الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

١
٢

٣
٤

الممنوع من الصرف

في

اللغة العربية

المقدمة

الممنوع من الصرف قضية من النحو ، اهتم بها القدماء من كتاب سيبويه حتى السيوطي ومن بعده ، ولهم في بحثها مصطلحات اتفقت كثيرا ، واختلفت أحيانا ، وأثاروا في هذا الموضوع جملا من القضايا ، وحاولوا تفسير هذا الأمر وتعليل هذه الظاهرة ، كما حاولوا أيضا الإفادة من عدد من الشواهد الشعرية والقرآنية في عرضهم للمنوع من الصرف.

وهذه الرسالة لا تهدف إلى هذه الجهود وحدها وإنما تهدف أيضا إلى النظر في النصوص العربية الموثقة في محاولة لإثراء البحث تأكيدا لما ورد عند النحاة أو تعديلا لبعض هذه الآراء ، ولهذا كله تقوم هذه الرسالة على أساس الرجوع إلى آراء النحاة المتعلقة بهذا الموضوع وربطها ومناقشة ما جاء فيها ، ثم الرجوع إلى كتب التفسير والقراءات للوقوف على آراء المفسرين والقراء بالنسبة للآيات التي يرد فيها أسماء ممنوعة من الصرف ، وأخيرا الرجوع إلى الواقع اللغوي عند شعراء معتمدين كشعراء الجاهلية وصدر الإسلام والأمويين.

والمصادر الشعرية التي عدت إليها لأخذ الشواهد الشعرية هي

٥

«جمهرة أشعار العرب ، المفضليات ، الأصمعيات ، شرح أشعار الهذليين ، شرح القصائد السبع الطوال» ، بالإضافة إلى «ديوان امرئ القيس» و «ديوان عنترة» و «ديوان طرفة بن العبد» و «ديوان النابغة الذبياني» و «ديوان زهير بن أبي سلمى». وقد اتضح من خلال المقارنة بين آراء النحاة والواقع اللغوي مجموعة أمور ذكرتها في نهاية الخاتمة.

وأما بالنسبة لتوزيع الرسالة ، فقد قمت بتقسيمها إلى «تمهيد» اختص بذكر المصطلحات الواردة في هذا الموضوع من مثل «ما ينصرف وما لا ينصرف ، والمتمكن وغير المتمكن ، والمتمكن الأمكن والمتمكن غير الأمكن» وأبدأ بذكر أقدم الآراء قدر الإمكان.

ثم قسمت الرسالة إلى أربعة أبواب : حيث اختص الباب الأول بالأعلام الممنوعة من الصرف ، وقد قسم الباب إلى ستة فصول ، فالفصل الأول للأعلام المؤنثة والثاني للأعلام المعدولة والثالث للأعلام الأعجمية والرابع للأعلام المزيدة بالألف والنون. والخامس للأعلام التي على وزن الفعل ، وأما الفصل السادس فللأعلام المركبة تركيبا مزجيّا.

وجعلت الباب الثاني للصفات الممنوعة من الصرف وقد قسمته إلى ثلاثة فصول :

ـ الفصل الأول : الصفات المعدولة.

ـ الفصل الثاني : الصفات المزيدة بالألف والنون.

ـ الفصل الثالث : الصفات التي على وزن الفعل.

وأما الباب الثالث فقد خصصت للأسماء الممدودة والأسماء المقصورة ومن هنا فقد قسم إلى فصلين :

٦

ـ الأول للأسماء الممدودة.

ـ الثاني للأسماء المقصورة.

والباب الرابع خصصت الجموع ، وأعني بها صيغ منتهى الجموع.

وأذكر في كل فصل من الفصول آراء النحاة ثم الواقع اللغوي.

وأما المقارنة والنتائج فقد ذكرتها في الخاتمة التي اشتملت على جزأين :

الجزء الأول للمقارنة بين ما جاء عند النحاة وما جاء عند الشعراء بشكل موجز مركز.

والجزء الثاني يتعلق ببعض القضايا التي ذكرتها موجزة كالتنكر والتصغير وتأثيرها في الصرف وعدم.

ثم الإشارة إلى التناسب والضرورة الشعرية وهما نقطتان مؤثرتان كذلك في صرف الممنوع من الصرف.

