ليالي بيشاور

السيّد محمّد الموسوي الشيرازي

ليالي بيشاور

المؤلف:

السيّد محمّد الموسوي الشيرازي


المحقق: السيّد حسين الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الثقلين الثقافيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٩١

طالب ، وكان يعلم حقدهم وحسدهم له عليه‌السلام ، وكان يعرف طمع بعض الصحابة وحرصهم على خلافته في أمّته ، لذلك كان يتخوّف من مناوئي الإمام عليّ ومخالفيه ، أن لا يخضعوا لإمارته ولا يقبلوا خلافته ، فأراد أن يؤكّدها عليهم في آخر ساعات حياته ، إضافة إلى ما بيّنه في هذا الأمر طول حياته مرارا وتكرارا ، كما روى الغزالي في كتابه «سرّ العالمين» في المقالة الرابعة ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «ايتوني بدواة وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر ، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي».

ثم كلنا نعلم أنّ الأمر الذي آل إلى اختلاف المسلمين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان سبب سفك الدّماء وإزهاق النفوس ، إنّما هو أمر الخلافة لا غير ، فيتبيّن أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يوضّح أمر الخلافة للمسلمين ويوصي بها لرجل منهم يستحقّها ، حتى يبايعوه ويخضعوا لإمارته وخلافته ولكي لا يؤول أمرهم إلى التخاصم والتنازع ، ولا يقعوا من بعده في هوة الاختلاف ومزلّة الانحراف.

ثم إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواطن كثيرة عين وصيّه وعرّفه للناس ، وقد نقلنا لكم بعض الأخبار والأحاديث في هذا الشأن ولا حاجة لتكرارها.

ولا ينكر أحد من المسلمين المنصفين بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّن عليا وصيّا لنفسه وأودعه الوصايا التي أراد أن يكتبها حتى لا يضلوا من بعده أبدا ، ولكنهم منعوه ورفضوها بقولهم : إنه ليهجر. كفانا أو حسبنا كتاب الله!!

الشيخ عبد السلام : خبر تعيين النبي (ص) عليا وصيّا لنفسه غير متواتر فلا يصح الاستناد به.

قلت : هو خبر متواتر عن طريق العترة النبويّة الطاهرة والأمر ثابت من غير شك ولا ترديد.

٧٦١

وأمّا عن طرقكم ، فربما لم يكن لفظه متواترا ولكن معناه قد تواتر عن طرقكم في ألفاظ متفاوتة وجمل متعدّدة.

ثم إذا كان التواتر عندكم مهمّا إلى هذا الحد بحيث لو كان الخبر واصلا عن طريق موثوق وبسند حسن وقد صححه العلماء المتخصّصون ، ومع ذلك ترفضونه بحجّة أنه غير متواتر ، فأسألكم هل كان حديث : «لا نورّث ما تركناه صدقة» متواترا؟! لا .. بل هو خبر واحد رواه أبو بكر (١) ، وصدّقه عصابة كانت لهم منفعة ومصلحة في تصديقهم إيّاه!

ولكن في كل عصر ينكره ملايين المسلمين المؤمنين ويرفضه آلاف العلماء الصالحين.

وقد أنكره الإمام علي عليه‌السلام وهو باب علم الرسول ، ورفضته فاطمة الزهراء عليها‌السلام بضعة رسول الله الطاهرة المطهّرة التي عصمها الله من الزلل وطهّرها من الرجس والدنس بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة المستندة على كتاب الله الحكيم والمنطق القويم والعقل السليم.

ولو لم يورث الأنبياء فكيف قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لكل نبيّ وصيّ ووارث ، وأنّ عليا وصيّي ووارثي؟ (٢)».

واثبتنا أنّ المقصود وراثة المال والمقام. وحتى إذا كان المقصود

__________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٦ / ٢٢١ / ط دار إحياء التراث العربي / : المشهور أنّه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلاّ أبو بكر وحده.

وقال في صفحة ٢٢٧ : أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلاّ أبو بكر وحده ، ذكر ذلك أعظم المحدّثين حتى أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد. «المترجم»

(٢) نقلت لكم مصادره في ما سبق.

٧٦٢

وراثة العلم فوارث علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحق بخلافته من فاقد علمه.

