الحسين في طريقه إلى الشهادة

علي بن الحسين الهاشمي

الحسين في طريقه إلى الشهادة

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات الشريف الرضي
المطبعة: النهضة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٠

فيد والخزيمية ، بينه وبين فيد ستة وثلاثون ميلاً على ما ذكره المقدسي. وقال الحموي : بستة وثلاثين فرسخاً. وقال الهمداني (١) : ومنها إلى فيد ثمانية وعشرون ميلاً ، وعرض الأجفر سبع وعشرون درجة وثلث. وقال الزمخشري : الأجفر : ماء لبني يربوع انتزعته منهم بنو جذيمة. وقال ابن جبر : الأجفر : مشهور عندهم بموضع جميل ، وبثنية العذرين. وفي المخطوط ، عن بشر بن إبراهيم بن عطارد قال : الأجفر لسعد بن سواه من بني أسد. وعن داود بن عبد الملك بن حبيب بن تمام الفقسعي ، عن أبيه : إنّ الأجفر سمّيت الأجفر لِحُفَرها وسعة قاعها ، وكانت فيها في كلّ حفرة أقلبة ، لكلّ بطن منها حفرة أكملت الأشياء. وسمّيت الأجفر بعد بني مروان ، وكان اسمها في الجاهلية (السرفة) ، فيها حفر لسعد بن سواه ، وهي وسط البلد ، وحفرة لهم أيضاً ، وحفرة لبني نصر بن معين. قال : وكانت حفرة اُخرى قليباً حولها فدفنوها ، والحفرة : هي الهوة يحفرون في نواحيها القليبين والثلاثة. ومن الأجفر إلى فيد سبعة وعشرون ميلاً طوال ، وبها قصر ومسجد. وطريق العشيرة لمَنْ أراد أن لا ينزل فيداً ، فيعدل من الأجفر ، وهي مصعدة يسرة فينزل (المحربة) ، وبها آبار ونخل ، وبينها نحو من ثلاثين ميلاً. ثمّ يرتحل من المحربة فينزل العشيرة بها آبار عذبة وحصون ومزارع ونخل ، وهي لأخلاط من العرب ، وبينها نحواً من ثلاثين ميلاً ، ثمّ يرتحل من العشيرة فيسير بقيّة يومه وليلته ، ويأخذ ذات اليسار حتّى يخرج إلى الطريق الأعظم دون فيد بستة أميال عند البريد. وبالأجفر بركة مدوّرة قطرها خمسون ذراعاً في عمق ثماني أذرع ، وبها عدّة آبار ؛ منها : الصادي ، والحفرة ، والمصبح ، والشبرت ، واللقماني ، والجهمي ، والسويدي ، والعقيلي ، والبحيري ، والدبسي ، والنخعي ، والصهيبي ، والمقابلتان ، والعزوي ، والعمري ، والهديان ، والمذري ،

__________________

(١) انظر الحسن بن احمد الهمداني. صفة جزيرة العرب ١ / ١٨٣ ، طبع أوربا ليدن.

٦١

والوزيري ، والوتري ، والمسروري ، والبوصيري ، والبرمكي ، والكوكبي ، والسلامي ، والعملي ، وبئر ، والقصر ، وبئر الشجرة ، والياقوتة عند النخل خارج المنزل ، وهي أعذب الآبار ، وبئر الخصى. وعلى مقدار ميل ونصف من الأجفر ناحية عن الطريق يسرة المصعدة آبار كثيرة ، فمن خيارها وكبارها خمس آبار يُعرفن بالحفايا مطوية بالحجارة من عمل المهدي ؛ بئر تُعرف بالناشرية ، وبئر البستان ، وبئران يُعرفان بالفسيلتين. وعلى ثلاثة أميال من الأجفر يسرة بئر يُعرف بالحفايا أيضاً ، وبعد ذلك على ستة أميال من الأجفر عادل يمنة الطريق وادٍ يُسمّى دعوة العقدة ، ويُقال له : المئزيرة ، وهو موضع آبار ليست بطيّبة الماء. وعلى ستة أميال ونصف من الأجفر يمنة حوض عليه أزج معقود للماء يسمّى (خالصة) (١) ، ويُقال : إنّه هروي ، وعنده بناء خرب يسرة. وعلى ثمانية أميال من الأجفر بركة زبيدية يُقال لها : (البله) ، وعندها بئر كثيرة الماء وقباب ومسجد ، والمنتصف بين وادي السلام ومكّة على طريق الجلدة ، وبين الميل الثاني والثالث من البريد التاسع والعشرين ، والبريد خلف البردة بميل يُقال له : (بريد السلم) ، وخلفها بأربعة أميال ونصف على الطريق قصر ، وبناء كبير وهو المتعشى عند بركة مربّعة يُقال لذلك الموضع : (ملك حردام) ، وهو رجل داع لبني أسد ، وخلفها بميلين ونصف يسرة بركة مربّعة تُسمّى (البرمكية) ، بينها وبين فيد اثنى عشر ميلاً ، وبحذاء البركة بئر ليس فيها ماء ، وهي على وادٍ يُقال له : (سويط) ، وهو يدفع ماء البركة. ومنها يُرى جبلا طي ، ومنها يعدل من لم يرد أن ينزل فيها فيأخذ على بطن (عوى) ، وثلاثة أميال مبينة كان أبو جعفر يسلكها حتّى يخرج على (العرنين) عند المشرف خلف فيد باثني عشر ميلاً. وبعضهم يخرج على سُميراء ، وهو

__________________

(١) خالصة : بركة بين الأجفر والخزيمية بطريق مكّة ، من الكوفة على ميلين من الأغر ، وبينها وبين الأجفر أحد عشر ميلاً ، منسوبة إلى خالصة من جواري الرشيد. انظر المشترك ـ شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي المتوفي ٦٢٦ هجـ / ٢٠٦ طبع ألمانيا غوتنجن.

٦٢

طريق مختصر ؛ كان الأوّل يُعرف (بالثعلبية) بعد قتل البرمكية (يميل عن صحرائها له إلى الثعلبية (١)» ، تكون من البرمكية إلى الثعلبية إلى عوى ثلاثة أميال ، وفيها آبار عذبة. ومن العوى إلى العرس خمسة أميال. هذا الطريق أقرب بأربعة أميال ، ولكنّه كثير التلال ، وعلى ستة أميال من فيد حوض موسى بن عيسى عليه أزج معقود وقباب بين البريد. وقبل أن يدخل فيداً ببضعة عشر ميلاً تبدوا جبلا طي. والبريد الثلاثون عند الحوض يُقال له : (بريد فهدان) ، وهو بريد (الكثيل). والكثيل : جبل عن يسار الطريق. وفهدان : رجل كان يوقد عنده ويغسل. وقيل : إنّ خالصة اشترت مئة عبد وقالت : انقلوا الحجارة حتّى تجعلوها من الأجفر إلى المنزل رصيفين ، فإذا فرغتم فأنتم أحرار ، ففعلوا ذلك ، وكان الناس يتأذّون من المطر ؛ لأنّه كان طيناً أخضراً. فالحسين (عليه السّلام) كان طريقه على الأجفر هذا ، ثمّ واصل المسرى إلى الخزيميّة.

