ليالي بيشاور

السيّد محمّد الموسوي الشيرازي

ليالي بيشاور

المؤلف:

السيّد محمّد الموسوي الشيرازي


المحقق: السيّد حسين الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الثقلين الثقافيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٩١

عليها وفضّلوها على سائر التراب ، وكلامهم سند محكم لنا ودليل أتم للعمل بدين الله عزّ وجلّ.

وأمّا الروايات المنقولة في كتبكم فكثيرة أيضا ، منها : كتاب الخصائص الكبرى للعلاّمة جلال الدين السيوطي ، فقد ذكر روايات كثيرة عن طريق أبي نعيم الحافظ والبيهقي والحاكم وغيرهم ، وهم بالإسناد إلى أم المؤمنين أم سلمة وعائشة ، وأم الفضل زوجة العباس عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم ، ومن جملة تلك الروايات قول الراوي [رأيت الحسين في حجر جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يده تربة حمراء وهو يشمها ويبكي ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ وممّ بكاؤك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بأرض العراق ، وجاءني بهذه التربة من مصرعه».

ثم ناولها لأم سلمة (رض) وقال لها «انظري إذا انقلبت دما عبيطا فاعلمي بأنّ ولدي الحسين قد قتل».

فوضعتها أم سلمة في قارورة وهي تراقبها كل يوم ، حتى إذا كان يوم عاشوراء من سنة ٦١ هجرية فإذا بالتربة قد انقلبت دما عبيطا ، فصرخت : وا ولداه وا حسيناه. واخبرت أهل المدينة بقتل الحسين عليه‌السلام (١).]

__________________

(١) روى ابن حجر الهيثمي في كتاب الصواعق المحرقة / ص ١١٥ ، ط الميمنية بمصر قال : «الحديث الثامن والعشرون» : أخرج ابن سعد والطبراني عن عائشة أنّ النبي (ص) قال «أخبرني جبريل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطّف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أنّ فيها مضجعه».

١٠٦١

__________________

الحديث التاسع والعشرون : أخرج أبو داود والحاكم عن أم الفضل بنت الحرث أنّ النبي (ص) قال «أتاني جبريل فأخبرني أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا ـ يعني الحسين ـ وأتاني بتربة حمراء».

(وأخرج) أحمد «لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها فقال لي : إنّ ابنك هذا حسينا مقتول ، وإن شئت اريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء».

الحديث الثلاثون : أخرج البغوي في معجمه من حديث أنس أنّ النبي (ص) قال : «استأذن ملك القطر ربّه أنّه يزورني ، فأذن له ، وكان في يوم أم سلمة فقال رسول الله (ص) : يا أمّ سلمة! احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ، فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله (ص) فجعل رسول الله (ص) يلثمه ويقبّله.

فقال له الملك : أتحبه؟ قال : نعم. قال : إنّ أمّتك ستقتله وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به. فأراه ، فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها».

قال ثابت : كنّا نقول إنها كربلاء ، وأخرجه أيضا أبو حاتم في صحيحه ، وروى أحمد نحوه ، وروى عبد بن حميد وابن أحمد نحوه أيضا ، لكن فيه أنّ الملك جبرئيل ، فإن صحّ فهما واقعتان ، وزاد الثاني أيضا : أنّه صلى الله عليه وسلم شمّها وقال : «ريح كرب وبلاء». ـ والسهلة بكسر اوّله رمل خشن ليس بالدقاق الناعم ـ وفي رواية الملا وابن أحمد في زيادة المسند قالت ـ أي أم سلمة ـ : ثم ناولني كفّا من تراب أحمر وقال «إنّ هذا من تربة الأرض التي يقتل بها ، فمتى صار دما فاعلمي أنّه قد قتل. قالت أم سلمة : فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول : إنّ يوما يتحوّل فيه دما ليوم عظيم».

١٠٦٢

__________________

وفي رواية عنها : «فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دما».

وفي أخرى ـ أي رواية أخرى ـ ثم قال يعني جبريل «ألا أريك تربة مقتله؟ فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله (ص) في قارورة ، قالت أم سلمة : فلما كانت ليلة قتل الحسين ، سمعت قائلا يقول :

أيّها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتذليل

لقد لعنتم على لسان بن داود

وموسى وحامل الإنجيل

قالت : فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دما».

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال [مرّ علي رضي‌الله‌عنه بكربلاء عند مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ، فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض؟

فقيل : كربلاء ، فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه. ثم قال «دخلت على رسول الله (ص) وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قال (ص) : كان عندي جبريل آنفا وأخبرني ، أنّ ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له : كربلاء ، ثم قبض جبريل قبضة من تراب شمّني إيّاه ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا». ورواه أحمد مختصرا عن عليّ.

وأخرج أيضا ـ أي ابن سعد ـ [أنّه صلى الله عليه وسلّم كان له مشربة ، درجتها في حجرة عائشة يرقى إليها إذا أراد لقى جبريل. فرقى إليها وأمر عائشة أن لا يطلع إليها أحد. فرقى حسين ولم تعلم به. فقال جبريل : من هذا؟ قال (ص) : ابني ، فأخذه رسول الله (ص) فجعله على فخذه. فقال جبريل : ستقتله أمّتك. فقال (ص) : ابني؟! قال : نعم .. وإن شئت أخبرتك الارض التي يقتل فيها ، فأشار جبريل بيده إلى الطّف بالعراق فأخذ منها تربة حمراء ، فأراه إيّاها وقال : هذه من تربة مصرعه.]

