ليالي بيشاور

السيّد محمّد الموسوي الشيرازي

ليالي بيشاور

المؤلف:

السيّد محمّد الموسوي الشيرازي


المحقق: السيّد حسين الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الثقلين الثقافيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٩١

الشيخ عبد السلام : إذا أثبتّم بهذه الأدلّة أنّ آباء النبي (ص) من عبد الله إلى آدم كلهم كانوا مؤمنين بالله سبحانه فيتعيّن ذلك فيه ويكون من خصائصه ، فلا تشمل الأدلة والد عليّ (كرّم الله وجهه) ، فقد ثبت أنّ أبا طالب مات مشركا ولم يؤمن بالله سبحانه.

إيمان أبي طالب عليه‌السلام

قلت : نعم ... لقد اختلف المؤرخون في إيمان أبي طالب عليه‌السلام ، ولكن المحقق المنصف يعرف أنّ القول بكفر أبي طالب وشركه صادر من أعداء الإمام عليّ عليه‌السلام ومناوئيه من الخوارج والنواصب ، أرادوا بذلك الحطّ من كرامة عليّ عليه‌السلام ، وتنزيل مقامه المنيع ، وتقليل شأنه الرفيع.

ثم إن بعض الأعلام قد نقلوا هذا الخبر من غير تحقيق وتدبّر ، وتناقله آخرون من كتاب إلى كتاب بغير تعمّق وتفكّر ، حتى آل اليوم إليكم ، وأنتم تنقلونه وترسلونه إرسال المسلّمات ، ولو كنتم تتدبرون في الأخبار ، وتنقلون الروايات بعد التحقيق ، ما تفوّهتم بهذا الكلام ،

__________________

[خلقا وما خلق الوجود ، كلاهما

نوران من نور العليّ تفضّلا

في علمه المخزون مجتمعان لن

يتفرّقا أبدا ولن يتحوّلا

وتقلّبا في الساجدين وأودعا

في أطهر الأرحام ثم تنقّلا

حتى استقرّ النور نورا واحدا

في شيبة الحمد بن هاشم يجتلى

قسما لحكم ارتضاه فكان ذا

نعم الوصي وذاك أشرف مرسلا

فعليّ نفس محمد ووصيّه

وأمينه وسواه مأمون فلا]

«المترجم»

٩٠١

وما قلتم أنّ أبا طالب عليه‌السلام مات مشركا. إذ إنّ جمهور علماء الشيعة وأهل البيت عليهم‌السلام ، الذين جعلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلام الهداية وعدل القرآن الحكيم ، وكذلك كثير من أعلامكم مثل ابن أبي الحديد ، وجلال الدين السيوطي ، وابي القاسم البلخي ، والعلاّمة أبي جعفر الإسكافي ، وآخرين من أعلام المعتزلة ، والعلاّمة الهمداني الشافعي ، وابن الأثير ، وغيره ذهبوا إلى أنّ أبا طالب عليه‌السلام أسلم في حياته واعتنق الدين الحنيف ومات مؤمنا ، بل اعتقاد الشيعة في أبي طالب عليه‌السلام ، أنّه آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول الأمر ، وأمّا إيمانه بالله سبحانه كان فطريا ولم يكفر بالله طرفة عين ، وكما في الأخبار المرويّة عن أعلام العترة وأهل البيت عليهم‌السلام ، أنّه لم يعبد صنما قطّ ، وكان على دين إبراهيم الخليل عليه‌السلام وهو يعدّ من أوصيائه.

وأما قول أعلامكم ومؤرخيكم وعلمائكم المحققين منهم أنّه أسلم ، فقد قال ابن الأثير في كتاب جامع الأصول : وما أسلم من أعمام النبي غير حمزة والعبّاس وأبي طالب عند أهل البيت عليهم‌السلام.

ومن الواضح أنّ إجماع أهل البيت عليهم‌السلام مقبول عند المسلمين ولا يحق لمؤمن أن يردّه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعلهم عدل القرآن ، وأرجع إليهم المسلمين في الأمور التي يختلفون فيها ، وجعل قولهم الفصل والحجّة والحق ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا». فجعل كلام الله وأهل البيت أمانا من التيه والضّلال.

وعلى القاعدة المشهورة [أهل البيت أدرى بما في البيت ، فهم أعلم بحال آبائهم وتاريخ حياة أسلافهم.]

