الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

عبد العزيز علي سفر

الممنوع من الصرف في اللغة العربيّة

المؤلف:

عبد العزيز علي سفر


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
ISBN: 977-232-715-5
الصفحات: ٨٣٨

لم تقع إلا لمؤنث كعناق لا تعرف إلا علما لمؤنث كما أن هذه مؤنثة في الكلام فإن سميت رجلا برباب أو دلال صرفته لأنه مذكر معروف» (١).

فقد ذكر جملة من الأسماء متمكنة في التأنيث ومختصة به وهي ممنوعة من الصرف إذا سمي بها الرجل من مثل : سعاد ، زينب ، جيأل وكذلك عمان. فهذه الأسماء كما يقول سيبويه لم تقع إلا على المؤنث.

وجاء في شرح المفصل نفس تلك القاعدة الواردة عند سيبويه : «ولو سميت رجلا بزينب وسعاد لم تصرفهما أيضا لغلبة التأنيث على الاسم فكذلك لو سميته بعناق لكن حكمه حكم سعاد في غلبة التأنيث فلا ينصرف» (٢).

وجاء في المخصص : «وأما ما صيغ لتعريف المؤنث ولم يكن قبل ذلك اسما فنحو سعاد وزينب وجيأل وتقديرها جيعل إذا سميت بشيء من هذا رجلا لم ينصرف في المعرفة ، لأن سعاد زينب اسمان للنساء ولم يوضعا على شيء يعرف معناه ، فصارا لاختصاص النساء بهما بمنزلة اسم الجنس الموضوع على المؤنث. وجيأل اسم معرفة موضوع على الضبع وهي مؤنث ولم يوضع على غيرها فهي كزينب وسعادة» (٣).

تسمية المذكّر بصفة المؤنث :

ومن المسائل الواردة عند النحاة مسألة تسمية المذكر بصفة المؤنث كحائض وطامث فإذا سمينا المذكر بإحدى هذه الصفات المؤنّثة صرفناها

__________________

(١) سيبويه ١ / ٢١.

(٢) شرح المفصل ١ / ٦٠.

(٣) المخصص ١٧ / ٥١.

١٠١

لأنها في الأصل صفات مذكرة وصف بها المؤنث : يقول سيبويه : «واعلم أنك إذا سميت المذكر بصفة المؤنث صرفته ، وذلك أن تسمى رجلا بحائض أو طامث أو متئم فزعم أنه إنما يصرف هذه الصفات ؛ لأنها مذكرة وصف بها المؤنث كما يوصف المذكر بمؤنث لا يكون إلا لمذكر وذلك نحو قولهم : رجل نكحة ، ورجل ربعة ، ورجل خجأة ، فكأن هذا المؤنث وصف لسلعة أو لعين أو لنفس وما أشبه هذا ، وكأن المذكّر وصف لشيء فكأنك قلت هذا شيء حائض ثم وصفت به المؤنث ، كما تقول : هذا بكر ضامر ، ثم تقول ناقة ضامر» (١).

ثم بين العلة في صرف هذه الصفات عند تسمية المذكر بها على لسان الخليل «وزعم الخليل أن فعولا ومفعالا إنما امتنعا من الهاء ، لأنهما إنما وقعا في الكلام على التذكير ولكنه يوصف به المؤنث كما يوصف بعدل وبرضا ، فلو لم تصرف حائضا لم تصرف رجلا يسمى قاعدا إذا أردت القاعد من الزوج ، ولم تكن لتصرف رجلا يسمى ضاربا إذا أردت صفة الناقة الضارب ، ولم تصرف أيضا رجلا يسمى عاقرا ، فإن ما ذكرت لك مذكّر وصف به مؤنّث كما أن ثلاثة مؤنث لا يقع إلا لمذكرين» (٢) فقد شبه صرف الصفات السابقة وهي «حائض وطامث» بصرف نحو «عاقر وضارب وقاعد» لأنها صفات مذكرة وصف بها المؤنث.

وذكر أبو سعيد السيرافي في حاشية الكتاب تعليقا على قول سيبويه (لأنها مذكرة وصف بها المؤنث ... إلخ) : «ومن الدليل على ذلك أنا

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٢٠.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٢٠.

١٠٢

ندخل على حائض «الهاء» إذا أردنا به الاستقبال فقول : «هذه حائضة غدا» فلما احتمل حائض دخول الهاء عليها علمنا أنها مذكّر وكذلك يقال : امرأة طالق» (١).