والجدير بالذكر أنّ أبا بكر وعمر في كثير من القضايا رجعا إلى الإمام علي عليه‌السلام وعملا برأيه وأخذا بقوله ، ولكن في هذه القضية بالذات خالفوه ولم يقبلوا حتى شهادته في فدك بأنها منحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة عليها‌السلام ، فرفضوا شهادته وشتموه بقولهم [إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه ، مربّ لكل فتنة الخ.]

الحافظ : إن أبا بكر وعمر كانا في غنى عن عليّ وعلمه ولم يرجعا إليه في بعض الأحكام لجهلهما بالحكم بل كانا يحترمانه ويشاورانه.

قلت : إنّ قولك هذا منبعث عن حبك للشيخين وقد قالوا : حب الشيء يعمي ويصم.

وإن قولك رأي شخصي لم يقل به قائل ، بل هو مخالف لصريح ما نقله أعلامكم عن نفس أبي بكر وعمر.

وإليكم نماذج منها :

الحكم في امرأة ولدت لستة أشهر

نقل المحدثون منهم أحمد بن حنبل في مسنده والمحب الطبري في ذخائر العقبى وابن أبي الحديد في شرح النهج والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة / الباب السادس والخمسون فصل [في ذكر كثرة علم علي ، قال : وروي أن عمر رضي‌الله‌عنه أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر! فقال علي عليه‌السلام في كتاب الله «(وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ

٧٦٣

ثَلاثُونَ شَهْراً) (١) ثم قال : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) (٢) فالحمل ستة أشهر ، فتركها عمر ، وقال : لو لا علي لهلك عمر]. قال القندوزي : أخرجه أحمد والقلعي وابن السمّان.

ونقل القندوزي في الباب قبل هذا الخبر بقليل فقال :

[وأخرج أحمد [ابن حنبل] في المناقب : أنّ عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيء أخذ عن علي رضي الله عنه.

ولو تصفّحنا كتب التاريخ والحديث لوجدنا كثيرا من هذه القضايا المشكلة التي كان يعجز عن حكمها الخلفاء فيرجعون فيها إلى علي عليه‌السلام ويأخذون بقوله ويعملون برأيه.

فيا أيها العلماء! وأيها الجمع! فكّروا : لما ذا رفضوا شهادة علي عليه‌السلام في أمر فدك ولم يقبلوا حكمه في قضيّة فاطمة عليها‌السلام وقالوا ما قالوا وافتروا عليه وشتموه!!

ثم إذا كان الحديث الذي رواه أبو بكر صحيحا وكان قد سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما ذا لم يحكم في سائر ممتلكات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحكم فدك ولم يضمّها إلى بيت المال لعامة المسلمين ، أو يجعلها صدقات ينتفع بها المساكين.

بل ترك حجرة فاطمة عليها‌السلام لها ، وترك حجرات زوجات الرسول لكل واحدة منهن حجرتها ، من باب الإرث (٣).

__________________

(١) سورة الأحقاف ، الآية ١٥.

(٢) سورة لقمان ، الآية ١٤.

(٣) كما ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٦ / ٢١٤ / ط دار إحياء التراث العربي :[إنّ أبا بكر قال فيما قال بعد خطبة فاطمة عليها‌السلام : أما بعد ، فقد دفعت آلة رسول الله (ص) ـ أي سيفه وأجهزته الخاصة ـ ودابته وحذاءه إلى علي بن أبي طالب ، وأمّا

٧٦٤

إضافة إلى هذا : إذا كان أبو بكر يؤمن بما يقول ويعتقد بالحديث الذي رواه : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة» وعلى هذا المبنى أخذوا فدك وأخرجوا عمّال فاطمة منها. فلما ذا ردّ فدك ـ بعد أيام ـ على فاطمة وكتب لها كتابا في ذلك إلاّ أنّ عمر أخذ منها الكتاب ومزّقه ، ومنعها من التصرّف في فدك؟!

الحافظ : هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل! فمن أيّ مصدر وبأيّ دليل تقول : بأنّ أبا بكر (رض) ردّ فدك على فاطمة ثم منعها عمر في خلافة أبي بكر ومزّق كتابه؟!!

قلت : يبدو أنّ مشاغل الحافظ كثيرة بحيث لا يجد فرصة ليطالع كتب أعلام السنة من أهل مذهبه ونحلته ، وإلاّ لما كان هذا الخبر جديدا على مسامعه ، فقد روى هذا الخبر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم علي بن برهان الدين الشافعي في السيرة الحلبية : ج ٣ / ٣٩١ وابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢٧٤ / ط دار إحياء التراث العربي /: قال : روى إبراهيم بن سعيد الثقفي عن إبراهيم بن ميمون ، قال : حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن أبيه عن

__________________

ما سوى ذلك فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا الخ.]

