تهذيب اللغة - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

وقد رتب كلماته حسب ترتيب أوائلها في حروف الهجاء ، ونهج في شرح الكلمات منهجا خاصا به ؛ فهو يفسر الكلمة بالإشارة إلى مواطن استعمالها في عبارات مؤلفة أو مأثورة من فصيح الكلام العربي ، شعره ونثره ، ويترك للقارىء استخلاص معانيها المختلفة من سياق. العبارات التي وردت فيها.

وعنى بناحية هامة جدا أغفلها كثير من أصحاب المعجمات من قبله ومن بعده ، وهي التفرقة بين المعاني الحقيقية والمعاني المجازية للكلمة. فيبدأ المادة بذكر معانيها الحقيقة ويختتمها ببيان الشائع من معانيها المجازية. وهو من أشهر المراجع اللغوية وأكثرها تداولا في هذا العصر.

ومع ما امتاز به هذا المعجم من الدقة ، وحسن الترتيب وسلامة المنهج ، وإرشاده إلى مواطن استعمال الكلمات ، وجمعه بين متن اللغة العربية وأدبها ، فإن الناقدين قد أخذوا عليه إغفاله لكثير من المواد ، وخطأه في تفسير بعضها ، وعدم دقته أحيانا في التفرقة بين معاني الكلمات الحقيقية ومعانيها المجازية ، وتركه كثيرا من غريب الكلمات التي ترد في عباراته وشواهده بدون شرح ، وهذا يؤدي في الغالب إلى غموض معنى الكلمة التي هو بصدد تفسيرها.

١٤ ـ «النهاية» لابن الأثير (المتوفى سنة ٦٠٦ ه‍). وقد سار في ترتيب كلماته على غرار الزمخشري.

١٥ ، ١٦ ـ «تكملة الصحاح» وهو أكبر حجما من معجم «الصحاح» نفسه و «العباب» وكلاهما للصغاني (المتوفى سنة ٦٥٠ ه‍). وقد سار في هذين المعجمين على طريقة الجوهري في ترتيب الكلمات. ولكن جرت عادته في كتابه «العباب» أن يذكر في آخر كل مادة ما يدل عليه تركيبها من معنى عام يندرج تحته ما تفرع عنها على طريق الاشتقاق الكبير.

١٧ ـ «لسان العرب» لابن منظور المصري (المتوفى سنة ٧١١ ه‍) وهو أكبر معجم من هذا النوع وقد جمع فيه ما ورد في معظم المعجمات التي ظهرت من قبله ، فقد ذكر أنه استمد مادته من كتب «الجمهرة» لابن دريد ، و «التهذيب» للأزهري ، و «الصحاح» للجوهري ، و «المحكم» لابن سيده ، و «النهاية» لابن الأثير ، و «أمالي» ابن بري ، فبلغ عدد مواده ثمانين ألف مادة. وهذا العدد لم يجتمع مثله في أي معجم آخر من المعجمات القديمة من قبله ولا من بعده ، ورتب كلماته حسب ترتيب أواخرها في حروف الهجاء ، متبعا في ذلك منهج «الصحاح».

ويمتاز «لسان العرب» بالدقة في تحري الحقيقة ، والتفصيل في شرح الكلمات ،

٢١

والتوسع في الاستشهاد على المعاني بالآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، وأشعار العرب وأمثالهم وخطبهم. فهو لذلك يعد دائرة معارف لغوية ، وليس معجما لغويا فحسب.

ومن أجل ذلك اتسع نطاقه ، وكبر حجمه ، حتى وقع في طبعة بولاق سنة ١٣٠٧ ه‍ في عشرين جزءا من الأجزاء الضخمة. وعلى الرغم من أن هذا المعجم منقطع النظير في دقة الشرح والتوسع في إيراد الشواهد ، واستيعاب مادة اللغة فقد أخذ عليه الناقدون مآخذ كثيرة ، أهمها أنه كثيرا ما تبدو فيه مظاهر الاضطراب والتناقض ، لنقله عن كتب متعددة مختلفة الآراء ، بدون أن يحاول التوفيق بين آرائها ، وتمييز غثها من سمينها.

١٨ ـ «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» المشهور «بالمصباح» لأحمد بن محمد الفيومي (المتوفى سنة ٧٧٠ ه‍). وقد فرغ من تأليفه سنة ٧٣٤ ه‍. وهو معجم للكلمات الواردة في كتاب «الشرح الكبير» للإمام الرافعي. وهو شرح لكتاب «الوجيز» في فقه المذهب الشافعي لحجة الإسلام الغزالي. ولكنه لم يقتصر على شرح الكلمات الواردة في هذا الكتاب بل أضاف إليه (زيادات من لغة غيره ومن الألفاظ المشتبهات والمتماثلات ، ومن إعراب الشواهد ، وبيان معانيها ، مما تدعو إليه حاجة الأديب الماهر) (١). وقد رتب كلماته بحسب ترتيب أوائلها في حروف الهجاء. وذيله بخاتمة طويلة درس فيها بعض قواعد صرفية هامة.

وهو من أكثر المعجمات تداولا وذيوعا في العصر الحاضر. ومع أنه درس بعض المفردات دراسة لا بأس بها فقد أغفل عددا كبيرا من المواد ، وقصر في دراسة بعضها ، ووجه قسطا كبيرا من عنايته إلى المصطلحات الفقهية ؛ لأنه في الأصل معجم للكلمات الواردة في كتاب فقهي.

١٩ ـ «مختار الصحاح» (٢) للإمام محمد الرازي. وقد فرغ من تأليفه سنة ٧٦٠ ه‍. واختصر فيه معجم «الصحاح» للجوهري ، مقتصرا «على ما لا بد لكل عامل فقيه أو حافظ أو متحدث أو أديب من معرفته وحفظه ؛ لكثرة استعماله وجريانه على الألسن ... خصوصا ألفاظ القرآن العزيز والأحاديث النبوية ، وحذف منه «عويص اللغة وغريبها ، طلبا للاختصار

__________________

(١) انظر مقدمة هذا المعجم.

(٢) كان ترتيب مواده في المبدأ كترتيب «الصحاح» ، ولكن وزارة المعارف المصرية أمرت بتغيير وضعه وجعله مرتبا حسب ترتيب أوائل الكلمات في حروف الهجاء ، وعهدت إلى المرحوم الأستاذ محمود خاطر بأمر تنظيمه على هذا النسق ، وإلى المرحوم حمزة فتح الله بالإشراف على مراجعته وتصحيحه. وظهرت أول طبعة منه على هذه الصورة سنة ١٩٠٥ م.

