ليالي بيشاور

السيّد محمّد الموسوي الشيرازي

ليالي بيشاور

المؤلف:

السيّد محمّد الموسوي الشيرازي


المحقق: السيّد حسين الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الثقلين الثقافيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٩١

محمد بن أبي داود الحافظ عن علي بن أحمد العجلي عن عبّاد بن يعقوب عن أرطاط بن حبيب عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن عليّ ابن الحسين عن أبيه الإمام الحسين الشهيد السبط عن أبيه الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن رسول الله (ص) قال «يا علي من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنة الله».

وروى السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي ص ٦٠ / الباب الرابع عن الجامع الكبير للطبراني وعن صحيح ابن حيان ـ وصحّحه الحاكم ـ كلهم عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رسول الله (ص) قال «من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله».

بعد هذه الأحاديث الشريفة والتفكّر في معانيها ، أنظروا إلى أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار الإمام علي وفاطمة الزهراء عليهما السّلام وهتكهم حرمتهما ، وفكروا في تلك الأعمال الشنيعة والأفعال الفظيعة التي ارتكبها القوم حتى مرضت سيّدة نساء العالمين بسببها وتوفّيت على أثرها في أيام شبابها ، فماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر وعلى كلّ من آذاها!!

الحافظ : نعم سخطت فاطمة الزهراء بادئ الأمر ، ولكنها رضيت بعد ذلك لأنها علمت بأنّ الخليفة (رض) حكم بالحق ، فرضيت عن الشيخين (رض) وعن جميع الصحابة الكرام حين توفيت.

قلت : إنّكم تحبون أن تصلحوا بين سيدة النساء فاطمة عليها‌السلام وبين من ظلمها في عالم الخيال ، ولكن الواقع خلاف هذا الخيال والمقال ، فقد صرّح أعلامكم وكبار علمائكم مثل الشيخين مسلم والبخاري في

٨٠١

صحيحيهما فكتبا ورويا عن عائشة بنت أبي بكر : «... فهجرته فاطمة ولم تكلّمه في ذلك حتى ماتت. فدفنها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر» (١).

رواه العلاّمة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب ، في أواخر / الباب التاسع والتسعون.

وقال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسية / ١٤ و ١٥ / طبع مطبعة الأمة بمصر [فقال عمر لأبي بكر (رض) انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد اغضبناها ، فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا عليا فكلماه ، فادخلهما عليها ، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى اح؟؟؟ ط ، فسلّما عليها فلم تردّ عليهما السّلام!! ...

فقالت : أرأيتكما إن حدّثتكما حديثا عن رسول الله (ص) ، تعرفانه وتفعلان به؟ قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله! ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟

قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم.

قالت : فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (ص) لأشكونّكما إليه.

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا

__________________

(١) صحيح البخاري : ج ٢ / ١٨٦ ، ومسلم ج ٣ / ١٣٨٠ مع اختلاف في لفظ الحديث والمعنى واحد.

«المترجم»

٨٠٢

فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي ، حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول : والله لادعونّ الله عليك في كل صلاة أصلّيها!! (١).]

وبعد استماع هذه الأخبار ، أرجوكم! استمعوا إلى روايات المحدثين التي تخبرنا عن مدى تعلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بابنته فاطمة بحيث جعلها كنفسه وقال : من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، وإليكم بعض المصادر المعتبرة لديكم :

روى أحمد بن حنبل في المسند ، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة ، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في مودّة القربى ، وابن حجر في الصواعق نقلا عن الترمذي والحاكم عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال «فاطمة بضعة مني وهي نور عيني وثمرة فؤادي وروحي التي بين جنبيّ ، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن أغضبها فقد أغضبني».

ونقل ابن حجر العسقلاني في الإصابة في ترجمة فاطمة عليها‌السلام ، عن صحيحي البخاري ومسلم أنّ رسول الله (ص) قال «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويريبني ما أرابها».

وفي مطالب السئول لمحمد بن طلحة الشافعي ص ١٦ طبع دار الكتب التجارية / نقلا عن الترمذي بسنده عن ابن الزبير عن رسول الله (ص) قال «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها وينصبني ما ينصبها».

