السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الثقلين الثقافيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٩١
الله ، محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّ وليّ الله ، فهذه المعاناة طيلة ألف عام وأكثر ، يستحيل أن تكون لغرض سياسي دنيوي ، وإنّما تكون لهدف معنوي اخروي ، والتشيّع عند معتنقيه من الإيرانيّين وغيرهم هدف لا وسيلة!
أسباب تشيّع الإيرانيّين
أمّا الأسباب التي دعت الإيرانيّين إلى التمسّك بمذهب الشيعة ، والالتزام بولاء أهل بيت النبوّة ، ومتابعتهم ، والسير على منهج علي بن أبي طالب وأبنائه الطيّبين عليهمالسلام والتّفاني في ذلك ، هى :
١ ـ عدم وجود العصبيّات القبليّة والنزعات الطائفيّة والدواعي العشائرية عندهم ، لأنّهم لم يكونوا ينتمون إلى أيّة قبيلة من قبائل قريش أو غيرها الموجودة في الجزيرة العربية ، وبعيدا عن كلّ هذه ، وجدوا الحقّ في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فانحازوا إليه ، ولم تصدّهم العصبيّات والنزاعات عن طريق أهل البيت عليهمالسلام ومذهبهم.
٢ ـ الذكاء والتعقّل عندهم (١) ، يمنعهم من التعصّب الباطل والتقليد الأعمى ، فهم أهل تحقيق وتدقيق في أمر الدين والعبادة ، لذلك كانت المجوسية عندهم رخوة ومتزلزلة ، ولهذا السبب أسلمت أكثر بلادهم من غير حرب وفتحت من غير مقاومة ، وبعد فتح بلادهم تركوا
__________________
(١) روى الإمام أحمد في مسنده ٢ / ٤٢٠ ـ ٤٢٢ ، عن النبي (ص) أنّه قال : لو كان العلم بالثريّا ، لتناوله ناس من أبناء فارس.
وفي الإصابة ٣ / ٤٥٩ ، أخرج ابن قانع بإسناده عن رسول الله (ص) : لو كان الدين متعلّقا بالثريّا لتناوله قوم من أبناء فارس. «المترجم».
المجوسية من غير كره وإجبار واعتنقوا الإسلام بالحريّة والاختيار ، لانّهم عاشروا المسلمين وحقّقوا حول الإسلام ، وعرفوا حقّانيّته ، فتمسّكوا به ، وأصبح الإسلام دينهم الذي كانوا يضحّون أنفسهم دونه ، ويقدمون الغالي والنفيس من أجله ، ويجاهدون في سبيل الله تحت راية الاسلام مع العرب وغيرهم من المسلمين جنبا لجنب في صفّ واحد وبعد ما دخلوا في الإسلام ، واجهوا مذاهب شتّى وطرائق قددا ، كلّ منهم يدّعي الحقّ وينسب الآخرين إلى الضلال. فدقّقوا وفتّشوا عن الحقيقة ، وفحصوا وحقّقوا عن الحقّ والواقع ، فوجدوه في مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، فتمسّكوا به وانعقدت قلوبهم على معالمه ، فتبعوا عليّا عليهالسلام وأبناءه المعصومين ، ورضوا بهم أئمّة وقادة وسادة ، لأنّ الله تعالى جعلهم كذلك.
٣ ـ إنّ عليّا عليهالسلام كان يعرف حقوق الإنسان وحقوق الأسرى في الإسلام ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يوصي المسلمين بالأسرى ويقول : أطعموهم ممّا تطعمون ، وألبسوهم ممّا تلبسون ، ولا تؤذوهم ... إلى آخره ، فكان عليّ عليهالسلام يلتزم بتطبيق هذه الحقوق ، وأمّا غيره فما كان يعرفها! وإذا كان يعرفها ما كان يلتزم بها.
وحينما جاءوا بأسرى الإيرانيين إلى المدينة ، عاملهم بعض المسلمين بما لا يليق ، فقام عليّ عليهالسلام بالدفاع عنهم ، وخاصة عن ابنتي الملك حين أمر الخليفة أبو حفص ببيعهنّ ، ولكنّ عليّا عليهالسلام منعه وقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منع بيع الملوك وأبنائهم وبناتهم ، وإنّما تنتخب كلّ واحدة من هاتين رجلا من المسلمين فتتزوّج به.
وعلى هذا انتخبت إحداهنّ ـ وهي «شاه زنان» ـ محمّد بن أبي بكر ، وانتخبت «شهربانو» ـ وهي الأخرى ـ الإمام الحسين عليهالسلام.
وذهب كلّ منهما مع زوجته بعقد شرعي ونكاح إسلامي إلى بيته ، فولدت شاه زنان من محمد ولده «القاسم» وأصبح من فقهاء المدينة وهو والد «أمّ فروة» والدة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام ، وولدت شهربانو الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهالسلام.