٢٢

وتسهيلا للحفظ». وضم إليه فوائد كثيرة من «تهذيب الأزهري» وغيره من أُصول اللغة الموثوق بها ، ومن تحصيله الخاص (١).

وهو معجم صغير موجز. متداول بين أيدي الطلبة والمثقفين في مختلف البلاد العربية.

٢٠ ـ «القاموس المحيط» المشهور باسم «القاموس» لمجد الدين الفيروز آبادي(المتوفى سنة ٨١٧ ه‍)

وقد ذكر الفيروز آبادي في سبب تأليفة هذا الكتاب أنه رأى أن المعجمات التي كانت موجودة في عصره ليست جامعة لفصيح اللغة ، ولا مبسوطة بسطا وافيا ، وأن «صحاح الجوهري» الذي شاع في زمنه قد فاته نصف اللغة أو أكثر وأن خير الكتب التي ألفت من قبل كتابان وهما «المحكم» لابن سيدة ، و «العباب» للصغاني وأن أحدهما لا يغني عن الآخر وهما لا يغنيان عما عداهما. ولذلك شرع في وضع كتاب واسع يجمع ما ورد في هذين الكتابين ويكمل ما فاتهما وسماه «اللامع المعلم العجاب ، الجامع بين المحكم والعباب».

ولمّا رأى أن هذا الكتاب سيبلغ ستين سفرا ، وأن الطلاب سيعجزون عن تحصيله وطلب إليه وضع كتاب موجز ، اختصره في سفرين. اثنين ، فجعل كل ثلاثين سفرا من الكتاب الأصلي في سفر واحد. وسمى هذا المختصر «القاموس المحيط» وضمنه خلاصته «المحكم» و «العباب» وزيادات أخرى من غيرهما ومن تحصيله فبلغت مواده ستين ألف مادة ، ورتب كلماته حسب ترتيب أواخرها في أواخر الهجاء متبعا في ذلك طريقة «الصحاح» ، و «لسان العرب» ، ولم يخالفهما إلّا في تقديم الواو على الهاء (٢).

والطبعة المتداولة في العصر الحاضر من هذا الكتاب تقع في أربعة أجزاء يبدأ ثانيها بكلمة «حبر» ، وثالثها بكلمة «أفع» (باب العين) ، ورابعها بكلمة «صؤل».

وقد دعته شدة الرغبة في الإيجاز إلى اصطناع طريقة خاصة في إيراد المعاني واصطناع بعض رموز في التفسير. فمن ذلك أنه يحرص على ألّا يفسر الكلمة في الغالب في معنى من معانيها بأكثر من كلمة واحدة ، وأنه لا يكرر الكلمة عند ذكر معانيها المختلفة ، بل يكتفي بذكر بعض متعلقاتها (نفح الطيب كمنع : فاح ... والريح هبت ، والعرق نزى منه الدم ، والشيء بسيفه تناوله ، وفلانا بشيء أعطاه واللّمة حركها ...).

__________________

(١) انظر المصدر السابق.

(٢) انظر مقدمة «القاموس المحيط».

٢٣

وممّا يمتاز به هذا المعجم أنه يعرض لأسماء الأعلام والأمكنة وغيرها ولبعض العقاقير الطبية وخواصها. وقد ألفت عدة كتب في شرح هذا المعجم من أهمها وأشهرها. كتاب «تاج العروس في شرح القاموس» للسيد مرتضى الحسيني المتوفى سنة ١٢٠٦ ه‍ وقد طبع هذا الشرح في مصر في عشرة مجلدات ضخام ظهرت في سنتي ١٣١٦ ، ١٣١٧ هجرية.

ولم يحظ أي معجم آخر في العصر الحاضر بما حظي به «القاموس المحيط» من سعة الانتشار ، وكثرة التداول ، والاعتماد عليه والاستشهاد به ، حتى إنه لا تخلو منه مكتبة أديب أو عالم ، وحتى إن اسمه «القاموس» أصبح بمنزلة اسم جنس يطلق على كل معجم.

وقد أخذت عليه عدة مآخذ ، منها : أن شدة حرصه على الإيجاز كثيرا ما يوقعه في الغموض والإبهام ، وأنه يغفل شرح كثير من الكلمات الغريبة الغامضة مكتفيا بأن يضع بعدها حرف «م» للإشارة إلى أنها معروفة ، وأنه يشتمل على كثير من الأوهام التاريخية والخرافات ، وأنه كثيرا ما يشرح كلا المترادفين بالآخر بدون توضيح المعنى الذي يدلّان عليه ، وأنه لا يميز بين الفصيح والغريب والمهمل ؛ وأنه كثيرا ما يخطىء الجوهري في «صحاحه» ويكون هو المخطىء (١) ، وأنه قد وقع في عدة أخطاء في شرحه للكلمات الدالة على الحيوانات والنباتات ، وأنه يورد معاني الكلمة بعضها تلو بعض بدون ذكر شواهد تبين وجوه استعمالها وتوضيح مدلولاتها. وفي هذه الناحية على الأخص يظهر نقصه بالقياس إلى «لسان العرب» لابن منظور ، و «أساس البلاغة» للزمخشري.

وخلاصة القول فإن التأليف المعجمي قد وصل إلينا عبر مناهج أربعة نبينها فيما يلي :

١ ـ منهج الخليل ـ (الترتيب الصوتي) ـ الذي رتّب وفق مخارج الحروف ، والأبنية ونظام التقليبات.

٢ ـ منهج ابن دريد ، الذي رتّب هجائيا ، وعلى اعتبار الحرف الأول من أصول الكلمة ، مع الاحتفاظ بالأبنية ونظام التقليبات.

٣ ـ منهج الجوهري ، الذي رتّب وفق الحرف الأخير من أصول الكلمة متحررا من الأبنية ونظام التقليبات.

٤ ـ منهج القائم على الترتيب الهجائي البحت ، وفق الحرف الأول من أصول الكلمة ، وهو المنهج الذي تقوم عليه المعاجم الحديثة.

__________________

(١) كتب بعض المؤلفين كتبا خاصة في المفاضلة بينهما والانتصار لأحدهما على الآخر.