وفي محاضرات الأدباء للعلاّمة الراغب الأصبهاني ج ٢ / ٢١٤ عن رسول الله (ص) قال «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني».

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد ـ ولا يخفى سعة اطّلاعه في مثل هذه المواضيع ـ قال في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ٥٠ / طبع دار إحياء الكتب العربية / [والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر ، وأنها اوصت ألاّ يصلّيا عليها!!]

٨٠٣

وروى الحافظ أبو موسى بن المثنى البصري المتوفّى سنة ٢٥٢ ، في معجمه ، وابن حجر العسقلاني في الإصابة ج ٤ / ٣٧٥ ، وأبو يعلى الموصلي في سننه ، والطبراني في المعجم ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ج ٣ / ١٥٤ ، والحافظ أبو نعيم في فضائل الصحابة ، وابن عساكر في تاريخه ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة / ٢٧٩ / طبع مؤسسة أهل البيت بيروت ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى / ٣٩ ، وابن حجر المكي في الصواعق / ١٠٥ ، وأبو العرفان الصبّان في إسعاف الراغبين / ١٧١ ، كلّهم رووا عن رسول الله (ص) أنه قال لابنته فاطمة عليها‌السلام «يا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».

وروى محمد بن اسماعيل البخاري في الصحيح في باب / مناقب قرابة رسول الله (ص) ، عن مسور بن مخرمة عن رسول الله (ص) أنه قال «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني».

وفي التذكرة / ٢٧٩ روى سبط ابن الجوزي فقال : وقد أخرج مسلم عن المسور بن مخرمة أن رسول الله (ص) قال : فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها فمن أغضبها فقد أغضبني.

أيها الحاضرون! وخاصّة أنتم العلماء فكّروا! في ما يحصل من هذه الأخبار وانظروا في نتيجتها ، أليست صريحة في أنّ الله ورسوله يغضبان على من تغضب فاطمة عليه؟ وطائفة من الأخبار ـ التي نقلتها لكم عن صحاحكم ومسانيدكم المعتبرة ـ صريحة بأنّ فاطمة عليها‌السلام ماتت وهي ساخطة على جمع من الصحابة منهم أبو بكر وعمر. حتى أوصت أن لا يشيّعاها ولا يصليا عليها!!

فالنتيجة الحاصلة : أنّ الله ورسوله ساخطين على أبي بكر وعمر ،

٨٠٤

لأنّ فاطمة عليها‌السلام ماتت ساخطة عليهما!!

الشيخ عبد السلام : هذه الأخبار صحيحة ولكن رسول الله (ص) نطق بها حينما سمع أنّ عليا كرم الله وجهه يريد أن يتزوّج بابنة أبي جهل ، فغضب رسول الله (ص) وقال : من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن أغضبها فقد أغضبني ، ومن أغضبني فقد أغضب الله. وكان علي كرم الله وجهه هو الهدف والمقصود من هذه الأحاديث الشريفة!!

خطبة علي عليه‌السلام ابنة أبي جهل كذب وافتراء

قلت : يمتاز الإنسان عن سائر أنواع الحيوان بلبّه وعقله.

فإذا سمع خبرا فهو لا يقبله إلاّ بعد ما يمضغه بفكره ويهضمه عقله ولبه ، فإذا كان معقولا قبله ، وإذا كان غير معقول ردّه ، ولذا قال تعالى في كتابه الكريم : (فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١).

هذا الخبر وهو خطبة علي عليه‌السلام ابنة أبي جهل ، وغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك ، نقله بعض أسلافكم في كتبهم وأنتم على عادتكم تلقيتم الخبر وحسبتموه من المسلّمات من غير أن تفكّروا في سلبيات هذا الخبر وتزنوه بعقولكم حتى تجدوه مردودا غير معقول ولا مقبول عند ذوي الألباب ، وذلك لجهات منها :

أوّلا : أجمع علماؤكم وأعلام مفسريكم أنّ عليا عليه‌السلام داخل في من شملتهم آية التطهير ، فهو بعيد وبريء من كل رجس ورذيلة.

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ١٧ ـ ١٨.

٨٠٥

ثانيا : أنّ الله سبحانه جعله في آية المباهلة نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نقلت لكم أخبارها في الليلة الماضية.