فلمّا رأى بعض الإيرانيّين وسمع آخرون منهم بزواج ابنتي يزدجرد واحترام الإمام عليّ عليهالسلام لهما ، شكروا هذا الموقف التاريخي العظيم ، والقرار الإنساني الجسيم ، من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
وكان هذا من أهمّ الأسباب التي دعت الإيرانيين إلى تحقيق أكثر حول شخصية أبي الحسن عليهالسلام ، وعليّ عليهالسلام هو الرجل المقدّس الذي كلّما زاد الإنسان معرفة به ، زاد حبّا له وتعظيما.
٤ ـ ارتباط الإيرانيّين وعلاقتهم بسلمان الفارسي وهو منهم ، ثمّ لسابقته الفاخرة في الإسلام ، ومكانته المرموقة عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتّى عدّه من أهل بيته ، في الحديث الذي اشتهر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في كتب الشيعة والسنّة أنّه قال (ص) : سلمان منّا أهل البيت (١).
وكان ينادى من ذلك اليوم : بسلمان المحمّدي.
ولسائر فضائله ومناقبه أصبح محور الإيرانيّين ومرجعهم في امور الدنيا والدين.
__________________
(١) مستدرك الحاكم : ٣ / ٥٩٨ ، وشرح مختصر صحيح البخاري ـ لابي محمّد الأزدي ـ : ٢ / ٤٦. «المترجم».
ولمّا كان سلمان من شيعة أهل البيت والموالين لآل محمّد (ص) ومن المخالفين لاجتماع السقيفة والخليفة المنتخب فيها ، أرشد قومه وهداهم إلى مذهب الشيعة ، ودعاهم إلى التمسّك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم ، وهو ولاية وإمامة أبي الحسن أمير المؤمنين ، لأنّه شهد يوم الغدير ، وبايع عليّا عليهالسلام بالخلافة ، وسمع أحاديث عديدة من فم النبيّ الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم في شأن أبي الحسن وسمع مرارا حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أطاع عليّا فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله ، ومن خالف عليّا فقد خالفني ، ومن خالفني فقد خالف الله (١).
٥ ـ لو تعمّقنا في الموضوع وتفحّصنا التاريخ للوصول إلى جذوره ، لوجدنا أنّ من أهمّ أسباب التفاف الإيرانيّين حول عليّ وبنيه عليهمالسلام ، وابتعادهم عن الغاصبين لحقوق آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم هو : سوء معاملة الخليفة عمر بن الخطّاب مع الإيرانيّين بعد ما أسلموا وهاجر كثير منهم إلى المدينة المنوّرة ، فكانت سيرته معهم خلاف سيرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع سلمان ، وكانت سيرته معهم تصرّفات شخصية تنبئ عن حقد دفين في قلبه لهم ، وكان يحقّرهم ويمنعهم من الحقوق الاجتماعية التي منحها الله تعالى لكلّ إنسان (٢).
__________________
(١) ذكر الحديث الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ـ طبعة دار المعرفة بيروت ـ : ٣ / ١٢١ مع اختلاف فليراجع.
(٢) روى مالك في الموطّا : ٢ / ١٢ ، عن الثقة عنده ، أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول :«أبى عمر بن الخطّاب أن يورّث أحدا من الأعاجم إلاّ أحدا ولد في العرب» وعلى هذا يفتي مالك فيقول : «وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدوّ فوضعته في أرض العرب فهو ولدها ، يرثها إن ماتت ، وترثه إن مات ، ميراثها في كتاب الله» مع
أمّا معاملة الإمام علي عليهالسلام معهم فقد كانت حسنة كمعاملة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لسلمان الفارسي.
لهذا كان حبّ الإمام عليّ وبنيه عليهمالسلام ، وبغض عدوّه وظالميه ، مكنون في قلوب الإيرانيّين ، ولم يجدوا فرصة لإظهارهما حتّى القرن الرابع الهجري في عهد : آل بويه ودولتهم ، فأظهروا حبّهم لعليّ وأبنائه عليهمالسلام وبغضهم لظالميه وأعدائه.
وليس هناك أيّ ارتباط بين تشيّع الإيرانيّين وحكومة هارون وابنه المأمون العبّاسي.