وذكر في المخصص : «وإن كانت تلك الصفة لا تكون إلا لمؤنث ، وذلك أن تسمية بحائض أو طامث أو متئم ، وذكر أن تقديره إذا قلت مررت بامرأة حائض وطامث ومتئم بشيء حائض ، وكذلك ما وصف من المذكر بمؤنث كقولهم رجل نكحة ورجل ربعة ورجل خجأة ، أي كثير الضراب ، وكأن هذه الصفة وصف لمؤنث كأنك قلت : هذه نفس خجأة ، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : «لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» وذلك واقع على المذكر والأنثى ... وتابع كلامه فقال : «ومن الدليل على ما قاله سيبويه أنّا ندخل على حائض الهاء إذا أردنا بها الاستقبال فنقول : هذه حائضة غدا» فلما احتمل دخول الهاء عليها علمنا أنها مذكر وعلى أنها قد تؤنث لغير الاستقبال قال الشاعر :

رأيت ختون العام والعام قبله

كحائضة يزني بها غير طاهر (٢)

وكذلك يقال : امرأة طالق وطالقة ، فلما كانت الهاء تدخل على هذا النحو علمنا أنها إذا أسقط الهاء منها صار مذكّرا (٣).

ونلاحظ أن ابن سيده قد أدخل بين هذه النقطة الخاصة بنحو «حائض»

__________________

(١) حاشية سيبويه ٢ / ٢٠ الكتاب.

(٢) البيت لم يعرف قائله انظر شرح ابن يعيش ٥ / ١٠٠ ، ولسان العرب (حيض).

(٣) المخصص ١٧ / ٥٨.

١٠٣

والنقطة التي أوردها سيبويه على لسان الخليل والتي شبه بها تسمية الرجل بحائض وطامث بالتسمية بنحو عاقر وضارب وقاعد وغيرها من الصفات المذكّرة الموضوعة لإناث. أدخل ابن سيده مسألة أخرى هي الخاصة بذراع وكراع وثمان. وكأنها نقطة مقحمة بينها.

وجاء في الأصول لابن السراج : «وإن سميت رجلا بطالق وطامث فالقياس صرفه ، لأنك قد نقلته عن الصفة ، وهو في الأصل مذكر وصف به مؤنث» (١) ، وهذا هو رأي النحاة البصريين ، وأما الكوفيون فيمنعونها من الصرف كما جاء في الارتشاف : «وإن كان وصفا خاصّا بالمؤنث نحو حائض وطامث وطالق ، سميت به مذكرا انصرف خلافا للكوفيين فإنه يمنع الصرف عندهم» (٢).

وبخصوص التسمية بنحو «طالق وطامث» جاء في شرح الكافية ما يلي : «وكذا لو سميت بنحو حائض وطالق مذكرا انصرف ؛ لأنه في الأصل لفظ مذكّر وصف به المؤنث إذ معناه في الأصل شخص حائض ؛ لأن المطرد في الصفات أن يكون المجرد من التاء منها صيغة المذكر وذو التاء موضوعا للمؤنث ، فكل نعت لمؤنث بغير التاء فهو صيغة موضوعة للمذكر استعملت للمؤنث» (٣).

فخلاصة القول في التسمية بنحو «طامث ومتئم» هي صرفها ؛ لأنها في

__________________

(١) الأصول ٢ / ١٠٣.

(٢) الارتشاف ١ / ٩٧.

(٣) شرح الكافية ١ / ٥١.

١٠٤

الأصل صفات مذكّرة وضعت للإناث فعند تسمية المذكّر بها فإنها ترجع إلى الأصل وهو التركيز فتصرف. وتلك هي النقطة الأولى.

والنقطة الثانية هي التسمية المذكر بأسماء الرياح نحو «جنوب وشمال ، وحرور ، وسموم ، وقبول ، ودبور ، إذا سميت رجلا بشيء منها صرفته ، لأنها صفات في أكثر كلام العرب سمعناهم يقولون : هذه ريح حرور ، وهذه ريح شمال ، وهذه ريح الجنوب ، وهذه ريح سموم ، وهذه ريح جنوب ، سمعنا ذلك من فصحاء العرب لا يعرفون غيره قال الأعشى :

لها زجل كحفيف الحصا

د صادف باللّيل ريحا دبورا (١)

والشاهد فيه هو قوله «دبورا» حيث جعله وصفا للريح ، وعليه فلو سمي المذكّر بهذا الوصف لانصرف في المعرفة والنكرة لأنه صفة مذكّرة وصف بها مؤنث مثلها في ذلك مثل «طالق وطامث». أما إذا جعل «دبور» وغيرها كم الصفات السابقة الخاصة بالرياح أسماء وسمي بها مذكر فإنها تمنع من الصرف ؛ لأنها تصير بمنزلة عقرب وعناق وذراع وغيرها. ومن الشواهد التي وردت فيها «الجنوب» اسما ما أورده سيبويه :

ريح الجنوب بها وغيّر آيها

صرف البلى تجري به الريحان

ريح الجنوب مع الشمال وتارة

رهم الربيع وصائب التهتان (٢)

«والشاهد فيه إضافة الريح إلى الجنوب للتخصيص ؛ لأن الريح تكون

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٢٠.