وللخُزيميّةِ لَمّا أن أتى

يوماً وليلة عن المسرى ونى

فحدّثته زينبٌ بما وعتْ

من هاتفٍ لَمّا نعى عند الدجى

(الخزيميّة) : بضم أوّله وفتح ثانيه تصغير خزم ، منسوبة إلى خزيمة بن خازم فيما أحسب. وهو منزل من مناز الحجّ بعد الثعلبية من الكوفة. وقيل : الخزيميّة بالحاء المهملة ، بينها وبين الثعلبية اثنان وثلاثون ميلاً على ما ذكره الحموي. وذكر ابن قتيبة (٢) في باب مضار الأطعمة ومنافعها ، قال : بلغني عن فتى من أهل الكتاب أنّه قال : كنّا في طريق مكّة بالخزيمية ، فأتانا أعرابي بكمأة في كساء قدر ما أطاق ، فقلنا : بكم الكمأة؟ قال : بدرهمين. فاشتريناها منه ودفعنا الثمن ، فلمّا نهض قال بعضنا : في است المغبون عود (٣). قال : بل عودان. وضرب

__________________

(١) هكذا في الأصل ـ المخطوط.

(٢) انظر ابن قتيبة ـ عيون الأخبار ج ٣ ص ٢٨٢ ، طبع بمصر.

(٣) هذا مثل يضرب لمَنْ غبن.

٦٣

الأرض برجله فإذا نحن على الكمأة.

قال بعض الشعراء :

جنيتها تملأ كفَّ الجاني

سوداءَ ممّا قد سقى السواني (١)

كـأنّـها مـدهونةٌ بـالبانِ (٢)

وفي المخطوط : سمّيت بخزيمية بن خازم بما أحدث فيها من البناء ، وهي المنارة والمسجد وهي لبني نهشل وأسد ، ويُقال لبني مجاشع. وبينها وبين الأجفر عشرون ميلاً ونصف ، وبها ست آبار غليظة الماء ؛ بئر تُعرف (برغوة) عليها حوض ، وبئر الحمام عليها حوض ، والواثقية عليها حوض ، وبئر البستان ، وبئر العروس ، والخنبثية على مقدار ميل ونصف من الخزيميّة عادل عن الطريق بموضع يُعرف (بالمنتصفة) ، وهناك قصر للخلفاء خراب كان الرشيد ربّما نزله ، وفيه بئر تُدعى (البرود) ، وقبالتها بئر أُخرى مثلها بينها حوض ، وبئر أُخرى مثل هاتين البئرين عليها حوض ، وبئران أُخريان مثلهما. ومن المنتصفة إلى مه ، وزرود خمسة أميال يُقال لها : السفحة ، والبريد بها في تنفذ الرمل ، ومن الخزيميّة إليها أربعة أميال ونصف ، وزرود العتيقة التي كان الناس نزلوها زمن بني أمية. وعلى مقدار ميلين من الخزيميّة أيضاً موضع يُعرف بالقصر العتيق كان أبو جعفر المنصور بناه ، وفيه بركة مربّعة يكون تسعين ذراعاً إلى خمس وأربعين (٣) وحوض. وعلى ستة أميال من الخزيميّة عادل عن الطريق بئر تُعرف بالهاشمية عذبة ، والبريد قبل بركة عبد الله بن مالك بثلاثة أميال يُقال لها : سقيفة النهي ، وقبل أن يبلغ بطن الأعر يسير من الرمل أكثر من ميلين ، وفيه مواضع جدد ، وهو جبل الأعر ، ودون بطن الأعر طاهر الصفرين ، والصفران يدفع ماء بركة عبد الله بن

__________________

(١) السواني : جمع سانية ، وهي ما يُسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره.

(٢) البان : شجر له ثمر يشبه قرون اللوبيا ، وإذا انتهى انفتق وانتثر حبّه ، ومنه يُستخرج دهن البان.

(٣) هكذا في الأصل ـ المخطوط ـ.

٦٤

مالك في بطن الأعر ، وهي مربّعة لها مصفاة ، وعندها ثلاث آبار ، ماؤها عذب ، عليها حياض وهو المتعشى ، وبه حصن وكان هناك حوانيت يُباع فيها. وعلى ميل من بطن الأعر بئر تُعرف بالعباسيّة ، ثمّ تنحدر العقبة على الرصيف ، وهي حجارة فرش بها الطريق ؛ لكثرة الوحل إلى المنزل من عمل خالصة. والمسرف على ثلاثة أميال من بطن الأعر ، وعقبة الأجفر على أربعة أميال من الأجفر ؛ حجارتها مسنان الماء ، وبظهر الأعر قباب وخزانة لخالصة وآبار وبيوت خربة. وقبل الأجفر بنحو من ميلين عند الرصيف بركة خالصة ، ويقال : هي للخيزران ، يمنة عن الطريق مربّعة. قال الخوارزمي (١) : ولمّا نزل الحسين (عليه السّلام) الخزيميّة أقام بها يوماً وليلة ، فلمّا أصبح جاءت إليه اُخته زينب بنت علي (عليه السّلام) (٢) ، وقالت له :

__________________

(١) انظر مقتل الحسين ـ الخوارزمي ، طبع النجف.

(٢) ولدت زينب الكبرى بعد الحسين (عليه السّلام) في الخامس من شهر جمادي الأولى في السنة الخامسة للهجرة ، وإنّما يُقال لها الكبرى للفرق بينها وبين مَنْ سُمّيت باسمها من أخواتها ، وكنّيت بكنيتها. وكانت زينب الكبرى تلقّب بالصدّيقة الصغرى ؛ للفرق بينها وبين أمّها الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السّلام). وألقابها : عقيلة بني هاشم ، وعقيلة الطالبيِّين ، والموثقة ، والعارفة ، والعالمة ، والفاضلة ، والكاملة ، وعابدة آل علي. وكانت ذات جلال وشرف ، وعلم ودين ، وصون وحجاب ، حتّى قيل : إنّ الحسين (عليه السّلام) كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها. وروت الحديث عن جدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعن أبيها أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وعن أمّها فاطمة الزهراء (عليها السّلام). قال ابن حجر : زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية ، سبطة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، أمّها فاطمة الزهراء (عليها السّلام). قال ابن الأثير : إنّها ولدت في حياة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وكانت عاقلة لبيبة جزلة ، زوّجها أبوها من عبد الله بن جعفر فولدت له أولاداً ، وكانت مع أخيها لمّا قُتل ، فحُملت إلى دمشق ، وحضرت عند يزيد بن معاوية. وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها فاطمة مشهور يدلّ على عقل وقوّة جنان. ذكر الحجّة سيّدنا هبة الدين الشهرستاني في نهضة الحسين ، قال : لزينب أخت الحسين (عليه السّلام) شأن مهم ، ودور كبير النطاق في قضية الحسين. وذكر الاُستاذ حسن قاسم في كتابه (زينب) : السيّدة الطاهرة الزكية زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب ابن عمّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وشقيقة ريحانتيه. لها أشرف نسب ، وأجل حسب ، وأكمل نفس ، وأطهر قلب ، فكأنّها صيغت في قالب ضمخ بعطر الفضائل. فالمستجلي آثارها يتمثّل أمام عينيه رمز الحقّ ، ورمز الفضيلة ، ورمز الشجاعة ، ورمز المروءة ، وفصاحة

٦٥

يا أخي ، ألا اُخبرك بشيء سمعته البارحة؟ قال لها : «وما ذاك يا أختاه؟». فقالت : إنّي خرجت البارحة في بعض حاجة ، فسمعت هاتفاً يقول :

ألا يا عينُ فاحتفلي بجهدِ

ومَنْ يبكي على الشهداء بعدي

على قومٍ تسوقهمُ المنايا

بمقدارٍ إلى إنجازِ وعدِ

فقال لها الحسين (عليه السّلام) : «يا أختاه ، كلّ ما قضى الله فهو كائن». قالوا : وسار الحسين (عليه السّلام) من الخزيميّة يريد الثعلبية ، فمرّ في طريقه بزرود.