هذا ما اردنا نقله من كتاب الصواعق المحرقة.

١٠٦٣

__________________

ولا يخفى أنّ حديث التربة ورد بأسانيد وبطرق شتّى رواه كبار علماء العامّة وأعلامهم ، منهم : العلاّمة ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد : ج ٢ / ٢١٩ ، طبع الشرقيّة بمصر ، والعلاّمة المحب الطبري في ذخائر العقبى صفحة ١٤٧ ، طبع القدسي بالقاهرة ، والحافظ الذهبي الدمشقي في ميزان الاعتدال : ج ١ / ٨ ، طبع القاهرة ، والعلاّمة المتقي في كنز العمال : ج ٣ / ١١١ ، طبع حيدرآباد ، والعلاّمة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ٢ / ١٢٥ ، طبع حيدرآباد ، والعلاّمة الحرّاني القشيري في تاريخ الرقة ٧٥ / طبع القاهرة ، والعلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة : ١٥٤ / طبع الغري ، والعلاّمة الشبلنجي في نور الأبصار ١١٦ ، ط مطبعة المليجية بمصر ، والعلاّمة عبد الغفّار الهاشمي في كتابه أئمة الهدى ٩٦ ، طبع القاهرة ، والعلاّمة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ٢ / ٩٤ ، والعلاّمة الطبراني في المعجم الكبير ، كما نقل عنه الصواعق ، والعلاّمة العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٢ / ٣٤٦ ، طبع حيدرآباد ، والعلاّمة أبو زرعة في طرح التثريب : ج ١ / ٤١ ، طبع مصر ، والعلاّمة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٩ ، طبع القدسي بالقاهرة ، والعلاّمة الشيخ صفي الدين الخزرجي في خلاصة تذهيب الكمال ٧١ ، طبع مصر ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ٢٧٩ ، طبع الغري ، والعلامة الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين ٢١٥ ، ط مطبعة القضاء بمصر.

والعلاّمة عبد القادر الحنبلي في الغنية لطالبي طريق الحق : ج ٢ صفحة ٥٦ ، طبع مصر ، والعلاّمة ابن الأثير الجزري في النهاية : ج ٢ صفحة ٢١٢ ، طبع الخيرية بمصر ، والعلاّمة جمال الدين محمد بن مكرم في لسان العرب : ج ١١ / ٣٤٩ ، طبع دار الصادر بيروت ، والعلاّمة الصدّيقي الفتني في مجمع بحار الأنوار : ج ٢ / ١٦١ ، طبع لكهنو ، والعلاّمة ابن عساكر في تاريخه الكبير / في ترجمة

١٠٦٤

__________________

الحسين عليه‌السلام : ج ٤ صفحة ٣٣٧ و ٣٣٨ ، والعلاّمة باكثير الحضرمي في وسيلة المآل صفحة ١٨٢ ، نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق ، وابن الأثير الجزري أيضا في تاريخه الكامل : ج ٣ / ٣٠٣ ، طبع المنيرية بمصر.

هؤلاء كلهم رووا بأسانيد عديدة وطرق متعدّدة حديث التربة بألفاظ شتى عن أم سلمة سلام الله عليها.

ورواه جمع من علماء أهل السنّة عن ابن عباس رضي الله عنهم ، منهم : الحافظ أبو الفداء في البداية والنهاية : ج ٦ / ٢٣٠ ، طبع السعادة بمصر نقله عن مسند أبي بكر البزّار ، ومنهم : الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٩١ ، طبع القدسي بالقاهرة ، رواه عن البزّار أيضا وقال : رجاله ثقاة.

وروى حديث التربة جماعة من أعلام أهل السنة عن الإمام علي عليه‌السلام ، منهم : أحمد ابن حنبل في المسند : ج ١ / ٨٥ ، طبع الميمنية بمصر ، والعلاّمة الذهبي في تاريخ الإسلام : ج ٣ / ٩ ، طبع مصر ، وفي سير أعلام النبلاء : ج ٣ / ١٩٣ ، طبع مصر ومنهم : العلاّمة المتقي الهندي في كنز العمال : ج ١٣ / ١١٢ ، طبع حيدرآباد ، ومنهم : العلامة الطبراني في المعجم الكبير ومنهم : الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ١ / ١٧٠ طبع الغرى ، والعلامة المحب الطبري في ذخائر العقبى ١٤٧ طبع القدسي بمصر ، والعلاّمة العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٢ / ٣٤٦ ، ط حيدرآباد ، والعلاّمة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ص ٢٢٥ ، طبع مؤسسة أهل البيت / بيروت. والعلاّمة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ٢ / ١٢٦ ، طبع حيدرآباد.

والعلاّمة محمد بن حوت البيروتي في أسنى المطالب ٢٢ ، ط مصطفى الحلبي.

والعلاّمة المناوي في الكواكب الدّرّيّة : ج ١ / ٥٦ ، ط الأزهريّة بمصر والعلاّمة القندوزي في ينابيع المودّة / ٣١٩ ، طبع إسلامبول.