أقول : لقد كان علي عليه‌السلام أحقّ الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عند أبي بكر ، ولذلك دفع إليه الآلات والأجهزة الخاصة برسول الله ولم يدفعها إلى العباس بن عبد المطلب وهو عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتأمّل.

«المترجم»

٧٦٥

جدّه عن عليّ عليه‌السلام قال «جاءت فاطمة عليها‌السلام إلى أبي بكر وقالت : إنّ أبي أعطاني فدك ، وعلي وأم أيمن يشهدان فقال : ما كنت لتقولي على أبيك إلاّ الحق قد أعطيتكها ، ودعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها. فخرجت فلقيت عمر ، فقال : من أين جئت يا فاطمة؟ قالت : جئت من عند أبي بكر. اخبرته أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني فدكا وأنّ عليا وأم أيمن يشهدان لي بذلك ، فأعطانيها وكتب لي بها. فأخذ عمر منها الكتاب. ثم رجع إلى أبي بكر ، فقال : أعطيت فاطمة فدكا وكتبت بها لها؟ قال : نعم ، فقال : إنّ عليا يجرّ إلى نفسه ، وأم أيمن امرأة ؛ وبصق في الكتاب فمحاه وخرقه!».

والعجب أنّ عمر الذي كان بهذه الشدّة في قضيّة فدك أيام خلافة أبي بكر ، لما وصلت أيّامه وصارت الخلافة في يده ردّ فدك على أولاد فاطمة وكذلك بعض الخلفاء من بعده!

الحافظ : إنّ هذا الخبر من أعجب الأخبار لتناقضه ، وإنّي حائر في تصديقه وردّه!

قلت : لا تتحيّر ولا تردّ الخبر بل راجع كتاب وفاء الوفاء في تاريخ مدينة المصطفى للعلامة السمهودي وهو من أعلامكم ، ومعجم البلدان لياقوت الحموي.

رويا : [أنّ أبا بكر أخذ فدك من فاطمة ، ولكنّ عمر في خلافته ردّها على العباس وعلي بن أبي طالب ، فإذا كانت فدك فيئا للمسلمين وقد أخذها أبو بكر حسب الحديث الذي سمعه من النبي (ص) ، فبأيّ سبب ردّها عمر وجعلها في يد علي والعباس دون سائر المسلمين؟!]

الشيخ عبد السلام : لعله جعلهما من قبله حتى يأخذا حاصلها

٧٦٦

ويصرفاه في مصالح المسلمين.

قلت : ولكنّ ظاهر بعض العبارات التاريخية أنهما ادّعيا عند عمر ميراثهما فأعطاهما فدكا وكانا يتصرّفان فيها تصرّف المالك في ملكه (١).

الشيخ عبد السلام : لعلّ مراد المؤرخين من عمر هو عمر بن عبد العزيز!

ردّ عمر بن عبد العزيز فدك

فتبسّمت ضاحكا من قوله وقلت : علي عليه‌السلام والعباس ما كانا في خلافة عمر بن عبد العزيز ، وحكم عمر بن عبد العزيز وردّه فدكا على أولاد فاطمة عليها‌السلام خبر آخر وقد ذكره العلامة السمهودي أيضا ، وذكره

__________________

(١) روى ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٦ / ٢٢٩ / ط دار إحياء التراث العربي : عن أبي بكر الجوهري قال [حدثنا أبو زيد ـ عمر بن شبّة ـ ثم عن عن بإسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : سمعت عمر وهو يقول للعباس وعلي ... ثم توفّي أبو بكر فقبضتها ـ يعني فدكا ـ فجئتما تطلبان ميراثكما! أما أنت يا عباس فتطلب ميراثك من ابن اخيك ، واما علي فيطلب ميراث زوجته من أبيها ...]

قال أبو زيد [قال أبو غسّان : فحدّثنا عبد الرزاق الصنعاني عن معمر بن شهاب عن مالك بنحوه وقال في آخره : فغلب علي عباسا عليها ، [وذلك لأنه لا يرث العم مع وجود فرد من الطبقة الأولى وهي بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبوفاة الصديقة الطاهرة يرثها زوجها وأولادها عليهم‌السلام] ، فكانت بيد عليّ ثم كانت بيد الحسن ثم كانت بيد الحسين ، ثم علي بن الحسين ثم الحسن بن الحسن ثم زيد بن الحسن.]