وبعدها وافى زرودَ وبها

وافاه ناعي مسلمٍ ينعى الحجى

تنفّسَ الحسينُ ثَمَّ الصُعدا

ودمعهُ على ابن عمّه همى

(زرود) : بفتح الزاء ، والزرد : البلع. ولعلها سُمّيت بذلك لابتلاعها الماء التي تمطرها السحائب ؛ لأنّها رمال. قال البكري : زرود : بفتح أوّله وبالدال المهملة في آخره ، وقال ابن دريد : زرود : جبل رمل ، وهو محدود في رسم عالج ، وفي رسم الوقيظ ، وهو ٨ين ديار بني عبس وديار بني يربوع ، متصل بجدود. قال أبو دؤاد :

زرودُ جدودٍ خير من أراطى

ومن طلحِ اللحاءِ ومن أبالِ (١)

__________________

اللسان ، وقوّة الجنان. مثال الزهد والورع ، مثال العفاف والشهامة ، إنّ في ذلك لعبرة. وفاتها قيل : سنة ٦٣ ، وقيل : ٦٥ ، كما اختلف أرباب التاريخ في قبرها ؛ فمنهم من ذكر أنّها في الشام في قرية (راوية) حيث المزار اليوم والمشهد المشهور ، يختلف إليه الزوّار من المسلمين لزيارتها من قديم الأحقاب. والقرية التي فيها القبر الماثل اليوم تُسمّى باسمها (قرية الست زينب) ، وقال آخرون ، ولا أشك أنّه هو الصحيح : إنّ هذا الذي بدمشق هو قبر شقيقتها اُمّ كلثوم (زينب الصغرى) بنت الإمام علي (عليه السّلام) ، وأمّا زينب الكبرى فمرقدها في مصر ، مشهد معلوم يُزار ويُتبرك به كما حقّقه المؤرّخون. وقد أُلّفت كتب عديدة في سيرتها وترجمتها ، وآخر ما ظهر كتاب (بطلة كربلاء) للفاضلة بنت الشاطئ ، إذ قالت في خاتمة كتابها : بطلة استطاعت أن تثأر لأخيها الشهيد العظيم ، وأن تسلّط معاول الهدم على دولة بني اُميّة ، وأن تغيّر مجرى التاريخ.

(١) انظر معجم ما استعجم ـ البكري / ٤٣٦ ، اللحاء : موضع. والطلح : شجر من العضاة. وأبال : موضع قريب من أراطى.

٦٦

قال ابن الكلبي ، عن الشرفي : زرود ، والشقرة ، والربذة. بنات يثرب بن قانية بن مهليل بن رخام بن عبيل أخي عوض بن أرم بن سام بن نوح ، وتُسمّى زرود العقبة ، وفي زرود بركة وقصر وحوض. قالوا : أوّل الرمال الشيحة ، ثمّ رمل الشقيق ، وهي خمسة أجبل ؛ جبلا زرود ، وجبل الغر ، ومريخ وهو أشدّها ، وجبل الطريدة وهو أهونها حتّى تبلغ جبال الحجاز. ويوم زرود من أيّام العرب مشهور بين بني تغلب وبني يربوع (١). ذكر النويري (٢) قال : غزا الحوفزان حتّى انتهى إلى زرود خلف جبل من جبالها ، فأغار على نعم كثير لبني عبس فاجتازوها ، وأتى الصريخ لبني عبس فركبوا ، ولحق عمارة بن زياد العبسي الحوفزان فقال : يا بني شريك ، قد علمتم ما بيننا وبينكم. قال الحوفزان وهو الحارث بن شريك : صدقت يا عمارة ، فانظر كلّ شيء هو لك فخذه. فقال عمارة : لقد علمت نساء بكر بن وائل إنّي لم أملأ أيدي أزواجهن وأبنائهن شفقة عليهنّ من الموت. فحلّ عمارة النعم ليرده ، وحال الحوفزان بينه وبين النعم فعثرت بعمارة فرسه فطعنه الحوفزان ، وطعنه نعامة بن عبد الله بن شريك ، وأُسر ابنا عمارة ؛ سنان وشداد. وكان في بني عبس رجلان من طيء ابنان لأوس بن حارثة مجاورين لهم ، وكان لهما أخ أسير في بني يشكر ، فلمّا فقدته بنو شيبان نادوا : يا لثارات معدان ، فعند ذلك قتلوا ابني عمارة ، وهرب الطائيان بأسرهما ، فلما برئ عمارة من جراحه أتى طيئاً ، فقال : ادفعوا إليّ هذا الكلب الذي قُتلنا به. فقال الطائي لأوس : ادفع إلى بني عبس صاحبهم. فقال لهم : تأمرونني أن أعطي بني عبس قطرة من دمي ، وإنّ ابني أسير في بني يشكر؟! فوالله ما أرجو فكاكه إلاّ بهذا. فلمّا قفل الحوفزان من غزوه بعث إلى بني يشكر في ابن أوس ، فبعثوا به إليه ، فافتدى به معدان. وقال نعامة بن شريك :

__________________

(١) انظر معجم البلدان ـ ياقوت الحموي.

(٢) انظر نهاية الأرب ـ النويري ١٥ / ٤١٥.

