حديث الثقلين تواتره ـ فقهه

السيّد علي الحسيني الميلاني

حديث الثقلين تواتره ـ فقهه

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وأمّا « فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

فتأكيد للوصيّة بهما.

ذكر العلماء الروايات المذكورة في سياق واحد :

وممّا يؤكد ما ذكرناه من عدم الاختلاف بين هذه الروايات في المدلول والمفاد : ذكر غير واحدٍ من أعلام الحفاظ إياها في سياقٍ واحدٍ وتحت عنوانٍ واحدٍ ... ونحن نكتفي بكلامٍ واحدٍ منهم :

قال الحافظ محبّ الدين الطبري (١) في كتابه ( دخائر العقبى في مناقب ذوي االقربى ) ما هذا نصّه :

« باب في فضل أهل البيت ، والحثّ على التمسّك بهم وبكتاب الله عزّوجل ، والخلف فيهما بخير :

عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : إني تارك فيكم الثقلين ما إنْ تمستكم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله عزّوجل ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتر يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. أخرجه الترمذي وقال : حسن غريب.

وعنه قال : قام فينا رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنما انا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عزّوجل فأجيبه ، وإني تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فتمسّكوا

__________________

(١) من كبار حفّاظ القوم وشيخ الحرم المكي في عصره ، توجد ترجمته في : تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٧٤ ، النجوم الزاهرة ٨ / ٧٤ ، البداية والنهاية ١٣ / ٣٠ ، طبقات الشافعية للسبكي ٥ / ٨ ، الوافي بالوفيات ٧ / ١٣٥ ، طبقات الحفاظ : ٥١٠ وغيرها من معاجم التراجم. توفي سنة ٦٩٤.

١٤١

بكتاب الله عزّوجل وخذوا به ـ وحثّ فيه ورغّب فيه ثم قال ـ وأهل بيتي. أذّكركم الله في أهل بيتي ـ ثلاث مرات ـ. فقيل لزيد : من أهل بيته ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ فقال : بلى إن نساءه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم عليه الصّدقة بعده. قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس. قال : أكلّ هؤلاء حرم عليهم الصدقة ؟ قال : نعم. أخرجه مسلم. وعند احمد معناه من حديث أبي سعيد ولفظه :

انه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : إني أوشك أنْ أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا فيما تحلفوني فيهما.

وعن عبد العزيز بسنده الى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة ، وأعضانها في الدنيا ، فمن تمسّك بنا اتخذ إلى ربّه سبيلاً. أخرجه أبو سعد في شرف النبوة » (١).

__________________

(١) ذخائر العقبي : ١٦.

١٤٢

تنبيهات

١ ـ حديث التمسّك بالكتاب والعترة في خطبة الغدير :

إنّه قد تبيّن مما ذكرنا أنّ الذي قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته ـ يوم خطب بماءٍ يدعى خماً بين مكّة والمدينة ـ هو حديث التمسّك بالكتاب والعترة ... وقد نصَّ على هذا غير واحدٍ من الحفّاظ أيضاً ، ولنكتفِ بكلام الحافظ ابن كثير الدمشقي حيث قال :

« قد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال في خطبته بغدير خم : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » (١).

٢ ـ حديث التمسّك بالثقلين وحديث من كنت مولاه :

إنّه جاء في بعض ألفاظ خطبة الغدير حديث التمسّك بالكتاب والعترة وحديث « من كنت مولاه فعلي مولاه » معاً ... ومن الرواة :

محمد بن جرير الطبري.

وابن أبي عاصم.

والمحاملي.

رواه عنهم علي المتقي الهندي ، ونصَّ على أن المحاملي (٢) صححه ، وقد

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٦ / ١٩٩.

(٢) أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبّي البغدادي ـ المتوفى سنة ٣٣٠ ـ تجد ترجمته في : تاريخ بغداد

١٤٣

تقدّم نصّه.

ورواه الحاكم النيسابوري بثلاثة طرقٍ عن أبي عوانة عن الاعمش عن حبيب ابن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ... » ثم قال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ».

وقد وافقه الحافظ الذهبي على تصحيحه على شرطهما في ( تلخيصه ).