(٢) سيبويه ٢ / ٢٠ ـ ٢١. والبيتان لم يعرف قائلهما.

١٠٥

جنوبا وغير جنوب فأضافها إلى نوعها للتبيين ، ودلّ بالإضافة إليها على أنها اسم ؛ لأن الشيء لا يضاف إلى صفته ويضاف إلى اسمه تأكيدا للاختصاص» (١).

ويعلق سيبويه على ذلك قوله : «فمن جعلها أسماء لم يصرف شيئا منها اسم رجل وصارت بمنزلة الصّعود والهبوط والحرور والعروض» (٢).

ويقول الزجاج في كتابه «ما ينصرف وما لا ينصرف» نقلا عن سيبويه : «أنها تستعمل صفات أكثر مما تستعمل أسماء ، فإذا سميت رجلا «شمالا» أو «دبورا» أو «جنوبا» لم تصرفه على هذا الوجه» (٣). وأورد بعد ذلك شاهدين أحدهما أورده سيبويه في نفس الموضوع وقد أشرنا إليه فيما مضى وهو قول الأعشى :

لها زجل كحفيف الحصا

د صادف باللّيل ريحا دبورا (٤)

والشاهد كما قلنا استعماله «دبورا» صفة لـ «ريحا» وهو الأكثر استعمالا. وأما الشاهد الثاني فهو قول النابغة الذبياني :

عفا آيه ريح الجنوب مع الصّبا

وأسحم دان مزنه متصوّب (٥)

والشاهد فيه هو ورود «الجنوب اسما بدليل إضافة «ريح» إليه لتخصيصه. وجاء في «الهمع» بهذا الخصوص : «ولو سمي مذكر بما

__________________

(١) حاشية الشنتمري على سيبويه ٢ / ٢١.

(٢) سيبويه ٢ / ٢١.

(٣) ما ينصرف ٥٦.

(٤) نفس المصدر ٥٦ ، ديوان الأعشى ٩٩.

(٥) نفس المصدر ٥٦ ، ديوان النابغة ٧٣.

١٠٦

هو اسم في لغة ووصف في لغة كجنوب ودبور وشمال وسموم وحرور ، فإنها عند بعض العرب أسماء للريح كالصعود والهبوط ، وعند بعضهم صفات جرت على الريح وهي مؤنثة ففيه الوجهان المنع كباب زينب والصرف كباب حائض» (١).

وذكر في المخصص لابن سيده نفس الكلام الذي ذكره سيبويه بهذا الخصوص «وكذلك جنوب وشمال وقبول ودبور وحرور وسموم إذا سميت رجلا بشيء منها صرفته لأنها صفات في أكثر كلام العرب سمعناهم يقولون : هذه ريح حرور ، وهذه ريح شمال ، وهذه الريح الجنوب ، وهذه ريح جنوب : سمعنا ذلك من فصحاء العرب لا يعرفون غيره» (٢) ، ثم قال : «فمن أضاف إليها جعلها أسماء ولم يصرف شيئا منها اسم رجل ، وصارت بمنزلة الصعود والهبوط ، والحدور والعروض ، وهذه أسماء أماكن وقعت مؤنثة ، وليست بصفات ، فإذا سميت بشيء منها مذكرا لم تصرفه (٣)».

وتأكيدا لهذا الكلام جاء في الارتشاف «وما كان اسما على لغة ، ووصفا على لغة وذلك «جنوب وحرور وسموم ودبور وشمال» فإذا سميت بها مذكرا انصرف على تقدير أنها أوصاف فصارت كحائض ، ومنعت الصرف على تقدير أنها أسماء فصارت كصعود مسمى به. وفي المخصص : جنوب وحرور وسموم وقبول ودبور أسماء في قليل

__________________

(١) الهمع ١ / ٣٤.

(٢) المخصص ١٧ / ٥٩ ـ ٦٠.

(٣) نفس المصدر ١٧ / ٦٠.

١٠٧

الكلام ، فإذا سميت بها امتنعت الصرف وصفات في كثير الكلام ، فإذا سميت بها انصرفت» (١).

ومما تقدم من أقوال النحاة يتضح لنا أن أسماء الرياح صفات غالبا بدليل الوصف بها حيث نقول : ريح شمال أو جنوب أو سموم أو دبور ... إلخ. وعلى ذلك فلو سمينا مذكرا بإحدى هذه الصفات فإنها تصرف.