٢٤

معجم تهذيب اللغة (١)

إن كتاب «تهذيب اللغة» لأبي منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري اللغوي ، (٢٨٢ ه‍ ـ ٣٧٠ ه‍) ، يعد من أوثق المعاجم اللغوية في تاريخ المعجم العربي. ومن حسن حظ اللغة العربية أن هذا المعجم قد سلم من عاديات الزمن ، وأفلت من غارات التتار والترك والديلم على الشرق الإسلامي ، حين كانوا يحرقون المكتبات ويخربونها بغية القضاء على الثقافة العربية ، ومحو التراث العربي. ولكن أصالة اللغة العربية ووفرة مخطوطاتها كانت أقوى من ذلك ، فاستطاعت أن تقف أمام تلك العواصف وكان أن وصل إلينا كثير من المخطوطات النادرة التي تعد من عيون التراث العربي الخالد ، والتي منها مخطوط «التهذيب» الذي تداولته أيدي القراء والعلماء والمشتغلين بعلوم العربية ـ مخطوطا ـ ما يزيد على ألف عام ، ومنذ أن صنعه مؤلفه أبو منصور حتى اليوم ، بقي الكتاب محتفظا بقيمته المعجمية العالية ، وكفاة أصالة أنه كان المرجع الرئيسي والمعتمد الأول لابن منظور في كتابه «لسان العرب» (٢). وكان يشير إليه بعبارة «قال أبو منصور» أو «قال الأزهري» أو «قال

__________________

(١) انظر مجلة «مجمع اللغة العربية» (١٨ / ٧١ ـ ٧٨) ، (معجم «تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري) ومقدمة الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي محقق كتاب «تهذيب اللغة» ، المستدرك على الأجزاء السابع والثامن والتاسع».

(٢) قال ابن منظور في مقدمة كتابه : «لا أدعي فيه دعوى ، فأقول : شافهت أو سمعت أو فعلت أو صنعت ، أو شددت الرحال أو رحلت أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت ؛ فكل هذه الدعاوي لم يترك فيها الأزهري وابن سيده لقائل مقالا ، ولم يخلّيا لأحد فيها مجالا ، فإنهما عينا في كتابيهما عمن رويا وبرهنا عمّا حويا ...».

وقد نشر المستشرق زوترستين) F.V.zetterstin (في كتاب.) ٥٤ : L eMondorientalvol ,XIV ,P (فصلة صغيرة من «التهذيب». وقد اعتمد فيما نشره على نسخة استانبول. وهذا القسم يحتوي على تصدير موجز للناشر وعلى مقدمة أبي منصور الأزهري نفسه ، وعلى بعض المواد من الأول إلى مادة «ع ث».

ونجد أن زوترستين كان مشغوفا إلى حد كبير بالبراعة التي أظهرها الأزهري في كتابه ، وبسعة اطلاعه ، ودقة شرحه ، الأمر الذي أصبح به «التهذيب» أصلا للسان.

ولتسلط هذه الفكرة على الناشر أثبت في هوامش التحقيق أرقام الصفحات المقابلة من «اللسان» التي اقتبس فيها ابن منظور عن الأزهري دون أن يشير إلى ذلك صراحة ، حتى يرينا إلى أي حد كان اعتماد «اللسان» على «التهذيب» ، وبالتالي فقد كان «اللسان» عمدة لما ظهر بعده من المعجمات.

٢٥

في التهذيب».

والحق أن الأزهري في شرحه للمفردات اللغوية قد أظهر دقة وبراعة في توضيح المعنى وتفسير ما أشكل من مصطلحات العلوم ، وبخاصة في التفسير والفقه والنحو والتصريف. كما كان في وصفه للأشياء يحدثنا حديث المشاهد المعاين. وقد اكتسب هذه الخبرة من الفترة التي قضاها أسيرا في يد القرامطة حين خرجوا على الدولة وتعرضوا للحجاج ونقلوا الحجر الأسود وبقي في حوزتهم عشرين عاما.

وإذا كان وقوع الأزهري في الأسر يعتبر بالنسبة له نكبة ، فقد كان لهذه النكبة فضل كبير على اللغة العربية وحفظها ، فقد وقع الأزهري في يد عرب خلص نشئوا في البادية يتتبعون مساقط الغيث ويتكلمون بطباعهم البدوية ولا يكاد يوجد في منطقهم لحن أو خطأ فاحش ، وقد استفاد الأزهري من مخاطبتهم ومحاورة بعضهم بعضا (١).

وكثيرا ما يحدثنا التاريخ بأن عددا لا بأس به من عظماء الرجال قد دونوا مذكراتهم في أيام سجنهم ، أو منفاهم ولا مبالغة حين نعد أبا منصور الأزهري واحدا من هؤلاء الرجال.

منهج التهذيب :

اتبع الأزهري في «تهذيب اللغة» حين بوبه ورتب حروفه ، منهج كتاب «العين» للخليل بن أحمد افراهيدي ، وهو المنهج الذي يتضح في المبادىء الآتية (٢).

١ ـ رتب الأبجدية العربية ترتيبا «صوتيا» فبدأ بحروف الحلق ، وجعل أولها العين ، ثم انتهى بالحروف الشفهية وهي الفاء والباء والميم.

٢ ـ جعل حروف العلة قسما قائما بنفسه ، ومن ضمنها الهمزة لأنها يتناولها التغيير والحذف أحيانا مثل حروف العلة.

٣ ـ جعل كل حرف من حروف الأبجدية «الصوتية» مقسما إلى هذه الأقسام بالترتيب :

(أ) الثنائي الصحيح.

(ب) الثلاثي الصحيح.

__________________

(١) انظر «وفيات الأعيان» (١ / ٦٣٥).

(٢) انظر كتاب «المعاجم العربية» ، (ص : ١٧ وما بعدها) ، للدكتور عبد الله درويش.

٢٦

(ج) الثلاثي المعتل وهو ما فيه حرفان صحيحان وحرف علة واحد.

(د) اللفيف ، وهو عكس سابقه.

(ه) الرباعي ثم الخماسي.

(و) المعتل ، وهو في آخر الكتاب.

٤ ـ اتبع نظام التقليبات بمعنى أنه يذكر المادة ومقلوبها في مكان واحد ، ففي الثنائي مثلا : د ع ، ع د ، ومشتقاتهما في مكان واحد. وفي الثلاثي بذكر الصور الست الممكنة في مكان واحد مثل : ع ل م ، ع م ل ـ ل ع م ، ل م ع ـ م ع ل ، م ل ع. فمادتان بدئتا بالعين ، ومادتان باللام ، ومادتان بالميم. وبالطبع يذكر الأصول المستعملة ومشتقاتها ويترك الأصول المهملة التي لم تستعمل.

٥ ـ وبالبداهة ـ كبقية المعجمات العربية قديمها وحديثها ـ قد اعتبر في كل ذلك الحروف الأصلية التي من بنية الكلمة ، ولم يعتبر في الترتيب الحروف الزائدة.