٦٧

استنزلتْ رماحُنا سنانا

وشيخُنا بطخفةٍ عنانا

ثمّ أخوه قد رأى هوانا

لمّا فقدنا بيننا معدانا

هذا يوم زرود الأوّل ، وهناك يوم زرود الثاني ، وهو لبني يربوع على بني تغلب. ذكر النويري (١) : أنّه أغار خزيمة بن طارق التغلبي على بني يربوع وهم بزرود ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثمّ انهزمت بنو تغلب ، واُسر خزيمة بن طارق ، أسره أنيف بن جبلة الضبي ، وهو فارس السليط ، وكان يومئذ نفيلاً (٢) في بني يربوع ، وأسيد بن حناءة السليطي فتنازعا فيه ، فحكّما بينهما الحارث بن قراد ، فحكم بناصية خزيمة للأنيف على أنّ لأسيد على أنيف مئة من الإبل. قال : ففدى خزيمة نفسه بمئتي بعير وفرس. قال أنيف :

أخذتكَ قسراً يا خزيمُ بنَ طارقٍَ

ولاقيتَ منّي الموتَ يومَ زَرودِ

وعانقتهُ والخيلُ تُدمى نحورُها

فأنزلته بالقاعِ غيرَ حميدِ

وقال ابن الكليحة اليربوعي (٣) : وكانت كلمت فرسه فتراخت به حتّى إذا أسره أنيف دونه :

تداركَ أرخاءُ العرارةِ دونها

وقد جعلتني من جذيمةَ أصبعا

وفيها يقول :

فقلتُ لكأسٍ ألجميها فإنّما

حللنا الكثيبَ من زرودٍ لنقرعا

ذكر ابن بليهد (٤) قال : زرود هو مشهور على اسمه إلى هذا العهد لم يتغيّر منه حرف واحد ، هو في وسط رمال عالج ، وهي محيطة به من كلّ جانب ، وطرقه صعبة المنافذ ، وفي الجهة الجنوبية منه جبلان من رمل يُقال لهما : الشامات ، وفيهم

__________________

(١) انظر نهاية الأرب ـ النويري ١٥ / ٣٨٣.

(٢) النفيل : الغريب.

(٣) انظر معجم ما استعجم ـ البكري / ٤٣٦.

(٤) انظر صحيح الأخبار / ٢٤٩.

٦٨

مَنْ يضيفها إلى زرود ، فيقول : شامات زرود ، وهي التي ذكرها عمر بن كلثوم في معلّقته حين قال :

وأنزلنا البيوتَ بذي طلوحِ

إلى الشامات تنفي الموعدينا

وزرود هي المحطّة المشهورة في طريق حاج بغداد ، وقد ذكر أبو الفرج الأصبهاني في (الأغاني) : أنّ أبا جعفر المنصور لمّا نزل زرود ، وهو ماء لبني أسد ، وعزم على الرحيل ، وهو والربيع عديلان على جمل ، قال لبني أسد : هل عندكم حادٍ يحدينا هذه الليلة؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، عندنا الذي يحدي بالملوك. فقال : عليّ به. فاندفع يتغنّي إلى الصبح ، فاستأذن للرجوع إلى أهله ، فقال الخليفة للربيع : ادفع له خمسين درهماً. فلمّا دفعها له قال الرجل للربيع : إنّي حدوت بهشام بن عبد الملك في هذا الطريق ودفع لي خمسين ألف درهماً. فأخبر الربيع الخليفة ، فقال : اقذفه في السجن حتّى يدفعها إليك يا ربيع ؛ فهي من بيت مال المسلمين الذي جمعته بنو اُميّة. فسقط في يد الأسدي ، ثمّ جاء الأسديون يستنجدون بالربيع أن يطلق لهم صاحبهم ، فكلّم الخليفة وعفا عنه.

وذكر ابن جبير (١) زرود في رحلته ، فقال : وهذه في بسيط من الأرض فيها رمال منهالة ، وبها خلق كثير داخله ديراوات صغار شبيه بالحصن ، يُعرف بهذه الجهات بالقصر ، والماء بهذا الموضع في آبار غير عذبة. وفي المخطوط : حدّث أبو محمد الوراق ، عن علي بن الصباح ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه قال : سُمّيت بزرود ؛ إنّ زرود وشقرة ابنتي يثرب بن قانية بن مهلهل بن رخام بن عبيل بن عوض بن أرم بن سام بن نوح. وزرود قبل الخزيميّة بميل ونصف ، وهي لبني أسد وبني نهشل أيضاً ، وفيها من الآبار العامرة والمدفونة نحواً من عشرين بئراً ماؤها غليظ ، وبها قصر وحوانيت وبركة ماء وحوض على بئر كبير. قال الشماخ بن ضرار :

وراحت رواحاً من زرودٍ فنازعتْ

زُبالةَ جلباباً من الليلِ أخضرا

__________________

(١) انظر الرحلة ـ ابن جبير / ١٦٣.

٦٩

وروي أنّ الرشيد حجّ في بعض الأعوام ، فلمّا أشرف على الحجاز تمثّل بقول الشاعر :

أقولُ وقد جزنا زرودَ عشيةً

وراحت مطايانا تؤمُ بنا نجدا

على أهلِ بغدادَ السلامُ فإنّني

أزيدُ بسيري عن بلادهمُ بعدا

ولقد أكثر الشعراء بذكر زرود في أشعارهم ، كمهيار الديلمي بقوله :

ولقد أحنُّ إلى زرودَ وطينتي

من غيرِ ما جُبلت عليهِ زرودُ

ويشوقني عجفُ الحجازِ وقد طفا

ريفُ العراقِ وظلّهُ الممدودُ

ويغرّدُ الشادي فلا يهتزّني

وينالُ منّي السائقُ الغرّيدُ

ما ذاك إلاّ أنّ أقمارَ الحمى

أفلاكهنَّ إذا طلعنَ البيدُ

وجاء ذكر زرود بشعر بن سنان الخفاجي ، قال :

يا زمانُ الخيفِ هل من عودةٍ

يسمحُ الدهرُ بها من بعدِ ضنِّ

أرضينا بثنيّاتِ اللوى

عن زرودٍ يا لها صفقةُ غبنِ

وللشيخ عباس الملا علي (ره) يذكر زرود بقوله (١) :

ضربوا في رُبى زرودٍ خياما

ألا تناءت تلكَ الرُّبى والخيامُ

ما حنيني إلى زرودٍ ولا را

مهُ لولاهمُ بهالي مرامُ

أنعموا بالوصالِ عيني زمانا

ثمّ صدّوا فصدَّ عنها المنامُ

واصلوني حتّى إذا ملكوا القل

بَ جفوني فاعتادَ جسمي السقامُ

لم يراعوا يومَ الوداعِ ذماماً

لمحبٍّ وللمحبِّ ذمامُ

أمنَ العدلِ أنّهم يومَ بانوا

أيقضوا جفني القريحَ وناموا (٢)

وهناك شعر كثير يذكر ، ويترد فيه اسم زرود فليطلب من مضانّه ، وفي

__________________

(١) من ديوان الشيخ عباس الملا علي البغدادي النجفي الذي أخرجه حدثاً الاُستاذ اليعقوبي إلى عالم النشر ، مع تعاليق مفيدة ، وتاجم بعض الممدوحين وغيرهم.

(٢) وأرقّ منه قول مهيار :

رحلتم وعمرُ الليلِ فينا وفيكمُ

سـواءٌ ولكن ساهرونَ ونوّمُ

٧٠

زرود جاء نعي مسلم بن عقيل للحسين (عليه السّلام). ذكر شيخنا المفيد (١) ، عن عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشعل الأسديان قالا : لمّا قضينا حجّنا لم تكن لنا همّة إلاّ اللحاق بالحسين (عليه السّلام) في الطريق ؛ لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتّى لحقناه بزرود ، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ، ووقف الحسين (عليه السّلام) كأنّه يريده ، ثمّ تركه ومضى ومضينا نحوه ، فقال أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا الرجل لنسأله ، فإنّ عنده خبر الكوفة. قالا : فمضينا حتّى انتهينا إليه فقلنا : السلام عليك ، فردّ علينا السلام ، فسألنا : ممّن الرجل؟ فقال : أنا بكر ابن فلان الأسدي ، فانتسبنا له وانتسب لنا ، ثمّ قلنا : أخبرنا عن الناس وراءك. قال : لم أخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة (٢) ، ورأيتهما

__________________

(١) انظر الشيخ المفيد ـ الإرشاد ـ.

