الحسين في طريقه إلى الشهادة

علي بن الحسين الهاشمي

الحسين في طريقه إلى الشهادة

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات الشريف الرضي
المطبعة: النهضة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٠

وراحَ بالمسرى جدّاً قاصدا

مغيثةً فالنقرة ثمّ الفضا

(مغيثة) : اسم الفاعل من أغاثه يغيثه إذا أغاثه. يُقال : غاث الله البلاد ، إذا أنزل بها الغيث. منزل في طريق مكّة.

قال المقدسي : من معدن بني سليم إلى المغيثة ثلاثة وثلاثون ميلاً.

قال الحموي : وكانت أوّلاً مدينة فخربت ، وشرب أهله ماء المطر ، وهي لبني نبهان ، ويُقال لها : مغيثة الماوان.

ذكر ابن بليهد (١) ، قال ياقوت : الجبل إلى جانب الصلعاء. وقال أيضاً : الصلعاء بين الحاجر والنقرة. والذي أعرفه بهذا الاسم موضعين ؛ الأولى هضبة صغيرة يُقال لها : الصلعاء ، تحمل هذا الاسم إلى هذا العهد ، وهي بين ماوان والنقرة ، والموضع الثاني قطعة رمل منقطعة من رمال أعفرية يُقال لها : الصلعاء ، وهي تحمل هذا الاسم إلى هذا العهد. وجاء في المخطوط : وبها قصر ومسجد ، وهي لبني محارث بن حفصة بن قيس بن غيلان ، وبها بركة ومصفاة ، وبها خمسة آبار كلّها مالحة، أنشد بعض الأعراب :

شربنَ بالماوان ماءً مرّا

وبالسليلِ مثلَه أو شرّا (٢)

وقال عروة بن الورد :

أقولُ لقومٍ بالكنيفِ تروّحوا

عشيّةَ قلنا عند ماوان رزّحُ

وقال امرؤ القيس :

عظيمٌ طويلٌ مطمئنٌ كأنّه

بأسفلِ ذي ماوان سرحةُ مُرقبِ

وهناك موضع يُقال له : معدن الماوان لرجل من الأعراب ، يُقال له : مربع ، ويقال للجبل المشرف على المعدن : سقر ، والمشرف على جبل يُقال له : فرعون ، وقبله بركة زبيدية مدوّرة يسرة الطريق ، وعلى ستة أميال من الماوان بركة تسمّى (الحيران) ، وهي لحمار اليزيدي مدوّرة ، وهي بين الميل التاسع والعاشر ، وعندها

__________________

(١) انظر محمد بن عبد الله ـ صحيح الأخبار ـ ج ٣ ص ١٨٤.

(٢) وقد ذكر ابن بليهد النجدي هذا البيت بتغيير ، وهو لأبي محمد الفقعي :

شربنَ من ماوانَ ماءً مرّا

ومـن شبامٍ مثله أو شرّا

٤١

بئر رديئة وقباب وخزانة الخالصة. وموضع هذه البركة ثلثي طريق الكوفة من مكّة ، وخلفها بركة أخرى على عشرة أميال من الماوان تسمّى (أريمة) ، وهي المتعشى ، وتعرف بالكواذع. وأريمة : جبل ممتد يمنة الطريق على أرجح من ميل ، وقبال المتعشى جبل يُقال له : سنام. وسنام هذا غيره سنام الذي قرب الزبير. ذكر ابن بليهد قال : سنام : أعرف ثلاثة مواضع يُقال لكل واحد منها سنام ؛ اثنان منها في بلاد العرب ، والثالث قلعة أحدّتها المقنع الخارجي. وهي التي عناها مالك بن الريب في قوله حين خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان إلى خراسان :

تذكّرني قبابُ التركِ أهلي

ومبدأهُمْ إذا نزلوا سناما

وصوتُ حمامةٍ بجبالِ كشٍّ

دعت من مطلعِ الشمسِ الحماما

فبتُّ لصوتها أرقاً وباتتْ

بمنطقها تراجعني الكلاما

والموضعان اللذان في بلاد العرب أحدهما جبل مجاور لبلد الزبير يُقال له : (سنام) ، وذكروا فيه أخباراً كثيرة أغلبها قريب من الخرافات. قالوا : إنّ بجنبه ماء كثير السافي ، ولا شك أنّه ماءة سفوان (١). وقال صاحب معجم البلدان (٢) : إنّه أول ماء يرده الدجّال من مياه بلاد العرب. وذكروا في رواية ثانية أنّه سار من الحجاز حتّى وقف مكانه الآن متأخماً لبلد الزبير. ونباته الذي فيه من نبات جبال الحجاز : القطف والأذخر والقيا ، كلّها موجودة فيه. وقالوا : إنّ ذلك الجبل طريقة وادي الرمّة الذي يصبّ من قريب الحجاز وينتهي قريب الزبير. ولكن هذه خرافات لا يتصوّرها العقل وقد اختصرناها. وهذا الجبل قريب من الزبير ، ولم أرَ فيه أشعاراً ، وهو أشهر الموضعين المعروفين بهذا الاسم إلى هذا العهد. والجبل الثاني جبل صغير له رأس في بلاد غطفان ، قريب من ماء المرير يُقال له : (سنام) ، هو الذي قال فيه شاعر من غطفان :

شربنَ من ماوان ماءً مرّا

ومن سنامٍ مثله أو شرّا

وللصمّة بن عبد الله العشيري قالها وهو مريض في طبرستان ، ومات بعدها هناك :

__________________

(١) انظر ابن بليهد ج ٢ ص ٥٥.

(٢) انظر المعجم ج ٥ ص ١٤١.

٤٢

أَحَقاً عِبادَ اللهِ أَن لَستُ رَائياً

سَنامَ الحِمى أُخرى اللّيَالى الغَوَابرِ

كأَنَّ فُؤَادِى مِن تَذكُّرِهِ الحِمى

وَأهلَ الحِمى يَهفو بِهِ رِيشُ طائرِ

وهذا الجبل من الحميين ؛ حمى الربذة وحمى ضربة ، وبعد أريمة بنحو من أربعة أميال قباب خربة ، ودونها بئر رديّة ، ووراء ذلك أحسا (١) بموضع يُقال له : (الأمعر) ، وقبل الربذة بميل بركة ناحية عن الطريق ، وجاء الحسين (عليه السّلام) بركبه إلى مغيثة الماوان ، ثمّ غادرها إلى النقرة.