وروى حديث التربة معاذ بن جبل في حديث مفصّل ، أخرجه العلاّمة الطبراني في

١٠٦٥

__________________

المعجم الكبير وأخرجه عن طريق الطبراني الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٩ ، طبع القدسي بالقاهرة وأخرجه العلاّمة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ١ / ١٦٠ ، ط الغري والمتقي الهندي في كنز العمال : ج ١٣ / ١١٣ ، طبع حيدرآباد الدكن ، أخرجه عن طريق الديلمي.

والعلاّمة البدخشي في (مفتاح النجا) أيضا عن طريق الديلمي.

وروى جماعة من أعلام أهل السنّة حديث التربة عن عائشة منهم : الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٧ ، طبع القدسي بالقاهرة ، أخرجه عن المعجم الكبير للطبراني ، والخوارزمي في (مقتل الحسين) والمتقي الهندي في كنز العمال : ج ١٣ / ١١١ ، ط حيدرآباد ، وابن حجر في الصواعق كما مرّ آنفا ، والمناوي في الكواكب الدريّة : ج ١ / ٤٥ ، طبع الأزهريّة بمصر ، والعلاّمة القندوزي في الينابيع / ٣١٨ ، ط اسلامبول والعلاّمة النبهاني في الفتح الكبير : ج ١ / ٥٥ ، طبع مصر ، والعلاّمة البدخشي في مفتاح النجا : ١٣٤ ، والعلاّمة القلندر الهندي في الروض الأزهر : ١٠٤ ، طبع حيدرآباد ، وأكثرهم رووا الحديث عن عائشة عن طريق ابن سعد والطبراني.

وروى حديث التربة جماعة من أعلام العامّة عن أبي أمامة منهم العلاّمة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٩ ، ط القدسي بالقاهرة ، وقال في آخره : رواه الطبراني ورجاله موثوقون. ومنهم العلاّمة الذهبي في تاريخ الاسلام : ج ٣ / ١٠ ، طبع مصر ، وفي كتابه الآخر (سير أعلام النبلاء) ج ٣ / ١٩٤ ، طبع مصر.

وروى حديث التربة جمع من أعلام أهل السنّة عن زينب بنت جحش ، منهم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٨ ، طبع القدسي بالقاهرة ، وقال : رواه الطبراني بإسنادين ، ومنهم العلاّمة المتقي الهندي في (كنز العمال) ج ١٣ / ١١٢ ، طبع حيدرآباد الدكن ، والعلاّمة البدخشي في مفتاح النجا : ص ١٣٥

١٠٦٦

__________________

رواه من طريق الطبراني وأبي يعلى. ومنهم العلاّمة العسقلاني في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية صفحة ٩ / طبع الكويت ، أخرجه عن طريق أبي يعلى.

وروى حديث التربة جماعة من أعلام العامّة عن أم الفضل بنت الحارث ، منهم الحاكم في المستدرك : ج ٣ / ١٧٦ ، طبع حيدرآباد ، وقال : حديث صحيح ، والعلاّمة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة صفحة ١٥٤ ، ط الغري ، وابن حجر في الصواعق كما مرّ آنفا ، أخرجه عن أبي داود والحاكم ، والعلاّمة المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند : ج ٥ / ١١١ ، ط الميمنيّة بمصر ، والعلاّمة ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج ٦ / ٢٣٠ ، طبع القاهرة ، رواه عن طريق البيهقي ، والعلاّمة الذهبي في (تلخيص المستدرك) المطبوع في ذيل المستدرك : ج ٣ / ١٧٦ ، حيدرآباد ، والعلاّمة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج ٢ / ١٢٥ ، ط حيدرآباد ، رواه عن طريق الحاكم والبيهقي ، والعلامة الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح : ٥٧٢ ، ط دهلي ، والعلامة أحمد بن يوسف الدمشقي في أخبار الدول وآثار الأول : ١٠٧ ، ط بغداد ، والعلاّمة البدخشي في مفتاح النجا ١٣٤ رواه عن البيهقي من دلائل النبوّة ، والعلاّمة القندوزي في الينابيع / ٣١٨ ، ط اسلامبول نقلا عن المشكاة ، وفي صفحة ٣١٩ رواه عن أبي داود والحاكم ، والعلاّمة الشبلنجي في (نور الأبصار) ١١٦ طبع مصر ، والعلاّمة الخوارزمي في (مقتل الحسين) ج ١ / ١٥٨ طبع الغري ، والعلاّمة النبهاني في (الفتح الكبير) ج ١ / ٢٢ طبع مصر.

