الحسين في طريقه إلى الشهادة

علي بن الحسين الهاشمي

الحسين في طريقه إلى الشهادة

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات الشريف الرضي
المطبعة: النهضة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٠

فالمنزلُ الأولُ بستانُ ابن عا

مرٍ وللتنعيمِ مسرعاً أتى

لمّا فصل الحسين (عليه السّلام) من مكّة المعظّمة (زاد الله شرفها وتعظيمها) كان أوّل منزل مرّ به هو (بستان ابن عامر) ، وقيل : بستان ابن معمّر. ذكر الحموي (١) في معجمه قال : بستان بن معمر : مجتمع النخلتين ؛ النخلة اليمانية ، والنخلة الشامية ، وهما واديان. والعامّة يسمّونه بستان ابن عامر ، وهو غلط. قال الأصمعي وأبو عبيدة وغيرهما : بستان بن عامر إنّما هو لعمر بن عبيد الله بن معمّر بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب. ولكنّ الناس غلطوا ، فقالوا : بستان ابن عامر ، وبستان بنى عامر ، وإنّما هو بستان بن معمّر. وقوم يقولون : نسب إلى حضرمي بن عامر ، وآخرون يقولون : نسب إلى عبد الله بن عامر بن كريز ، وكلّ ذلك ظنّ وترجيم. وذكر أبو محمد عبد الله بن محمد البطليوسي في شرح كتاب (أدب الكاتب) ، فقال : وقال ـ يعني ابن قتيبة (٢) : ويقولون بستان ابن عامر ، وإنّما هو بستان ابن معمّر. وقال البطليوسي : بستان ابن معمّر غير بستان ابن عامر ، وليس أحدهما الآخر ؛ فأمّا بستان ابن معمّر فهو الذي يُعرف ببطن نخلة ، وابن معمّر هو عمر بن عبيد الله بن معمّر التيمي ؛ وأمّا بستان ابن عامر فهو موضع آخر قريب من الجحفة ، وابن عامر هذا هو عبد الله بن عامر بن كريز ، استعمله عثمان على البصرة ، وكان لا يعالج أرضاً إلاّ أنبط بها الماء. ويُقال : إنّ أباه أتى به النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «إنّه لمسقي». فكان لا يُعالج أرضاً إلاّ أنبط فيها الماء. وقال الأزرقي (٣) : فإنّ بستان ابن معمّر في ملتقى النخلتين الشامية واليمانية ؛ أمّا البستان القريب من مزدلفة فهو بستان ابن عامر ، يتّصل بثنية ابن كريز ، ويسمّى (ذو النخيل). قلت : مرّ الحسين (عليه السّلام) بظعنه مجدّاً حتّى وافى التنعيم.

__________________

(١) انظر المعجم ـ ياقوت الحموي ٢ / ١٧٠.

(٢) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي المروزي. ولد بالكوفة سنة ٢١٣ ، وتوفي ببغداد سنة ٢٧٦ هـ.

(٣) انظر أخبار مكّة ـ محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ٢ / ٢٣٦. طبع مصر.

٢١

(التنعيم) : بفتح ثمّ السكون وكسر العين المهملة وياء ساكنة وميم ، موضع في الحلّ ، وهو بين مكّة وسرف (١) على فرسخين من مكّة. وقيل : على أربعة فراسخ. وقال عبد المؤمن مفتي الحنابلة بالشيرية : لا خلاف بين الناس أنّه على ثلاثة أميال من مكّة ، وهو أقرب أطراف الحلّ إلى البيت. وسمّي بذلك ؛ لأنّ جبلاً عن يمينه يُقال له : نعيم ، وآخر عن شماله يُقال له : ناعم ، والوادي نعمان. وبالتنعيم مساجد وسقايا ، ومنه يحرم المكّيّون بالعمرة ، وكان على نعيم وناعم علمان قديمان. قال الفاسي ، بعد أن ذكر أنصاب الحرم : وإن نصبها إسماعيل ، ثمّ عدنان بن أدّ ، ثمّ نصبها محمد المهدي العباسي ، وفي خلافة الراضي العباسي عمر العلمان الكبيران اللذان في جهة التنعيم بالأرض لا بالجبال ، وذلك سنة ٣٢٥ هـ (٢). وذكره النميري بشعره قال :

فلم ترَ عيني مثلَ سربٍ رأيتُهُ

خرجنَ من التنعيمِ معتمراتِ

مررنَ بفخٍّ ثمّ رحنَ عشيةً

يلبّينَ للرحمنِ مؤتجراتِ

فأصبحَ ما بينَ ال٣راك فحذوه

إلى الجذعِ جذع النخلِ والعمراتِ

لهُ أرجٌ بالعنبرِ الغضِّ فأغمٌ

تطلّعُ ريّاه من الكفراتِ

تَضوَّعَ مِسكاً بَطنُ نُعمانَ إِن مَشَت

بِهِ زينَبٌ في نِسوَةٍ عَطراتِ

وقال المهلهل يرثي كليباً ، ويذكر الأنعمين (٣) :

بات ليلي بالأنعمين طويلا

أرقبُ النجمَ ساهراً أن يزولا

كيف اُهدى ولا يزال قتيلٌ

من بني وائلٍ ينسى قتيل (٤)

__________________

(١) قال ياقوت : سرف. موضع على ستة أميال من مكّة. وقيل : سبعة ، وتسعة ، واثنا عشر. تزوّج به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ميمونة بنت الحارث ، وهناك بنى بها ، وهناك توفّيت.

قال عبيد الله بن قيس الرقيات :

وسرف لا يدخله الألف واللام. انظر معجم البلدان ٥ / ٧١.

لم تكلّم بالجهلتين الرسومُ

حـادثٌ عهدُ أهلها أم قديمُ

سَـرفٌ منزلٌ لسلمة فالظّ

هران منها منازلٌ فالقصيمُ

(٢) انظر تاريخ عمارة المسجد ـ حسين عبد الله باسلامه ـ جدّة.

(٣) الأنعمان : ثنية أنعم ، موضع بناحية نعمان ، وهو وادي التنعيم.

(٤) انظر نهاية الإرب ـ النويري ١٥ / ٤٠٠.

