موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

١
٢

٣
٤

استدرك المؤلف على الجزء السادس ، ووضع تعليقات ألحقها بالجزء السابع ، قال :

«المرء معرض للنقص والسهو أو لا تتيسر له الإحاطة ولا الاستيعاب للمباحث ، لا سيما الحوادث التاريخية ، وبالتعليق والاستدراك يتلافى بعض النقص ويراعى إصلاح الخطأ. فيستدرك ما فات. ويصحّح الخطأ».

وقد رأينا أن نضع فقرات هذه الاستدراكات والتعليقات في مواضعها من هذا الجزء. كما فعلنا في الأجزاء السابقة.

وقد ألحق المؤلف بهذا الجزء تعليقات واستدراكات على الجزأين الرابع والخامس سماها «الملحق الخامس» وقد رأينا أن نضمها إلى الجزأين المذكورين.

الدار العربية للموسوعات

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد فهذه صفحة أخرى تالية لما سبقها من بيان حياتنا الماضية وتطورها ، كاشفة عما اتصل بنا من حوادث. وهدفنا أن نتطلع إلى وجوه الانتفاع وإلى ما طرق من مضايق حرجة وما اتخذ من مخارج ، أو ندرك الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في حالات الهدوء والاضطراب ...

وتخص تلك الحوادث أيام (المماليك) المعروفين بـ (الكولات). نرى المطالب فيها أوسع والعلاقات أكمل وأتم. جاءتنا فيها الوثائق أكثر. وتبينت لنا الحالة أوضح لقرب العهد منا. وفيها من السياسة ضروب ، ومن الاتجاهات أنواع. ومثلها في الثقافة ما لا يقل شأنا. وهكذا سائر الأحوال مما يدعو إلى الانتباه والمعرفة الحقة بالرغم مما يحوطها من الاتجاهات.

وحوادثها من سنة ١١٦٢ ه‍ ـ ١٧٤٩ م إلى سنة ١٢٤٧ ه‍ ـ ١٨٣١ م. وتعد زمن نهضة وأملنا أن تكون هذه المباحث عند رغبة الأفاضل.

٧

نظرة عامة

حكومة المماليك أثرت على العراق سياسيا وثقافيا. فبرزت أهميتها كبيرة بما شوهد من وقائع. فخلدت لها ذكرا ، وأظهرت العراق مرة أخرى ، وإن كانت لم تتوافر لها الدوافع السياسية والبواعث الاجتماعية والاقتصادية ، من كل وجه.

وهذا العهد يهمّ كثيرا في إدراته ، وفي نفسيات أهليه ، وما اكتسب من العظمة في أوضاع جرت فيه ، أو فرضت عليه من سياسة مشى عليها الحاكمون أو جموح من الأهلين ، وهكذا ما كان من اتصالات بالخارج وعلاقات اقتصادية وحربية ... أو ما حصل من ثقافة.

استعان الوزير حسن باشا وابنه أحمد باشا (بالمماليك). فأكثروا منهم لتقوية سلطانهم وللقضاء على (الينگچرية) وتحكمهاتهم بالولاة وبالدولة ، فتمكنوا من هذه الادارة إلا أن السلطة حولت إليهم. ذاق المماليك حلاوة الحكم ، وشعروا بالقدرة ، فخلفوا أسيادهم في سلطانهم ولم يحصل من التبدل إلا أن يعلنوا ادارتهم. أرغموا الدولة أن تصادق على الأمر الواقع. وتسلطوا على الأهلين فأذعن العراق بالطاعة.

رغبوا في الحكم. وكان بأيديهم. فهم بين أن يتمشوا والإدارة الأهلية فيجدوا أكبر مناصر ، وبين أن يرعوا مطالب الدولة إلا أنهم كانوا في ريب منها. وفي كلتا الحالتين لم يجدوا الأمر مكفولا ، فليس لهم قدرة النضال ، وليس من الميسور أن تقبل الدولة الانقياد الظاهري أو أن تدع مجالا لأحد أن يتدخل في ادارتها. والأهلون بالمرصاد.

قرروا بعد تلوّم أن يجروا على خطة أحمد باشا في تسلطه وانقياده الظاهري للدولة دون معاكسة الأهلين ، فصرفوا الهمة إلى ارضاء الناحيتين مع مراعاة الحيلولة دون اتفاقهما. أبدوا الطاعة للدولة. وفي الوقت نفسه حاربوا الوالي المبعوث منها. وكان وضع الدولة آنئذ أن لا

٨

تحرك ساكنا حذرا من تكرر واقعة (بكر صوباشي) ، فتتدخل ايران مرة أخرى. وكان لها من الأوضاع الحربية والحالات الطارئة ما يشغل.

