الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

«الواقع اللغوي»

عرفنا مما جاء عند النحاة أن الأعلام المؤنثة من المواضع التي يمنع فيها الاسم من الصرف وعلمنا آراء النحاة في ذلك وناقشنا ما مرّ من تلك الآراء ، والآن سنلقي نظرة على الواقع اللغوي من خلال عرض نماذج من أبيات شعرية لشعراء يحتج بكلامهم من مثل الشعراء الجاهليين وشعراء صدر الإسلام والعصر الأموي لنرى مدى صحة ما جاء على لسان النحاة من آراء متعلقة بهذا الموضوع بوصفه عملية إحصائية تعتبر شواهد على ما نقول وقد رجعت إلى مجموعة من الكتب المهتمة بشعر هؤلاء كالدواوين وجمهرة أشعار العرب ، وشرح أشعار الهذليين والأصمعيات ، والمفضليات وخرجت من ذلك بعدة نتائج :

١) ورد مجموعة كبيرة من الأعلام المؤنثة في تلك الأشعار سواء كانت مختومة بالتاء أم لا ، كما وردت مجموعة كبيرة من تلك الأسماء التي تدل على القبائل والأماكن والأرضين مثال ذلك كلمة (ثعلبة) التي وردت مرّتين في الأصمعيات عند المفضل البكري حيث يقول :

أولا : المختومة بالتاء

أ: الأسماء المختومة بتاء التأنيث عامة :

وسائلة بثعلبة بن سير

وقد أودت بثعلبة العلوق (١)

__________________

(١) الأصمعيات ٢٠٣ وهو للمفضل البكري.

١٢١

ويقول أيضا :

لقينا الجهم ثعلبة بن سير

أضرّ بمن يجمّع أو يسوق (١)

كما وردت هذه الكلمة في المفضليات للمرقش الأصغر حيث يقول :

أبأت بثعلبة بن الخشا

م عمرو بن عوف فزاح الوهل (٢)

ومن الكلمات التي وردت قليلا كلمة «عجرة» وهي اسم لشخص من لحيان بن هذيل وقد ذكرت مرتين في «شرح أشعار الهذليين» ضمن أبيات لأبي ذؤيب فهو يقول :

ويل أم قتلى فويق القاع من عشر

من آل عجرة أمسى جدّهم هصرا (٣)

ويقول أيضا :

أبعد ابن عجرة ليث الرجا

ل أمسى كأن لم يكن ذا نفر (٤)

فهاتان الكلمتان «ثعلبة وعجرة» من الأعلام المذكرة المختومة بتاء التأنيث كحمزة ومعاوية ولذلك منعتا من الصرف كما نص على ذلك النحاة.

ومن هذه الأعلام المذكرة المختومة بتاء التأنيث كلمة «كندة» التي ذكرها عنترة بقوله :

طرقت ديار كندة وهي تدوي

دوي الرعد من ركض الجياد (٥)

__________________

(١) الأصمعيات / ٢٠١.

(٢) المفضليات ٢٥٠.

(٣) شرح أشعار الهذليين ١ / ١٧٠.

(٤) شرح أشعار الهذليين ١ / ١١٨.

(٥) ديوان عنترة / ٥٥.

١٢٢

كما ذكرها الحارث بن حلّزة بقوله :

أعلينا جناح كندة أن يغ

نم غازيهم ومنّا الجزاء (١)

كما أنها وردت عند امرئ القيس حيث يقول (٢) :

فأبلغ معدا والعباد وطيّئا

وكندة أني شاكر لبني ثعل

ويقول أيضا :

تميم بن مرّ وأشياعها

وكندة حولي جميعا صبر (٣)

ومن الكلمات المؤنثة كذلك كلمة «نخلة» التي هي اسم لموضع وقد جاءت في الجمهور على لسان أمية بن أبي الصلت حيث يقول :

وهم قتلوا الشّنيّ أبا رغال

بنخلة حين أن وسق الوضينا (٤)

كما جاءت هذه الكلمة مرتين في الأصمعيات مرة حين ذكرها «دؤاد» بقوله :

وسبتي بنات نخلة لو كن

ت قريبا ألمّ بي إلمام (٥)

ومرة أخرى حين ذكرها «سبيع بن الخطيم» في قوله :

أرباب نخلة والقريظ وساهم

إني كذلك آلف مألوف (٦)

__________________

(١) شرح القصائد السبع الطوال ٤٧٩.