ويعترف الأزهري في مقدمة «التهذيب» بأنه اقتبس منهجه هذا من كتاب العين في ترتيبه وكيفية تنظيم المفردات فيه ، واستمع إليه يقول :

«ولم أر خلافا بين اللغويين أن التأسيس المجمل في أول كتاب «العين» لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد .. وعلمت أنه لا يفوق الخليل أحد فيما أسسه ورسمه فرأيت أن أنقله بعينه لتتأمله وتردد فكرك فيه وتستفيد منه ما بك الحاجة إليه».

متن التهذيب (١) :

لقد اعتمد الأزهري في شرح غريب اللغة على من سبقه من الرواة واللغويين ـ أحيانا ـ شأنه في ذلك شأن معاصريه ومن سبقهم فهو ينقل عن أبي عبيدة وأبي عبيد ، وعن ابن دريد ، وعن الأصمعي ، وعن أبي عمرو بن العلاء ، وعن الخليل ، وغيرهم.

وحين ينقل عمن سبقه قد يصرح باسم المرجع الذي نقل عنه وقد لا يصرح.

وينبغي أن نضع أمامنا حقيقة هامة ، وهي : أن الأزهري حين ينقل عن كتاب «العين» فائما ينقل عنه بعبارة : «قال الليث» لأنه يرى أن كتاب «العين» من صنيع الليث ، «فقد أملاه الخليل على الليث بعد تلقفه إياه عن فيه».

وهذا يفسر لنا عبارة : «قال الليث» التي نجدها كثيرا في «اللسان» و «التاج» وغيرهما

__________________

(١) مجلة «مجمع اللغة العربية» (١٨ / ٧٥).

٢٧

من الكتب التي اعتمدت عليهما ، وعلى من أراد أن يقف على اقتباسات «التهذيب» أو «اللسان» أو «التاج» عن الليث ، فليعلم أن المقصود بذلك كتاب «العين».

والظاهرة الفريدة في متن «التهذيب» أنه انتفع بالفترة التي قضاها بين القرامطة فشافه الأعراب الذين كانوا ما يزالون يتكلمون العربية بالسليقة ، ورأى بعينه أماكن المياه والجبال ، وشاهد النباتات ووصفها وصفاً دقيقاً ، فمن ذلك قوله في مادة (ح ن أ) : «الحناءتان رملتان في ديار بني تميم ، ورأيت في ديارهم ركية تدعى الحناءة ، وقد وردتها ، وماؤها في صفرة». وفي مادة (ث ر م د) : «ثرمداء : ماء لبني سعد في وادي الستارين وقد وردته ، يستقى منه بالعقال لقرب قعره».

وفي مادة (ح ف ر) : «والأحفار المعروفة في بلاد العرب ثلاثة : فمنها حفر أبي موسى ، وهي ركايا احتفرها أبو موسى الأشعري على جادة البصرة ، وقد نزلت بها واستقيت من ركاياها ، وهي ما بين ماوية والمنجشانيات. وركايا الحفر مستوية بعيدة القعر عذبة الماء. ومنها حفر سعد بن زيد مناة بن تميم وهي بحذاء العرمة وراء الدهناء يستقى منها بالسانية عند جبل من جبال الدهناء يقال له الحاضر».

وفي مادة (ب ع ل) : «وقد رأيت بناحية البيضاء من بلاد جذيمة عبد القيس نخلاً كثيراً عروقها راسخة في الماء. وهي مستغنية من السقي وعن ماء السماء تسمى بعلا».

وقد قال الأزهري بعد أن ذكر اختلاف آراء اللغويين في تحديد معنى النخل البعل ، فقال : «فرأيت أن أذكر لك أصناف النخل لتقف عليها».

وهكذا نرى الأزهري يعطينا المعلومات البكر وهو المنهج الذي ينادي به المستشرقون. فأبي منصور الأزهري كان من أسبق اللغويين لهذا المنهج قبل أن يظهر المستشرقون وقبل أن يُعرف الاستشراق ، وتراثنا العربي مملوء بالكثير من نماذج البحث العلمي الحديث ، ولكنها تحتاج إلى من يستكشفها.

وناحية أخرى فريدة في متن «التهذيب» وهي أنه حين ينقل عن الأقدمين الذين سبقوه فإنه يناقشهم ويدخل معهم في معارك لغوية طريفة ، مما يظهر لك بجلاء شخصية الأزهري في «التهذيب» ، فهو ليس سلبياً كغيره من المتأخرين ، فالسيوطي ـ مع جلالة قدره ـ يذكر لك في المسألة الواحدة في «المزهر» مثلا عدة آراء وبعضها يتضارب مع البعض الآخر ، ولكنك لا تكاد تخرج منها برأي السيوطي نفسه ، أو بترجيحه لبعضها. وابن منظور قد صرح في مقدمة «اللسان» بأنه جمع مواده من الأمهات اللغوية التي سبقته.

ومن الظواهر التي تثبت شخصية الأزهري القوية ورسوخ علمه ما جاء في التهذيب مادة (ع ب د) :

٢٨

حين عاب على الليث بالقراءات فقال :

(قال الليث : ومن قرأ : (وعبد الطاغوت) فمعناه صار الطاغوت يعبد ، كما يقال : فقه الرجل وظرف. قلت : غلط الليث في القراءة والتفسير. ما قرأ أحد من قُرَّاء الأمصار وغيرهم (وعبد الطاغوت) برفع الطاغوت ، إنما قرأ حمزة : (وعبد الطاغوت) وهي مهجورة أيضا.

قال الليث : ويقال للمشركين : هم عبدة الطاغوت. ويقال للمسلمين : عباد الله يعبدون الله. وذكر الليث أيضا قراءة أخرى ما قرأ بها أحد وهي (وعابدوا الطاغوت) جماعة.

وكان رحمه‌الله قليل المعرفة بالقراءات. وكان نوله ألّا يحكي القراءات الشاذّة ، وهو لا يحفظها والقارىء إذا قرأ بها جاهل وهذا دليل على أن إضافته كتابه إلى الخليل بن أحمد غير صحيح ، لأن الخليل كان أعقل وأورع. من أن يسمّي مثل هذه الحروف قراءات في القرآن ، ولا تكون محفوظة لقارىء مشهور من قرّاء الأمصار ، ودليل على أن الليث كان مغفّلا ونسأل الله التوفيق للصواب.

وقال الليث : يقال أعبَدني فلان فلانا أي ملّكني إيّاه.

قلت : والمعروف عند أهل اللغة : أعبدت فلانا أي استعبدته. ولست أنكر جواز ما ذكره الليث إن صحّ لثقة من الأئمة ، فإن السماع في اللغات أولى بنا من القول بالحَدْس والظنّ وابتداع قياسات لا تستمرّ ولا تطّرد).

