الحسين في طريقه إلى الشهادة

علي بن الحسين الهاشمي

الحسين في طريقه إلى الشهادة

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات الشريف الرضي
المطبعة: النهضة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٠

المستشرقون (باكيدر) ، وقد ألّفت (ألمس بل) كتاباً ضخماً أسمته (القصر والجامع في الأخيضر) (١) ، ذكرت فيه : (هنالك بناية أو قرية تُدعى المقاتل ، وقد أشار إليه ياقوت بكونها إمّا بين عين التمر ودمشق ، أو قرب القطقطانة وسلام) (٢). ثمّ ذكرت : (وحالة قصر المقاتل ، وقد عدّ خطأ بكونه الأخيضر) (٣) ، وأيضاً ذكرت : (وهذا يقضي بي مرّة أخرى إلى القول أنّ قصر المقاتل قد كان يقوم في ما قبل الإسلام ، وفي العصر الأموي ، ثمّ خرب واستعاد بناءه عيسى بن علي. إنّ قصر المقاتل أُعيد بناؤه في مطلع العصر العباسي) (٤) (٥). وربّما يبعد عن الأخيضر اثنى عشر كيلو متراً ، وقد اندثر القصر ولم يبقَ من أثره إلاّ شبه تل ، وبالقرب من هذا التل عين نابعة تميل إلى الملوحة تسمّيها العرب (الأخيضرة) ، وهذه الأرض كلّها تسمّى طفّ العراق ، وأهالي النجف يسمّون المرتفع عليها شرقاً والمشرف على الطفّ (الطارات). وقال عبيد الله بن الحرّ الجعفي يذكر قصر مقاتل :

وبالقصرِ ما جرّبتموني فلم أخم

ولم أكُ وقّافاً ولا طائشاً فشلْ

وبارزتُ أقواماً بقصرِ مقاتلٍ

وضاربتُ أبطالاً ونازلتُ مَنْ نزلْ

__________________

ذكر صاحب كتاب (البادية) أنّ الناظر لهذه القصور يخيّل إليه أنّها بُنيت لغاية واحدة قد تكون مسالح ، أو مراكز دفاعية ، فإذا حدث اعتداء على أحد هذه القصور يكفي أن يشعل ساكنوها النار على سطح أحد القصور إيذاناً بالخطر ، فيأخذ سكّان القصر الثاني ، أو القلعة الثانية الحذر فيشعلون النار أيضاً ؛ تنبيهاً للقصر الثاني ، وهي طريقة دفاعية في غاية الإحكام. انظر كتاب البادية / ١٤.

قلت : وكلّ هذه القصور موقعها في طفّ العراق المعروف اليوم عند أهالي النجف (بأرض البحر) ، وتوجد هناك آثار بعض الأديرة القديمة ، وسلسلة البنايات منها موجدة ، والعطشان في الجنوب ، وقلعة شمعون وبرداويل من جهة الشمال.

(١) ـ القصر والجامع في الأخيضر ـ باللغة الإنكليزية ـ ألمس بل ـ طبع انكلترا. أوكسفورد سنة ١٩١٤ م.

(٢) انظر ـ مس بل ـ القصر والجامع في الأخيضر ـ ص ١٦٢.

(٣) انظر ـ مس بل ـ القصر والجامع في الأخيضر ـ ص ١٦٤.

(٤) انظر ـ مس بل ـ القصر والجامع في الأخيضر ـ ص ١٦٨.

(٥) ترجم لي هذه الكلمات الاُستاذ الكبير (كوركيس عوّاد) مدير مكتبة المتحف العراقي ببغداد.

١٢١

فَلا كوفَةٌ أُمّي وَلا بَصرَةٌ أَبي

وَلا أَنا يثنيني عَنِ الرِّحلَةِ الكَسَلْ

فَلا تَحسبني اِبنَ الزُّبَير كَناعِسٍ

إِذا حَلَّ أَغفى أَو يُقالُ لَهُ اِرتَحَلْ

فَإِن لَم أزرك الخَيل تردي عَوابِساً

بِفُرسانِها حَولي فَما أَنا بِالبَطَلْ

وهذا هو عبيد الله بن الحرّ الجعفي الذي التقى به الحسين (عليه السّلام) في قصر مقاتل. ذكر صاحب در النظيم في بعض فصوله ، راوياً عن أبي مخنف أنّه قال : لمّا نزل الحسين (عليه السّلام) قصر بني مقاتل رأى فسطاطاً مضروباً ، فقال : «لمَنْ هذا الفسطاط؟». فقيل : لعبيد الله بن الحرّ الجعفي ، وكان معه الحجّاج بن مسروق الجعفي ، وزيد بن معقل الجعفي ، فأرسل الحسين (عليه السّلام) الحجّاج إليه يدعوه ، فلمّا أتاه قال له : يابن الحرّ ، أجب الحسين بن علي بن أبي طالب. فقال له : أبلغ الحسين عنّي وقل له : إنّي لم أخرج من الكوفة إلاّ فراراً من دمك ، ولئلاّ أعين عليك ، والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة. فجاء الحجّاج وبلّغ الحسين مقالته ، فعظم ذلك على الحسين (عليه السّلام) ، ثمّ إنّه دعا بنعليه فركبهما ، وأقبل يمشي حتّى دخل على عبيد الله وهو في الفسطاط ، وكان الحسين (عليه السّلام) عليه جبّة خز وكساء وقلنسوة (١) ، فلمّا رأى الحسين مقبلاً قام إليه إجلالاً ، وأوسع له عن صدر المجلس حتّى أجلسه بمكانه. قال يزيد بن مرّة : حدّثني ابن الحرّ قال : دخل على الحسين (عليه السّلام) ولحيته كأنّها جناح غراب ، ما رأيت أحداً قطّ أحسن ولا أملا للعين من الحسين (عليه السّلام) ، ولا رققت لأحد قطّ كرقّتي على الحسين حين رأيته يمشي وأطفاله حواليه ، فالتفت الحسين (عليه السّلام) إلى عبيد الله وقال له : «ما يمنعك يابن الحرّ أن تخرج معي؟». فقال : لو كنت ممّن كتب لك لكنت معك ، ولكن هذه خيلي المعدّة والأدلاّء من أصحابي ، وهذه فرسي الملحقة ، فوالله ما طلبت عليها شيئاً إلاّ أدركته ، وما طلبني أحد إلاّ فتّه ، فدونكها فاركبها حتّى تلحق بمأمنك ، وأنا ضمين لك بالعيالات حتّى أؤدّيهم إليك أو أموت أنا وأصحابي دونهم. وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لا يضمّني فيه أحد. فقال الحسين (عليه السّلام) : «هذه نصيحة

__________________

(١) انظر علي جلال الحسيني ـ الحسين ـ ج ١ ص ٩٧.