دولة آل بويه
وأمّا آل بويه ـ الّذين بدأت دولتهم في شيراز في القرن الرابع الهجري ، وسرعان ما سرى نفوذهم في كلّ بلاد إيران والعراق ، بل امتدّ سلطانهم في جميع بلاد بني العبّاس ، وكانت كلمتهم تحكم في كلّ الولاة والحكّام ، وليس للخليفة العبّاسي إلاّ مراسيم الخلافة ـ فقد كانوا من شيعة إيران ، وآل بويه مع هذه القدرة والنفوذ ، ومع أنّهم كانوا شيعة وموالين لعليّ وبنيه عليهمالسلام ، فهم لم يحاربوا التسنّن ، كما
__________________
العلم أنّ حكم التوارث بين المسلمين عربا كانوا أم أعاجم ، وأين ما ولدوا ، في أرض العرب أو غيرها ، من ضروريات دين الإسلام ، نطق به كتاب الله ورسوله ، فليس هناك تخصيص ، وليس من شروط التوارث الولادة في أرض العرب ، ولا العروبة شرط الإسلام ، ولكن كم لهذه القضية في حكومة عمر من نظائر ، وهي تنبئ عن نزعته القومية والعصبية الجاهلية المتأصّلة فيه.
«المترجم».
فعل الكثير من ملوك أهل السنّة مع الشيعة ، ولم يتعصّبوا للشيعة على السنّة ، وإنّما أعطوا الشيعة حرّيّة إبداء العقيدة فحسب (١).
__________________
(١) ولو راجعت تاريخ ابن الاثير المسمّى بالكامل ، حوادث ما بعد عام ٤٤٠ ، لعرفت عفوهم وتغاضيهم عن أهل التسنّن في كثير من الحوادث التي أجّجوا نارها ، والفتن التي أحدثوها ضدّ الشيعة.
نعم ، آل بويه أعانوا علماء الشيعة على تأسيس المدارس لنشر علوم آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولنشر الكتب في بيان عقائد الإمامية ودفع الشبهات عنهم ، وكانوا يحبّون التفاهم مع السنّة والجماعة عن طريق الاستدلال العلمي والحوار المنطقي ، لا السيطرة عليهم بالقهر والغلبة.
وفي تاريخ «الكامل» في حوادث عام ٣٧٢ ، قال : وكان ـ عضد الدولة ـ محبّا للعلوم وأهلها ، مقرّبا لهم ، محسنا إليهم ، وكان يجلس معهم يعارضهم في المسائل ، فقصده العلماء من كلّ بلد وصنّفوا له الكتب ، ومنها : الإيضاح في النحو ، والحجة في القراءات ، والملكي في الطبّ ، والناجي في التاريخ ... إلى غير ذلك.
فابن الأثير يشهد لهم بحبّهم لعامة أهل العلم لا الشيعة خاصة. وحينما وجد الشيعة حرّيّة العقيدة في دولة آل بويه ، أظهروا ولاءهم وحبّهم للإمام عليّ وبنيه ، وأعلنوا عداءهم وبغضهم لاعدائه وظالميه ... وكان بدء ذلك في بغداد عاصمة بني العبّاس ، وكان يرأس هذه الحركة ، زعيم الطائفة الشيعية ، وأعلم أهل زمانه في العلوم الدينية : الشيخ المفيد ، وهو عربي من بغداد ، وتلاميذه : السيّد الرضي ، والسيّد المرتضى ، وغيرهما ، ولا يشكّ أحد في عروبتهم.
كما لا يشكّ أحد من العلماء المحقّقين ، أنّ الّذين انضمّوا تحت راية الإمام عليّ عليهالسلام في حربه مع عائشة وطلحة والزبير في يوم الجمل ، وفي حربه مع معاوية وابن العاص في صفّين وفي النّهروان ، كانوا شيعته وأتباعه ، وقد كانوا من المهاجرين والأنصار الّذين بايعوه في المدينة وكانوا من أهل الكوفة واليمن ، كلّهم من العرب ويرجع أصلهم ونسبهم إلى عدنان وقحطان ، أكانت قريش من الفرس؟! أم
شيعة إيران في عهد المغول
وفي سنة ٦٩٤ هجرية فتح غازان خان المغولي بلاد إيران ، ولكنّه أسلم وسمّي ب : «السلطان محمود» وكان يظهر الحبّ والولاء لآل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويحترم محبّيهم ، وكان الشيعة في حريّة العقيدة في دولته ، ولمّا توفّي سنة ٧٠٧ هجرية خلفه أخوه ، وقد أسلم هو أيضا وسمّي : «محمد شاه خدابنده» ولمّا اطّلع هذا على كثرة المذاهب ، وأهل كلّ مذهب يزعمون أنّهم على حقّ وأنّ غيرهم على ضلال ،
__________________
الاوس والخزرج ، أم همدان وكندة ، أم تميم ومضر ، وغيرهم من قبائل الجزيرة العربية؟؟!
وأمّا المشاهير من أصحابه وأركان جيشه : فمالك الاشتر وهاشم المرقال وصعصعة ابن صوحان وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد بن عبادة وابن عبّاس ومحمد بن أبي بكر وعديّ بن حاتم الطائي وأويس القرني ونظراؤهم ، أيّهم كان فارسيا حتّى ينسب مذهبهم إلى الفرس؟!