فالغرابة والعجب منكم إذ تتركون قول أهل البيت الطيبين عليهم‌السلام ،

٩٠٢

وتتركون قول أمير المؤمنين وسيّد الصدّيقين والصادقين الذي شهد الله ورسوله بصدقه وتقواه ، ثم تأخذون كلام المغيرة بن شعبة الفاجر وتصدقون بني أميّة والخوارج والنواصب ، المخالفين والمناوئين للإمام عليّ عليه‌السلام ، الذين دعاهم الحقد والحسد ، إلى جعل الأخبار والروايات الموضوعة ، للحطّ من كرامة الإمام عليّ عليه‌السلام وتصغير شخصيّته العظيمة. وللأسف إنّكم تتمسّكون بتلك الأخبار الموضوعة من غير تدبّر وتحقيق ، وترسلونها إرسال المسلّمات ، وتؤكّدون على صحّتها بغير علم أتاكم.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٤ / ٦٥ ، ط إحياء التراث العربي [واختلف الناس في إيمان أبي طالب ، فقالت الإمامية وأكثر الزيديّة : ما مات إلاّ مسلما. وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك ، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي ، وأبو جعفر الإسكافي ، وغيرهما.]

أقول : والمشهور عندنا أنّه ما تظاهر بالإسلام بل أخفى ذلك ليتمكّن من نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذبّ عنه ، فإنّ المشركين من أهل مكة وقريش ، كانوا يراعون ذمّته ويقفون عند حدّهم إذا نظروا إليه ، فكانوا يهابون ، ويعظّمون جانبه إذ كانوا يحسبونه منهم.

الشيخ عبد السلام : أما سمعتم الحديث المروي عن النبي (ص) في عمه أنه قال «إنّ أبا طالب في ضحضاح من نار».

قلت : هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث المرويّة في كتبكم ، موضوع وكذب وافتراء على النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلا يخفى على المحقّق البصير ، والمنصف الخبير ، أنّ هذا الحديث وما شاكله مجعول وموضوع افتراه أعداء محمّد وآل محمّد عليهم‌السلام ، وذلك في عهد الأمويين

٩٠٣

وخاصّة معاوية بن أبي سفيان الذي خصّص أموالا طائلة لهذا الغرض الإلحادي. ولو عرفتم راوي هذا الخبر وفسقه وفجوره ، ما شككتم في كذبه وافترائه وعدم صحة أخباره.

فإنّ الراوي هو المغيرة بن شعبة ، من ألدّ أعداء الإمام عليّ عليه‌السلام ، وهو الذي اتّهم بالزنا في البصرة وشهد عليه ثلاثة من الشهود عند عمر ، ولمّا أراد الرابع أداء الشهادة ، قاطعه عمر بجملة فأبى الرابع من أدائها ، فخلص المغيرة ، وأقام الحدّ على الشهود (١).

__________________

(١) لقد نقل هذا الخبر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٢ / ٢٢٧ ط دار إحياء الكتب العربية ، قال [(الطعن السادس في عمر) أنّه عطّل حدّ الله في المغيرة بن شعبة ، لما شهد عليه بالزنا ولقّن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة ، اتّباعا لهواه ، فلمّا فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدّهم وضربهم.]

فبعد نقله الأقوال ، قال في صفحة ٢٣١ [أمّا المغيرة فلا شكّ عندي أنّه زنى بالمرأة ، ولكنّي لست أخطّئ عمر في درء الحدّ عنه ، وإنما أذكر أوّلا قصته من كتابي أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، وأبي الفرج الأصفهاني ، ليعلم أنّ الرجل زنى بها لا محالة ، ثم اعتذر لعمر في درء الحدّ عنه ، فروى ابن أبي الحديد القصة بالتفصيل ثم قال في صفحة ٢٣٩ : فهذه الأخبار كما تراها تدلّ متأمّلها على أنّ الرجل زنى بالمرأة لا محالة ، وكلّ كتب التواريخ والسّير تشهد بذلك.]

ثم نقل عن الأغاني خبرين آخرين ، قال أبو الفرج بعدهما وحكاه عنه ابن أبي الحديد في صفحة ٢٤١ [وإنّما أوردنا هذين الخبرين ليعلم السامع أنّ الخبر بزناه كان شائعا مشهورا مستفيضا بين الناس.]

أقول : هؤلاء الفسقة الفجرة ، المغيرة وأصحابه وأشباهه كانوا يضعون الأخبار ويفترون على الإمام عليّ عليه‌السلام وكلّ من ينسب إليه إرضاء لرغبات معاوية ، فيشترون مرضات المخلوق بسخط الخالق.

«المترجم»

٩٠٤

ثم نجد في رواته ، عبد الملك بن عمير ، وعبد العزيز الراوردي ، وسفيان الثوري ، الذين عدّهم علماؤكم المتخصصين بعلم الرجال في الجرح والتعديل ، مثل الذهبي في ميزان الاعتدال : ج ٢ / عدّهم من الضعفاء وردّ رواياتهم ، بل عدّ سفيان الثوري من المدلّسين الكذّابين.