ثالثا : كان علي عليه‌السلام باب علم الرسول كما أعلن ذلك هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نقلت لكم أخباره من مصادركم.

فكان عليه‌السلام أعلم الأمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن وأحكامه وبالإسلام وفرائضه ، وكان عليه‌السلام أحوط الناس في العمل بالقرآن وأجهدهم في كسب مرضاة الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف يعقل أن يقدم على عمل يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ والله سبحانه يقول : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) (١).

ثم كيف قبلت عقولكم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صاحب الخلق العظيم يغضب على أفضل عباد الله بعده والذي يحب الله تبارك وتعالى كما عرّفه حين أعطاه الراية في خيبر ، فيغضب عليه لا لشيء سوى أنّه أراد أن يرتكب أمرا مباحا ، أباحه الله سبحانه في كتابه لكل المسلمين من غير استثناء فقال : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٢)؟.

وعلى فرض أنّ عليا عليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل ، هل كان يحرم عليه ذلك أم يجوز؟! فكيف تقبل عقولكم أن يغضب سيد المرسلين وصاحب الخلق العظيم على سيد كريم مثل ابن عمه أمير المؤمنين لهذا الأمر المباح المشروع الذي سنّه الله تعالى وعمل به هو أيضا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فالنبي صلوات الله وسلامه عليه أجلّ وأكرم من ذلك ، ونفسه

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٥٣.

(٢) سورة النساء ، الآية ٣.

٨٠٦

القدسيّة أزكى وأعظم من أن تتأثّر بهكذا أمور. لذا فكلّ إنسان مؤمن وعاقل ، يعرف كذب هذا الخبر وأنه افتراء على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا الخبر يحطّ من شخصيته وكرامته ، صلوات الله عليه قبل أن يحطّ من شخصيّة الإمام علي عليه‌السلام وكرامته.

لذلك أقول : لا شكّ ولا ريب أنّ هذا الخبر وضعه بنو أمية لأنهم أعداء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعداء عليّ عليه‌السلام. وهذا ليس هو رأينا فحسب بل هو رأي بعض أعلامكم أيضا.

فقد نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٤ / ٦٣ / طبع دار أحياء الكتب العربية / تحت عنوان [فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي عليه‌السلام] قال [وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه‌الله تعالى ... أنّ معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ عليه‌السلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ؛ فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير ـ وبعد ما نقل نماذج من أحاديث كل واحد منهم قال ـ : وأمّا أبو هريرة ، فروي عنه الحديث الذي معناه أنّ عليا عليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأسخطه ، فخطب على المنبر ، وقال : «لاها الله! لا تجتمع ابنة وليّ الله وابنة عدو الله أبي جهل! إنّ فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي ، وليفعل ما يريد» ، أو كلاما هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي.

ثم قال ابن أبي الحديد : هذا الحديث أيضا مخرج في صحيحي مسلم والبخاري عن المسور بن مخرمة الزهري وقد ذكره المرتضى في

٨٠٧

كتابه المسمّى «تنزيه الأنبياء والأئمة» وذكر أنّه رواية حسين الكرابيسي ، وأنّه مشهور بالانحراف عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وعداوتهم والمناصبة لهم ، فلا تقبل روايته]. انتهى كلام ابن أبي الحديد.

إضافة على ما نقلته في الموضوع أقول : الأخبار التي تصرّح بأنّ إيذاء فاطمة عليها‌السلام يكون إيذاء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تختصّ بخبر خطبة علي عليه‌السلام ابنة أبي جهل! بل كما ورد في مصادركم وكتبكم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موارد كثيرة وبمناسبات عديدة صرّح بهذا المعنى بعبارات مختلفة.

كما نقلنا بعضها. أنقل إليكم الآن خبرا ما نقلته من قبل :

روى أحمد بن حنبل في مسنده ، والخواجة پارسا البخاري في كتابه فصل الخطاب ، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة الثالث عشر من كتابه مودّة القربى ، عن سلمان الفارسي عن رسول الله (ص) قال «حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن ، أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والصراط والحساب ، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ومن رضيت عنه رضي‌الله‌عنه ومن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبت عليه ومن غضبت عليه غضب الله عليه ، ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها عليا وويل لمن يظلم ذريّتهما وشيعتهما».