فكان هذا الحديث عن زيد بن أرقم شارحاً لما أخرجه مسلم عنه من خبر خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغديرخم ...

وقد تقدّم نص الحديث في الكتاب.

ورواه النسائي في سننه ، وعنه الحافظ ابن كثير ثم قال : « قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا حديث صحيح » وهذا نصّه بتمامه :

« وقد روى النسائي في سننه عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لمّا رجع رسول من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحاتٍ فقممن ثم قال : كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، ثم قال : الله مولاي وانا ولي كلّ مؤمن ، ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه فهذا وليّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد : سمعته من رسول الله ؟ فقال : ما كان في الدوحات أحد الاّ رآه بعينيه وسمعه بأذنيه.

تفرّد به النسائي من هذا الوجه.

__________________

٨ / ١٩ ، الكامل في التاريخ ٨ / ١٣٩ ، العبر ٢ / ٢٢٢ ، تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٢٤ ، طبقات الحفاظ : ٣٤٣ وغيرها.

١٤٤

قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا حديث صحيح » (١).

٣ ـ علي المصداق الأول للعترة في الحديث :

ومن ذلك يفهم المراد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وعترتي أهل بيتي » وهذا ما نصَّ عليه علماء القوم أيضاً :

قال ابن حجر المكي : « وفي أحاديث الحث على التمسّك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ...

ثم أحق من يتمسّك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ لما قدّمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته. ولذلك خصّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بما مرّ يوم غدير خم » (٢).

٤ ـ دلالة الحديث على وجود المستأهل من العترة إلى يوم القيامة :

ومنه يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من العترة الطاّهرة في كلّ زمانٍ الى يوم القيامة ... وهذا أيضاً ممّا نصَّ عليه غير واحد :

قال ابن حجر المكي : « وفي أحاديث الحث على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما سيأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق : في كلّ خلف من أمتي عدول من أهل بيتي » (٣).

وقال الحافظ الشريف السمهودي في تنبيهات حديث الثقلين :

« ثالثها : إن ذلك يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت

__________________

(١) تاريخ ابن كثير = البداية والنهاية ٥ / ٢٠٦.

(٢) الصواعق المحرقة : ٩٠.

(٣) الصواعق المحرقة : ٩٠.

١٤٥

والعترة الطاهرة في كلّ زمانٍ وجدوا فيه إلى قيام الساعة ، حتى يتوجّه الحث المذكور إلى التمسّك به ، كما أن الكتاب العزيز كذلك ـ ولهذا كانوا ـ كما سيأتي ـ أماناً لأهل الأرض فاذا ذهبوا ذهب أهل الأرض » (١).

وكذا قال المنّاوي بشرح الجامع الصغير ٣ / ١٥.

والزرقاني المالكي بشرح المواهب اللدنية ٧ / ٨.

ونقلا كلام الشريف السمهودي الحافظ المذكور ...

٥ ـ دلالة الحديث على إمامة الأئمة من العترة :

واذ قد عرفت « فقه حديث الثقلين » على ضوء كلمات علماء أهل السنّة المحققين ، بعد الوقوف على كثيرٍ من أسانيده وألفاظه ... تتمكّن بكلّ سهولةٍ أن تعرف الذين جعلهم الله ورسوله قائمين مقام الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، في إدارة شئون المسلمين وتدبير أمورهم ، وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وتزكيتهم وإرشادهم ... الى غير ذلك من وظائف النبوّة ...

وإنّ القيام بذلك لا يليق الاّ لمن كان طاهراً مطهّراً من جميع أنواع الرّجس ، وقد عرفت أنّ المراد من « عترتي أهل بيتي » هم : « أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً ».

وإلاّ لمن كان أعلم الناس بالكتاب وأعرفهم بحقائق الدين ... ولا ريب في أن « أهل بيته » كذلك ، ومن هنا فقد ورد التصريح بذلك في بعض ألفاظ حديث الثقلين ، كاللفظ المتقدّم نقله عن الحافظ الطّبراني في ( المعجم الكبير ) المشتمل على قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم » (٢).

__________________

(١) جواهر العقدين. مخطوط. وعندنا منه نسخة مصوّرة.

(٢) أنظر الحديث في الكتاب.