(٢) كان هاني بن عروة هو وأبوه من وجوه الشيعة. ويروى أنّه كان كأبيه صحابيّاً ، وحضر مع أمير المؤمنين (عليه السّلام) حروبه الثلاث ، وهو القائل يوم الجمل شعراً :

يا لكِ حرباً حثّها جمالُها

يقودُها لنقصها ضلاّلُها

هـذا عليٌّ حولهُ أقيالُها

وروى المسعودي : أنّه كان شيخ مراد وزعيمها ، وكان يركب في أربعة آلاف دراع وثمانية ألف راجل ، فإذا تلاها أحلافها من كندة ركب في ثلاثين ألف دراع ، وكان معمّراً. وذكر بعضهم : أنّ عمره كان ثلاثاً وثمانين سنة ، وقيل : بضع وتسعين سنة. وكان يتوكأ على عصا بهازج ، وهي التي ضربه ابن زياد بها لمّا أُحضر عنده حتّى هشّم أنفه وجبينه ، وسمع الناس الهيعة فأطافت مذحج بالدار ، فخرج إليهم شريح القاضي ، فقال : ما به بأس ، وإنّما حبسه أميره ، وهو حيّ صحيح. فقالوا : لا بأس بحبس الأمير. وبقي هاني عنده إلى أن قبض على مسلم فقتلهما معاً ؛ أمّا مسلم فقد قتله بكير ورمى بجسده من على القصر إلى الأرض ؛ وأمّا هاني فإنّه أُخرج إلى السوق التي يُباع فيها الغنم مكتوفاً ، فجعل يقول : وا مذحجاه! ولا مذحج لي اليوم. وا مذحجاه! وأين منّي مذحج. فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ، ثمّ قال : أما من عصا ، أو سكين ، أو حجر يحاجز به رجل عن نفسه؟! فتواثبوا عليه وشدّوه وثاقاً ، ثمّ قيل : مدّ عنقك. فقال : ما أنا بها جدّ سخي ، وما أنا معينكم على نفسي. فضربه رشيد التركي مولى عبيد الله فلم يصنع به شيئاً ، فقال هاني : إلى الله المعاد ، اللّهمّ إلى رحمتك ورضوانك. ثمّ ضربه آخر فقتله ، وكان يوم التروية ، وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :

٧١

يُجرّان من أرجلهما في الأسواق. قالا : ثمّ ودّعنا ومضى ، ورجعنا حتّى لحقنا الحسين (عليه السّلام) فسلّمنا عليه ، فردّ علينا السلام ، فقلنا له : رحمك الله ، إنّا عندنا خبراً إن شئت أخبرناك به علانية. قالا : فنظر إلينا وإلى أصحابه ، ثمّ قال : «ما دون هؤلاء سرّ». فقلنا : رأيت الراكب الذي استقبلته عشية أمس؟ قال : «نعم ، وقد أردت مسألته». فقلنا : قد والله استبرأنا لك خبره ، وكفيناك مسألته ؛ وهو امرؤ منّا ذو رأي وصدق وعقل ، وأنّه حدّثنا أنّه لم يخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، ورآهما يُجرّان من أرجلهما في الأسواق. فقال (عليه السّلام) : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما». وصار يردّد ذلك مراراً ، فقلنا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلاّ انصرفت من مكانك هذا من حيث أتيت ؛ فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا معين ولا شيعة ، بل نتخوّف عليك. فنظر إلى بني عقيل ، فقال : «ما ترون وقد قُتل مسلم بن عقيل؟». فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق مسلم. فأقبل علينا الحسين (عليه السّلام) وقال : «لا خير في العيش بعد هؤلاء». فعلمنا أنّه قد عزم رأيه على المسير ، فقلنا : خار الله لك. قال : «رحمكم الله». ثمّ قال له أصحابه : إنّك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع. فسكت ، ثمّ انتظر حتّى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه : «أكثروا من الماء». فاستقوا وأكثروا ، ثمّ ارتحل من زرود حتّى انتهى به السير إلى الثعلبية.

ثمّ أتى للثعلبيّةِ التي

بطان بعدها ومن ثمّ سرى

(الثعلبية) : بفتح أوّله ، من منازل الحجّ من الكوفة بعد الشقوق. قال البكري : منسوبة إلى ثعلبة بن دودان بن أسد ، وهو أوّل مَنْ احتفرها ، وهي ماء

__________________

إن كنتِ لا تدرين ما الموتُ فانظري

إلـى هـانئٍ بـالسوق وابن عقيلِ

إلـى بـطلٍ قد هشّم السيفُ وجهَهُ

وآخـر يـهوي مـن طـمار قتيلِ

تَـري جـسداً قد غيّر الموتُ وجهَهُ

ونـضحَ دم قـد سـال كـلَّ مسيلِ

أيـركب أسـماءُ الـهماليجَ آمـناً

وقد طـلـبتهُ مـذحجٌ بـذحولِ

تـطـيفُ حـواليه مـرادٌ وكـلهمْ

عـلى رقـبة مـن سـائلٍ ومسولِ

٧٢

لبني أسد.

عوابس تقروا الثعلبية ضمرا

وهن شواج بالشكيم الشواجر (١)

وقيل الخزيميّة هي ثلثا الطريق ، وأسفل منها ماء يُقال له : الضويجعة ، على ميل منها مشرف ، ثمّ تمضي فتقع في برك يُقال لها : برك حمد السبيل ، ثمّ تقع في رمل متّصل بالخزيمية. وذكر صاحب حماة : أنّ الثعلبية ثلث طريق حجّاج العراق. وذكر في كتاب الأطوال : أنّ طول الثعلبية سحل ، وعرضها كحل (٢) ، ومن الثعلبية إلى قبر العبادي ٢٩ ميلاً (٣). قالوا : وإنّما سمّيت بثعلبة بن عمرو بن مزيقياء بن عامر ماء السماء. قيل : لمّا تفرّقت أزد مأرب لحق ثعلبة بهذا الموضع فأقام به فسمّي به ، فلمّا كثر ولده وقوّي أمره رجع إلى نواحي يثرب فأجلى اليهود عنها ، فولده هم الأنصار. قال الزجاجي : سمّيت الثعلبية بثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وهو أوّل مَنْ حفرها ونزلها. وقال ابن الكلبي : سمّيت برجل من بني دودان بن أسد يُقال له : ثعلبة أدركه النوم بها فسمع خرير الماء في نومه فانتبه ، وقال : أقسم بالله إنّه لموضع ماء ، وأستنبطه وابتناه ، وينسب إلى ثعلبة عبد الأعلى بن عامر الثعلبي عداده في الكوفيين. روى عن محمد بن الحنفيّة (٤) ، ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وسعيد بن جبير (٥) ، ويُقال

__________________

(١) انظر البكري ـ المعجم ـ ج ١ ص ٢٤١.