فليت شعري! ما هو تحليلكم للخبر الذي نقله جلّ أعلامكم وأصحاب الصّحاح حتى البخاري ومسلم بأنّ فاطمة عليها‌السلام ماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر؟!

الحافظ : هذه الأخبار صحيحة ، بل يوجد أكثر تفصيلا وأشمل منها في مصادرنا ، وأنا بفضل كلامكم عرفت زيف حديث الكرابيسي في خطبة علي كرم الله وجهه ابنة أبي جهل ، وقد كان في قلبي شيء

٨٠٨

على الإمام علي بسبب هذا الخبر ، فزال والحمد لله ، وأنا أشكركم كثيرا على توجيهاتكم وتحليلكم للموضوع.

ولكن بقي أمر يختلج في قلبي ، وهو أنّ هذه الأخبار والأحاديث المصرّحة بأنّ إيذاء فاطمة إيذاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ من أغضبها فقد أغضب رسول الله (ص). مقبولة ومحمولة فيما إذا كان غضبها لأمر ديني لا دنيوي ، وأنتم تقولون : أنها غضبت على أبي بكر وعمر من أجل فدك ، إذ أنّها ادّعت تملّكها فردّاها ولم يقبلا منها ، فكان سخطها لأمر شخصي وهذا أمر طبيعي فكلّ إنسان إذا أراد شيئا ولم يصل إليه فيتأثّر نفسيّا ، وكان سخط فاطمة من هذا القبيل ، وهي بعد ما عادت المياه إلى مجاريها وسكنت الفورة ، رضيت بحكم الخليفة وسكتت ، ولذلك لمّا بويع علي كرم الله وجهه بالخلافة وتمكّن من استرداد فدك ، لم يحرّك ساكنا ولم يغيّر حكم أبي بكر وما استردّ فدك وإنما تركه على ما كان في عهد الخلفاء الراشدين قبله ، وهذا دليل على أنّه كان راضيا بحكم أبي بكر لأنّه كان حقا.

قلت : لقد طال مجلسنا وأخشى من أن يتعب الحاضرون ويملّوا ، فلو توافقون على تأجيل حديثنا إلى غد وفي الليلة الآتية إن شاء الله نستمر في الموضوع.

ـ فأجابوا جميعا : إنّنا ما تعبنا ولا مللنا بل كلنا بشوق إلى استماع حديثكم حتى نعرف نتيجة البحث ويظهر لنا الحق ـ.

قلت : ما دمتم كذلك وتحبون ظهور النتيجة وانكشاف الحقيقة فأقول.

أولا : الموضوع في الأحاديث النبوية صريحة ومطلقة فتشمل الأمور

٨٠٩

الدنيوية وغيرها ، فلا أدري من اين جاء الحافظ حفظه الله بهذا التّقييد؟

ثانيا : كل علماء المسلمين من الشيعة وأهل السنّة قد أجمعوا على أنّ فاطمة الزهراء عليها‌السلام كانت امرأة مثاليّة ، وكانت في أعلى مرتبة من مراتب الإيمان بحيث أنزل الله تعالى في شأنها آيات من الذكر الحكيم وشملتها آية التطهير وآية المباهلة وسورة الدّهر ، وقد مدحها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرّفها بأنّها سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء أهل الجنة ، وأنّها امتلأت إيمانا ، ومثلها لا تسخط لأجل أمر دنيوي وماديّ ، بذلك السخط الذي لا يزول إلى آخر حياتها. وهي تعلم بأنّ كظم الغيظ والعفو عن الخاطئين من علائم الإيمان والمؤمن ليس بحقود ، إلاّ أن يكون السخط من أجل الله تعالى ، فإنّ المؤمن حبّه وبغضه في الله ولله سبحانه وتعالى ، فكيف بفاطمة وهي سيدة نساء المؤمنين ـ كما في الحديث الشريف ـ وقد طهّرها الله عزّ وجلّ من الأرجاس والرذيلة والصفات الذميمة ولقّبها أبوها بالطاهرة المطهّرة ، وهي ماتت ساخطة على أبي بكر وعمر ، كما هو إجماع أهل الصحاح والمحدثين؟ فما كان سخطها إلا لأمر دينيّ لا دنيوي ، وإنّها غضبت عليهما لأنّهما غيّرا دين الله وخالفا كتاب الله كما احتجّت عليهما في خطبتها التي مرّ ذكرها بالآيات القرآنية.