ورواه جماعة من أعلام العامّة عن أنس بن مالك ، منهم : أبو نعيم الحافظ في دلائل النبوّة ٤٨٥ طبع حيدرآباد ، وأحمد في المسند : ج ٤ / ٢٤٢ ، طبع الميمنيّة بمصر ، والعلاّمة المحب الطبري في ذخائر العقبى ١٤٦ ، طبع القدسي بمصر ، قال : خرّجه البغوي في معجمه ، وخرّجه أبو حاتم في صحيحه ، والعلاّمة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج ١ صفحة ١٦٠ طبع الغري ، والعلاّمة الذهبي في تاريخ الاسلام :

١٠٦٧

__________________

ج ٣ صفحة ١٠ طبع مصر ، وفي سير أعلام النبلاء : ج ٣ / ١٩٤ ، طبع مصر ، والحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج ٦ / ٢٢٩ ، ط القاهرة ، والعلاّمة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٨٧ ، طبع القدسي بمصر ، وابن حجر في الصواعق كما ذكرناه عنه آنفا ، وجلال الدين السيوطي في الخصائص :ج ٢ / ١٢٥ ، طبع حيدرآباد / قال : وأخرج البيهقي وأبو نعيم ، عن أنس الخ ، وفي كتابه الآخر الحبائك في أخبار الملائك ٤٤ طبع دار التقريب بالقاهرة ، والعلاّمة الشعراني في (مختصر تذكرة الشيخ أبي عبد الله القرطبي) ١١٩ ط مصر ، والعلاّمة النبهاني في الأنوار المحمدية ٤٨٦ ط الأدبية بيروت ، والعلاّمة البرزنجي في (الإشاعة في أشراط الساعة) ٢٤ / ط مصر ، والعلاّمة القندوزي في (ينابيع المودة) الباب الستّون / قال : وأخرج البغوي في معجمه وأبو حاتم في صحيحه وأحمد بن حنبل وابن أحمد وعبد بن حميد وابنه أحمد ، عن أنس الخ ، والعلاّمة الحمزاوي في مشارق الأنوار : ١١٤ طبع الشرقية بمصر.

ورواه بعض أعلام العامة عن أبي الطفيل ، منهم الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ / ١٩٠ طبع القدسي في القاهرة ، وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن.

ورواه بعض أعلام العامّة عن سعيد بن جمهان ، منهم الحافظ محمد بن قايماز الدمشقي المشهور بالذهبي في (تاريخ الاسلام) ج ٣ / ١١ طبع مصر ، وفي كتابه الآخر (سير أعلام النبلاء) ج ٣ / ١٩٥ طبع مصر.

أقول : وأمّا في خصوص تقبيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقديسه تربة كربلاء فقد وردت روايات في كتب أعلام أهل السنّة منهم : الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري في (المستدرك) ج ٤ / ٣٩٨ طبع حيدرآباد ، قال ـ وذكر السند إلى عبد الله بن وهب بن زمعة ـ قال : أخبرتني أمّ سلمة (رض) [أنّ رسول الله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ، ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت

١٠٦٨

ولقد أجمع علماؤنا أنّ أوّل من اتخذ من تراب كربلاء ـ بعد استشهاد أبي عبد الله الحسين سيد الشهداء وانصاره وصحبه السعداء الشهداء الأوفياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ هو الإمام السجاد زين العابدين ، إذ حمل معه كيسا من تلك التربة الزاكية الطيّبة ، فكان يسجد على بعضها ، وصنع ببعضها مسباحا يسبّح به. وهكذا فعل أئمة أهل البيت عليهم‌السلام من بعده ، وهم أحد الثقلين ، فيلزم الاقتداء بهم والأخذ بقولهم وفعلهم لقول النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إني تارك

__________________

به المرّة الأولى ، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها.

فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟! قال «أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام : أنّ هذا يقتل بأرض العراق ـ للحسين ـ. فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها». قال : هذا حديث صحيح.]

ورواه العلاّمة الطبراني في (المعجم الكبير) ص ١٤٥ مخطوط ، بإسناده إلى أم سلمة عن طريق آخر ، فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن المستدرك لكنّه أسقط قولها [ثم اضطجع ، إلى قولها : فاستيقظ]. وذكر بدل قوله حائر : خائر النفس.

ورواه المحب الطبري في (ذخائر العقبى) ١٤٧ طبع القدس بالقاهرة عن طريق ثالث بالإسناد إلى أم سلمة بعين ما تقدّم عن (المستدرك) من قوله [استيقظ وهو حائر دون ما رأيت] الخ لكنّه ذكر بدل كلمة حائر : خائر.

فإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل تربة كربلاء باعتبار أنّها تكون مضجع ولده الحسين في المستقبل ، كيف لا يجوز لنا ان نقبّل تلك التربة ونقدّسها بعد أن أريقت عليها دماء الحسين وأصحابه وآله الأبرار الطيبين الأخيار ، وصارت لهم مرقدا إلى يوم الحساب؟ فصلوات الله وسلامه عليهم وعلى أبدانهم وأرواحهم ، ولقد طابوا وطابت الأرض التي دفنوا فيها.

«المترجم»

١٠٦٩

فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

فالتمسك بهم وبقولهم وفعلهم أمان من الضلال وموجب لدخول الجنّة معهم إن شاء الله تعالى.

ولقد روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رضوان الله تعالى عليه ، في كتابه مصباح المتهجّد ، بأنّ الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام كان يحمل معه شيئا من تربة كربلاء في منديل أصفر ، وكان وقت الصلاة يفتح ذلك المنديل ويسجد على تلك التربة ، وكان يقول : إنّ السجود على تراب قبر جدّي الحسين عليه‌السلام غير واجب ولكن أفضل من السجود على غيره من بقاع الأرض. وهذا رأي جميع فقهاء الشيعة بلا استثناء.

