حديث الثقلين تواتره ـ فقهه

السيّد علي الحسيني الميلاني

حديث الثقلين تواتره ـ فقهه

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

حجي. فبكى ودعا لي. ثم أتيت مصر فقلت : إن الحسن كان معنا بمكة ، فقالوا : ما حجّ العام ، وقد كان يبلغني أنه يمرّ إلى مكة في كلّ ليلة فما كنت أصدّق ، حتى رأيته فعاتبني وقال : شهرتني ، ما كنت أحبّ أنْ تحدّث بها عني ، فلا تعد بحقّي عليك » (١).

وقال ابن العماد : « ذكر السخاوي في طبقاته : انّ الشيخ معالي سأل الشيخ سلطان بن محمد البعلبكي المتوفى سنة ٦٤١ فقال : يا سيدي كم مرّة رحت إلى مكة في ليلة ؟ قال : ثلاث عشرة مرة. قلت : قال الشيخ عبد الله اليونيني : لو أراد أنْ لا يصلّي فريضةً إلاّ في مكة لفعل » (٢).

سماع الأعمش من حبيب بن أبي ثابت حديث الثقلين :

وثمة تشكيك آخر لا أساس له من « الدكتور ».

يقول : « والأعمش وحبيب من الثقات ، وثبت سماع الأعمش من حبيب ، وسماع حبيب من زيد بن أرقم ، إلا أنّ في هذه الرّواية لم يثبت السّماع ».

أقول :

في هذه العبارة أمور :

١ ـ الاعتراف بوثاقة الأعمش وحبيب بن أبي ثابت. وحينئذٍ لا يضر كونهما مدلّسين ، إذ لو كان تدليسهما مضراً بالوثاقة لما وثّقهما.

٢ ـ الاعتراف بسماع الأعمش من حبيب ، وسماع حبيب من زيد.

٣ ـ دعوى أنه في هذه الرواية لم يثبت السّماع !! فما الدليل ؟

__________________

(١) صفة الصفوة ٤ / ٢٩٣.

(٢) شذرات الذهب ٥ / ٢١١.

١٠١

لقد أخرج حديث الثقلين الحافظ النسائي بإسناده عن الأعمش عن حبيب عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم (١).

وأورده الحافظ ابن كثير عن النسائي في سننه ثم قال : « قال شيخننا أبو عبد الله الذهبي : هذا حديث صحيح » (٢).

وأخرجه الحاكم بثلاثة طرق عن يحيى بن حماد ، في أحدها عبد الله بن أحمد عن أبيه ، قال : « ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال : ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ... » ثم صححه هو الذهبي على شرط الشيخين (٣).

وأخرجه الحاكم في « ذكر زيد بن أرقم الانصاري » من كتاب « معرفة الصحابة » من ( مستدركه ) بإسناده عن حبيب عن يحيى بن جعدة عن زيد ، وصحّحه هو والذهبي على شرط الشيخين ، وقد تقدّم لفظه (٤).

وقال الحافظ السخاوي في كتابه الجليل ( استجلاب ارتقاء الغرف ). بعد تفسير قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) : « وإذْ قد بان لك الصحيح في تفسير هذه الآية فأقول : قد جاءت الوصيّة الصريحة بأهل البيت في غيرها من الأحاديث ، فعن سليمان بن مهران الأعمش عن عطيّة بن سعد العوفي وجبيب بن أبي ثابت ، أوّلهما عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه وثانيهما عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : إني تارك فيكم الثقلين ، ما انْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي ...

أخرجه الترمذي في جامعه وقال : حسن غريب ».

__________________

(١) خصائص علي. رقم الحديث : ٧٩.

(٢) البداية والنهاية ٥ / ٢٠٩.

(٣) المستدرك ٣ / ١٠٩.

(٤) المستدرك ٣ / ٥٣٣.

١٠٢

أقول :

فلماذا يفضح « الدكتور » نفسه ؟! ليقال عنه : إنّه إمّا جاهل واما متجاهل ؟!