وأخيرا فإنها لا يسعني إلا أن أقدم شكري الجزيل لأستاذي الفاضل الدكتور محمود فهمي حجازي الذي وقف معي كثيرا واتسع صدره لكل صغيرة وكبيرة ، وكان أخا وأستاذا جليلا فجزاه الله عني خير الجزاء.

كما أقدم موفور الشكر للأستاذين الجليلين اللذين تفضلا فقبلا مشكورين المشاركة في مناقشة هذا البحث المتواضع راجيا من الله سبحانه وتعالى التوفيق وأن يحوز برضى أساتذتي الأفاضل.

والله ولي التوفيق

٧

تمهيد

المتمكن ـ غير المتمكن :

هناك كلمات لها مدلولات خاصة أراد بها النحاة معنى معينا ، وهو المقصود بالاصطلاح شأن هذا الباب شأن بقية أبواب النحو والصرف واللغة وغيرها من أبواب العلوم المختلفة ، التي يتفق علماؤها على وضع ألفاظ يريدون بها معاني خاصة ، غير ما يرد أحيانا بالذهن ، وأول هذه المصطلحات تقسيم النحاة الاسم إلى معرب ومبني كما هو معروف. ثم أعطوا كل قسم منهم : صفة خاصة به ، فسموا المعرب «متمكنا» ، والمبني «غير متمكن» ، و «المتمكن» هو الاسم الذي عنده قدرة الانتقال من صورة إلى أخرى ، وهذا معنى يتفق مع المعنى اللغوي المقصود من المتمكن الذي هو مشتق من التمكن بمعنى المقدرة والاستطاعة. و «غير متمكن» أي غير قادر أو غير مستطيع لكي يتصرف بحرية ولذا يبقى على حاله دون تغيير ، وهو معنى يتفق كذلك مع المعنى المصطلح عليه للمبني ، أي الذي يلزم صورة واحدة دون تغيير مهما تغيرت العوامل الداخلة عليه.

وقد ورد اصطلاح «المتمكن» بالمعنى الذي يقصد به عند سيبويه كما ورد في قوله وهي «أي النون» علامة توكيد ، كما أن التنوين علامة المتمكن (١) أي أن التنوين علامة للاسم المعرب المنصرف ، ويقول في

__________________

(١) سيبويه ٣ / ٥٢١ تحقيق الأستاذ عبد السّلام هارون.

٨

موضوع آخر «وأما الفتح والكسر والضم والوقف فللأسماء غير المتمكنة» (١) أي الأسماء المبنية ، وكما هو معروف أننا نقول في المبني إنه مبني على الفتح أو الكسر أو الضم أو السكون ولا نقول : مبني على النصب أو الجر أو الرفع أو الجزم ، وقد قال ابن يعيش في معرض كلامه عن الممنوع من الصرف ذاكرا معنى التمكن بقوله : «والتمكن رسوخ القدم في الاسمية ، وقولنا اسم متمكن أي راسخ القدم في الاسمية ، وقولنا اسم متمكن أي هو بمكان منها أي لم يخرج إلى شبه الحرف فيمتنع من الأبواب» (٢).

وبعد أن ذكر معنى التمكن بين صلته بما ينصرف وما لا ينصرف ، قال : (والاسم المتمكن يجمعهما يريد أن «ما لا ينصرف» متمكن لأن التمكن هو استحقاق الاسم الإعراب بحكم الاسمية ، وما لا ينصرف معرب ، فهو متمكن لذلك وإن كان غيره أمكن منه) (٣). ويقول أيضا (والمتمكن وصف راجع إلى جملة المعرب) (٤) ، وهكذا نلاحظ أن المتمكن وغير المتمكن رادفان للمعرب المبني كما وردا عند سيبويه ، من صفات هي خاصة بالمبنيات التي وصفها بأنها أسماء غير متمكنة.

وقد جاء مصطلح المتمكن وغير المتمكن عند ابن هشام فيقول في كتابه أوضح المسالك : (الاسم إن أشبه الحرف) بني كما مر ، وسمي غير متمكن وإلا أعرب) (٥) أي إذا كان متمكنا ليكون لقوله (غير متمكن)

__________________

(١) سيبويه ١ / ٣ طبعة بولاق.

(٢) شرح المفصل لابن يعيش ج ١ : ٥٧.

(٣) شرح المفصل ج ١ : ٥٨.

(٤) شرح المفصل ج ١ : ٥٧.