فلا أدري كيف تعتمدون على رواية أولئك الكذّابين الوضّاعين؟!

الدلائل والشواهد على إيمان أبي طالب عليه‌السلام

أما الدلائل المثبتة لإيمان أبي طالب عليه‌السلام فكثيرة ، ولا ينكرها إلاّ من كان في قلبه مرض ، منها :

١ ـ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة». وأشار بسبّابته والوسطى منضمّتين مرفوعين ، نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٦٩ ، ط دار إحياء الكتب العربية ومن الواضح أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقصد بحديثه الشريف كلّ من يكفل يتيما ، فإنا نجد بعض الكافلين للأيتام لا يستحقون ذلك المقام وهو جوار سيد الأنام في الجنّة ، لأنهم إلى جنب كفالتهم لليتيم يعملون المعاصي الكبيرة ، والذنوب العظيمة ، التي يستحقون بها جهنّم لا محالة.

ولكنّه صلوات الله عليه قصد بحديثه الشريف جدّه عبد المطلب ، وعمّه أبا طالب ، الذين قاما بأمره ، وتكفّلاه ، وربّياه صغيرا ، حتى أنه صلوات الله عليه كان يعرف في مكة بيتيم أبي طالب ، بعد وفاة جده عبد المطلب ، فقد تكفّل أبو طالب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان في الثامنة من العمر ، وكان يفضّله على أولاده ويقيه بهم.

٢ ـ حديث مشهور بين الشيعة والسنّة رواه القاضي الشوكاني

٩٠٥

أيضا في الحديث القدسي ، أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «نزل عليّ جبرئيل فقال : إنّ الله يقرؤك السلام ويقول : إنّي حرّمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك (١)».

__________________

(١) روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٦٧ ، ط دار إحياء الكتب العربية روى حديثا أسنده إلى أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنّه قال «قال رسول الله (ص) : قال لي جبرائيل : إنّ الله مشفّعك في ستة : بطن حملتك : آمنة بنت وهب ، وصلب أنزلك : عبد الله بن عبد المطلب ، وحجر كفلك : أبي طالب ، وبيت آواك :عبد المطلب ، وأخ كان لك في الجاهلية ـ قيل : يا رسول الله وما كان فعله؟ قال : كان سخيّا يطعم الطعام ، ويجود بالنوال ـ ، وثدي أرضعتك : حليمة السعديّة بنت أبي ذؤيب».

وروى في صفحة ٦٨ عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام قال «لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان ، وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه. ثم قال : ألم تعلموا أنّ أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام كان يأمر أن يحجّ عن عبد الله ـ والد رسول الله (ص) ـ وعن أبيه أبي طالب في حياته ، ثم أوصى في وصيّته بالحج عنهم».

وقال في صفحة ٦٩ : وروي أنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام سئل عن هذا ـ أي عن إيمان أبي طالب ـ فقال «وا عجبا! إنّ الله تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر ، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات». ـ أي إذا كان أبو طالب غير مؤمن لفرّق رسول الله بينه وبين زوجته فاطمة بنت أسد حينما أسلمت.

وقال في صفحة ٧٠ : وقد روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام أنّ رسول الله (ص) قال «إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرّتين».

قال : وفي الحديث المشهور «إنّ جبرئيل عليه‌السلام قال للنبي (ص) ليلة مات أبو طالب : أخرج منها ـ أي من مكة ـ فقد مات ناصرك».

٩٠٦

لأبي طالب عليه‌السلام حق على كل مسلم

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٨٣ و ٨٤ ، ط دار إحياء التراث العربي [ولم استجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب ، فإنّي أعلم أنّه لولاه لما قامت للإسلام دعامة ، وأعلم أنّ حقه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتبت :

ولو لا أبو طالب وابنه

لما مثّل الدين شخصا فقاما

فذاك بمكة آوى وحامى

وهذا بيثرب جسّ الحماما

تكفّل عبد مناف بأمر

واودى فكان عليّ تماما

فقل في ثبير مضى بعد ما

قضى ما قضاه وأبقى شماما

فلله ذا فاتحا للهدى

ولله ذا للمعالي ختاما

وما ضرّ مجد أبي طالب

جهول لغا أو بصير تعامى

كما لا يضرّ إياه الصبا

ح من ظنّ ضوء النهار الظلاما]

__________________

أقول : والله لو كان واحد من هذه الأخبار يرد في إسلام أيّ رجل غير أبي طالب عليه‌السلام ، لتسلّمه علماء العامة ومحدّثوهم بالقبول ، وتلقّوا إسلامه وإيمانه أمرا مسلّما بلا شكّ ولا ريب ، ولكنّا ويا للأسف نجد هذه الشبهات تلقى حول إيمان أبي طالب واسلامه ، من بعض علماء العامّة ، ولعلّ السبب في ذلك لأنّه والد الإمام عليّ عليه‌السلام ، ولأنّ عليّا ابنه سلام الله عليه!!