٢٢

وللأبيوردي (١) يذكر نعمان بنجدياته ، قوله :

نزلنا بنعمان الأراكِ وللندى

سقيطٌ به ابتلّت علينا المطارفُ

فبتّ أعاني الوجدَ والركبُ نوّمٌ

وقد أخذت منّي السُّرى والتنائفُ

وأذكر خوداً أن دعاني على النوى

هواها أجابته الدموعُ الذوارفُ

لها في مغاني ذلك الشعبِ منزلٌ

لَئن أنكرته العينُ فالقلبُ عارفُ

وقفتُ به والدمعُ أكثره دمٌ

كأنّيَ من جفني بنعمانَ راعفُ

وذكر البكري (٢) التنعيم على لفظ المصدر ؛ من نعمته تنعيماً ، وهو بين مرّ وسرف ، بينه وبين مكّة فرسخان ، ومن التنعيم يحرم مَنْ أراد العمرة. وهو الذي أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عبد الرحمن بن أبي بكر (رض) أن يعمر منه عائشة. وإنّما سمّي التنعيم ؛ لأنّ الجبل الذي عن يمينه يُقال له : ناعم ، والوادي نعمان. وروى يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن أبيها : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال له : «يا عبد الرحمن ، أردف اُختك عائشة فاعمرها من التنعيم ، فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم ؛ فإنّها عمرة متقبّلة». وفي مراصد الاطّلاع (٣) ، قلت : لا خلاف بين الناس أنّه على ثلاثة أميال من مكّة. وفي التنعيم قُتل زيد بن الدثنة ، وصلب خبيب بعد واقعة يوم الرجيع في غزاة هذيل ، وكان قد بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سرية إلى غزو هذيل. قال ابن هشام (٤) : وأمّا زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن اُميّة ليقتله بأبيه اُميّة بن خلف ، وبعث به صفوان بن اُميّة مع مولى له (نسطاس) إلى التنعيم ، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه. واجتمع رهط من قريش منهم أبو سفيان بن حرب ، فقال له أبو سفيان حين قُدّم ليُقتل : أنشدك

__________________

(١) هو أبو المظفر محمد بن العباس ، ينتهي نسبه إلى معاوية الأصغر. توفّي في ٢٠ ع ٥٧١ هـ بأصفهان ـ ابن خلكان ـ.

(٢) انظر معجم ما استعجم ـ الوزير البكري / ٢٠٠. طبع أوربا.

(٣) انظر مراصد الاطّلاع ١ / ٢١٦. طبع أوربا.

(٤) انظر محمد بن عبد الملك بن هشام ٣ / ١٦٤.

٢٣

الله يا يزيد ، أتحبّ محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وإنّك في أهلك؟ قال : والله ، ما أحبّ أنّ محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وإنّي جالس في أهلي. قال : يقول أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحبّ أحداً كحبّ أصحاب محمد محمداً. ثمّ قتله نسطاس (يرحمه الله). وأمّا خبيب : قال ابن هاشم (١) : قال ابن إسحاق : قال عاصم : ثمّ خرجوا بخبيب حتّى إذا جاؤوا به إلى التنعيم ليصلبوه ، قال لهم : إن رأيتم أن تدعوني حتّى أركع ركعتين فافعلوا. قالوا : دونك فاركع. فركع ركعتين أتمّهما وأحسنهما ، ثمّ أقبل على القوم ، فقال : أما والله ، لولا أن تظنّوا أنّي إنّما طوّلت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة. قال : فكان خبيب بن عدي أوّل مَنْ سنّ هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين. قال : ثمّ رفعوه على خشبة ، فلمّا أوثقوه قال : اللّهمّ إنّا قد بلّغنا رسالة رسولك ، فبلّغه الغداة ما يُصنع بنا. ثمّ قال : اللّهمّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تُغادر منهم أحداً. ثمّ قتلوه (رحمه الله) ، فقال الشاعر في ذلك :

لَعَمري لَقَد شانَت هُذَيلَ بنَ مُدرِكٍ

أَحاديثُ كانَت في`خُبَيبٍ وَعاصِمِ

فهذا حماهُ اللهُ بالنحلِ منهم

وهذا أتى من بعدِ بيعِ المغانمِ

والذي حماه الله هو عاصم بن ثابت بن أبي أفلح الأنصاري (رحمه الله) ؛ فإنّه لمّا قُتل حماه الدبر. ذكر ابن هشام قال : وكان عاصم بن ثابت يُكنّى أبا سُليمان ، ثمّ قاتل القوم حتّى قُتل وقُتل صاحباه ، فلمّا قُتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم اُحد : لَئن قدرت على رأس عاصم لتشربنّ في قحفه الخمر ، فمنعته الدبر. فلمّا حالت بينهم وبينه الدبر قالوا : دعوه حتّى يُمسي فيذهب عنه فنأخذه ، فبعث الله الوادي فاحتمل عاصماً فذهب به. وكان عاصم قد أعطى الله عهداً أن لا يمسّه مشرك ، ولا يمسّ مشركاً أبداً ، فكان عمر بن

__________________

(١) انظر محمد بن عبد الملك بن هشام ٣ / ١٦٥.

٢٤

الخطاب (رض) يقول حين بلغه أنّ الدبر منعته : يحفظ الله العبد المؤمن ، كان عاصم نذر أن لا يمسّه مشرك ولا يمسّ مشركاً أبداً في حياته ، فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته (١). وفي كتاب مرآة الحرمين (٢) : التنعيم : حدّ الحرم من جهة المدينة ، وهو في شمال مكّة الغربي. والمسافة بينه وبين باب العمرة ٦١٤٨ متراً ، والطريق سهل رملي تحفّه الجبال من الجانبين ، وبه آبار كثيرة ، وفيه تباع المأكولات والقهوة والشاي. وقد أُقيم عند التنعيم علمان يفصلان الحلّ من الحرم ، ارتفاع كلّ منهما ستة أمتار ، وعرضه ثلاثة ، وهما مبنيّان بالحجر والملاط الجيد ، والذي بناهما محمد أو أحمد بن المقتدر الراضي بالله سنة ٣١٥ هـ. وبجوار هذين العلمين مسجد عائشة الذي أُقيم في مكان إحرامها بالعمرة بعد أن حجّت مع الرسول (صلّى الله عليه وآله) حجّة الوداع ، وطول هذا المسجد ١٦ متراً في عرض ١٥ ، وارتفاعه ٤ أمتار. وخلف مسجد عائشة حوض أُعدّ لخزن المياه ، طوله ٢٤ متراً ، وعرضه ١٩ متراً ، وعمقه ثلاثة ، وسطحه مواز لسطح الأرض بُني بالحجر والملاط الجيد ، وفي كلّ من جهتيه الشمالية والجنوبية سلّم يوصل إلى قاعة ، ويتكوّن من سبع درجات ، وبأعلى الجهة الشرقية من الخزان حجر سطّر به تاريخه ، غير أنّه مقلوب الوضع. وهناك صهريج كبير كان يمتلئ من السيول ، ويتوضأ منه المعتمرون ، وهذا الصهريج قديم. ولما حجّ سنان باشا الوزير المجاهد في سنة ٩٧٨ هـ اعتمر من التنعيم ، فرأى هذا الصهريج خاوياً ، ورأى ما يعانيه المعتمرون في حمل الماء من مسافات بعيدة ليشربوا منه ويتوضّؤوا ، فحرّكته الشفقة إلى بئر قديمة هنالك تبعد عن الخزان بنحو مئتي متر قد ملأها التراب ، فأمر بإصلاحها ، وأُقيمت هنالك ساقية ومجرى مرتفع مقدار قامة يجري الماء فيه من البئر إلى هذا الصهريج الذي عمّره الوزير المذكور ، وإلى الخزان السابق الذي أنشأه ، وجعل للقائم بنزح المياه أجراً من ريع أوقاف له بمصر ، وذلك في سنة ٩٨١ هـ. وفي غربي الخزان مصلّى صغير ارتفاع جدره ٨٠ سنتيماً ، وبه محراب وحجرات عن يمين المحراب ، وشماله مكتوب في أحدهما حفر بالخطّ

__________________

(١) ذكر ابن هشام أنّ واقعة يوم الرجيع كانت في سنة ثلاث للهجرة.