ولو كان مقياس الحقّ والباطل العربية والفارسية ، فإنّ المذاهب الاربعة أحقّ بالانتساب إلى الفرس والأعاجم ، لأنّ أبا حنيفة وهو الإمام الأعظم لأهل السنّة فارسي أعجمي.
ولو استقرأت أرباب الصحاح الستّة ، لعرفت أنّهم جميعا من العجم ، والصحاح الستّة هي الأساس لمذاهب السنّة.
وأمّا أصحاب التفاسير ، فأشهرهم : النيسابوري والطبري والزمخشري والرازي و...
ولكن لا اعتبار عندنا للقوميات ، وليست القومية عندنا معيارا للحقّ والباطل ، فقد قال الله عزّ وجلّ في سورة الحجرات ، الآية ١٣ : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).
«المترجم».
أحبّ أن يعرف الحقيقة ويكشف عن الحقّ ليتمسّك به ، فأمر بإحضار العلماء من كلّ مذهب ، ثمّ أمرهم بالمناقشة والمناظرة والمحاورة بمحضره.
وكان العلاّمة الكبير الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف الحلّي ، ممثّل الشيعة في المجلس ، وهو وحده ناظر جميع علماء المذاهب الأربعة الحاضرين في مجلس السلطان ، وأفحمهم بالأجوبة الكافية والأدلة الشافية ، وأورد عليهم مسائل وإشكالات فلم يتمكّنوا من ردّها.
هنالك ظهر الحقّ وزهق الباطل ، وأعلن «خدابنده» وحاشيته تشيّعهم ، وأصدر بعد ذلك بيانا الى جميع ولاته على البلاد ، وأخبرهم بما جرى في مجلسه ، وأنّه تشيّع عن علم ودراية ، لذا يجب أن تلقى الخطب في الجمعة والجماعات باسم الإمام علي وأبنائه عليهمالسلام ، وطبع الدراهم والدنانير بكلمة : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، علي وليّ الله ، وسعى كثيرا واجتهد لنشر مذهب الشيعة في البلاد.
والملوك الصفويّون من بعد المغول ، جدّوا واجتهدوا في نشر مذهب الشيعة ، وأعلنوه المذهب الرسمي في إيران ، وقدّموا خدمات عظيمة للبلاد والعباد تحت رعاية علماء الشيعة ومفكّريهم.
وإلى يومنا هذا ، فإنّ المذهب الرسمي في إيران هو مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ، وهذا منذ عهد آل بويه قبل الفترة الصفوية بسبعمائة عام ، والمجوس أقليّة لا يعدّون شيئا بالنسبة للمسلمين في ايران بل هناك أقلّيّات أخرى ، ربّما يكون عددهم أكثر من المجوس ، وهم أيضا لا يعدّون شيئا بالنسبة للمسلمين الشيعة في بلاد الفرس.
فالأكثرية الساحقة في إيران ، يعتقدون ب : توحيد الله سبحانه وتعالى ، وبرسالة محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم
أجمعين ، وبإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأبنائه المعصومين الأحد عشر عليهمالسلام.
الحافظ : إنّي أتعجّب منك أيّها السيّد الحجازي المكّي المدني ، حيث حللتم في إيران ، نسيت أصلك ، وتركت شريعة جدّك ، وصرت مدافعا عن الإيرانيّين ، وحسبتهم أتباع عليّ كرم الله وجهه ، والحال أنّ عليا برئ من عقائدهم ومذهبهم ، لأنّهم يؤلّهون عليّا ويجعلونه بمنزلة الربّ (عزّ وجلّ) في أشعارهم وأقوالهم ، وهو باليقين بريء من هذه العقيدة ، لأنّه كان عبدا مطيعا لله سبحانه وتعالى.
والآن أقرأ عليك بعض أشعار شعراء إيران الشيعة حتّى تعرف صدقي وصحّة كلامي ، فقد أنشد الشاعر الإيراني ، عن لسان عليّ كرّم الله وجهه كفرا صريحا ، وهو :
مظهر كلّ عجايب كيست؟ من |
|
مظهر كلّ العجائب من؟ ... أنا! |
مظهر سرّ غرائب كيست؟ من |
|
مظهر سر الغرائب من؟ ... أنا! |
صاحب عون نوائب كيست؟ من |
|
صاحب عون النوائب من؟ أنا ...! |
در حقيقت ذات واجب كيست؟ من |
|
في الحقيقة ذات الواجب من؟ أنا ..! |
ويقول الآخر :
در مذهب عارفان آگاه |
|
الله علي ، علي است الله! |
في مذهب العرفاء العالمين |
|
الله علي ، علي هو الله! |
فهل بعد هذا تشكّ في كفرهم؟!
