعل مانع مع العلمية لم يجعل معدولا نحو «طوى» ، فإن منعه للتأنيث والعلمية ، ونحو «تتل» اسم أعجمي فالمانع له العجمة والعلمية عند من يرى منع الثلاثي للعجمة ، إذ لا وجه لتكلف تقدير العدل مع إمكان غيره» (٢) ، ومعنى هذا الكلام أنه عند ورود صيغة مصروفة حكمنا بعدم العدل ، وأمّا إذا كانت ممنوعة من الصرف ووجد بجانب العلمية علة أخرى غير العدل لم نقل إنها معدولة كما رأينا في نحو «طوى» فهي ممنوعة للعلمية والتأنيث ، وكذلك «تتل» فهي ممنوعة للعلمية والعجمة عند من يرى منع الأعجمي الثلاثي ، ولعلّ هذا القول يدلّ على أن العدل علّة ضعيفة لا تقوى على الظهور عند وجود علل أخرى كالتأنيث والعجمة. ولعلّ هذا

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٦٤.

(٢) حاشية الصبان ٣ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

٢٠٧

يجعلنا نحكم بأن العدل وما يتعلق به أمور تصورية وفيه شيء من التكلّف ، بينما التأنيث والعجمة أمران من واقع اللغة ولهذا كان تأثيرهما أكبر ، وأقوى.

وذكر الأستاذ عباس حسن تعليقا على هذا قوله : «وكل ما قيل في العدل وتعريفه وتقسيمه مصنوع متكلف. ولا مرد لشيء فيه إلا السماع وخير ما يقال عند الإعراب في سبب المنع أنه العلمية وصيغة فعال أو مفعل ، أو فعل ، أو غيرها من الصيغ الممنوعة نصّا عن العرب (١) إذن فقد اقترح الأستاذ عباس حسن أن نقول في نحو «حذام وقطام أنه ممنوع من الصرف (عند بعض العرب) للعلمية وصيغة «فعال» وإذا قلنا «مثنى» حكمنا أنه ممنوع من الصرف للعلمية وصيغة «مفعل» وإذا قلنا «عمر وزفر» قلنا إنه ممنوع من الصرف للعلمية وصيغة «فعل» وهكذا. وأرى أن هذا الإعراب فيه نوع من الواقع اللغوي دون تكلف.

وجاء أن ما يمنع من الصرف بسبب العدل قسمان ، قسم خاص بالأعلام كعمر وزفر ، وغيرهما مما كان على وزن فعل. أو ما كان مؤنثا على زنة «فعال» كحذام وقطام ورقاش ورأي العرب في مثل هذه الأعلام المؤنثة. وكذلك «أمس» و «سحر» والآراء المتعلقة بهما. وأيضا ما كان على وزن «فعل» من ألفاظ التوكيد نحو «جمع ـ كتع ـ بتع» إذ إن كل واحد علم جنس على الإحاطة والشمول.

تلك هي الصور التي يمكن ضمها ووضعها تحت عنوان الأعلام المعدولة والتي سنناقشها بشيء من التفصيل. والطرف الثاني المتعلق بالعدل في الممنوعات من الصرف هو الأوصاف المتمثلة في «نحو

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ١٧٢.

٢٠٨

ثلاث ومثلث ورباع مربع ، وخماس مخمس ، وغيرها من ألفاظ العدل». ثم كلمة «أخر» والآراء المتعلقة بها.

أولا : الأعلام المعدولة :

والآن سنتطرق إلى الصور المتعلقة بالأعلام المعدولة بشيء من الإيضاح والتفصيل وهي :

١) ما جاء من الأعلام على وزن «فعل» مثل : عمر ، زفر ، مضر ، زحل ، جمح ، قزح إلخ هذه الأعلام وأمثالها يقول سيبويه : «وأما عمر وزفر فإنما منعهم من صرفهما وأشباههما أنهما ليسا كشيء مما ذكرنا وإنما هما محدودان عن البناء الذي هو أولى بهما وهو بناؤهما في الأصل فلما خالفا بناءهما في الأصل تركوا صرفهما وذلك نحو عامر وزافر» (١).