(٥) أوضح المسالك لابن هشام ٣ / ١٤٠.

٩

وقد علق صاحب التصريح على التوضيح خالد الأزهري على قول ابن هشام «غير متمكن» بقوله : «لعدم تمكنه في باب الاسمية» (١) حيث أشبه الحروف في بعض صفاتها فبني كما مر سابقا.

وقد سار هذان المصطلحات عند أكثر النحاة بل كلهم إلا النزر اليسير والمتأخرين خاصة ، وكما لاحظنا عند ابن يعيش وابن هشام ، كذلك نلاحظ نفس المعنى عند ابن عقيل في شرحه لألفية ابن مالك فيقول (الاسم إن أشبه الحرف سمي مبنيّا وغير متمكن وإن لم يشبه الحرف سمي معربا ومتمكنا) (٢). وهذا المعنى واضح على أن هنالك ترادفا بين الإعراب والتمكن ، وبين البناء وغير التمكن جهة أخرى.

بينما لم أجد هذا المصطلح عند المبرد في كتابة «المقتضب» الذي سمي فيه هذا الباب تسمية أخرى ، إلا أنها تدل على نفس المعنى المقصود ، بأن سماه «هذا الباب تسمية أخرى ، إلا أنها تدل على نفس المعنى المقصود ، بأن سماه «هذا باب ما يجري وما لا يجري» وبدأ الباب بقوله (اعلم أن التنوين في الأصل للأسماء كلها علامة فاصلة بينها وبين غيرها ، وأنه ليس للسائل أن يسأل : لم انصرف الاسم؟ فإنما المسألة عما لم ينصرف : ما المانع له من الصرف؟ وما الذي أزاله عن منهاج ما هو اسم مثله ، إذ كانا في الاسمية سواء؟) (٣).

هذا هو مدخل المبرد للممنوع من الصرف ، فلم يبدأ البداية التقليدية بأن يقسم الاسم إلى معرب (متمكن) وإلى مبني (غير متمكن) وإنما ذكر

__________________

(١) التصريح على التوضيح للأزهري ج ٢ : ٢٠٩.

(٢) ابن عقيل ١ / ٧.

(٣) المقتضب ج ٣ : ٣٠٩.

١٠

أن الأصل هو صرف الاسم وتنوينه ، والأصل لا يسأل عنه كما يقول الأصوليون : ما جاء على أصله لا يسأل عن علته. وإنما يسأل عن سبب عدول الأصل إلى الفرع وهو الممنوع من الصرف. لم منع من الصرف؟.

متمكن أمكن ـ متمكن غير أمكن :

وبعد تقسيم الاسم إلى معرب (متمكن) وإلى مبني (غير متمكن) يأتي تقسيم المعرب إلى معرب له كامل الحرية والقدرة على الانتقال من حركة إلى أخرى دونما قيد ، وهو الاسم المصروف ، الذي وضع له النحاة اصطلاحا خاصّا وهو «المتمكن الأمكن» أي الأقوى والأقدر على التحرر من حركة إلى حركة مع التنوين ، ونجد هذا المصطلح عند سيبويه عند بيانه وتقسيمه المعرب إلى مصروف (فالتنوين علامة للأمكن عندهم والأخف عليهم ، وتركه علامة لما يستثقلون) (١) ، والذي هو الممنوع من الصرف لعلة من العلل المعروفة التي تخرج الاسم عن أصله وتضعفه فتقل درجة اسميته ، وتبعا لذلك يحرم من بعض الحركات الخاصة بالأسماء وهي الجر والتنوين ؛ إذ ليس له والحال هذه تمكن الاسم الباقي على أصالته وقدرته (فجميع ما يترك صرفه مضارع به الفعل ، لأنه إنما فعل ذلك به ، لأنه ليس له تمكن غيره ، كما أن الفعل ليس له تمكن الاسم) (٢) وهكذا نجد وضوح رؤية سيبويه حول هذين المصطلحين ، بحيث صارت قاعدة لمن أتى بعده من العلماء.

__________________

(١) سيبويه ١ / ٢٢ تحقيق عبد السّلام هارون.

(٢) سيبويه ١ / ٢٣ تحقيق عبد السّلام هارون.

١١

وممن ورد ذكرهما عنده أبو إسحاق الزجاج (٢٣٠ ـ ٣١١ ه‍) في كتابه «ما ينصرف وما لا ينصرف» الذي حققته هدى قراعة.