(٢) ديوان امرئ القيس ١٩٨.

(٣) جمهرة أشعار العرب ١ / ٦٦.

(٤) الجمهرة ٢ / ٥١٣.

(٥) الأصمعيات ١٨٦.

(٦) الأصمعيات ٢٢٣.

١٢٣

ووردت أيضا في «شرح أشعار الهذليين» مرتين كذلك عند «أبي صخر الهذلي» بقوله :

هدوءا وأصحابي بنخلة بعد ما

بدا لي سماك النجم أو كاد يغرب (١)

وعند «أبي ذؤيب» حين يقول :

وقلت لعبد الله أيم مسيّب

بنخلة يسقى صاديا ويعيج (٢)

ذكرت أيضا في المفضليات (٣) على لسان «سبيع بن الخطيم» وهو : الذي ذكره صاحب الأصمعيات مع اختلاف في كلمة «وشاهم» فقد ذكرت في «المفضليات» و «ساهم» بينما ذكرت في الأصمعيات «وشاهم». وعلى كل حال فإن كلمة نخلة وردت عند الجميع كما مرّ ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث وهي اسم لمكان.

وورت كلمة «كاظمة» (التي هي اسم لمكان يقع الآن ضمن حدود الكويت قرب البصرة) عند امرئ القيس في بيت شعر ذكر في «ديوانه» وفي «الأصمعيات» :

إذ هنّ أقساط كرجل الدبى

أو كقطا كاظمة الناهل (٤)

وورد مع اختلاف قليل في «الأصمعيات» :

إذ هي أقساط كرجل الدبى

أو كقطا كاظمة الناهل (٥)

__________________

(١) شرح أشعار الهذليين ٢ / ٩٣٦.

(٢) المصدر السابق ١ / ١٣٧.

(٣) المفضليات ٣٤٧.

(٤) ديوان امرئ القيس ١٢١.

(٥) الأصمعيات ١٣٥.

١٢٤

ولكنه جاء مختلفا في «شرح السبع الطوال» إذ يقول :

فهن أرسال كمثل الدّبا

أو كقطا كاظمة الناهل (١)

وهناك كلمة «وجرة» التي قيل عنها إنها اسم لموضوع بين مكّة والبصرة فيه وحوش كثيرة ، وقيل إنها اسم لفرس يزيد بن سنان أخي هرم بن سنان ممدوح زهير بن أبي سلمى وقد ذكرها امرؤ القيس ممنوعة من الصرف في بيت من معلقته حيث يقول (٢) :

تصدّ وتبدي عن أسيل وتتقي

بناظرة من وحش وجرة مطفل

كما ذكرها النابغة الذبياني مرّتين ، مرة في المعلقة كما جاء في الجمهرة حيث يقول :

مطرّرد أفردت عنه حلائله

من وحش وجرة أو من وحش ذي قار (٣)

ومرة في الديوان :

ومن وحش وجرة موشي أكارعه

طاوي المصير كسيف الصقيل الفرد (٤)

وجاءت كذلك عند «لبيد» في قوله ضمن المعلقة :

زجلا كأن نعاج توضح فوقها

وظباء وجرة عطّفا آرامها (٥)

وجاء في الجمهرة كذلك ضمن معلقة «الأعشى» حيث يقول :

__________________

(١) شرح القصائد السبع الطوال ٩.

(٢) شرح القصائد السبع الطوال ٥٩. والجمهرة ١ / ١٤٤.

(٣) الجمهرة ١ / ٢٢٨.

(٤) ديوان النابغة الذبياني ٣١.

(٥) الجمهرة ١ / ٢٩٥.