ويتابع سيبويه كلامه واضعا شرط منعها من الصرف بقوله : «ولا يجيء عمر وأشباهه محدودا عن البناء الذي هو أولى به إلا وذلك البناء معرفة كذلك جرى في هذا الكلام ، فإن قلت : «عمر آخر» صرفته لأنه نكرة فتحول عن موضع عامر معرفة ، وإن حقرته صرفته ، لأن فعيلا لا يقع في كلامهم محدودا عن فويعل وأشباهه كما لم يقع «فعل» نكرة محدودا عن عامر فصار تحقيره كتحقير عمرو كما صارت نكرته كصرد وأشباهه وهذا قول الخليل» (٢).

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٤.

(٢) سيبويه ٢ / ١٤.

٢٠٩

فالأعلام الآتية على زنة «فعل» تمنع من الصرف بشرط أن تكون مفردة ، مذكرة ، معرفة ، مكبرة. ويلاحظ أن السماع عن العرب هو الضابط الحقيقي إذ لو جاء أحد هذه الأعلام مخالفا لهذه الشروط المأخوذة من السماع بأن كان جمعا أو مؤنثا أو نكرة أو مصغرا لصرف.

وجاء في المقتضب : «فأما ما كان منه لم يقع إلا معرفة ، نحو : عمر ، وقثم ، ولكع ، فإنه غير مصرف في المعرفة لأنه الموضع الذي عدل فيه. ألا ترى أنك لا تقول : هذا القثم ، ولا هذا العمر ، كما تقول : هذا الجعل ، وهذا النغر» (١).

وأشار المبرد في الكامل إلى أصلية الاسم وعدم أصليته في الصيغ الواردة على هذا الوزن وأعنى به وزن «فعل» ومدى تأثيره على منع الاسم من الصرف أو صرفه فقال : «اعلم أن كل اسم على مثال «فعل» فهو مصروف في المعرفة والنكرة إذا كان اسما أصليّا أو نعتا ، فالأسماء نحو : «صرد ونغر وجعل ، وكذلك إن كان جمعا نحو : ظلم وغرف .. وإن سميت بشيء من هذا رجلا انصرف في المعرفة والنكرة». ويتابع كلامه في الأعلام المعدولة بقوله : «فإن كان الاسم على «فعل» معدولا عن «فاعل» لم ينصرف إذا كان اسم رجل في المعرفة ، وينصرف في النكرة وذلك نحو «عمر وقثم» لأنه معدول عن «عامر» وهو الاسم الجاري على الفعل ، فهذا مما معرفته قبل نكرته» (٢).

وجاء في الخصائص لابن جني (وأما فعل فدون فعل أيضا ، وذلك أن كثيرا ما يعدل عن أصول كلامهم نحو عمر ، وزفر ، وجشم ، وقثم ،

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٢٣.

(٢) الكامل ٣ / ٣١٠.

٢١٠

وثعل ، وزحل ، فلما كان كذلك لم يتمكن عندهم تمكّن فعل ، الذي ليس معدولا) (١).

وهذا إذا كان الاسم علما في الأصل أما إذا كان نكرة «يعرف بالألف واللام فهو مصروف واحدا كان أو جمعا ، فالواحد نحو : صرد وجعل ، ينصرف في المعرفة والنكرة والجمع نحو : ثقب ، وحفر ، وعمر إذا أردت جمع عمرة ، وكذلك إن كان نعتا نحو : سكع ووضع وحطم كما قال (٢) :

قد لفّها اللّيل بسوّاق حطم

ولبد (وهو الكثير) من قول الله عزّ وجلّ : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً)(٣).