(النَّقرة) أو معدن النقرة على ما ذكرها المقدسي : بفتح النون وسكون القاف ، ورواها الزهري : بفتح النون وكسر القاف. قال الأعرابي : كلّ أرض منصبّة في وهدة فهي النقرة ، وبها سمّيت النقرة بطريق مكّة التي يُقال لها : معدن النقرة (٢). قال أبو عبد الله السكوني : النقرة : ضبطه ابن أخي الشافعي بكسر القاف ، بطريق مكّة`، يجيء المصعد إلى مكّة من الحاجر إليه ، وفيه بركة وثلاث آبار ؛ بئر تُعرف بالمهدي (٣) ، وبئران تُعرفان بالرشيد ، وآبار صغار للأعراب تنزح عند كثرة الناس. وماؤهن عذب ، ورشاؤهنَّ ثلاثون ذراعاً ، وبها حصن وماء ضعيف وموضع وحش ، هكذا ذكره المقدسي ، وعندها مفترق الطريق ؛ فمَنْ أراد مكّة نزل المغيثة ، ومَنْ أراد المدينة أخذ نحو العسيلة فنزلها. قال أبو المسوّر :

فصبحّتْ معدنُ سوقِ النقرهْ

وما بأيديها تحسّ فترهْ

في روحةٍ موصولةٍ ببكرهْ

من بينِ حرفٍ بازلٍ وبكرهْ

قال أبو زياد : في بلادهم نقرتان لبني فزاره بينهما ميل (٤). وذكر ابن بليهد قال :

__________________

(١) الأحسا : وهو الماء تنشفه الأرض من الرمل ، فإذا صار إلى صلابة أمسكته ، فتحفر عنه العرب فتستخرجه. وهو علم لمواضع من بلاد العرب. انظر المشتركات ـ ياقوت الحموي / ١٤ ، طبع غوتنجن ـ ألمانيا.

(٢) انظر المعجم ـ ياقوت الحموي ٨ / ٣٠٨.

(٣) ذكر السيوطي أنّه في سنة إحدى وستين بعد المئة أمر المهدي بعمارة طريق مكّة وعمل البرك.

(٤) انظر ابن بليهد ٥ / ١٧.

٤٣

النقرة أقرب ما يكون لها من المناهل الحاجر المشهور بهذا الاسم من العهد الجاهلي إلى هذا العهد (١). وفي المخطوط ، عن سنان المازني ـ مازن فزارة ـ عن أبيه ، عن جدّه : إنّ النقرة ألحّ عليها النقرين ، أنّه حفر فيها قليباً في زمان عطش في صفا ، دل عليها مهندس فنقرت في الصفا حتّى أدرك ماءها ؛ فسمّيت النقرة. وكانت إذ ذاك لبني فزارة ، ثمّ لبطن منهم يُقال لها : ربيعة بن عدي بن فزارة ؛ فأمّا اليوم فباديها لهم وحاضرها لقريش والنجار. وقال في ذلك سويد العبسي :

قد علمت خودٌ تحلّ الأبرقا

والنقرتين والقصيمَ والنقا

إنّا نداوي بالسيوف الأحمقا

وعن هاشم بن محمد ، عن أبيه قال : سمّي ذو نقرة بنقرين بن جنادة ؛ احتفرها فنسبت إليه ، وأخوه الرمّة بن جنادة نسبت إليه بطن الرمّة. ومن النقرة إلى مغيثة الماوان سبعة وعشرون ميلاً. وبالنقرة قصر ومسجد وبركتان وآبار ، وبها ثمانية أعلام ؛ علمان للدخول ، وعلمان للخروج ، وعلمان لطريق البصرة ، وعلمان لطريق المدينة ، وعلى ثمانية أميال منها بئر طيبة الماء وآبار مدفنة يسرة ، عندها قباب حضرتها خالصة بين الميل الثالث والرابع ، وإذا سال الوادي دخلها. وعلى اثني عشر ميلاً منها بركة تُدعى (السمط) ، وجبل أسود فيه بياض ، وعند البريد قبر رجل من أهل الكوفة يُدعى (اليزيدي) ، وعلى ثلاثة عشر ميلاً من النقرة بركة تقع عن يمين الطريق عند الجبل والقصر تسمّى (الأقحوانة) ، وهي المتعشى. وعند البريد بئران فيهما ماء غليظ ، وبعدها بأربعة أميال بركة الماوان في الوادي عند المتعشى ، وقصر ومسجد يسرة الوادي يُقال له : (بنج) ، والماوان جبل يسرة ، وبقرب العلمين في مواضع أحسا صالحة الماء ، ومن الطريق يسرة منابت طرفا ، وعلى سبعة أميال من المغيثة بركة مدوّرة خراب يسرة (٢). وذكر الرحالة ابن جبير قال : ثمّ نزلنا يوم الأربعاء خامس رحيلنا

__________________

(١) انظر ابن بليهد ـ صحيح الأخبار ـ ج ٤ ص ١٧٧.

(٢) عن المخطوط.

٤٤

بموضع يعرف بالنقرة ، وفيها آبار ومصانع كالصهاريج العظام ، وجدنا أحدها مملوءاً بماء المطر فعمّ جميع المحلّة ، ولم ينضب على كثرة الاستماحة. قلت : ومنها سار الحسين (عليه السّلام) مجدّاً بسيره حتّى وافى الحاجر.

والحاجرُ المعروفُ منهُ سيّر ال

رسولَ قَيساً ذاك رائدُ الهدى

(الحاجر) : بالجيم والراء ، وهو لغة عند العرب ، ما يمسك الماء من شفة الوادي ، وكذلك الحاجور ، وهو فاعل ؛ موضع قرب معدن النقرة للقادم من العراق. وقال : دون فيد حاجر ، يروى عن كعب بن زهير بن أبي سلمى ، عن أبيه ، عن جدّه أنّ الحاجر كان اسمه (المنيفة) ، وأنه كان لغنى (١) فغلب عليه الحاجر ، وإنّما سمّته الحاجر غطفان منذ كان في أيام الجاهلية. وقال في ذلك الرجل من بني عبد الله بن عفان يُقال له : (سليل بن الحرث) : كانت له امرأة من بني سحيم بن عبد الله ، فكأنّهم اتّهموه أن يكون سبّ أصهاره فاعتذر من ذلك بقوله :

فمَنْ يذكر بلادَ بني سحيمٍ

بمقليةٍ فلستُ لمَنْ قلاها

همُ منعوا المنيفةَ من عليٍّ

وحاجرَها وهم أحموا حماها

وذكر ابن بليهد الحاجر قال : خرج وائل بن صريم اليشكري من اليمامة فقتلته بنو أسيد بن عمرو بن تميم ، وكانوا أخذوه أسيراً ، فجعلوا يغمسونه في الركية ويقولون :

يا أيّها الماتحُ دلوي دونكا

إنّي رأيتُ الناسَ يحمدونكا

حتّى قتلوه ، ثمّ غزاهم أخوه باعث بن صريم يوم حاجر ، وهو موضع بديارهم فقتل منهم مئة ، وقال :

سائل اُسيّدَ هل ثأرتُ بوائلٍ

أم هل أتيتهمُ بأمرٍ مُبْرَمِ

إذ أرسلوني ماتحاً لِدلائهم

فملأتهنّ إلى العَراقي بالدمِ

__________________

(١) غنى : قبيلة من قبائل العرب.