فكانت الشيعة أيضا تحمل من تراب كربلاء في مناديل معهم ، فإذا صار وقت الصلاة فتحوا المنديل وسجدوا على التراب الذي فيه ؛ وبعد ذلك فكّروا بصنع قطعات يسهل حملها ، فمزجوا تراب كربلاء بالماء وجعلوا منه قطعات من الطين اليابس تسهيلا لحمله ونقله فكلّ من أحبّ يأخذ معه طينة يابسة يحملها معه فإذا صار وقت الصلاة ، وضعها حيث يشاء فيسجد عليها ، وهو من باب الفضيلة والاستحباب ، وإلاّ فنحن نسجد على كلّ ما يطلق عليه اسم الأرض ، من الحجر والمدر والتراب والحصى والرمل من كل بقاع الأرض.

والآن فكروا هل يصح منكم ـ وأنتم علماء القوم ـ أن تهاجموا الشيعة المؤمنين ، لأجل سجودهم على تراب كربلاء؟ فتلبسوا الواقع

١٠٧٠

على أتباعكم ، فيظنّون بأنّ الشيعة كفار ومشركون ، يعبدون الأصنام ، ومن المؤسف أنّ بعض علماء أهل السنة أيضا يماشي عامة الناس ويؤيّدهم من غير أن يتحقق في الموضوع ، ليعرف ما هو دليل الشيعة على عملهم وما هو معنى ومغزى سجودهم على الطينة اليابسة؟!

ولو كان علماء العامّة يحقّقون في ذلك لعرفوا أنّ الشيعة أكثر خضوعا وأكثر تذلّلا لله عزّ وجلّ ، إذ يضعون جباههم ـ وهو أفضل مواضع الجسم ـ على التراب الذي يسحق بالأقدام ، يضعون جباههم عليه خضوعا لله وعبوديّة له سبحانه ، وهكذا يتصاغرون أمام عظمة الله تعالى ويتذلّلون له عزّ وجلّ.

فالعتب على علماء العامّة إذ يتّبعون بعض أسلافهم في إثارة التّهم والافترءات والأكاذيب على الشيعة ، بغير تحقيق وتدبّر ، فنحن ندعوهم إلى التفكّر والتعمّق في معتقداتهم ومعتقداتنا ، ونطلب منهم بإلحاح أن يحقّقوا المسائل الخلافية بيننا وبينهم ، فيعرفوا دلائلنا ، لعلّهم يجدوا الحقّ فيتّبعوه.

كما نؤكّد عليهم أن يمرّوا بفتاوى أئمة المذاهب الأربعة ، ليجدوا سخافة الرأي وغريب النّظر فيها من قبيل جواز نكاح الأم ، ونكاح الولد الأمرد في السفر ، أو المسح على العمامة والخفّين في الوضوء والوضوء بالنبيذ ، أو السجود على العذرة اليابسة وغيرها من الفتاوى العجيبة والآراء الغريبة (١). والأغرب تسليم سائر علمائكم لتلك

__________________

(١) توجد هذه الفتاوى وغيرها في كتاب الفقه على المذاهب الخمسة وهو كتاب علمي تحقيقي تأليف حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد جواد مغنية رحمه‌الله تعالى.

«المترجم»

١٠٧١

الآراء وعدم نقضها ، ولكنّهم يطعنون في رأي أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، ويتجرءون على ردّهم ، والتجاسر على رمي شيعتهم الذين يتبعونهم بالكفر والشرك ، وربما أفتوا بجواز قتل الشيعة وإباحة أموالهم ، فبهذه الفتاوى والأعمال يضعّفون جانب الإسلام ، ويعبّدون الطريق لسلطة اليهود والنصارى على رقاب المسلمين وبلادهم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحّد بين المسلمين ويؤلّف قلوبهم ويلقي بيننا وبينكم المودّة والمحبّة إنّه سميع مجيب.

الرجوع الى موضوع نقاشنا في الليلة الماضية

نكتفي بهذا المقدار من العتاب والتظلّم ، ونرجع إلى موضوع الحوار والنقاش الذي تركناه ناقصا في الليلة الماضية. وهو ردّنا لكلام فضيلة الشيخ عبد السلام ، إذ قال : حيث كان أبو بكر أكبر سنا من سيدنا علي كرّم الله وجهه ، أجمع الأصحاب على تقديمه في الخلافة فبايعوه وأخّروا عليا.

فأقول : أولا : ادّعاء الإجماع باطل .. لمخالفة بني هاشم قاطبة ، وكذلك مخالفة الذين اجتمعوا في بيت السيدة فاطمة عليها‌السلام ، وهكذا سعد ابن عبادة فإنّه خالف خلافة أبي بكر وما بايعه إلى آخر عمره ، وتبعه أكثر قومه لأنّه كان صاحب الحلّ والعقد فيهم وكانوا له خاضعين تابعين (١).

__________________

(١) أقول : لا شك ولا ريب أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة من فلتات الجاهليّة ، وقد صرّح بذلك عمر بن الخطاب ، راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢ / ٢٢ وما بعدها / ط دار إحياء الكتب العربية بيروت.