وأما قولك أيها الحافظ : إنّ فاطمة رضيت فسكتت ؛ لا والله ما رضيت ، ولكن حين رأت القوم خصومتها لا يلتفتون إلى كلامها ولا يسمعون دلائلها وهم مصرّون على باطلهم وظلمهم فسكتت ، وما كان لها إلاّ أن تسكت ، ولكنّها أبدت سخطها عليهم ، بأن أوصت إلى زوجها الإمام علي عليه‌السلام أن لا يحضر جنازتها وتشييعها أحد ممّن آذاها

٨١٠

وظلمها ، ولا يدع أحدهم يصلّي عليها.

وأما قولك ـ أيها الحافظ ـ : بأن عليا عليه‌السلام حيث لم يردّ فدكا إلى أولاد فاطمة. فقد أمضى حكم الخليفة ، فهو خطأ ، لأنه عليه‌السلام ما تمكّن أن يغيّر ما ابتدعه الخلفاء قبله ، فكان عليه‌السلام مغلوبا على أمره من طرف المخالفين والمناوئين وهم الناكثين والقاسطين فكانوا له بالمرصاد حتى يأخذوا عليه نقطة خلاف فيكبّروها ضده ويجعلوا من تلك النقطة منطلقا إلى تضعيف حكومته الحقّة ، كما ظهر ذلك في بعض القضايا مثل تغيير مكان المنبر ، حيث إنّ الخلفاء قبله غيّروا مكان منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونقلوه إلى مكان آخر في المسجد ، فلما جاء الإمام علي عليه‌السلام وتسلّم أمر الخلافة أراد أن يرجع المنبر إلى مكانه الذي كان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضجّ المخالفون له وأحدثوا بلبلة حتى منعوه.

وكذلك مثال آخر ، أراد عليه‌السلام أن يمنع الناس من إقامة صلاة التراويح جماعة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منع أن تقام النوافل جماعة ، وإنما تختصّ صلاة الجماعة بالفرائض اليومية وغيرها من الفرائض ، وإذا بالمناوئين ضجّوا واجتمعوا يهتفون وا سنّة عمراه!!

وصلاة التراويح ـ كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ ابتدعها عمر بن الخطاب ، وقد عيّن أبيّ ابن كعب إماما لأهل المسجد في ليالي رمضان المبارك ليصلي بهم النوافل جماعة ، فلما دخل المسجد وراى الناس امتثلوا أمره ، فقال : نعمة البدعة هذه!!

فتركهم علي وشأنهم ، لما رأى المنافقين اتخذوا هذا الأمر مستمسكا ضدّه لخلق الفتن.

٨١١

وكذلك في الكوفة لمّا أراد أن يمنعهم من إقامة صلاة التراويح جماعة ، فهتفوا ضدّه ، فتركهم!!

فما تمكّن عليّ عليه‌السلام في أيّام خلافته أن يغيّر هذه الأمور البسيطة التي لا تنفعهم ، فكيف كان يمكن له أن يستردّ فدكا وقد انضمّت إلى بيت المال؟!

ولكي تعرفوا أنّ عليا عليه‌السلام ما أمضى حكم أبي بكر بل وكّل وفوّض حكم فدك ومحاكمة فاطمة وخصمائها إلى الله الحكم العدل. فراجعوا نهج البلاغة / كتابه إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله على البصرة وهو الكتاب رقم ٤٥.

يقول فيه الإمام عليه‌السلام بالمناسبة : «... فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا ، ولا حزت من أرضها شبرا ، بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء ، فشحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله ...».

فهذا كلام الإمام علي عليه‌السلام يقول : «ونعم الحكم الله» ... ومعناه : أنني سوف أطالبهم حقي يوم الحساب .. يوم لا تظلم نفس شيئا .. والحكم يومئذ لله.