٤٥

ويدل على أنّ حاجر المزينة قول زهير بن أبي سلمى ، أو لابنه ضرغام :

إنّي حلفتُ بربِّ مكّة صادقاً

لولا الحياءُ ونسوةٌ بالحاجرِ

لكسوتُ عقبةَ حلةً مشهورةً

تردُ المدائنَ من كلامٍ عائرِ

وبالحاجر قتل حصن بن حذيفة بن بدر ؛ وذاك أنّه خرج في غزى من فزارة فالتقوا في هذا الموضع مع غزى من بني عامر التقاطاً ، فانهزمت بنو عامر وقُتلت قتلاً ذريعاً ، وشدّ كرز العقيلي عن حصن رئيس بني فزارة فقتله ، وقال شاعرهم :

يا كرزُ إنّك قد فتكتَ بفارسٍ

بطلٍ إذا هابَ الكماةَ مجرّبُ

وقال عيينة بن حصن هذا : قد نهى عمر بن الخطاب (رض) أن يدخل العلوج المدينة ، وقال : كأني برجل منهم قد طعنك هنا ، ووضع يده تحت سرته ، وهو الموضع الذي طعن فيه ، فلمّا طعنه أبو لؤلؤة (لعنه الله) قال : إنّ بين النقرة والحاجر لرأياً. قال ابن بليهد : حاجر : منهل ماء أعرفه إلى هذا العهد ، قريب النقرة التي بها المعدن المشهور ، وهو يحمل هذا الاسم إلى هذا العهد (١).

وذكر ابن سنان الخفاجي الحاجر بشعره ، فقال في صباه :

تَروحُ بِنَجدٍ تَغصِبُ الذِّئبَ زادَهُ

وَقَومُكَ بِالرَّوحاءِ في المَنزِلِ الرَّحبِ

وَما ذاكَ إِلاّ نَفحَةٌ حاجِرِيَّةٌ

هَوَيتَ لَها عَيشَ الأَعاريبِ وَالجَدبِ

وقوله أيضاً بذكر الحاجر :

ماذا عَلى النّاقَةِ مِن غَرامِهِ

لَو أَنَّهُ أَنصَفَ أَو رَثى لَها

أَرادَ أَن تَشرَبَ ماءَ حاجِرٍ

أَرِيَّها يَطلُبُ أَم كَلالَها

فَعَلِّلوها بِحَديثِ حاجِرٍ

وَلتَصنَعِ الفَلاةُ ما بَدا لَها

ولابن الخياط يذكر الحاجر :

أَلا حَبَّذا عَهْدُ الْكَثِيبِ وَناعِمٌ

مِنَ الْعَيْشِ مَجْرُورُ الذُّيُولِ لَبِسْناهُ

وَللهِ وادٍ دُونَ مَيْثاءِ حاجِرٍ

تَصِحُّ إِذا اعْتَلَّ النَّسِيمُ خُزاماهُ

__________________

(١) صحيح الأخبار ـ محمد بن عبد الله بن بليهد.

٤٦

ولفضيلة السيد عباس شبر قاضي لواء العمارة اليوم ، يذكر الحاجر :

حجرُ الكرى تذكارُ حاجرْ

عن مقلتي والذكرُ حاجرْ

أوَ ترتجي الغمضَ الجفو

نُ وتبتغي النومَ المحاجرْ

ولعبد المحسن الكاظمي (ره) يذكر الحاجر :

كم بالقبيباتِ على حاجرِ

من قمرٍ بادٍ ومن حاضرِ

إلى قوله :

فدى لعينيكِ عيونَ المها

من رملِ نجرانٍ إلى حاجرِ

حدّث عبد الله بن أبي سعيد الوراق قال : حدّثني علي بن محمد بن سليمان الهاشمي قال : حدّثني أبي قال : نزلنا النابغة ـ وهو غلام لم يبلغ الحلم ـ مع عمّه ، الحاجر ، وهو ماء لنمر جاهلي على طريق الكوفة ، فأخذ عمّه يسقي إبله ومضى النابغة بفخ ينصبه لقنابير رآهن ، والفخ عليه حبّاً ، فأقبلن يجسن فيلقطن ما حول الفخ ، ويهبن الفخ فلا يدنون منه ، فقال :

قاتلكنّ اللهُ من قنابرِ

مهذّباتٍ في الفلا نوافرِ

فلا سقيتنَّ بغيثٍ ماطرِ

ولا رعيتنَّ بصوبِ الحاجرِ

وقال علي بن محمد الشاعر :

أقولُ لصاحبي والعيسُ تسري

بنا بين المنيفةِ والغمارِ (١)

تمتّع من شميمِ عرارِ نجدٍ

فما بعدَ العشيّةِ من عرارِ (٢)

وبينَ قفارها تقفُ المطايا

فإنّ العيسَ تحبسُ بالقفارِ

__________________

(١) وادي الغمار : هو الوادي المجاور لبلد سميراء من جهة الجنوب شرقي سلمى وفيد. قال الشاعر :

فما عن قلى سلمى ولا بغضي الملا

ولا الـعبدُ مـن وادي الغمارِ تمارِ

ولزهير يذكر غمار بقوله :

رعوا ما رعوا من ظمئهمْ ثمّ أوردوا

غـماراً تـسيلُ بـالرماحِ وبـالدمِ

(٢) العرار : بهار البرية ، وهو نبت نجدي.

قال الشاعر يذكر العرار :

أشـاقتكَ البوارقُ والجنوبُ

ومِنْ علوى الرِّياحِ لها هبوبُ

أتـتكَ بـنفحةٍ مِنْ ريحِ نجدٍ

تـضوَّعُ والعرارُ بها مشوب

٤٧

وجاء في المخطوط : ومن الحاجر إلى النقرة سبعة وعشرون ميلاً ونصف ، وطريق العشيرة يعدل المنحدر من الحاجر يمنة حتّى يخرج إلى الأجفر ، وإن أحبّ أن يدخل فيدا خرج من البريد الذي قبل فيد بستة أميال. وبالحاجر بركة مربّعة يمنة عن الطريق على ميل من المنزل ، وبئران يُعرفان بالمهديين من آبار المهدي عليهما حوض ، وبئران يُعرفان بالحرشى ، وبئران يُعرفان برماح ، وبئر تُعرف بالضربة ، وحسى وطوى يُعرف بالصيري ، وبئر بحضرة الحصن يُعرف بالمثلّثة ضيقة الرأس ، وبئر يُعرف بالكرادية وبها سوى ذلك من الأحسا المطوية ممّا أحدث في خلافة المتوكّل ثلثة أحسا. ومن الأحسا التي غير مطوية مئة حسا ، وآبار قريبة الماء ، والوادي الذي يسبق الحاجر بطن رمّة في طريق المدينة ، وهو أيضاً يخرج إلى قريب النباح ، ومن حفر فيه ذراعين وجد الماء ، والبريد الخارج يُقال له بريد (أكمة المسرف) ، والمسرف بموضع يُقال له (القاطة) ، وبها قباب دارسة وخزانة يمنة الطريق لخالصة ، وبعد الحاجر بميلين أكمة يُقال لها (أكمة العشرق). كان عندها البريد السادس والثلاثون لحاج بغداد (١). ومن هذا الحاجر سيّر الحسين (عليه السّلام) رسوله قيس بن مسهر الصيداوي (٢) بكتاب إلى أهل الكوفة. وفي رواية بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر (٣) ، ولم يأته آنذاك خبر مقتل مسلم بن عقيل (ابن عمّه) وقتئذ ، وأكثر أرباب السير ينصّون على أنّ الذي أرسله الحسين (عليه السّلام) من الحاجر إلى أهل الكوفة هو قيس بن مسهر الصيداوي ، وكتب معه كتاباً يقول فيه : «بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين ، سلام

__________________

(١) انظر المشترك ـ شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي (المتوفّى ٦٢٦) / ٢٠٦ ، طبع غوتنجن ألمانيا.