وقد تمتع على قلة عند التسمية بها على اعتبار اسميتها عند بعض العرب كما قال سيبويه ، وبناء عليه فإنها تمنع من الصرف وصارت بمنزلة الصعود والهبوط والعروض التي هي أسماء أماكن مؤنثة ، فكأنه عندئذ قد اجتمع فيها العلتان والحالة هذه هما العلمية والتأنيث.

ومن المسائل الواردة في هذا الباب التسمية بجموع التكسير وهل تمنع من الصرف عند التسمية بها أم لا؟ وذلك كتسمية الرجل «بخروق وكلاب وجمال» إلى غير ذلك من جموع التكسير ، والحكم في ذلك هو الصرف كما يقول سيبويه : «واعلم أنك إذا سميت رجلا خروقا أو كلابا أو جمالا صرفته في النكرة والمعرفة ، وكذلك الجماع كلّه ألا تراهم صرفوا أنمارا وكلابا وذلك أن هذه تقع على المذكر ، وليس يختص به واحد المؤنث فيكون مثله ألا ترى أنك تقول : «هم رجال» فتذكر كما ذكرت في الواحد فلما لم تكن فيه علامة التأنيث ، وكان يخرج إليه المذكّر ضارع الذي يوصف به المؤنث ، وكان هذا مستوجبا للصرف» (٢).

__________________

(١) الارتشاف ١ / ٩٧.

(٢) سيبويه ٢ / ٢١.

١٠٨

وجاء في شرح الكافية : «وكل جمع مكسّر خال من علامة التأنيث لو سميت بها مذكرا انصرفت ، لأن تأنيثها لأجل تأويلها بجماعة ولا يلزم هذا التأويل بل لنا أن نؤولها بالجمع فيكون مذكرا ولم يبق التأنيث الحقيقي الذي كان في المفرد ولا التذكير الحقيقي في نحو نساء ورجال بل تأنيثها باعتبار التأويل بالجماعة وهو غير لازم كما ذكرنا» (١) إذن فعلّة صرف جموع التكسير أن تأنيثها يحتاج إلى علة صرف جموع التكسير أن تأويلها ليس بلازم أي يمكن تأويلها بالمؤنث وبالمذكر فالتأويلان المذكر والمؤنث غير لازمين يجوز تأويل أيّ منهما ، بينما بيّن سيبويه أن علة صرفها أنها تقع على المذكرين وليست باسم يختص به واحد من المؤنث» (٢).

ويقول ابن سيده كلاما مطابقا لكلام سيبويه : «وما كان من الجموع المكسرة التي تأنيثها بالتكسير إذا سمينا به مذكرا انصرف نحو خروق وكلاب وجمال. والعرب قد صرفت أنمارا وكلابا اسمين لرجلين ؛ لأن هذه الجموع تقع على المذكرين وليست باسم يختص به واحد من المؤنث فيكون مثله ، ألا ترى أنك تقول «هم رجال» فتذكّر في الواحد.

فلما لم يكن فيه علامة التأنيث وكان يخرج إليه المذكر ضارع المذكر الذي يوصف به المؤنث ، وكان هذا مستوجبا للصرف (٣).

ومثل تلك المجموع السابقة وحكمها في الصرف ، التسمية بعنوق جمع عناق فإنه مصروف كذلك جاء في أصول ابن السراج : «فإن قلت ما نقول

__________________

(١) شرح الكافية ١ / ٥١.

(٢) انظر الكتاب ٢ / ٢١.

(٣) المخصص ١٧ / ٦٠ ـ ٦١.

١٠٩

في رجل يسمى بعنوق عنوقا بمنزلة خروق ؛ لأن هذا التأنيث هو التأنيث الذي يجمع به المذكر وليس كتأنيث عناق ، ولكن التأنيث تأنيث الذي يجمع المذكرين ، وهذا التأنيث الذي في عنوق تأنيث حادث ، فعنوق البناء الذي يقع للمذكرين والمؤنث الذي يجمع المذكرين» (١).

«وقال أبو العباس : إذا سميت رجلا بنساء صرفته في المعرفة والنكرة لأن نساء اسم للجماعة ، وليس لها تأنيث لفظ ، وليس لها تأنيث لفظ ، وإنما تأنيثها من جهة الجماعة ، فهي بمنزلة قولك : كلاب ، إذا قلت : بني كلاب لأن تأنيثه كلاب إنما هو تأنيث جماعة» (٢).