ومما جاء في مادة (غ ت ت) في حديث :

«الحوض يغت فيه ميزابان مدادهما من الجنة» ، ـ قال الأزهري ـ : (وهكذا : سمعت من محمد بن إسحاق ، بضم الغين ، ومعنى يغت : يجري جريا له خرير وصوت. وقيل : يغط ، قال : ولا أدري ممن حفظ هذا التفسير ، ولو كان كما قال لقيل : يغت ويغط ، بكسر الغين. ومعنى يغت (بالضم) يتابع الدفق في الحوض لا ينقطع مأخوذ من غت الشارب الماء جرعا بعد جرع ونفسا بعد نفس من غير إبانة الإناء عن فيه)

ومن دقة الأزهري في الشرح والتوضيح أنه يفيض في بيان الدخيل والمعرب ، وأحيانا يحدد اللهجات وأمكنتها.

ومما يدل على رسوخ قدمه في البحث اللغوي ربطه القراءات بمعاني الكلمات اللغوية ، وتمييزه بذلك بين الصحيح منها والمردود. فمن هذا القبيل ما جاء في مادة «خ ط أ» : (نقل بعضهم قراءة بهمز الخطوات ، فقال : (خطؤات الشيطان) من الخطيئة وهي المأثم).

٢٩

فقد نقل «اللسان» عنه هذه العبارة السابقة. ثم أضاف قائلا : (قال أبو منصور : ما علمت أن أحدا من قراء الأمصار قرأ بالهمزة. ولا معنى له).

أهمية الكتاب :

فكتاب التهذيب ـ على هذا ـ وضع في تنقيح اللغة ، وتهذيبها ، فجاء اسمه مطابقا للمسمى.

ولو لا هذه الصفات التي اتصف بها هذا المعجم الضخم لما أعجب به العلماء وتدارسوه. واستدلوا على فضل المعنيين به ، حتى كان ابن الأثير : (ت ٦٣٧ ه‍) يستدل على فضل الشارابي نصر أمير غرشستان بقراءته «التهذيب» (١) ويحمله التبريزي (ت ٥٠٢ ه‍) على ظهره إلى المعرة ليقرأه على عالم به ، فينفذ العرق من ظهره إليه (٢) ، ويقرأه الزمخشري (ت ٥٣٨ ه‍) بجملته إعجابا به ، ويستخرج منه أحاديثه وأمثاله وغريبه الذي لم يجده في كتاب الآخرين.

ويستقصي ياقوت الحموي : (ت ٦٢٦ ه‍) جميع ما ورد فيه من البلدان والمواضع استقصاء غريبا فيودع ذلك كله كتابيه «معجم البلدان» و «المشترك».

ويستفيد ياقوت والقفطي (ت ٦٤٦ ه‍) والسيوطي (ت ٩١١ ه‍) وغيرهم في كتبهم من تراجمه ورجاله استفادة واضحة (٣).

ولو استقصينا استفادات المصنفين في جميع ضروب المعرفة من «التهذيب» لرأينا عجبا غريبا ، مما يدل على تفرع ألوان المعارف والفنون التي عنى بها الكتاب إضافة إلى أنه معجم لغوي موثوق.

__________________

(١) انظر «الكامل» : (سنة ٣٨٩ ه‍).

(٢) خاتمة «المصباح المنير» للفيومي.

(٣) انظر مثلا : «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي ، و «المصباح المنير» و «حياة الحيوان الكبرى» ، وغيرها من كتب الأدب واللغة والفقه.

٣٠

ملاحظة حول ما طبع من «التهذيب» (١)

ظهر كتاب «تهذيب اللغة» مطبوعا ، من سنة ١٣٨٤ ه‍ / ١٩٦٤ م حين طبع الجزء الأول منه بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون ، ومراجعة الأستاذ محمد علي النجار ، وواصلت لجان التحقيق عملها في إخراج الأجزاء جميعها حتى الجزء الخامس عشر الذي به ينتهي الكتاب ، وكان ظهور آخر جزء منه سنة ١٩٦٩ ه‍.

غير أن شيئا لم يكن بالحسبان كان قد وقع للكتاب الذي كان يأمل أن يخرج إلى رواد المعجم العربي كاملا ، جيد التحقيق ، مضبوطا ، غير مشوه ، ولا مضطرب.

فقد حظيت بعض أجزائه بتحقيق علمي جيد ، وخدمت خدمة لا غبار عليها ، وأُصِيبْت بعض أجزائه الأخرى بما يشبه الإهمال ، فتشبعت كثير من أبوابها وموادها بالأغلاط المطبعية .. ثم بالسقطات التي وقعت من بعض المواد ، وشوهت صورته الكاملة التي كان ينبغي أن يظهر بها. هذا إلى جانب إهمال أبواب بموادها وتفسيراتها ، ليس في جزء واحد فحسب ، بل في ثلاثة أجزاء متصلة تبدأ بالجزء السابع الذي حققه الأستاذ عبد السلام سرحان ـ الأستاذ بجامعة الأزهر ـ ثم الجزء الثامن الذي حققه الأستاذ عبد العظيم محمود ، فالجزء التاسع الذي حققه الأستاذ عبد السلام هارون.

ولعل السبب في ذلك يعود إلى : أن كل محقق أعطي قسما من الكتاب المخطوط وطلب إليه أن يقوم بتحقيقه ومعارضته بالنسخ المخطوطة الأخرى التي بين أيدي العاملين. وضبط موادها على «اللسان» إذا تعذر الضبط على النسخ المخطوطة ، واشتغل الجميع بما بين أيديهم دون أن ينظروا إلى عمل الآخرين الذين شاركوهم في الكتاب ...

كما أن سقامة المخطوطات التي اعتمدت كان من أهم عوامل اضطراب المطبوعة ووقوع الأخطاء الكثيرة فيها.

وقال أشار الأستاذ إبراهيم الإبياري رحمه‌الله إلى هذا الخلل أثناء عرضه لمنهج عمله في تحقيق الجزء الخامس عشر حيث قال :

(كان مرجعي في هذا الجزء إلى مخطوطتين :

__________________

(١) من مقدمة الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي محقق كتاب «التهذيب» ، المستدرك على الأجزاء السابع والثامن والتاسع.

٣١

إحداهما : مخطوطة المدينة : وهذه وإن بدت سليمة في أجزائها الأولى فقد غدت سقيمة في أجزائها الأخيرة ، لا سيما هذا الجزء الخامس عشر.