(٢) هو قيس بن مسهر الصيداوي مرّ ذكره.

(٣) كلّ منهم أرسله الحسين (عليه السّلام) لأهل الكوفة ، وكان عبد الله بن يقطر صحابيّاً ، وكان لدة الحسين (عليه السّلام). واللدة : الذي ولد مع الإنسان في زمن واحد ؛ لأنّ يقطر كان خادماً عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وكانت زوجته ميمونة في بيت أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فولدت عبد الله قبل ولادة الحسين بثلاثة أيام. وكانت حاضنة للحسين (عليه السّلام) ؛ فلذلك فهو أخ للحسين (عليه السّلام) من الرضاعة ـ انظر الجزري ـ أسد الغابة.

٤٨

عليكم. فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم ، وإجماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع ، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر. وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة (يوم التروية) ، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدّوا ؛ فإنّي قادم عليكم في أيامي هذه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». ذكر الشيخ المفيد (ره) (١) قال : فأقبل قيس بن مسهر الصيداوي يجدّ السير حتّى إذا انتهى إلى القادسية (٢) ، وكان ابن زياد قد بلغه قدوم الحسين (عليه السّلام) إلى

__________________

(١) انظر الإرشاد ـ الشيخ المفيد (ره).

(٢) القادسية : قيل : سمّيت بقادس هراة. قال المدايني : كانت القادسية تسمّى قدّيساً. وروى أبو عينية قال : مرّ إبراهيم الخليل (عليه السّلام) بالقادسية فرأى زهرتها ، ووجد هناك عجوزاً ، فغسلت رأسه ، فقال : قُدّست من أرض ، فسمّيت القادسية.

وبهذا الموضع كانت وقعة القادسية بين المسلمين والفرس في أيام عمر بن الخطاب (رض) ، في سنة ستة عشر من الهجرة ، وقاتل المسلمون يومئذ وسعد بن أبي وقاص قائدهم في القصر ينظر إليهم ، فنُسب إلى الجبن ، فقال : رجل من المسلمين :

ألم ترَ أنّ اللهَ أنزل نصرهُ

وسعدٌ ببابِ القادسيةِ معصمُ

فاُبنا وقد أمّت نساءٌ كثيرةٌ

ونسوةُ قيسٍ ليس فيهنَّ آيمُ

والقادسية : قرية بها الإمام المستعين ، وبها الحارث بن مضرس ، وسعد بن عبيد. انظر الإشارات ـ علي بن أبي بكر الهروي (المتوفّى ٦١١) / ٨٤ ، طبع بحلب. والقادسية : مدينة على شفير البادية صغيرة ذات نخل ومياه ، ويزرع بها الرطاب الكثيرة ، ويتّخذ منه القت علفاً لجمال الحاج وغيرها ، وليس للعراق بعدها من ناحية البادية وجزيرة العرب ماء يجري ولا شجر. انظر صورة الأرض ـ لابن حوقل / ٢٤٠ ، طبع ليدن إلخ. ومن القادسية إلى الكوفة مرحلتان ، ومن القادسية إلى مدينة السلام (بغداد) أحد وستون فرسخاً ، ومن القادسية إلى العذيب ـ وهي أوّل خط البادية ـ ستة أميال. انظر نزهة المشتاق ـ الشريف الإدريسي ١ / ١٣٨ ، طبع أوربا. وقال عبد المؤمن : القادسية : قرية بالكوفة من جهة البرّ ، بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال ، عندها كانت الوقعة العظمى بين المسلمين وفارس ؛ قُتل فيها أهل فارس وفتحت بلادهم على المسلمين. وكان سعد في قصر هناك هو وأهله ، وكان به دماميل قد منعته من الجلوس والركوب ، فكان في أعلى القصر منبطحاً على وجهه يُشرف عليهم ، وله تحت القصر مَنْ يبلغهم أمره وتدبيره لهم. انظر مراصد الإطلاع ـ فصي الدين عبد المؤمن ٢ / ٣٧٦٧ ، طبع أوربا.

٤٩

العراق ، وقد أرسل الحصين بن نمير مدير شرطته إلى البادية ، ونظم الخيل والمسالح ما بين القادسية إلى خفان (١) ، وما بين القادسية إلى القطقطانية (٢) ، وقال للناس : هذا الحسين (عليه السّلام) يريد العراق. قال : وعندما انتهى قيس إلى القادسية ألقى الشرطة عليه القبض وجيء به إلى الحصين بن نمير فأخرج قيس الكتاب ومزقه بأسنانه ، فبعث به الحصين إلى الكوفة. ولمّا مثل بين يدي ابن زياد سأله عن اسمه وعن الكتاب ، فقال : اسمي قيس ، والكتاب من الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام). قال : لمَنْ؟ قال : إلى جماعة من أهل الكوفة. فقال له : إذاً لِمَ خرقت الكتاب؟ قال : لئلاّ تعلم ما فيه. فقال : والله ل٧ تفارقني حتّى تخبرني بأسماء القوم ، أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين وأباه. فقال : أمّا القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأمّا السبّ فأفعل ـ وحاشاه ـ. فأمر بصعوده المنبر ، فلمّا تسنّم قيس المنبر حمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي (صلّى الله عليه وآله) فصلّى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، أنا رسول الحسين إليكم ، وقد خلّفته بموضع كذا وكذا فأجيبوه ، والحسين كما تعلمون خير خلق الله ، وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ثمّ إنّه لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن يزيد بن معاوية ، وترحّم على علي (عليه السّلام) وأصحابه. فلمّا سمع ابن زياد منه ذلك صاح : أنزلوه من على المنبر. فأنزلته الشرطة ، ثمّ أمرهم فصعدوا به فوق القصر ورموه من أعلى القصر إلى الأرض فتقطّع. ويروى أنّه وقع على الأرض مكتوفاً فتكسّرت عظامه ، وكان به رمق الحياة ، فجاء إليه رجل يُقال له : عبد الملك بن عمير اللخمي ، فذبحه ، فقيل له في ذلك ، وعيب

__________________

(١) خفان : بالخاء المعجمة والفاء المشددة والألف والنون ، موضع فوق الكوفة قرب القادسية. قال أبو عبد الله السكوني : خفان من وراء النسوخ على ميلين أو ثلاثة ، عين عليها قرية لولد عيسى بن موسى الهاشمي. وقال البكري : خفان وخفية : أجمتان قريبتان من مسجد سعد بن أبي وقاص بالكوفة ، وأنشد :

مـن المحمياتِ الغيلِ غيلُ خفيةٍ

ترى تحتَ لحييهِ الفريسَ المعفّرا

(٢) القطقطانية : قال أبو عبد الله السكوني : القطقطانية بينها وبين الرهيمة مغرباً نيف وعشرون ميلاً إذا خرجت من القادسية تريد الشام ، ومنه إلى قصر مقاتل. وقال ياقوت في معجمه ، ورواه الأزهري بالفتح : موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطفّ كان به سجن النعمان.