١٠٧٢

__________________

فأين الفلتة من الإجماع؟!

ولو نظرنا إلى الحوادث والوقائع التي كانت عقيب السقيفة والمعارضات التي بدت من المهاجرين والأنصار لخلافة أبي بكر ، عرفنا أنّ الإجماع ما تمّ أبدا ، وإنّما بايع بعض وعارض آخرون ، ثم خضعوا خوفا من القتل. كما روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ٢١٩ ، ط دار إحياء الكتب العربية بيروت. [وقال البرّاء بن عازب : ... وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالازر الصنعانيّة ، لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه ، وقدّموه فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ؛ شاء ذلك أو أبى ؛ فأنكرت عقلي ...

قال : ورأيت في الليل ، المقداد وسلمان ، وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيّهان وحذيفة وعمّارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.]

ونقل أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ١٩ ، عن الزبير بن بكّار أنّه قال : فلما بويع أبو بكر ، أقبلت الجماعة التي بايعته تزفّه زفّا إلى مسجد رسول الله (ص) ، فلمّا كان آخر النهار ، افترقوا إلى منازلهم ، فاجتمع قوم من الأنصار وقوم من المهاجرين ، فتعاتبوا فيما بينهم ، فقال عبد الرحمن بن عوف : يا معشر الأنصار ، إنّكم وإن كنتم أولي فضل ونصر وسابقة ؛ ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا عليّ ولا أبي عبيدة.

فقال زيد بن أرقم : إنّا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرحمن. وإنّ منّا لسيّد الأنصار : سعد بن عبادة ، ومن أمر الله رسوله أن يقرئه السلام ، وأن يؤخذ عنه القرآن : أبيّ بن كعب ، ومن يجيء يوم القيامة امام العلماء : معاذ بن جبل ، ومن أمضى رسول الله (ص) شهادته بشهادة رجلين : خزيمة بن ثابت ؛ وإنّا لنعلم أنّ ممّن سمّيت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد : علي بن أبي طالب.

١٠٧٣

__________________

ونقل ابن أبي الحديد في ص ٢١ قال : وروى الزبير بن بكّار ، قال : روى محمد بن إسحاق أنّ أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرّة.

قال : وكان عامّة المهاجرين وجلّ الانصار لا يشكّون أنّ عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأما الذين عارضوا خلافة أبي بكر ولم يبايعوه ، منهم : ، سعد بن عبادة سيد الخزرج وزعيمهم ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ١٠ : فكان لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يجتمع بجماعتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعوانا لضاربهم ، فلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر ..

فلم يلبث سعد بعد ذلك إلاّ قليلا حتى خرج إلى الشام ، فمات بحوران ولم يبايع لأحد ، لا لأبي بكر ولا لعمر ولا لغيرهما.

ومنهم خالد بن سعيد بن العاص ، كما في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ٤١ ، قال ابن أبي الحديد نقلا عن أبي بكر الجوهري وهو بإسناده إلى مكحول قال [إنّ رسول الله (ص) استعمل خالد بن سعيد بن العاص على عمل ، فقدم بعد ما قبض رسول الله (ص) وقد بايع الناس أبا بكر ، فدعاه إلى البيعة ، فأبى ، فقال عمر : دعني وإيّاه ، فمنعه أبو بكر ، حتى مضت عليه سنة.]

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ / ٢١٨ ، ط دار إحياء الكتب العربية ، تحت عنوان : اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله (ص) [لما قبض رسول الله (ص) واشتغل علي عليه‌السلام بغسله ودفنه ، وبويع أبو بكر ؛ خلا الزبير وأبو سفيان وجماعة من المهاجرين بعبّاس وعليّ عليه‌السلام لإجالة الرأي .. الخ ، وقد استعرض في هذا الفصل بعض الخلافات التي شبّت عقيب بيعة أبي بكر ، إلى أن قال : بأنّ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة والمغيرة ، دخلوا على العباس وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله (ص) ، فبدأ أبو بكر بالكلام إلى أن قال للعباس : فقد

١٠٧٤

__________________

جئناك ، ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ، ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول الله (ص) وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله (ص) ومكان أهلك ، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم ، وعلى رسلكم بني هاشم ؛ فإنّ رسول الله (ص) منّا ومنكم.

فاعترض كلامه عمر ، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته ، فقال : إي والله. وأخرى : إنّا لم نأتكم حاجة إليكم ، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم ولعامّتهم. ثم سكت.

فتكلّم العباس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّ الله ابتعث محمدا (ص) نبيّا كما وصفت ووليّا للمؤمنين .. إلى أن قال لأبي بكر : فإن كنت برسول الله (ص) طلبت ـ الخلافة ـ فحقّنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ؛ ما تقدمنا في أمركم فرطا ولا حللنا وسطا. ولا نزحنا شحطا ؛ فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنّا نحن كارهين. وما أبعد قولك : إنّهم طعنوا من قولك إنّهم مالوا إليك! وأمّا ما بذلت لنا ، فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك ، وإن يكن حقّ المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن يكن حقّنا لم نرض لك ببعضه دون بعض.