ثم قال ابن أبي الحديد [وهذا الحديث يدلّ صريحا على أنّهما جاءا يطلبان الميراث لا الولاية الخ.] «المترجم»

٧٦٧

ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١٦ قال [.. فلما ولي عمر ابن عبد العزيز الخلافة الأموية كانت أول ظلامة ردّها ، [أنه] دعا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقيل بل دعا علي بن الحسين عليه‌السلام ، فردّها عليه ، وكانت بيد أولاد فاطمة عليها‌السلام مدّة ولاية عمر ابن عبد العزيز.]

فلمّا ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم ، فصارت في أيدي بني مروان يتداولونها ، حتى انتقلت الخلافة الأموية عنهم ، فلمّا ولي أبو العباس السفّاح ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسن عليه‌السلام ، ثم قبضها أبو جعفر المنصور لمّا حدث من بني الحسن ما حدث ، ثم ردّها المهدي ـ ابنه ـ على ولد فاطمة عليها‌السلام ، ثم قبضها موسى بن المهدي وهارون أخوه ، فلم تزل في أيديهم حتى ولي المأمون.

المأمون وردّه فدكا

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ في صفحة ٢١٧ [قال أبو بكر ـ الجوهري ـ حدثني محمد بن زكريا قال : حدثني مهديّ بن سابق قال : جلس المأمون للمظالم ، فأوّل رقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى ، وقال للذي على رأسه : ناد أين وكيل فاطمة؟ فقام شيخ عليه درّاعة وعمامة وخفّ تعزّى ، فتقدم فجعل يناظره في فدك والمأمون يحتجّ عليه وهو يحتجّ على المأمون ، ثم أمر أن يسجّل لهم بها ، فكتب السجلّ وقرئ عليه ، فأنفذه ، فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها :

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

٧٦٨

ونقل ياقوت الحموي في معجم البلدان كتاب المأمون إلى واليه على المدينة في شأن فدك ، جاء فيه :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها فدكا وتصدّق عليها بها ، وأنّ ذلك كان أمرا ظاهرا معروفا عند آله عليهم الصلاة والسّلام.]

فدك كانت نحلة لفاطمة عليها‌السلام

لقد ثبت في موضعه أنّ فدكا كانت نحلة لفاطمة أنحلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولذا كان بعض الخلفاء يردونها على أولاد فاطمة وكان آخرون يغصبوها اقتداء بأبي بكر!!

الحافظ : إن كانت فدك ، نحلة أنحلها رسول الله فاطمة ، فلما ذا ادّعتها من باب الإرث ولم تدّعيها نحلة؟

قلت : لا شك أنها ادّعت فدكا بادئ الأمر من باب النحلة وأقامت شهودا على ذلك ، فلما ردّوا شهودها ادّعتها من باب الإرث.

الحافظ : هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل ولعلك مشتبه!

قلت : إنّي على يقين فيما أقول ولست مشتبها ، ولم تنفرد الشيعة بهذا الخبر بل نقله كثير من أعلامكم منهم : علي بن برهان الدين في كتابه السيرة الحلبية ، والفخر الرازي في تفسير الكبير ، وياقوت الحموي في معجم البلدان ، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١٤ / ط دار إحياء التراث العربي : [يروي عن أبي بكر الجوهري ، قال : وروى هشام بن محمد ، عن أبيه قال : قالت فاطمة

٧٦٩

لأبي بكر : أنّ أمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاني فدكا ، فقال لها : يا ابنة رسول الله ... إنّ هذا المال لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلّم ، وإنّما كان مالا من أموال المسلمين (١) ، يحمل به الرجال ، وينفقه في سبيل الله ، فلما توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وليته كما كان يليه.

قالت : والله لا كلّمتك أبدا! قال : والله لا هجرتك أبدا! قالت : والله لأدعونّ الله عليك! قال : والله لأدعونّ الله لك.

فلما حضرتها الوفاة أوصت ألاّ يصلّي عليها ، فدفنت ليلا.]. الخ.

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في صفحة ٢٢٥ : لقائل أن يقول له [أيجوز للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يملّك ابنته أو غير ابنته من افناء الناس ضيعة مخصوصة أو عقارا مخصوصا من مال المسلمين ، لوحي أوحى الله تعالى إليه ، أو لاجتهاد رأيه ـ على قول من اجاز له ان يحكم بالاجتهاد ـ أو لا يجوز للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك؟

فإن قال : لا يجوز فقد قال ما لا يوافقه العقل ولا المسلمون عليه.

