أسرار العربيّة

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

أسرار العربيّة

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


المحقق: بركات يوسف هبّود
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤

إذا قلت : «ما رأيته مذ يومان ومنذ ليلتان» كان المعنى فيه : «ما رأيته من أوّل اليومين إلى آخرهما ، ومن أوّل اللّيلتين إلى آخرهما» ، ولمّا (١) تضمّنا معنى الحرف (٢) ، وجب أن يبنيا ، وبنيت «مذ» على السّكون ؛ لأنّ الأصل في البناء أن يكون على السّكون ، فبنيت على الأصل ، وبنيت «منذ» على الضّمّ ؛ لأنّه لمّا وجب أن تحرّك الذّال ؛ لالتقاء السّاكنين بنيت على الضّمّ ... إتباعا لضمّة الميم ، كما قالوا في «منتن : منتن» فضمّوا التّاء إتباعا لضمّة الميم ؛ ومنهم من يقول : «منتن» فيكسر الميم إتباعا لحركة التّاء (٣) ، ونظير هذين الوجهين ، قراءة من قرأ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٤) فضمّ اللّام إتباعا لضمّة الدّال ، وقراءة من قرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٥) فكسر الدّال إتباعا لكسرة اللّام ؛ فلهذا ، كانت «مذ ، ومنذ» مبنيّتين ، وهما تختصّان بابتداء الغاية في الزّمان ، كما أنّ «من» تختصّ بابتداء الغاية في المكان ، وذهب الكوفيّون إلى أنّ «من» تستعمل في (الزّمان ، كما تستعمل في) (٦) المكان ، واستدلّوا على جواز ذلك ، بقوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ)(٧) ، فأدخل «من» على «أوّل يوم» وهو ظرف زمان ، ويستدلون (٨) ـ أيضا ـ بقول زهير بن أبي سلمى (٩) : [الكامل]

لمن الدّيار بقنّة الحجر

أقوين من حجج ومن دهر (١٠)

وما استدلّوا به لا حجّة لهم فيه ، أمّا قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى

__________________

(١) في (س) فلمّا.

(٢) في (ط) الحروف.

(٣) في (س) «كما قالوا في منتن : منتن بكسر الميم إتباعا لكسرة التّاء» ؛ وفيها زيادة إيضاح.

(٤) س : ١ (الفاتحة ، ن : ١ ، مك).

(٤) س : ١ (الفاتحة ، ن : ١ ، مك).

(٥) سقطت من (س).

(٦) س : ٩ (التّوبة ، ن : ١٠٨ ، مد).

(٧) في (س) ويستدلّ.

(٨) زهير : سبقت ترجمته.

(٩) قيل : إنّ هذا البيت مع آخرين بعده ، وضعها حمّاد الرّاوية في مطلع قصيدة زهير التي مدح بها هرم بن سنان. فلمّا أنشدها في مجلس هارون الرّشيد بحضور المفضّل الضّبّي ، قاطعه وحمله على الاعتراف بوضعها.

المفردات الغريبة : قنّة الحجر : اسم موضع ؛ والقنّة في اللّغة أعلى الجبل. الحجر : منازل قوم ثمود عند وادي القرى. حجج : جمع حجّة ، سنة ؛ وهي اسم زمان كالدّهر. أقوين :خلون من السّكّان.

موطن الشّاهد : (من حجج ومن دهر).

موطن الشّاهد : احتجّ بعضهم بهذا الشّاهد على استعمال «من» في الزّمان كاستعمالها في المكان. وقد فنّد المؤلّف هذه الحجّة في المتن.

٢٠١

التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) فالتّقدير فيه : «من تأسيس أوّل يوم» فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ؛ كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها)(١) والتّقدير فيه : أهل القرية ، وأهل العير ، وهذا كثير في كلامهم. وأمّا قول زهير / بن أبي سلمى / (٢) : «من حجج ومن دهر» فالرّواية فيه : «مذ حجج ، ومذ دهر» وإن صحّ ما رووه ؛ فالتّقدير فيه : «من مرّ حجج ، ومن مرّ دهر» كما تقول : «مرّت عليه السّنون ، ومرّت عليه الدّهور» فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه على ما بيّنّا ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) س : ١٢ (يوسف ، ن : ٨٢ ، مك).

(٢) زيادة في (ط).