لم يستطع الوالي أن يقف في وجه المماليك ، فاضطرت الدولة أن تذعن خشية توسع الخلاف ، أو أن يفرط الأمر ، فورد الفرمان وكان موقعا على البياض ، فجاء بنصب سليمان باشا وزيرا على بغداد ، وانتهت العقدة ، فتكونت (حكومة المماليك). وقبلت بما يؤديه الوالي إلى الدولة ، وانقادت اسميا بل راعت ما هو مرعي للولاة المنقادين رأسا. وكانت موافقة الدولة على مضض وشعرت بالخطر ، فحاولت بعدها محاولات عديدة للقضاء على هذه الغائلة فكانت كلها فاشلة. يتخلل ذلك وقائع أخرى غريبة ، وأحوال شاذّة وآراء مهمة ، وتدابير دقيقة. كلها تدل على حنكة. وفيها أقصى ما يمكن الركون إليه من خطط سليمة ، وآراء قويمة لا نجدها في غيرها.

دامت هذه الحكومة في جدال عنيف تارة ، وفي سياسة مصافاة ومداراة أخرى وكانت في يقظة. لم تضيع الحكمة ولا حسن الادارة في وضعها وفيما تدعو إليه الحالة. وهكذا حتى شعرت بالقدرة. فاضطرت للمقارعة الحاسمة أو المجاهرة بالمخالفة للدولة فأرادت أن تجرب طالعها فحدث ما لم يخطر ببال ، فانتهت بخذلان ذريع وانقراض تام. وإرادة الله تعالى غالبة.

ولا ننكر أن هذه الحكومة قضت أيام راحة وطمأنينة أكثر من الادارات السابقة نوعا ، وصرفت جهودا للنفع العام من احياء الحضارة والثقافة ومراعاة وسائل العمارة ، فنال القطر رفاها ، واكتسب انتظاما. وأقل ما عملوا أنهم أزالوا نفوذ الينگچرية.

والأهلون لم ينالوا نصيبا وافرا في الادارة. ولذا كانت آمالهم ضعيفة فلا قيمة للعلوم والآداب ، وإنما كانت علما لا ينفع ، وربما

٩

صارت مصيبة فكلما شعر القوم بقوة قضوا عليها. ولا شك أن حكمهم كان غريبا. رأوا مصافاة الدولة أكبر من مصافاة الشعب فمالوا إليها ، ونال الشعب الإهمال. وكان ربحه في أن يرى راحة ، ولم يجد الازعاج الذي كان. وشاهد ثقافة غير نافعة.

سيطروا على الادارة ، وتسلطوا بيد من حديد ، وكانت سيرتهم على سيرة مواليهم حسن باشا وأحمد باشا.

ونرى في هذا العهد صفحات متجددة في السياسة والادارة والثقافة جربنا القلم في موضوعها الشائك بالرغم مما بذلنا من جهد. فالوثائق كثيرة والنزعات متضاربة. فحاولنا النفوذ إلى ما وراء الستار من دقائق سياسية مكتومة ، وجردناها مما كان يخفيه العثمانيون والمماليك. وجل أملنا أن يشارك القارىء الفاضل في النتائج وإلا فلكل رأيه.

وهذا العهد ـ على قصر مدته ـ أمكن العمل فيه مع وجود المنغصات في حروب ايران ، وفي الطواعين ، وفي حروب الدولة. وكل أمر من هذه يكفي لتدمير دول وأمم ، ومع هذا سار العراق بخطوات واسعة. لم يبال بالعقبات. وهذا شأنه دائما لا يقف عند حادث ، ولا يهتم بما جرى. وإنما يفكر دائما في المستقبل.

ولا شك أن هذا التاريخ أولى بالاهتمام. فلم تنقطع صلته ، ولا تزال حوادثه المحفوظة تدور في مجالسنا ، والعراق اظهر حبه لهذا العهد لما رأى بعده من غوائل.