ويقول سيبويه : «فأما الطاغوت اسم واحد مؤنث يقع على الجميع كهيئة للواحد» (٣) فإن سمينا بالطاغوت فإننا نمنعها من الصرف ؛ «لأن طاغوت اسم واحد مؤنث يقع على الجمع والواحد ، وليس له واحد من لفظه فيكسر عليه فصار بمنزلة عناق» (٤). فعلة منع الطاغوت من الصرف كونه اسما مؤنثا يقع على الواحد والمجموع.

* * *

__________________

(١) الأصول ٢ / ١٠٤.

(٢) نفسه ٢ / ١٠١.

(٣) سيبويه ٢ / ٢٢.

(٤) المخصص ١٣ / ٦١.

١١٠

تسمية المذكر باسم لجمع مؤنث

والمسألة الأخيرة في هذا الباب هي تسمية المذكر باسم لجمع مؤنث وهو الذي لا واحد له في لفظه فتأنيثه كتأنيث الواحد ، وتبعا لذلك فحكمه المنع من الصرف عن التسمية به. قال سيبويه : «وأما ما كان اسما لجمع مؤنث لم يكن له واحد ، فتأنيثه كتأنيث الواحد ، لا تصرفه اسم رجل نحو : إبل وغنم ، لأنه ليس له واحد ، يعني أنه إذا جاء اسما لجمع ليس له واحد كسر عليه فكان ذلك الاسم على أربعة أحرف لم تصرفه اسما لمذكر» (١).

فاسم الجمع الذي «ليس له واحد من لفظه فيكسر عليه فصار بمنزلة عناق وإذا كان جمعا فهو بمنزلة إبل وغنم لا واحد له من لفظه» (٢).

وجاء في الارتشاف : «ولو سميت بـ «إبل» «وغنم» رجلا ، سيبويه لا يرى صرفه لأنه لا واحد له من لفظه ، فتأنيثه كتأنيث الواحد» (٣).

والحقيقة أن هذه النقطة تحتاج إلى وقفة ، فحسب قول سيبويه أن التسمية بإبل وغنم توجب منعهما من الصرف ، لكونهما اسمي جمع لمؤنث لا واحد لهما من اللفظ. ثم قال : «فتأنيثه كتأنيث الواحد» و «إبل وغنم» ثلاثيان ، والمؤنث الثلاثي نحو «هند وقدم» ساكن الوسط ومتحركه ، إذا سمي به مذكّر ولم يكن فيه هاء التأنيث فإنه يصرف وهذا

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٢٢٢.

(٢) المخصص ١٧ / ٦١.

(٣) الارتشاف ١ / ٩٧.

١١١

ما أراه في هذا الموضوع (١). وقال الزجاج بهذا الخصوص : «فأما ما كان على ثلاثة أحرف سميت به مذكّرا فذلك مصروف كائنا ما كان عجميّا كان أو مؤنثا ، إلا ما ذكرنا من العدول نحو «عمر» أو «فعل» نحو «دئل» فإن هذا النحو لا ينصرف (٢).

وفي موضوع تسمية المذكر بالمؤنث نورد هذه الشروط التي يستلزم وجودها في الاسم عند التسمية به لكي يصير ممنوعا من الصرف وقبل ذكر هذه الشروط فإننا سبق أن قلنا بأنه إذا سمي المذكر باسم مؤنث خال من التاء فإنه يصرف مطلقا أي كعمر ، أو ما كان على وزن «فعل» كدئل فإن هذين النوعين يمنعان من الصرف.

أما ما كان زائدا على أربعة أحرف فإنه يمنع من الصرف بالشروط التالية :

١) أن يكون رباعيّا فأكثر ، حقيقة كزينب وسعاد ، أو تقدير كجيل مخفف جيأل.

٢) ألا يكون التذكير هو الأصل فيه قبل استعماله علما مؤنثا ، ولا يعرف استعماله ، بغير التذكير قبل العملية ، مثل : «دلال» علم امرأة فإنها منقولة من التذكير وحده ، إذ أصلها مصدر ، ولم تستعمل مؤنثة فإن سمي بها بعد ذلك مذكر وجب صرفها.

٣) ألا يكون من الأسماء التي تستعمل مذكرة ومؤنثة قبل استعمالها علما

__________________

(١) انظر قول المبرد ص ٩٧.

(٢) ما ينصرف ٥٦.

١١٢

للمذكر ، نحو : ذراع ، فإنها مذكرة مؤنثة ، فإن سمي بها مذكر وجب صرفها.

٤) ألا يكون تأنيثه مبنيّا على تأويل خاص يجعله غير لازم ، كتأنيث أكثر جموع التكسير ، مثل كلمة «رجال» فإن تأنيث «رجال» وأشباهها مبني على تأويله بالجماعة ، وهذا التأويل غير لازم ، إذ يصحّ تأويله بالجمع ، والجمع مذكر. فإذا سمي مذكر بكلمة : «رجال» وجب صرفه (١).