وأسلوب الزجاج في كتابه هذا قريب جدّا من أسلوب سيبويه يعتمد عليه في كثير من الأحكام النحوية التي يبحثها وذلك بأخذه كثيرا من نصوص سيبويه ، وأحيانا ينقل النص عينه كما يفعل المؤلفون المعاصرون في هذا يأخذون نصوص المصادر والمراجع مع الإشارة إلى ذلك المصدر وذكر مؤلفه. كما في قوله (التنوين علامة الأمكن عندهم والأخف عليهم) (١). وهذا نص سيبويه في ص ٧ من الجزء الأول طبعة بولاق.

ويقول أيضا مشيرا إلى هذين النوعين : (إلا أن بعض الأسماء المتمكنة أشد تمكنا من بعض ، فأعلمك أن التنوين علامة لأمكن الأشياء عندهم) (٢) ويقصد بذلك ما ينصرف ويتابع قوله (وقد يكون متمكن لا تنوين فيه فيترك في المتمكن الذي هو ثقيل عندهم ، وذلك كل ما لا ينصرف غير منون ليفصل بين المستوفي التمكن ، بين الناقص التمكن) (٣).

وبعد إشارته إلى حقيقة هذين المصطلحين يشير إلى علامات المنصرف لتكون صورته أكثر وضوحا فيقول (ومعنى التمام أن يدخله مع الرفع والنصب الخفض ومع الحركات التنوين) (٤) وبهذا اكتملت صورة الاسم المنصرف ووضحت معالمه ، وأن معيار الصرف وتركه هو وجود البحر مع التنوين وهذا ما يدعم كلامنا الذي ذكرناه في تعريف

__________________

(١) ما ينصرف ص ١ تحقيق هدى قراعة.

(٢) ما ينصرف ص ١ هدى قراعة.

(٣) ما ينصرف ص ١ تحقيق هدى قراعة.

(٤) ما ينصرف ص ١.

١٢

المنصرف وغير المنصرف وهو أن الممنوع من الصرف هو الاسم الذي لا يدخله جر ولا تنوين وأنه لا داعي للاختلاف في التعريف ، وهل يدخل التنوين مع الجر في التعريف؟ أم لا؟ لأنهما متلازمان في هذا الباب وهما أيضا من خصائص الاسم القوي المتمكن في اسميته.

ومن الكتب النحوية التي ورد فيها ذكر لهذا التقسيم شرح ابن يعيش على المفصل (وأصل الصرف التنوين وحده على ما سنذكر في موضعه ، وهذا الضرب من الأسماء سمي المتمكن الأمكن) (١) ويعقب على هذا بقوله : (والأمكن على زنة «أفعل» التي للتفصيل أي هو أتم تمكنا من غيره ، ولم يعرض فيه شبه الحرف فيخرجه إلى البناء ، ولم يشابه الفعل فينقض تمكنه ، ويمتنع منه بعض حركات الإعراب وهو الجر ، ويمتنع منه التنوين الذي هو من خصائص الأسماء ، فكان بذلك أمكن من غيره ، أي أرسخ قدما في مكانه من الاسمية) (٢). وهذا النص فيه توضيح جلي لأضرب الاسم المعنية في هذا الموضوع ، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن ابن يعيش من المتأخرين الذين وضحت عندهم صور كثير من المعاني والمصطلحات بعد أن تناولها الأوائل وأعطوها ما تحتاج إليه من بحث ونقاش ليأتي غيرهم من المتأخرين فيضيفوا إليها من بصمات عصرهم وما وصل إليه العلم من الوضوح والدقة. وهذه طبيعة كل العلوم في كل العصور وليس معنى ذلك أن القدماء الأوائل تركوا الأمور دون بحث أو تدقيق في المفاهيم ، بل تعبوا ليصلوا إلى الحقيقة ، وكثير من القواعد النحوية والصرفية واللغوية بحثوها بصورة

__________________

(١) شرح المفصل ١ / ٥٧.

(٢) شرح المفصل ١ / ٥٧.