(٢) انظر الملك المؤيد ـ تقويم البلدان ـ ص ٦٧ طبع باريس.

(٣) انظر الملك المؤيد ـ تقويم البلدان ـ ص ١٠١ طبع باريس.

(٤) انظر كتابنا ـ محمد بن الحنفيّة / ١٠٦ طبع طهران.

(٥) سعيد بن جبير (ره) كوفي تابعي ، مشهور بالفقه والزهد والعبادة وعلم تفسير القرآن ، وكان قد أخذ العلم عن ابن عباس ، وكان يُسمّى جهبذ العلماء ، ويقرأ القرآن في ركعتين. قيل : وما على وجه الأرض أحد إلاّ وهو محتاج إلى علمه ، وكان علي بن الحسين السجّاد (عليه السّلام) يثني عليه. قال أرباب التاريخ : احتجّ سعيد بن جبير على الحجّاج بأنّ الحسن والحسين (عليهما السّلام) من أولاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حقيقة ؛ لقوله تعالى : (ووهبنا له إسحاق ويعقوب ـ إلى قوله تعالى ـ وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كلّ من الصالحين). ولمّا أُدخل على الحجّاج قال له : ما اسمك؟ قال : سعيد بن جبير ، فقال : بل شقي بن كسير. قال : أمّي

٧٣

حديثه عن ابن الحنفيّة صحيفته. وفي الثعلبية أغار الضحّاك على الحاج ونهب أمتعتهم ، وذلك إنّ معاوية بن أبي سفيان دعا الضحّاك بن قيس الفهري وقال له : سرّ حتّى تمرّ بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمَنْ وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه ، وإن وجدت مسلحة أو خيلاً فأغر عليها ، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى ، ولا تقيمن لخيل بلغك أنّها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها ، فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف. فأقبل الضحّاك فنهب الأموال ، وقتل مَنْ لقي من الأعراب حتّى مرّ بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم ، ثمّ أقبل فلقي عمرو بن عميس الذهلي ، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقتله في طريق الحاج عند القطقطانية (١) ، ومعه اُناس من أصحابه (٢) ، وقد نزل الثعلبية سعيد بن عمر وأقام بها ثلاثة أشهر ، وذلك قبل وقعة القادسية حتّى تلاحق به الناس. فكانت

__________________

كانت أعرف بي إذ سمّتني سعيداً. فقال له : شقيت وشقيت اُمّك ، ما تقول في أبي بكر وعمر أفي الجنّة هما أم في النار؟ قال : لو دخلت الجنّة فنظرت إلى أهلها لعلمت مَنْ فيها ، ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت مَنْ فيها. قال : فما قولك في الخلفاء؟ فقال سعيد : لست عليهم بوكيل. قال : أيهم أحبّ إليكم؟ قال : أرضاهم لخالقي. قال : فأيّهم أرضى للخالق؟ قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرّهم ونجواهم. قال : أبيت أن تصدقني؟ قال : بلا ، لا اُحبّ أن أكذبك. ثمّ قال له الحجّاج : اختر أي قتلة شئت أن أقتلك؟ قال : اختر لنفسك فإنّ القصاص أمامك. ولمّا أُحضر له النطع وأرادوا قتله استقبل القبلة قائلاً : (وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ). فقال الحجّاج : وجّهوا وجهه على غير القبلة. فقال : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ). قال : كبّوه على وجهه. فقال : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى). ثمّ ذُبح على النطع (رحمه الله). قيل : لم يبقَ بعده الحجّاج إلاّ خمس عشرة ليلة ، ولم يقتل بعده أحداً ؛ لدعائه ، حيث قال : اللّهمّ لا تسلّطه على أحد يقتله بعدي. وكان قتله سنة ٩٥ هـ وهو ابن تسع وأربعين سنة.

(١) القطقطانة : تقع قرب قصر مائل ، وتُسمّى اليوم الحياضية ، فيها مخفر شرطة عراقية.

(٢) انظر الطبري ٦ / ٧٨.

٧٤

بعدها الوقعة الميمونة ، وفتح الله على المسلمين (١). وقال ابن جبير (٢) يصف الثعلبية : ولها مبنى شبه الحصن خرب لم يبقَ منه إلاّ الحلق ، وبإزائه مصنع عظيم كبير الدور من أوسع ما يكون من الصهاريج وأعلاها ، والمهبط إليه بأدراج كثيرة من ثلاث جهات ، وكان فيه من ماء المطر ما عمّ جميع المحلّة ، ووصل إلى هذا الموضع جمع كثير من العرب رجالاً ونساءً ، واتّخذوا به سوقاً عظيمة حفيلة للجمال والكباش ، والسمن واللبن وعلف الإبل ، فكان يوم سوق نافقة. وفي المخطوط : حدّث عبد الله بن عمرو قال : حدّثني عبّاد بن إبراهيم بن إسماعيل بن عطا الثعلبي قال : سمعت حازم بن محراس يخبر عن أبيه : أنّ رجلين مرّا فاستسقى أحدهما فلم يسقَ ، فلمّا جازا قال أحدهما للآخر : والله ، لو سقوني لدللتهم على ماء لا ينزف. قال : فسمعها عقبة بن سهل من بني ثعلبة بن مالك ، وكان يقال له : العوّاء ؛ وذلك إنّه عوى عليها حين أُخذت منه. وهو الذي سمّى الأسامي فيها من جمادها وشعابها وأوديتها ، وإنّ مالكاً كان في منزل يُقال له : الطريقين ، من الثعلبية على ميلين ، وهي على غير منقب ـ ومنقب : الطريق ـ وكان في غنمه ، فورد عليه رجلان من الشمامين وطلبا السقي ، فتثاقل عنهما ، ومضيا حتّى إذا كانا بالسامة من وراء الجبل ، والجبل رمل وراه شقيقة جلد ، قال أحدهما للآخر : لو سقانا لدللناه على ماء لا ينزف. وكان منخرق السمع ، فسمعهما وهو على ثلاثة أميال ، فلحقهما بأداوة من ماء ، فاعتذر إليهما وسقاهما ، فأخبراه عن الثعلبية ، ووصفا له الوادي ، وقالا`له : عليك بلسان الطريق فاحتفر فيه. فأوّل ما حفر فيه (الزوراء) من ذلك حتّى أنبط الماء ـ والزوراء وراء الحصن ـ ثمّ حفر (الجوفاء) ، ثمّ حفر (العسيل) التي إلى جانب عسيلة أبي جعفر ، ثم حفر (الحلقا) ، ويُقال : إنّ الذي حفر العسيلة هو أبو جعفر بعد ذلك ، وحفر أهل بيت عتبة بنو سريح وبنو عويمر أكثر من أربعمئة ركية ، وانتقل عقبة إلى الرقة. وعسيلة أبي جعفر هي أطيّب ركية بالثعلبية ، وذكروا إنّ الثعلبية كانت ذات شجر ، ولم يكن بها ماء ، وكانت لبني ثعلبة بن مالك بن

__________________

(١) انظر البلاذري ـ فتوح البلدان ـ ص ٢٥٥.