٢٠٢

الباب الحادي والأربعون

باب القسم

[علّة حذف فعل القسم]

إن قال قائل : لم حذف فعل القسم؟ قيل : إنّما حذف فعل القسم لكثرة الاستعمال.

[الباء هي الأصل في حروف القسم وعلّة ذلك]

فإن قيل : فلم قلتم : إنّ الأصل في حروف القسم الباء دون غيرها ، يعني الواو والتّاء؟ قيل : لأنّ فعل القسم المحذوف فعل لازم ، ألا ترى أنّ التّقدير في قولك : «بالله لأفعلنّ : أقسم بالله ، أو أحلف بالله» والحرف المعدّي من هذه الأحرف هو «الباء» ؛ لأنّ «الباء» هو الحرف الذي يقتضيه الفعل ، وإنّما كان «الباء» دون غيره (١) من الحروف المعدّية ؛ لأنّ «الباء» معناها الإلصاق ؛ فكانت أولى من غيرها ؛ ليتّصل فعل القسم بالمقسم به مع تعديته (٢) ، والذي يدلّ على أنّها هي الأصل ، أنّها تدخل على المضمر والمظهر ، و «الواو» تدخل على المظهر دون المضمر ، والتّاء تختصّ باسم الله ـ تعالى ـ دون غيره ، فلمّا دخلت الباء على المظهر والمضمر ، واختصّت الواو بالمظهر ، والتّاء باسم الله تعالى ؛ دلّ على أنّ الباء هي الأصل.

[علّة جعلهم الواو بدلا من الباء]

فإن قيل : فلم جعلوا الواو دون غيرها بدلا من الباء؟ قيل : لوجهين :

أحدهما : أنّ الواو تقتضي الجمع ، كما أنّ الباء تقتضي الإلصاق ، فلمّا تقاربا في المعنى ؛ أقيمت مقامها.

والثّاني : أنّ الواو مخرجها من الشّفتين ، (كما أنّ الباء مخرجها من الشّفتين) (٣) ، فلمّا تقاربا في المخرج ، كانت أولى من غيرها.

__________________

(١) في (ط) غيرها.

(٢) في (س) تعديه.

(٣) سقطت من (س).

٢٠٣

[اختصاص الواو بالمظهر دون المضمر]

فإن قيل : فلم اختصّت الواو بالمظهر دون المضمر؟ قيل : لأنّها لمّا كانت فرعا على الباء ، والباء تدخل على المظهر والمضمر ، انحطّت عن درجة الباء التي هي الأصل ، واختصّت (١) بالمظهر دون المضمر ؛ لأنّ الفرع (٢) ـ أبدا ـ ينحطّ عن درجة الأصل (٣).

[علّة جعل التّاء بدلا من الواو]

فإن قيل : فلم جعلوا التّاء دون غيرها بدلا من الواو؟ قيل : لأنّ التّاء تبدل من الواو كثيرا ؛ نحو قولهم : «تراث ، وتجاه ، وتخمة / وتهمة / (٤) ، وتيقور» والأصل فيه : «وراث ، ووجاه ، ووخمة ، ووهمة ، وويقور» ؛ لأنّه مأخوذ من الوقار (إلّا أنّهم أبدلوا التّاء من الواو) (٥) فكذلك ههنا.

[علّة اختصاص التّاء باسم الجلالة]

فإن قيل : فلم اختصّت التّاء باسم واحد ، وهو اسم الله تعالى؟ قيل : لأنّها لمّا كانت فرعا للواو التي هي فرع للباء ، والواو تدخل على المظهر دون المضمر ؛ لأنّها فرع ، انحطّت عن درجة الواو ؛ لأنّها فرع الفرع ، فاختصّت باسم واحد ، وهو اسم الله تعالى.

[جواب القسم في حالي الإثبات والنّفي]

فإن قيل : فلم جعلوا (٦) جواب القسم باللّام ، وإن ، وما ، ولا؟ قيل : لأنّ القسم وجوابه لمّا كانا جملتين ؛ والجمل تقوم بنفسها ، وإنّما تتعلّق إحدى الجملتين بالأخرى ، برابطة (٧) بينه وبين جوابه ؛ وجوابه لا يخلو إمّا أنّ يكون موجبا أو منفيّا ؛ جعلوا الرّابطة بينهما بأربعة أحرف ؛ حرفين للإيجاب ، وهما :«اللّام ، وإنّ» وحرفين للنّفي ، وهما : «لا ، وما».