٥٠

عليه ، فقال : أردت أن أريحه. ومن النقرة إلى الحاجر أربعة وثلاثون ميلاً. وذكر الرحالة ابن جبير قال : نزلنا الحاجر والماء فيه في مصانع ، وربّما حفروا عليه حفراً قريبة العمق يسمّونها أحفاراً ، واحدها حفرة ، وكنّا نتخوف في هذا الطريق قلّة الماء ، لا سيّما مع عظم هذا الجمع الأنامي ، والأنعامي الذين لو وردوا البحر لأنزفوه واستقوه. وذكر الخوارزمي : أنّه لمّا سار الحسين (عليه السّلام) من الحاجر انتهى إلى ماء من مياه العرب ، ولا أشك أنّه سميراء الذي وافاه بعد الحاجر.

وسارَ قاصداً سُميراء ومنْ

ثَمّ أتى توزَ وفَيدَ ما عدا

(سميراء) : بفتح أوّله وكسر ثانيه بالمدّ ، وقيل بالضم ، يسمّى باسم رجل من عاد يُقال له : (سميراء) ، وهو منزل بطريق مكة بعد توز مصعداً ، وقبل الحاجر. ومن سميراء إلى توز عشرين ميلاً. قال السكوني : حوله جبال وآكام سود ؛ بذلك سمّي سميراء ، وأكثر الناس يقولونه بالقصر. وقيل : هما موضعان المقصور منها هو الذي في طريق مكّة ، وليس فيه إلاّ الفتح. وفي حديث طليحة الأسدي لمّا ادّعى النبوّة أنّه عسكر بسميراء هذه بالمدّ (١). قال مطير بن أشيم الأسدي :

ألا أيّها الركبانُ إنّ أمامكمْ

سميراءَ ماءٍ ريّهُ غيرُ مجهلِ

رجالاً مفاجير الايور كأنّما

تساقوا الى الجارات البان أيل

وإنّ عليها إن مررتم عليهمُ

اُبيّاً وآباءً وقيسَ بنَ نوفلِ

وقال مرة بن عياش الأسدي :

جلت عن سميراءَ الملوكُ وغادروا

بها شرُّ قنٍّ لا يضيف ولا يُقري

هجينُ نميرٍ طالباً ومجاهداً

بني كلّ زحّافٍ إلى عرنِ القدرِ

فلو أنّ هذا الحيَ من آلِ مالكٍ

إذاً لِمَ اُجلى عن عيالهما الخضرِ

قال : والذين جلوا عن سميراء هم رهط العلاء بنو حبيب بن أسامة من أسد ، وصار فيها بنو حجران الذين هجاهم قبيلة من بني نضر. ومن الحاجر إلى سميراء ثلاثة وثلاثون ميلاً ، وثمّة برك وماء واسع ومزارع ، والماء

__________________

(١) ومثله ذكر عبد المؤمن مفتي الحنابلة بالشيرية. مراصد الاطلاع ٢ / ٥٣ ، طبع أوربا.

٥١

عذيبي على ما ذكره المقدسي (١) ، ويسمّيها ابن جبير سميرة. قال : ونزلنا ضحوة النهار سميرة ، وهي موضع معمور ، وفي بسيطتها شبه حصن يطيف به خلق كبير مسكون ، والماء فيه في آبار كثيرة إلاّ إنّها زعاق (٢) ومستنقعات وبرك. وتبايع العرب فيها مع الحاج فيما أخرجوه من لحم وسمن ولبن ، ووقع الناس على قرم وعيمة (٣) ، فبادروا الابتياع ؛ لذلك يشقق الخام التي يستصحبونها لشارات الأعراب لأنّهم لم يبايعونهم إلاّ بها. وحدّث إبراهيم بن عطارد قال : سميراء لبني نصر بن معين من بني أسد. وحدّث داود بن محمد بن عبد الملك بن حبيب بن تمام الأسدي قال : حفر أبي بئراً بين الحويز عن يسار سميراء ، يشرب منه حاج البصرة. بئر حقّ أهل بيته وحقّ عيسى بن بغيض ، وكان خاصمه فرجز ، وقال :

حفرتُها في منتهى المقيلِ

في حقّ لامع ولا مسؤولِ

بينَ حلاص وبني المهزولِ

بذلتُ فيها نفس ذي الحجولِ (٤)

ومقبلاً وكان ذا قبولِ

إذا انتهى للحول بعد الحولِ (٥)

ضرباً كضرب الرومِ للطبولِ

جوباً كجوبِ البرقعِ المنخولِ

وقال بعض الأعراب :

ترعى سميراء إلى آرامِها

إلى الطريفاتِ إلى أهضامِها

في خرقٍِ تشبع من رمرامها

حتّى إذا ما فرّ من أوامها

وفاضَ بردُ الماءِ من أجرامِها

قامَ إلى حمراءَ من كرامِها

__________________

(١) انظر المقدسي. أحسن التقاسيم.

(٢) الزعاق الماء المرّ لا يُطاق شربه.

(٣) القرم : الفحل إذا تُرك عن الركوب والعمل. والعيمة : شهوة اللبن. والعيمة أيضاً : خيار المال.

(٤) حلاص : بطن من عبس. وذي الحجول : عبد كان لحبيب بن تمام الأسدي في رجله قيود.

(٥) الحول : حول البئر.