قلت :
إنّي لا أشكّ ، ولا كنت شاكّا ، في كفر القائلين لهذه الأبيات وأمثالها ، والعجب ثمّ العجب منك ، إذ تنسب هؤلاء الشعراء الملاحدة والغلاة الزنادقة ، إلى الشيعة الموحّدين لله تعالى ، وعلى هذا الحساب الجائر والخيال القاصر ، تفتون ـ لأتباعكم ـ بكفر الشيعة ، وتسمحون لعوامكم بنهب أموال الشيعة وسفك دمائهم وهتك أعراضهم.
فكم شبّت فتن على أثر هذه الفتاوى ، في أفغانستان وتاجيكستان وأزبكستان وتركستان والهند وباكستان وغيرها ، التي يندى منها جبين البشرية ، وتبكي لها عين الإنسانية ، والله يعلم كم من الشيعة المؤمنين قتلوا بأسلحة أتباعكم العوام ، لأنّهم بسبب هذه التقوّلات الموهومة والاتّهامات المزعومة على شيعة آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم يحسبونهم كفّارا ، حتّى أنّ في الأزمنة السالفة كان اعتقاد كثير من أهل السنّة في هذه المناطق التي ذكرتها أنّ من قتل عددا من الروافض ـ الشيعة ـ وجبت له الجنّة!!
اعلموا أنّ مسئولية هذه الدماء التي سفكت ، إنّما تكون عليكم ، وسوف تسألون عنها في المحشر ، يوم ينادي المنادي : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (١)! فما يكون جوابكم عند الله تعالى؟!
أسألكم : إذا كفر عدد قليل لا يعبأ بهم في قوم مؤمنين يبلغ عددهم الملايين ، هل صحيح أن يحكم على كلّ القوم بالكفر؟!
ألم تكن في بلادكم أقلّيّات مشركة وطوائف كافرة؟! وهم
__________________
(١) كما في سورة الصافّات ، الآية ٢٤.
يعدّون من الافغان ، فهل صحيح أن نحكم على كلّ أفغاني بالكفر والشرك؟!
ألم تكن جماعات من الغلاة الّذين يؤلهون عليّا في تركيا وغيرها من البلاد الإسلامية؟! فهل من الصحيح أن نحكم على أهل كلّ بلد يعيش فيه عدد من الغلاة بالكفر والإلحاد؟!
فإنّ اعتقادكم هذا بالإيرانيّين دون غيرهم ، ينبئ عن غيظ وحقد مكنون في قلوبكم ضدّهم ، ويكشف عن تعصّب بغيض ضدّ الشيعة.
وأمّا الأبيات التي قرأتها وأمثالها ، إن هي إلاّ من شعر الغلاة ، وهم غير الشيعة ، بل الشيعة الإمامية وعلماؤهم يكفّرون الغلاة ويتبرّءون منهم ، وقد أفتى علماء الشيعة في إيران وفي كلّ مكان بكفر الغلاة ونجاستهم وقالوا بوجوب الاجتناب عنهم والتبرّي منهم.
الإسلام يرفض التعصّب القومي
وأمّا قولك : بأنّي سيّد حجازي مكّي مدني ، فلما ذا صرت مدافعا عن الإيرانيين؟!
فمن الواضح أنّي أفتخر بنسبي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وانتسابي لمكّة والمدينة ، ولكنّي أحمد الله الذي لم يجعل في نفسي شيئا من النزعة القومية التي تتفرّع عن جذور الجاهلية.
لأنّ جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن روي عنه أنّه قال : حبّ الوطن من الإيمان ، وبهذه العبارة دعا كل قوم إلى الدفاع عن وطنه والتفاني لبلاده أمام هجوم الأعداء. ولكنّه حارب النزعات القومية والعصبيّات
القبلية بشدة (١) مثلما حارب عبادة الأصنام ، وسعى جاهدا لتوحيد القوميات كلّها تحت راية التوحيد والإسلام ، فنادى بأعلى صوته مرارا بين أصحابه : الناس سواسية كأسنان المشط ، لا فخر لعربي على أعجمي ، ولا لأبيض على أسود ، إلاّ بالتقوى.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّها الناس ، ليبلّغ الشاهد الغائب ، إنّ الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية ، والتفاخر بآبائها وعشائرها.
أيّها الناس! كلّكم لآدم وآدم من تراب ، ألا إنّ خيركم عند الله وأكرمكم عليه ، أتقاكم وأطوعكم له.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم حين فتح مكّة : يا معشر قريش! إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعاظمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم خلق من تراب ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٢).
فهذا جدّي وهو النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيّد بني آدم ، كان يحترم بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ويساويهم في المعاملة مع أقرانهم من العرب ، كأبي ذرّ الغفاري والمقداد الكندي وعمّار بن ياسر وغيرهم.
ولكنّ أبا لهب الذي ولد في أشرف بيت من قريش ، وهو عمّ النبي الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم حين كفر بالله العظيم ، تبرّأ منه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) روى أبو داود في سننه : ٢ / ٣٣٢ ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ليس منّا من دعا إلى عصبية ، وليس منّا من قاتل على عصبية ، وليس منّا من مات على عصبية. «المترجم».