المراجع التاريخية

لا يخلو هذا العهد من غوامض بالرغم من تعدد المستندات التي حصلنا عليها وتكاثرها بحيث يتبادر لأول وهلة أن لم يبق خفاء. وحب التطلع يقوي الرغبة أكثر. وهذه الوثائق في الغالب صادرة من صنائع

١٠

المماليك ، أو من مؤرخي الدولة وكل منهم يستهدف سياسة خاصة يحاول فيها أن يخفي أمره أو لا يجهر بخطته بل يظهر غير المطلوب.

والتاريخ السياسي بين الكتمان والمداراة أو هو مسجّى بغشاء من المماشاة وسائر التواريخ بين المغالاة من ناقم ، أو محب مداهن وجهودنا موجهة نحو ما تيسر من تثبيت الواقع وتجريده من الميول والنزعات ، قدر المستطاع. ولم نراع رغبتنا في التوجيه ولا شعورنا في تعيين الشؤون بل كنا بوضع رسام أو مصور بلا تزويق أو تشويه.

ويهمنا أن نبصّر بعلاقة الحكومة بالأهلين ، وما هي عليه من حالات كما أن هناك علاقات خارجية لا يصح أن تهمل ، وثقافة أو آثار حضارة لا ينبغي أن تغفل.

١ ـ المراجع العراقية :

هذه يصعب احصاؤها. وبينها نتف مفرقة ، أو قصائد مفردة أو حوادث مبددة هنا وهناك. ويهمنا بيان ما كان أكثر فائدة. وغالب المؤرخين كانوا لجانب الحكومة. وأقل ما يقال فيهم التزلف.

والعربية من هذه :

١ ـ كتب الأدب. من دواوين ومجاميع وأمثالها. وفي التاريخ الأدبي أوسعنا القول فيها. ولا تخلو مما يعين بعض الوقائع فنذكر ما يتعلق منها بالتاريخ السياسي ، أو نستخلص مجمل التاريخ الثقافي.

٢ ـ الوثائق التاريخية. ونتناول منها ما كانت فائدته أشمل مثل منهل الأولياء ، وعمدة البيان ، وغرائب الأثر للعمريين ، ومطالع السعود لابن سند وسائر ما يعرض بحثه. وأما ما تأخر فإننا نتولى بحثه في حينه إلا أننا لا نغفل نصوصه.

١١

والمراجع التركية :

لا تختلف عن العربية كثيرا. ونراعي فيها ما روعي في تلك مثل تاريخ نشاطي ودوحة الوزراء وما هناك من دواوين ومجاميع معاصرة. فلا ندخل الآن في التفصيل. أما المراجع الأخرى فإننا نرجىء البحث فيها إلى حينه مثل مرآة الزوراء ، ورسائل المنتفق وحروب الايرانيين وتاريخ الكولات في تكون حكومة المماليك في بغداد وانقراضهم وطبع سنة ١٢٩٢ ه‍ باستنبول باسم (ثابت) ابن المؤلف. كل هذه للأستاذ سليمان فائق والد صاحب الفخامة الأستاذ الجليل حكمت سليمان.

٢ ـ المراجع التركية للدولة :

وهذه كثيرة. منها (التواريخ الرسمية) ، ومنها التواريخ الأخرى لمؤلفين أصحاب رغبة.

التواريخ الرسمية :

١ ـ تاريخ واصف :

تاريخ واصف المسمى بـ (محاسن الآثار وحقائق الأخبار) ، كتبه مؤلفه أحمد واصف بأمر من الدولة العثمانية أيام السلطان سليم الثالث ويحتوي على الوقائع من سنة ١١٥٦ ه‍ إلى سنة ١١٨٨ ه‍ وفيه أن العثمانيين دونوا وقائعهم على يد مؤرخيهم الرسميين إلى سنة ١١٥٦ ه‍ بصورة متصلة وكادت تضيع الوقائع أو تنعدم من ذلك التاريخ إلى سنة ١١٨٢ ه‍ فأحيل إليه أمر تحريرها وكان بوظيفة توقيعي.

ذيل به الأستاذ واصف على تاريخ سليمان عزي ونقد بعض معاصريه ومن قبله ممن تولوا تحرير الوقائع ، فعابهم في الانشاء أو في اقتصارهم على حوادث العزل والنصب وأنهم اهملوا أسباب الوقائع ومقتضيات الوقت مما تجب مراعاته.