١٢٢

منك لي؟». قال : نعم ، فوالله الذي لا إله فوقه. فقال الحسين (عليه السّلام) : «إنّي سأنصحك كما نصحتني ؛ مهما استطعت أن لا تشهد وقعتنا ولا تسمع واعيتنا ؛ فوالله لا يسمع اليوم واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ أكبه الله على منخريه في النار». وفي الأمالي (١) : فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لا حاجة لنا فيك ، ولا في فرسك». ثمّ تلا قوله تعالى : (وَمَا كُنتُ مُتّخِذَ الْمُضِلّينَ عَضُداً) (٢) ، ثمّ فارقه الحسين (عليه السّلام). قال أهل السير : ولمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) ندم عبيد الله على عدم نصرته للحسين ، وصار يتحسّر لذلك ويتأسف بقوله :

فيا لكِ حسرةً ما دمتُ حيّاً

تَردّدُ بينَ حلقي والتراقِ

حسينٌ حينَ يطلبُ بذلَ نصري

على أهلِ الضلالةِ والنفاقِ

غداةَ يقولُ لي بالقصرِ قولاً

أتتركُنا وتزمعُ بالفراقِ

ولو أنّي اُواسيهِ بنفسي

لنلتُ كرامةً يومَ التلاقِ

مع ابن المصطفى روحي فداهُ

تولّى ثمّ ودّعَ بانطلاقِ

فلو فلقَ التلهفُ قلبَ حيٍّ

لهمَّ اليومَ قلبي بانفلاقِ

لقد فازَ الاُلى نصرَوا حسيناً

وخابَ الآخرونَ ذوو النفاقِ

وقال أيضاً يصف حزنه على الحسين (عليه السّلام) :

يبيتُ النشاوي من اُميّةَ نوّماً

وبالطفِّ قتلى لا ينامُ حميمُها

وأضحت قناةُ الدينِ في كفِّ ظالمٍ

إذا اعوجّ منها جانبٌ لا يقيمُها

فأقسمتُ لا تنفكُّ نفسي حزينةً

وعينيَّ تبكي لا يجفُّ سجومُها

حياتيَ أو تلقى اُميّةُ خزيةً

يذلُّ بها حتّى المماتِ قرومُها

وذكر الطبري (٣) أنّ عبيد الله بن زياد تفقّد أشراف أهل الكوفة فلم يرَ عبيد الله بن الحرّ الجعفي ، ثمّ جاءه بعد أيام حتّى دخل عليه ، فقال له : أين

__________________

(١) انظر أمالي الصدوق (ره).

(٢) سورة الكهف.

(٣) انظر ابن جرير الطبري ج ٦ ص ٢٧٠.

١٢٣

كنت يابن الحرّ؟ قال : كنت مريضاً. قال : مريض القلب أم مريض البدن؟ قال : أمّا قلبي فلم يمرض ، وأمّا بدني فقد مَنَّ الله عليَّ بالعافية. قال له ابن زياد. كذبت ، ولكنّك كنت مع عدوّنا. قال : لو كنت مع عدوك لرؤي مكاني ، وما كان مثل مكاني يخفى. قال : وغفل عنه ابن زياد غفلة فخرج ابن الحرّ فقعد على فرسه ، فقال ابن زياد : أين ابن الحرّ؟ قالوا : خرج الساعة. قال : عليّ به. فأحضرت الشرطة فقالوا له : أجب الأمير ابن زياد. فدفع فرسه ، ثمّ قال : أبلغوه عنّي أنّي لا آتيه طايعاً أبداً. ثمّ خرج حتّى أتى منزل أحمر بن أياد الطائي ، فاجتمع في منزله أصحابه ، ثمّ خرج حتّى أتى كربلاء فنظر إلى مصارع القوم فاستغفر لهم هو وأصحابه ، ثمّ مضى حتّى نزل المدائن ، وقال في ذلك :

يـقـولُ أمـيـرٌ غادرٌ وابنُ غادرِ

ألا كـنتَ قاتلتَ الحسينَ بنَ فاطمهْ

فـيـا نـدمي أن لا أكونَ نصرتُهُ

ألا كـلُّ نـفـسٍ لا تـسـدّدُ نادمهْ

وإنّـي لأنّـي لـم أكـن من حماتِهِ

لـذو حـسـرةٍ ما أن تفارق لازمهْ

سـقـى اللهُ أرواحَ الـذينَ تآزروا

عـلى نصرهِ سُقياً من الغيثِ دائمهْ

وقـفـتُ عـلـى أجداثهِم ومحالِهِمْ

فـكادَ الـحشا ينقضُّ والعينُ ساجمهْ

لَعمري لقد كانوا مصاليتَ في الوغى

سـراعاً إلى الهيجا حماةً ضراغمهْ

فـإن يـقـتـلـوهُم كلُّ نفسٍ تقيةٍ

على الأرضِ قد أضحت لذلكَ واجمهْ

ومـا أن رأى الراؤون أفضلَ منهمُ

لدى الموتِ ساداتٍ وزهرٍ قماقمهْ (١)

أتـقـتـلـهُـم ظلماً وترجو ودادَنا

فدعْ خـطّـةً ليست لنا بملائمهْ

لَـعـمـري لـقد راغمتمونا بقتلهِمْ

فكـم نـاقـمٌ منّا عليكم وناقمهْ

أهمُّ مـراراً أن أسـيرَ بجحفلٍ

إلى فئةٍ زاغت عن الحقِّ ظالمهْ (٢)

فـكـفّوا وإلاّ ذدتُـكـمْ في كتائبٍ

أشـدُّ عـلـيكم من زحوفِ الديالمهْ

__________________

(١) قماقمه : مفردها قمقام ، السيد الكثير العطاء.

(٢) زاغت : أي مالت عن الحقّ.

١٢٤

والفتح ما هو ـ أي الشهادة وهذه الكلمة قالها الحسين (عليه السّلام) بكتابه إلى أخيه محمد بن الحنفيّة ، كتب إليه : «أمّا بعد ، فمَنْ لحق بي منكم استشهد ، ومَنْ لم يلحق بي لم يبلغ الفتح ، والسلام» (١) ، فأنزل الحسين (عليه السّلام) الشهادة بمنزلة الفتح ، وأي فتح أعظم من هذا؟ فقد ورد في الزيارة : «أخرج عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة». وقد هدّ عرش اُميّة ، وجدّد دين جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بشهادته (عليه السّلام). قال أرباب التاريخ : ولمّا كان في آخر الليل أمر الحسين (عليه السّلام) بالرحيل ، فسار من قصر مقاتل ، ولمّا طلع الفجر نزل وصلّى بأصحابه ، ثمّ ركب وأخذ يتياسر بهم ، وكلّما أراد أن يميل نحو البادية يمنعه الحرّ بن يزيد ويردّه وأصحابه نحو الكوفة (٢) جهة الشرق حتّى وافى كربلاء.