١٢٥

ظبية من ظباء وجرة أدما

ءتسفّ الكباث تحت الهدال (١)

وذكر أيضا في بيت لجرير يقول فيه :

فيئ فلست غدا لهنّ بصاحب

بحزيز وجرة إذ يخدن عجالا (٢)

وفي كل ما مرّ من أبيات نرى أن المقصود بها هو المكان والموضع ، ووردت أيضا بهذا المعنى في «شرح أشعار الهذليين» ضمن بيت لساعدة بن جؤية يقول فيه :

وكأنما وافاك يوم لقيتها

من وحش وجرة عاقد متربّب (٣)

بينما جاءت بمعنى «فرس» ضمن بيت ليزيد بن سنان وهو أخو هرم بن سنان ممدوح زهير بن أبي سلمى ، يقول فيه :

رميتهم بوجرة إذ تواصوا

ليرموا نحرها كثبا ونحري (٤)

وسواء كانت كلمة «وجرة» بمعنى مكان أو بمعنى فرس ، فقد رأينا منعها من الصرف عند الجميع ، وعلة منعها العلمية والتأنيث .. ولم يصرفها أحد منهم.

ووردت كلمة «مكة» ممنوعة من الصرف وقد ذكرها صاحب الجمهرة ثلاث مرات مرة ضمن بيت لكعب بن زهير يقول فيه :

في عصبة من قريش قال قائلهم

ببطن مكّة لما أسلموا زالوا (٥)

__________________

(١) الجمهرة ١ / ٢٤٧.

(٢) ٢ / ٨٩٢.

(٣) شرح أشعار الهذليين ٣٠ / ١٠٩٩.

(٤) المفضليات / ٧٠.

(٥) الجمهرة ٢ / ٧٩٩.

١٢٦

وذكرها كذلك ضمن بيت للأخطل حيث يقول :

إني حلفت بربّ الراقصات وما

أضحى بمكّة من حجب وأستار (١)

وذكرها أيضا في قول الشاعر :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يستمر بمكّة سامر (٢)

وقد وردت هذه الكلمة ست مرّات في كتاب «شرح أشعار الهذليين» مرتين لأمية بن أبي عائذ حيث يقول :

مشى راكب من أهل مصر وأهله

بمكة من مصر العشية راجع (٣)

ويقول الشاعر نفسه :

وسار بمذحة عبد العزي

ز ركبان مكة والمنجدونا (٤)

ومرتين كذلك لأبي صخر الهذلي :

جلوا من تهامي أرضنا وتبدلوا

بمكة باب اليون والريط بالعصب (٥)

ويقول أيضا :

فخفيف منى أقوى خلاف قطينه

فمكة وحش من جميلة فالحجر (٦)

__________________

(١) الجمهرة ١ / ٩٠٩.

(٢) الجمهرة ١ / ٥٤ ، والبيت للحارث بن مضاض.

(٣) شرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٢١.

(٤) شرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٢٠.

(٥) المصدر السابق ٢ / ٩٧١.

(٦) المصدر السابق ٢ / ٩٥٠.

١٢٧

وفي هذا البيت شاهد آخر على المنع من الصرف للعلمية والتأنيث بالإضافة إلى كلمة «مكة» وهو «جميلة» ولذلك جرها بالفتحة.

وجاءت أيضا بيت لمعقل بن خويلد يقول فيه :

فإنك قد شريت فعدت عبدا

بمكة حيث ترتمّ العظاما (١)

ويقول قيس بن العيزارة :

فسقى الغوادي بطن مكة كلّها

ورست به كلّ النهار تجود (٢)

وجاءت ممنوعة من الصرف أيضا عند الحارث بن ظالم في المفضليات حيث تقول :

وقومي ، إن سألت : بنو لؤيّ

بمكة علّموا الناس الضرابا (٣)

ومن الكلمات المؤنثة التي وردت عند الشعراء كلمة «دجلة» اسم النهر المعروف الذي يمر بالعراق ، وقد ذكرها طرفة بن العبد حيث يقول :

وأتلع نهاض إذا صعدت به

كسكان بوصي بدجلة مصعد (٤)

وورد البيت في «جمهرة شعراء العرب» (٥) لطرفة بن العبد.