«المترجم»

٩٠٧

أشعار أبي طالب عليه‌السلام في الإسلام

وأدلّ دليل على إيمان أبي طالب عليه‌السلام أشعاره الصريحة بتصديق النبي ودين الإسلام ، المطبوعة في ديوانه وفي كثير من كتب التاريخ والأدب ، وقد نقل بعضها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٧١ ـ ٨١ ، ط دار إحياء الكتاب العربي ، منها ميميّته المشهورة :

[يرجّون منا خطّة دون نيلها

ضراب وطعن بالوشيج المقوّم

يرجّون أن نسخى بقتل محمد

ولم تختضب سحر العوالي من الدّم

كذبتم وبيت الله حتى تفلّقوا

جماجم تلقى بالحطيم وزمزم

وتقطع أرحام وتنسى حليلة

حليلا ، ويغشى محرم بعد محرم

على ما مضى من مقتكم وعقوقكم

وغشيانكم في أمركم كلّ مأثم

وظلم نبيّ جاء يدعو إلى الهدى

وأمر أتى من عند ذي العرش قيّم (١)]

__________________

(١) القصيدة ، مطلعها كما في الديوان :

(ألا من لهمّ أخر الليل معتم

طواني ، وأخرى النجم لمّا تفحّم)

«المترجم»

٩٠٨

وإليكم أيضا قصيدته اللاميّة الشهيرة والتي ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وذكرها كثير من الأعلام وهي مطبوعة في ديوانه أنقل إلى مسامعكم بعضها :

[أعوذ بربّ البيت من كلّ طاعن

علينا بسوء أو يلوح بباطل

ومن فاجر يغتابنا بمغيبة

ومن ملحق في الدين ما لم نحاول

كذبتم وبيت الله نبزي محمدا

ولمّا نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتى نصرّع دونه

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاّك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

لعمري لقد كلّفت وجدا بأحمد

وأحببته حبّ الحبيب المواصل

وجدت بنفسي دونه فحميته

ودافعت عنه بالذرى والكواهل

فلا زال للدنيا جمالا لأهلها

وشينا لمن عادى وزين المحافل

وأيّده ربّ العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير باطل]

ومن شعره المطبوع في ديوانه ونقله ابن أبي الحديد أيضا :

(يا شاهد الله عليّ فاشهد

أنّي على دين النبيّ أحمد)

(من ضلّ في الدين فإنّي مهتد)

بالله عليكم أنصفوا!! هل يجوز أن ينسب قائل هذه الأبيات والكلمات ، الى الكفر!!

والله إنّه من الظلم والجفاء أن تنسبوا أبا طالب إلى الكفر ، بعد أن يشهد الله سبحانه بأنّه ، على دين النبي أحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشيخ عبد السلام : أوّلا : هذه الأشعار ونسبتها إلى أبي طالب

٩٠٩

أخبار آحاد ، غير متواترة ، ولا اعتبار بخبر الواحد.

ثانيا : لم ينقل أحد بأنّ أبا طالب أقرّ بالإسلام وتفوّه بكلمة التوحيد : لا إله الاّ الله. بل قالوا : ما أقرّ إلى أن مات.

قلت : وا عجبا! إنكم جعلتم حجّية التواتر وخبر الواحد حسب ميلكم ، فتارة تتمسكون بخبر الواحد وتصرّون على حجّيته مثل الخبر الذي رواه أبو بكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» قبلتم به مع تعارضه للآيات القرآنية!!

ثم إذا كان التواتر عندكم شرط صحة الخبر ، فكيف تستدلّون بحديث رواه المغيرة بن شعبة الفاسق الفاجر ، بأن أبا طالب في ضحضاح من النار ، وليس لهذا الحديث راو آخر (١).

ولا يخفى على المحقّق البصير والمدقّق الخبير أنّ أخبار الآحاد حول إيمان أبي طالب والأشعار المنسوبة إليه لو جمعت لحصل منها التواتر المعنوي ـ أي حصل منها معنى واحد وهو إيمان أبي طالب ـ فانّ كثيرا من الأمور حصل فيها التواتر عن هذا الطريق ، مثل شجاعة الإمام عليّ عليه‌السلام ، فإنّ أخبار الآحاد عن بطولته في الميادين وجهاده في ساحات القتال ، كشفت عن شجاعته وبسالته بالتواتر.