ولم يفارقهُ (الرياحيُّ) إلى

أن وقفَ الطرفُ بسبطِ المصطفى

فضيّقَ الحرُّ عليهِ قائلاً

حطّ عصا الترحالِ يابنَ المرتضى

فقالَ دعنا أن نسري غلوةً

فقالَ لا تنزلُ إلاّ بالعرا

الرياحي : هو (الحرّ بن يزيد الرياحي) ، وقد مرّت ترجمته مفصّلاً. والغلوة : رمية سهم ، وعن الليث : الفرسخ التام خمسة وعشرون غلوة (٣). قال أرباب التاريخ : ولمّا حاذى الحسين بسيره نينوى إذا براكب على نجيب عليه السلاح متنكباً قوسه مقبلاً ، فوقفوا ينتظرونه ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسين (عليه السّلام) ، فدفع إلى الحرّ كتاباً من ابن زياد ، وإذا فيه : أمّا بعد ، فجعجع بالحسين حتّى يبلغك كتابي ، ويقدم عليك رسولي ، فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام. فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحرّ : هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني

__________________

(١) انظر محمد بن الحنفيّة للمؤلّف.

(٢) انظر عمر أبو النصر ـ الحسين بن علي حفيد محمد بن عبد الله ـ ص ١٠٧.

(٣) انظر ابن منظور ـ لسان العرب ـ مادة : غلو.

١٢٥

أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وقد أمر رسوله أن لا يفارقني حتّى أنفذ أمره. وأخذهم الحرّ بالنزول على غير ماء ولا في قرية ، فقالوا : دعنا ننزل في نينوى ، أو ننزل بالغاضرية ، أو شفية. فقال : لا أستطيع ، هذا الرجل قد بُعث عيناً عليَّ ، فقال زهير بن القين للحسين (عليه السّلام) : أنّه لا يكون والله بعد ما ترون إلاّ ما هو أشدّ منه يابن رسول الله ، أنّ قتال هؤلاء أهون علينا من قتال مَنْ يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به ، فهلم نناجز هؤلاء. فقال الحسين (عليه السّلام) : «إنّي أكره أن أبدأهم بالقتال». قالوا : وصار الحسين (عليه السّلام) يسأل عن اسم هذه الأرض.

فسألَ الحسينُ ما اسمُ هذهِ ال

أرضِ فقالَ القومُ تُدعى نينوى

(نينوى) : بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح النون ، بوزن طيطوى ، وهي قرية يونس بن متّى.

قال الحموي (١) : وبسواد الكوفة ناحية يُقال لها : نينوى ، منها كربلاء التي قُتل بها الحسين (عليه السّلام). ذكر ابن أبي طاهر أنّ الشعراء اجتمعوا بباب عبد الله بن طاهر فخرج إليهم رسوله ، وقال : مَنْ يضف إلى هذا البيت على حروف قافيته بيتاً؟ وهو :

لم يصح للبينِ منهم صردٌ

وغرابٌ لا ولكن طيطوى

فقال رجل من أهل الموصل :

فاستقلّوا بكرةً يقدمهمْ

رجلٌ يسكنُ حصنَي نينوى

فقال عبد الله بن طاهر للرسول : قل له تصنع شيئاً ، فهل عنده غيره؟ فقال أبو سناء القيسي :

وبنبطيَّ طفا في لجةٍ

قالَ لمّا كظّه التغطيطُ وى

فصوّبه ، وأمر له بخمسين ديناراً.

ونينوى تقع شرقي كربلاء ، وهي الآن سلسلة تلول أثرية ممتدّة منها ، من جنوب سدّة الهندية حتّى مصبّ نهر العلقمي في الأهوار ، وتعرف بتلول نينوى.

__________________

(١) انظر ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ـ ج ٨ ص ٣٦٨.

١٢٦

ويتفرّع منها نهر العلقمي هذا من نهر الفرات الذي كأن يجري من أعالي الأنبار إلى بابل في نقطة تقع شمال نينوى. قال شيخنا المظفّري (١) : كانت قرية مسكونة ، وأراد الحسين (عليه السّلام) النزول بها عندما قال للحرّ : «دعنا ننزل القرية ـ يعني نينوى ـ أو هذه ـ يعني الغاضرية ـ أو هذه ـ يعني شفية ـ». فأجابه الحرّ : هذا رجل قد بُعث عيناً عليَّ ... إلخ. وذكر الشيخ الطوسي ، وتابعه الشيخ النوري : أنّها قرية إلى جنب حائر الحسين (عليه السّلام) ، ولكن الشيخ المفيد (ره) يذكر أنّ نزول الحسين (عليه السّلام) بنفس نينوى ، وإنّه لم ينزل القرية العامرة. وذكر الطبري (٢) قال : حتّى انتهوا إلى نينوى ، المكان الذي نزل به الحسين (عليه السّلام) ، وهي تمتدّ من أراضي السليمانية اليوم إلى سور بلدة كربلاء المعروف (بباب طويريج) اليوم ، كما تمتدّ الغاضرية من سور كربلاء من الموضع المعروف (بباب الحسينية) إلى قرب مرقد (عون) ، أو إلى (خان العطيشي). ونينوى هي اليوم الموضع المعروف (بباب طويريج) شرقي كربلاء كما حقّقها وأثبتها العلاّمة المظفّري ، وحتى ناقش بإثباته وتحقيقاته سيّدنا الحجّة الشهرستاني (أيّده الله) ؛ إذ قال : إنّها السدّة الهندية اليوم ، وربّما تكون هي أقرب المواضع إلى مصرع الحسين (عليه السّلام). وفي حديث أبي بكر بن عيّاش : أنّه خرج من قنطرة الكوفة حتّى انتهى إلى نينوى ، وقد ذكرها الشعراء بمراثيهم منها قول بعضهم يصف أصحاب الحسين (عليه السّلام) :

ومذ أخذتْ في نينوى منهمُ النوى

ولاحَ بها للغدرِ بعضُ العلائمِ

غدا ضاحكاً هذا وذا متبسّماً

سروراً وما ثغرُ المنونِ بباسمِ

لقد صبروا صبرَ الكرامِ وقد قضوا

على رغبةٍ منهم حقوقَ المكارمِ

ولشيخنا المظفّري مطلع قصيدته ذكر نينوى ، قال :

قف على نينوى وحيي رُباها

بقعة شرُفتْ فطاب ثراها

__________________

(١) انظر الشيخ عبد الواحد المظفري ـ بطل العلقمي ـ ج ٣ ص ٣٥١.

(٢) انظر ابن جرير الطبري ـ ٦ ص ٢٣٢.

١٢٧

قالوا : فقال الحسين (عليه السّلام) : «هل لها اسم غير هذا؟». فقالوا : العقر.