كما ذكرت في الجمهرة ضمن البيت لجرير :

ألا سألت غثاء دجلة عنكم

والجامعات تجرّر الأوصالا (٦)

__________________

(١) المصدر السابق ١ / ٣٩٥.

(٢) المصدر السابق ٢ / ٥٩٨.

(٣) المفضليات ٣١٤.

(٤) ديوان طرفة ص ١٧.

(٥) الجمهرة ١ / ٣٨٩.

(٦) الجمهرة ٢ / ٨٩٤.

١٢٨

وذكرت أيضا في «شرح أشعار الهذليين» حيث يقول أبو صخر الهذلي :

كأنهم منه إذا نزلوا به

على نهر من فيض دجلة راكد (١)

وبالإضافة للكلمات السابقة التي ذكرناها هناك كلمات كثيرة وردت في أشعار العرب ممنوعة من الصرف ، وهي في الواقع أعلام مختومة بتاء التأنيث وهي إما أسماء لأماكن أو جبال أو ديان أو بلدان منعت من الصرف لورودها بالتاء ، وبذلك اجتمع فيها العلتان العلمية والتأنيث من مثل «صراة» (٢) كما في قول الشاعر خفاف بن ندبة :

لا دينكم ديني ولا أنا كافر

حتى يزول إلى صراة شمام (٣)

وككلمة «رهوة» وهي (جبل أو طريق بالطائف) وقد وردت عند الشاعر نفسه :

سرت كلّ واد دون رهوة دافع

وجلذان أو كرم بليّة محدق (٤)

وجاء عند الشاعر نفسه كلمتان أخريان هما «لية» وهي : موضع بالطائف وغيقة وهي : اسم مكان وذلك في البيتين التاليين :

سرت كل واد دون رهوة دافع

وجلذان أو كرم بليّة محدق (٥)

__________________

(١) شرح أشعار الهذليين ٢ / ٩٦٧.

(٢) صراة : جبل في نجد.

(٣) الأصمعيات ٣١.

(٤) الأصمعيات ٢٢ لخفاف بن ندبه.

(٥) الأصمعيات ٢٢.

١٢٩

وقوله :

طرقت أسيماء الرّحال ودوننا

من فيد غيقة ساعد فكثيب (١)

ومن الكلمات التي وردت كلمة «كابة» (٢) في بيت شعر لدريد بن الصمة يقول فيه :

أو الأثأب العمّ المجرّم سوقه

بكابة لم يخبط ولم يتعضّد (٣)

ومثل كلمة «سميحة» عند امرئ القيس حيث يقول :

وأسحم ريّان العسيب كأنّه

عثاكيل قنو من سميحة مرطب (٤)

وسميحة : اسم بئر.

وكذلك ذكر امرؤ القيس كلمة «شربة» وهي أيضا اسم لوضع :

كأنّي ورحلي فوق أحقب قارح

بشربة أوطاو بعرنان موجبس (٥)

وفي البيت بالإضافة إلى كلمة «شربة» التي منعت الصرف للعلمية والتأنيث هناك أيضا كلمتان منعتا من الصرف لعلل مختلفة وهي «أحقب» للوصفية والوزن وكلمة «عرنان» للعلمية وزيادة الألف والنون.

وسنود كل ذلك في موضعه إن شاء الله ولكن نذكره هنا إشارة.

وجاء عند امرئ القيس كذلك كلمة «عانة» وهي تدل على قرية بقوله :

أنف كلون دم الغزال معتّق

من خمر عانة أو كرم شبام (٦)

__________________

(١) المصدر السابق ٢٧.

(٢) كاية : موضع.

(٣) الجمهرة ٢ / ٥٨٢.

(٤) ديوان امرئ القيس / ٤٨.

(٥) ديوانه / ١٠١.