حول الحاكم وروايات حديث الثقلين :

وتعرّض « الدكتور » للحديث في المستدرك ، فقال :

« وفي المستدرك ، روى الحاكم هذا الحديث بما يفيد سماع الأعمش من حبيب ، وهذا يحتاج إلى مراجعة الاسناد الذي ذكره ، وما أكثر رجاله ، غير أنّا لسنا مضطرّين الى بذل هذا الجهد ، فإنْ ثبت سماع الأعمش بقي أكثر من موطن ضعف.

والحاكم ذكر الحديث بروايتين احداهما في اسنادها الامام أحمد بن حنبل. وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن تيمية. والأخرى بيّن الذهبي وهي إسنادها ».

أقول :

أولاً : ذكر « الدكتور » في هذا الموضع في الهامش مترجماً الحاكم ما هذا نصه :

« هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري. ولد سنة ٣٢١ ه‍. قال عنه ابن حجر في لسان الميزان : إمام صدوق ولكنّه يصحّح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من ذلك. فما أدري هل خفيت عليه ؟ فما هو ممن يجهل ذلك ، وانْ علم فهو خيانة عظيمة.

ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرّض للشيخين. والحاكم أجلّ قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكراً من أنْ يذكر في الضعفاء. لكنْ قيل في الاعتذار عنه أنّه

١٠٣

عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره. وذكر بعضهم أنه حصل له تغيّر في غفلة في آخر عمره. ويدل على ذلك : أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له ، وقطع بترك الرواية عنهم ، ومنع من الاحتجاج بهم. ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصحّحها ».

وقال « الدكتور » في هامش الصفحة ـ ٢٦ ـ : « راجع ما ذكرناه من قبل عن الحاكم ومستدركه ، وعن روايتيه لهذا الحديث ».

وخلاصة كلامه بترجمة الحاكم هو الطعن فيه وفي كتابه ، لكن الملاحظ :

١ ـ إنّه في الصفحة ـ ١١ ـ نقل عن ( فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ) رواية عن أبي هريرة ... وكتم المصدر الذي نقل عنه الرواية في فيض القدير ، وقد ذكرنا سابقاً أنّه مستدرك الحاكم ، ونظرنا في سنده على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل ...

فإذا كان حال الحاكم وكتابه كما ذكر عن ابن حجر واعتمده فلماذا احتّج بحديثه هناك مع محاولة التكتّم على اسمه ؟

٢ ـ إنّه حرّف كلام الحافظ ابن حجر ! وقد نقلناها سابقاً كاملةً ! لقد جاءت عبارة « الدكتور » : « ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرّض للشيخين ، والحاكم أجل ... » إلا أنّ بين كلمة « الشيخين » وكلمة « والحاكم » يوجد ما يلي :

« وقد قال أبو طاهر : سألت إسماعيل بن عبد الله الأنصاري عن الحاكم أبي عبدالله. فقال إمام في الحديث رافضي خبيث.

قلت : إن الله يحبّ الانصاف ! ما الرجل رافضي ، بل شيعي فقط. ومن شقاشقه قوله ...

فأما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه. مات سنة ٤٠٥ ».

١٠٤

هذا ، والسّبب في الطعن في الحاكم وكتابه والاقتصار على ما جاء في لسان الميزان ـ مع التحريف لكلام ابن حجر ـ هو إسقاط حديث الثقلين المخرّج في المستدرك عن الاحتجاج كما لا يخفى.

٣ ـ لكن الاحتجاج برواية الحاكم صحيح ، لأنّهم قدّموا كتاب ( المستدرك ) حتى على مثل ( الموطّأ ) كما عرفت سابقاً ، وأثنوا على الحاكم نفسه من حيث الصدق والمعرفة بالحديث بما لا مزيد عليه :

قال ابن خلكان : « إمام أهل الحديث في عصره ، والمؤلّف فيه الكتب التي لم يسبق إلى مثلها. كان عالماً عارفاً واسع العلم » (١).

وقال الذهبي : « الحاكم الحافظ الكبير إمام المحدثين ... » (٢).

وقال : « برع في معرفة الحديث وفنونه ، وصنّف التصانيف الكثيرة ، وانتهت إليه رئاسة الفن بخراسان ، لا بل في الدنيا ، وكان فيه تشيع وحط على معاوية ، وهو ثقة حجة » (٣).