أغير ذا اسمٌ لها قالوا بلى

العَقرُ فاستعوذَ من كلِّ بلا

(العقر) : بفتح أوله وسكون ثانيه. قال الخليل : سمعت أعرابياً من أهل (الصمان) يقول : كلّ فرجة تكون بين شيئين فهو عقر. قال : ووضع يديه على قائمتي المائدة ونحن نتغدى فقال : ما بينهما عقر. قال علماء الجغرافية : وهناك عقر يُقال له : عقر سلمى لبني نبهان عن يسار المصعد إلى مكّة ، هذا بالحجارة ذكره البكري (١) قال : ثمّ يلي الجبل العقر. وذكر الدينوري (٢) عند وصول الحسين إلى كربلاء ، قال : فقال زهير بن القين : فهاهنا قرية بالقرب منّا على شطّ الفرات ، وهي عاقول (٣) حصينة الفرات ، يحدق بها إلاّ من وجه واحد. فقال الحسين (عليه السّلام) : «وما اسم تلك القرية؟». فقال : العقر. فقال الحسين (عليه السّلام) : «نعوذ بالله من العقر». والذي يتتبّع آثار العراق القديمة يجد أنّ هناك عدّة قرى ومدن كانت تسمّى (بالعقر) ؛ منها قرية تقع على شطّ دجلة فوق تكريت ، وقد مرّ بها الرحالة ابن بطوطة عام ٧٢٧ هـ (٤) ، فقال عنها ما نصه : ثمّ رحلنا ـ أي من تكريت ـ منها مرحلتين ، ووصلنا إلى قرية تُعرف بالعقر على شطّ دجلة ، وبأعلاها ربوة كان بها حصن ، وبأسفلها الخان المعروف (بخان الحديد) ، له أبراج ، وبناؤه حافل. والقرى والعمارة متّصلة من هناك إلى الموصل ، ومنها قرية بالقرب من كربلاء ، وهذه التي أشار أحد أصحاب الحسين (عليه السّلام) عليه بأن يسير وينزل لحصانتها ، ثمّ نجد هناك آثار قريتين مندرستين تقعان على الفرات جنوب الأنبار ـ الفلوجة اليوم ـ يُقال لهما : عقر الغربي ، وهي التي أشار إليها زهير على الحسين أن ينزلها (٥).

__________________

(١) انظر البكري ـ معجم ما استعجم ـ ص ٧١٨ ، طبع أوربا.

(٢) انظر الدينوري ـ الأخبار الطوال ـ ص ٢٢٦.

(٣) العاقول : منعطف الوادي والنهر.

(٤) انظر ابن بطوطة ـ رحلته ص ١٤٨.

(٥) انظر أحمد سوسه ـ وادي الفرات ـ ج٢ منه.

١٢٨

وفي بدرة في الجانب الثاني تل يُقال له : العقر ، وإلى جانبه شيّدت حكومتنا العراقية دوراً للموظّفين ، ويوجد أيضاً تل كبير في قضاء الشامية من أراضي (عشيرة الكرد) يسمّى (عقر) ، وهذا الاسم يشمل جميع الأراضي الزراعية المحيطة به. وقد مررت عليه عام ١٣٤٧ هجـ ، وشاهدت عليه بعض البيوت مقامة ، وهي من سعف النخل والقصب لم يزل حتّى اليوم حواليه الأرض الزراعية التي قد أوقفها السيد عماد الدين وبهاء الدين على أبنائهما ذكوراً وإناثاً ، وقد أثبتا تلك الوقفية بخطّ ابن إختهما العلاّمة الحلّي ، ولم يزل حتّى الآن السادة المعروفون (بـ آل بهية) ، والعماديون يتصرّفون ببعض العقر ، وإن ابتزّ بعض ذوي السلطة قسماً منها. وعقر بابل ينسب إليها أبو الدرّ لؤلؤ بن أبي الكرم بن فارس العقري. قال صاحب اللباب (١) : هذه النسبة إلى العقر ، وهي قرية على طريق بغداد إلى الدسكرة ، وعقر كربلاء غيره عقر بابل. ففي عقر بابل قُتل يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة سنة ١٠٢ هـ ، وكان قد خلع طاعة بني مروان ، ودعا إلى نفسه فأطاعه أهل البصرة والأهواز وفارس وواسط ، فخرج في مئة وعشرين ألفاً ، فندب له يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فوافقه بالعقر من أرض بابل ، فأجلت الحرب عن قتل ابن المهلّب. وكانوا يقولون : ضحّى بنو حرب بالدين يوم كربلاء ، وضحّى بنو مروان بالمروءة يوم العقر. وقال الفرزدق يشبب بعاتكة بنت عمرو بن يزيد الأسدي ، زوج يزيد بن المهلّب :

إذا ما المزونيّات أصبحنَ حسّراً

وبكينَ أشلاءً على عقرِ بابلِ

وكم طالبٍ بنتَ الملاءةِ إنّها

تذكّرُ ريعانَ الشبابِ المزايلِ

وذكرها الشعراء بمراثيهم للحسين (عليه السّلام) ، فللعلاّمة المظفّري قوله :

فسل عقرَ الطفوفِ تجد لديهِ

تفاصيلاً لفاجعةِ الطفوفِ

فسأل الحسين (عليه السّلام) : «هل لها اسم غيره؟». فأخبروه يُقال لها : كربلاء.

__________________

(١) انظر اللباب ج ٦ ص ١٤٥ ، طبع القاهرة.

١٢٩

قالَ أجل فهل تُسمّى غير ذا

قالوا بلى هذي تسمّى كربلا

(كربلاء) : بالمدّ ، موضع في طرق البريّة عند الكوفة. فأمّا اشتقاقها فمن كربلة ، والكربلة : رخاوة القدمين ، يُقال : جاء يمشي مكربلاً ، فيجوز أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسمّيت بذلك. والكربل : اسم نبت (الحماض) ، فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر هناك. وتقع كربلاء على خطّ الطول ٤٣ درجة و ٥٥ دقيقة شرقي (غرنج) ، وعلى خطّ العرض ٣٤ درجة و ٤٥ دقيقة تقريباً شمال خطّ الاستواء ، وفي المنطقة المعتدلة الشمالية. ذكر المؤرّخون أنّ كربلاء كانت في عهد البابليّين معبداً لسكان بلدتي نينوى وعقر بابل الكلدانيتين الواقعتين بالقرب منها ، والاسم محرّف من كلمتي (كرب) بمعنى مصلّى ، أو معبد ، أو حرم ، و (أبلا) بمعنى إله باللغة الآرامية ، أي حرم الإله (١). ولمّا فتح الساسانيون العراق على عهد (شابور ذي الأكتاف) قسّموا العراق إلى إستانات (٢) ، وكلّ إستانة إلى (طسج) (٣) ، وهذه الطساسيج إلى رساتيق (٤) ، فأصبحت الأراضي الواقعة بين (عين التمر) (٥) والفرات طسجاً من طساسيج الإستانة ، وسمّيت (بهفباد الأوسط). وكانت تتألف من ستة طساسيج : طسج بابل ، طسج خطرنية ، طسج فلوجة الفلى ، طسج فلوجة العليا ، عين التمر ، طسج النهرين. وفي طسج النهرين يقول دعبل بن علي الخزاعي (٦) في قصيدته التائية :

__________________

(١) خطط الكوفة ـ للمستشرق ماسنيون الإفرنسي ـ ترجمة تقي الدين المصعبي.

(٢) الإستانة : ولاية.

(٣) الطسج : أي قضاء.

(٤) رساتيق والرستاق الناحية.

(٥) المعروفة اليوم ـ بشفاثة ـ.