(٦) ديوان امرئ القيس ١١٥ وانظر الجمهرة ٢ / ٩٠٦ ضمن بيت للأخطل.

١٣٠

وذكر زهير بن أبي سلمى مجموعة من الكلمات الممنوعة من الصرف للعلة نفسها (العلمية والتأنيث) من مثل : عماية وهي : «جبل من بلاد بني عامر». وردت في قوله :

فسار منها على شيم يؤمّ

جنبي عماية فالرّكاء فالعمقا (١)

ومن مثل أيضا كلمة «دومة» التي تدل على موضع أو بلد ، إذ يقول :

إلى قلهى تكون الدار منا

إلى أكناف دومة فالحجون (٢)

ووردت عنده كذلك كلمة «رامة» وهي أرض في قوله :

لمن طل برامة لا يريم

عفا وخلاله عهد قديم (٣)

وجاء في بيت لمهلهل بن ربيعة كلمة «عنيزة» التي تدل على موضع وذلك بقوله :

كأنا غدوة وبني أبينا

بجوف عنيزة رحيا مدير (٤)

ومن هذه الكلمات كلمة «حلبية» والتي تدل على واد بتهامة أعلاه لهذيل وأسفله لكنانة. ذكرها الشنفرى الأزدي بقوله :

ريحانة من بطن حيلة نوّرت

لها أرج ما حولها غير مسنت (٥)

__________________

(١) ديوان زهير بن أبي سلمى ٤٥.

(٢) ديوان زهير بن أبي سلمى ١٨٥.

(٣) ديوان زهير بن أبي سلمى ٢٠٤.

(٤) الأصمعيات ١٥٥.

(٥) المفضليات ١١٠ وانظر الهذليين ٦٣٣.

١٣١

ومنها أيضا كلمة «ملحة» التي تدل على مكان وذلك في قول الحارث بن حلزة :

إن نبشتم ما بين ملحة فالصا

قب فيه الأموات والأحياء (١)

وجاء عند عمرو بن كلثوم «رهوة» وهي الجبل حين يقول في معلقته :

نصبنا مثل رهوة ذات حدّ

محافظة وكنا السابقينا (٢)

وورد في ديوان النابغة كلمة «يعملة» بمعنى موضع في قوله :

تأوّبني بيعملة اللواتي

منعن النوم إذ هدأت عيون (٣)

ومن تلك الكلمات كذلك كلمة «جروة» هي اسم فرس شداد العبسي أبي عنترة وذلك حين يقول :

فمن يك سائلا عنّي فإني

وجروة لا ترود ولا تعار (٤)

ووردت كلمة «عماية» ممنوعة أيضا عند المرقش الأكبر في قوله :

في باذخات من عماية أو

يرفعه دون السماء خيم (٥)

وعند «سلامة بن جندل» في قوله :

له فخمة دفراء تنفي عدوّة

كمنكب ضاح من عماية مشرق (٦)

__________________

(١) القصائد السبع الطوال ٤٦٦.

(٢) الجمهرة ١ / ٣٥٠.

(٣) ديوان النابغة ١٦٢.

(٤) ديوان عنترة ٧٨.

(٥) المفضليات ٢٣٨.

(٦) الأصمعيات ١٣٧.

١٣٢

وعماية : اسم لجبل.

وجاءت كلمة «شجنة» ممنوعة من الصرف للعلة ذاتها وهي اسم لمكان وذلك في قول الشاعر عبيد بن الأبرص :

منا بشجنة والذئاب فوارس

وعتائد مثل السواد المظلم (١)

وفي هذا البيت صرف «فوارس» مع أنه ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجمع وذلك للضرورة الشعرية.