(٢) انظر مرآة الحرمين ـ إبراهيم رفعت باشا ١ / ٣٤١ ، مصر.

٢٥

الكوفي تاريخ سنة ٥٣١ هـ ، وما وقف عليه ، وفي ثانيهما بالحفر أيضاً كتابة بالخطّ المغربي لم أتبين رسمها. ونقلت التاريخ فإذا هو سنة ٣٠١ هـ كما تبينته من حضرة الأثري يوسف أفندي.

قال أرباب السير : ولمّا وصل الحسين (عليه السّلام) بظعنه إلى التنعيم لقى بها عيراً أُقبل بها من اليمن ، وقد بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية ، وكان عامله على اليمن ، وعلى العير الورس (١) والحلل ينطلق بها إلى يزيد ، فأخذها الحسين (عليه السّلام) فانطلق بها ، ثمّ قال لأصحاب الإبل : «لا أُكرهكم ؛ مَنْ أحبّ أن يمضي معنا إلى العراق أوفيناه كراه وأحسنّا صحبته ، ومَنْ أحبّ أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض». قال : فمَنْ فارقه منهم حوسب فأوفى حقّه ، ومَنْ مضى منهم معه أعطاه كراه وكساه (٢). قال أرباب التاريخ : وراح الحسين يواصل السير إلى الصفاح.

ومرّ بالصفاحِ بالأهلِ وبا

لصَحبِ ويتبعُ الخُطى أثر الخُطى

(الصفاح) : بالكسر وآخره خاء مهملة ، موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكّة من مشاش (٣). قال الأزرقي (٤) : القطع أو الصفاح في طريق نجد والعراق ، والأنصاب على رأس ثنية الخل منتهى الحرم. وقال ابن بليهد : الصفاح في اللغة يُطلق على سفح كلّ جبل أو كثيب صفحته ؛ فصفحته جانبه ، ويُطلق لفظ الصفحة على جانب السيف. والموضع الذي يُقال له الصفاح معروف

__________________

(١) الورس : نبات كالسمسم يصبغ به ، ويتّخذ الغمرة منه. والغمرة : الزعفران. قال البروني : الورس يجلب من اليمن ، وقيل : يُحمل من أرض الحبش. انظر صفة المعمورة / ١٤٠. ، طبع استنبول.

(٢) انظر الطبري ٦ / ٢١٨.

(٣) مُشاش (بالضم) ، قال عرام : ويتصل بجبال عرفات جبال الطائف ، وفيها مياه كثيرة أوشال وعظائم قني ، منها المشاش وهو الذي يجري بعرفات ويتصل إلى مكة.

(٤) انظر أخبار مكّة ـ محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ٢ / ٢٥١.

٢٦

في حدود الجبال المشرعة على واد المغمس وهي آخرها ، ويتركها قاصد مكّة على شماله (١). قال ابن مقبل يرثي عثمان بن عفان لمّا قُتل :

فَنِعْفُ وَدَاع فَالصِّفَاحُ فَمَكَّةٌ

فَلَيْسَ بِهَا إلاَّ دِمَاءٌ ومَحْرَبُ

وحدّث غالب بن عبيد الله قال : سمعت مجاهداً يذكر عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال : مرّ بصفاح الروحاء ستون نبيّاً إبلهم مخطّمة بالليف ، قاصدين حجّ البيت. قال أرباب التاريخ : وفي الصفاح لقي الفرزدق الحسين (عليه السّلام) خارجاً من مكّة. قال الفرزدق : حججت باُمّي سنة ستين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم ، إذ لقيت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) خارجاً من مكّة مع أسيافه وأتراسه ، فقلت : لمَنْ هذا القطار؟ فقيل : للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام). قال : فأتيته وسلمت عليه ، وقلت له : أعطاك الله سؤلك ، وأمّلك في ما تحبّ. بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله! ما أعجلك عن الحج؟ فقال : «لو لم أعجل لأُخذت». ثمّ قال لي : «أخبرني عن الناس خلفك». فقلت : الخبير سألت ؛ قلوب الناس معك وسيوفهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء. فقال : «صدقت ، لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ، وكلّ يوم هو في شأن. إن نزل القضاء بما نحبّ ونرضى فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء ، فلم يبعد مَنْ كان الحقّ بيّنته ، والتقوى سريرته». فقلت : أجل ، بلغك الله ما تحبّ ، وكفاك ما تحذر. قال : وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرّك راحلته وقال : «السلام عليك». ثمّ افترقنا. وفي ذلك يقول :

لقيتُ الحسينَ بأرضِ الصفاح

عليهِ اليلامقُ والدرق (٢)

قالوا : وسار الحسين (عليه السّلام) من الصفاح قاصداً وادي العتيق.

__________________

(١) انظر صحيح الأخبار ـ محمد بن عبد الله بن بليهد ١ / ٢٢٧.

(٢) اليلامق : مفردها يلمق ، وهو القباء. والدرق : مفردها درقة ، الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب. والعقب (بفتح العين) : العصب الذي تُعمل منه الأوتار ، جمعه أعقاب.