١٢

وبيّن وقائع العراق وحوادث ايران بالاستناد إلى تقارير الوزير سليمان باشا الأول ونشر فرمان وزارته وأوضح فكرة الدولة آنئذ في إيداع الوزارة إليه ، وذكر طرفا من وقائع اليزيدية إلى آخر ما هنالك.

طبع كتابه لأول مرة في دار الطباعة العامرة باستنبول عام ١٢٠٩ ه‍ و ١٢١٠ ه‍ في شعبان المعظم كما طبع ببولاق في جمادى الثانية من سنة ١٢٤٦ ه‍ في مجلدين على ورق سميك في أربعمائة صفحة.

وعلى تاريخ واصف ذيل للمؤلف نفسه من سنة ١١٩٦ ه‍ إلى سنة ١٢٠٠ ه‍ وآخر من سنة ١٢٠٣ ه‍ إلى سنة ١٢٠٩ ه‍ لم يطبعا.

وتوفي في رجب سنة ١٢٢١ ه‍ ١٨٠٦ م (١). وترجم تاريخه إلى اللغة الفرنسية وطبع.

٢ ـ تاريخ أحمد لطفي :

هذا من الكتب التاريخية المعتبرة. تبتدىء وقائعه من سنة ١٢٤١ ه‍ وتمتد إلى ما بعد المماليك. وفيه بيان لمحارباتهم مع الدولة ، وطريقة القضاء عليهم. وحكاية الوقائع في بغداد عن مفتي بغداد الأسبق الحاج محمد أمين الزندي المتوفى يوم الخميس ١٣ صفر سنة ١٢٨٥ ه‍. ولا يخلو الأستاذ سليمان فائق من مخالفة له. اتخذ تاريخ لطفي اصلا فعارضه في كثير مما بيّن. وتوفي في سنة ١٣٢٥ ه‍ ـ ١٩٠٧ م (٢).

٣ ـ تاريخ عاصم :

في مجلدين. طبع في مطبعة الحوادث وهو لأحمد عاصم العينتابي بدأ تاريخه من أواخر سنة ١٢٢٠ ه‍ ويمتد إلى أواخر أيام السلطان سليم.

__________________

(١) عثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ١٥٩ وعثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص ٦٢.

(٢) عثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ١٥٩ وعثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص ٦٢.

١٣

والمجلد الثاني منه يبتدىء من واقعة خلع هذا السلطان وينتهي بأوائل سلطنة السلطان محمود. ثم دوّن نحو اثنتي عشرة سنة لم تبيض فأودعت إلى خلفه (شاني زاده) وتوفي في صفر سنة ١٢٣٥ ه‍ ـ ١٨١٩ م (١).

٤ ـ تاريخ شاني زاده :

هو محمد عطاء الله بن محمد صادق الشاني. يبتدىء من بقية وقائع سنة ١٢٢٣ ه‍ وينتهي بأواخر سنة ١٢٣٦ ه‍. طبع عام ١٢٨٤ ه‍ خلف أحمد عاصم العينتابي. وتوفي في سنة ١٢٤٢ ه‍ (٢).

٥ ـ أس ظفر :

للمؤرخ أسعد المتوفى سنة ١٢٦٤ ه‍. فصّل فيه الواقعة الخيرية في إلغاء الينگچرية وإزالة تكايا البكتاشية. وهو من المراجع الاصلية ، توفي سنة ١٢٦٤ ه‍ ـ ١٨٤٨ م (٣).

٦ ـ تاريخ أحمد جودت :

في اثني عشر مجلدا جعله تكملة لتاريخه العام. ويبتدىء من سنة ١١٨٨ ه‍ وينتهي بسنة ١٢٤٢ ه‍ وهو متمم لحوادث كلشن معارف متداخل بوقائع من سبقه. والكتاب مفيد ومهم ومن مصادره (دوحة الوزراء). وكانت السياسة في أيامه تحولت فهو يكتب بعد انتهاء ذلك العصر ومؤثراته. طبع مرات (٤).

وهذه التواريخ فيها من ضبط الوقائع ما لا يخفى. وبعضها جاء

__________________

(١) عثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص ٦٥ وعثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ٢٢١.

(٢) عثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص ٦٨ وعثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ٢٢١.

(٣) عثمانلي مؤلفلري ج ٣ ص ٢٤ وعثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص ٦٨.

(٤) عثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص ١١٢.

١٤

موضحا للمراجع العربية ، أو جاءت الوثائق العربية موضحة له. وفيها ما يكشف عن سياسة الدولة ، أو ما ترمي إليه من فكرة.

