آكام المرجان

المؤلف:

إسحاق بن الحسين


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ١٤٤

٢١
٢٢

كتاب

آكام المرجان

في ذكر المدائن المشهورة في كل مكان

تأليف

الشيخ اسحاق بن الحسين المنجم

اسكنه الله رياض الجنان بحق محمد وآله

وصلى الله على النبي وآله

٢٣
٢٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ذكر مدينة مكة المشرّفة

قال اسحاق بن الحسين رحمه الله تعالى :

إنما ذكرنا مكة قبل البلاد ، لأنها بيت الله الحرام ، وأول بيت وضع في الأرض.

وبعدها عن خط أول الأرض ، تسع وستون درجة.

والدرجة ستة وثلاثون ميلا وثلثا ميل ، وكذا في كل درجة نذكرها في غيرها من المدائن. وكذلك (١) إذا ذكرنا البعد من خط المغرب ، فإنما نريد أول الأرض ، وكذلك البعد عن خط الاستواء ، إنما نريد البعد عن خط وسط الأرض ، على الحقيقة ، على جهة المعمور من الأرض ، لأن المعمور من الأرض ، قليل جدا.

وعلى ما ذكر من جهة أبعاد المدائن عن خط المغرب وخط الاستواء ، يعرف بعضها من بعض ، وما بينهما من

__________________

(١) كذا وردت ، وهي زائدة.

٢٥

المسافات ، من جهة الحساب ، ومعرفة ذلك علم عظيم.

فبعد مكة عن خط المغرب سبع وستون درجة ، وذلك من الأميال ، أربعة آلاف وأربعمائة واثنان وعشرون ميلا.

[وبعدها ثلاث وعشرون درجة وقيل : إحدى وعشرون](١) عن خط الاستواء في جهة الشمال. واكثر المدائن مما سنذكرها بعد ذلك ، إنما هي [في] الجهة الشمالية ، لأن المعمور من الأرض ، إنما هو الربع الشمالي الذي يلي القطب الشمالي وبنات نعش.

ومكة في بطن واد (٢) بين جبال وأودية.

ومن جبالها العظام : أبو قبيس ، والمحصّب ، وثبير.

وهي كانت دار آدم عليه السلام. ولم يزل بها [الحجر الأسود](٣) حتى نزل الطوفان.

ثم أمر الله تعالى إبراهيم الخليل ببنائها.

وقد زاد في بنيان بيت الكعبة [ابو جعفر] المنصور (٤)

__________________

(١) هنا سقط من الأصل ، والاستدراك من معجم البلدان (مكة).

(٢) في الأصل (وادي).

(٣) الاستدراك من ابن رسته ٢٥.

(٤) المنصور العباسي ، أبو جعفر ، عبد الله بن محمد ، ثاني خلفاء بني العباس ، توفي ١٥٨ ه‍. وخلفه ابنه محمد المهدي ، توفي ١٦٩ ه‍.

٢٦

[وكان ابتداء عمله في المحرّم سنة سبع وثلاثين ومائة ، والفراغ منه في ذي الحجة سنة أربعين. ثم وسعه ابنه المهدي في سنة](١) أربع وستين ومائة.

وطول المسجد اربعمائة ذراع ، وعرضه ثلاثمائة (٢).

وله ثلاثة وعشرون بابا.

ومن الصفا إلى المروة ، أربعمائة وأربعون ذراعا ، وارتفاع البيت ، ثمانية وعشرون ذراعا (٣).

وهي القبلة لجميع البلدان. فقبلة أهل الكوفة ، وبغداد وما

__________________

(١) وردت في الأصل : (زاد في بنيان الكعبة المنصور اربع وستين ومائة) والمنصور توفي ١٥٨ ه‍ ، والاستدراك من العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ١ : ٨٣ ، وانظر أيضا : تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٦٩ ، وبلدان اليعقوبي ٣١٥ ، والجوهر الثمين ١ : ١١٧ ، وتاريخ بغداد ٢ : ٣٦٩ ، والمعارف ١٦٥.

(٢) المقصود هنا ذراع اليد. وقد قاسه صاحب العقد الثمين ١ : ٨٥ ، فكان طوله من جدره الغربي إلى جدره الشرقي المقابل له ، اربعمائة وسبعة أذرع. وكان عرضه من جدره الشامي إلى جدره اليماني ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع).

وانظر الأزرقي في تاريخ مكة ٢ : ٨١.

(٣) في تاريخ الخميس ١ : ١١٩ ، سبعة وعشرون ذراعا وربع الذراع ، وفي بلدان اليعقوبي ٣١٦ (ثماني وعشرون ذراعا).