(٢) انظر رحلة ابن جبير ص ١٦٣.

٧٥

ثعلبة ، وإليهم نسبت الثعلبية ، وكانت مياه الحرث بن سعد محيطة بها ، وكان الزبير بن مالك بن سريح منخرق السمع يسمع الكلام من مسيرة ثلاثة أميال ، وكان يرعى غنماً له بموضع يُقال له : حمد السيل من الثعلبية على ثمانية أميال ، وكان أهلها على ثمد لهم يُقال له : الطريقة ، من الثعلبية على ثلاثة أيّام ، فمرّ رجلان من الشمامين الذين يعرفون مواضع الماء فقالوا لأهل الزبير بن مالك : اسقونا الماء. ثمّ ذكروا نحواً من الأحاديث المارة الذكر ، إلاّ إنّه قال : فجاءت بنو ثعلبة مالك أبى الزبير فاشتجروا في الماء كلّ يدّعيه ، فتحاكموا إلى والي المدينة فقضى أنّ الماء لمَنْ احتفره. حدّثني أبو محمد الوراق ، عن عقيل بن محمد بن شمردل الأسدي قال : قال رجل نعامي من نعامة بن صعب بن أسد بن خزيمة : ومرّ على ماء الشقوق فمنعوه ماءها ، فقال :

قد قلتُ للعيسِ افردي بالبردِ

الماءُ ماءُ الحرثِ بنِ سعدِ

هـناك تـروينَ بـغيرِ نقدِ

يعني ماء الثعلبية. وحدث بن أبي السعد ، عن داود بن محمد بن عبد الملك الأسدي ، عن أبيه ، عن جدّه : أنّ الثعلبية أُحدثت في زمن عبد الملك بن مروان. قالت ليلى الأخيلية (١) :

عَوابِسَ تَعْدُو الثّعْلَبِيَّةَ ضُمَّراً

وَهُنَّ شَواحٍ بالشّكِيمِ الشَّواجِرِ

وقال عمرو بن شأس الأسدي :

أتعرفُ منزلاً من آل ليلى

أبى بالثعلبيّةِ أن يريما

وذكر ابن بليهد (٢) قال : ولمّا خرجت أياد من تهامة نزلوا ناحية نجد ، ثمّ ساروا قبل العراق حتّى نزلوا الشقيقة ، فتواثقوا هناك مع مرزبان من مرازبة الفرس ، وأتوا حتّى أقاموا بالثعلبية ، فلمّا انقضى أمد العهد أجلهم أياد عن الثعلبية ، ثمّ ساروا حتّى نزلوا الجبل من السواد وهزموا هنالك جيشاً للفرس ، ثم ساروا

__________________

(١) انظر البكري : معجم ما استعجم ص٢٢٠ طبع أوربا.

(٢) انظر محمد بن عبد الله بن بليهد ـ صحيح الأخبار ـ ج ٣ ص ١٨٢.

٧٦

حتّى نزلوا الجزيرة ونفوا قوماً من العماليق كانوا بها ، ونزلوا الموصل وتكريت ، فلمّا ملك كسرى أنوشروان بعث إليهم ناساً من بكر بن وائل مع الفرس فهزموا أياداً ونفوهم إلى قرية يُقال لها : الحرجية ، بينها وبين الحصنين فرسخان فالتقوا بالحرجية وقتلت ، وقبورهم بها إلى اليوم ، وسارت بقيّتهم إلى أرض الروم وبعضها إلى حمص.

وذكر ابن بليهد أيضاً (١) (الثعلبية) : تحمل هذا الاسم إلى هذا العهد ، وهي لبني أسد في الجاهلية وفي صدر الإسلام. ويُقال لها في هذا العهد : (الثعيلبي) ، سكنته شمّر وبنوا به قصوراً ، وحفروا به آباراً ، وغرسوا فيه نخيلاً.

وبين الثعلبية والخزيمية ثلاث وعشرون ميلاً ، وبها بئر تُعرف ببئر (النسبان) ، وبئر أخرى تُعرف (بالمنصور) ، وبئر أُخرى تُعرف ببئر (عقبة) عليها حوض ، وبئر تُعرف (بالمخالصية) ، وبئر تُعرف (بالمطهرية) ، وبئر تُعرف ببئر (آس) ، وبئر تُعرف (بأبي المحسر) ، وبئر تُعرف لمحمد بن الربيع ، وآبار متفرّقة كثيرة العدد. وبالثعلبية قصر ومسجد جامع ، وبركتان مربّعتان ؛ أحدهما تُعرف (بالكبرى) وهي المهدية ، ولها مصفاة وبركة حيال القصر تُعرف (بالخالصة) مربعة. ومن الآبار الكبار والصغار أكثر من ثلاثين بئراً تُعرف بالكرارير والموالي ، وثلاث آبار يُقال لها : الوطاء ، والجوفاء ، والزوراء. وبين السابع من البريد إلى الخزيميّة شقائق رمل يُقال له : الوعساء ، ودون الميرا بثلاثة أميال رمل يُقال له : جبلا زرود. والمسرف بطرف الوعساء على ميل ونصف من العميس. قال الشاعر يذكر الوعساء ، وذكره ابن بليهد أنّه صاحبه ذو الرمة.

أَيا ظَبيَةَ الوَعساءِ بَينَ جُلاجِلٍ

وَبَينَ النَقا أَأَنتِ أَم أُمُّ سالِمِ

ذكر ابن بليهد جلاجل ، وقال : لا أعلم اليوم موضعاً بهذا الاسم (٢). وقبل

__________________

(١) انظر محمد بن عبد الله بن بليهد ـ صحيح الأخبار ـ ج ٣ ص ١٨٢.

(٢) انظر ابن بليهد ـ صحيح الأخبار ـ ج ١ ص ٧٩.

٧٧

أن تصل إلى الخزيميّة بأربعة أميال مفرق الطريق الأيمن إلى الهاشمية وهو المنتصف ، والطريق الأوسط قصر أمّ جعفر ، والطريق الثالث إلى الخزيميّة وهي المجاشعية ، وليس في طريق الخزيميّة من حدّ الرمل الذي قبلها بثلاثة أميال ، إنّما الأميال في الطريق الأول عن يمين نراها من بعد الخزيميّة ، دونها البريد بسبعة أميال موضع يُقال له : داره. وعلى مقدار ميلين من الثعلبية بئر تُعرف بالبرمكي ، وبئر تُعرف بالبستان. وعلى ثلاثة أميال من الثعلبية بركة وقباب ومسجد ، والبركة مدوّرة تسمّى القبعة ، وهي قبعة حفاف ؛ وإنّما سمّيت قبعة لأنّها تقبع من الرمل ـ وهي الحزن ـ وهي تُزرع ، وعند بركة القبعة عند الأميال الثلاثة المتفرّقة. والطريق العتيق يسرة الطريق الآخر ، وهي أقرب الطريقين بميل وأسهلها ، تخرج عند بركة العميس. وأوّل الرمل الغليظ عند القصر يسرة بركة يُقال لها : العميس. قال أرباب السير : كان نزول الحسين (عليه السّلام) الثعلبية وقت الظهيرة ، فوضع رأسه فرقد ، ثمّ استيقظ وقال : «قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسيرون والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة». ولقد نظم هذا المعنى المغفور له الشيخ حسن الدمستاني (ره) (١) ، قال :