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٧٠ ، ط إحياء الكتب العربية :[وأما حديث الضّحضاح من النار ، فإنّما يرويه الناس كلّهم عن رجل واحد وهو المغيرة بن شعبة ، وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص لعليّ ٧ مشهور معلوم ، وقصته وفسقه أمر غير خاف.]

«المترجم»

٩١٠

إقرار أبي طالب عليه‌السلام بالتوحيد

وأما قولك : لم ينقل أحد أنّ أبا طالب أقرّ بالإسلام والتوحيد! فهو تحكّم وباطل ، فهو ادّعاء واه بغير أساس ودليل ، لأنّ الإقرار لا يكون موقوفا على صيغة معيّنة ، ولا منحصرا بتركيب واحد. بل يحصل بالنثر والشعر بأي شكل كان تركيبه إذا فهم منه الإقرار ، وكان صريحا وبليغا.

والآن أنشدكم الله أيها الحاضرون!! أيّ إقرار أصرح وأبلغ من هذا الكلام الذي قاله أبو طالب :

(يا شاهد الله عليّ فاشهد

أنّي على دين النبي أحمد)

وإضافة على هذا البيت وغيره من أشعاره الصريحة في إيمانه وإسلامه ، فقد روى الحافظ أبو نعيم ، والحافظ البيهقي [أنّ صناديد قريش مثل أبي جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، عادوا أبا طالب في مرضه الذي توفّى فيه ، وكان النبي (ص) حاضرا فقال لعمه أبي طالب «يا عم قل لا إله إلاّ الله ، حتى أشهد لك عند ربّي تبارك وتعالى». فقال أبو جهل وابن أبي أمية : يا أبا طالب أترجع عن ملّة عبد المطلب! وما زالوا به. حتى قال :

اعلموا .. أنّ أبا طالب على ملة عبد المطلب ولا يرجع عنها.

فسرّوا وفرحوا وخرجوا من عنده ، ثم اشتدّت عليه سكرة الموت وكان العباس أخوه جالسا عند رأسه ، فرأى شفتيه تتحركان ، فانصت له واستمع وإذا هو يقول : لا إله إلاّ الله. فتوجّه العباس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها ـ ولم يذكر

٩١١

العباس كلمة التوحيد لأنه كان بعدُ كافراً ـ.

ولا يخفى أنّنا أثبتنا من قبل أنّ آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم كانوا موحدين ومؤمنين بالله يعبدونه ولا يشركون به شيئا.

فلما قال أبو طالب في آخر ساعات حياته : اعلموا .. أنّ أبا طالب على ملّة عبد المطلب ، ولا شك أنّ عبد المطّلب كان على ملّة أبيه إبراهيم مؤمنا بالله موحّدا ، فكذلك أبو طالب عليه‌السلام.

مضافا إلى ذلك فقد تفوّه ونطق بكلمة التوحيد وسمعه أخوه العبّاس يقول : لا إله إلاّ الله.

فإيمان أبي طالب ثابت عند كل منصف بعيد عن اللجاج والعناد.

موقف أبي طالب عليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إذا كان أبو طالب عليه‌السلام مشركا كما يزعم بعض الناس ، كان من المتوقّع أن يعارض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حين إعلانه النبوّة والرسالة ، إذ جاء إليه وقال : إنّ الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك يا عمّ؟

فلو كان أبو طالب غير مؤمن بكلامه وغير معتقد برسالته ، لكان من المفروض أن ينتصر لدين قريش ومعتقدات قومه ، فينهاه عن ذلك الكلام ويوبّخه ويؤنّبه ، بل يحبسه حتى يرجع عن كلامه أو يطرده ولا يؤويه ولا يحميه كآزر عم إبراهيم الخليل عليه‌السلام فحينما سمع من الخليل كلاما يخالف دينه ودين قومه ، هدّده وهجره ، وقد حكى الله سبحانه ذلك في كتابه الكريم سورة مريم / ٤٣ قال حكاية عن قول إبراهيم عليه‌السلام : (إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا قالَ

٩١٢

أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (١)

ولكنّ أبا طالب عليه‌السلام حينما سمع ابن أخيه يقول : إنّ الله أنبأني واستنبأني ، وأمرني بإظهار أمري ، فما عندك يا عمّ؟

أيّده وأعلن نصرته له بقوله [أخرج يا ابن أخي! فإنّك الرفيع كعبا ، والمنيع حزبا ، والأعلى أبا ، والله لا يسلقك لسان إلاّ سلقته ألسن حداد ، واجتذبته سيوف حداد ، والله لنذلّلنّ لك العرب ذل البهم لحاضنها.