١٤٦

وقال الشريف الحافظ السمهودي : « الذين وقع الحثّ على التمسّك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة هم العلماء بكتاب الله عزّوجل ، إذ لا يحث صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم على التمسّك بغيرهم ، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتى يردا الحوض ، ولهذا قال : لا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم » (١).

وقال الشيخ القاري في شرح المشكاة : « وأقول : الأظهر هو أنّ أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله ، فالمراد بهم أهل العلم منهم ، المطلّعون على سيرته ، الواقفون على طريقته ، العارفون بحكمه وحكمته ، وبهذا يصلح أن يكونوا عدلاً لكتاب الله سبحانه ، كما قال : ( ويعلّمهم الكتاب والحكمة ) (٢).

ولقد نصَّ نظام الدين النيسابوري في ( تفسيره ) على ضوء حديث الثقلين على كون « عترته » صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ورثته ، يقومون مقامه » وهذه عبارته بتفسير قوله تعالى : ( وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ) قال :

« وكيف تكفرون ، استفهام بطريق الإنكار والتعجّب. والمعنى : من أين يتطرّق إليكم الكفر والحال أن آيات الله تتلى عليكم على لسان الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم غضّةً في كلّ واقعة ، وبين أظهركم رسول الله يبيّن لكم كلّ شبهة ويزيح عنكم كلّ علّة ...

أما الكتاب فإنه باق على وجه الدهر.

وأمّا النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فإنه وانْ كان مضى إلى رحمة الله في الظاهر ، ولكنّ نور سرّه باقٍ بين المؤمنين ، فكأنه باق ، على أنّ عترته صلّى الله عليه

__________________

(١) جواهر العقدين ـ مخطوط.

(٢) المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٦٠٠.

١٤٧

[ وآله ] وسلّم ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً ، ولهذا قال : إني تارك فيكم الثقلين ... » (١).

__________________

(١) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١ / ٣٤٧.

١٤٨

١٤٩
١٥٠

كلامه في « الفصل الثاني : فقه الحديث »

و « الدكتور » لم يذكر في ( فقه الحديث ) إلاّ أنّ ما صحّ عن زيد بن أرقم يدلّ على وجوب رعاية حقوق أهل البيت الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم. ( قال ) : وتعرّضت للحديث عن المراد بأهل البيت.

أقول :

ليس الصحيح بمنحصرٍ فيما روي عن زيد بن أرقم ... وليس ما صحّ عن زيد بن أرقم بمنحصر بما جاء في « صحيح مسلم » ، فقد صحّ عنه هذا الحديث بألفاظٍ أخرى ، وهي ـ مضافاً الى صحتها ـ موضّحة للمراد من اللفظ المخرج في صحيح مسلم ، على أنّ الذي في صحيح مسلم بوحده كاف في الدلالة على المقصود.

وقد بيّنا كلّ ذلك ...

قال :

« ويبقى هنا فقه الحديث الذي بيّنت ضعف طرقه ، والضعيف ليس بحجّة ، ولكن ما دمنا وجدنا من صحّحه فلنبحث في فقهه لو فرضنا صحته ».

أقول :

قد بيّنا صحّة ما ادّعى ضعفه ، على أن ثمة طرقاً صحيحة لم يتعرض لها عمداً أو جهلاً ... وليس الأمر كما ذكر من « وجدنا من صحّحه » بل الواقع : لم نجد ولا يوجد من ضعّفه إلاّ ابن الجوزي الذي ردّ عليه الكلّ ... على أنّ في اعترافه بإنه « وجدنا من صحّحه » كفاية.

١٥١

قال :

« قال العلاّمة المنّاوي في فيض القدير ٣ / ١٤ : إنْ ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه ...

ثم قال ٣ / ١٥ : لن يفترقا ، أي الكتاب والعترة ، أي يستمران متلازمين حتى يردا على الحوض ... ».

أقول :

فأورد عبارات عن العلاّمة المناوي في كتابه المذكور وفيها بعض كلمات الشريف السمهودي ... ومنه يعلم قبوله لما يقول ... وقد أوردنا نحن عنه وعن غيره العبارات الوافية الشافية في فقه حديث الثقلين ومدلوله ومفاده ...