__________________

(١) انظر النحو الوافي ٤ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، شرح الكافية ١ / ٥٠ ـ ٥١ الهمع ١ / ٣٤ ..

١١٣

«باب تسمية المؤنث»

تقدم الكلام فيما مضى على العلم المؤنث وحكمه من الصرف وعدمه. وعلمنا أن العلم المؤنث الثلاثي المتحرك الوسط كامرأة اسمها قمر أو سمر. فإن الحكم فيه هو المنع من الصرف.

وكذلك المؤنث الرباعي فإنه يمنع من الصرف إذا سمينا به امرأة سواء كان فيه تاء التأنيث كفاطمة أو لم تكن فيه التاء نحو زينب سعاد وعلمنا كذلك أن الحركة الموجودة في الثلاثي متحرك الوسط قد قامت مقام الحرف الرابع.

أما العلم الثلاثي ساكن الوسط ففيه الوجهان الصرف وتركه ، وترك الصرف أجود كما يقول سيبويه (١) سواء كان هذا العلم مؤنثا نحو : امرأة سميتها بشمس وهو اسم مؤنث. أو كان مستعملا للتأنيث نحو : جمل ـ دعد ـ هند (٢). ويبيّن سيبويه العلّة في ذلك وقال : «وإنما كان المؤنث بهذه المنزلة ، ولم تكن كالمذكر ؛ لأن الأشياء كلها أصلها التذكير ثم تختصّ بعد فكل مؤنّث شيء والشيء يذكر ، فالتذكير أول وهو أشد تمكنّا ، كما أن النكرة هي أشد تمكنّا من المعرفة ، لأن الأشياء إنما تكون نكرة ثم تعرّف ، فالتذكير قبل ، وهو أشد تمكنّا ، فالأول أشد تمكنّا عندهم» (٣) ، ويقول المبرد معلّلا جواز الوجهين : «فأما من صرف

__________________

(١) سيبويه ٢ / ٢٢.

(٢) انظر سيبويه ٢ / ٢٢ ، والمقتضب ٣ / ٣٥٠.

(٣) سيبويه ٢ / ٢٢.

١١٤

فقال : رأيت دعدا وجاءتني هند ، فيقول : خفّت هذه الأشياء ؛ لأنها على أقل الأصول ، فكان ما فيها من الخفة معادلا ثقل التأنيث.

ومن لم يصرف قال : المانع لما كثر عدته ، نحو : عقرب وعناق ، موجود فيما قلّ عدده ، كما كان ما فيه علامة تأنيث في الكثير العدد والقليلة سواء» (١) ، وجاء في شرح الكافية أن سيبويه والمبرّد والزجّاج قد أوجبوا منع العلم المؤنث ساكن الوسط فقال : «.. وذلك إذا كان ثلاثيّا ساكن الأوسط فلا يخلو إمّا أن يكون فيه عجمة أو لا فإن لم يكن فإن سميت به مذكرا سواء كان حقيقيّا أو لا كهند إذا جعلته اسم رجل أو اسم سيف مثلا فلا خوف في صرفه وإن سميت به مؤنثا حقيقيّا أو غيره فالزجّاج وسيبويه والمبرّد جزموا بامتناعه من الصرف لكونه مؤنّثا بالموضوعين اللغوي والعلمي فظهر فيه أمر التأنيث وغيرهم خيروا فيه بين الصرف وتركه لفوات الساد مسد حرف التأنيف وما يسد مسد الساد» (٢).

وقد ورد في هذا النص أن سيبويه والمبرّد والزجّاج قد جزموا بمنع صرف المؤنث الثلاثي ساكن الوسط ، ولكننا حين ننظر إلى رأي سيبويه والمبرّد فإننا نلاحظ أنهما تركا الأمر خيارا بين الصرف والمنع مع رجحان كفة المنع عند سيبويه كما رأينا في النصين السابقين (٣). إذن هما لم يجزما بالمنع ولكن الأمر عندهما بالخيار.

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٥٠.

(٢) الكافية ١ / ٥٠.

(٣) ما ينصرف ٤٩.

١١٥

أما الزجاج فإننا نستطلع منه الجزم بالمنع حيث يقول : «وإذا كان المؤنث على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن ، وكان ذلك الاسم لشيء مؤنث أو مخصوص به التأنيث فإنه لا ينصرف في المعرفة أيضا وينصرف في النكرة وزعم سيبويه والخليل وجميع البصريين أن الاختيار ترك الصرف وأنك إن شئت صرفت» (١).