٢٧

كان معها ، على خط واحد ، الركن الشاميّ الذي بين الباب والحجر.

وقبلة أهل البصرة وما حاذاها من المدائن ، باب الكعبة.

وقبلة أهل اليمن ، الركن اليماني.

وقبلة أهل الهند والسند ، الحجر الأسود.

وقبلة أهل الشام ، باب الكعبة.

وأهل الحجاز كذلك ، إلّا أنه أحرف قليلا.

وأهل اليمن ، يتوجهون بوجوههم على أهل أرمينية.

٢٨

مدينة النبيّ ، صلّى الله عليه وآله وسلّم

وهي مهاجر (١) رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، ومكان مستقره. وفيها قبره صلّى الله عليه وسلّم ، وقبور أصحابه.

وسمّاها طيبة ، لأن من نحوها تجد رائحة الطيب من جهتها على أميال كثيرة.

وبعدها عن خط المغرب مائة وستون درجة ، وذلك من الأميال [سبعة آلاف وخمسمائة وستة وخمسون](٢) وبعدها عن خط الاستواء ، خمس وعشرون درجة ، وذلك من الاميال ، ألف وستمائة وخمسون ميلا.

والمدينة في مستوى الأرض ، شريفة تربتها جليلة.

ولها جبلان : أحدهما أحد ، والجبل الآخر رضوى.

__________________

(١) في المطبوع : (مهاجرة) ، والمهاجر : موضع المهاجرة.

(٢) ساقطة من المطبوع ، واستدركناها بناء لما قدمه من أن الدرجة تساوي ٦٦ ميلا ، وهو ما اعتمده في حساب موضع مكة ، وما اعتمده في بعد المدينة عن خط الاستواء.

٢٩

وأهلها من المهاجرين والأنصار والتابعين وقبائل العرب.

ولها أربعة أودية (١) يأتي ماؤها في وقت الأمطار ، وأعظمها ؛ وادي العقيق.

واكثر أموالها النخل ، وهي معاش أهلها (٢).

والبحر العظيم على مسافة ثلاثة أيام [منها](٣).

وفيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنبره وقبره صلى الله عليه وآله وسلّم.

والمسجد طوله ثلاثمائة ذراع ، وعرضه مائتا ذراع (٤).

وأساطينه ثلاثمائة اسطوانة (٥).

واما المنبر الشريف ، فزاد [فيه] معاوية بن أبي سفيان ست مراق (٦) ، وهي الروضة ، التي هي من رياض الجنة (٧) ، بين القبر والمنبر الرفيعين.

__________________

(١) في المطبوع : أربعة أبواب. والتصويب من المصادر ، وهو ما اقتضاه السياق.

(٢) في المطبوع (كثر).

(٣) المقصود به (المحيط الهندي).

(٤) انظر تطور المسجد في تاريخ الخميس ١ : ٣٤٣ ، وفي ٣٤٨ آخر زيادة في المسجد تمت في عهد المأمون حتى بلغ ما ذكره كاتبنا.

(٥) حول فضل الأساطين ، انظر ، وفاء الوفاء ١ : ٤٣٩.

(٦) وفاء الوفا ١ : ٣٩٩.

(٧) انظر خبر الروضة في وفاء الوفا ١ : ٤٢٩ وما بعدها.

٣٠

ذكر بيت المقدس ايلياء (١)

وهي من المدائن العظيمة القديمة ، وبها قبور الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، وآثارهم (٢).

وبعدها عن خط المغرب ست وخمسون درجة ، وذلك من الأميال ثلاثة آلاف وستمائة وستة وتسعون ميلا.

وبعدها عن خط الاستواء في جهة الشمال ، اثنتان وثلاثون درجة ، وذلك من الأميال ، الفان ومائة واثنا عشر ميلا.

وهي جليلة ، وماؤها من الأمطار. وخارجها بساتين وكروم ومزارع وأشجار وزيتون (٣).

وبها نخلة مريم التي ولدت عيسى [عليه السلام] تحتها (٤).

وبها محراب داود عليه السلام (٥).

__________________

(١) أورد الأب الدومنكي فصلا قيما عن ايلياء في (بلدانية فلسطين).

(٢) قارن : ابن حوقل في صورة الأرض ١٥٨.

(٣) ابن حوقل ١٥٨.

(٤) ابن حوقل ١٥٩ ، ويذكر النخلة في بيت لحم.

(٥) ابن حوقل ١٥٨.

٣١

وبها الصخرة المعلقة.

وبها جبل عظيم ، منه رفع عيسى [عليه السلام] إلى السماء.