وهو ـ وانْ اقتصر على هذا الكلام من المنّاوي فلم ينقل عنه الكلمات الأخرى ، كما لم ينقل كلمات الشرّاح غيره ـ قد عجز عن الجواب عمّا ذكر ، فالتجأ الى كلامٍ لابن تيميّة ، فذكر بعده بلا فاصل :

« وقال ابن تيمية بعد أنْ بيّن أنّ الحديث ضعيف لا يصح : وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلّهم لا يجتمعون على ضلالةٍ. قالوا : ونحن نقول بذلك ، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره ».

وقال أيضاً : « إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والاجماع ، والعترة بعض الأمة ، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة اجماع العترة ».

أقول :

هذا كلام « الدكتور » وهذا « فقهه » ! وأي ّ علاقةٍ لهذا بفقه حديث الثقلين ؟

١٥٢

ثم ذكر « الدكتور » أموراً هي في الحقيقة اعتراف بالحق !

قال :

« ١ ـ يجب ألاّ يغيب عن الذهن المراد بأهل البيت ، فكثير من الفرق التي رزئ بها الاسلام والمسلمون ادّعت أنها هي التابعة لأهل البيت.

٢ ـ أهل البيت الأطهار لايجتمعون على ظلالة ، تلك حقيقة واقعة ، ونلحظ هنا أنهم في تاريخ الاسلام لم يجتمعوا على شيء يخالف اجماع باقي الأمة ، فالأخذ بإجماعهم أخذ بإجماع الأمة كما أشار ابن تيمية.

٣ ـ إذا نظرنا الى أهل البيت كأفرادٍ يتأسى بهم ، فمن يتأسى به منهم ونتمسّك بسيرته ، لابدّ أن يكون متمسّكاً بالكتاب والسنة ، فإنْ خالفهما فليس بمستحق أن يكون من أهل البيت. وكلّ إنسان يؤخذ بقوله ويرد الاّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم. ولذلك فعند الخلاف نطبّق قول الله تعالى : ( فإنْ تنازعتم في شيء فردّوه الى الله والرّسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) (١).

٤ ـ لو كان ما ذكره الشريف من الفقه بلازم للحديث لكان في هذا ما يكفى لرفض المتن ، فالأيام أثبتت بطلانه ، وإلاّ فمن الذي نؤمر باتباعه في عصرنا هذا على سبيل المثال ؟

أبإحدى الفرق التي تنتسب لآل البيت ؟ أم بجميع الفرق ، وكل فرقة ترى ضلال غيرها أو كفره ؟ أم بنسل آل البيت من غير الفرق ؟

فكيف اذن نؤمر بالتمسّك بمن لا نعرف ؟

٥ ـ فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسّك بهم ، فالعطف على الصغير

__________________

(١) سورة النساء / الآية ٥٩.

١٥٣

ورعاية اليتيم والآخذ بيد الجاهل ، غير الأخذ من العالم العابد العامل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ».

أقول :

هذا غاية « فقه » الدكتور ...

ونحن نقول :

١ ـ هذا الحديث أحد الأدلّة على « المراد بأهل البيت » وقد ذكرنا كيفية دلالته على ضوء كلمات شرّاحه من العلماء والحفّاظ الاعلام : كالمنّاوي ، والقاري ، والخفاجي ، والسمهودي ، والسخاوي ، والمحدّث الدّهلوي ، والزّرقاني المالكي ... وغيرهم.

٢ ـ وأهل البيت لا يجتمعون على ضلالة ، وحتى الواحد منهم ـ الذين قرنهم بالكتاب ـ لا يخالف الكتاب فضلاً عن أن يجتمعوا على مخالفته ، فهم أقران الكتاب ، ومن خالفهم كان على ضلالة ، وكلّ إجماع لم يدخلوا فيه فهو ضلالة ...

أمّا إجماعهم فحجّة ، وهم لا يجتمعون على ضلالة كما اعترف « الدكتور » ولا شك في أنّهم أجمعوا على ما أفاده حديث الثقلين من أنَّ علياً هو خليفة الرّسول والإمام من بعده بلا فصل ...