(٢) سورة الحجرات ، الآية ١٣.
والمسلمون ، ونزلت سورة في ذمّه فيها : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) (١) ... إلى آخرها.
نعم :
لقد رفع الإسلام سلمان فارس |
|
وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب |
التمييز العنصري سبب الحروب
كلّ من يطالع تاريخ العالم ، يعرف أنّ أكثر الحروب في العالم أو كلّها نشبت بسبب حمية الافتخارات الجاهلية ، من نزعات قومية وتفرقة عنصرية وغيرها.
فلألمانيّون يعتقدون أنّ قومية (الجر من) تفوق القوميات الاخرى.
واليابانيون يريدون سيادة بني العرق الأصغر على العالم.
والأوربيّون يفضّلون البيض على غيرهم.
والأمريكيون يريدون السيطرة على العالم بزعمهم أنّهم أفضل الخليقة ، ويفضّلون البيض على السود بشكل فظيع ، وقد وضعوا قوانين ظالمة تسحق حقوق السود ، فلا يحقّ لهم أن يدخلوا إلى الأماكن والمحلاّت المخصصة للبيض ، حتّى في الكنائس والمعابد!
وفي المعاهد العلمية ، العلماء السود يجلسون في صفّ النعال والبيض الّذين هم أنزل رتبة في العلم ، يعلون عليهم في المجلس.
ولا يحقّ للسود مناقشة البيض في المطارحات والمناظرات العلمية ، لذلك خصّصوا لهم معاهد خاصة.
__________________
(١) سورة المسد ، الآية ١.
وحتّى في القطارات والمطارات وغيرها ، نجد التمييز العنصري ظاهر ، وقانونه الجائر حاكم ونافذ في الدول التي تدّعي التمدّن والالتزام بحقوق الإنسان!
وأشدّ مظاهر التمييز العنصري اليوم هو في أمريكا ، وهي تزعم سيادة العالم والدّفاع عن حقوق البشر وحرّيّة الإنسان في كلّ الأقطار والأمصار ، ولكنّها تعامل السود الّذين يشكلون نسبة عظيمة من الشعب الأمريكي كالحيوان ، بل يفضّلون عليهم بعض الحيوانات ، فالسود في أمريكا محرومون من حقوقهم الاجتماعية والإنسانية التي منحها الله تعالى لكلّ البشر على حدّ سواء.
ولكنّ الإسلام العظيم وقائده الكريم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام ، ألغى النزعات القومية والتفرقة العنصرية ، وحاربها كما حارب الكفر والشرك ، وعبّر عنها بالنخوة والعادات الجاهلية.
ثمّ إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم احتضن بلال الحبشي وصهيب الرومي بالتكريم والمحبة ، كما احتضن أبا ذرّ وعمّار وسلمان ، وقال في كلّ واحد منهم ، ما بيّن فيه مكانته وقربه عند الله سبحانه وتعالى.
وعيّن بلال الحبشي ـ الأسود ـ مؤذّنا في مسجده ، وهو مقام رفيع في الاسلام ، فإنّ المؤذن : داعي الله ومناديه في عباده المؤمنين.
وقد جعل الله عزّ وجلّ التقوى معيارا في التكريم والتفضيل ، فقال عزّ من قائل : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (١).
وأنا ـ بعيدا عن النزعات القومية والتعصّبات الجاهلية ـ الزم نفسي بالدفاع عن الحقّ وإن كان أكثر أهله من غير قومي ، واحارب الباطل
__________________
(١) سورة الحجرات ، الآية ١٣.
وإن كان أكثر أهله من قومي ، فأنصر التشيّع لأنّه المذهب الحقّ وإن كان أكثر المتمسّكين به إيرانيّين ، واحارب الباطل وأرفضه وإن كان مذهب أكثر الحجازيّين.
نحن أبناء الدليل |
|
حيثما مال نميل |
الغلاة ليسوا من الشيعة
لقد نسبت أشعار الغلاة الإيرانيّين إلى الشيعة الموحّدين المؤمنين ، فخلطت الحابل بالنابل.
فإنّ شيعة الإمام عليّ عليهالسلام ، سواء أكانوا إيرانيّين أم عربا أم غيرهم ، كلّهم يوحّدون الله تعالى ويطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئا ، ويشهدون بأنّ محمد بن عبد الله عبده ورسوله ، وخاتم النبيّين ، ولا نبيّ بعده إلى قيام يوم الدين.
ويعتقدون بأنّ عليّ بن أبي طالب وليّ الله وعبده الصالح ، اتّخذه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أخا ، وأوصى إليه وجعله خليفته من بعده ، كلّ ذلك بأمر من الله تبارك وتعالى.