التواريخ الأخرى :

وأما المؤرخون الآخرون من غير الرسميين فلا تخلو تواريخهم من علاقة ببعض الوثائق ، وصلة بالوقائع ومنها تعرف وجهات النظر. كما أنها تكشف عن خبايا وحقائق لا يستهان بها. والمادة التاريخية لا تقتصر على وقت بعينه. وإنما تظهر في حالات جديدة. ولا تنجلي بعض الحوادث في حينها. وإنما الزمن كفيل بذلك.

وأشهر هذه التواريخ :

١ ـ گلشن معارف : من التواريخ العامة. مر في المجلد الخامس.

٢ ـ نتائج الوقوعات : جاء مكملا لگلشن معارف. يبتدىء من سنة ١١٨٨ ه‍ وينتهي بسنة ١٢٥٧ ه‍. وهو من تأليف السيد مصطفى باشا ناظر الدفتر الخاقاني المعروف بمنصوري زاده المتوفى سنة ١٣٠٧ ه‍. ويعد من التواريخ المعتبرة طبع ١٣٢٧ ه‍ في مطبعة الحوادث باستنبول للمرة الثانية.

والتواريخ التركية لهذا العهد عديدة. ربما تعرضنا لها عند النقل منها. والانكشاف التاريخي ظاهر من مطالعة هذه الآثار. وأما ما كان بعد هذا العصر فلا يخلو من نصوص جديدة. والترك نشروا تواريخهم ولم يقصروا.

٣ ـ المراجع الايرانية :

وهذه كثيرة إلا أن الحوادث المتعلقة بهم لهذا العهد هي حوادث الدولة الزندية. ووقائع القجارية. وإننا في هذه الحالة رأينا وثائق معاصرة. ومنها تواريخ الدولة الزندية ، وتواريخ القجارية. وأشهرها :

١٥

١ ـ مجمل التواريخ في تاريخ الزندية. تبدأ حوادثه من نادر شاه ، وهو تأليف أبي الحسن بن محمد گلستانة. كان واليا في كرمانشاه. وگلستانة ناحية في أصفهان. وهو من التواريخ المعاصرة المهمة. لم يذكر فيه تاريخ الطبع. والكتاب فيه تعليقات مهمة ، وفهارس عديدة. طبع بعناية زائدة في طهران.

٢ ـ تحفه عالم وتتمتها ، سياحة فارسية ، لعبد اللطيف بن أبي طالب الموسوي الشوشتري. فيها تعرض لوقائع سليمان باشا الكبير ويصف ما شاهد ويعين ملاحظاته المهمة طبعت في الهند في حيدر آباد سنة ١٣١٧ ه‍.

٣ ـ تاريخ گيتي گشا. لميرزا محمد صادق الموسوي الملقب بـ (نامي) مع ذيلين آخرين. طبع بتصحيح ومقدمة الأستاذ المؤرخ الفاضل سعيد نفيسي. طبع في مطبعة إقبال سنة ١٣١٧ ش. ه. وتنتهي حوادثه مع الذيلين بسنة ١٢٠٨ ه‍. ويبحث في الدولة الزندية وما يتعلق بها. عندي مخطوطة منه كتبت في ٢٠ رجب سنة ١٢٩٩ ه‍.

٤ ـ تاريخ ايران. تأليف عبد الله الرازي. طبع في طهران سنة ١٣١٧ ه‍. ش. وهو عام. ومن مباحثه ما يتعلق بالعهد الذي نكتب فيه.

٥ ـ تاريخ مختصر ايران. تأليف پاول هرن. ترجمة الدكتور رضا شفق زاده إلى الفارسية وينتهي بانتهاء الدولة الزندية طبع سنة ١٣١٤ ه‍. ش.

٦ ـ تاريخ الزندية. تأليف عبد الكريم علي ضيا الشيرازي. طبع في ليدن سنة ١٨٨٨ م وهو من التاريخ المعاصرة. ويهم كثيرا.

وفي أيام القجارية المراجع كثيرة إلا أن ما يهمنا التعرض له قليل ، محصور في بعض الوقائع. وهذه سببها أن كلتا الدولتين العثمانية والايرانية أخلدت إلى الهدوء والراحة. وما ذلك إلا لانقطاع الأمل في

١٦

التوسع من جهة وحذر أن يستغل الغربيون الأوضاع للقضاء على كل منهما.