وإن قال : يجوز ذلك ، قيل : فإنّ المرأة ما اقتصرت على الدعوى بل قالت : أمّ أيمن تشهد لي ، فكان ينبغي أن يقول لها أبو بكر في الجواب : شهادة أم أيمن وحدها غير مقبولة.

ولم يتضمّن هذا الخبر ذلك.

بل قال لها لمّا ادّعت وذكرت من يشهد لها : هذا مال من مال الله. لم يكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .]

وهذا ليس بجواب صحيح.

«المترجم»

٧٧٠

توجيه العامّة عمل أبي بكر

الحافظ : نحن نعلم أن أبا بكر أسخط فاطمة رضي الله عنها ، وماتت بنت رسول الله (ص) وهي واجدة عليه ، ولكن أبا بكر بريء ، لأنّه عمل بحكم الله وطالبها بالشهود لإثبات حقها ، وأنت جدّ خبير بأنه يجب في هذه القضايا أن يشهد رجلان أو رجل وامرأتان ، وهذا حكم عام وفاطمة جاءت برجل وامرأة وما اكملت الشهود ، ولذا لم يصدر أبو بكر الحكم لها ، فغضبت!!

قلت : فلنختم مجلسنا وندع الجواب إلى الليلة القابلة فإنّ الحاضرين تعبوا ، وأخاف أن يطول الكلام فيملّوا.

النواب : كلنا شوق وشغف لنعرف حقيقة الأمر ، فإنّ موضوع فدك مهمّ جدا وحساس ، وإذا أنتم ما تعبتم ، فنحن راغبون إلى الاستماع لكلامكم وجوابكم.

قلت : أنا لا أتعب من هذه المجالس والمناقشات الدينية أبدا ، بل مستعد أن أبقى معكم حتى الصباح.

وأما الجواب : فقد قال الحافظ : بأن أبا بكر عمل بحكم الله وطالب فاطمة بالشهود لإثبات حقها!

قلت : لقد كانت فاطمة عليها‌السلام متصرّفة في فدك ، وكانت في يدها ، فبأي شرع وقانون يطالب ذو اليد بإقامة الشهود على إثبات حقه فيما يكون تحت تصرّفه وفي يده؟! فإنّ الأصل المجمع عليه في قانون القضاء الإسلامي أنّ ذا اليد هو المالك فإذا ادّعى أحد على ما في يده فعلى

٧٧١

المدّعي إقامة الشهود والبيّنة ، وليس على المنكر إلاّ اليمين ، فأبو بكر كان مدّعيا لفدك التي كانت في يد فاطمة عليها‌السلام وتحت تصرّفها ، فحينئذ كان عليه أن يأتي بالبيّنة لإثبات ما يدّعي ، وليس له أن يطالب السيدة الزهراء عليها‌السلام بالشهود والبيّنة.

ولكن ... اذا كان خصمي حاكمي فكيف أصنع؟!

فأبو بكر خالف حكم الله سبحانه وسحق القانون وقلب أصول القضاء!!

وأما قول الحافظ : بأنّ الحق يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، وهذا حكم عام.

فأقول : ما من عامّ إلاّ وقد خصّ.

الحافظ : هذه القاعدة لا تجري في القضاء ، فإن قوانين القضاء تجري على الأغنياء والفقراء وعلى الفسّاق والأولياء ، على حدّ سواء ، ولا يستثنى حتى الأنبياء.

قلت : إنّ هذا الكلام يخالف سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته المسجّلة في صحاحكم ، والثابتة في مسانيدكم.

خزيمة ... ذو الشهادتين

ذكر ابن أبي الحديد ترجمة ذي الشهادتين في شرح النهج : ج ١٠ / ١٠٨ و ١٠٩ / ط دار إحياء التراث العربي : [قال : هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوس ، جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادته كشهادة رجلين ، لقصّة مشهورة الخ.

٧٧٢

والقصة كما ذكرها الأعلام في ترجمته وفي كتب الحديث وأنا أنقلها من كتاب أسد الغابة لابن الأثير قال : روى عنه ابنه عمارة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم اشترى فرسا من سواء بن قيس المحاربي ، فجحده سواء! فشهد خزيمة بن ثابت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له رسول الله : ما حملك على الشهادة ، ولم تكن حاضرا معنا؟

قال : صدّقتك بما جئت به ، وعلمت أنّك لا تقول إلاّ حقا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من شهد له خزيمة أو عليه فهو حسبه.]