ثم أنشأ قائلا :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسّد في التراب دفينا

فانفذ لأمرك ما عليك مخافة

وأبشر وقرّ بذاك منه عيونا

ودعوتني وزعمت أنّك ناصحي

ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

وعرضت دينا قد علمت بأنّه

من خير أديان البريّة دينا

لو لا الملامة أو حذاري سبّه

لوجدتني سمحا بذاك مبينا]

ذكر هذا الشعر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٥٥ ط إحياء الكتب العربية ، ونقله سبط ابن الجوزي في التذكرة : ١٨ ، ط بيروت ، وتجده في ديوان أبي طالب أيضا.

ولو راجعتم ديوانه ، وما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، لوجدتم أشعارا أخرى صريحة في تصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي إعلان نصرته والذبّ عنه.

فأنصفوا أيها الحاضرون ، وخاصّة أنتم أيها العلماء! هل يجوز لكم أن تنسبوا قائل هذه الكلمات إلى الكفر والشرك؟!

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٤٦.

٩١٣

أم إنّها تنبئ عن إيمان واسلام قائلها وأنّه مؤمن حقيقي ومسلم ملتزم ومتمسّك بما جاء به محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

كما اعترف بذلك بعض أعلامكم ، فقد نقل الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الثاني والخمسون نقل من رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ [وحامي النبي ، ومعينه ، ومحبّه ، أشدّ حبّا ، وكفيله ، ومربّيه ، والمقرّ بنبوّته ، والمعترف برسالته ؛ والمنشد في مناقبه أبياتا كثيرة ، وشيخ قريش : أبو طالب.]

لقائل أن يقول : إذا كانت هذه التصريحات من أبي طالب في تصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأييده ونصرته والدفاع عنه ، فكيف نجد أكثر المؤرخين وأصحاب السّير ذهبوا إلى كفره أو التوقف في إيمانه؟!

والجواب : إنّ الدعايات الأمويّة ـ خاصّه في زمان معاويّة ـ لعبت دورا هامّا في مثل هذه الأمور ، فمن سنحت له الفرصة أن يأمر بسب أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ويأمر بلعنه ولعن ولديه الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وريحانتيه وحبيبيه ويشتمهم على رءوس الأشهاد وعلى منابر الإسلام والمسلمين ، حتى صارت هذه المنكرات عادة جارية حتى في قنوت الصلوات وخطب الجمعات ، فمن اتيحت له هكذا فرصة وقام بقلب الحقائق وتغيير الوقائع وتبديل الحق بالباطل وبالعكس ، فهل يأبى إنكار إيمان أبي طالب عليه‌السلام وبث الدعايات في أنّه مات كافرا ، أم يعجز من ذلك ويصعب عليه؟!

والأعجب .. أنّ معاوية وأباه وكذلك ابنه يزيد رءوس الكفر

٩١٤

والنفاق ، مع كثرة الدلائل المذكورة في تاريخهم الدالّة على كفرهم وإلحادهم وعدم إيمانهم ، يظهرون للمسلمين بظاهر الإيمان بل يعدّ معاوية وابنه من أمراء المؤمنين إلى يومنا هذا ، فهؤلاء مع سوابقهم في محاربة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعاندتهم للدين ، ودخولهم في الإسلام كرها بعد عام الفتح ، ثم نفاقهم وشقاقهم بين المسلمين وقتالهم لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وتحرّكاتهم العدوانية وأعمالهم الشيطانية على الإسلام ، والقيام بالأعمال الوحشيّة ، والتهجّمات البشعة على بلاد المسلمين والناس الآمنين ، ونهب أموالهم ، وقتل رجالهم ، وهتك أعراضهم مثل هجوم بسر بن أرطاة على الطائف واليمن والأنبار وغيرها ، وهجوم الأعور بني مرّة مسلم بن عقبة بجيش الشام على مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في واقعة الحرّة ، ونقض معاوية عهده مع الامام الحسن عليه‌السلام وقتله بالسم ، وكذلك قتله حجر بن عدي وأصحابه ، وغيره من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقتل يزيد حسينا عليه‌السلام وسبي أهله وحريمه ، وغير ذلك من الأعمال العدوانية والكفر والالحاد المشهود منهم والمشهور عنهم في التاريخ ، كل هذا وتحسبونهم من أمراء المؤمنين! لعنهم الله!!

ولكن أبا طالب مع تلك المواقف المشرفة ، والسوابق المشرقة التي هي اظهر من الشمس ، تقولون ما آمن ومات مشركا!! أما يكون هذا وذاك من تأثير الدعايات الامويّة؟!

معاوية خال المؤمنين!!