فرأي سيبويه والمبرد هو جواز الأمرين مع القول برجحان المنع دون إلزام ، بينما ذهب الزجاج إلى المنع من الصرف في حالة التعريف ومنها التسمية.

هذا إذا سمينا المؤنث بالمؤنث كما مرّ. أما إذا سمينا المؤنث بالمذكر الذي على هذا الوزن هو الثلاثي ساكن الأوسط كعمرو ، وزيد «لم يجز الصرف ، هذا القول ابن أبي إسحاق وأبي عمرو فيما حدثنا يونس وهو القياس ؛ لأن المؤنث أشدّ ملاءمة للمؤنث ، والأصل عندهم أن يسمى المؤنث بالمؤنث كما أن أصل تسمية المذكر بالمذكر ، وكان عيسى يصرف امرأة اسمها عمرو لأنه على أخف الأبنية (٢).

وجاء في الأصول لابن السراج : «فإن سميت امرأة باسم مذكر وإن كان ساكن الأوسط لم تصرفه نحو : «زيد وعمرو ؛ لأن هذه من الأخف وهو المذكّر إلى الأثقل وهو المؤنث ، فهذا مذهب أصحابنا أي البصريين (٣) وهو في هذا الموضع نظير رجل سميته بسعاد وزينب وجيأل فلم تصرفه ، لأنها أسماء اختصّ بها المؤنث ، وهو على أربعة أحرف والرابع كحرف التأنيث (٤).

__________________

(١) انظر سيبويه ٢ / ٢٢ والمقتضب ٣ / ٣٥٠.

(٢) سيبويه ٢ / ٢٢.

(٣) الكتاب ٢ / ٢٣ المقتضب ٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(٤) الأصول ٢ / ٨٦ ـ ٨٧.

١١٦

وهذا ما نراه في الارتشاف حيث يقول : «وإذا سميت بثلاثي مذكر ساكن الوسط نحو «زيد ونعم وبئس» مؤنثا فابن أبي إسحق وأبو عمرو والخليل ويونس وسيبويه والأخفش والفراء والمازني لا يجيزون فيه إلا منع الصرف وعيسى وأبو زيد والجرمي ويونس في نقل خطاب عنه يصرفونه» (١).

وجاء عند المبرد أنه «إن سميت مؤنثا بمذكر على هذا الوزن عربي فإن فيه اختلافا :

فأما سيبويه والخليل والأخفش والمازني ، فيرون أن صرفه لا يجوز ، لأنه أخرج من باب يثقل صرفه ، فكان بمنزلة المعدول. وذلك نحو امرأة سميتها زيدا أو عمرا. ويحتجون بأن «مصر» غير مصروفة في القرآن ، لأن اسمها مذكر عنيت به البلدة. وذلك قوله عز وجل : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)(٢) فأما قوله عزّ وجل : (اهْبِطُوا مِصْراً)(٣) فليس بحجة عليه ، لأنه مصر من الأمصار ، وليس مصر بعينها. هكذا جاء في التفسير ، والله أعلم.

وأما عيسى بن عمر ، ويونس بن حبيب ، وأبو عمر الجرمي ، وأحسبه قول أبي عمرو بن العلاء فإنهم كانوا إذا سموا مؤنثا بمذكر على ما ذكرنا رأوا صرفه جائزا ، ويقولون نحن نجيز صرف المؤنث إذا سميناه بمؤنث على ما ذكرناه ، وإنما أخرجناه من ثقل إلى ثقل فالذي إحدى حالتيه حال خفة أحق بالصرف ، كما أنّا لو سمّينا رجلا ، أو غيره من المذكر باسم

__________________

(١) الارتشاف ٩٧١.

(٢) سورة الزخرف ، الآية : ٥١.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٦١.

١١٧

مؤنث على ثلاثة أحرف ليس له مانع لم يكن إلا الصرف ، وذلك أنك لو سميت رجلا «قدما أو فخذا أو عضدا» لم يكن فيه إلا الصرف لخفة التذكير» (١) ، وذكر ابن سيده قول أبي سعيد السيرافي : «كأن سيبويه جعل نقل المذكر إلى المؤنث لما كان خلاف الموضوع من كلام العرب ، والمعتاد ثقلا يعادل نهاية الخفة التي بها صرف من صرف هندا. وكان عيسى بن عمر يرى صرف ذلك أولى ، وإليه يذهب أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد ، لأن زيدا وأشباهه إذا سمينا به المؤنث فأثقل أحواله أن يصير مؤنثا ، فيثقل بالتأنيث وكونه خفيفا في الأصل لا يوجب له ثقلا أكثر من الثقل الذي كان في المؤنث فاعلمه» (٢).