٥٢

بازلُ عامٍ أو سُديسُ عامِها

كأنّ فوقَ المتنِ من سنامِها

عنقاءُ من طفحةِ أو رجامِها

مشرفةُ الهادي إلى أعلامِها

قُحّمَ في الحبلة في أخصامِها

غمامةٌ بيضاء من غمامِها

يُكتشفُ العقبةُ عن لبامِها

وتذهب العيمة من عيامِها

قال : وبسميراء قصر ومسجد ، وكانت بها آبار ؛ بئر تُعرف بأمّ العين ، وبئر تُعرف بالشهباء ، واُخرى تُعرف بالنجدية ، واُخرى تُعرف بالمهدي ، واُخرى تُعرف بحويص إلى جانب السوق. وبها من الأحسا المطويّة الرؤوس داخل بالموضع المعروف بالعريس حسا ، وبها بركتان ؛ أحدهما زبيدية مدوّرة ولها مصفاة مربّعة. ومن سميراء إلى المشرف أميال طوال يُقال لها : (الحسنات) ، وعلى سبعة أميال من سميراء يمنة عن الطريق قباب ومتعشى ، وبركة يُقال لها : (الحسنة) ، عندها آبار كثيرة ، منها بئر يُقال لها : واقصة (١) لبني نعامة عذبة ، وأبيات أعراب عن يسار الطريق. وبعدها بثلاثة مبارك بركة تسمّى العباسيّة ، مدوّرة ، قطرها خمسون ذراعاً ، وعمقها عشرة أذرع ، ويُقال : احتفرها رجل من بني أسد في الجاهلية يسمّى العباس تنسب إليه ، وبعدها بميل وادي الثلوب ، وحذاءها بئر كثيرة الماء يسرة ، وعندها قصران ومتعشا. ومن عندها يُرى الطمنة : الجبل المربّع يسرة. وهو على طريق البصرة ، وعند هذا الجبل عيون ومياه ومزارع للأعراب ، ويُرى هذا الجبل قريب من المعدن ، وعلى ستة عشر ميلاً من سميراء آبار تسمّى حلوة ، عذبة الماء شبيهات بالأحسا في قرب مائهن ، وهنّ في بطن واد يُقال له : (الثلاثون) ، وهي آخر جفير بني أسد. وبين كلّ واحدة من الآبار ما يقرب من نصف ميل ؛ أحداها : بقعا ، والاُخرى : قبعا ، والاُخرى : الواسطة ، والرابعة : حلوة ، والوادي ينبت العشير ، والمشرف ببطن البراق ، وهي آخر ملك بني أسد. ذكر أرباب التاريخ : أنّه لمّا سار الحسين (عليه السّلام) من الحاجر انتهى إلى ماء من مياه العرب ، فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل به. فلمّا رأى الحسين (عليه السّلام) قام

__________________

(١) وهذه غير واقصة التي بحدود العراق من غربه.

٥٣

إليه ، فقال : بأبي أنت وأمي يابن رسول الله! ما أقدمك؟ واحتمله وأنزله. فقال له الحسين (عليه السّلام) : «كان من موت معاوية ما بلغك ، فكتب إليّ أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم». فقال له عبد الله : اُذكرك الله يابن رسول الله وحرمة الإسلام أن تنتهك. أنشدك الله في حرمة قريش. أنشدك الله في حرمة العرب ؛ فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني اُميّة لتقتلن ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحداً أبداً. والله ، إنّها لحرمة الإسلام تنتهك ، وحرمة قريش ، وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأتِ الكوفة ، ولا تعرّض نفسك لبني أميّة. فأبى الحسين (عليه السّلام) إلاّ أن يمضي. وكان عبيد الله بن زياد قد آمر ، فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام ، ثمّ إلى طريق البصرة ، فلا يدعونّ أحداً يلج الكوفة ، ولا أحداً يخرج منها. وأقبل الحسين (عليه السّلام) يسير حتّى لقى جماعة فسألهم ، فقالوا : والله ما ندري ، غير أنّا لا نستطيع أن نلج ولا أن نخرج. قالوا : وسار الحسين (عليه السّلام) من سميراء قاصداً توز.

(توز) : بالضم ثمّ السكون وزاي ، منزل في طريق الحاج قبل فيد للقاصد إلى العراق نصف الطريق ، وهو جبل مشهور لبني أسد. قال أبو المسوّر :

فصبّحتْ بالسيرِ أهلَ توزِ

منزلةً في القدرِ مثل الكوزِ

قليلةَ المأدومِ والمخبوزِ

شرّاً لعمري من بلادِ الخوزِ

وقال راجز آخر :

يا رُبِّ جارٍ لكَ بالحريزِ

بينَ سُميراءَ وبينَ توزِ

حدّث عبد الله بن عمرو ، عن النبراسي إبراهيم بن عطارد قال : توز لبني مرى من بني أسد. ومن توز إلى سُميراء خمسة عشر ميلاً ونصف ، وبتوز بركتان إحداهما مدوّرة بنتها زبيدة تُعرف (بالطارفية) ، والاُخرى مربّعة تُعرف ببركة القاع ، ولها مصفاة ، وبها من الآبار الكبار والأوساط تسع آبار. منها : بئر تُعرف (بالمهدي) ، وقليب يُعرف (بالمنيف) ، وقليب يُعرف (بالزورا) ، وقليب يُعرف (بالبحيرة) ، وبئر يُعرف (بالمنجدي) ، وبئر يُعرف (بالأكره) ، ومن الإحسا المطوية الرؤوس مئة حساً. والجبل الذي بتوز يُقال له : صهبان ،

٥٤

والذي بحذائه (ضلع الماء) ، والذي ممّا يلي القبلة منه (مريح) وهو جبل أحمر ، ويُقال لموضع البركة التي بتوز : (نوطة مختار) (١) ، ونوطة الطليح كثيرة الظل ، ويدفع إليها واد يُقال له : الحوض. وعلى ميلين من توز يسرة عن الطريق ثلاثة آبار ؛ بئر يُقال لها : (الخشبة) حفرها خشين الخادم مربّعة ولها مصفاة ، وبئرين وقصر وباب ومسجد يُعرف ذلك الموضع بالراجمة ، (والراجمة) ضلع عن يسار الطريق ، ويعرف أيضاً (بسعة الوادي الوكار) ، امرأة كانت نازلة به. وبعدها بميلين يسرة عن الطريق بركة (العناية) ، وهي زبيدية مدوّرة غليظة الماء ، وعندها قليب وآبار وخزانة. وعلى ثمان أميال من توز عند الميل الثالث بركة تُعرف (بالحمة) ، وبركة أخرى يُقال لها : (قرقرة) ، وهي مربّعة عندها بئر غليظة الماء. (والجمة) : جبل أسود عن يسار الطريق وهو المتعشى ، وبه قباب ومسجد ، وفوق الجبل عن يمين الطريق وراء المتعشى شجر كثير (أمّ غيلان) ، وبعدها حوض يمنة الطريق وبناء خرب بناحية منه ، وقصر وبئر تُعرف (بجمة أمير المؤمنين) ، وعلى اثنى عشر ميلاً ونصف بئر عبد الله بن مالك يسمّى (السقيا) ، كثيرة الماء ، عذبة يسرة الطريق ، ثمّ (المنصف) : وهو موضع العلمين منتصف الطريق بين الكوفة ومكّة (زاد الله شرفها) ، والعلمان (بالدرع) دون سُميراء بأربعة أميال ، ومن وراء علمي (المنصف) إلى أن يدخل سُميراء طريق وحش ومظلمة لا يلتقي فيه الحجاج. قالوا : فسار الحسين (عليه السّلام) من توز بركبه إلى فيد.

(فَيد) : بالفتح ثمّ السكون ودال مهملة. قال الزجاجي : سُميت بفيد بن حام ، وهو أوّل مَنْ نزلها ، وهي بليدة في نصف طريق مكّة من الكوفة. قال البكـري (٢) : يُنسب إلى حمى فيد. قال ابن الأنباري : الغالب على فيد التأنيث.

__________________

(١) مختار هذا رجل من بني أسد. من المخطوط.

(٢) انظر معجم ما استعجم ـ الوزير البكري / ٧١٧ ، طبع أوربا.