وقال السّيوطي : « الحاكم الحافظ الكبير إمام المحدثين. وكان إمام عصره في الحديث ، العارف به حق معرفته ، صالحاً ثقة ، يميل الى التشيع » ثم ذكر الثناء عليه عن غير واحد (٤).

وقال ابن قاضي شهبة : « قال الخطيب البغدادي : كان ثقة ، وكان يميل الى التشيع. قال الذهبي : هو معظّم للشيخين بيقين ولذي النورين ، وإنما تكلّم في معاوية فأوذي » (٥).

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣ /.

(٢) تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٣٩.

(٣) العبر في خبر من غبر ٢ / ٢١٠.

(٤) طبقات الحفّاظ : ٤١٠.

(٥) طبقات الشافعية ١ / ١٩٨.

١٠٥

وقال ابن الجزري : « وكان إماماً ثقةً صدوقاً » (١).

ومن مصادر ترجمته أيضاً : الوافي بالوفيات ٣ / ٣٢٠ ، طبقات الشافعية للسبكي ٤ / ١٥٥ ، النجوم الزاهرة ٤ / ٢٣٨ ، مرآة الجنان ٣ / ١٤ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٤٤ ، شذرات الذهب ٣ / ١٧٦ ، الجواهر المضية ٢ / ٦٥ ، المنتظم ٧ / ٢٧٤ ، تاريخ ابن كثير ١١ / ٣٥٥ ... وغيرها.

ثانياً : ماذا يعني من قوله : « والحاكم ذكر الحديث بروايتين ... » ؟ في هذا الموضع خيانة عظيمة أو جهل مفرط. وبيان ذلك أنّه :

إنْ أراد رواية الأعمش عن حبيب عن زيد ، فليس إلا رواية واحدة.

وإن أراد ذكر الحاكم الحديث مطلقاً ، فليس بروايتين بل بأربعة روايات :

إحداها : ما أخرجه عن أبي عوانة عن الأعمش عن حبيب عن زيد (٢).

والثانية : ما أخرجه عن حسان بن ابراهيم الكرماني عن محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن زيد (٣).

والثالثة : ما أخرجه عن أبي نعيم عن كامل أبو العلاء عن حبيب عن يحيى بن جعدة عن زيد (٤).

والرابعة : ما أخرجه بقوله : « حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن مصلح الفقيه بالري ، ثنا محمد بن أيوب ، ثنا يحيى بن المغيرة السعدي ، ثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الحسن بن عبد الله النخعي ، عن مسلم بن صبيح ، عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ، وانهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض.

__________________

(١) طبقات القراء ١ / ١٨٥.

(٢) المستدرك ٣ / ١٠٩.

(٣) المستدرك ٣ / ١١٠.

(٤) المستدرك ٣ / ٥٣٣.

١٠٦

هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (١).

ووافقه الذهبي على التصحيح ووضع علامة الشيخين في آخر الحديث في تلخيصه.

فالثالثة والرابعة كتمهما « الدكتور » أو جَهِلَ بهما ؟!.

النّظر في مناقشة سند روايات الحاكم :

وثالثاً : يقول « الدكتور » وهو يقصد مناقشة سند ما أخرجه الحاكم بعد أن قال بأنه ذكر روايتين :

« إحداهما : في إسنادها الامام أحمد بن حنبل. وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن تيمية. والأخرى بيّن الذهبي وهي إسنادها ».

أقول :

هنا أيضاً خيانة أو جهل !!

أمّا أولاً :

فلأنّ إحداهما ـ وهو الذي عن الاعمش عن حبيب عن زيد ـ قد أخرجه الحاكم بثلاثة طرق.

وأمّا ثانياً :

فلأن أحمد بن حنبل في إسناد طريق واحدٍ من الطرق الثلاثة دون الطريقين الآخرين !!

__________________

(١) المستدرك ٣ / ١٤٨.

١٠٧

وإنْ كنت في ريبٍ فهذه عبارة الحاكم :

« حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد ، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي ، ثنا يحيى بن حماد.

وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار ، قالا : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا يحيى بن حماد.

وثنا أحمد بن سهل الفقيه ببخارى ، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي ، ثنا خلف بن سالم المخرمي ، ثنا يحيى بن حماد.

ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال : ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال : لمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحاتٍ فقممن فقال : كأني قد دعيت فأجبت ، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله تعالى وعترتي. فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ ! الحوض. ثم قال : ان الله عزّ وجل مولاي وأنا مولى كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي رضي‌الله‌عنه فقال : من كنت مولاه فهذا وليّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وذكر الحديث بطوله. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ».

ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه على تصحيحه (١).

وأمّا ثالثاً :

فلأنّ ! أحمد بن حنبل لم يضعّف الحديث !

يقول « الدكتور » : وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن يتميّة »

__________________

(١) المستدرك ٣ / ١٠٩.

١٠٨

مشيراً إلى قوله في الصفحة ـ ٢٥ ـ نقلاً عن منهاج السنة ٤ / ١٠٥.

« وشيخ الإسلام ابن تيميّة رفض هذا الحديث وقال : وقد سئل عنه أحمد ابن حنبل فضعّفه ، وضعّفه غير واحدٍ من أهل العلم وقالوا : لا يصح ».

لكنّا قد ذكرنا كلام ابن تيميّة في فصل ( حديث الثقلين والمحاولات السقيمة ) وتكلّمنا عليه.

وأمّا رابعاً :

فلأنّ أحمد ـ لو كان منه تضعيف ـ فقد ضعّف جملة : « وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » هذه الجملة التي وردت في رواية الترمذي. فأحمد ليس مضعّفاً للحديث ، كما أن ابن تيمية أيضاً ليس برافض للحديث ... وقد أوردنا سابقاً كلام ابن تيمية وما نسبه إلى أحمد ، وتكلّمنا عليه هناك ، فراجع.

وأمّا خامساً :

فلأنَّ الذّهبي ـ الذي اعتمد عليه « الدكتور » في غير موضع ، وفي مناقشته الرواية الثانية وستعلم ما فيها من النظر ـ وافق الحاكم في تصحيح هذه الرواية على شرط الشيخين ... ولو كان هناك من أحمد أو غيره من الأئمة كلام في إسناد هذه الرواية لأشار إليه ، كما فعل بالنسبة إلى الرواية الثانية.

وأمّا سادساً :

فلأنّ الذهبي أخرج الرواية الثانية بقوله : « حسّان بن إبراهيم الكرماني ، ثنا محمد بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه عن الطفيل عامر بن واثلة أنّه سمع زيد بن أرقم ... » فلم يقل إلاّ : « لم يخرجا لمحمد وقد وهّاه السّعدي ».

فالذهبي لم يطعن في رجال الإسناد وإنّما قال بعد رواية الحديث : « قلت : لم يخرجا لمحمّد ، وقد وهّاه السعدي » وهذا غير صريح في أنه يطعن في « محمد

١٠٩

ابن سلمة » ومن المستبعد أن يقلّد الذهبي السّعديّ الجوزجاني وقد أورده في ( ميزان الاعتدال ) فقال : نقلاً عن ابن عدي : « كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي رضي‌الله‌عنه » (١).

وقال ابن حجر : « وممن ينبغي أنْ يتوقّف في قبول قوله في الجرح : من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في إعتقاد ، فإن الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب ، وذلك الشدّة انحرافه في النصف وشهرة أهلها بالتشيّع ... » (٢).

وقد تقدّم كلام ابن حجر في مقدمة فتح الباري حول الرجل. وانّ شئت المزيد فراجع ترجمته (٣).

وأمّا سابعاً :

فلأنّ الرواية الثالثة ـ التي أخفاها « الدكتور » أو جهل بها ـ قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه » ووافقه الذهبي بصراحةٍ ... وقد تقدم نصّها سابقاً.

والرواية الرابعة ـ التي أخفاها « الدكتور » أو جهل بها كذلك ـ صحيحة عندهما ، وقد تقدم نصّها قريباً.

ترجمة القاسم بن حسّان العامري :

يقول « الدكتور » :

« ٣ ـ القاسم بن حسان العامري الكوفي ، روى الروايتين الخامسة والسادسة

__________________

(١) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ١ / ٧٦.

(٢) لسان الميزان ١ / ١٦.

(٣) تهذيب التهذيب ١ / ١٥٨.