٢٧

ثمّ إلى وادي العقيق بعدها

وافى وذات عرقٍ هُضبها علا

(العقيق) : بفتح أوله وكسر ثانيه وقافين بينهما ياء مثناة من تحت. ذكر ياقوت ، عن أبي منصور قال : والعرب تقول لكلّ مسيل ماء شقه السيل في الأرض فأنهره ووسّعه : عقيق. والأعقة في بلاد العرب كثيرة ؛ منها هذا العقيق الذي جاء فيه : إنّك بواد مبارك ، وهو الذي ببطن وادي ذي الحليفة ، وهو الذي جاء فيه أنّه مهل أهل العراق على ما ذكره الفقهاء في مناسكهم من ذات عرق. وهو الذي ذكره الشافعي (ره) فقال : لو أهلّوا من العقيق كان أحبّ إليّ. قال في المشترك : وهو اسم لعدّة أودية ؛ فمنها العقيق الأعلى عند مدينة الرسول ، وهو ممّا يلي الحرّة إلى منتهى البقيع مقابر المدينة ، ومنها العقيق الأسفل ، وهو أسفل من ذلك ، ومنها عقيق العارض باليمامة. والعقيق أيضاً : وادٍ يدفق سيله في غور تهامة متّصل بعقيق المدينة ، وهو الذي ذكره الشافعي. والعقيق أيضاً : بطن وادي ذي الحليفة (١). وقرئ على قصر بالعقيق :

وكم توارثَ هذا القصر من ملكٍ

فماتَ والوارثُ الباقي على الأثر (٢)

ومن الأعتقة عقيق المدينة الذي ذكره الشاعر بقوله :

إنّي مررتُ على العقيقِ وأهلُهُ

يشكون من مطرِ الربيعِ نزورا

ما ضرّكم إن كان جعفرُ جارَكُمْ

ألاّ يكونَ عقيقكم ممطورا

وإلى هذا العقيق يُنسب محمد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، المعروف بالعقيقي. له عقب ، وفي ولده رياسة. ومن ولده أحمد بن علي بن محمد العقيقي ، أبو القاسم. كان

__________________

(١) انظر تقويم البلدان ـ الملك المؤيد ابن أيوب صاحب حماة ، المتوفّى ٧٣٢ هـ / ٧٩ ، طبع باريس.

(٢) انظر البلدان ـ ابن الفقيه ، من علماء أواخر القرن الثالث للهجرة / ١٦١ ، طبع ليدن.

٢٨

من وجوه الأشراف بدمشق ، ومدحه أبو الفرج الوأواء (١) ، ومات بدمشق لأربع خلون من جمادي الأولى ٣٧٨ هـ ، ودُفن بالباب الصغير. وقال صاحب حماه : ذات عرق : ميقات أهل العراق ، وهي عن مكّة على ثمانية وأربعين ميلاً. قال في العزيزي : وبين ذات عرق وغمرة ستة وعشرون ميلاً (٢). وقال بعض الأعراب يذكر وادي العقيق :

أيا سروَتَيْ وادي العقيقِ سُقيتما

حياً غضَّةَ الأنفاسِ طيّبةَ الوردِ (٣)

تروَّيتما مجَّ النِّدى وتغلغلتْ

عروقُكُما تحتَ النَّدى في ثرًى جعدِ

ولا يهنأنْ ظلاَّكما إنْ تباعدتْ

بيَ الدَّارُ مَنْ يرجُو ظلالكُما بعدِي

ولأبي فرعون الشاشي (٤) يخاطب بعض الحجّاج :

يا خيرَ ركبٍ سلكوا طريقا

ويمّموا مكّةَ والعقيقا

وأطعموا ذا الكعْكِ والسويقا

والخشكنان اليابس الرقيقا (٥)

وللشريف الرضي (ره) يذكر العقيق (٦) :

شموسُ قبابٍ قد رأينا شروقَها

فياليتَ شعري أين منّا اُفولها

تعالينَ عن بطنِ العقيقِ تيامناً

يقوّمها قصد السُّرى ويميلها

__________________

(١) الوأواء : هو محمد بن أحمد (أو ابن محمد) الغساني الدمشقي. شاعر مطبوع ، حلو الألفاظ ، كان في مبدأ أمره منادياً بدار البطيخ في دمشق. توفّي حدود ٣٨٥ هـ. طبع ديوانه بعناية المجمع العلمي بدمشق.

(٢) انظر البلدان ـ الملك المؤيد / ٨٢ ، طبع باريس.

(٣) السرو (بفتح السين وسكون الراء والواو) : شجر قويم الساق ، حسن الهيئة ، الواحدة منه سروة.

(٤) هو الهشيم بن كليب بن شريح بن معقل الشاشي. محدّث ما وراء النهر ، ومؤلّف (المسند الكبير). أصله من مرو ، وكان مقامه في بخارى. توفّي ٣٣٥ هـ.

(٥) الكعك والخشكنان من أنواع الخبز تُصنع من دقيق البر.

(٦) هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام). ولد ببغداد سنة ٣٥٩. أشعر الطالبيِّين ، بل إنّه أشعر قريش. ديوانه طبع عدّة طبعات. توفّي سنة ٤٠٦ هـ.

٢٩

وقال أيضاً :

وَهَل لِخَشيفٍ بِالعَقيقِ عَلاقَةٌ

بِقَلبِيَ أَم دانَيتُ غَيرَ مُداني

وله أيضاً : هل ناشد لي بعقيق اللوى

غزيلا مر على الركب

وللطغرائي (١) يذكر العقيق :

فيا سروَتَيْ وادي العقيق سقاكما

وإن لم تظلاّني الغمامُ الرواجسُ

ولابن سنان الخفاجي (٢) في العقيق :

يا حبّذا ذات الأجارع منزلاً

وجوارنا قبل العقيق جوارا

وللأمير شكيب أرسلان (٣) يذكر العقيق :

ما بينَ غزلانِ العقيقِ وبانه

حربٌ بها بطلُ الهوى كجبانهِ

حربٌ تضرّم بالحضيض سعيرُها

ولجاجُها بالجزعِ فوق رعانهِ

عَبَثتُ بِعُشّاقِ العَقيقِ وَأوغِلَت

فَدِماؤُهُم تُربى عَلى غَدرانِهِ

لم يرهبوا بأساً لقاءَ اُسودهِ

فأبادهم حتفاً لقاً غزلانهِ

يا زائراً تلك الربوع وسائراً

بعراصها الفيحاء في ركبانهِ

إن تنزلنْ سفحَ العقيقِ فأشرفنْ

واسفح عقيقَ الدمعِ معْ عقيانهِ

وَتَأَمَلنَ صَنعَ الهَوى بِفَريقِهِ

فَإِذا رَضيت فَبَعدَ ذَلِكَ عانِهِِ

سُبحانَ مَن خَلَقَ الفُؤادَ وَطامَهُ

أَبَداً عَلى حُبِّ الحِمى وَحِسانِهِ

قال أهل السير : ولمّا اجتاز الحسين (عليه السّلام) وادي العقيق ، واصل سيره إلى ذات عرق.

__________________

(١) هو مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد الأصبهاني. قُتل سنة ٥١٣ ، وقيل : ٥١٤ هـ.

(٢) هو عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي ، صاحب سرّ الفصاحة في اللغة. وفاته سنة ٤٦٦ هـ ، فمن شعره في بني اُميّة :

يا أمّةً كفرت وفي أفواهها

القـرآنُ فيه ضلالُها ورشادُها

أعـلى المنابرِ تُعلنون بسبِّه

وبسيفهِ نُصبت لكم أعوادُها

تِـلكَ الصَّغائِنُ لَم تَزَل بَدرِيَّةً

قُتِلَ الحُسَينُ وَما خَبَت أَحقادُها

(٣) من ديوانه المطبوع بمطبعة النار بمصر.