ويعتقدون بإمامة الحسن المجتبى عليهالسلام بعد أبيه المرتضى ، ومن بعده إمامة الحسين الشهيد عليهالسلام ، ثمّ إمامة تسعة من أولاد الحسين عليهالسلام نصّ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعرّفهم بأوصافهم وصفاتهم ، وقد عصمهم الله تعالى من الذنب ، وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وهم عباده المكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
ومن كان يقول ويعتقد غير هذا في الإمام عليّ وبنيه الأئمة الأحد عشر عليهمالسلام فلا تنسبوه إلى الشيعة.
ونحن الشيعة في إيران وغيرها براء من المغالين في الإمام عليّ أو بنيه ، كالسبئية والخطابية والغرابية والحلولية وغيرهم ، وهذه الفرق أقلّيات متفرّقة في أكثر البلاد الإسلامية لا في ايران فقط ، إلاّ أنّه في تركيا يبلغ عددهم الملايين ، مع ذلك لا تنسبون مسلمي تركيا ـ بما فيهم الشيعة الأتراك ـ إلى الغلاة!
فالشيعة في كلّ مكان بريئون من هذه الفرق ، ويتألّمون من انتسابها إليهم ، كما أنّ المسلمين عموما يتبرّءون منها عند ما ينسب المستشرقون هذه الفرق الغالية إلى الإسلام.
والشيعة : علماؤها وفقهاؤها في إيران وغيرها حكموا على الغلاة بالكفر ، وأفتوا بنجاستهم ووجوب الاجتناب عنهم. ومع هذا كلّه ، تنسبون إلينا هذه الفرق الضالّة ، أو تحسبوننا منهم!! إن هذا إلاّ بهتان عظيم.
فلو كنتم تقرءون كتبنا الكلامية ، لوجدتم ردود متكلّمينا وعلمائنا على عقائد الغلاة الإلحادية ، بالدلائل العقلية والنقلية ، وسأنقل لكم بعض الأخبار المرويّة في كتبنا عن أئمّة الشيعة ، وقد جمع قسما منها المحدّث الجليل ، والحبر النبيل ، علامة عصره ، ونابغة دهره ، الشيخ المولى محمد باقر المجلسي ـ قدسسره ـ في كتابه «بحار الأنوار» الذي هو أضخم دائرة معارف الشيعة الإمامية وعدد أجزائه مائة وعشر مجلّدات.
١ ـ روي في ج ٢٥ ص ٢٧٣ ، حديث ١٩ : عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام ، عن الغلاة والمفوّضة؟ فقال عليهالسلام : الغلاة كفّار والمفوّضة مشركون ، من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو
شاربهم أو واصلهم أو زوّجهم أو تزوّج إليهم أو أمّنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة ، خرج من ولاية الله عزّ وجلّ وولاية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وولايتنا أهل البيت.
٢ ـ وفي ج ٢٥ ص ٢٨٣ ، حديث ٣٣ : عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام ، قال : الغلاة شرّ خلق الله ، يصغّرون عظمة الله ويدّعون الربوبية لعباد الله! والله إنّ الغلاة لشرّ من اليهود والنصارى والمجوس والّذين أشركوا.
٣ ـ وفي ج ٢٥ ص ٢٨٦ ، حديث ٤٠ : عن أبان بن عثمان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : لعن الله عبد الله بن سبأ ، إنّه ادّعى الربوبية في أمير المؤمنين ، وكان والله أمير المؤمنين عليهالسلام عبدا لله طائعا ، الويل لمن كذب علينا ، وإنّ قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، نبرأ إلى الله منهم ، نبرأ إلى الله منهم.
٤ ـ وفي ج ٢٥ ص ٢٨٦ ، حديث ٤١ : عن الثمالي ، قال : قال عليّ بن الحسين عليهالسلام : لعن الله من كذب علينا ، إنّي ذكرت عبد الله بن سبأ ، فقامت كلّ شعرة في جسدي ، لقد ادّعى أمرا عظيما! ماله لعنه الله. كان عليّ عليهالسلام والله عبدا لله صالحا ، أخو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما نال الكرامة من الله إلاّ بطاعته لله ولرسوله ، وما نال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الكرامة من الله إلاّ بطاعته لله عزّ وجلّ.
٥ ـ وفي ج ٢٥ ص ٢٩٦ ، حديث ٥٥ : عن المفضّل بن يزيد ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام ـ وذكر أصحاب أبي الخطّاب والغلاة ـ فقال لي : يا مفضّل! لا تقاعدوهم وتواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم.
٦ ـ وفي ج ٢٥ ص ٢٩٧ ، حديث ٥٩ : عن الصادق عليهالسلام : لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، ولعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا.