وجاءت كلمتان ممنوعتان من الصرف عند ربيعة بن مقروم وهما «معلقة» وهي بالدهناء ، وكلمة «بزاخة» وهي موضع أيضا وذلك في بيتين مختلفين يقول في أولهما :

كأنّ الرّحل منه فوق جأب

أطاع له بمعقلة التلاع (٢)

ويقول في البيت الثاني :

فدى ببزاخة أهلي لهم

إذا ملأوا بالجموع الحزيما (٣)

وهناك كلمات كثيرة وردت بهذا الخصوص وقد يطول بنا المقال في حصرها ولكننا نذكر منها «بيشة» وهي اسم لقرية بين مكة واليمن كثيرة الأسود وقد ذكرها المزرد ضرار الذبياني (٤).

وأيضا كلمة «سويقة» هي بالحجاز ، وذكرت كذلك ضمن بيت لنفس الشاعر وفي المصدر السابق (٥).

__________________

(١) جمهرة أشعار العرب ٢ / ٥٠٦.

(٢) المفضليات ١٨٨.

(٣) المفضليات ١٨٤.

(٤) المفضليات ٧٩.

(٥) المفضليات ٧٥.

١٣٣

وكذلك كلمة «غمرة ، حربة ، سبحة ، ريطة ، رحبة ، دبية ، ذؤيبة ، ومنها كلمة «صاحة» وهي بلد ، وقد وردت في بيت شعر لبشر بن أبي خازم (١) ، سمية ، سابة ، أديمة ، بتالة ، شابة ، رامة ، وهي في غالبها أسماء أماكن أو بلدان أو وديان ولشعراء معتمدين عند اللغويين والنحاة أي ممن يحتج بكلامهم وقد جاءت كلها ممنوعة من الصرف.

ومن جملة ما تقدم نخرج بخلاصة وهي أن مثل هذه الأسماء لم تصرف عند أي من الشعراء مهما اختلف قبائلهم وأماكن إقامتهم شرقا أو غربا أو شمالا أو جنوبا.

كما أننا نخرج بقاعدة وهي أن أسماء الأماكن أو البلدان أو القرى الحديثة يمكننا منعها من الصرف قياسا على ما سبق وبالنظر إلى العلة السابقة ألا وهي العلمية والتأنيث.

ومن الأسماء المؤنثة الدالة على الأماكن كلمة «خالة» كما في قول النابغة الذبياني :

بخالة أو ماء الذنابة أو سوى

فطنة كلب أو مياه المواطر (٢)

ومنها أيضا كلمة «أثلة» وهي بلدة. قال الشاعر «معقل بن خويلد» :

نزيعا محلبا من أهل لفت

لحيّ بين أثلة والنجام (٣)

ومنها كذلك «ماموسة» وهي النار ، وقد ذكرها «عمرو بن أحمر» :

تطايح الطلّ عن أردافها صعدا

كما تطايح عن ماموسة الشرر (٤)

__________________

(١) انظر المفضليات ٣٣٤.

(٢) ديوان النابغة ٧٥.

(٣) شرح أشعار الهذليين ١ / ٣٧٨.

(٤) الجمهرة ٢ / ٨٤٦.

١٣٤

الأعلام المذكرة المختومة بتاء التأنيث :

ومن الأعلام الممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث الأعلام المذكرة المختومة بتاء التأنيث كطلحة وحمزة وعطية ، وقد ورد عند الشعراء مجموعة كبيرة من هذا الصنف وذلك ككلمة «مرة» التي ذكرها دريد بن الصمة في قوله :

ومرّة قد أخرجنهم فتركنهم

يروغون بالصلعاء روغ الثعالب (١)

وذكرها أيضا مهلهل بن ربيعة في قوله :

وهمام بن مرّة قد تركنا

عليه القشعمان من النسور (٢)

وقال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة :

سعى ساعيا غيظ بن مرة بعد ما

تبزل ما بين العشيرة بالدم (٣)

ويقول النابغة الذبياني :

فلو شدت سهم وأبناء مالك

فتعذرني من مرة المتناصره (٤)

ويقول في موضع آخر :

فوارس من منولة غير مبل

ومرّة فوق جمعهم العقاب (٥)

__________________

(١) الأصمعيات ١١٢.

(٢) الأصمعيات ١٥٥.