٣٠

(ذات عرق) : موضع مهلّ أهل العراق أيضاً ، وهو الحد بين نجد وتهامة. وقيل : عرق : جبل بطريق مكّة ، ومنه ذات عرق. قال الأصمعي : ما ارتفع من بطن الرمّة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق. وعرق : هو الجبل المشرف على ذات عرق. قال ابن عيينة : إنّي سألت أهل ذات عرق. أمتهمون أم منجدون؟ فقالوا : ما نحن بمتهمين ولا منجدين. نحن أهل الغور. وكانت ذات عرق في الجاهلية بها أبيات قليلة ، فلمّا كثر الناس تحوّلت. وبنى المهدي العباسي بها مسجد المحرم. ولقد وقّت النبي (صلّى الله عليه وآله) لأهل العراق ذات عرق. وقيل : وقّت لأهل البصرة ذات عرق. وعن كيس بن يحيى ، عن أبيه قال : أقبل النبي (صلّى الله عليه وآله) حتّى أشرف على بنية مسجد النجد فصلّى به ، وأشرف على قرية ذات عرق ، وكان يُقال لها : (رهاط) ، فوقفت ناقته فضرب عصاه فأنبط عيناً ، فهي تسقي الآن وداي النخل برهاط ، وأثر ناقته في صفا. ثمّ جانب العين من ذات عرق على ليلة ممّا يلي القبلة قطاع لآل الزبير ، ولمحمد بن يوسف الجعفري. وعينهم تسمّى عين النبي (صلّى الله عليه وآله). ودون ذات عرق بميلين ونصف مسجد للنبي (صلّى الله عليه وآله) وهو الميقات للإحرام ، وهو أوّل تهامة. سمّي هذا المسجد نجداً ، والمسجد الذي في ذات عرق الكبير فيه المنبر ، وإلى جنب ذات عرق (الحربة) سمّيت بعرق الجبل. فإذا صرت عند الثامن من البريد رأيت بيوت الحربة في الجبل. وهناك بئر للأعراب يمنة الطريق. وأهل ذات عرق يسمّون الجبل كلّه ذات عرق (١). وذكـر الأزرقـي (٢) قال : ذات عرق في طريق العراق ، وهي الطريق التي يُقال لها اليوم : (الطريق الشرقي). وذات عرق مندثرة. ويحرم الحاج من (الخريبة) التي تُسمّى اليوم (الخريبات) ، وهي بين المضيق ووادي العقيق (عقيق الطائف) ، وذكروا أوّل تهامة من قبل نجد مدارج ذات عرق. قال بعض أهل ذات

__________________

(١) عن المخطوط.

(٢) انظر أخبار مكّة ـ محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ٢ / ٢٥١ ، طبع مصر.

٣١

عرق شعراً :

ونحنُ بسهبٍ مشرفٍ غيرِ منجدٍ

ولامتهم فالعينُ بالدمعِ تذرفُ (١)

وذكر محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ذات عرق في أبيات قالها وهو في سجن المتوكّل العباسي بسرّ مَنْ رأى ، قال (٢) :

ألم يحزنك يا ذلفاءُ أنّي

سكنتُ مساكنَ الأمواتِ حيّا

وأنّ حمائلي ونجادَ سيفي

علون مجدّعاً أشراً سنيّا

فقصرهنّ لمّا طلن حتّى ا

ستوينَ عليهِ لا أمسي سويّا

أما والراقصاتِ بذاتِ عرقٍ

تؤمُ البيتَ تحسبها قسيّا

لو أمكنّني غداتئذٍ جلاد

لألفوني بهِ سمحاً سخيّا

قال أبو الفرج الأصفهاني (٣) : ومحمد هذا حبس بسرّ مَنْ رأى مدّة ، ثمّ أُطلق وأقام بها سنين حتّى مات (رحمه الله).

وقال أبو نهشل يُعاتب صديقاً له بشعره ، ويذكر ذات عرق (٤) :

أما والراقصاتِ بذاتِ عرقٍ

وربّ البيتِ والركنِ الوثيقِ

لقد أطلقتَ لي تهماً أراها

ستحملني على مضضِ العقوقِ

وقال آخر :

كأن المطايا لم تنخ بتهامةٍ

إذا صعدت من ذاتِ عرقٍ صدورُها

ذكر الهمداني (٥) قال : من بستان بن معمّر إلى ذات عرق أربعة وعشرون ميلاً ، وعرض ذات عرق أحد وعشرون جزءاً وثلثا جزء.

__________________

(١) السهب (بضم أوله) : جمعها سهوب ، من الأرض البعيد المستوى.

(٢) انظر مقاتل الطالبيِّين ـ أبي الفرج الأصبهاني / ٦٠٩ ، طبع مصر.

(٣) المصدر نفسه / ٦٠٠.

(٤) انظر عيون الأخبار ـ ابن قتيبة ٣ / ٢٨ ، طبع مصر.

(٥) انظر صفة جزيرة العرب ـ الحسن بن أحمد الهمداني ١ / ١٨٥ ، طبع ليدن.

٣٢

وذكر المؤرّخون : أنّه لمّا وصل الحسين (عليه السّلام) بركبه ذات عرق لقيه بشر بن غالب وارداً من العراق ، فسأله عن أهلها ، فقال : خلّفت القلوب معك ، والسيوف مع بني اُميّة. فقال الحسين (عليه السّلام) : «صدق أخو بني أسد. إنّ الله يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد». وما زال (عليه السّلام) يواصل سيره حتّى أتى (غمرة).

وغمرة مرّ بها ومسلحٍ

ثمّ أفيعيّة فيها ما ونى

(غمرة) : بفتح أوّله وسكون ثانيه ، وهو منهل من مناهل الطريق ، ومنزل من منازلها ، وهو فصل بين تهامة ونجد. وكان به يوم من أيامهم ، وهي التي عناها الحارث بن ظالم المرّي بقوله :

وإنّي يوم غمرةَ غير فخرٍ

تركت النهب والأسرى الرغابا

وهناك موضع يُقال له : (غمرة) في الجهة الشرقية من نجد ، وهي التي عناها الشمردل بن شريك بقوله :

سقى جدثاً أعراقُ غمرة دونهُ

ببيشة ديماتُ الربيع هواطلُهْ

وما بيَ حبُّ الأرض إلاّ جوارُها

صداه وقولٌ ظُنّ أنّيَ قائلُهْ

وهي التي عناها عمرو بن قيس المرادي بقوله :

الأ يا بيت بالعلياءِ بيتُ

ولولا حبُّ أهلك ما أتيتُ

إلى قوله :

وحيٌّ نازلينَ وهم جميعٌ

حذار الشرِّ يوماً قد دهيتُ

وقد علمَ المعاشرُ غير فخرٍ

بأنّي يومَ غمرةَ قد مضيتُ

فوارسُ من بني حجرِ بن عمرٍو

واُخرى من بني وهبٍ حميتُ

متى ما يأتني يومي تجدني

شبعتُ من اللذاذة واستقيتُ

وهناك موضع رابع يُقال له : (غمرة) في جهة خيبر على مسافة يوم أو أكثر شمالاً ، وتسمّى (عقيلة غمرة).