(٦) هو دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم الخزاعي ، ويكنّى أبا علي ، وهو شاعر مطبوع ، وكان شاعر الرضا (عليه السّلام) ، والمنشد له قصيدته التي يقول في مطلعها :

١٣٠

نفوسٌ لدى النهرينِ من أرضِ كربلا

معرّسهم فيها بشطِّ فراتِ

__________________

مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ

ومنزلُ وحي مقفرُ العرصاتِ

وهذه القصيدة من أروع ما نظم ، فكافأه الرضا (عليه السّلام) عليها عشرة آلاف درهم ممّا ضرب باسمه (عليه السّلام) ، وكان (رحمه الله) يهجو بحقّ ؛ حيث يشاهد المنكرات من أصحاب السلطة والأمراء ، ولم يقف عند حدّه في هجائهم ، بل صار يهجو الخلفاء كالرشيد والمأمون والمعتصم ، وكان هجاؤه من باب الاحتجاج عليهم ، وإظهار منكراتهم للناس ، وتلاعبهم بالشريعة والأحكام ، فمن هجائه للمعتصم قوله :

بَـكى لِـشَتاتِ الـدينِ مُكتَئِبٌ صَبُّ

وَفـاضَ بِفَرطِ الدَمعِ مِن عَينِهِ غَربُ

وقامَ إمـامٌ لـم يكن ذا هدايةٍ

فـلـيـسَ لـهُ دينٌ وليسَ لهُ لبُّ

وَمـا كـانَتِ الأَنـباءُ تَـأتي بِـمِثلِهِ

يُـمَلَّكُ يَـوماً أَو تَـدينُ لَـهُ العُربُ

وَلَـكِن كَـما قـالَ الَّـذينَ تَـتابَعوا

مِنَ السَلَفِ الماضي الَّذي ضَمَّهُ التُربُ

ملوكُ بني العباسِ في الكتبِ سبعةٌ

ولم تـأتـنا عن ثامنٍ لهمُ كتبُ

كـذلكَ أهـلُ الكهفِ في العدِّ سبعةٌ

خـيـارٌ إذا عُـدّوا وثـامنهم كلبُ

وَإِنّـي لأُعـلي كَـلبَهُم عَـنكَ رِفَعَةً

لأَنَّـكَ ذو ذَنـبٍ وَلَـيسَ لَـهُ ذَنبُ

لَـقَد ضاعَ أَمرُ الناسِ إِذ ساسَ مُلكَهُم

وَصَـيفٌ وَأَشناسٌ وَقَد عَظُمَ الكَربُ

وعندما بلغه نعي المعتصم قال :

قد قلتُ إذ غيّبوه وانصرفوا

فـي شـرِّ قبرٍ لشرِّ مدفونِ

اِذهَـب إِلى النارِ وَالعَذابِ فَما

خِـلـتُكَ إِلاّ مِـنَ الـشَياطينِ

ما زلتَ حتّى عقدتَ بيعةَ من

أضرّ بـالمسلمينَ والدينِ

ومن شعره يهجو المتوكّل بقوله :

وَلَستُ بِقائِلٍ قَذَعاً وَلَكِن

لأَمـرٍ ما تَعَبَّدَكَ العَبيدُ

قالوا : يرميه في هذا البيت بالإبنة :

يـا معشرَ الأجنادِ لا تقنطوا

وارضوا بما كانَ ولا تسخطوا

فـسـوفَ تُـعـطونَ حُنينيةً

يـلـتذّها الأمـردُ والأشمطُ

والـمـعـبدّياتُ لـقـوّادكمْ

لا تـدخلُ الكيسَ ولا تربطُ

وهكـذا يـرزقُ قـوادَهُ

خـلـيـفةٌ مصحفهُ البربطُ

وقوله في المأمون :

أيـسومني المأمونُ خطّةَ عاجزٍ

أوَ ما رأى بالأمسِ رأسَ محمّدِ

إنّـي مـن الـقومِ الذين عهدتهمْ

قـتـلوا أخاكَ وشرّفوكَ بمقعدِ

شادوا بذكركَ بعد طولِ خمولهِ

واستنقذوكَ من الحضيضِ الأوهدِ

قُتل (رحمه الله) بناحية الأهواز في قرية قرب السوس ودفن بها ٌ وذلك في سنة أربعين ومئتين ، وكان حينذاك توفّى أبو تمام بالموصل ، فرثاهما صديقهما البحتري بقوله :

١٣١

وقد سمّي الطسج السادس (بطسج النهرين) ؛ لوقوعه بين (خندق شابور ونهر العلقمي). ولمّا فتح المسلمون العراق في عهد عمر بن الخطاب (رض) سنة ١٤ هـ بقيادة سعد بن أبي وقّاص الذي أمر ابن عرفطة بفتح طسج النهرين ففتحه ، اتّخذ كربلاء بادئ ذي بدء مأوى لجيوش المسلمين ومركزاً لقيادتهم ، ثمّ بعد ذلك رحلوا عنها إلى الكوفة ؛ لوخامتها ورداءة مناخها وقتئذ ، فاستبدل الإسلام اسم الإستانة إلى (كور) ، وعرف هذا الطسج السادس (بكور بابل). وقد أخطأ بعض المؤرّخين بتسميتها (بكور بابل) ، والصحيح كما مرّ اسمها (كربلاء) ، وقسّم الإسلام أيضاً طسج النهرين إلى عدّة قرى ، فسمّيت كلّ قرية باسمها الخاصّ منها نينوى.

(نينوى) : تقع شرقي كربلاء اليوم ، وهي الآن سلسلة تلول أثرية ممتدّة من جنوب سدّة الهندية حتّى مصبّ نهر العلقمي في الأهوار ، وتعرف (بتلول نينوى) ، ويتفرّع منها نهر العلقمي هذا من نهر الفرات الذي كان يجري من أعالي الأنبار إلى بابل في نقطة تقع شمال نينوى ، والعقر وعين التمر يقعان غربي كربلاء. قال شيخنا المظفّري (١) في تحقيقاته عن بلاد كربلاء : الاسم الحائز على الشهرة العظيمة التي طويت الأجيال ، ولفت العصور لقداستها بما حوته من جثمان سيّد شباب أهل الجنة ، سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وريحانته الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). هي بالأصل اسم لموضع خاصّ من مواضع هذه الأرض الواسعة الفسيحة غلب على الصقع بأسره ، وهو من دونها موضع قاحل ، أرضه جرداء لا نبات بها سوى الحلفاء وبعض الأدغال ، وليس فيها ماء في ذلك الوقت ولا سكّان ، وبهذا الموضع نزل الحسين (عليه السّلام) أوّلاً ، ثمّ تركه ونزل المخيّم المعروف الآن (بالخيمكاه) بلسان الفرس ، فإنّهم أنزلوه به كرها ؛ امتثالاً

__________________

قَد زادَ في كَمَدي وَأَضرَمَ لَوعَتي

مَـثوى حَبيبٍ يَومَ بانَ وَدِعبِلِ

أَخَـوَيَّ لا تَـزَلِ السَماءُ مُخيلَةً

تَـغشاكُما بِـسَماءِ مُزنٍ مُسبِل

جَـدَثٌ عَلى الأَهوازِ يَبعُدُ دونَهُ

مَـسرى النَعِيِّ وَرَمَّةٌ بِالمَوصِلِ

(١) انظر المظفّري ـ بطل العلقمي ـ ٣ / ٣٢٤.