وبها مسجد عظيم جدا ، وهو أعظم مساجد الدنيا ، وفيه باب الرحمة. وكل أمة تحج إليه وتعظمه ، وفيه محاريب.

٣٢

ذكر مدينة بغداد

وإنما رجعنا إلى ذكر مدينة بغداد ، بعد تقديم ما وجب تقديمه ، لأنها أصل المدائن ، وأحسنها بنيانا ، وأطيبها هواء.

وهي في وسط الإقليم الرابع ، الذي هو أعز الأقاليم ، وأهلها أعظم الناس في ضروب اللبّ والفهم.

بناها أبو جعفر المنصور ، من بني العباس ، وابتدأ بذلك في الأول ، سنة إحدى وأربعين ومائة (١). ونقل إليها البناة والحذّاق والصنّاع من جميع البلدان ، وجعلها مدورة ، ووسّع رياضها (٢) وأزقّتها.

وكان الذي تولى ذلك من أهل الحساب والمهندسين ،

__________________

(١) بدأ البناء ثم توقف بعد حركة عصيان علوي ضد أبي جعفر ١٤٥ ه‍ ، ثم استأنف العمل حتى نزلها ١٤٦ ه‍.

(٢) في مخطوط الاصل (أرباضها) وانظر البلدان ٢٤١.

٣٣

الحجاج بن أرطاة الحاسب (١) والطبري وإبراهيم الفزاري.

ولها دروب (٢) بأبواب ، في دورها عشرون ذراعا.

ولها أربعة أبواب ، ما بين كل باب خمسة آلاف ذراع : باب الكوفة ، وباب البصرة ، وباب خراسان ، وباب الشام.

وعلى كل باب تلبيس من الحديد ، لا يغلقها إلّا جماعة من الرجال. ولكل باب منها دهليز ، وعلى كل باب منها قبة عظيمة مزينة بالذهب.

وحول القصر دور الأولاد من بني العباس ، وأهل الخدمة.

والقصر في وسط المدينة ، وإلى جانبه المسجد الأعظم.

وهي بين نهر الدجلة والفرات ، وكان بها في القديم ألف مسجد وعشرون ألف حمام (٣).

وبعدها عن خط المغرب سبعون درجة ، وذلك من الأميال أربعة آلاف وستمائة وعشرون ميلا.

__________________

(١) هنا ينقل عن البلدان. وقد أورد الاسم في المطبوع الحجاج بن يوسف نقلا عن اليعقوبي. والحجاج بن أرطاة النخعي ، فقيه كوفي التحق في خدمة بني أمية ، ثم في خدمة بني العباس (تاريخ بغداد ٨ : ٢٣٠).

(٢) في المطبوع (درب).

(٣) هذه رواية مبالغ فيها ، ناقشها ابن الفقيه في كتاب (بغداد) ص ٩٠ بتحقيق د. صالح أحمد العلي.

٣٤

وبعدها عن خط الاستواء في الشمال ثلاث وثلاثون درجة ، وذلك من الأميال ، ألفان ومائة وثمانية وسبعون ميلا.

وكان المنصور قد نقل إليها النخل والأشجار ، فأنبتت ونمت في مدة يسيرة ، وذلك لطيب مائها واعتدال هوائها.

وكذلك نقل إليها الرخام والأساطين والصناع من كل بلد.

وأمر أهل الخدمة أن يقطع كل واحد منهم ويبني ، فأقطعوا (١) وأكثروا البناء ، وقامت في أقل مدة.

وبساتينها تسقى بماء الدجلة والفرات في قنوات.

وكان سكنى المنصور قبل ذلك في مدينة الأنبار ، التي (٢) نزلها السفاح ، أول خلفاء بني العباس.

__________________

(١) في المطبوع (فقطعوا).

(٢) في المطبوع (ثم) ، ومن المعروف أن السفاح نزل قرب الأنبار أما المنصور فكان أقرب إلى الكوفة (هاشمية الأنبار وهاشمية الكوفة).

٣٥

ذكر مدينة سرّ من رأى

واما مدينة سرّ من رأى ، فبناها المعتصم بن هارون الرشيد (١).

وكانت قبل ذلك صحراء ، لا عمارة فيها. وكان بها في القديم دير للنصارى.

وكان سبب بنيانها ، أن المعتصم كان كثيرا ما يتخذ الأتراك ، فلما افضت (٢) اليه [الخلافة ألحّ في طلبهم. وكان أولئك الأتراك إذا ركبوا الدواب ركضوا ، فيصدمون الناس ، فيثب عليهم الغوغاء فيقتلون بعضا ، ويضربون بعضا ، وفثقل ذلك على المعتصم ، وخرج من بغداد وطلب موضعا يحفر فيه نهرا ، حتى وصل إلى القاطول. فابتدأ البناء واقطع القواد والكتاب والناس ، فبنوا على القاطول ودجلة.