٣ ـ وهم كما أفاد حديث الثقلين ـ وغيره من الاحاديث الصحيحة ـ افراد يتأسّى بهم ويتمسّك ، والرّسول لا يأمر بالتمسّك بمن خالف الكتاب والسنة ولو مرّةً واحدة ...

٤ ـ وهم كما أفاد الحديث لا يفارقون الكتاب في زمنٍ من الأزمنة ، ففي كلّ عصرٍ يوجد الكتاب ويوجد من يكون أهلاً للتمسّك به منهم ... وهذا العصر أيضاً

١٥٤

كسائر العصور ، وعلى كلّ مسلمٍ يريد العمل بما قاله الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعرف من يريد التمسّك به ، وقد قال رسول الله ـ في الحديث المتفق عليه بين المسلمين ـ : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية » (١).

٥ ـ وقد دلّ هذا الحديث على التمسّك بالعترة كوجوب التمسّك بالكتاب بلا فرق ...

ومن المناسب أن نورد هنا كلام العلاّمة الاستاذ توفيق أبي علم في ( فقه الحديث ) فإنّه قال بعد الحديث :

« وقد يكون هذا صريحاً في خروج النساء من أهل البيت ، واختصاصه بعشيرته وعصبته ، وهو رأينا الذي انتهينا إليه في ختام هذا البحث. والله أعلم.

وحديث الثقلين من أوثق الأحاديث النبوية وأكثرها ذيوعاً ، وقد اهتم العلماء به اهتماماً بالغاً ، لأنه يحمل جانباً مهمّاً من جوانب العقيدة الإسلامية ، كما أنه من أظهر الأدلة التي تستند إليها الشيعة في حصر الإمامة في أهل البيت ، وفي عصمتهم من الأخطاء والأهواء. لأنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قرنهم بكتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. فلا يفترق أحدهما عن الآخر ، ومن الطبيعي أن صدور أيّة مخالفة لأحكام الدين تعتبر افتراقاً عن الكتاب العزيز ، وقد صرّح النبي بعدم افتراقهما حتى يردا على الحوض ، فدلالته على العصمة ظاهرة جليّة.

وقد كرّر النبي هذا الحديث في مواقف كثيرة ، لأنه يهدف إلى صيانة الأمة ، والمحافظة على استفامتها وعدم انحرافها في المجالات العقائدية وغيرها ، إنْ تمسّكت بأهل البيت ولم تتقدم عليهم ولم تتأخّر عنهم. ولو كان الخطأ يقع منهم

__________________

(١) هو بهذا اللفظ في عدّةٍ من المصادر ، منها : شرح المقاصد ٥ / ٢٣٩ وله ألفاظ أخرى في المسند ٤ / ٩٦ ، سنن البيهقي ٨ / ١٥٦ وغيرهما.

١٥٥

لما صحّ الأمر بالتمسّك بهم ، الذي هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجة. وفي أن المتمسّك بهم ، الذي هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجة. وفي أن المتمسّك بهم لا يضل كما لا يضل المتمسّك بالقرآن. ولو وقع منهم الذنب أو الخطأ لكان المتمسّك بهم يضل ، وان في اتباعهم الهدى والنور كما في القرآن ، ولو لم يكونوا معصومين لكان في اتباعهم الضلال ، وفي أنهم حبل ممدود من السماء إلى الأرض كالقرآن ، وهو كناية عن أنهم واسطة بين الله تعالى وبين خلقه ، وأن أقوالهم عن الله تعالى ، ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك وفي أنّهم لن يفارقوا القرآن ولن يفارقهم مدّة عمر الدنيا ، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم ، وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدم عليهم بجعل نفسه إماماً لهم أو تقصيراً عنهم وائتمام بغيرهم ، كما لا يجوز التقدم على القرآن بالافتاء بغير ما فيه ، أو التقصير عنه باتّباع أقوال مخالفيه ، وفي عدم جواز تعليمهم وردّ أقوالهم ، ولو كانوا يجهلون شيئاً لوجب تعليمهم ولم ينه عن ردّ قولهم.

وقد دلّت هذه الأحاديث أيضاً على أنّ منهم من هذه صفته في كلّ عصر وزمان ، بدليل قوله صلّى الله عليه [ آله ] وسلّم : وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، وإنّ اللطيف الخبير أخبره بذلك. وورود الحوض كناية عن انقضاء عمى الدنيا ، فلو خلا زمان من أحدهما لم يصدق أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.