الشيخ عبد السلام : لا يجوز هذه التعابير السيّئة على معاوية

٩١٥

ويزيد ، ولا يجوز لعنهما فإنهما من كبار خلفاء النبي (ص) ، ولا سيما معاوية (رض) فانّه خال المؤمنين وكاتب الوحي ، ولم يقتل الحسن بن علي (رض) ، بل قتلته زوجته جعدة بنت الأشعث.

قلت : من أين جاءه هذا اللقب؟ وكيف صار معاوية خال المؤمنين؟!

الشيخ عبد السلام : لأن أم حبيبة ـ زوجة رسول الله (ص) ـ هي بنت أبي سفيان وأخت معاوية ، تكون أم المؤمنين فيكون أخوها معاوية خال المؤمنين!

قلت : هل أم المؤمنين عائشة ، عندكم مقامها أعلا أم أخت معاوية أمّ حبيبة؟

الشيخ عبد السلام : زوجات رسول الله (ص) وإن كنّ كلهنّ أمهات المؤمنين كما هو تعبير القرآن الحكيم ، إلاّ أنّ عائشة تمتاز عن قريناتها وهي أفضلهن وأعلاهن مقاما (١).

__________________

(١) هذا مخالف للنص الصريح المروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبكم فأفضل نسائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخيرهن خديجة عليها‌السلام ، وبرواية عائشة نفسها حيث تقول : «كان النبي يكثر ذكرها» فربما قلت له : كأنما لم يكن في الدنيا امرأة إلاّ خديجة ، فيقول : كلا والله ، ما أبدلني الله خيرا منها .. إنها كانت وكانت : آمنت إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء». (راجع تفصيل الخبر في رواياته عند البخاري في صحيحه ج ١٦ ص ٢٢٧ ـ ٢٨٢ بشرح العيني ، وعند أحمد في المسند ، وعند الطبراني من رواية ابن أبي نجيح).

كما روى الإمام علي عليه‌السلام عن النبي صلّى الله عليه [وآله] أنه قال «خير نسائها مريم ، وخير نسائها خديجة.» يعني في دنيا الأولى وفي دنيا الثانية. (راجع عمدة القاري شرح صحيح البخاري : ج ١٦ في فضائل خديجة). «المترجم»

٩١٦

لم لا يلقّب محمد بن أبي بكر بخال المؤمنين؟

قلت : إذا كان معاوية خال المؤمنين لأنّه أخ لإحدى زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجميع أخوات زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالات المؤمنين ، وجميع إخوان زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكونون أخوال المؤمنين ، فلما ذا لقّبتم معاوية وحده بخال المؤمنين ولم تلقّبوا محمد بن أبي بكر وغيره بهذا اللقب؟!

ثم إذا كانت أخوّة معاوية لزوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعدّ فضيلة وشرفا فأبوّة حيي بن أخطب اليهودي لصفيّة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن تعدّ له فضيلة وشرف أيضا!!

وإنما انفرد معاوية بهذا اللقب ، لأنّه تزعم المنافقين والنواصب وقاد جيوش الضلال لحرب أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وسنّ لعنه وسبّه على منابر المسلمين!

معاوية : قاتل الإمام الحسن عليه‌السلام

وأما قتله للإمام الحسن سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو وإن لم يكن فيه مباشرا ، ولكنه كان هو السبب والمحرّض في ذلك ، فقد نقل أكثر المؤرخين والمحدّثين منهم ابن عبد البرّ في الاستيعاب ، والمسعودي في إثبات الوصيّة ، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين روى بسنده عن المغيرة قال [أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث أنّي مزوّجك بيزيد ابني ، على أن تسمي الحسن بن علي ، وبعث إليها بمائة ألف درهم ، فقبلت وسمّت

٩١٧

الحسن عليه‌السلام (١).

وذكر كثير من المؤرّخين والمحدثين منهم ابن عبد البر في الاستيعاب ، وابن جرير الطبري في تاريخه قالوا [لما جاء معاوية نبأ وفاة الحسن بن عليّ عليه‌السلام كبّر سرورا ، وكبّر من كان حوله وأظهروا الفرح!]

فيا شيخ عبد السلام! بميولكم وأهوائكم تجعلون هكذا مجرم خال المؤمنين! ولا تلقّبون محمد بن أبي بكر بهذا اللقب ، لأنّه كان ربيب عليّ عليه‌السلام ومن حوارييه وأصحابه الصامدين وشيعته المؤمنين ، ولأنّه قال في أهل البيت عليهم‌السلام :

[يا بني الزهراء أنتم عدّتي

وبكم في الحشر ميزاني رجح

وإذا صحّ ولائي لكم

لا أبالي أيّ كلب قد نبح]

__________________

(١) لقد ثبت أنّ معاوية كان السبب في قتل الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام فقد نقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / تحت عنوان : سبب موته عليه‌السلام [قال علماء السير ... سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث ، وقال السدّي : دس إليها يزيد بن معاوية أن سمي الحسن وأتزوجك ، فسمته ... وقال الشعبي : إنّما دسّ إليها معاوية فقال : سمّي الحسن وأزوّجك يزيدا ... وقال ابن سعد في الطبقات : سمه معاوية مرارا]. «انتهى كلام سبط بن الجوزي».