وما أقول هذا أروم صرفك عمّا دخلت فيه ، ولكن للحجّة نصيبها من البيان. وأمّا قولك : إنّ رسول الله (ص) منّا ومنكم. فإنّ رسول الله (ص) من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.

وأما قولك يا عمر : إنّك تخاف الناس علينا. فهذا الذي قدمتموه أوّل ذلك ، وبالله المستعان.]

وروى ابن أبي الحديد أيضا في شرح نهج البلاغة : ج ٦ / ١١ ، ط دار إحياء التراث

١٠٧٥

ثانيا : أما قولك بأن أبا بكر كان أحق بالخلافة من الإمام عليّ عليه‌السلام لأنّه كان أكبر سنّا ، فمردود أيضا ، ولا يخفى على من درس التاريخ وسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأنّ رسول الله كان يولّي عليا مهامّ الأمور ، مع وجود المسنّين ، لكنّه كان يرى عليا لائقا وأهلا لتولّي الأمور المهام

__________________

العربي قال [وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة ، منهم أسيد بن خضير وسلمة بن أسلم ، فقال لهم : انطلقوا فبايعوا ، فأبوا عليه ؛ وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب ، فوثب عليه سلمة بن أسلم ، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ، ثم انطلقوا به وبعليّ ومعهما بنو هاشم ، وعليّ يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله (ص) ، حتى انتهوا به إلى أبي بكر ، فقيل له : بايع ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله (ص) ، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار. فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.]

فقال عمر : إنّك لست متروكا حتى تبايع. فقال له عليّ «أحلب يا عمر حلبا لك شطره! أشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا! ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه». فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك ، ... فقال عليّ «يا معشر المهاجرين ، الله الله! لا تخرجوا سلطان محمد (ص) عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن ـ أهل البيت ـ أحقّ بهذا الأمر منكم ، ما كان منّا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بالسنّة ، المضطلع بأمر الرّعية! والله إنّه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى ، فتزدادوا من الحقّ بعدا».

بالله عليكم أيّها الإخوان! أنصفوا! أين هذا الكلام من الإجماع؟!

«المترجم»

١٠٧٦

ولا يرى للمسنّين لياقة وكفاءة مثل الإمام عليّ عليه‌السلام.

وإنّ عزل أبي بكر من تبليغ الآيات الأولى من سورة براءة ، ونصب عليّ عليه‌السلام مكانه من أجلى مصاديق ذلك وأظهرها وأشهرها.

النوّاب : أرجو أن تبيّنوا لنا هذا الموضوع ، لأنّكم في إحدى الليالي السالفة أيضا أشرتم إليه وما شرحتموه ، ويبدو أنّ هذه القضيّة من الأمور المهمة والمسلّمة ، لأنّي ما أحسست مخالفة وإنكارا من علمائنا ، حينما تشيرون إليها.

الله جلّ جلاله عزل أبا بكر ونصب عليا عليه‌السلام

قلت : لقد أجمع علماء المسلمين وأهل التاريخ والسّير والمفسّرون بأنّ آيات أول سورة براءة حين نزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها ذم المشركين والبراءة منهم وإعلان الحرب عليهم ، بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر بالآيات ليؤذّن بها في موسم الحج ويسمعها المشركين ، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة ، فلما انطلق أبو بكر نحو مكة ومعه جماعة من المسلمين ، دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا فقال له : أخرج بهذه الآيات ، فإذا اجتمع الناس إلى الموسم فأذّن بها حتى يسمع كل من حضر من المشركين فيبلّغوا أهل ملّتهم ، أن لا يدخلوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، ودفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناقته العضباء إلى الإمام عليّ عليه‌السلام فركبها وسار حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة ، فأخذ منه الآيات وأبلغه أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرجع أبو بكر إلى المدينة فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله هل نزل فيّ قرآن؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا ولكن لا يبلّغ عني إلاّ أنا أو رجل منّي».

وأمّا عليّ عليه‌السلام فقد ذهب بالآيات وأذّن بها في الحج ويوم النحر

١٠٧٧

وأسمعها كل من حضر من المشركين ، كما أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

النوّاب : هل ذكر أعلام العامّة وكبار علماء السنّة هذا العزل والنصب في كتبهم ، أم أنّ الشيعة انفردوا بنقل هذا الخبر؟

قلت : لقد بيّنت لكم آنفا ، أنّ علماء الإسلام من محدّثين ومؤرخين ومفسرين ذكروا الخبر ونشروه في كتبهم ، وسأذكر لكم بعضها لكي تطمئنّ قلوبكم بحقيقة الخبر وصدقه :