يقول أبو إسحاق الزجاج : «فإذا سميت رجلا بـ «عمر» هذا (يشير بهذا إلى المعدول عن عامر) لم ينصرف في المعرفة وانصرف في النكرة ومثل «عمر» قثم و «زحل» تقول : «مررت بعمر وعمر آخر» والدليل على أن «عمر» يعدل به عن «عامر» أنك تقول في النداء «يا فسق» وتقول للمؤنث «يا فساق» تريد : يأيها الفاسقة وكذلك «لكع» فإن سميت رجلا بـ «عمر» جمع «عمرة» أو بـ «عمر» من قولك «رجل عمر» أي كثير العمران صرفته في المعرفة والنكرة» (٤).

فشرط منع صرف «عمر» وأمثاله أن يكون معدلا عن «عامر» «فعمر علم معدول عن عامر علما أيضا وكذلك زفر معدول عن زافر علما أيضا

__________________

(١) الخصائص ٣ / ١٨٠.

(٢) للحطم القيسي.

(٣) سورة البلد ، من الآية : ٦.

(٤) ما ينصرف ٣٩.

٢١١

وفي الأعلام زافر وإليه تنسب الزافرية ، وزافر من زفر الحمل يزفره إذا حمله وقثم عن قاثم علما وهو منقول من القاثم وهو اسم الفاعل من قثم إذا أعطى كثيرا ، وزحل معدول عن زاحل سمى بذلك لبعده ، فهذه الأسماء كلها معدولة ، ألا ترى أن ذلك ليس في أصول النكرات» (١) فعمر وغيره مما جاء على صيغة «فعل» علم معدول عن «عامر» العلم المنقول أصلا عن الصفة وهي اسم الفاعل. ويقولون في علة منعه والقول بعدله أنه سمع عن العرب أنه ممنوع من الصرف ولا ينون فلو لم يقولوا بعدله عن عامر للزم المنع لعلة واحدة وهي العلمية والعلمية وحدها لا تكفي لمنع الاسم من الصرف فبحثوا عن علة أخرى وأطلقوا عليها العدل ـ كل ذلك من أجل أن تكون القاعدة سليمة وأن لا تهدم أقوال النحاة بضرورة وجود علتين للمنع أو علة واحدة قائمة مقامهما. وكأنهم لو قالوا : امتنع عمر وأمثاله من الصرف للعلمية وصيغة «فعل» لم يستقم الكلام. ولكن لعل هذا الاعتراض يزول لو علمنا ورود أعلام أخرى على هذه الصيغة (فعل) لكنها مصروفة وذلك نحو «أدد» (وهو العظيم) ولهذا حكموا على هذا العلم بأنه غير معدول لئلا تنكسر قاعدة «فعل» للأسماء المعدولة. فالمسألة فيها نوع من التكلف كما أشار إليه ابن هشام في «شذور الذهب» حيث يقول : «مثال العدل مع العلمية عمر وزفر وزحل وجمح ودلف فإنها معدولة عن عامر وزافر وزاحل وجامح ودالف. وطريق معرفة ذلك أن يتلقى من أفواههم ممنوع الصرف وليس فيه مع العلمية علة ظاهرة فيحتاج حينئذ إلى تكلف دعوى العدل فيه (٢).

__________________

(١) شرح المفصل ١ / ٦٢.

(٢) شذور الذهب ٤٥٢.

٢١٢

وجاء في «شرح التصريح على التوضيح» : (الثالث) من المعدول (فعل) بضم الفاء وفتح العين (علما للمذكر إذا سمع ممنوع الصرف وليس فيه علة ظاهرة غير العلمية) وهو المشار إليه بقوله «أو كفعلا» (نحو عمر) مما ليس بصفة في الأصل والمحفوظ من ذلك عمر ومضر (وزفر) وقثم (وزحل) وجشم (وجمح) وقزح وعصم وجحا ودلف وهذل وبلغ وثعل (فإنهم قدروه معدولا) عن فاعل غالبا (لأن العلمية لا تستقل بمنع الصرف) وأمكن العدول دون غيره لأنه الغالب في الأعلام فعمر مثلا معدول عن عامر ، فإن «عامرا» ثابت في الآحاد النكرات بخلاف عمر (١).