(٣) ديوان زهير ١٤ انظر الجمهرة ١ / ١٨٨.

(٤) ديوان النابغة الذبياني ٦٨.

(٥) ديوان النابغة الذبياني ٢٠.

١٣٥

وفي البيت شاهدان آخران للمنع من الصرف هما «فوارس» ، لصيغة منتهى الجموع و «منولة» للعلمية والتأنيث. وجاء في شرح ديوانه أن «منولة» هما مازن وشمح ابنا فرارة بين ذبيان. و «مرة» هو ابن عوف بن سعد بن ذبيان (١).

ويقول عنترة في ديوانه :

لما سمعت دعاء مرة إذ دعا

ودعاء عبس في الوغى ومحلّل (٢)

وقد وردت البيت نفسه في الجمهرة دون اختلاف (٣) ، إلا أنه ذكر في موضع آخر من ديوانه ولكن مع اختلاف كما نرى ، حين يقول :

لما سمعت نداء مرة قد علا

وابني ربيعة في الغبار الأقتم (٤)

وفيه شاهد آخر وهو «ربيعة».

كما جاءت عند عنترة أيضا في البيت التالي :

لما رأى فرسان مرة والقنا

لم يستطع لقناهم أن يصبرا (٥)

وذكرت أيضا عند «عامر بن الطفيل» حيث يقول :

وقتيل مرة أثأرنّ فإنّه

فزع وإن أخاهم لم يقصد (٦)

__________________

(١) ديوان النابغة الذبياني ٢٠.

(٢) ديوان عنترة ١١٩.

(٣) الجمهرة ٢ / ٤٦١.

(٤) ديوان عنترة ١٥٣.

(٥) ديوان عنترة ١٩٩.

(٦) الأصمعيات ٢١٦.

١٣٦

ووردت عند «عمرو بن الأسود» في قوله :

لما سمعت نداء مرة قد علا

وابني ربيعة في الغبار الأقتم (١)

وهذا البيت هو نفسه الذي ذكرته قبل قليل منسوبا لعنترة العبسي كما ورد في ديوانه (٢) ، بينما نسب في الأصمعيات لـ «عمرو بن الأسود» (٣) كما رأينا.

وجاءت أيضا عند «عوف بن الأحوص» حيث يقول :

وقتيل مرة أثأرنّ فإنه

فرع ، وإن أخاهم لم يقصد (٤)

وقد ذكر البيت نفسه في الأصمعيات منسوبا لعامر بن الطفيل كما مرّ سابقا (٥).

ووردت كلمة «مرة» كذلك في شعر «عبد الله بن عنمة الضبي» عند ما نقول :

خذنّة لما ثابت الخيل تدّعي

بمرة لم تمنع وطار رقادها (٦)

وذكر البيت نفسه وللشاعر نفسه في المفضليات مع تغير بسيط وهو أنه جعل «وفرّ رقادها» بدلا من «وطار رقادها» (٧).

__________________

(١) الأصمعيات ٨٠.

(٢) ديوان عنترة ١٥٣.

(٣) انظر ترجمته في الأصمعيات ص ٧٩.

(٤) المفضليات ٣٦٤.

(٥) انظر الأصمعيات ٢٤٦.

(٦) الأصمعيات ٢٢٧.

(٧) المفضليات ٣٨١.

١٣٧

وقال الحصين بن الحمام المري في المفضليات :

ونحن بنو سهم بن مرّة لم نجد

لنا نسبا عنهم ولا متنسبا (١)

كما قال «زبان بن سيار المري» :

سيري إليك فسوف يمنع سربها

من آل مرّة بالحجاز حلول (٢)

ووردت كلمة «مرة» مرتين عند «عبد المسيح بن عسلة» في المفضليات (٣).