٤ ـ المراجع للاقطار العربية :

وهذه تتأثر للحادث. وتدون بعض الوقائع المهمة. ولم نجد فيها مرجعا عاما وقل أن نرى ما يدعو إلى الأخذ. لا سيما أن الصحافة لم تتكون أو أنها تكونت بصورة ضعيفة ومتأخرة ولم تتمكن بعد.

هذا ، والاستفادة من المؤلفات التاريخية من عربية وتركية وإيرانية للتاريخ السياسي قليلة جدا. وهذا لا يمنع أن أذكر المراجع عند ما يعرض النقل في حينه. وأما الكتب المعاصرة فإنها كثيرة الغلط. ويتضح ذلك من مقابلة النصوص.

حوادث سنة ١١٦٢ ه‍ ـ ١٧٤٩ م

وزارة سليمان باشا

توصل سليمان باشا إلى (الوزارة) (١) من طريق الدعوة ، فاستهوى المماليك وغيرهم فلم يترك وسيلة ولا قصر في تدبير .. فنجح ولكن ذلك لا يفيد إذا لم تعضده قوة كبيرة تسانده. وهذا ما ركن إليه فالدعوة تشيع أن الحق معه مقرونة بتلك القوة تقهر وتمهد الطريق. فاضطرت الدولة إلى الاذعان فنال مطلوبه. ولسان حاله يقول :

أنا تابع منقاد. ولكن لا أرجع دون نيل ما عزمت عليه والحكومة لي ، والأهلون طوع ارادتي ، والعشائر منقادة ، والقوة ما ترون ، وإلا فالعاقبة وخيمة.

__________________

(١) نشاطي أوضح أن وزارته كانت سنة ١١٦٢ ه‍ وهو الصواب. وفي الجزء الخامس من هذا الكتاب تفصيل الحوادث السابقة لهذا المنصب.

١٧

فلم تر الدولة بدّا من اجابة ما طلب فحملت الخرق وسوء الادارة على الوالي السابق محمد باشا الصدر وأنهت الغائلة بإصدار فرمان الوزارة إليه في ٢٩ شوال سنة ١١٦٢ ه‍ ـ ١٧٤٩ م (١).

وجهت إليه إيالة بغداد وهو موصوف بالشجاعة والقدرة على الادارة. وكان يقال له (أبو ليلة) و (أبو سمرة) و (دواس الليل). كان صهر الوزير أحمد باشا وكتخداه. فلم يترك وسيلة ، ولا أهمل أمرا حتى أدرك أمنيته. وهذا ما جعله من أفذاذ عصره ، نالها بحق وكفاءة ولم يقو على معارضته وزير بغداد السابق في حين أنه كان من الصدور. والكل ينطق بالتسليم له.

قال الأستاذ سليمان فائق :

«عاش سليمان باشا في الخطة العراقية من حين كان مملوكا. ثم تولى منصب كتخدا فصار مرجع الخاص والعام واستمر أمدا طويلا ، وأن الدولة لم تجربه التجربة اللائقة. لكنها طمعت في دراهمه فعهدت إليه بإيالة البصرة مختارة. ومنحته رتبة الوزارة كان ذلك بأمل تبعيده عن بغداد. ثم انكشفت لها بواطن الأمر (أو رأته استغل هذا الوضع) فوقعت في ارتباك واهتمت له كأنها أصابتها غائلة أجنبية هددت سلامتها ، فأعدت فيلقا عظيما واختارت له قائدا عاما. تجاوز حدود إيالته. وسابق جيشه تأهبات الدولة فأحاط بقاعدة إيالة (بغداد) وأوقعها في خطر. ومع هذا قوبل عمله هذا بالتحسين فأنعم عليه بوزارة بغداد على هذا العمل ضميمة إلى إيالة البصرة. وما لنا إلا أن نتساءل ماذا نقول لرجال الدولة في ذلك الحين ممن رأى هذا الرأي وصوّبه لدرجة أنهم سببوا تأسيس (حكومة المماليك) فشغلوا الدولة بغائلتها مدة عصر

__________________

(١) تاريخ نشاطي.

١٨

تقريبا؟؟ اذكروا موتاكم بالخير!» ه (١).