فالعلة المانعة للصرف في نحو «عمر» كما يقول النحاة هي العلمية والعدل وأنه «معدول عن عامر العدل المنقول من الصفة» (٢).

وعرفنا سبب فرضية العدل في صيغة «فعل» وهو عدم قدرة علة واحدة وهي العلمية على إتيان هذا الحكم وهو عدم التنوين مع الجر بالفتحة (المنع من الصرف).

٢) ويتبع العلم المفرد المذكر (عمر وأمثاله) المعدول في هذا الحكم صيغة «فعل» المختصة بالنداء وذلك نحو : غدر وفسق ولكع المعدولة عن غادر وفاسق وألكع.

قال سيبويه حين تكلم عن منع صرف «أخر» وأنها خالفت الأصل رابطا بينها وبين «لكع» وأمثاله : «فلما خالفت الأصل (أي أخر) وجاءت

__________________

(١) التصريح على التوضيح ٢ / ٢٢٤.

(٢) الارتشاف ١ / ٩٥.

٢١٣

صفة بغير الألف واللام تركوا صرفها كما تركوا صرف «لكع» حين أرادوا «يا ألكع» وفسق حين أرادوا «يا فاسق» ، وترك الصرف في «فسق» هنا ، لأنه لا يتمكن بمنزلة يا رجل للعدل (١).

ويقول المبرد : «فإن كان الاسم على فعل معدولا عن «فاعل» لم ينصرف إذا كان اسم رجل في المعرفة ، وينصرف في النكرة وذلك نحو : «عمر وقثم ، لأنه معدول عن عامر وهو الاسم الجاري على الفعل ، فهذا مما معرفته قبل نكرته ، فإذا أريد به مذهب المعرفة جاء أن تبينه في النداء من كل فعل لأن المنادى مشار إليه ، وذلك قولك : يا فسق ويا خبث ، تريد : يا فاسق ويا خبيث» (٢).

وجاء في شرح الكافية : «وكذا» المختص بالنداء فرّعوا عليه أنك إذا سميت فيها ففعل لا ينصرف اتفاقا نحو «فسق» علما للعدل والعلمية (٣).

ويلاحظ أن هذه المسألة فيها خلاف كما ذكر في الارتشاف : «أو بفعل المختص بالنداء (التسمية به) كفسق ، فمذهب سيبويه منع صرفه ، ويصرفه في النكرة ، ومذهب الأخفش وتبعه ابن السيد صرفه في المعرفة والنكرة ، وقال ابن بابشاذ : الأخفش يصرف جميع هذه المعدولات في التسمية إلا أن حدثت علة أخرى» (٤).

ويقول السيوطي في الهمع : «فعل المختص بالنداء كفسق وغدر وخبث ولكع ، فإنها معدولة عن فاسق وغادر وخبيث وألكع ، فإذا سمي

__________________

(١) سيبويه ٢ / ١٤.

(٢) الكامل ٣ / ٣٠.

(٣) شرح الكافية ١ / ٤٥.

(٤) الارتشاف ١ / ٣٥.

٢١٤

بها امتنع صرفها للعلمية ومراعاة اللفظ المعدول ، فإن نكّرت زال المنع وذهب الأخفش وطائفة إلى صرفها حال التسمية أيضا كما نقلته عنه أخيرا في قولي قال الأخفش ومعرفة ، لأن العدل إنما هو حالة النداء وقد زال بالتسمية» (١) فالرأي الغالب هو منع هذه الصيغ من الصرف عند التسمية بها ، فإذا نكّرت زال المنع لزوال العلمية ؛ لأن العدل وحدها لا تكفي. بينما ذهب الأخفش إلى صرفها في حال التسمية وسبب ذلك عنده هو أن العدل إنما يكون حال النداء ، أما عند التسمية فإن العدل يزول عنها ومن ثمّ يحكم عليها بالصرف.