وجاءت هذه الكلمة أربع مرات في كتاب «شرح أشعار الهذليين» ثلاثا منها لأبي خراش حيث يقول :

فلهفي على عمرو بن مرة لهفة

ولهفي على ميت بقوسى المعاقل (٤)

ويقول :

لست لمرّة إن لم أوف مرقبة

يبدو لي الحرث منها والمقاضيب (٥)

ويقول أيضا :

مثل ابن واثلة الطّراد أو رجل

من آل مرّة كالسّرحان سرحوب (٦)

وجاءت مرة عند «أبي جندب» بقوله :

__________________

(١) المفضليات ٣١٧.

(٢) المفضليات ٣٥٢.

(٣) المفضليات ٣٠٤ و ٢٧٩.

(٤) شرح أشعار الهذليين ٣ / ١١٩٧.

(٥) المصدر السابق ٣ / ١٢٣٢.

(٦) شرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٣٣.

١٣٨

فلهفي على عمرو بن مرّة لهفة

ولهفي على ميت بقوسى المعاقل (١)

وهذا البيت هو نفسه المنسوب «لأبي خراش» والذي ذكرته سابقا.

وذكرها الكميت كذلك في قوله :

بني ابنة مرّ أين مرّة عنكم

وعنّا التي شعبا تصير شعوبها (٢)

ومن الأعلام المذكرة المختومة بتاء التأنيث كلمة «أمية» التي ورد ذكرها في الشعر العربي ، خاصة وأن بني أمية فرع معروف من فروع العرب ، إلا أن شهرتها ازدادت مع قيام الدولة الأموية ، ونشاط الشعر السياسي.

ومع ذلك هي قليلة الورود في الشعر الجاهلي ، بل إنني أر لها ذكرا عند الشعراء المشهورين أمثال امرئ القيس وزهير وعنترة وعمرو بن كلثوم.

ولكنها ذكرت في المفضليات ضمن بيت لزبان بن سيار المري في قوله :

وبنو أميّة كلّهم أمراؤها

وبنو رياح إن تدبّر قيل (٣)

وذكر البيت نفسه وللشاعر نفسه في الأصمعيات (٤).

وجاء في المفضليات أيضا في بيت لعوف بن الأحوص يقول فيه :

وشهر بني أميّة والهدايا

إذا حبست مضرّجها الدّماء (٥)

__________________

(١) المصدر السابق ١ / ٣٤٦.

(٢) الجمهرة ٢ / ٩٨٨.

(٣) المفضليات ٣٥٢.

(٤) الأصمعيات ٢١٠.

(٥) المفضليات ١٧٤.

١٣٩

وجاءت أربع مرات في كتاب «شرح أشعار الشعراء الهذليين» ولشعراء مختلفين كما في قول الشاعر «سهم بن أسامة بن الحارث» :

كما أرّقت بالطّفّ من رمل عالج

أميّة بعد النّوم من أهل مجدل (١)

وكما في قول «إياس بن سهم بن أسامة» :

ألا أبلغا عنّي أميّة آية

فإياك لا تستهد شكوى وأجمل (٢)

وورد أيضا عند «غاسل بن غزية» إذ يقول :

أمن أميّة لا طيف ألمّ بنا

بجانب الفرع والأعراء قد رقدوا (٣)

وقال «أبو صخر الهذلي» :

دعائم من أمّية راسيات

ثبتن وفرعهنّ أشمّ عالي (٤)

وفي البيت شاهدان آخران على المنع من الصرف ، وهما «دعائم» صيغة منتهى الجموع ، و «أشم» الوصفية والوزن.

وذكرها صاحب «الجمهرة» مرتين مرة لعبد الله بن رواحة في قوله :

ورهط أبي أميّة قد أبحنا

وأوس الله أتبعنا ثمودا (٥)

ومرة أخرى لعبيد الراعي إذ يقول :

ورثت أميّة أمرها فدعت له

من لم يكن غمرا ولا مجهولا (٦)

__________________

(١) شرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٢٢.

(٢) شرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٢٦.

(٣) المصدر السابق ٢ / ٨٠٦.

(٤) المصدر السابق ٢ / ٩٦٣.

(٥) جمهرة أشعار العرب ٢ / ٦٢٥.

(٦) المصدر السابق ٢ / ٩٢٩.

١٤٠