وأما سيدتنا فاطمة عليها‌السلام فقد قالت لأبي بكر وعمر «فإنّي أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني فما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأشكونّكما إليه». ـ وقد مرّ تفصيل الكلام من رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ـ.

وكما نقل بعض المؤرخين كانت في أواخر أيام حياتها تخرج إلى قبر أبيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهناك تشكو اهتضامها وتقول : أبتاه أمسينا

٨١٢

بعدك من المستضعفين ، وأصبحت الناس عنّا معرضين!! ثم تأخذ تراب القبر فتشمه وتنشد :

ما ذا على من شمّ تربة أحمد

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها

صبّت على الأيام صرن لياليا

فماتت مقهورة مظلومة ، في ربيع العمر وعنفوان الشباب ، وأوصت إلى عليّ عليه‌السلام أن يغسّلها ويجهّزها ليلا ، ويدفنها ليلا إذا هدأت الأصوات ونامت العيون ، وأوصت أن لا يشهد جنازتها أحد ممن ظلمها وآذاها.

وامتثل الإمام علي عليه‌السلام أمرها وعمل بوصيّتها.

ولما وضعها في لحدها وأهال عليها التراب ، هاج به الحزن فتوجّه إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول «السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللّحاق بك ... إلى أن يقول :

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرّهينة! أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ، وستنبّئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها ، فأحفها السّؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد ، ولم يخل منك الذكر ، والسلام عليكما سلام مودّع ، لا قال ولا سئم». الخ.

كنت في أواخر حديثي هذا مستعبرا باكيا ، وكذلك أكثر أهل المجلس بل كلّهم ، وكان الحافظ حفظه الله منكّسا رأسه إلى الأرض ودموعه تجري ويستغفر الله ويردّد الآية الكريمة : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١)

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٥٦.

٨١٣

وبعد ذلك المجلس ما تكلّم الحافظ أبدا وإنّما حضر المجالس التالية مستمعا لا مناقشا ، فكأنّه أنصف واقتنع ، وكان ظاهر أمره في آخر ليلة حينما وادعني وفارقني ، أنّه تشيّع ـ وإن لم يبد ذلك لمرافقيه وأصحابه ـ.

وبعد دقائق ولحظات وإذا بصوت المؤذّن يعلن طلوع الفجر ويؤذّن لصلاة الصبح فافترق الجمع وفارقناهم.

٨١٤

المجلس التاسع

ليلة السبت ـ الثاني من شعبان المعظّم

في أوان المغرب جاءني عدد من الإخوان السنة الذين كانوا يلتزمون بالحضور في مجالس البحث والحوار من أول ليلة ، وكانوا يستمعون الى المواضيع المطروحة بكل لهفة ودقّة وربما طلبوا منّي توضيح بعض المواضيع ، وكنت أحسّ وألمس منهم اهتماما بالغا ، فجاءوا قبل انعقاد المجلس التاسع ، وهم : النوّاب عبد القيوم خان ، وغلام امامين ، والمولى عبد الأحد ، وغلام حيدر خان ، والسيد أحمد علي شاه ...

فاستقبلتهم وجلست معهم. فقالوا : أيها السيد المعظّم! اعلم بأنّنا في كل المجالس والمحاورات عرفنا الحق فيكم ومعكم ، وخاصّة في الليلة الماضية قد انكشفت لنا حقائق كثيرة كانت مكتومة ، وكنّا نجهلها ، وقد عرفناها بفضل بيانكم واتّضحت لنا من خلال حديثكم المستدل ومنطقكم القوي المدعم بالأحاديث والروايات الصحيحة المروية عن طريق أعلام السنة وعلمائهم في المسانيد والصّحاح ، ونحن نطلب الحق ونريد أن نتدين بدين الله ونلتزم بما جاء به المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند

٨١٥

الله سبحانه ، فلسنا نتعصّب للخلفاء ولا لأئمة السنة والجماعة ولسنا معاندين ، بل نحن بعيدون عن اللّجاج والتّعصّب والعناد. والآن حيث انكشف لنا الواقع ، وعرفنا الحق ، نريد أن نعلن هذه الليلة في المجلس وفي حضور الملأ ، تشيعنا ومتابعتنا لمذهب آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

واعلم أنّ هناك كثيرا من الناس على مختلف الطبقات ممّن يتابعون هذه المناقشات في الصحف والمجلاّت ، أيضا قد عرفوا الحق ولكنهم يخفون ذلك خوفا من ردّ فعل قومهم ، وإساءة أقربائهم لهم ، ويخشون مقاطعة المجتمع الذي يعيشون فيه ، فإذا نحن بدأنا بإعلان تشيعنا وفتحنا الباب فهم يدخلون أيضا ويعلنون تشيعهم.