٧ ـ وفي ج ٢٥ ص ٣٠٣ ، حديث ٦٩ : عن صالح بن سهل ، قال : كنت أقول في أبي عبد الله عليهالسلام بالربوبية! فدخلت ، فلمّا نظر إليّ قال : يا صالح! إنّا والله عبيد مخلوقون ، لنا ربّ نعبده ، إن لم نعبده عذّبنا.
هذا رأي أئمّة الشيعة في ابن سبأ وأبي الخطّاب والمفوّضة والغلاة ، ومع هذا كله ، فإنّكم وكثير من كتّابكم تنسبون الشيعة إلى ابن سبأ الملعون!
فهل وجدتم في كتاب واحد من كتب الشيعة الإمامية الجعفرية ـ المنسوبين إلى الامام جعفر الصادق عليهالسلام ـ كلمة واحدة في مدح ابن سبأ؟!
هذه كتبنا منذ أكثر من ألف سنة ملأت المكتبات والمدارس ، اقرءوها بدقّة ، وطالعوها بتدبّر ، فلن تجدوا شطر كلمة في تأييد ابن سبأ وعقائده وأفكاره ، بل تجدون ردّه ولعنه ، وأنّه يهودي كافر.
فارجعوا عن كلامكم واعدلوا عن قولكم ورأيكم عن الشيعة ، واخشوا الله وخافوا الحساب ، يوم تسألون عن كلّ حرف حرف ممّا قلتم ، فقد قال تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١).
__________________
(١) سورة ق ، الآية ١٨.
وقال سبحانه : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (١).
فأرجوكم أن تحاوروني بكلام نابع من الواقع والحقيقة ، ولا تأخذوا ما يقول أعداؤنا وخصومنا فينا ، فإنّ الخصم قلّما ينصف خصمه.
فكما أحتجّ وأتكلّم أنا بالاستناد إلى كتبكم وصحاحكم في إثبات ما أقول ، فإنّ اصول المحاجّة والحوار تقتضي أن تكونوا كذلك.
الحافظ : إنّ نصائحكم مقبولة ، وإن شاء الله لا نقول إلاّ ما فيه رضاه ، وإنّي حين سمعت هذه الروايات عندكم في ردّ الغلاة ، زاد تعجّبي فيكم ، لأنّا نسمع منكم في هذا الحوار تعابير في أئمّتكم ، يشمّ منها رائحة الغلوّ ، وهم غير راضين بتلك الكلمات ، بالرغم من أنّكم تحرصون على كلّ كلمة تلفظونها ، حتّى لا نؤاخذكم بها ، ولا تكون سببا للطعن فيكم.
قلت : أنا لست جاهلا معاندا ، ولا متعصّبا جامدا ، فإذا كانت في كلامي هفوات ومغالاة ، فالواجب أن تنبّهوني ، فإنّ الإنسان في معرض السهو والنسيان ، وأرجوكم أن تذكروا كلّ ما كان في نظركم غلوّا أو كفرا أو خارجا عن ميزان العقل والمنطق.
الحافظ : إنّ الله تعالى خصّ نبيّه محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بتحيّة الصلاة والسلام في الآية الكريمة : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا
__________________
(١) سورة الزلزلة ، الآية ٧ و ٨.
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١) ولكنّ الشيعة كلّهم ـ وحتّى جنابكم في هذا المجلس ـ كلّما ذكرتم أحد أئمّتكم ألحقتم باسمه جملة : «سلام الله عليه» أو : «صلوات الله عليه» عوض أن تقولوا : «رضياللهعنه» فإنّكم تشركون أئمّتكم مع النبيّ في ما خصّه الله تعالى من التحيّات ، فعملكم هذا بدعة وضلال وخلاف لنصّ القرآن الكريم.
قلت : إنّ الشيعة لم يخالفوا نصّا في أيّ عمل من أعمالهم الدينية ، ولكنّ أعداءهم كالخوارج والنواصب وبني أميّة وأتباعهم في القرون الماضية افتروا عليهم ، واعترضوا على بعض أعمالهم بأنّها بدعة.
وعلماؤنا ردّوا عليهم وأجابوهم بأدلّة عقلية ونقلية أثبتوا بها أنّ الشيعة ليسوا أهل البدع ، وإنّما غيرهم هم أهل البدع والضلال ، أجابوهم على الإشكال الذي أوردته بالتفصيل ، ولكن رعاية للوقت ، وإنّي أرى آثار التعب والنعاس تبدو على بعض الحاضرين ، أجيبكم باختصار :
أولا : إنّ الله عزّ وجلّ في الآية الكريمة يأمر المؤمنين بالصلاة والسلام على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا ينهى عن الصلاة والسلام على غير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
ثانيا : كما أنّ الله تعالى قال في الآية الكريمة : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) فقد قال في سورة الصافات : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (٢).
__________________
(١) سورة الاحزاب ، الآية ٥٦.
(٢) سورة الصافات ، الآية ١٣٠.