بينما السبطُ بأهليهِ مجدّاً بالمسيرْ

وإذا الهاتفُ ينعاهم ويدعو ويشيرْ

إنّ قدّام مطاياهم مناياهُم تسيرْ

ساعة إذ وقفَ الطرفُ الذي تحت الحسينْ

قال أبو محنف : ولمّا نزل الحسين (عليه السّلام) الثعلبية أقبل إليه رجل نصراني ومعه أمّه ، فأسلما على يد الحسين (عليه السّلام) وصارا في ظعينته (٢). ويروى أنّ الحسين (عليه السّلام) بات بالثعلبية ، حتّى إذا أصبح الصباح وإذا برجل من أهل الكوفة يُكنّى أبا هرّة الأزدي قد أتاه وسلّم عليه ، ثم قال له : يابن رسول الله ، ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدّك محمد (صلّى الله عليه وآله)؟ فقال : «ويحك يا أبا هرّة! إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت. وأيمُ الحقّ ،

__________________

(١) من فحول شعراء البحرين.

(٢) انظر شيخنا الصدوق (ره) ـ الأمالي ـ ص ٩٣.

٧٨

لتقتلني الفئة الباغية ، وليلبسهم الله ذلاً شاملاً ، ويسلّ عليهم سيفاً قاطعاً ، وليسلّطنَّ عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم ، فحكمت في أموالهم ودمائهم». وذكر الشيخ الصدوق قال : لمّا نزل الحسين الثعلبية أتاه رجل وسأله عن قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (١) ، فقال (عليه السّلام) : «إمام دعا إلى هدى فأجابوا إليه ، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوا إليه ؛ هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النار ، وهو قوله تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنّةِ وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ) (٢)». ويروى عن الطرماح بن حكيم قال : لقيت حسيناً وقد امترت لأهلي ، فقلت : أذكّرك الله في نفسك ، فلا يغرّنك أهل الكوفة ، والله إن دخلتها لتقتلن ، وإنّي أخاف أن لا تصل إليها ؛ فإن كنت مجمعاً على الحرب فانزل (أجا) (٣) ؛ فإنّه جبل منيع. والله ما لنا فيه ذلّ قط ، وعشيرتي جميعاً يرون نصرتك ما أقمت فيهم ، فإن هاجك هايج فأنا زعيم لك بعشرين ألف فارس يضربون بين يديك بأسيافهم ، فوالله لا يصل إليك أحد أبداً وفيهم عين تطرف. فقال له : «جزاك الله خيراً ، إنّ بيني وبين القوم مواعيد أكره أن أخلفها ، وقولاً لسنا نقدر معه إلاّ على الانصراف ، ولا ندري على مَ تتصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة ؛ فإن يدفع الله فقديماً ما أنعم الله علينا وكفى ، وإن يكن ما لا بدّ منه ففوز وشهادة إن شاء الله». قال : فودّعته ، وقلت له : دفع الله عنّك شرّ الإنس والجن. إنّي قد امترت لأهلي ميرة من الكوفة ، ومعي نفقة لهم فآتيهم فأضع ذلك فيهم ، ثم آتيك إن شاء الله ، فإن لحقتك لأكوننَّ من أنصارك. فقال (عليه السّلام) : «إن كنت فاعلاً فعجّل رحمك الله». قال : فعلمت أنّه مستوحش إلى الرجال حتّى إنّه يسألني التعجيل. قال : ولمّا بلغت أهلي وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت ، فأخذ أهلي يقولون ما بك؟

__________________

(١) سورة الإسراء ص ٧١.

(٢) سورة الشورى ص ٧.

(٣) أجا وسلمى : يسمّيان في الوقت الحاضر مع المنطقة المجاورة لهما بجبل شمر. انظر قلب جزيرة العرب ـ فؤاد حمزة / ١٢.

٧٩

إنّك تصنع أشياءً ما كنت تصنعها قبل اليوم ، فأخبرتهم بما أُريد ، ثمّ فارقتهم ، وأقبلت حتّى إذا دنوت من عذيب الهاجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إليّ ، وأخبرني بقتله فرجعت مغموماً. قال المؤرّخون : ورحل الحسين من الثعلبية ، وواصل سيره إلى بطان.

(بطان) : قال ياقوت الحموي : بكسر أوّله ، منزل بطريق الكوفة بعد الشقوق من جهة مكّة دون الثعلبية (١) ، وهي لبني ناشرة من بني أسد.

أقولُ لصاحبيَّ من التأسي

وقد بلغت نفوسُهُما الحلوقا

إذا بلغَ المطيُّ بنا بطانا

وجزنا الثعلبيةَ والشقوقا

وخلّفنا زُبالة ثمّ رحنا

فقد وأبيكَ خلّفنا الطريقا

وذكر المقدسي أنّ من الثٹلبية إلى بطان تسعة وعشرون ميلاً. والبطان ، على مثال فعال بكسر أوّله : موضع قد حدّدته في رسم ضرية. ورحا بطان هذا تزعم العرب أنّه معمور لا يخلو من السعالى والغول ، ورحاه وسطه. ويزعمون أنّ الغول تعرّضت فيه لتأبّط شراً فقتلها ، وأتى قومه يحمل رأسها متأبطاً له حتّى أرسله بين أيديهم ، فبذلك سمّي تأبّط شراً ، وفي ذلك يقول :

أَلا مَن مُبلِغٌ فِتيانَ فَهمٍ

بِما لاقَيتُ عِندَ رَحا بِطانِ

بِأَنّي قَد لَقيتُ الغولَ تَهوي

بِسَهبٍ كَالصَحيفَةِ صَحصَحانِ (٢)

وقال القزويني (٣) : رحا بطان موضع بالحجاز ، زعم تأبّط شراً أنّه لقى الغول هناك ليلاً ، وجرى بينه وبينها محاربة ، وفي الأخير قتلها ، وحمل رأسها إلى الحي وعرضها عليهم حتّى عرفوا شدّة جأشه وقوّة جنانه ، وهو يقول :

أَلا مَن مُبلِغٌ فِتيانَ فَهمٍ

بِما لاقَيتُ يومَ رَحا بِطانِ

بِأَنّي قَد لَقيتُ الغولَ تَهوي

بِسَهبٍ كَالصَحيفَةِ صَحصَحانِ

__________________

(١) انظر شهاب الدين ياقوت الحموي ـ المشترك ـ ص ٥٨ ، طبع أوربا.

(٢) انظر أبو عبد الله البكري ـ معجم ما استعجم ـ ص ١٥٢ ، طبع أوربا.

(٣) انظر زكريا القزويني ـ آثار البلاد وأخبار العباد ـ ص ٦١ ، طبع أوربا.

٨٠