٥٥

قال لبيد :

مُرِّيَّةٌ حَلَّت بِفَيدِ وَجاوَرَت

أَهلَ العراقِ فَأَينَ مِنكَ مَرامُها

وأنشد ابن الأعرابي ، أو الفقعسي :

سقى اللهُ حيّاً بين صارةَ والحمى

حمى (فيد) صوبَ المدجناةِ المواطرِ

وقال الشماخ :

سرت من أعالي رحرحان وأصبحتْ

بفيدٍ وباقي ليلها ما تحسّرا

وقال المقدسي : فيد : مدينة بحصنين عامرة واسعة الماء (١) ، وقال ابن أيوب صاحب حماة : وفيد عن الكوفة مئة وتسعة فراسخ (٢) ، وقال الحموي : وهي عامرة إلى الآن يودع الحجاج فيها أزوادهم ، وما يثقل من أمتعتهم عند أهلها ، فإذا رجعوا أخذوا أزوادهم ، ووهبوا لمَنْ أودعوه عنده شيئاً من ذلك ، وهم مغوثة للحاج في مثل ذلك الموضع المنقطع. ومعيشة أهلها من ادّخار العلوفة طول العام إلى أن يقدم الحجاج فيبيعونه عليهم (٣). قالوا : وأوّل مَنْ حفر فيه حفراً في الإسلام أبو الديلم مولى يزيد بن عمر بن هبيرة ، فاحتفر المعين التي هي اليوم قائمة وأساحها ، وغرس عليها فكانت بيده حتّى قام بنو العباس فقبضوها من يده ، هكذا قال السكوني. وشعر زهير وهو جاهلي يدلّ [على] أنّه كان فيها شرب ، وذلك قوله :

ثُمَّ اِستَمَرّوا وَقالوا إِنَّ مَشرَبَكُمْ

ماءٌ بِشَرقِيِّ سَلمى فَيدُ أَو رَكَكُ

وفيد بشرقي سلمى كما ذكر ، وسلمى جبل طيء ؛ ولذلك أقطع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) زيداً فيد لأنّها بأرضه. وأوّل أجبله على ظهر طريق الكوفة بين الأجفر وفيد جُبيل عنيزة ، وهو في شقّ بني سعد بن ثعلبة من بني أسد بن خزيمة ، وإلى جنبه ماءة يُقال لها :

__________________

(١) انظر المقدسي ـ أحسن التقاسيم.

(٢) انظر الملك المؤيد صاحب حماة ـ تقويم البلدان ـ ص ٩٧ ، طبع باريس.

(٣) ومثله جاء في مراصد الاطّلاع. انظر عبد المؤمن ج ٢ ص ٣٧٠ ، طبع أوربا.

٥٦

الكهفة ، وماءة يُقال لها : البعوضة ، وبين فيد والجُبيل ستة وعشرون ميلاً. وقال ابن بليهد (١) : فيد : شهرته تغني عن تحديده ، وهو باق باسمه إلى هذا العهد ، وهو بين بلاد بني أسد وبلاد طيء ، وهو بشرقي سلمى كما ذكره زهير حين قال :

(ماءٌ بِشَرقِيِّ سَلمى فَيدُ أَو رَكَكُ)

ذكر ابن جبير قال : وأصبحنا على فيد يوم الأحد ، وهي حصن كبير مبرج مشرف في بسيط من الأرض يمتد حوله ربض يطيف به سور عتيق البنيان. وهو معمور بسكّان من الأعراب يتعيّشون مع الحاج في التجارات والمبايعات وغير ذلك من المرافق ، وهناك يترك الحاج بعض أزوادهم إعداداً للأرمال ، والزاد عند انصرافهم ، ولهم بها معارف يتركون أزوادهم عندهم. وهذا نصف الطريق من بغداد إلى مكّة (٢) على المدينة (شرفها الله) ، أو أقل سيراً منها ، ومنها إلى الكوفة اثنى عشر يوماً في طريق سهلة طيّبة ، والمياه فيها بحمد الله موجودة في مصانع كثيـرة (٣). وذكر البكري (٤) : كان فيد فلاة من الأرض بين أسد وطيء في الجاهلية. فلمّا قدم زيد الخيل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أقطعه فيداً ، كذلك روى هشام بن الكلبي ، عن أبي مخنف في حديث فيه طول. وأوّل مَنْ حفر فيه حفراً في الإسلام أبو الديلم مولى يزيد بن عمرو بن هبيرة ، فاحتفر العين التي هي اليوم قائمة ، وأساحها وغرس عليها فكانت بيده حتّى قام بنو العباس فقبضوها من يده ، هكذا قال السكوني. وشعر زهير ، وهو جاهلي يدلّ [على] أنّه كان فيها شرب ، وذلك قوله :

ثُمَّ اِستَمَرّوا وَقالوا إِنَّ مَشرَبَكُم

ماءٌ بِشَرقِيِّ سَلمى فَيدُ أَو رَكَكُ

__________________

(١) انظر محمد بن عبد الله بن بليد ـ صحيح الأخبار ـ ج ٣ ص ١٨١.

(٢) وكذلك ذكر السكوني أنّ فيد نصف طريق الحاج من الكوفة إلى مكّة ، وهي أثلاث ؛ ثلث للعمريين ، وثلث لآل أبي سلامة من همدان ، وثلث لبني نبهان من طي. انظر المعجم ـ للحموي.

(٣) انظر ابن جبير رحلة.

(٤) انظر الوزير البكري معجم ما استعجم ص ٧١٧.

٥٧

وقيد بشرقي سلمى كما ذكر. وسلمى أحد جبلي طيء ؛ ولذلك أقطع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) زيداً (فيداً) لأنّها بأرضه. وأوّل أجبلة على ظهر طريق الكوفة بين الأجفر وفيد جُبيل عنيزة ، وهو في شق بني سعد بن ثعلبة من بني أسد بن خزيمة ، وإلى جنبه ماءة يُقال لها : الكهفة ، وماءة يُقال لها : البعوضة ، وبين فيد والجبيل ستة عشر ميلاً. وقد ذكر متمم بن نويرة البعوضة ، فقال :

على مثل أصحابِ البعوضة فاخمشي

لك الويلُ حرّ الوجه أو يبكِ مَنْ بكى

وذكر الأصطخري (١) : وليس بين المدينة والعراق منزل يستقل بالعمارة والأهل جميع السنة مثل فيد. ويُنسب إلى فيد جماعة ، منهم : أبو محمد يحيى بن ضريس الفندي ، وأبو إسحاق عيسى بن إبراهيم الفيدي. يُروى عن موسى الجهني. روى عنه عبد الله بن عامر بن زرارة الكوفي. وبين فيد (ووادي القرى) ست ليال ، وليس من دون فيد طريق إلى الشام ، وبتلك المواضع رمال لا تسلك حتّى تنتهي إلى (زبالة) ، والعقبة على الحزن ، فربّما لم يوجد فيُتجنب سلوكه. وإلى فيد يُنسب كثير من الرجال ، وبينها وبين توز أحد وثلاثون ميلاً (٢). حدّث عبد الله بن عمرو ، عن علي بن الصباح ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه قال : سُميت بفايد بن حام من بني عمليق نزلها. وحدّث أبو محمد الورّاق ، عن أبي حذيفة مزبان بن حكيم العضبي ـ بطن من طي ـ قال : إنّما سُمّيت فيد ؛ لأنّ مَنْ حولها يستفيد منها. وزعم أبو علي إسماعيل بن أبي محمد البريدي قلت : لأبي فيد مدرج بن عمرو العجلي ذلك. قال : الفيد : نور الزعفران. وأخبرني بن أبي سعيد ، عن عنيم بن نوابة الطائي ، عن أبيه قال : ولاة فيد من بني بنهان من بني ورد. وحدّث على بن حارث الموصلي قال : حدّثنا أبو المنذر هاشم بن الكلبي ، أو قرأته عليه ، عن أبي مخنف قال : وفد زيد

__________________

(١) انظر إبراهيم الأصطخري المعروف بالكرخي مسالك الممالك ص ٢٠ ، طبع ليدن.