١٣

دقيقة علمية كما نجد ذلك عند سيبويه والمبرد وابن جني وغيرهم من علماء القرن الثاني والثالث والرابع للهجرة وهي فترة البحث والتعقيد ، حتى إذا جاءت القرون اللاحقة وعقد كثير من العلماء الأمور بالمتون والحواشي والتكرار مع إضافات قليلة لبعض العلماء كابن هشام مثلا الذي ألف كتبا كثيرة في النحو والصرف متتبعا أسلوبا جديدا في التأليف كما هو واضح في كتابه «شذور الذهب» ، و «مغني الليب عن كتب الأعاريب» اللذين ظهر فيهما جهده وعلمه في كيفية تناوله للموضوع ، وطريقة عرضه لمفاهيم الأبواب والجمل والمفردات ، وتقصي معاني الحروف للوصول إليها ، وذلك جلي في «المغني». إذن فالقدماء من العلماء قد بذلوا جهدا للوصول إلى حقائق الأمور ، ولا ننسى جهود العالم الجليل الخليل بن أحمد في النحو واللغة والصرف وعبقريته العظيمة التي استطاعت اكتشاف بحور الشعر الخمسة عشر إلا بحرا واحدا هو المتدارك الذي اكتشفه الأخفش ، هذه التعقيبة وإن طالت إلا أننا رأينا ضرورة ذكرها لبيان فضل القدماء الأوائل ، وعدم إهدار حقهم.

وتظهر طبيعة العصر في ما ظهر فيه من الفلسفة والمنطق في شرح المفصل حيث يقول (فالمتمكن أعم من الأمكن ، فكل أمكن متمكن وليس كل متمكن أمكن) (١) وهنا تظهر قاعدة العموم والخصوص المنطقية فقد يكون الاسم متمكنا أي معربا لكنه لا يكون أمكن أي لا يكون منصرفا ، ولكن إذا كان الاسم أمكن أي مصروفا فإنه بطبيعة الحال يكون متمكنا أي معربا ؛ لأن الأمكن لا يصل إلى هذه الدرجة إلا إذا كان متمكنا. وذلك كقول المناطقة «كل إنسان حيوان» ولكن لا

__________________

(١) شرح المفصل ١ / ٥٧.

١٤

يترتب على هذه القضية أن كل حيوان إنسان ، لأن «حيوان» أعم من «إنسان» فبينهما عموم وخصوص.

ويأتي علماء القرون المتأخرة (الخامس والسادس والسابع) الهجرية لنجد عندهم هذا المعنى كما يقول ابن هشام (المتوفى ٧٦١ ه‍) : (ثم المعرب إن أشبه الفعل منع الصرف كما سيأتي ، وسمي غير أمكن وإلا صرف ، وسمي أمكن) (١). ويقول في معرض بيانه معنى الصرف وعدمه (والصرف : هو التنوين الدال على معنى يكون الاسم به أمكن وذلك المعنى هو عدم مشابهته للحرف والفعل كـ «زيد» و «فرس» وقد علم أن غير المنصرف هو الفاقد لهذا التنوين) (٢).

فقد بين معنى المنصرف بأنه الاسم المنون المتمكن من اسميته ، وأن الممنوع هو الفاقد لهذا التنوين ، كما ربط بين هذا المعنى وبين مصطلح المتمكن وغير المتمكن دون إضافة على المعنى الذي بينه من قبل. وهذا المعنى واضح كذلك في حاشية الصبان على الأشموني (والمراد بالمعنى الذي يكون به الاسم أمكن ، أي زائدا في التمكن بقاؤه على أصله ، وأي أنه لم يشبه الحرف فيبنى ، ولا الفعل فيمنع الصرف) (٣) فبقاء الاسم على أصالته يعني كونه منصرفا ومتمكنا أمكن وخروجه عن أصالته يعني بناءه إن شابه الحرف في أحد صفاته التي بيّنا بعضها ، أو منعه الصرف إن شابه الفعل في أحد أوجه الشبه بوجود علة تقوم مقامهما ، وذلك واضح في النص الذي يقول فيه (الأصل في الاسم أن يكون

__________________

(١) أوضح المسالك / ٣ / ١٤٠.

(٢) أوضح المسالك / ٣ / ١٤٠.

(٣) حاشية الصبان ٣ / ٢٢٨.