وجاء في الأصول أن أبا العباس (المبرد) قال : «سئل التوزي ، وروي عن أبي عبيدة : أنه يقال للفرس الذكر لكع ، والأنثى لكعة ، فهل ينصرف لكع على هذا القول؟ فالجواب في ذلك : أن «لكعا» هذه تنصرف في المعرفة ؛ لأنه ليس ذلك المعدول الذي يقال للمؤنث منه «لكاع» ولكنه بمنزلة : حطم ، وإن كان حطم صفة ، لأنه اسم ذكره من باب «صرد ونغر» فلم يؤخذ من مثال عامر فيعدل في حالة التعريف إلى عمر ونحو» (٢) فلكع هذه التي مؤنثها «لكاع» مصروفة لأنها ليست معدولة عن ألكع وإنما هي من باب «حطم» ويفهم من هذا النص أن «لكع» المعدولة عن «ألكع» والتي نحن بصددها ممنوعة من الصرف للعلمية والعدل مع الاختلاف بين وجهات نظر العلماء التي ذكرناها.

٣) ما يأتي على وزن «فعل» من ألفاظ التوكيل نحو جمع كتع ، بصع ، بتع ، فإنها ممنوعة من الصرف للعلمية والعدل وقد سبق أن قلنا إن هذه

__________________

(١) الهمع ١ / ٢٨.

(٢) الأصول ٢ / ٩٦.

٢١٥

الألفاظ المؤكدة أعلام على جهة الإحاطة والشمول. وأما مسألة العدل ففيها نظر وفيها كلام ، فالنحاة يقولون إن الألفاظ التي ذكرناها «جمع كتع بصع بتع» جموع تكسير مفرداتها «جمعاء ، كتعاء ، بصعاء ، بتعاء» بينما جاء في الارتشاف أن «جمع» وأخواته امتنع للعدل وشبه الصفة أو شبه العلمية (١).

ويقول السيوطي «قياسها أن تجمع على فعل بسكون العين كما يجمع أحمر حمراء على حمر» (٢) هذا إذا نظرنا إليها من جهة الجمع على التكسير وهو أمر راجع إلى المفرد المؤنث «فعلاء» أما إذا نظرنا إلى مفردات هذه الألفاظ من جهة التذكير ، فالأمر مختلف لأن «أجمع ـ أكتع ـ أبصع ـ وأبتع» هذه المفردات المذكرة تجمع بالواو والنون جمع مذكر سالما «أجمعون أكتعون أبصعون وأبتعون» فكان القياس إذن فيما يجمع مذكره بالواو والنون أن يجمع مؤنثه بالألف والتاء جمع مؤنث سالما فنقول : «جمعاوات ـ كتعاوات ـ بصعاوات ـ بتعاوات».

«ومن حيث هي اسم لا صفة قياسها أن تجمع على فعالى كصحارى فيقال جماعي وكتاعى إلى آخره» (٣) فكون «جمع وأخواتها» لم تأت على هذه الصور الثلاث التي يفترض ورودها على إحداها أدى بالعلماء إلى القول بأنها معدولة. ولو قالوا إنها منعت للعلمية ووزن «فعل» لكفاهم ما عنوه من التكلف لاطراد قاعدة العدل ، ويعلق الأستاذ عباس حسن على ذلك بقوله : «فلو صح أن العرب عدلت عن جمع إلى آخر ، فما

__________________

(١) وذلك في موضعين من المخطوط ١ / ٩٣ و ١ / ٩٥.

(٢) الهمع ١ / ٢٨.

(٣) الهمع ١ / ٢٨.