ولقد كفانا الناسخ لهذه المخطوطة مؤونة الاستقصاء ، وذلك حين يقول في كلمته التي ختم بها عمله ، «وكتب ياقوت منه ـ يعني «التهذيب» ـ خمس عشرة مجلدة من خط مصنف الكتاب أبي منصور جزاه الله خيرا ، ثم أحيل بينه وبين الباقي فأتمه من نسخ قد قرأت على المصنف أو قوبلت بأصله».

ومن هذه نعرف كيف استوت الأجزاء الأولى واضطربت الأجزاء الأخيرة اضطرابا لقي منه ياقوت عنتا ، ولقي منه الناسخ لها هو الآخر عنتا ثانيا ، فانضم هذا إلى ذاك ، فإذا هذا الجزء لا يكاد يستقيم منه إلا القليل.

وثانيتهما : مخطوطة دار الكتب

وهذه قد انضم إلى ما فيها من تلفيق ، امحاء لكثير من صفحات وكثير من عبارات وكلمات ، فإذا الباقي الذي يقرأ منها قلّ من كثر.

لهذا كان لا بد من لقاء لكل ما نقل عن الأزهري في كتب اللغة لا سيما «لسان العرب» لابن منظور ، ليعارض نص بنص. وما يتفق عرض ابن منظور وعرض الأزهري فتهون المعارضة ، ولكن المساقين يختلفان ، وليس كل ما نقل ابن منظور عن الأزهري بسليم فيزول الشك وتحل الثقة ، فكان لي مع كل نص وقفة لا أتركها إلى غيره إلا بعد الاطمئنان إلى سلامته ...

بهذا ألزمت نفسي وجعلت النص يقيم النص ، لا ألقي بالا لزلات الناسخ ، بعد أن تبينت فساد قلمه وفساد علمه ، ولم يكن من المقبول أن أضيف من جهل الناسخين إلى اللغة ، ولو كان هذا رأيا من تلك الآراء التي تتسع لها النصوص التي تحتمل الرأي لقبلته ، ولكنه لغة دونت وانضبطت ، ولم تعد تحتمل المزيد على قديمها المرسوم بما يشكك فيه أو ينقض منه.

وغاية ما أحببت أن قوله ، كيلا يلتبس القول : إني لم ألتفت إلى عبث الناسخ فأثقل الهوامش به ، ولكني لم أهمل جده ، ولم أنفض يدي من هذا الجزء إلا بعد أن وفيته حقه من معارضات كثيرة أقامته على الطريق السوي ، ورددته إلى أصله الذي تركه عليه الأزهري فيما أرجو.

والله أسأل أن أكون قد وفقت فيما أردت) اه.

٣٢

عملنا في هذه الطبعة :

١ ـ أكملنا ما سقط من الأبواب والمواد في المطبوعة مستعينين بـ «اللسان» ، و «العين» ، و «الصحاح» ، و «المحكم» ، و «التاج» ، و «القاموس المحيط» ... وغيرها من المصادر اللغوية.

أما القسم الأكبر من هذا السقط فقد أثبتناه من كتاب «التهذيب» ، المستدرك على الأجزاء السابع والثامن والتاسع» بتحقيق الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي.

٢ ـ استعنا بـ «التهذيب» نفسه لضبط الأبواب والمواد ولضبط كلمات حرفت في مادة ووردت صحيحة في مادة أخرى.

٣ ـ الزيادات والاستدراكات حصرت بين [].

٤ ـ لوحظ أثناء تصحيح المطبوعة أن هناك بعض المواد وردت معانيها مشتتة في أكثر من موضع ، فأثبتناها ضمن مادتها ونبهنا على ذلك في الحاشية.

٥ ـ وضعت (*) عند رأس المادة التي ذكرت تكملتها في مكان آخر.

٦ ـ الأبواب التي حدث الأضطراب في ترتيبها أثبتناها في موضعها وفقا لمنهاج الأزهري في ترتيب الكتب والأبواب وعلى سبيل المثال : ففي الجزء الخامس في مطبوعة «التهذيب» أثبت باب الهاء والضاد في المضاعف قبل باب الهاء والشين ، وذكر محقق الكتاب في الهامش : «إن ترتيب نسخة (ج) غير دقيق ، وليس متمشيا مع الأبجدية الصوتية التي سار عليها الأزهري تبعا للخليل إذ فيها الضاد قبل الشين». ا. ه.

٧ ـ ضبطت مواد الرباعي والخماسي وميزت باللون الأحمر ، لتسهيل الوصول إليها.

٨ ـ الأبواب والمواد المهملة التي لم يشر إليها في المطبوعة نبهنا عليها بوضع عبارة «أهمله الليث» جريا على عادة الأزهري في التعبير.

٩ ـ ألحقنا الهمزة بأبواب المعتل ـ (وا يء) ـ فقد أشار الأزهري إلى هذا (١٥ / ٦٨٢) فقال : (اعلم أن الهمزة لا هجاء لها ، إنما تكتب مرة ألفا ، ومرة ياء ، ومرة واوا.

والألف اللينة لا حرف لها إنما هي جزء من مدة بعد فتحة. والحروف ثمانية وعشرون حرفا ، مع الواو والألف والياء وتتم بالهمزة تسعة وعشرين حرفا. والهمزة كالحرف الصحيح ، غير أن لها حالات في التّليين والحذف والإبدال والتحقيق ، تعتل فيها ، فألحقت بالأحرف المعتلة الجوف ، وليست من الجوف إنما هي حلقية في أقصى الحلق):

١٠ ـ قمنا بوضع فهرس الفبائي للمواد.

٣٣

وبعد :

لا ندعي أننا قمنا بعمل يوفي الأزهري ومعجمه حقهما من الرعاية والدراسة لكننا نعتبر أنها خطوة على طريق الاهتمام بأعمال تراثية بهذا المستوى وبهذه الأهمية. ونحن نرجو أن نكون قد قدمنا به خدمة ولو بسيطة في إحياء تراثنا وتقديمه وتيسيره بشكل مهذّب.

ونرجو أن يغفر لنا ما وقعنا به من تقصير أو سهو.

نسأل الله التوفيق.

فاطمة محمد أصلان

مكتب التحقيق ـ دار إحياء التراث العربي

بيروت ٣ ذو الحجة ١٤٢١ ه

الموافق ٢٦ شباط ٢٠٠١ م

٣٤

المراجع

ـ «العين» : للخليل بن أحمد الفراهيدي ـ المقدمة ـ تحقيق عبد الله درويش.

ـ «لسان العرب» : ابن منظور ـ المقدمة ـ ط. دار إحياء التراث العربي.

ـ «الصحاح» : للجوهري ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار.