١١٠

من المسند عن زيد بن ثابت. ورجّح المرحوم الشيخ أحمد شاكر توثيقه وقال : « وثقه أحمد بن صالح وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وذكر البخاري في الكبير اسمه فقط. ولم يذكر عنه شيئاً ، وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل فلم يذكر فيه جرحاً. ثم نقل عن المنذري أن البخاري قال : القاسم بن حسان ، سمع من زيد ، بن ثابت. وعن عمّه عبد الرحمن بن حرملة ، وروى عن الركين بن الربيع ، لم يصح حديثه في الكوفيين. ثم عقّب شاكر على هذا بقوله : والذي نقله المنذري في شأن القاسم بن حسان لا أدري من أين جاء به ... ».

قال « الدكتور » بعد نقل كلام الشيخ المذكور الذي نصّ على خطأ المنذري في نسبه الطعن إلى البخاري : « وفي توثيق القاسم بن حسان نظر ، فابن حبّان ذكره أيضاً في أتباع التابعين ومقتضاه أنه لم يسمع من زيد بن ثابت. وقال ابن القطان لا يعرف حاله » وقال في الهامش : انظر ترجمته في تهذيب التهذيب.

ثم حاول الدّفاع عن المنذري مدّعياً أنّ للبخاري كتاباً كبيراً في الضعفاء يقع في تسعة أجزاء ، وهو مخطوط ، ولا توجد منه نسخ في مصر ، فلِمَ لا يكون المنذري نقل منه ؟

ونقول :

لقد نظرنا إلى ترجمة القاسم في تهذيب التهذيب كما أمر « الدكتور » فوجدناها كما يلي :

« د س ـ أبي داود والنسائي : القاسم بن حسان العامري الكوفي :

روى عن : أبيه ، وعمه عبد الرحمن بن حرملة ، وزيد بن ثابت ، وفلفلة الجعفي.

وعنه : الركين بن الربيع ، والوليد بن قيس السكوني والد أبي بدر.

١١١

ذكره ابن حبّان في الثقات.

قلت : في أتباع التابعين ، ومقتضاه أنه لم يسمع من زيد بن ثابت. ثم وجدته قد ذكره في التابعين أيضاً.

وقال ابن شاهين في الثقات : قال أحمد بن صالح : ثقة.

وقال ابن القطاّن : لا يعرف حاله ».

وهذا آخر ترجمته في تهذيب التهذيب (١). وخلاصتها أنّه ثقة عند : ابن حبان ، وأحمد بن صالح ، وابن شاهين ... فأين الجرح ؟ ومن الجارح ؟

ان قول ابن القطاّن : « لا يعرف حاله » ليس بجرحٍ ولا يعارض توثيق ابن حبان وأحمد بن صالح ، وابن شاهين ، لأنه جاهل بحال الرجل وأولئك عارفون !

وصريح عبارة ابن حجر : أن ابن حبان ذكره في الثقات في أتباع التابعين ومقتضاه أنّه لم يسمع عن زيد بن ثابت ، قال : ثم وجدته قد ذكره في التابعيين أيضاً. أي : فمقتضاه أنّه سمع من زيد بن ثابت ومن التابعين ...

ولا يخفى نقل « الدكتور » كلام ابن حجر بعبارةٍ موهمة !!

وإذْ رأيت أن لا جارح للرّجل ، والبخاري ـ كما ذكر الشيخ شاكر ـ لم يذكر عنه شيئاً في تاريخه الكبير ، ولم يترجمه في الصغير ، ولم يذكره في الضعفاء ، وأيضاً : لم ينقل عنه أحد شيئاً في الرّجل ، إلاّ المنذري ، فيقول شاكر : « وهم فأخطأ » ويقول « الدكتور » : لِمَ لا يكون المنذري نقل من كتاب مخطوطٍ للبخاري ؟ لكنّ هذا الكتاب لم يره لا هو ، ولا الشيخ شاكر ، ولا ابن حجر العسقلاني ، ولا غيرهم ، ولا توجد منه نسخة في مصر ، ولم يطّلع عليه المحققون عن الكتب التراثية ، ولا أصحاب دور النشر المحيون لآثار القدماء ...؟!!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ / ٢٧٩.