__________________

(١) المعتصم بالله : ثامن خلفاء بني العباس ، مشهور بانصرافه إلى الحياة العسكرية وبأنه كان من أهم بنائي بني العباس.

(٢) في المطبوع انفضت.

٣٦

ثم صار إلى موضع سر من رأى ، فاشترى الدير ، وكتب في إشخاص الفعلة والبنائين وأهل المهن وسائر الصناعات.

ثم اقطع القطائع للقواد والكتّاب والناس ، وأفرد قطائع الأتراك عن قطائع الناس جميعا.

وأمر ببناء المساجد والأسواق. واشترى للأتراك الجواري فزوجهّم منهن ، ومنعهم أن يتزوجوا ويصاهروا إلى أحد من المولّدين ، وأجرى للجواري ارزاقا قائمة.

ولما فرغ من البناء حفر الأنهار من دجلة ، وحمل النخل من بغداد والبصرة وسائر السواد والجزيرة والشام وسائر البلدان.

وبنى المعتصم العمارات قصورا ، وصيّر في كل بستان قصرا ، فيه مجالس وبرك وميادين.

ومات المعتصم بالله سنة سبع وعشرين ومائتين ، وبنى فيها هارون الواثق بن المعتصم القصر الهاروني. وولي المتوكل بن المعتصم فنزل الهاروني وانزل ابنه محمدا المنتصر بالجوسق ، وأنزل ابنه إبراهيم المؤيد بالمطيرة ، وأنزل ابنه المعتز ببلكوارا وبنى المتوكل الجعفرية ، والمسجد الجامع](١).

__________________

(١) إلى هنا ساقط من الأصل ، واستدركناه من كتاب البلدان ٢٥٥.

٣٧

[ذكر مدينة الكوفة](١)

[هي في الإقليم الثالث.

وبعدها عن خط المغرب تسع وستون درجة ونصف. وعن خط الاستواء إحدى وثلاثون درجة وثلثان. وهي على الفرات ، وهواؤها صحيح وماؤها عذب. والكوفة مدينة العراق الكبرى ، وقبة الإسلام ، ودار هجرة المسلمين ، وهي خطط لقبائل العرب.

وبالكوفة قبر أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه. مصّرها سعد بن أبي وقاص](٢) في خلافة ابن الخطاب وهي أول مدينة اختطها المسلمون بعد البصرة.

__________________

(١) ساقطة من المطبوع ، وهي فيه تتمة لما سقط من أخبار سرّ من رأى ، وقد استدركناه من معجم البلدان (كوفة) ومن صورة الأرض ٢١٥ ، والبلدان ٣٠٩.

(٢) إلى هنا ينتهي ما سقط من الأصل.

٣٨

ذكر مدينة البصرة

وهي في الإقليم الرابع. وبعدها عن خط المغرب أربع وستون درجة ، وذلك من الأميال ، أربعة آلاف وثمانمائة وأربعة وثمانون ميلا.

والبصرة مدينة الدنيا ، وقاعدة العراق ، وموسم التجار. مستطيلة طول فرسخين في عرض فرسخ.

اختطها ، في خلافة عمر بن الخطاب ، سنة أربع عشرة من الهجرة ، عتبة بن غزوان (١) ، من المهاجرين الأول. وهو افتتح الأبلّة (٢).

__________________

(١) هو عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب بن نسيب ، أحد بني مازن بن منصور بن عكرمة حليف بني نوفل بن عبد مناف ، وكان من المهاجرين الأولين.

(٢) الأبلة : مدينة ، قاعدة تجارية بحرية على الخليج العربي ، وصفها الدمشقي بانها خطة كبيرة ذات ابنية وقصور مشرفة ، وبأنها احدى جنات الدنيا (نخبة الدهر ٩٧ ، ٩٨ ، ٢٢٣). والأبلة ، تعريب لاسمها اليوناني APologos (بلدان الخلافة الشرقية. ٦٨).

٣٩

ومنها في ناحية الشمال ، نهر يأتي من البطيحة ، على مسافة ثلاثة فراسخ. وهو عذب الماء (١).

ومدينتا (٢) الكوفة والبصرة على خط واحد ، وبينهما بحر من مسيرة سبعة أيام. وفي نصف المسافة منها مدينة واسط.

__________________

(١) انظر ، بلدان الخلافة الشرقية ٧٠ وما بعدها. ويذكر اليعقوبي أنه نهر ابن عمر. (البلدان ٣٢٣).

(٢) في المطبوع (ومدينة).

٤٠