ـ «القاموس المحيط» : الفيروز آبادي.

ـ «المزهر في علوم اللغة وأنواعها» : عبد الرحمن جلال الدين السيوطي ـ ج ١ ، تحقيق جاد المولى ، والبجاوي ، وأبو الفضل إبراهيم.

ـ «كلام العرب» : الدكتور حسن ظاظا.

ـ «المعاجم العربية» : الدكتور عبد السميع محمد أحمد.

ـ «المعجم الكبير» : مجمع اللغة العربية.

ـ «المعجم العربي نشأته وتطوره» : الدكتور حسين نصار.

ـ «المعجم الوجيز» : مقدمة الدكتور مدكتور.

ـ «المعاجم والمصطلحات» ، مباحث في المصطلحات والمعاجم والتعريب ، للدكتور حامد صادق قنيبي.

ـ مجلة «مجمع اللغة العربية» : الأجزاء : ١٥ ، ١٨ ، ٢٠ ، ٦٠.

ـ «مقاييس اللغة» : ابن فارس ـ تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون.

ـ «فقه اللغة» : الدكتور علي عبد الواحد وافي.

ـ «دائرة المعارف الإسلامية» : إصدار عبد الحميد الشنتتاوي ورفاقه.

ـ «الأعلام» : للزركلي.

ـ «فوات الوفيات» : ابن شاكر الكتبي.

ـ «الجمهرة» : ابن دريد ، بيروت ـ ط. دار صادر.

ـ «انباه الرواة على أنباء النحاة» : القفطي ، القاهرة ـ ط. دار الكتب المصرية.

ـ «تهذيب اللغة» : المستدرك على الأجزاء السابع والثامن والتاسع ، تحقيق الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي ـ المقدمة ـ.

٣٥
٣٦

تقديم

بقلم الأستاذ عبد السلام هارون

(الأزهري)

٢٨٢ ـ ٣٧٠ هـ

هذه هي شهرته. وهو أبو منصور محمد بن أحمد بن طلحة بن نوح بن الأزهر ، الأزهريّ (١) الهرويّ الشافعي.

والأزهريّ : نسبة إلى جده الأزهر.

والهرويّ : نسبة إلى هراة ، حيث ولد بها سنة ٢٨٢ ه‍.

وهراة : مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان ، قال ياقوت :

«ولم أر بخراسان عند كوني بها في سنة ٦٠٧ مدينة أجلّ ولا أعظم ولا أفخر ولا أحسن ولا أكثر أهلا منها. فيها بساتين كثيرة ، ومياه غزيرة ، وخيرات كثيرة محشوّة بالعلماء ، ومملوّة بأهل الفضل والثراء. وقد أصابتها عين الزمان ، ونكبتها طوارق الحدثان ، وجاءها الكفار من التتر فخربوها حتى أدخلوها في خبر كان ، ف (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ). وذلك في سنة ٦١٨ ه‍».

وفيها يقول أبو أحمد الساميّ الهروي :

هراة أرض خصبها واسع

ونبتها اللّفّاح والنرجس

ما أحد منها إلى غيرها

يخرج إلا بعد ما يفلس

والشافعي : نسبة إلى مذهبه الفقهي ، يقول السبكي في طبقات الشافعية : «كان إماما

__________________

(١) هذه النسبة المثبتة في مقدمة نسخة م يطابقها ما ورد في «إنباه الرواة» للقفطي في قسم الكنى. وفي «معجم الأدباء» (١٧ / ١٦٤): «محمد بن أحمد الأزهر بن طلحة بن نوح بن الأزهر بن نوح بن أبيض بن حاتم بن سعيد بن عبد الرحمن». وفي «طبقات الشافعية» (٢ / ١٠٦) «محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الهروي». وفي «وفيات الأعيان» «محمد بن أحمد بن الأزهر طلحة بن نوح بن أزهر». فجعل «الأزهر» لقبا أيضا لجده طلحة. وفي «بغية الوعاة» : «محمد بن محمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح». وهو واضح الخطأ. وفي «شذرات الذهب» (٣ / ٧٢): «محمد بن أحمد بن الأزهر».

٣٧

في اللغة بصيرا بالفقه عارفا بالمذهب ، عالي الإسناد ، ثخين الورع ، كثير العبادة والمراقبة ، شديد الانتصار لألفاظ الشافعي ، متحريا في دينه».

حياة أبي منصور الأزهري :

أقام أبو منصور صدر حياته في مدينة هراة حيث ولد بها سنة ٢٨٢ وسمع بها من الحسين بن إدريس ، ومحمد بن عبد الرحمن السامي وطائفة ، كما ذكر السبكي في طبقاته. ثم سافر أبو منصور عن هراة مسقط رأسه ، شابا يافعا ، إلى أرض العراق قاصدا للحج. وعند عودته من الحج أسرته الأعراب في طريقة ، وذلك في فتنة القرمطي (١) سنة ٣١٢ ه‍ في أيام المقتدر بالله بن المعتضد (٢) ، وكانت سن الأزهري في ذلك الحين نحو الثلاثين ، لأن مولده كان سنة ٢٨٢ ه‍.

والقرمطي هذا هو أبو طاهر الحسين بن أبي سعيد الجنّابي (٣) ، وكان قد اعترض الحجيج وهم راجعون من بيت الله الحرام ، قد أدوا ما فرض الله عليهم ، فقطع عليهم الطريق فقاتلوه دفعا عن أموالهم وأنفسهم وحريمهم ، فقتل منهم خلقا كثيرا لا يعلمهم إلا الله ، وأسر من نسائهم وأبنائهم ، واصطفى من أموالهم ما أراد ، وترك بقية الناس بعد ما أخذ جمالهم وزادهم ، وأموالهم ونساءهم ، بلا زاد ولا محمل.

ويذكرون أن عمر هذا الطاغية كان إذ ذاك سبع عشرة سنة. وقد سجّل الأزهري هذه الحادثة إذ يقول في مقدمة «تهذيب اللغة» (٤) :

__________________

(١) القرمطي ، بكسر القاف والميم : نسبة إلى قرمط ، وكان رجلا من سواد الكوفة ، وللقرامطة مذهب مذموم ، وكانوا قد ظهروا في سنة ٢٨١ في خلافة المعتضد وطالت أيامهم وعظمت شوكتهم واستولوا على بلاد كثيرة. انظر «السمعاني» (ص ٤٤٨) و «ابن خلكان» في ترجمة الأزهري.

(٢) انظر «صلة تاريخ الطبري» لعريب بن سعد القرطبي في حوادث تلك السنة (١٢ / ٦١) ، و «البداية والنهاية» لابن كثير (١١ / ١٤٩ ، ١٥٠).