ويتخذ أنصار أن أهل البيت هم الائمة الاثنا عشر وأمّهم الزهراء هذا الحديث ، ليرجحوا رأيهم قائلين إنه لا يمكن أنْ يراد بأهل البيت جميع بني هاشم ، بل هو عن العام المخصوص بمن ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفة والنزاهة من أئمة أهل البيت الطاهرين ، وهم الأئمة الاثنا عشر ، وأمّهم الزهراء

١٥٦

البتول. ويدلّلون على ذلك بالاجماع على عدم عصمة من عداهم » (١).

خلاصة البحث :

وخلاصة البحث أنّا لا نقول في ( فقه الحديث ) إلاّ بما قاله علماء القوم أنفسهم في شروحهم ، وقد قرأت كلماتهم ، وتلك كتبهم موجودة متوفّرة ...

إنّ هذا الحديث يدل دلالة صريحة على امامة ( العترة أهل البيت ) وخلافتهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن على الأمة أن تتمسّك بهم وتتعلّم منهم وترجع اليهم ولا تتقدّم عليهم ...

أمّا ما وقع بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... فذاك أمر أخر ... وعلى علماء الأمّة أن يذكروا الدليل عليه والمبرّر له ... لتكون الأمة على بصيرةً من أمرها ، وليكون عذراً لها عند ما يردون على الرسول « الحوض » فيسألهم : « كيف خلفتموني فيهما » !!

كلامه في ختام القول :

يقول « الدكتور » :

« وفي ختام القول عن فقه الحديث أذكر هنا ما ذهب اليه بعض المسلمين من أن الحديث يدل على إمامة أفرادٍ معيّنين من أهل البيت ، تجب طاعتهم والأخذ عنهم ، وأنّ أول هؤلاء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، وأنّه هو وصي رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم.

وهذا القول جد خطير ، فإنه يؤدي إلى اتّهام الصحابة الكرام ، خير أمّة أخرجت للناس ، بأنّهم خالفوا وصيّة رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وإلى

__________________

(١) أهل البيت : ٧٧ ـ ٨٠.

١٥٧

عدم شرعية خلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ وإلى هدم أركان رئيسة في الاسلام.

غير أننا هنا لا نحب أن نخوض في هذا الموضوع ، فالبحث لا يتّسع لمثله ، وإنما نقول في فقه هذا الحديث بأنّ ما ذهب إليه هؤلاء القوم مردود مرفوض ، لأن الحديث ليس بصحيح ولا صريح ، ومعارض بالصحيح والصريح.

ومن الأحاديث الصريحة الصحيحة ما يأتي ».

ثم ذكر أحاديث عن البخاري ومسلم ومسند أحمد.

أقول :

أولاً : « بعض المسلمين » يعتقدون بإمامة أفراد معينّين من أهل البيت عليهم‌السلام ، أولهم : علي بن أبي طالب ، وآخرهم : المهدي ، و « حديث الثقلين » أحد أدلّتهم على ما ذهبوا إليه وقالوا به ...

وثانياً : القول بأنّ الحديث يدّل على إمامة هؤلاء الأفراد ووجوب إطاعتهم والاخذ عنهم ... لايختص ب‍ « بعض المسلمين » ، بل كلّ من يتأمل في ( فقه الحديث ) قائل بهذا القول ...

وثالثاً : « حديث الثقلين » هو وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّته ، وقد نصَّ على هذا المعنى غير واحدٍ من كبار العلماء ، وعلى الأمّة جمعاء العمل بهذه الوصيّة بلا ريب وإنّهم مسئولون عنها.

رابعاً : هذا القول يؤدّي إلى اتهام الصّحابة ... هذا صحيح ... ولكنّ « الدكتور » قال : « وكلّ إنسان يؤخذ من قوله ويرد الاّ رسول الله ... ».