وذكر في المخطوط أنّ وجرة بإزاء غمرة. قال الأعشى :

ظَبيَةٌ مِن ظِباءِ وَجرَةَ أَدما

ءُ تَسَفُّ الكَباثَ تَحتَ الهَدالِ

٣٣

قال الحسن الهمداني (١) : ومناهل الطريق العقبة ، وسميراء ، وفيد ، والنقرة ، والحاجر ، والعمق ، وأفيعية ، والمسلح ، وغمرة ، وغمرة في بلاد غنى. قال الطفيل :

جَنَبْنَا من الأَعرافِ أَعراف ِغمرةٍ

ومن هَضْبِ لُبْنَ الخيل يا بُعدَ مَجْنبِ

قال الحسن الهمداني (٢) : كما إنّ حرش ماء لغنى كذلك الفلج ، وسمسم ، وتبان ، وجدود مياه لغنى. ومن غمرة إلى ذات عرق عشرون ميلاً ، وعرض غمرة اثنان وعشرون جزءاً. هكذا ذكره الهمداني (٣). وعلى ثمانية أميال من غمرة عند الحادي عشر من البريد يسرة ، وقبل البريد (أمّ خرمان) ، ومنه يعدل أهل البصرة. وهو الجبل الذي عليه علم ومنظرة ، وعنده بركة أوطاس وآبار ومنازل. وأمّ خرمان : امرأة كانت في هذا الموضع يُسمّى ذلك الجبال بها. وأوطاس الذي قسم النبي (صلّى الله عليه وآله) عندها غنائم خيبر حين رجع من الجعرانة. وعند أوطاس قصور وأبيات وحوانيت ، وبركة عن يسارها. ويُقال : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يرضع في تلك الناحية. وثمّ مسجد يُقال له : مسجد عائشة ، بناه عبد الصمد بن علي ، فإذا انحدرت منه صرت إلى تهامة. ذكر ابن بليهد (غمرة) عند ذكره (غمار) قال : هذا الاسم ـ أي غمار ـ يُطلق على موضعين ؛ أحدهما جبل محاذ بلد سميراء من الجهة الجنوبية على حدود بني أسد ، ويُقال له اليوم : (الغيمار) ، وهو جبل أحمر شاهق إلى السماء ، وتصطاد منه الصقور ، وبه مياه كثيرة ، وهناك ماءة يُقال لها : غمرة. وظنّي أنّها التي عناها زهير في هذين البيتين :

رَعَوا ما رَعَوا مِن ظِمئِهِم ثُمَّ أَورَدوا

غِماراً تَسيلُ بِالرِماحِ وَبِالدَمِ

فَقَضَّوا مَنايا بَينَهُم ثُمَّ أَصدَروا

إِلى كَلأٍ مُستَوبِلٍ مُتَوَخَّمِ

وهي واقعة في بلاد غطفان شمالي النقرة على مسافة يوم. وقد أغزى

__________________

(١) انظر الحسن بن أحمد الهمداني صفة جزيرة العرب ج ١ ص ١٤٢ طبع ليدن.

(٢) انظر الهمداني صفة جزيرة العرب ج ١ ص ١٧٤ و ١٧٧ ، طبع ليدن.

(٣) انظر الهمداني صفة جزيرة العرب ج ١ ص ١٨٥ ، طبع ليدن.

٣٤

رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عكاشة بن محصن حتّى وصل غمرة ، وهي باقية بهذا الاسم إلى هذا العهد (١). قلت : ولمّا رحل الحسين (عليه السّلام) من غمرة قصد مسلحاً.

(مسلح) : بضم الميم وسكون السين واللام. قال ابن إسحاق في غزوة بدر : فلمّا استقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الصفراء ، وهي قرية بين جبلين ، فسأل (صلّى الله عليه وآله) عن جبليهما ما اسماهما ، فقالوا : هذا مسلح ، وهذا مخرئ ، فكره (صلّى الله عليه وآله) المرور بينهما ، فسار ذات اليمين. قال المقدسي (٢) : من غمرة إلى مسلح ثمانية عشرة ميلاً (٣). ومثله ذكر الحسن الهمداني (٤) قال : ومن غمرة إلى مسلح سبعة عشر ميلاً ، وعرض مسلح اثنان وعشرون جزءاً. وفي المخطوط : عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كان (المسلح) أوّله لبني سليم ، وكان الحاج ينزلون (البعث) ويسلكون أسفل المسلح ، بينه وبين الجهة المشرقية. وكان أوّل مَنْ نزل هذا الحائط عيسى بن علي العباسي ، فحفر به بركة يُقال لها : بركة عيسى ، وبنى هناك قصراً ، ثمّ ورد عليه أبو جعفر المنصور فطلب منه البركة أن يهبها له ، فقال : إنّها صدقة على ابن السبيل ، وهي بأسفل المسلح. فلمّا أبى أن يهبها له استشار على بلد يحفر فيه بركة ، فأشاروا عليه ببطن الوادي ، فحفر بركة تُعرف ببركة (أمير المؤمنين) ، وقلب الطريق من البعث إلى المسلح ، فحوّل به القرية وعمرت. فغالبة القريش لواد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولبني سليم وغيرهم. وقيل : إنّ المهدي طلب من عيسى ذلك. وبالمسلح قصر ومسجد ، وبه بركة مربعة لها مصفاة وسط الطريق ، وتُعرف بمسرور الخادم حيال القصر ، وبئر من آبار السلطان حلوة الماء ، ومن قلب الأعراب عشرون قليباً ، وبئر حفرت في خلافة المتوكّل العباسي تُعرف ببئر المعلّى إلى جانب البركة التي لمسرور ، وبين

__________________

(١) انظر ابن بليهد ـ صحيح الأخبار ـ ج ١ ص ١١٦.

(٢) انظر محمد بن أحمد المقدسي أحسن التقاسيم.

(٣) وفي المخطوط من مسلح إلى غمرة سبعة عشر ميلاً.

(٤) انظر الحسن بن أحمد الهمداني. صفة جزيرة العرب ج ١ ص ١٨٥ ، طبع ليدن.