١١٢

روايات زيد بن الحسن الأنماطي :

وناقش « الدكتور » سند الرواية الأولى من روايتي الترمذي بأنّ « في سندها : زيد بن الحسن الأنماطي الكوفي. الذي روى عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر ابن عبدالله.

قال أبو حاتم عن زيد هذا : كوفي ، قدم بغداد ، منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال.

وخطبة الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في خطبة الوداع رواها مسلم بسند صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر ، وليس فيها ( وعترتي أهل بيتي ) راجع صحيح مسلم ـ كتاب الحج ـ باب حجة النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم.

وهذه الخطبة رويت عن جابر بطرقٍ متعددة في مختلف كتب السنة وليس فيها جميعاً ذكر لهذه الزيادة ».

نقول :

سواء رويت هذه الخطبة كما ذكر « الدكتور » أو ، لا (١) ، فإنّ العمدة أنْ تكون رواية الترمذي هذه المشتملة على « وعترتي أهل بيتي » معتبرةً سنداً ، فإنّها حينئذٍ يحتج بها ويستند إليها ، بل تكون قرينةً لكلّ روايةٍ معتبرةٍ ـ بالفرض ـ خاليةٍ عن هذه الجملة المباركة ...

لكن ( زيد بن الحسن ) روى حديث الثقلين برواياتٍ ثلاث :

الأولى : عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام عن جابر قال : رأيت

__________________

(١) لاحظ فصل : حديث الثقلين والمحاولات السقيمة.

١١٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته يوم عرفة ـ وهو على ناقته القصوى ـ فخطب فسمعته وهو يقول : أيها الناس قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

أخرجه الترمذي. وأخرجه الحافظ الطبراني عن مطين عن نصر بن عبد الرحمن عنه (١).

الثانية : عن معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « أيها الناس إنّي فرط لكم ، وإنكم واردون عليَّ الحوض ، حوض أعرض ما بين صنعاء وبصرى ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما : السبب الأكبر كتاب الله عزّ وجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليَّ الحوض ».

أخرجه الحافظ أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي صاحب المسند الكبير المتوفي سنة ٣٠٣ عن نصر بن عبد الرحمن عنه.

وأخرجه الحافظ أبو نعيم الاصفهاني في ترجمة حذيفة بن أسيد عن شيخه محمد بن أحمد بن حمدان عن الحسن بن سفيان.

وأخرجه الحافظ الطبراني بطريقين :

عن محمد بن الفضل السقطي عن سعيد بن سليمان عن زيد بن الحسن الأنماطي. وعن مطين وزكريا بن يحيى الساجي عن نصر بن عبد الرحمن عنه.

وأورده الحافظ الهيثمي في مناقب أهل البيت عن الحافظ الطبراني وقال :

__________________

(١) صحيح الترمذي ٥ / ٦٢١.

١١٤

« وفيه : زيد بن الحسن الأنماطي. وثّقة ابن حبّان. وبقيّة رجال أحد الاسنادين ثقات ».

الثالثة : روى زيد بن الحسن حديث الثقلين عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد قال : لمّا صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجراتٍ بالبطحاء متقاربات أنْ ينزلوا تحتهنَّ ، ثم بعث إليهنَّ فقمَّ ما تحتهنَّ من الشوك ، وعمد إليهنَّ فصلى تحتهنَّ ثم قال فقال :

أيها الناس ، إني قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله ، وإني لأظنّ أني موشك أنْ أدعى فأجيب ، وإني مسؤول وإنّكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ؟

قالوا : نشهد أنك قد بلَّغت وجهدت ونصحت ، فجزاك الله خيراً.

فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن جنّته حق وناره حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ؟

قالوا : بلى نشهد بذلك.

قال : اللهم اشهد. ثم قال :

أيها الناس ، إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً رضي‌الله‌عنه ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

ثم قال : يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض ، حوض أعرض ما بين بصرى وصنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب الله عزّوجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا.

١١٥

وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبّأني اللطيف أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليَّ الحوض ».

أخرجه الحافظ الطبراني بطريقين فقال :

« حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ( هو مطين ) وزكريا بن يحيى الساجي قالا : نا نصر بن عبد الرحمن الوشاء.

وحدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري ، نا سعيد بن سليمان الواسطي قالا :

نا زيد بن الحسن الأنماطي ، نا معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري » (١).

وأورده عن الطبراني كلِّ من :

الحافظ أبو بكر الهيثمي (٢).

والحافظ ابن حجر المكي (٣).

والحلبي صاحب السيرة النبوية (٤).

وأخرج هذا الحديث الحافظ ابن عساكر ، قال :

« أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن المزرفي ، أنبأنا أبو الحسين ابن المهتدي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن الحسن ( هو الدارقطني ) أنبأنا العباس بن أحمد البرتي ، أنبأنا نصر بن عبد الرحمن أبو سليمان الوشاء ، أنبأنا زيد بن الحسن الأنماطي ... » (٥).

__________________

(١) المعجم الكبير ٣ / رقم ٣٠٥٢.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٥.

(٣) الصواعق المحرقة : ٢٥.

(٤) انسان العيون ٣ / ٣٠١.

(٥) تاريخ دمشق. ترجمة أمير المؤمنين ١ / ٤٥.

١١٦

وأورده الحافظ ابن كثير عن الحافظ ابن عساكر (١).

فوائد ذكر روايات زيد بن الحسن :

وإنّما ذكرنا روايات زيد بن الحسن هذه لفوائد :

١ ـ ليعلم أنّ روايته ليست منحصرةً بما جاء في الترمذي.

٢ ـ ليعلم أنّ الترمذي غير منفرد بالذي أخرجه عنه ، فقد أخرجه الحافظ الطبراني عن الحافظ مطين عن نصر بن عبد الرحمن عن زيد بن الحسن ...

٣ ـ ليعرف الرواة والمخرجون لرواياته من رجال الحديث وكبار الحفاظ.

٤ ـ ليعلم رواية حذيفة بن أسيد من روايات الصحابة الذين ذكرهم الترمذي بقوله : « وفي الباب عن : أبي ذر ، وأبي سعيد ، وزيد بن أرقم ، وحذيفة بن أسيد » (٢).

٥ ـ وليعلم رواية « سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم » الذين قال الترمذي : « وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحدٍ من أهل العلم » (٣).

فهذا شأن زيد بن الحسن بين الرّواة والحفّاظ المحدثين ...

ترجمة زيد بن الحسن :

ولم يتكلّم « الدكتور » في سند رواية الترمذي عن زيد بن الحسن إلا في ( زيد بن الحسن ) نفسه. ولم يقل إلا « قال أبو حاتم عن زيد هذا : كوفي قدم بغداد منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات » ثم أمر بالنظر بترجمته من تهذيب التهذيب

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ / ٩.

(٢) هذه الجملة لم يذكرها « الدكتور » !!

(٣) وهذه الجملة لم يذكرها « الدكتور ».

١١٧

وميزان الاعتدال.

فنقول :

قد راجعنا ترجمته في تهذيب التهذيب فوجدناها كما يلي :

« ت ـ الترمذي. زيد بن الحسن القرشي أبو الحسن الكوفي ، صاحب الأنماط. روى عن : جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، ومعروف بن خربوذ ، وعلي بن المبارك الهنائي.

وعنه : إسحاق بن راهويه ، وسعيد بن سليمان الواسطي ، وعلي بن المديني ، ونصر بن عبد الرحمن الوشاء ، ونصر بن مزاحم.

قال أبو حاتم : كوفي قدم بغداد منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الترمذي حديثاً واحداً في الحج » (١).

فقد ذكر ابن حجر أسماء جماعةٍ من الأئمة رووا عن زيد بن الحسن ـ وهو ما نصَّ عليه الترمذي من قبل ـ وأن ابن حبان ذكره في الثقات.

ويبقى قول أبي حاتم : « منكر الحديث » وهو غير مسموع :

أمّا أولاً : فلأنّه لو كان منكر الحديث لما أخرج عنه هؤلاء الأئمة : كابن راهويه ، وابن المديني ، وسعيد بن سليمان ، والترمذي ...