(٢) انظر الحموي. معجم البلدان ـ وفي المخطوط : من فيد إلى توز أربعة وعشرون ميلاً.

٥٨

الخيل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فدخل المسجد والنبي (صلّى الله عليه وآله) يخطب ، فقال : «إنّي اُجيركم من العمري ونبهانها ، وممّا حازت متاع كلّ مار غير بقاع ، ومن الجبل الأسود الذي تعبدونه من دون الله». فقال زيد الخيل ، وكان من أجمل الرجال وأحسنهم : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّك رسول الله. قال (صلّى الله عليه وآله) : «ومَنْ أنت؟». قال : أنا زيد الخيل بن مهلهل. قال (صلّى الله عليه وآله) : «بل أنت زيد الخير. ما وُصف لي رجل إلاّ رأيته دون ما وُصف لي غيرك ؛ فإنّك فوق ما وصف لي». ثمّ انصرف. فقال (صلّى الله عليه وآله) : «أي رجل إن سلم من أطام المدينة!». وكتب له كتاباً ولبني نبهان فوادى عبد الله بن عمر. وعن إبراهيم بن أُسامة ، عن ثوابة بن سعيد المغني قال : فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «إنّي قد اقتطعتك فيداً وما حازت». وكتب له الكتاب. وأخبرني عبد الله بن بشر بن علي بن الصباح ، قال غالب : وقيل : لمحمد بن حبيب الفقعسي :

سقى فايداً من أجلِ مَنْ حلَّ فايدا

إلى ذي سلامان بروقُ اللوامحِ

ربيعاً مريعاً جادَ حيناً ولية

كأنّ بأيدي الممطرينَ المجادح!

وجاء ذكر فيد في شعر زهير بن أبي سلمى المزني بقوله من معلّقته :

فَلا لُكانُ إِلى وادي الغِمارِ فَلا

شَرقِيُّ سَلمى فَلا فَيدٌ فَلا رِهَمُ

وبفيد قصر للسلطان ، وبساتين وحصون وبعضها خربة ، ومسجد وجامع ومنبر ، وبها بركة مربّعة وثلاث عيون ، وآبار ليست بالعذبة ، فمن خيارها بئر يُعرف (بمسجد الملافينيين) ، وهي بئر عبد الصمد ، وبئر الفضل بن الربيع ، وبئر عمر بن فرح ، وبئر عمران بن عمر ، وبئر يُعرف (بالطرخانية) ، وثلاث بالعلاقين ، وبئر تُعرف (بوهب) ، والباردة التي خارج المنزل على الطريق حفرها (المهدي) ، وعلى مقدار ميل من فيد على غير الطريق يسرة آبار كثيرة ماؤها طيّب ونخل ومزارع ، وبناء يُقال له : (عزيزة). وعلى ثلاثة أميال من فيد (العقيل) ، وهو جبل ليس بالشاخص ، وعلى خمسة أميال ونصف من فيد ثلاث آبار يُعرفن (بالمكا الكبار) ، وهنّ بموضع يُقال له : (رحبة فروج) ابن حوران الأسدي ، ورحبة (بني محاسن وعبد الملك) ، وبالميل الأوّل قباب (لخالصة) يُقال لها :

٥٩

(عشب) : وهو واد يقع يمنة الطريق ، وعلى أحد عشر ميلاً ونصف من فيد بركة وحوض وبئر لعبد الله بن عمر يُسمّى (العزيز) ، وهو المتعشى يسرة الطريق. والعريان : أكمتان سوداوان عن يسار الطريق وبرك مدوّرة ، وبئر كثيرة الماء ليست بعذبة ، وبحذاء هذه البركة بركة أخرى يسرة الطريق. ويُقال للجبل الذي يمنة الطريق حيال هذه البركة (أحول) ، وعن يساره جبل يُقال له : (بوص) ، وفي هذا المبتدأ آثار ماء وأبيات للأعراب ، وعن يسار الطريق وخلفه بركة تسمّى (الحنظلية) على وادٍ أعشب ، وخلفها مسجد وقباب ، وهو على تسعة أميال من توز يمنة ويسرة بئران لعبد الله بن مالك يُعرفان (بالوبرية) ، وهنّ عند الميل التاسع من البريد ، والأعراب يسمّونها (الحفرتين) ، وهما بوادٍ يُقال له : (وادي البئر) التي يُنسب إليها هذا الوادي ، يُقال له : الثبيطا. (والثبيطا) : جبل يمنة الطريق على نحو ثلاثة أميال ، ويُقال لهذا الجبل المشرف على هذا الموضع : (أحول). وقبل توز بأربعة أميال جبل (الأثرم) القريب منه بموضع يُقال له : (أبرق النعجة). قال السكوني : وبين فيد ووداي القرى ست ليال ، وليس من دون فيد طريق إلى الشام. وبتلك المواضيع رمال لا تسلك حتّى تنتهي إلى زبالة. والعقبة على الحزن ، فربّما وجد به ماء ، وربّما لم يوجد فيجب سلوكه. قال ابن بلهيد (١) : فيد : بلد قديم جاهلي ، وهو باق على اسمه هذا إلى هذا اليوم ، وينسب إلى هذا البلد محمد بن يحيى بن ضريس الفيدي ، ومحمد بن جعفر بن أبي مواتية الفيدي الكوفي ، وهو عالم جليل سكن فيدا ، يروي عنه موسى الجهني. روى عنه أبو عبد الله عامر بن فزارة الكوفي وغيره. وبينها وبين توز أحد وثلاثون ميلاً ، فحلّ الحسين (عليه السّلام) بفيد ، ثمّ رحل عنها وقصد الأجفر.

وحلّ بالأجفرِ وهو منزلٌ

تنزلهُ طيّ لوافرِ الكَلا

(الأجفر) : بضم الفاء ، جمع جفر ، وهو البئر الواسعة لم تطوَ ؛ موضع بين

__________________

(١) انظر محمد بن عبد الله بن بليهد النجدي ـ صحيح الأخبار ـ ١ / ١٢٧.

٦٠