٢١٦

حكمة عدولها؟ وما حكمة منع الصرف للدلالة على جمع أهملته وعدلت عنه؟ وهل يعرف العرب الأوائل القياس وغير القياس كما اصطلح النحاة عليه؟ وأن الجمع القياسي لفعلاء هو : الجمع بالألف والتاء ، وغيره مخالف للقياس؟ ولم لا يكون القياس هو ما فعلته العرب في هذه الألفاظ؟ وهل يفكر العربي ، ويطيل التفكير على هذا الوجه قبل أن ينطق بالكلمة وجمعها؟ و.. و.. كل هذا غير معقول ولا واقعي ، .. وأن بعض النحاة أرادوا أن تكون القاعدة مطردة فتكلفوا وتجاوزوا المقبول. ولما كان مرد الأمر كله لنطق العربي الفصيح كانت العلة الحقيقية هي السماع عنه ، ومثل هذا يقال في كل ما كان العدل على من علل منع صرفه» (١). ونلاحظ أن تلك الافتراضات والتأويلات المذكورة في هذا الباب والتي رأينا كثيرا منها عند السيوطي ، هي تأويلات فيها كثير من التعنت والتكلف ، وقد تكون تأويلات من علماء مختلفي المذهب نرى أن لكل عالم ومذهب تفسيرا خاصّا به ، ومجموع هذه التفسيرات أدى إلى ظهور الأمر بهذا الشكل من التكلف ، ولكننا لو نظرنا إلى تفسير عالم متقدم كسيبويه مثلا فإننا لا نرى الأمر بهذا التكلف فهو يقول مثلا : «وسألته عن جمع وكتع فقال هما معرفة بمنزلة كلهم وهما معدولتان عن جمع جمعاء وجمع كتعاء وهما منصرفان في النكرة» (٢) فالمسألة وإن كان فيها شيء من البعد عن الحقيقة إلا أنها ليست كثيرة التكلف ؛ لأن القاعدة الصرفية تقول إن ما كان على زنة «فعلاء» وكانت الهمزة فيه للتأنيث فإنها تقلب واوا عند الجمع وتجمع بالألف والتاء ، فلعدم جمعها على : «فعلاوات» قالوا بعدلها.

__________________

(١) النحو الوافي ٤ / ١٩٤.

(٢) سيبويه ٢ / ١٤.

٢١٧

ويقول صاحب الارتشاف «وإن سميت رجلا بجمع وكتع انصرف في المعرفة والنكرة في قول الأخفش لأنه عدل ، وهو تأكيد ، فلما نقل عن موضعه خف وانصرف ، وسيبويه لا يصرفه في المعرفة ، لأنه فيها عدل ، ويصرفه في النكرة لأنه رده إلى حال لم يكن فيها معدولا (١).

وذكر في المخصص : «وقد صرح سيبويه أنه ليس بصفة وقال في باب «ما لا ينصرف» إذا سميته بأجمع صرفته في النكرة ، وقد غلط الزجاج في كتابه في باب ما لا ينصرف ، ورد عليه الفارسي بعد أن حكى قوله ، فقال : وقد أغفل أبو إسحاق فيما ذهب إليه من جمع في كتابه فيما لا ينصرف ، وهذا لفظه قال : الأصل في جمع جمعاء جمع مثل حمراء وحمر ، ولكن حمر نكرة فأرادوا أن يعدل إلى لفظة المعرفة فعدل فعل إلى فعل. قال أبو على : وليس جمعاء مثل حمراء فليزم أن يجمع على حمر كما أن أجمع ليس مثل أحمر ، وإنما جماء كطرفاء وصحراء كما أن أجمع كأحمد بدلالة جمعهم له على التثنية» (٢).

وخلاصة القول إن ألفاظ التوكيد التي على وزن «فعل» ممنوعة من الصرف للعلمية والعدل ، أو لورودها على هذا الوزن مع الخلاف الذي عرفنا عن الأصل الذي عدلت عنه هذه الألفاظ. كما علمنا أيضا أن الدليل على علميتها من جهتين :

الأولى : دلالتها على العلمية من جهة الإحاطة والشمول.

والثانية : أن مفردها المذكر «أجمع ـ أكتع ـ أبصع ـ أبتع» يجمع

__________________

(١) الارتشاف ١ / ٩٥.

(٢) المخصص ١٧ / ١٣٢ ـ ١٣٣.