فما ظنك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كان علي يشهد عنده في قضية هل كان يصدّقه أم يرده؟! وهو القائل في حقه : «علي مع الحق والحق مع علي يدور الحقّ حيث ما دار علي» فكما أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّص شهادة خزيمة وأحلّه محل شاهدين وصارت شهادته بشهادتين ، كذلك أصحاب آية التطهير الذين عصمهم الله تعالى وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. فقولهم لا يردّ ، فإنّ الرادّ عليهم كالرادّ على الله سبحانه ، وقد أثبتنا فيما سبق أنّ عليا عليه‌السلام شهد لها بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنحلها فدكا ، ولكنهم ردّوا شهادته بحجة أنّ عليا يجر إلى نفسه ، فكذّبوه وصدّقه الله في كتابه الحكيم بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١).

الحافظ : من أين تقول هذه الآية نزلت في شأن عليّ كرم الله وجهه؟

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١١٩.

٧٧٣

من هم الصادقون؟

قلت : أجمع علماء الشيعة استنادا على الروايات الواصلة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام والعترة الهادية ، بأنّ الصادقين هم خاتم النبيين وعلي أمير المؤمنين والعترة الطاهرة ، وقد وافقنا كثير من أعلامكم وذهبوا إلى هذا الرأي ، منهم : الثعلبي في تفسيره كشف البيان وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور ، عن ابن عباس ، والحافظ أبو سعد عبد الملك بن محمد الخركوشي في كتاب شرف المصطفى عن الأصمعي. والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال «الصادقون أنا وعلي».

وقال القندوزي في ينابيع المودة / الباب التاسع والثلاثون [أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي عن أبي صالح عن ابن عباس (رض) قال : الصادقون في هذه الآية محمد (ص) وأهل بيته] أيضا أبو نعيم الحافظ والحمويني أخرجاه عن ابن عباس بلفظه ، انتهى.

وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين والعلاّمة الكنجي في كفاية الطالب / الباب ٦٢ / وابن عساكر في تاريخه رووا بإسنادهم عن النبي (ص) قال «كونوا مع الصادقين أي مع علي بن أبي طالب».

وهناك آيات أخرى أنقلها إليكم بالمناسبة :

١ ـ (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (١) روى جماعة من أعلامكم عن مجاهد عن ابن عباس قال [الذي جاء بالصدق محمد (ص) ، والذي صدّق به علي بن أبي طالب عليه‌السلام.]

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ٣٣.

٧٧٤

منهم جلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور ، والحافظ ابن مردويه في المناقب ، والحافظ أبو نعيم في الحلية ، والعلاّمة الكنجي في كفاية الطالب / باب ٦٢ ، وابن عساكر في تاريخه يروي عن فئة من المفسرين.

٢ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) (١).

روى أحمد بن حنبل في المسند والحافظ أبو نعيم في كتابه : «ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام» عن ابن عباس أنّها نزلت في شأن علي ابن أبي طالب عليه‌السلام فهو من الصدّيقين.

٣ ـ (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٢).

وقد صرّحت الأحاديث المرويّة عن طرقكم والتي نقلها أعلامكم في كتبهم ومسانيدهم : بأنّ عليا عليه‌السلام أفضل الصديقين ، ولكي تعرفوا حقيقة مقالنا راجعوا ... مناقب ابن المغازلي الحديث ٢٩٣ و ٢٩٤ ، والتفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير قوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (٣).

والدرّ المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) (٤) في سورة ياسين ... وقال : أخرجه أبو داود وأبو نعيم وابن عساكر والديلمي عن أبي ليلى وفيض القدير للمناوي : ج ٤ / ٢٣٨ في

__________________

(١) سورة الحديد ، الآية ١٩.

(٢) سورة النساء ، الآية ٦٩.

(٣) سورة غافر ، الآية ٢٨.

(٤) سورة يس ، الآية ١٣.

٧٧٥

المتن وقال في الشرح ـ بعد لفظة وابن عساكر عن أبي ليلى ـ : وابن مردويه والديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى ، وذخائر العقبى : ص ٥٦ والرياض النضرة : ج ٢ / ١٥٣ للمحب الطبري ، وقال فيهما رواه أحمد بن حنبل في كتاب المناقب.