نراه لاحظ الأشخاص ولم ينظر إلى ضعف الدولة وأنها وجدت نفسها مضطرة للقبول فعلم لما كتبه محمد باشا. وكل الإدارة كانت عيونا له فكتب هو أيضا مبديا صدقه وإخلاصه ، وأورد أدلة تدحض أقوال محمد باشا وتبرىء ساحته مما عزي إليه. وجاء مصطفى بك مصدقا لما نطق به. وهذا اختبر الحالة وشاهدها عيانا. وعرف أن لا فائدة في القراع ، فإن عواقبه وخيمة ؛ والظاهر أن مهمته أفرغت في هذا القالب.

ربح سليمان باشا المعركة في الحلة وطوّق بغداد حتى جاء إلى الكاظمية ، فوصل إلى (الشريعة البيضاء) وتبعد عن بغداد نحو ساعتين. ومن ثم كتب إلى الدولة بما جرى وأبدى أنه صادق مخلص وألح في الطلب ووعد بالقيام بما يطلب منه. وبهذا لم تر الدولة بدّا من الإذعان قسرا وتوجيه الوضع توجيها ظاهريا.

وفرمان إيالته على بغداد يتضمن :

«أنت والي البصرة سابقا سليمان باشا حدث بينك وبين والي بغداد وزيري محمد باشا من البرودة والاغبرار ما لا داعي لوقوعه وزال حسن التفاهم بينكما فتدخل قرناء السوء ، فوجدوا فرجة فخدشوا ذهنه فورد إليّ تحرير منه بذلك دعا لإصدار أوامري العلية ... إلا أنني لم أر منك لحدّ الآن من الأطوار سوى اظهار العبودية وإبراز الصداقة فتجلت لي كما أن طبعي المبارك المقرون بالصفاء والالهام الجلي حينما راجعته لم تظهر لي في مرآة حالك سوى الصدق والاخلاص. لذا إن سريرتي أبدت من صميمها حسن الظن بك. وللاطلاع على الحقيقة نوقشت المادة سرا

__________________

(١) تاريخ الكولات ص ١٠.

١٩

وعلنا فاستطلع عن أحوالك من الواقفين وعن مزاجك ومشربك من العارفين الثقات وأهل الصدق عن كافة أوضاعك فأبدى الكل صدق كلامك وعرف اخلاصك مما أبدوه عنك ... وفضلا عن هذا وافت قديما منك عدة تحارير كنت نظرتها وإن مفاهيمها انتقشت تماما في ذهني الصافي فأكدت خلوص هويتك وصدق عبوديتك فكانت مضامين تحريراتك مطابقة لما فاه به الثقات وكلها وافقت ما في أعماق قلبي. وما قيل عنك من الأقوال جزمت بأنها جميعها لا أصل لها وتيقنت بأنها خلاف الواقع. وما توجه نحوك من غضب تحول إلى ألطاف وعنايات استوجبت حسن المكافأة. ومن مكارمي التي لا حدّ لها لحسن مكافأتك أن أبقيت الوزارة والطوغ واللواء كما كانت وأنعمت عليك مجددا بإيالة بغداد وبذلك أصدرت خطّي الهمايوني المقرون بالمواهب وسيّر مع الآغا الميراخور لطرفك ووجهت إيالة روم إيلي لسلفك الوزير محمد باشا ايضا دفعا للمخاصمة وأرسلت في الحال المباشر إليها قبل ورودك. فبوصول خطّي الهمايوني المقرون بالشوكة عليك أن تنهض بكافة أهل دائرتك ومن معك من اللوندات وسواد جماعتك وتذهب إلى بغداد وتضبط المدينة وتحافظ عليها وأن تحمي أفرادها وسكانها فتعاشر الجميع بالحسنى وتبادر لإجراء الأحكام المنيفة التي ترد إليك وأن تراعي شروط الصلح مع الدولة الايرانية وتعتني بها بزيادة فتؤيد حسن ظني فيك أكثر فتصرف جهدك لتنال دعائي الخيري وتعيد إليّ ميراخوري» انتهى (١).

أبقيت له وزارة البصرة ، ووجهت إليه إيالة بغداد (٢) وجاء مصطفى

__________________

(١) تاريخ أحمد واصف ج ١ ص ١٣٧. وفي تاريخ نشاطي تفصيل ذكر فيه العشائر التي أعانت الدولة مثل شمر والعبيد والعزة وبني لام فلم ينقذوا الموقف.

(٢) تاريخ نشاطي ودوحة الوزراء ص ١٢٤.

٢٠