١٣٢

لأمر اللعين ابن زياد في أن ينزلوه بالعراء على غير ماء ولا كلاء. ولمّا علم منهم التصميم على قتاله ، واختبر الأرض فوجدها لا تصلح للحرب ؛ إذ إنّها مكشوفة. وليس بها ملجأ ، ولا لأصحابه وعيالاته من مكان يعتصمون به من غارة العدو ، ورأى قريباً منها تلك التلاع الثلاث التي يتمكّن لو جعلها خلف ظهره ، ويحتمي بها وقت المصاولة ، فارتحل من منزله الأوّل وبه استشهد. وموضع نزوله الأوّل معروف لحد الآن ، وعوام أهل كربلاء من القرويين يعرفونه باسم (كربلة) مفخّماً ، ولأجل نزول الحسين (عليه السّلام) به غلب اسمه على تلك المنطقة بأسرها فسمّيت به عامّة المواضع. وقد ظهر لي بالسؤال من أهل تلك النواحي ، والنقل عن أهل الخبرة من أهل العلم أنّ بها موضعين ، كلّ واحد منهما يُقال له : كربلة (بالتفخيم) ؛ أحدهما : ما وصفه لي بعض المطّلعين أنّه في بادية كربلاء ، يبعد عن البلدة مقدار ستة أميال تقريباً إلى الجنوب الشرقي من قرية (الرزّازة) (قرية ابن هذّال) أحد زعماء عنزة (اعنزة). والثاني : ما وصفه الميرزا النوري (ره) في كتابه (نفس الرحمن) ، ولفظه : وأمّا كربلاء : فالمعروف عند أهل تلك النواحي أنّها قطعة من الأرض الواقعة في جنب نهر يجري من قبلي سور البلد ، يمر بالمزار المعروف (بابن حمزة) منها بساتين ومزارع ، والبلد واقع بينها ، انتهى. يعني مزار ابن حمزة وكربلاء. ثمّ تحقّقنا من بعض الخبراء المطّلعين من أهل البلد ، فقال : نعم ، كربلة مقاطعة على طريق المتّجه إلى بغداد ، مجاورة للوند مقاطعة (السيد قاسم الرشتي) (١) ؛ فعلى هذا يجوز أن تكون الأرض كلّها من الوند إلى ما فوق الرزّازة تسمّى كربلاء ، وهو اسمها اليوم عند أهل البادية والقرويين ، وسمّيت به البلدة للمجاورة. روى الجنابذي (٢) مرفوعاً إلى الأصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال : أتينا مع علي

__________________

(١) السيد قاسم الرشتي ، كان علماً من أعلام كربلاء ، وشخصيّة علميّة ، وملاّكاً في الوقت نفسه.

(٢) انظر الحافظ عبد العزيز الجنابذي ـ معالم العترة ـ.

١٣٣

رضي الله عنه في سفره فمررنا بأرض كربلاء ، فقال علي (عليه السّلام) : «ها هنا مناخ ركابهم ، وموضع رحالهم ، ومهراق دمائهم ؛ فئة من آل محمد (صلّى الله عليه وآله) يُقتلون في هذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض» (١). وروى الشيخ فخر الدين الطريحي (ره) (٢) قال : كربلاء موضع معروف ، وبها قبر الحسين بن علي (عليه السّلام) ، وروى أنّه اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل (نينوى ، والغاضرية) بستين ألف درهم ، وتصدّق بها عليهم ، واشترط عليهم بأن يرشدوا إلى قبره ، ويضيّفوا مَنْ زاره ثلاثة أيّام ، وقد رووه عن الأئمة الطاهرين ، فهم لا يتردّدون في صحته ، ولا يرتابون فيه. أقول : إنّي لا أشك أنّ الحسين (عليه السّلام) لمّا علم أنّ القوم غير تاركيه ، وأنّهم سوف يقتلونه وينتهبون ثقله كما جرى ذلك ، فكلّ ما كان يحمله من النقد دفعه إلى بني أسد من أهل السواد ، وطلب (عليه السّلام) ابتياع هذه البقعة منهم. والذي يحقّق ذلك أنّ أهل الكوفة بعد مقتله حصلوا على غنائم وافرة ، بل على كلّ متاع الحسين (عليه السّلام) نهباً ، وذكروا أشياء منه حتّى الورس وغيره ، ولم يذكروا هناك أنّهم عثروا على نقود في متاعه عندما انتهبوه ؛ فعلى هذا صح أنّ الحسين (عليه السّلام) دفع لبني أسد كلّ ما كان في خزانته ، وابتاع منهم هذه الأرض كي لا تضيع معالم قبره ؛ لعلمه (عليه السّلام) أنّ قبره سوف يكون مزاراً لشيعته من أمّة جدّه محمد (صلّى الله عليه وآله) ، وقد ذكرها الشعراء بأشعارهم. هذه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثي الحسين (عليه السّلام) ، وتذكر كربلاء ، وقولها :

وا حسيناً فلا نسيتُ حسينا

أقصدتهُ أسنّةُ الأعداءِ

غادروه بكربلاءَ صريعاً

لا سقى الغيثُ جانبي كربلاء

وذكر سبط ابن الجوزي في تذكرته أنّه قال السدي : أوّل مَنْ رثى الحسين (عليه السّلام) عقبة بن عمرو العبسي قال :

إذا العينُ قرّت في الحياةِ وأنتمُ

تخافونَ في الدنيا فأظلمَ نورُها

__________________

(١) انظر الشبلنجي ج ٢ ص ١٧١.

(٢) انظر فخر الدين الطريحي ـ مجمع البحرين ـ.

١٣٤

مررتُ على قبرِ الحسينِ بكربلا

ففاضت عليهِ من دموعي غزيرُها

وما زلتُ أبكيهِ وأرثي لشجوهِ

ويسعدُ عيني دمعُها وزفيرُها

وناديتُ من حولِ الحسينِ عصائباً

أطافت بهِ من جانبيهِ قبورُها

سلامٌ على أهلِ القبورِ بكربلا

وقلْ لها منّي سلامٌ يزورُها

سلامٌ بآصالِ العشيِّ وبالضحى

تؤدّيهِ نكباءُ الرياحِ ومورُها

ولا برحَ الزوّارُ زوارُ قبرهِ

يفوحُ عليهم مسكُها وعبيرُها

وهناك كثير ممّن نظم في مراثي الحسين (عليه السّلام) ، وذكر بشعره كربلاء.