(٣) الجنابي بفتح الجيم وتشديد النون : نسبة إلى جنابة ، وهي بلدة بساحل بحر فارس. انظر «السمعاني» و «ابن خلكان» و «ياقوت». وقد ظهر أبو سعيد الجنابي القرمطي سنة ٢٧٨ بناحية البحرين وهجر ، وقتله خادم له سنة ٣٠١ كما في «وفيات الأعيان» في ترجمة الأزهري و «الطبري» (١١ / ٤٠٨). وفي الجزء الأول من «التهذيب» (ص ٣٧٦) في مادة (لعج): «وسمعت أعرابيا من بني كليب يقول : لما فتح أبو سعيد القرمطي هجر سوى حظارا من سعف النخل ، وملأه ، من النساء الهجريات ثم ألعج النار في الحظار فاحترقن».

(٤) انظر ص ٧.

٣٨

«وكنت امتحنت بالإسار سنة عارضت القرامطة الحاج بالهبير ، وكان القوم الذين وقعت في سهمهم عربا عامتهم من هوازن (١) ، واختلط بهم أصرام من تميم وأسد بالهبير ، نشئوا في البادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع ، ويرجعون إلى أعداد المياه في محاضرهم زمان القيظ ، ويرعون النعم ويعيشون بألبانها ، ويتكلمون بطباعهم البدوية ، وقرائحهم التي اعتادوها ، ولا يكاد يقع في منطقهم لحن أو خطأ فاحش ، فبقيت في إسارهم دهرا طويلا. وكنا نتشتى الدهناء ونتربع الصمان ، ونتقيظ الستارين ، واستفدت من مخاطباتهم ومحاورة بعضهم بعضا ألفاظا جمة ، ونوادر كثيرة ، أوقعت أكثرها في مواقعها من الكتاب ، وستراها في مواضعها إذا أتت قراءتك عليها إن شاء الله».

وأقام الأزهري في ذلك الأسر دهرا طويلا ، كما يقول ، ثم تخلص من الأسر ودخل بغداد ، كما يقول القفطي ، وقد استفاد من الألفاظ العربية ما شوّقه إلى استيفائها ، وحضر مجالس أهل العربية.

شيوخه في بغداد :

وفي بغداد تلمذ على :

١ ـ أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه (٢٤٤ ـ ٣٢٣ ه‍).

٢ ـ أبي بكر محمد بن السري بن سهل ، المعروف بابن السراج (... ـ ٣١٦ ه‍).

٣ ـ أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي (٢١٤ ـ ٣١٧ ه‍).

قال ابن خلكان : «ورأى ببغداد أبا إسحاق الزجاج وأبا بكر بن الأنباري ، ولم ينقل عنه أنه أخذ عنهما شيئا».

لكن ذكر الأزهري في مقدمة التهذيب (ص ٢٧) أبا إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (... ٣١١ ه‍) وقال : «حضرته ببغداد بعد فراغه من إملاء الكتاب ـ يعني كتاب المعاني ـ فألفيت عنده جماعة يسمعونه منه».

ثم قال : «وما وقع في كتابي له من تفسير القرآن فهو من كتابه ، ولم أتفرغ ببغداد لسماعه منه».

__________________

(١) مما يذكره التاريخ أن القرامطة جعلوا يستميلون بعض العرب ويدعونهم إلى نحلتهم حتى استجاب لهم أهل البحرين وما والاها. انظر «ياقوت» في رسم (جنابة). فلعل هؤلاء الأعراب كانوا من الموالين للقرامطة ، أو أن هؤلاء القوم أسروا الأزهري مساوقة للفوضى السياسية التي ضربت أطنابها في هذه الحقبة من الزمن.

٣٩

وهذا يعني أنه سمع منه بعض السماع.

ويقول الأزهري أيضا في أبي بكر بن الأنباري في المقدمة (ص ٣١) عند الكلام على ابن قتيبة : «ورأيت أبا بكر بن الأنباري ينسبه إلى الغفلة والغباوة وقلة المعرفة. وقد رد عليه قريبا من ربع ما ألفه في مشكل القرآن».

ولقي الأزهري في بغداد أيضا أبا بكر بن دريد (٢٢٣ ـ ٣٢١ ه‍) ولكنه لم يأخذ عنه شيئا. وفيه يقول في المقدمة (١) (ص ٣١) :

«وممن ألف في عصرنا الكتب فوسم بافتعال العربية وتوليد الألفاظ التي ليس لها أصول ، وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم : أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ، صاحب كتاب «الجمهرة» وكتاب «اشتقاق الأسماء» ، وكتاب «الملاحن». وحضرته في داره ببغداد غير مرة فرأيته يروي عن أبي حاتم ، والرياشي ، وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي ، فسألت إبراهيم بن محمد بن عرفة الملقب بنفطويه عنه ، فاستخف به ولم يوثقه في روايته. ودخلت يوما عليه فوجدته سكران لا يكاد يستمر لسانه على الكلام من غلبة السكر عليه. وتصفحت كتاب «الجمهرة» له فلم أره دالا على معرفة ثاقبة ، وعثرت منه على حروف كثيرة أزالها عن وجوهها ، وأوقع في تضاعيف الكتاب حروفا كثيرة أنكرتها ولم أعرف مخارجها ، فأثبتها من كتابي في مواقعها منه ، لأبحث عنها أنا أو غيري ممن ينظر فيه ، فإن صحت لبعض الأئمة اعتمدت ، وإن لم توجد لغيره وقفت».

فهذا النص يطلعنا على مدى العلاقة العلمية بين الأزهري وابن دريد ، وعلى مدى توثيقه له.

لكن السيوطي يقول في «المزهر» (١ / ٩٣) : «قلت معاذ الله ، هو بريء مما رمي به. ومن طالع «الجمهرة» رأى تحريه في روايته».

عودته إلى هراة :

ويبدو أنه لم يمكث ببغداد طويلا. قال القفطي :

«ثم رجع أبو منصور رحمه‌الله إلى هراة ، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي ، وأخذ اللغة عن مشايخ بلده ، ولازم المنذري الهروي وأخذ عنه كثيرا من هذا الشأن ، وشرع في

__________________

(١) مثل هذا النص التالي ما جاء في «إنباه الرواة» و «معجم الأدباء». عن الخطيب البغدادي قال : «دخلت على أبي بكر محمد بن دريد داره ببغداد لآخذ عنه شيئا من اللغة ، فوجدته سكران فما عدت إليه».

٤٠