٣٥

أفيعية ، وغمرة طريق يختصره مَنْ لا يريد المسلح ، يعدل من غمرة على أحد عشر ميلاً عند الميل المكتوب عليه أربعة من البريد ، وعلى ستة أميال من المسلح ، ويخرج عند الميل الذي عليه خمسة من البريد ، قبل المسلح خمسة أميال يسقط من الطريق ثلاثة أميال. وعلى تسعة أميال من المسلح يمنة عن الطريق بركة يُقال لها : (المعتق) ، وتدعى بركة عواذل وآكام صغار. فالحسين (عليه السّلام) قطع في طريقة إلى العراق من المسلح إلى الأفيعية أحد هذين الطريقين حتّى وصل الاُفيعية.

(اُفيعية) : بالضم ثم الفتح والعين المهملة ، وهي منهل لسليم من أعمال المدينة في الطريق النجدي إلى مكّة من الكوفة. حدّث عبد الله بن عمرو ، عن يعقوب بن حذيفة السلمي قال : سمّيت الاُفيعية لكثرة حيّاتها الأفاعي. قال : وبها بركة مربّعة تعرف ببركة (الوادي) ، وبركة مدورة وهي أعلى الجبل على مقدار ميل إلى المنزل تسمّى بركة (هرار) ، ولها مصفاة. وبالاُفيعية آبار لجماعة ، وهي غليظة الماء ؛ فالحسين (عليه السّلام) تابع سيره من الاُفيعية هذه إلى معدن بني سليم.

وبعدها جاءَ لمعدنِ الذي

قيل إلى بني سليم يُنتمي

(معدن بني سليم) : بفتح الميم وسكون العين. يُقال له : معدن فران ، ومعدن بني سليم ، وهو منسوب إلى فران بن بلى بن عمرو بن الخفاف بن قضاعة. نزلت على بني سليم فدخلوا فيهم وصاروا منهم ، فكان يُقال لهم : بنو القين. فلذلك قال خفاف بن عمرو :

متى كان للقينين قين طميّة

وقين بلي معدن بفران!

وقال حاتم بن رباب السلمي :

أتحسبُ نجداً ما فرانِ إليكمُ

ليهنك في الدنيا بنجدٍ لَجاهلُ

أفي كلّ عام يضربونَ وجوهكُمْ

على كلّ نهب وجهته الكواملُ

أراد أنّك لجاهل إذا تحسب ماء فران نجداً ، وهنا قصر ماء وهو ممدود ضرورة. ومن معدن إلى السليلية ستة وعشرون ميلاً ، وبني سليم هم الذين خاطبهم العباس بن مرداس لمّا انصرف من مكّة ، فقال : يا بني سليم ، إنّي رأيت

٣٦

أمراً وسيكون خيراً ؛ رأيت بني عبد المطلب كأنّ قدودهم الرماح الردينية (١) ، وكأنّ وجوههم بدور الدجنة ، وكأنّ عمائمهم فوق الرجال ألوية ، وكأنّ منطقهم مطر الوبل على المحلّ. وإنّ الله إذا أراد ثمراً غرس له غرساً ، وإنّ اُولئك غرس الله فترقبوا ثمرته ، وتوكّفوا غيثه (٢) ، وتفيَّؤوا ظلاله ، واستبشروا بنعمة الله عليكم. ويُقال له اليوم : مهد الذهب قريب من سايه الذي لبني سليم أيضاً. قال في المخطوط : وفي معدن بني سليم قصر ومسجد ، وبه بركة مدوّرة زبيدية ، وبه آبار كثيرة قديمة وحديثة لها أسماء ، وعلى ميلين ونصف من المعدن المنزل الخرب الذي يُقال له : (ريان) كان الرشيد ينزله ، وبه قصور له وللقواد والموالي ، وحوانيت خربة وآبار وبركة مربعة ، وعلى ميل من الريان بركة ومصفاة ، ومن ريان إلى السلق سبعة أميال. والسلق : أرض مستوية ، ويُقال لها : الأسلاق ، وبها صخرة كبيرة كان عليها البريد الأول يُقال لها : صخرة ريان. وجبل من جانب الغرب ناحية يمنة الطريق مستطيل معه ، ومنه إلى جبل معترض الطريق يُقال له : (السويقة) (٣) أقل من خمسة أميال ، فيه أقلبة ، ويهبط في قاع سويقة. والعقبة التي تسمّى (عقبة كراع) على أحد عشر ميلاً من أفيعية ، وبين العقبتين بركتان إحداهما إلى جانب الاُخرى ، وهما المتعشى. وبه قصران كبير وصغير ، وبئر وأبيات وحوانيت ، ودون البركتين بميل خشونة وصعوبة وهبوط ، وفي آخر المنزل مثل ذلك. زعم علي بن محمد أنّ المعدن كان به ذهب كثير يستخرج في قديم الدهر ، ويحفر عليه في جبل يمنة الطريق للمصعد ، فعظمت فيه المؤنة. قال علي بن محمد : وتراب البلد مخلوط بالذهب ، والذي حملهم على

__________________

(١) الرماح الردينية : نسبة إلى ردينة ، وهي امرأة من العرب كانت تقوّم الرماح.

(٢) توكّفوا غيثه : أي ارتقبوه وانتظروه.

(٣) ولعلها تسمّى السوارقية اليوم. قال ابن بليهد : قرية معروفة إلى هذا العهد ، وموقعها في بلاد عبد الله بن غطفان ، ورأيت لها ذكر في الجاهلية أنّها لبني سليم.

٣٧

تركه أنّ المؤنة أكثر ممّا يخرج منه. وفي هذا المتعشى حرّة يُقال لها : حرّة بني سليم (١) ، وفي حرّة بني سليم (حبس سبل) ، والحبس : جمعه أحباس ، فلوق في الحرّة تمسك الماء لو وردت عليها اُمّة لوسعتها. وروى أبو البداح بن عاصم ، عن أبيه قال : سألنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حدثان ما قدم ، فقال : «أين حبس سبل؟». فقلنا : لا ندري. فمرّ بنا رجل من بني سليم ، فقلت له : من أين جئت؟ قال : من حبس سبل. فانحدرت به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقلت له : زعم هذا أنّ أهله بحبس سبل ، فقال له : «أخرج أهلك ؛ فيوشك أن يخرج منها نار تضيء أعناق الإبل منها ببصرى» (٢). قال الهمداني : ومن أفيعية إلى حرّة بني سليم ستة وعشرون ميلاً ، وعرض حرّة بني سليم ثلاثة وعشرون جزءاً ونصف ، ومن هذا المعدن رحل الحسين بظعنه إلى عمق.