وأمّا ثانياً : فلأنّ « أبا حاتم » متعنّت في الرّجال ، ولا يبنى على تجريحه كما نصَّ عليه الحافظ الذهبي بترجمته حيث قال :

« إذا وثّق أبو حاتم رجلاً فتمسك بقوله ، فإنّه لا يوثّق إلا رجلاً صحيح الحديث ، وإذا ليّن رجلاً أو قال فيه : لا يحتج به. فلا. توقّف حتى ترى ما قال غيره

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٣ / ٣٥٠.

١١٨

فيه. وإنْ وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنه متعنّت في الرجال ، قد قال في طائفةٍ من رجال الصحاح : ليس بحجة ، ليس بقوي ، أو نحو ذلك » (١).

وقال الذهبي بترجمة أبي زرعة الرازي : « يعجبني كثيراً كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل ، يبين عليه الورع والخبرة. بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنه جرّاح » (٢).

حول رأي ابن الجوزي في حديث الثقلين :

وبعد :

فقد تحقق أنّ حديث الثقلين من الأحاديث الثابت صدورها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نصَّ على صحته وثقة رواته كبار الأئمة والحفّاظ المعتمدين عند القوم.

ولهذا تراهم ينبّهون على وهم الحافظ ابن الجوزي بذكره الحديث في كتابه ( العلل المتناهية ) قال ابن حجر المكي : « وذكر ابن الجوزي لذلك في ( العلل المتناهية ) وهم أو غفلة عن استحضار بقيّة طرقه ، بل في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال ذلك يوم غدير خم » ! (٣).

وأيضاً : يحذّرون من أن يغتر أحد بصنيعه فيقول الحافظ السّمهودي : « ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية ) ! فإيّاك أنْ تغترَّ به ، وكأنّه لم يستحضره حينئذٍ » ! (٤).

ومن هنا يظهر : أنّ ما فعله ابن الجوزي لا قيمة له ولا يعبأ به ، وأن مقتضى

__________________

(١) سير أعلام النبلاء « ترجمة أبي حاتم » ١٣ / ٢٤٧.

(٢) سير أعلام النبلاء « ترجمة أبي زرعه » ١٣ / ٦٥.

(٣) الصواعق المحرقة : ٩٠.

(٤) جواهر العقدين ـ مخطوط ـ وعندنا منه نسخة مصورة.

١١٩

حسن الظنّ به أنْ يقال : لم يستحضره !

وقد يقوى حمله على الصّحة بما إذا علمنا أنّه نفسه يروي هذا الحديث الشّريف في كتابه في الروايات ( المسلسلات ) (١) حيث جاء فيه :

« الحديث الخامس : أنا محمد بن ناصر قال : أنا محمد بن علي بن ميمون ، قال : أنا أبو عبد الله محمد بن علي العلوي قال : ثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي قال : ثنا الحسين بن محمد القراري قال : ثنا الحسن بن علي بن بزيع قال : ثنا يحيى بن حسن بن فرات قال : ثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن الحارث بن حصيرة عن صخر بن الحكم عن حبان بن الحارث الأزدي عن الربيع بن جميل الضبي عن مالك بن ضمرة :

عن أبي بكر : ان رسول الله قال : يرد عليَّ الحوض راية علي أمير المؤمنين وإمام الغر المحجلين ، وأقدم وآخذ بيده في بياض وجهه ووجوه أصحابه فأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : تبعنا الأكبر وصدّقناه ، ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه. فأقول : ردوا رواءً. فيشربون شربةً لا يضمأون بعدها أبداً ، وجه إمامهم كالشمس الطالعة ، ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجمٍ في السماء ».

هذا ، وسنتعرّض عن قريب لبعض كلمات العلماء الصرّيحة في عدم الاعتداد بآراء ابن الجوزي في الأحاديث والرجال ...

والواقع :

إنّ ابن الجوزي ذكر حديث الثقلين بسندٍ له عن عطيّة عن أبي سعيد في كتابه الذي ألّفه في الأحاديث الضعيفة بزعمه وأسماه ب‍ ( العلل المتناهية في الأحاديث

__________________

(١) نسخة دار الكتب الظاهرية ، وهي نسخة قديمة رقم : ٣٧ ق ٦ ـ ٢٧. أنظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية ( فهرس حديث ص ٤٠ ) وهذا الحديث في الورقة ٨ أ ـ ب.

١٢٠