فقد ذكر السيرافي أن المبرّد يرى أن الصرف أرجح وأولى ، ولكننا قد رأينا في النص الذي أوردناه للمبرّد أنه ذكر الرأيين دون ترجيح أحدهما على الآخر وهذا ما نراه عند كثير من النحاة كما جاء في «التصريح على التوضيح» : وقال عيسى بن عمر الثقفى وأبو عمرو وأبو العباس المبرّد وأبو زيد في نحو زيد اسم امرأة أنه كهند في جواز الوجهين (٣). وجاء في حاشية الصبان على الأشموني : «فقيل إنه كهند في جواز الوجهين أو منقولا من مذكر نحو «زيد» إذا سمي به لأنه حصل بنقله إلى التأنيث ثم عادل خفة اللفظ. هذا مذهب سيبويه والجمهور وذهب عيسى بن عمر والجرمي والمبرد إلى أنه ذو الوجهين واختلف النقل عن يونس» (٤) ، وذكر السيوطي في الهمع كلاما مماثلا لسابقه : «الثانية أن يكون مذكر

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٥١ ـ ٤٥٢.

(٢) المخصص ١٧ / ٦٢.

(٣) التصريح على التوضيح ٢ / ٢١٨.

(٤) حاشية الصبان ٣ / ٢٥٣.

١١٨

الأصل كزيد اسم امرأة ؛ لأن النقل إلى المؤنث ثقل يعادل الخفة التي بها صرف من صرف هندا. وجوّز المبرد وغيره فيه الأمرين كما يجوّزان في المنقول من مؤنث إلى مذكر ، وهو نقل من ثقل إلى ثقل (١). الواضح من أقوال النحاة أن المبرّد ذهب إلى جواز الأمرين دون ترجيح أحدهما على الآخر كما رأينا في قول أبي سعيد السيرافي.

وجاء في الارتشاف «وإذا سميت بثلاثي مذكر ساكن الوسط نحو «زيد ونعم وبئس» مؤنثا فابن أبي إسحاق وأبو عمرو والخليل ويونس وسيبويه والأخفش والفراء والمازني لا يجيزون فيه إلا منع الصرف ، وعيسى وأبو زيد والجرمي والمبرّد ويونس في نقل خطاب عن يصرفونه» (٢) فرأي الخليل وسيبويه والبصريين هو منع نحو «زيد وعمرو» إذا سمّي بهما مؤنث وجاء في الكتاب «وهو القياس لأن المؤنث أشد ملاءمة للمؤنث كما أن أصل المذكر بالمذكر» (٣) فلما سمي المؤنث بالمذكر حدث في الاسم ثقل عادل خفة الاسم فمنع من الصرف.

وجاء في «حاشية الصبان على الأشموني» تعليقا على هذا الرأي : «لي ههنا بحث وهو أنه كيف يتحتم منع نحو «زيد» إذا سمي به مؤنث عند سيبويه والجمهور ، ولا يتحتم عندهم منع نحو «هند» مع عروض تأنيث الأول وأصالة تأنيث الثاني ومع استوائهما في عدد الحروف وفي الهيئة ، وهلا جاز الوجهان في الأول كالثاني أو تحتم منع الثاني ، ومن هنا تظهر قوة مذهب عيسى بن عمر والجرمي والمبرّد فتأمل» (٤).

__________________

(١) الهمع ١ / ٣٤

(٢) الارتشاف ١ / ١٧

(٣) الكتاب ٢ / ٣

(٤) حاشية الصبان على الأشموني ٣ / ٢٥٣

١١٩

ولكني أرى أن رأي سيبويه هو الأرجح ، وأنه لا حجة لصاحب الحاشية في قوله لماذا لا يتحتم منع نحو «هند» وغيره من الأعلام المؤنثة الثلاثية ساكنة الوسط وذلك ؛ لأن هذا العلم لم تختلف صورته كما أنه لم يخالف أصل وضعه اللغوي فهو مؤنث وضع لمؤنث ليس غير ، بجانب وجود السكون الذي جعل فيه نوعا من الخفة فجاز فيه الأمران الصرف والمنع. أما نحو «زيد وعمرو» فصحيح أن الوزن مماثل لوزن «هند ودعد» في عدد الحروف والحركات ، ولكن حين تجعلها علما لمؤنث ، فكأنها خالفا أصلها اللغوي فأحدث ذلك فيهما نوعا من الثقل يضاف إلى علتي المنع وهما العلمية والتأنيث فتحتم المنع من الصرف. وعلى هذا فرأي سيبويه والبصريين هو الأرجح في هذه النقطة.

* * *

١٢٠