قلت : أرجوكم رجاء مؤكّدا أن لا تعجلوا في الأمر ، ولا تعلنوا تشيعكم هذه الليلة ، اصبروا إلى نهاية المطاف حتى نعرف آخر ما يخرج به علماء السنّة والجماعة من هذه الأبحاث والمناقشات ، فربما يعلنون هم أيضا تشيعهم ، فليكونوا هم البادون وأنتم التابعون ، وهذا أجمل وأفضل ، فوافقوا جميعا على هذا الرأي.

وبعد ما فرغنا من صلاتي المغرب والعشاء ، اجتمع القوم وبعد التحيّات والتشريفات ، بدأ الشيخ عبد السلام يتكلّم عن الجماعة ليمثل أهل مذهبه.

فقال : لقد استفدنا من أحاديثكم في المجالس السالفة ، فوائد جمّة ، وأقول بكل صراحة : إنّ حديثكم يلين قلوب الأعداء ، فكيف بنا نحن الأحبّاء ، حيث اجتمعنا للتفاهم وحلّ القضايا الخلافية بمناقشات أخويّة ومناظرات ودّية؟ ولكن لمست وأحسست من جنابكم الانحياز إلى أهل مذهبكم ، بحيث أراكم تدافعون حتى عن قبائح

٨١٦

عاداتهم وشنايع أقوالهم!

قلت : أنا لا أقبل منك هذا الكلام ... يا شيخ عبد السلام! لأنّي منذ عرفت نفسي وميّزت بين الخير والشر ، خضعت للحق ، ودعوت للخير ، ودافعت عن المظلوم ، لأنّ جدّي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أوصى إلى أولاده وخاصّة إلى الحسنين عليهما السّلام فقال : قولا بالحق ، واعملا للآخرة ، وكونا للظالم خصما ، وللمظلوم عونا.

فإذا رأيتني أبيّن مساوئ من خالفنا ، وأدافع عن من وافقنا ، فلا عن انحياز أو متابعة للهوى ، وإنّما الحق والخير عندي هو المعيار والمقياس ، واعلم أن كل حديثي وكلامي في هذه المناقشات كان مقرونا بالأدلة النقليّة والبراهين العقليّة.

وأمّا كلامك عن قبائح عادات الشيعة وأقوالهم الشنيعة فبيّنها لنا ، فإن كان بيانك حقا قبلناه ، وإلاّ كشفنا لكم الواقع ، فلربما اشتبه عليكم الأمر.

الشيعة وعائشة!!

الشيخ عبد السلام : إنّ من أقبح أقوال الشيعة قذفهم أم المؤمنين عائشة (رض) ونسبتهم الفحش إليها وسبّها ولعنها! ومن أشنع عاداتهم عداؤهم لها واعتقادهم بخبثها ، وهي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وزوجته ، فانتسابها الى الخبث يلازم ـ والعياذ بالله ـ خبث النبي (ص) لقوله سبحانه : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) (١).

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٢٦.

٨١٧

قلت : أوّلا : قولك بأن الشيعة يقذفون عائشة وينسبونها إلى الفحشاء .. فهو كذب على الشيعة وافتراء ، وأقسم بالله حتى عوام الشيعة لا يقولون ذلك ولا يعتقدون به ، وإنّ النواصب والخوارج افتروا علينا هذا ليحرّكوا عوام أهل السنّة وجهالهم على شيعة آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع الأسف فإنّ بعض علماء العامّة صدّقوهم بغير دليل ولا تحقيق ، وأحدهم جناب الشيخ عبد السلام سلّمه الله!

فأقول : أيها الشيخ! كيف تقول علينا هذا بالضرس القاطع؟! هل رأيته في كتاب أحد علمائنا؟ أم سمعته من لسان أحد الشيعة ، ولو من عامتهم؟!