خامساً : هذا القول يؤدي إلى عدم شرعيّة خلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة ... هذا صحيح ... ولكن هل يرى « الدكتور » كونهم من ( أهل البيت ) الذين

١٥٨

أمر النبي في حقّهم في هذا الحديث ونحوه بما أمر حتى تكون خلافتهم شرعيّة ؟

إذا كان عدم شرعيّة خلافة الثلاثة هو المدلول الواضح لهذا الحديث وغيره من الأحاديث المعتبرة فما ذنب أصحاب هذا القول ؟

النظر فيما زعم معارضته لحديث الثقلين :

سادساً : الأحاديث التي ذكرها عن البخاري ومسلم وأحمد وزعم كونها صريحة وصحيحة ، لا تصلح للمعارضة لما يأتي :

١ ـ إن « بعض المسلمين » الذين يقولون بإمامة الأفراد المعيّنين لا يرون هذه الأحاديث صحيحةً وصريحة ، فلا يكونون ملزمين بقبولها حتى تتم المعارضة.

٢ ـ إنّ الحديث المتفق عليه بين المسلمين جميعهم لا يعارض بما ورد عن بعضهم ، حتى لو كان صحيحاً وصريحاً.

٣ ـ إنّ الأحاديث التي ذكرها « الدكتور » هي في الأغلب عن : عائشة وحفصة وعبدالله بن عمر ... وقول هؤلاء ـ لا سيّما في مثل هذا المقام ـ غير مسموع.

٤ ـ إن كتابي البخاري ومسلم ـ وانْ سمّيا بالصحيحين ـ يشتملان على أحاديث باطلة كما لا يخفى على من راجع شروحهما ، وقد تقدمت الإشارة الى بعض تلك الاحاديث ، بل « الدكتور » نفسه لا يستبعد أن يكون حديث الثقلين المخرج في ( صحيح مسلم ) موضوعاً !!. فكيف يستدل بأحاديث الكتابين ، والحال هذه ؟

٥ ـ إنّ ( مسند أحمد ) قد أصرّ « الدكتور » على عدم التزام أحمد بصحّة ما فيه ، بل قد وافق على ما نقله عن ابن حجر عن أحمد أنّه يتساهل في الفضائل !! ... فكيف يستدل بروايات أحمد ولا سيّما في الفضائل ؟

١٥٩

٦ ـ إنّ بعض الأحاديث التي احتجّ بها من موضوعات بعض النّواصب ، وقد اعترف بهذه الحقيقة بعض المحققين من أهل السنة من المتقدّمين والمعاصرين ، كالدكتور أحمد محمد صبحي ، الذي نقل « الدكتور » كلامه وتحامل عليه !!

٧ ـ ولأجل أنْ نبرهن على سقوط الأحاديث التي أوردها ، وعلى عدم إنصاف « الدكتور » في بحثه ، ننظر في أسانيد عدّةٍ منها ، ونشير إلى مواضع الضّعف فيها باختصار.

والذي يهمّنا منها :

أ ـ ما دلّ أنّ علياً عليه‌السلام لم يعيّن أحداً لخلافته ، وهو روايتان نقلهما عن أحمد فقال : « وروى أحمد بسندٍ صحيح عن الامام علي رضي‌الله‌عنه أنه قال : لتخضبنَّ هذه من هذا ...

وفي روايةٍ بسندٍ آخر أنّ الإمام قال : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لتخضبنّ هذه من هذه ... ».

نقلهما عن أحمد واضاف : « وبالحاشية بيان الشيخ شاكر لصحّة الاسناد ».

أقول :

لم يذكر سندي الحديثين ، ونصّ على صحة الأول ، وأشار الى تصحيح الشيخ شاكر ، ولم يوضّح هل الشيخ يصحّح كلا الحديثين أو الأول فقط ؟ ولم يصرّح برأيه هو في سند الثاني منهما ؟ ولا ندري هل تحقّق هو بنسفه صحّة ما صحّح أو قلَّد الشّيخ ؟

لكنه تكلَّم في الكتاب مع الشيخ شاكر الذي صحح سند حديث الثقلين وكأنّه أعلم منه وأفهم ! ( أنظر ص ٢٢ ـ ٢٣ ) كما تكلّم مع الشيخ الآخر ـ وهو الألباني ـ الذي صحّح حديث الثقلين وكأنّه أعلم منه وأفهم ! ( انظر ص ٢٥ ـ ٢٦ ).

١٦٠