١٥

معربا منصرفا ، وإنما يخرجه عن أصله شبهه بالفعل أو بالحرف ، فإن شابه الحرف بلا معاند بني ، وإن شابه الفعل بكونه فرعا بوجه من الوجوه الآتية من الصرف) (١). والحقيقة أن العلل التي توجب منع الاسم من الصرف تعمل عملها هذا من جهتين ، اللفظ والمعنى فمثلا : «أحمد» ممنوع من الصرف للعلمية وهذا جانب خاص بالمعنى ، ووزن الفعل وهذا مرجع خاص باللفظ. وكذلك كلمة «معد يكرب» فهي ممنوعة من الصرف للعلمية التي تخص المعنى ، والتركيب المزجي الذي يخص اللفظ. أو أن تكون العلة واحدة تقوم مقام العلتين كما في «ألفي التأنيث» الممدودة والمقصورة «حمراء ، ليلى» و «صيغة منتهى الجموع مساجد ، مصابيح ، عصافير» وسنوضح هذه الأمور حين ورود فصولها إن شاء الله تعالى.

ما ينصرف وما لا ينصرف :

ونلاحظ أيضا أن المصطلح الخاص بتسمية هذا الباب قد اختلف فيه ، وإن كان المدلول واحدا ، وهو خلو الاسم وتجرده من الجر والتنوين للعلل المعروفة. فقد سماه سيبويه (باب ما ينصرف وما لا ينصرف) (٢) وهي التسمية التي سار عليها أغلب النحاة فيما بعد من مثل أوضح المسالك (٣) ، وابن عقيل (٤) ، وهمع الهوامع (٥) ، وحاشية الصبان (٦)

__________________

(١) حاشية الصبان ٣ / ٢٢٧.

(٢) سيبويه ٢ / ٢ بولاق.

(٣) ١٢ / ١٤٠.

(٤) ٢ / ٢٤٩.

(٥) ١ / ٢٤.

(٦) ٣ / ٢٢٨.

١٦

وسماه السيوطي في الأشباه والنظائر تسمية قريبة من تلك وهي «المنصرف وغير المنصرف» (١).

وقد أفرد أبو إسحاق الزجاج لهذا الباب كتابا خاصّا سماه «ما ينصرف وما لا ينصرف» (٢) ، وقال ابن يعيش في شرح المفصل «مبحث الاسم الذي يمنع الصرف» (٣) ، وفي شرح الكافية «غير منصرف» (٤).

ونلاحظ أن التسمية في كل تلك الكتب السابقة لم تختلف عن تسمية سيبويه له إلا في اختيار الألفاظ عند بعضهم.

ولكن المبرد في كتابه «المقتضب» اختار له تسمية أخرى وإن كانت متفقة مع التسميات السابقة في المعنى المقصود منها ، وهي : «ما يجري وما لا يجري» (الجزء الثالث : ص ٣٠٩) الذي بدأه كما قلنا سابقا بداية بين فيها أن أساس هذا الباب هو التنوين بوجوده وعدمه. ثم اتضح أننا لا يجب أن نسأل عن الاسم المنصرف لأنه الأصل والأساس ، بل يجب أن نسأل عن سبب العدول عن هذا الأصل إلى الفرع وهو امتناع الاسم عن الصرف.

مما سبق يتضح لنا أن المصطلح «ما ينصرف» مرادف لمصطلح «متمكن أمكن» و «وما لا ينصرف» مرادف لمصطلح «متمكن غير أمكن» وأن المغير للأسماء من الانصراف وعدمه هو وجود الأسباب والعلل التي سنبينها فيما سيأتي إن شاء الله.

__________________

(١) ج ١ : ٣٠١.

(٢) تحقيق هدى قراعة.

(٣) ج ١ : ٥٧.

(٤) ج ١ : ٣٥.

١٧

وفي الحقيقة هناك مصطلحات أخرى في هذا الموضوع وهي مصطلحات خاصة بجوانب معينة في هذا الباب «كالعدل» مثلا وما المقصود منه و «التركيب المزجي» و «صيغة منتهى الجموع» وسنبين القصد منها عند الكلام عن الموضوعات التي تخصها.

* * *

١٨

الباب الأول

الأعلام

الفصل الأول : الأعلام المؤنثة.

الفصل الثاني : الأعلام المعدولة.

الفصل الثالث : الأعلام الأعجمية.

الفصل الرابع : الأعلام المزيدة بالألف والنون.

الفصل الخامس : الأعلام التي على وزن الفعل.

الفصل السادس : الأعلام المركبة.

١٩
٢٠