[علّة حذف «لا» في تالله تفتأ]

فإن قيل : فلم جاز حذف «لا» ؛ نحو قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا

__________________

(١) في (س) فاختصّت.

(٢) في (س) الفروع. . . الأصول.

(٢) في (س) الفروع. . . الأصول.

(٣) سقطت من (س).

(٤) سقطت من (س).

(٥) في (س) جعل. (٦) في (س) بواسطة.

٢٠٤

تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ)(١)؟ قيل لدلالة الحال عليه ؛ لأنّه لو كان إيجابا ، لم يخل من «إنّ» (٢) أو «اللّام» فلمّا خلا منها ، دلّ على أنّها نفي ؛ فلهذا ، جاز حذفها ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) س : ١٢ (يوسف : ٨٥ ، مك).

(٢) في (س) النّون.

٢٠٥

الباب الثّاني والأربعون

باب الإضافة

[ضربا الإضافة]

إن قال قائل : على كم ضربا الإضافة؟ قيل : على ضربين ؛ إضافة بمعنى «اللّام» نحو : «غلام زيد» ؛ أي : «غلام لزيد» وإضافة بمعنى «من» نحو : «ثوب خز» ؛ أي : «ثوب من خزّ».

[علّة حذف التّنوين من المضاف وجرّ المضاف إليه]

فإن قيل : فلم حذف التّنوين من المضاف ، وجرّ المضاف إليه؟ قيل : أمّا حذف التّنوين ؛ فلأنّه يدلّ على الانفصال ، والإضافة تدلّ على الاتّصال ، فلم يجمعوا بينهما ، ألا ترى أنّ التّنوين يؤذن بانقطاع الاسم وتمامه ، والإضافة تدلّ على الاتّصال ، وكون الشّيء متّصلا منفصلا في حالة واحدة محال ؛ وأمّا جرّ المضاف إليه ؛ فلأنّ الإضافة لمّا كانت على ضربين ؛ بمعنى اللّام ، وبمعنى من ، وحذف حرف الجرّ ، قام المضاف مقامه ، فعمل في المضاف إليه الجرّ ، كما يعمل حرف الجرّ.

[الفارق بين ضربي الإضافة]

فإن قيل : «وجه زيد ، ويد عمرو» هذه (١) الإضافة هل هي بمعنى اللّام ، أو بمعنى من؟ قيل : بمعنى اللّام ؛ لأنّ الإضافة التي بمعنى «من» يجوز أن يكون الثّاني وصفا للأوّل ، ألا ترى أنّه يجوز أن تقول في نحو قولك : «ثوب خزّ : ثوب خزّ» فترفع «خزّ» ؛ لأنّه صفة (٢) لثوب؟ وكذلك ما أشبهه ؛ وأمّا الإضافة بمعنى اللّام ، فلا يجوز أن يكون الثّاني وصفا للأوّل ، ألا ترى أنّك لا تقول في «غلام زيد : غلام زيد» فلا يجوز أن تجعل زيدا (٣) صفة لغلام ، كما جاز أن

__________________

(١) في (س) هل هذه الإضافة بمعنى اللّام. . .

(٢) في (س) وصف.

(٣) في (س) يجعل زيد.

٢٠٦

تجعل خزّا صفة لثوب ؛ فلمّا وجدنا قولهم «وجه زيد» لا يجوز أن يكون الثّاني وصفا للأوّل ؛ علمنا أنّه بمعنى «اللّام» لا بمعنى «من».

[الإضافة غير المحضة وعللها]