(النواويس) : تقع شمال غربي كربلاء. والنواويس : جمع ناووس ، من القبر ما سدّ لحده (١). كانت بها مجموعة مقابر للنصارى في قديم العهد ، وللذين سكنوا هذه الأراضي في الأحقاب السالفة ، واليوم يُقال لها : أراضي (الجمالية) ، وفي شمال شرقها أراضي الفراشية. قالوا : وكانت النواويس قبل الإسلام مقبرة للأنباط والمسيحيين. وجاء ذكر النواويس في (مَنْ لا يحضره الفقيه) (٢) ، قال الصادق (عليه السّلام) : «إنّ النواويس شكت إلى الله (عزّ وجلّ) شدّة حرِّها ، فقال لها (عزّ وجلّ) : اسكتي ، فإنّ مواضع القضاء أشدّ حرّاً منك». قال الحموي في معجمه : الناووس والقبر واحد ، ولم يذكر نواويس كربلاء ، وقد ذكرها الحسين (عليه السّلام) في خطبته التي خطبها بمكة قبل خروجه منها ، قال (عليه السّلام) : «كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء». وجاء في (نفس الرحمن) للشيخ النوري : والنواويس مقابر النصارى كما في حواشي الكفعمي ، وسمعنا أنّها في المكان الذي فيه مزار (الحرّ بن يزيد الرياحي) من شاطئ الطفّ ، وهي ما بين الغرب وشمال البلد ـ يعني كربلاء ـ ، وقد ذكرها الشعراء بمراثيهم. ولشيخنا المظفّري من قصيدة له يرثي الحسين (عليه السّلام) ويذكر

__________________

(١) انظر القاموس ـ للفيروز آبادي.

(٢) انظر الشيخ الصدوق ابن بابويه القمي محمد بن علي بن الحسين المتوفّى سنة ٣٨١ هـ «من لا يحضره الفقيه».

١٣٥

النواويس :

عند النواويس أجسادٌ موزّعةٌ

من آلِ يس في صالٍ من البيدِ

(الطفّ) : بالفتح والفاء المشدّدة ، وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق. قال الأصمعي : وإنّما سمّيت طفّاً ؛ لأنّه دنا من الريف ، من قولهم : خذ ما طفّ لك واستطفّ ، أي ما دنا وأمكن. قال أبو سعيد : سمّي الطفّ ؛ لأنّه مشرف على العراق ، من أطفّ على الشيء بمعنى أطلّ. والطفّ : طفّ الفرات ، أي الشاطئ ، به قُتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) وأصحابه (١) ، وهي أرض بادية قريب من الريف. ذكر شيخنا السماوي (رحمه الله) في أرجوزته التاريخية بعض الأسماء الواردة في مواقع (كربلاء) ، قال :

(الطفُّ) ما أطلَّ بالإشرافِ

على العراقِ وعلى الأريافِ

أو ما علا فراتهُ من شطِّ

واختصّ في مثوى الحسينِ السبطِ

وسمّي (الحائرُ) وهو الدائرُ

إذ دارَ فيهِ الماءُ وهو حائرُ

لدن رأى هارون ثمّ جعفرُ

أن يُحرثَ القبرُ كما سنذكرُ

وذاك عشرونَ ذراعاً تضربُ

بمثلها فعمّ أقصى أقربُ

و (نينوى) لَقريةٍ قديمهْ

جدّد فيها يونسٌ أديمهْ

إذ قذفتهُ (النون) عاري البشرهْ

فأنبت اللهُ عليه الشجرهْ

وذاك في روايةٍ معروفهْ

قيل بها وقيل بل بالكوفهْ

لكنّما التسميةُ المذكورهْ

دلّت على الطرفةِ والباكورهْ

و (كربلا) لأنّ فيها رخوا

أو أنّها تنبت ورداً أحوى

أو (كورُ بابلٍ) كما يُقالُ

وخفّف اللفظةَ الاستعمالُ

و (الغاضرياتٌ) لأنّ غاضرهْ

من أسدٍ قد تخذته حاضرهْ

وفيه نهرٌ لهمُ أو أنهرُ

تُعرف في نسبتهمْ وتشهرُ

و (مشهدُ الحسين) حيث استشهدا

أو حيث ما يشهده مَنْ شهدا

__________________

(١) ذكر نظيره ابن بليهد ، انظر صحيح الأخبار ج ٥ ص ٢٣٧.

١٣٦

و (شاطئُ الفرات) عمّ ثمّ خصْ

لكنّ هذا نادرٌ لمَنْ فحصْ

وطوله (لج نه) والعرض (لدم)

لأحدث الأرصاد لا لذي قدم (١و ٢)

والحدّ منه خمسة الفراسخْ

في مثلها حرمة قبر شامخْ

وحدّ في أربعة بالمثلِ

ووجّهوه بازدياد الفضلِ

وذاك مثلُ ما يوجّه الخبرْ

بالحائرِ المحدودِ سبعة عشرْ

قال أبو دهبل الجمحي يرثي الحسين (عليه السّلام) ومَنْ قُتل معه بالطفّ ، وقيل : لسليمان بن قتة (٣).

مررتُ على أبياتِ آلِ محمدٍ

فلم أرها أمثالها يوم حلّتِ

ألم ترَ أنّ الشمسَ أضحت مريضةً

لفقدِ حسين والبلادَ اقشعرّتِ

وكانوا رجالاً ثمّ صاروا رزيةً

ألا عظمت تلكَ الرزايا وجلّتِ

أتسألنا قيسٌ فنعطي فقيرَها

وتقتلُنا قيسٌ إذا النعلُ زلّتِ

وعند غنيٍّ قطرةٌ من دمائنا

سنطلبُها يوماً بها حيث حلّتِ

فلا يبعدُ اللهُ الديارَ وأهلَها

وإن أصبحت منهم برغمي تخلّتِ

فإنّ قتيلَ الطفِّ من آلِ هاشمٍ

أذلَّ رقابَ المسلمينَ فذلّتِ

وجا فارسُ الأشقينَ بعدُ برأسهِ

وقد نَهِلت منه الرياحُ وعلّتِ (٤)

وقال أيضاً يذكر الطفّ :

تبيتُ النشاوى من اُميّة نوّماً

وبالطفِّ قتلى ما ينامُ حميمُها

وما أفسدَ الإسلامَ إلاّ عصابةٌ

تأمّر نوكاها فدامَ نعيمُها (٥)

فصارت قناةُ الدينِ في كفِّ ظالمٍ

إذا اعوجّ منها جانبٌ لا يقيمُها

__________________

(١) أي ٣٣ درجة و ٥٥ دقيقة.

(٢) أي ٣٤ درجة وأربعين دقيقة.

(٣) انظر الإصبهاني ـ مقاتل الطالبيِّين ـ ص ١٢١ ، مصر.

(٤) لم يذكر الإصبهاني في مقاتله هذا البيت ، وقد ذكره غيره من المؤرّخين.

(٥) نوكى : مفردها أنوك. والأنوك : الأحمق ، والأشد حمقاً ، والجاهل.