وعُمقٌ مرّ به وصحبُهُ

تحفّهُ كأنّهم اُسدُ الشرى

(العمق) : بوزن زفر ، موضع على الطريق. قال البكري : وهذا المنهل هو واقع في بلاد غطفان (٣). قال ابن بليهد : وقد أخطأ الفرّاء بقوله إنّه دون النقرة ، والفراء من أهل بغداد ، وعلى تحديده يكون العمق شرقاً عن النقرة. وموضعه الصحيح أنّه بين النقرة ومعدن بني سليم ، وهو في بلاد عبد الله بن غطفان معروف ، وهو في وسط أملاحها ، ولا يُعد منها ؛ لأنّ ماءه أحسن من المياه الذي حوله ، إلاّ ماء الوبرة كأنّها أعذب منه. وعمق منهل معروف إلى هذا العهد. وقال أيضاً : اختلف علماء المعاجم في عمق ؛ فهذا الاسم يُطلق على موضعين : أحدهما في بلاد غطفان بين أملاحها ، وماؤه عذب ، والموضع الثاني في سواد باهلة يُقال له : عمق ، قريب منهل يُقال له : لجع ، ومنهل يُقال له : جفر تبران. والفرق بينهما : إنّ الواقع في بلاد غطفان منصوب الميم ، والثاني ساكنة الميم (عمق) ، وهذا معروف

__________________

(١) كل ما ذكرناه آنفاً عن معدن بني سليم مصدره المخطوط.

(٢) انظر ابن بليهد ـ صحيح الأخبار ـ ج ٣ ص ١٨٦.

(٣) انظر البكري ج ٣ ص ٩٦٣.

٣٨

عند جميع أهل نجد ؛ باديتها وحاضرتها (١). وقال الفرآء : وهو دون النقرة ، والعامة تقول : العمق بضمتين ، وهو خطأ. وبه قصر ومسجد وبئر تُعرف بالخضراء من عمل المنصور لا تنزح ، وبئر تُعرف بالروحا من عمل البرامكة ، وبئر تُعرف لمحمد بن الفضل التاجر ، وبئر تُعرف بأبي طاهر الزبيدي ، وبئر السدرة ضيّقة الرأس ، وبئر الحمام وذات القرنين ، واُخرى تُعرف ببئر العلم ، وبها بركة نائية عن الطريق مربّعة تُعرف بنعيم. ومن العمق إلى المعدن اثنان وعشرون ميلاً ، والبريد السادس وأربعين قبل الصفحة بأربعة أميال ، والصفحة على عشرة أميال من المعدن عند المتعشى ، وهي بركة تسمّى الصفحة ، وهي صفاح شروري مربّعة. ويقال لهذا الموضع : بهوى ؛ وادٍ حسن واسع على ستة أميال من العمق ، يسير بين جبلين ، يسمّى أحدهما شروري ، وهو الجبل الذي فيه الجن ، وتسير في أرضه لينة. أنشد بعض الأعراب :

كأنّها بين شروري والعمقْ

وقد كساها السيرُ حبلاً من عرقْ

نـواحةً تـلوي بـجلبابٍ خلقْ

قالوا : زعم جعفر بن الحسين اليقطيني ، عن عيسى بن عبيد بن يقطين قال : احتفر يقطين بن موسى بئر العمق من ماله ، فخرجت أعذب بئر ، فأمر له المهدي بما أنفق عليها فأبى قبوله ، وأخبر أنّه فعل ذلك لله (عزّ وجلّ) ، فسأله المهدي أن يجعل له حظّاً في أجرها ، فجعل له الثلث. قالوا : وليس في الطريق أعذب من ماء العمق. وقبل المعدن بثلاثة أميال (يمنة) موضعٌ يُعرف ببستان اُمّ صالح ؛ واُمّ صالح : امرأة من أهل المعدن حفرت في هذا الموضع بئرين ، وأحدثت عليهما بستاناً ، فاشتراه منها ابن نهيك ، ثمّ قبضها المهدي. وهي ناحية عن الطريق ، وكان الطريق عليها فحوّل ؛ لأنّ هذا أقرب بميل (٢). و (الشرى) : مأسدة جانب الفرات يضرب بها المثل ، ولقد اجتاز الحسين (عليه السّلام) هذا المنزل (العمق) إلى السليلية.

__________________

(١) انظر صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار ـ محمد بن عبد الله بن بليهد ٥ / ٦٥.

(٢) عن المخطوط.

٣٩

وواصلَ السيرَ بركبهِ إلى

ماءِ السّليلية وحاديهِ حَدا

(السليلية) : بفتح أوّله وكسر ثانيه ، بها آبار عجيبة ، والماء غير واسع. وقال أبو عبيدة : السليلية : ماء لبني برثن من بني أسد ، وإليه عنى جرير بقوله :

أيجمعُ قلبهُ طرباً إليكمْ

وهجراً بيتَ أهلكَ واجتنابا

ووجداً قد طويت يكادُ منه

ضميرُ القلبِ يلتهبُ التهابا

سألناها الشفاءَ فما شفتنا

ومنّتنا المواعدَ والخلابا

لشتانِ المجاورُ ديرَ أروى

ومَنْ سكنَ السليلةَ والجنابا

ذكر ابن بليهد (١) قال : السليل معروف بهذا الاسم ، وهو وادٍ واقع في بلاد غطفان ، أعلاه يُقال له : (السليلة) ، وفيه ماءة يُقال لها : (السليلة) أيضاً ، وماؤها مرّ. والسليل والسليلة باقيان على اسميهما من الجاهلية إلى هذا العهد. وقد اقتتلت عبس وأسد في السليل. وقال رجل من بني عمرو بن تعين :

لئن ختلتْ بنو عبسٍ بريّا

بغرّته فلم نختل سويدا

قلعنا رأسَهُ بسقيِّ سُمٍّ

كلون الملح مذروباً حديدا

فأوجرناهمُ منه فراحوا

وهم يوم السليلِ نعَوا شهيدا

وعن روح بن حازم ، عن أبيه ، عن جدّه : أنّ جدّه كلّم السليل بن زيد وأدركه بالسليلة. وعن حازم بن قطرى ، عن أبيه حدّثه أنّها كانت لرجل من بني سليم يُقال له : السليل بن زيد بن الحرث بن ذكوان ، فسمّيت باسمه ، وكان أوّل مَنْ اقتطنها. ومن السليلية إلى العمق ثمانية عشر ميلاً. وبالسليلية قصر ومسجد ، وهي للزبير بن العوام ، وبها بركة مربّعة ، ولها مصفاة ، وللمصفاة مسيل ماء ، وبها من الآبار الغليظة الماء المعمولة بالحجارة المنقوشة ست آبار ، وعلى أحد عشر ميلاً بركة تسمّى ضبّة ؛ والضبّة في واد يسرة عن الطريق مربّعة ، وإلى جانبها بئر فيه ماء كثير وبناء خرب ، وهو المتعشى. والجبل الذي قبالته يُقال له : ذات قرقر (٢). ومن السليلية سار الحسين بمَنْ معه إلى مغيثة.

__________________

(١) انظر صحيح الأخبار ـ محمد بن عبد الله بن بليهد النجدي ١ / ١٣٧.

(٢) عن المخطوط.

٤٠