فإن قيل : فلم كانت إضافة (١) اسم الفاعل / إذا / (٢) أريد به الحال أو الاستقبال ، وإضافة الصّفة المشبّهة باسم الفاعل ، وإضافة «أفعل» إلى ما هو بعض له ، وإضافة الاسم إلى الصّفة ، غير محضة في هذه المواضع كلّها؟ قيل : أمّا اسم الفاعل ، فإنّما كانت إضافته (٣) غير محضة ؛ لأنّ الأصل في قولك : «مررت برجل ضارب زيد غدا» / أي / (٤) : «ضارب زيدا» (٥) بتنوين ضارب ، فلمّا كان التّنوين (٦) ـ ههنا ـ مقدّرا ، كانت الإضافة في تقدير الانفصال ؛ ولهذا ؛ أجري صفة (٧) للنّكرة ، وأمّا الصّفة المشبّهة باسم الفاعل ، فإنّما كانت إضافتها غير محضة ؛ لأنّ التّقدير في قولك : مررت «برجل حسن الوجه : مررت برجل حسن وجهه» فلمّا كان التّنوين ـ أيضا ـ ههنا مقدّرا ؛ كانت إضافته ـ أيضا ـ غير محضة ، وأمّا «أفعل» الذي يضاف إلى ما هو بعض له ، فإنّما كانت إضافته غير محضة ؛ لأنّ التّقدير في قولك : «زيد أفضل القوم : زيد أفضل من القوم» فلمّا كانت «من» ههنا مقدّرة ؛ كانت إضافته غير محضة ، وأمّا إضافة الاسم إلى الصّفة ، فإنّما كانت غير محضة ؛ لأن التّقدير في قولك : «صلاة الأولى : صلاة السّاعة الأولى» فلمّا كان الموصوف ـ ههنا ـ مقدّرا ، كانت الإضافة غير محضة (وإذا كانت غير محضة) (٨) لم تفقد التّعريف ، بخلاف ما إذا كانت محضة ؛ نحو : «غلام زيد» وممّا لم يتعرّف بالإضافة ؛ لأنّ إضافته غير محضة قولهم (٩) : «مررت برجل مثلك وشبهك» ، وما أشبه ذلك ، وإنّما لم يتعرّف بالإضافة ؛ لأنّها لا تخصّ شيئا بعينه ، فلهذا (١٠) ، وقعت صفة للنّكرة ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ط) إضافته.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) في (ط) إضافة ؛ والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٤) زيادة في (ط).

(٥) في (س) زيد.

(٦) في (ط) تنوين ؛ والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٧) في (س) وصفا.

(٨) سقطت من (ط).

(٩) في (ط) كقولهم ، والصّواب ما أثبتنا من (س).

(١٠) في (س) ولهذا.

٢٠٧

الباب الثّالث والأربعون

باب التّوكيد

[فائدة التّوكيد]

إن قال قائل : ما الفائدة في التّوكيد؟ قيل : الفائدة في التّوكيد التّحقيق ، وإزالة التّجوّز في الكلام ؛ لأنّ من كلامهم المجاز ، ألا ترى أنّهم يقولون : «مررت بزيد» وهم يريدون المرور بمنزلة ومحلّه (١) ، و «جاءني القوم» وهم يريدون بعضهم؟ قال الله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ)(٢) وإنّما كان جبريل وحده ؛ فإذا قلت : «مررت بزيد نفسه» زال هذا المجاز ، وكذلك إذا قلت : «جاءني القوم كلّهم» زال هذا المجاز أيضا ؛ قال الله تعالى (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ)(٣) فزال هذا المجاز الذي كان في قوله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ)(٤) ؛ لوجود التّوكيد / فيه / (٥).

[ضربا التّوكيد]

فإن قيل : فعلى كم ضرب التّوكيد؟ قيل : على ضربين ؛ توكيد بتكرير اللّفظ ، وتوكيد بتكرير المعنى ؛ فأمّا التّوكيد بتكرير اللّفظ ؛ فنحو / قولك / (٦) : «جاءني زيد زيد ، وجاءني رجل رجل» وما أشبه ذلك ، وأمّا التّوكيد بتكرير المعنى ، فيكون بتسعة ألفاظ ؛ وهي «نفسه ، عينه ، كلّه ، أجمع ، أجمعون ، جمعاء ، جمع ، كلا ، كلتا».

[علّة وجوب تقديم بعض ألفاظ التّوكيد على غيرها]

فإن قيل : فلم وجب تقديم «نفسه ، وعينه» على «كلّهم ، وأجمعين»؟

__________________

(١) في (س) ومحلّته.

(٢) س : ٣ (آل عمران ، ن : ٣٩ ، مد).

(٣) س : ١٥ (الحجر ، ن : ٣٠ ، مك) ؛ وس : ٣٨ (ص ، ن : ٧٣ ، مك).

(٤) س : ٣ (آل عمران ؛ ن : ٣٩ ، مد).

(٥) سقطت من (س).

(٦) زيادة من (س).