٢١٨

جمع مذكر سالما ، أي بالواو والنون رفعا ، وبالياء والنون نصبا وجرا. كما أننا نقول في ختام حديثنا عن صيغة «فعل» ما ورد عن النحاة أنها تأتي على ضروب وقد عرفنا منها الأعلام المعدولة كعمر وزفر ، وكذلك صيغة «فعل» الخاصة بالنداء كفسق ولكع إذا سمينا بها. ومنها أيضا ألفاظ التوكيد التي كنا بصددها قبل قليل. «ومنها أن يجيء جنسا نحو صرد ونغر وسبد لطائر. ويجيء جمعا نحو ثقبة وثقب ، ورطبة ورطب فلو سمي بشيء من ذلك لانصرف ، لأنه منقول من نكرة ، واعتبار العدل من ضروب فعل بامتناع الألف واللام منه ، وعرفنا أنه معدول لوروده في اللغة غير منصرف وليس فيه من موانع الصرف سوى التعريف ، وكان عمر علما معدولا عن عامر وصفا وهو مصروف على أصل ما ينبغي أن يكون عليه الأسماء ، وعمر لفظة من لفظ عامر وهو غير مصروف فعلم أن سببه مع التعريف كونه مغيرا عنه» (١).

ويضيف ابن يعيش كلمة لها أهميتها في هذا الباب حيث يقول : «والمعدول بابه السماع ألا ترى أنهم لم يقولوا في مالك ملك ولا في حارث حرث كما قالوا عمر وزفر» (٢).

فالمعيار الأساسي الذي يضبط هذا الموضوع هو السماع الذي ينبغي أن يرجع إليه في مثل هذه الأحكام. وقد جاء السماع عن العرب مغنيا عن كثير من المتاهات والتكلف الذي لا مبرر له.

ونختتم قولنا بكلام ذكره الأستاذ عباس حسن : «فوزن فعل» هذا قد

__________________

(١) شرح المفصل ١ / ٦٢.

(٢) نفس المصدر ١ / ٦٢.

٢١٩

يجب منعه من الصرف إذا كان علما مفردا مسموعا بالمنع. وقد يجب صرفه إذا كان جمعا. وقد يجوز فيه الأمران ، والأحسن الصرف إذا كان السماع مجهولا (١).

٤) الأعلام المؤنثة التي على وزن فعال نحو «حذام ـ قطام ـ رقاش» فما الحكم النحوي في مثل هذه الأعلام؟ هل هي معربة أم مبنية؟ وإذا كانت معربة ، فهل هي مصروفة أم ممنوعة من الصرف؟ ثم ما هو موقف العرب منها؟ وما العلة التي وصفها النحاة لقول من قال بمنعها من الصرف؟

ونلاحظ أن هناك رأيين مختلفين في هذه الأعلام :

١) المنع من الصرف ـ وهو لهجة بني تميم بشرط ألا يكون العلم مختوما بالراء وذلك نحو : قطام حذام رقاش ، وسبب منعها من الصرف كما يقول النحاة هو العلمية والعدل لأن الأصل فيها هو : قاطمة وحاذمة ، وراقشة فعدل عنها إلى صيغة «فعال» ، يقول سيبويه : «ألا ترى أن بني تميم يقولون : هذه قطام ، وهذه حذام ، لأن هذه معدولة عن حاذمة ، وقطام معدولة عن قاطمة أو قطمة» (٢).

وللمبرد تقسيم للأسماء التي ترد على صيغة «فعال» حيث يقول : اعلم أن الأسماء التي تكون على هذا الوزن على خمسة أضرب : فأربعة منها معدولة ، وضرب على وجهه. فذلك الضرب هو ما كان مذكرا ، أو مؤنثا غير مشتق ، ويجمع ذلك أن تكون مما أصله النكرة. فأما المذكر فنحو

__________________

(١) النحو الوافي ٢ / ١٩٥.

(٢) سيبويه ٢ / ٤٠.

٢٢٠