هؤلاء كلهم رووا بإسنادهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجّار مؤمن آل يس ... وحزقيل مؤمن آل فرعون ... وعليّ بن أبي طالب ، وهو أفضلهم».

ورواه ابن حجر في الصواعق المحرقة في ضمن الأربعين حديثا في فضائله عليه‌السلام ـ الحديث الحادي والثلاثون ـ ونقله القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الثاني والأربعون قال : الإمام أحمد في مسنده وأبو نعيم وابن المغازلي وموفق الخوارزمي أخرجوا بالإسناد عن أبي ليلى وعن أبي أيوب الأنصاري (رض) قالا «قال رسول الله (ص) : الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجّار ... وحزقيل مؤمن آل فرعون ... وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم».

ورواه العلاّمة الكنجي إمام الحرمين في كتابه كفاية الطالب الباب الرابع والعشرون بسنده المتصل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال «قال رسول الله (ص) : سبّاق الأمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين : على بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون فهم الصدّيقون ، حبيب النجار مؤمن آل ياسين وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم». ثم قال : هذا سند اعتمد عليه

٧٧٦

الدارقطني واحتجّ به (١).

__________________

(١) أقول إضافة على ما نقله المؤلف في أنّ عليا عليه‌السلام أفضل الصديقين ، وجدت روايات كثيرة في مصادر العامة عن طرق عديدة ، تذكر أنّ عليا عليه‌السلام هو الصدّيق الأكبر ، منها :

خصائص النسائي / ٣ / ط مطبعة التقدم بالقاهرة وتاريخ الطبري ج ٢ / ٥٦ ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢ / ١٥٥ و ١٥٨ ، كلهم رووا باسنادهم عن الإمام علي ٧ أنّه قال «أنا عبد الله وأخو رسول الله (ص) وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب ، آمنت قبل الناس سبع سنين».

وفي الإصابة ج ٧ القسم ١ ص ١٦٧ قال ابن حجر : وأخرج أبو أحمد وابن مندة وغيرهما من طريق إسحاق بن بشر الأسدي عن خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن عن أبي ليلى الغفارية قال : سمعت رسول الله (ص) يقول «سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنّه أوّل من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة ، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين».

أقول : ذكره أيضا ابن عبد البرّ في استيعابه ج ٢ / ٦٥٧ وذكره ابن الأثير الجزري في أسد الغابة ج ٥ / ٢٨٧ ، وروى المحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢ / ١٥٥ قال : وعن أبي ذر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي عليه‌السلام «أنت الصدّيق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرّق بين الحق والباطل». قال : وفي رواية وأنت يعسوب الدين ، ثم قال : خرّجهما الحاكمي.

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ / ١٠٢ قال : وعن أبي ذر وسلمان قالا : أخذ النبي (ص) بيد علي عليه‌السلام فقال «إنّ هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدّيق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة ، يفرّق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين ، قال : رواه الطبراني والبزّار عن أبي ذر وحده».

أقول : وذكره المناوي في فيض القدير ج ٤ / ص ٣٥٨ في الشرح وقال : رواه

٧٧٧

انظروا إلى هذه الأحاديث والأخبار المروية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبكم ومسانيدكم واتقوا الله بترك التّعصب والعناد ، ومزّقوا الغشاوة التي ضربها أسلافكم على قلوبكم وعقولكم ، واكسروا الأقفال التي جعلوها على أفهامكم وبصائركم ، وحرّروا أنفسكم من

__________________

الطبراني والبزّار عن أبي ذر وسلمان ، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال ج ٦ ص ١٥٦ وقال : رواه الطبراني عن سلمان وأبي ذر معا ، والبيهقي وابن عدي عن حذيفة.

وفي كنز العمال ج ٦ / ٤٠٥ عن سليمان بن عبد الله عن معاذة العدوية قالت : سمعت عليا عليه‌السلام وهو يخطب على منبر البصرة يقول «أنا الصدّيق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم». قال : أخرجه محمد بن أيّوب الرازي في جزئه ، والعقيلي.

أقول : ونقله الذهبي أيضا في ميزان الاعتدال ج ١ ص ٤١٧ مختصرا عن كتاب العقيلي عن معاذة العدوية.

ونقله المحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢ / ١٥٧ وقال : خرّجه ابن قتيبة في المعارف.