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة / آخر الباب العاشر : وفي رواية ـ قال «للحسين ـ : إنّي يا أخي سقيت السم ثلاث مرّات ، لم أسقه مثل هذه المرة ، فقال : من سقاك؟ قال : ما سؤالك عن هذا؟ أتريد أن تقاتلهم؟ أكل أمرهم إلى الله».

قال ابن حجر : وفي رواية : «لقد سقيت السمّ مرارا ما سقيته مثل هذه المرة».

أقول : ثبت أن الحسن السبط عليه‌السلام قتل مسموما ، فلعنة الله على المسبّب والمباشر والراضي بذلك إلى يوم الدين. «المترجم»

٩١٨

فهو ابن أبي بكر وأخو عائشة أم المؤمنين ، ولا شك أنّ أبا بكر عندكم أفضل من أبي سفيان وعائشة أعلى مقاما وأجلى رتبة من أم حبيبة ، ومع ذلك لا تطلقون على محمد لقب خال المؤمنين ، بل بعض العامة يلعنونه ويتبرّءون منه.

ولما دخل عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج مصر فاتحين ، حاصروا محمدا ومنعوا عنه الماء ولما استولوا عليه قتلوه عطشانا ، ثم جعلوا جنازته في بطن حمار ميّت وحرّقوه ، وأخبروا معاوية بذلك ، فأظهر الفرح والسرور وأمر أصحابه أيضا بإظهار الفرح.

والعجب أنكم عند ما تسمعون أو تقرءون هذه الأخبار الفجيعة ، والقضايا الفظيعة ، لا تتألّمون ولا تتأثّرون لما فعل أولئك المجرمون الملعونون بمحمد بن أبي بكر ، ولكن لا تطيقون أن تسمعوا لعن معاوية المجرم وحزبه الظالمين ، فتدافعون عنه وتقولون لا يجوز لعنه ، بل يجب احترامه لأنه خال المؤمنين!!

فلما ذا هذا التناقض في الرأي والعقيدة!

أما يكشف هذا عن التعصّب والعناد ، وعن التطرّف واللجاج!!

هل كان معاوية كاتبا للوحي؟

من الثابت الذي لا نقاش فيه أنّ معاوية أسلم بعد الفتح في العام العاشر الهجري ، وقد كان إلى ذلك الزمان جلّ القرآن الحكيم ـ القريب للكلّ ـ نازلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكما ذكر المؤرّخون : أنّ فتح مكة كان في العام الثامن الهجري وفيه أسلم أبو سفيان إلاّ أنّ معاوية اختفى وأرسل إلى أبيه كتابا يعاتبه ويؤنّبه فيه على إسلامه ، ولمّا

٩١٩

انتشر الإسلام في كل الجزيرة العربية وحتى في خارجها اضطر معاوية أن يسلم ، وبعد إسلامه كان مهانا بين المسلمين ، ينظرون إليه نظرا شزرا ، فتوسّط العباس بن عبد المطلب عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يفوّض إليه أمرا حتى يحترمه المسلمون ويتركوا تحقيره وتوهينه.

فعيّنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاتبا لمراسلاته ، وبه لبّى طلب عمه العباس (١).

دليل كفر معاوية وجواز لعنه

وأما دلائل كفر معاوية وعدم إيمانه وجواز لعنه ، فهي كثيرة ، ولو أردنا نقلها جميعا لاقتضى تأليف كتاب مستقل ، ولكن أنقل لكم بعضها من الكتاب والسنّة ، ومن سيرته وسلوكه ضدّ الإسلام والمسلمين. منها قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً) (٢).

فقد ذكر أعلام مفسريكم مثل العلامة الثعلبي ، والحافظ العلاّمة جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ، والفخر الرازي في تفسيره

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ٣٣٨ ، ط إحياء التراث العربي :[وكان ـ معاوية ـ أحد كتّاب رسول الله (ص) ، واختلف في كتابته له كيف كانت ، فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أنّ الوحي كان يكتبه عليّ عليه‌السلام وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأنّ حنظلة بن الربيع التيميّ ومعاوية كانا يكتبان له إلى الملوك ولرؤساء القبائل.] «المترجم»

(٢) سورة الإسراء ، الآية ٦٠.

٩٢٠