وأنا أرجوك أيها الشيخ أن تراجع تفاسير الشيعة في موضوع الإفك في ذيل الآيات ١٠ ـ ٢٠ من سورة النور لتعرف دفاع الشيعة عن عائشة وإنّ الآفكين هم المنافقون.

أما نحن الشيعة فنعتقد أنّ كل من يقذف أيّ واحدة من زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سيما حفصة وعائشة. فهو ملحد كافر ملعون مهدور الدم ، لأنّ ذلك مخالف لصريح القرآن وإهانة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكذلك نعتقد بأنّ القذف ونسبة الفحشاء إلى أي مسلم ومسلمة حرام وموجب للحد ـ إلاّ إذا شهد أربعة شهداء عدول ـ.

وأما اعتقاد الشيعة بخبث عائشة وشقاوتها ، فبدليل أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال كما ورد في مسانيدكم «إنه لا يحب عليا إلاّ مؤمن سعيد الجد طيّب الولادة ، ولا يبغضه إلاّ منافق شقي الجد خبيث الولادة».

ولا يخفى على أحد أنّ عائشة كانت من أشد المبغضين لعلي عليه‌السلام

٨١٨

إلى درجة أنّها خرجت لقتاله ، وأشعلت نار الفتنة والحرب في البصرة عليه وهو إمام زمانها حينذاك!!

ثم اعلم أنّ الاعتقاد بخبث الزوجة لا يلازم خبث الزوج وكذلك بالعكس ، فكم من نساء صالحات أزواجهن غير صالحين؟ وكم من رجال صالحين زوجاتهم خبيثات غير صالحات؟ وهذا صريح قول الله سبحانه وتعالى في سورة التحريم ١٠ و ١١ حيث يقول : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

فلا تلازم بين الزوجين في الطيب والخباثة وفي السعادة والشقاء ؛ وفي القيامة أيضا كلّ يحاسب ويكافأ بأعماله ، فإن كانت المرأة صالحة مؤمنة يؤمر بها الى الجنة ، وإن كان زوجها فرعون لعنه الله ، وإن كانت المرأة طالحة عاصية فيؤمر بها إلى الجحيم وإن كان زوجها أحد أنبياء الله المرسلين.

وأما تفسير الآية الكريمة : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) (١) فقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام أنّ هذه المجملات تفسير وتوضيح لما قبلها وهو قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٢٦.

٨١٩

مُشْرِكٌ) (١) معنى ذلك أنّ الخبيثات يلقن للخبيثين والخبيثين يلقن بهنّ ، وأمّا الطيبون فيليقون للطيّبات وبالعكس ، كما أنّ الزانية أو المشركة لا تليق إلاّ لزان أو مشرك.

بعض عائشة لآل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ونحن حين ننتقد عائشة ونعاديها ، لا لأنها بنت أبي بكر ، بل لسوء تصرّفاتها وسوء معاملتها مع آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأنّها كانت تبغض عليا عليه‌السلام وتعمل ضدّه وتثير المسلمين عليه ، وإلاّ فإنّا [نحبّ محمّد بن أبي بكر ـ أخيها ـ لانه نصر الحق وتابع الإمام علي عليه‌السلام].

أمّا عائشة فما حافظت على مكانتها بل سوّدت تاريخها بأعمالها المخالفة لكتاب الله وحديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما أطاعت زوجها ولا أطاعت ربها!!

الشيخ عبد السلام : لا يليق هذا الكلام بكم وأنت سيد شريف وعالم نبيل ، فكيف تعبّر عن أم المؤمنين بهذا التعبير ، بأنها سوّدت تاريخها؟!

قلت : كل زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندنا في مكانة متساوية ، ـ باستثناء أم المؤمنين خديجة الكبرى عليها‌السلام فإن النبي كان يفضّلها عليهن ـ ، فإنّ أم سلمة وسودة وعائشة وحفصة وميمونة وسائر زوجاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهنّ أمهات المؤمنين ، ولكن المؤرخين لا سيما أعلامكم فتحوا لعائشة صفحات خاصّة ، تروي مداخلتها في الفتن ، ومشاركتها مع

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٣.

٨٢٠