وفي كنز العمال أيضا ج ٦ / ٤٠٦ قال : عن علي عليه‌السلام قال «قال رسول الله (ص) : يا علي ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن أربعة ، فقام رجل من الأنصار فقال : فداك أبي وأمي فمن هم؟ قال : أنا على البراق ، وأخي صالح على ناقته التي عقرت ، وعمي حمزة على ناقتي العضباء ، وأخي عليّ على ناقة من نوق الجنة بيده لواء الحمد ينادي لا إله إلاّ الله محمد رسول الله. فيقول الآدميّون ما هذا إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو حامل عرش!! فيجيبهم ملك من بطنان العرش : يا معشر الآدميين! ليس هذا ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا ولا حامل عرش ، هذا الصدّيق الأكبر علي بن أبي طالب».

«المترجم»

٧٧٨

قيود وأغلال التقليد من آباءكم وأجدادكم ، ثم فكروا واعقلوا بقلوب متفتحة ، وبعقول متنوّرة ، وانظروا هل يحقّ أن تلقّبوا أحدا غير علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالصدّيق؟!

ليت شعري بأيّ دليل من القرآن الحكيم لقّبتم أبا بكر بالصدّيق ، بعد أن كذّب أفضل الصديقين وردّ شهادة الصدّيق الأكبر في حق الصدّيقة الطاهرة فاطمة عليها‌السلام؟!

وبأيّ دليل لقّبتم الذي مالأ أبا بكر وسانده على غصب حق الزهراء عليها‌السلام ، وأطلقتم عليه لقب الفاروق؟!

(إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) (١).

علي عليه‌السلام مدار الحق والقرآن معه

أما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي مع الحق والحق معه ، وعليّ مع القرآن والقرآن معه؟».

هل من المعقول أنّ من كان مع الحق ومع القرآن وهما لا يفارقانه ، يكون كاذبا؟! أو يشهد باطلا؟!

النوّاب : إنّني كثيرا أجالس علماءنا وأستمع حديثهم ، ولا أغيب عن خطب الجمعة أبدا ، ولكنّي ما سمعت منهم هذين الحديثين ، فهل نقلهما علماؤنا الأعلام ومحدّثونا الكرام في كتبهم؟

قلت : نعم نقلها كثير من أعلامكم ، وقد أعلنت تكرارا بأنّي لا أنقل لكم حديثا انفرد بنقله علماء الشيعة ، بل كلّ ما أذكره في هذه

__________________

(١) سورة النجم ، الآية ٢٣.

٧٧٩

المناقشات منقول من مصادر علمائكم وكتب أعلامكم ، حتى يصدق عليه اسم الاحتجاج ويكون أوقع في نفوسكم وأرضى لقلوبكم وألزم لكم. وأذكر لك بعض المصادر المقبولة لديكم حول الحديثين الشريفين ، وهي كثيرة منها :

في تاريخ بغداد : ج ٤ / ٣٢١ ذكر الخطيب البغدادي ، والحافظ ابن مردويه في المناقب ، والديلمي في الفردوس ، والمتقي الهندي في كنز العمال : ج ٦ / ١٥٣ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك : ج ٣ / ١٢٤ ، واحمد بن حنبل في المسند ، والطبراني في الأوسط والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والفخر الرازي في تفسيره : ج ١ / ١١١ ، وابن حجر المكي في الجامع الصغير : ج ٢ / ٧٤ و ٧٥ و ١٤٠ ، وفي الصواعق المحرقة / الفصل الثاني / من الباب التاسع / الحديث الحادي والعشرين من الأربعين حديثا التي نقلها في فضل الإمام علي عليه‌السلام ، ونقل الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودّة / الباب ٦٥ / ١٨٥ / ط إسلامبول نقل عن الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي ، ونقل أيضا في الباب العشرين عن جمع الفوائد والأوسط والصغير للطبراني ، ونقل عن الحمويني في الفرائد وعن ربيع الأبرار للزمخشري عن ابن عباس وعن أم سلمة.

والسيوطي في تاريخ الخلفاء / ١١٦ والمناوي في فيض القدير : ج ٤ / ٣٥٦ عن ابن عباس أو أم سلمة.

وفي مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٣٤ ، وج ٧ / ٢٣٦ ، والشبلنجي في نور الأبصار : ص / ٧٢ رووا عن أم سلمة ، وبعضهم عن ابن عباس عن رسول الله (ص) أنّه قال : «علي مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان

٧٨٠