صحيح البخاري : ج ٤ و ٥ ، والجمع بين الصحاح الستة ج ٢ ، وسنن البيهقي صفحه ٩ و ٢٢٤ ، وجامع الترمذي : ج ٢ / ١٣٥ ، وسنن أبي داود ، ومناقب الخوارزمي ، وتفسير الشوكاني : ج ٢ / ٣١٩ ، ومطالب السئول ، وينابيع المودة / باب ١٨ ، والرياض النضرة وذخائر العقبى / ٦٩ ، وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي تحت عنوان : تفسير معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي عليه‌السلام ، وكتاب خصائص مولانا علي بن أبي طالب للنسائي / ٢٠ ، طبع التقدّم بالقاهرة نقل الحديث والخبر عن ستة طرق ، والبداية والنهاية لابن كثير الدمشقي : ج ٥ / ٣٨ وج ٧ / ٣٥٧ ، والإصابة لابن حجر العسقلاني : ج ٢ / ٥٠٩ ، وتفسير الدرّ المنثور للسيوطي : ج ٣ / ٢٠٨ في أول تفسير سورة براءة ، والطبري في جامع البيان : ج ١٠ / ٤١ ، والثعلبي في تفسير كشف البيان ، وابن كثير أيضا في تفسيره : ج ٢ / ٣٣٣ ، وروح المعاني للآلوسي : ج ٣ / ٢٦٨ والصواعق المحرقة لابن حجر المكّي / ١٩ ، طبع الميمنية بمصر ، ومجمع الزوائد للحافظ الهيثمي : ج ٧ / ٢٩ ، وكفاية الطالب للعلاّمة الكنجي الشافعي / باب ٦٢ رواه مسندا عن أبي بكر ، ثمّ قال : هكذا رواه الإمام أحمد في مسنده ، ورواه أبو نعيم الحافظ ،

١٠٧٨

وأخرجه الحافظ الدمشقي في مسنده بطرق شتى ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ١ / ٣ و ١٥١ ، وج ٣ / ٢٨٣ ، وج ٤ / ١٦٤ و ١٦٥ ، والمستدرك للحاكم : ج ٢ / ٥١ و ٣٣١ ، وكنز العمال : ج ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٩ وج ٦ / ١٥٤ في فضائل علي عليه‌السلام. ورواه غير هؤلاء وهو من الأخبار المتواترة.

السيد عبد الحي : حينما أسمع أو أقرأ هذا الخبر ، يتبادر سؤال في نفسي وهو : أن رسول الله (ص) في مثل هذه الأمور لا يقدم إلاّ بإشارة من الله سبحانه ، فكيف بعث أوّلا أبا بكر (رض) ثم عزله وبعث سيدنا عليا كرم الله وجهه؟ يا ترى ما الحكمة في هذا العمل؟! وهو لا يخلو من شيء لا من الاستخفاف وشبهه!!

لما ذا عزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر؟

قلت : لم يذكر أحد العلماء والمحدثين في الكتب سببا منصوصا لعمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما ذكروا بعض الأسباب الاحتماليّة ، أشهرها ما نقله ابن حجر في صواعقه / ١٩ ، وسبط ابن الجوزي في تذكرته تحت عنوان : تفسير قوله (ص) : ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي جاء فيه ، وقال الزهري [إنّما أمر النبي (ص) عليا عليه‌السلام أن يقرأ براءة دون غيره لأنّ عادة العرب أن لا يتولّى العهود إلاّ سيد القبيلة وزعيمها أو رجل من أهل بيته يقوم مقامه كأخ أو عم أو ابن عم فأجراهم على عادتهم ،] قال : وقد ذكر أحمد في الفضائل بمعناه. (انتهى ما نقلناه من التذكرة).

وأما هذا في نظري غير تامّ ، لأنّه لو كان كذلك لما بعث رسول

١٠٧٩

الله (ص) أبا بكر أوّلا. بل كان من بادئ الأمر يبعث عمّه العباس وهو ذو شيبة وكان يعدّ الشيخ ذا السّنّ من بني هاشم ، وإنما الذي يظهر من هذا الأمر ، أنّ الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرادا أن يظهرا مقام الإمام عليّ عليه‌السلام ومنزلته ، وأنّه سفير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذي هو كفو وأهل لينوب عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نعم أرادا كشف هذه الحقيقة حتى يستنبط شيعة علي عليه‌السلام منها الرّدّ القانع والجواب القاطع على كلامكم الزائف وقولكم بأنّ أبا بكر أحق بالخلافة من عليّ عليه‌السلام لأنّه كان أسنّ منه.

وإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبعث عليا عليه‌السلام بادئ الأمر ، ما كان يلفت النظر ولم يكن له هذا الصّدى والانعكاس الذي حصل من عزل أبي بكر ونصب الإمام عليّ عليه‌السلام وذلك بأمر من جبرئيل عن الله عزّ وجلّ إذ قال «لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك».

فيحصل من هذا الخبر المتواتر أنّ نيابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقيام مقامه لا يرتبط بكبر السنّ أو حداثته ، وإنّما يلزم فيه الكفاءات ، واللياقات التي كانت في الإمام عليّ عليه‌السلام ولم تكن في أبي بكر ، ولذا عزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بأمر الله سبحانه ـ أبا بكر ونصب الامام عليّ لأداء تلك المهمّة ، فهو المقدّم عند الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أبي بكر وغيره.

السيد عبد الحيّ : لقد ورد في بعض الأخبار عن أبي هريرة بأنّ عليا كرم الله وجهه التحق بأبي بكر بأمر النبي (ص) ، وذهبا معا إلى مكة فعلي بلّغ الآيات النازلة في أوّل سورة البراءة ، وأبو بكر علّم الناس مناسك الحج ، فكلاهما متساويان في التبليغ.

قلت : هذا الخبر من وضع البكريين وأكاذيبهم وهو غير مشهور

١٠٨٠