١٣٧

وذكر يحيى بن الحكم الطفّ بقوله :

لهامٌ بجنبِ الطفِّ أدنى قرابةً

من ابنِ زيادِ النغلِ ذي الحسبِ الوغلِ (١)

سميةُ أضحى نسلُها عددَ الحصى

وبنتُ رسولِ اللهِ ليست بذي نسلِ (٢)

وذكر مصعب بن الزبير الطفّ بقوله :

وإنّ الاُلى بالطفِّ من آلِ هاشمٍ

تأسّوا فسنّوا للكرامِ التآسيا

ولآخر يرثي الحسين (عليه السّلام) ويذكر الطفّ :

ابكِ حسيناً ليومِ مصرعِهِ

بالطفِّ بين الكتائبِ الخرسِ

أضحت بناتُ النبي إذ قتلوا

في مأتمٍ والسباعُ في عرسِ (٣)

ومن رثاء عقيلة الهاشميين زينب بنت الإمام علي (عليه السّلام) ، ترثي أخاها وتذكر الطفّ :

على الطفِّ السّلامُ وساكنيهِ

وروحُ اللهِ في تلكَ القبابِ

ولشقيقتها اُمّ كلثوم ترثي أخاها وتذكر الطفّ :

وإنّ رجالنا بالطفِّ صرعى

بلا دفنٍ وقد ذبحوا البنينا

وللسوسي يذكر الطفّ بشعره :

أأنسى حسيناً بالطفوفِ مجدّلاً

ومن حولهِ الأطهارُ كالأنجمِ الزُّهرِ

وللعوني أيضاً يذكر الطفّ :

فيا بضعةً من فؤادِ الرسولِ

بالطفِّ أضحى كثيباً مهيلا

ولابن جمال يذكر الطفّ :

وذكّرني بالنوحِ والحزنِ والبكا

غريبٌ بأكنافِ الطفوفِ فريدُ

__________________

(١) الوغل : المدّعي نسباً كاذباً ، يشير بهذا إلى زياد بن أبيه ونغله. والوغل : الدنيء أيضاً.

(٢) سمية : هي أم زياد ، كانت ذات علم في الجاهلية ، ومن العواهر الشهيرات.

(٣) انظر ابن قتيبة الدينوري ـ عيون الأخبار ـ ج ١ ص ٢١٢.

١٣٨

وللخليعي ذكر الطفّ بشعره :

أم كيف لا أبكي الحسينَ وقد غدا

شلواً بأرضِ الطفِّ وهو ذبيحُ

وللشرف الرضي يرثى جدّه الحسين (عليه السّلام) ويذكر الطفّ :

إنّ يومَ الطفِّ يومٌ

كانَ للدينِ عصيبا

لم يدع للقلبِ منّي

في المسرّاتِ نصيبا

لعنَ اللهُ رجالاً

ملؤوا الدنيا عيوبا

سالموا عجزاً ولمّا

قدروا شنّوا حروبا

طلبوا أوتارَ بدرٍ

عندنا ظلماً وحوبا

وجاء ذكر الطفّ في قصيدة مهيار الديلمي قائلاً :

نقضتم عهودهُ في أهلهِ

وجزتم عن سننِ المرسامِ

وقد شهدتم مقتلَ ابن عمّهِ

خيرُ مصلٍّ بعدهُ وصائمِ

وما استحلَّ باغياً إمامُكم

يزيدُ بالطفِّ من ابنِ فاطمِ

وها إلى اليومِ الظّبا خاضبةٌ

من دمهم مناسرَ القشاعمِ

وذكر ابن عساكر في ترجمة خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد من كلامه في قتل الحسين (عليه السّلام) :

أبني أميّةَ هل علمتُمُ أنّني

أحصيتُ ما بالطفِّ من قبرِ

صبَّ الإلهُ عليكُمُ عُصباً

أبناءَ جيشِ الفتحِ أو بدرِ

وأكثر الشعراء الذين رثوا الحسين (عليه السّلام) ذكروا الطفّ بشعرهم.

قال شيخنا المظفّري : وأمّا طفّ الكوفة ، وتسمّيه عوام هذا العصر بـ (الطارات) ، فيمتد من قرية (الشنّافية) (١) مجتازاً (بالحيرة) فالنجف الأشرف ،

__________________

(١) بلدة الشنّافية : هي إحدى بلدان العراق الواقعة على شطّ الفرات الأوسط ، وزعماؤها السادة آل (مقوطر) ، فمن مشاهيرهم السيد هادي مقوطر أحد أركان الثورة العراقية ، وكان من رجالها المرموقين (رحمه الله).

١٣٩

ويستمر مغرباً إلى عين التمر (شفاثة) ، ومن القطقطانية ينعطف إلى كربلاء. قلت : وفي هذا الطفّ عيون كثيرة ، منها باقية حتّى اليوم. قال ابن الفقيه : وعيون الطفّ منها مثل عين الصيد ، والقطقطانة ، والرهيمة ، وعين جمل ، وعين الرحبة (١). أقول : والتي وقفت عليها من تلك العيون ؛ الرحبة (٢) ، وعيـن الهـارمية (٣) ، وعين الحسن (٤) ، وهناك عين آل (الحياضية) ، وعين (العزية). وذكر البلاذري (٥) قال : كانت عيون الطفّ مثل عين الصيد (٦) ، والقطقطانة ،

__________________

(١) انظر ابن الفقيه ـ البلدان ـ ص ١٨٧ طبع ليدن.

(٢) قال البلاذري : كانت عين الرحبة ممّا طمّ قديماً ، فرآها رجل من حجّاج أهل كرمان وهي تنبض ، فلمّا انصرف من حجّه أتى عيسى بن موسى متنصّحاً فدلّه عليها ، فاستقطعها وأرضها ، واستخرجها له الكرماني ، فاعتمل ما عليها من الأرضين ، وغرس النخل الذي في طريق العذيب.

(٣) عين الهارمية : وقفت عليها غير مرّة ، وهي عين نابعة رائحتها نتنة. ماؤها يميل إلى السواد لشدّة زرقته. موقعها بين قطعة من النخيل تُعزى إلى (آل عنوز) جيراننا بالنجف ، ولن يُستفاد منها ، وهي غربي أراضي الهارمية ملك السيد عبد الله السيد عبد الزهرة ، متّصلة بمقاطعة أمّ حريجة.

(٤) عين الحسن : كان كثيراً ما يطرق سمعي اسمها ، فمررت عليها عام ١٣٥٥ هـ ، وذلك عندما ارتأت الحكومة العراقية أن يعود طريق الحجّ على ما كان أيّام الأمويّين والعباسيّين على النجف والرحبة ، خرجت لأشايع بعض الحجّاج إلى الرحبة ، ثمّ كان رجوعنا على طريق (الدسم) ، فمررنا على ضحضاح في سبخة وعليه لمّة من الناس ، فسألت ، فقالوا لي : هذه عين الحسن (عليه السّلام) ، وهم يتبرّكون بذلك الماء.

(٥) انظر البلاذري ـ فتوح البلدان ـ ص ٢٩٦ طبع الأزهرية.

(٦) عين صيد : قال البلاذري : أخبرني بعض الكريزين أنّ عين الصيد كانت ممّا طمّ ، فبينا رجل من المسلمين تحوّل فيها هناك إذ ساخت قوائم فرسه فيها فنزل عنه فحفر فظهر الماء ، فجمع قوماً عاونوه على كشف التراب والطين عنها وتنقيتها حتّى عادت إلى ما كانت عليه. ثمّ إنّها صارت بعد إلى عيسى بن علي ابتاعها من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وكانت عنده منهم اُمّ كلثوم بنت الحسين بن الحسن ، وكان معاوية أقطع الحسن بن علي عين صيد هذه عام تنازله من الخلافة مع غيرها ، وإنّما سمّيت عين صيد ؛ لأنّ السمك يجتمع فيها.

١٤٠