٢٠٨

قيل : لأنّ «النّفس ، والعين» يدلّان على حقيقة الشّيء ، و «كلّهم ، وأجمعون» يدلّان على الإحاطة والعموم ، والإحاطة والعموم يدلّان على محاط به ، فكان فيهما معنى التّبع ، و «النّفس ، والعين» ليس فيهما معنى التّبع ، فكان تقديمهما أولى ؛ وقدّم «كلّهم» على «أجمعين» ؛ لأنّ معنى الإحاطة في «أجمعين» أظهر منه (١) في «كلّهم» ؛ لأنّ أجمعين من الاجتماع ، «وكلّ» لا اشتقاق له ؛ وأمّا ما بعد «أجمعين» فتبع لأجمعين (٢) ، وإنّما كان كذلك (٣) ؛ لأنّهم كرهوا إعادة / لفظ / (٤) «أجمعين» فزادوا ألفاظا بعد «أجمعين» تبعا له ؛ لأنّها (٥) لا معنى لها سوى التّبع ؛ فلهذا ، وجب أن تكون بعد «أجمعين».

[أجمع وجمعاء وجمع معارف وعلّة ذلك]

فإن قيل : «أجمع ، وجمعاء ، وجمع» هل هنّ (٦) معارف أو (٧) نكرات؟ قيل : هي (٨) معارف ، والذي يدلّ على ذلك ، أنّها تكون تأكيدا للمعارف ؛ نحو : «جاء الجيش أجمع ، ورأيت القبيلة جمعاء ، ومررت بهنّ جمع» فلمّا كانت تأكيدا للمعارف ؛ دلّ على أنّها معارف.

[علّة كون الألفاظ السّابقة غير مصروفة]

فإن قيل : فلم كانت غير مصروفة (٩)؟ قيل : أمّا «أجمع» فللتّعريف ووزن الفعل ، وأمّا «جمعاء» فلألف (١٠) التّأنيث ؛ نحو : «صحراء» وأمّا «جمع» فللتّعريف والعدل عن جمع (١١) «جمعاء» وقياسه : «جمع : كحمر» فعدل وحرّك ؛ فاجتمع / فيه / (١٢) العدل والتّعريف ؛ (فلذلك لم ينصرف ، والذي عليه الأكثرون هو الأوّل) (١٣). وأما «كلا ، وكلتا» ففيهما إفراد لفظيّ ، وتثنية معنويّة ، والذي يدلّ على ذلك ، أنّهما تارة يرجع (١٤) الضّمير إليهما بالإفراد اعتبارا

__________________

(١) في (ط) منها.

(٢) في (س) زيادة «نحو أكتعين وأبصعين».

(٣) في (ط) ذلك.

(٤) سقطت من (س).

(٥) في (س) لأنّه.

(٦) في (ط) أم ، والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٧) في (س) لا بل.

(٨) في (ط) معروفة ؛ والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٩) في (ط) فلألفي ، والصّواب ما أثبتنا من (س).

(١٠) في (س) عن جمع بوزن صحارى ، وقيل للتّعريف والعدل عن جمع «جمعاء».

(١١) سقطت من (س).

(١٢) سقطت من (ط).

(١٣) في (س) يردّ.

٢٠٩

باللّفظ ، وتارة بالتّثنية اعتبارا بالمعنى ؛ قال الله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)(١) فردّ / الضّمير / (٢) إلى اللّفظ فأفرد ، ثمّ قال الشّاعر (٣) : [الطّويل]

كلا أخوينا ذو رجال كأنّهم

أسود الشّرى من كلّ أغلب ضيغم (٤)

وقال الآخر / وهو الفرزدق / (٥) : [البسيط]

كلاهما حين جدّ الجري بينهما

قد أقلعا وكلا أنفيهما راب (٦)

فردّ إلى اللّفظ والمعنى ؛ فقال : «أقلعا» اعتبارا بالمعنى ، وقال : «راب» اعتبارا باللّفظ ، والذي يدلّ على أنّ الألف فيهما ليست للتّثنية أنّها لو كانت للتّثنية ؛ لا نقلبت في النّصب والجرّ إذا أضيفتا إلى المظهر ؛ لأنّ الأصل هو المظهر ؛ تقول : رأيت كلا الرّجلين ، ومررت بكلا الرّجلين ، ورأيت كلتا المرأتين / ومررت بكلتا المرأتين / (٧) فلو كانت للتّثنية ؛ لوجب أن تنقلب مع المظهر ، فلمّا لم تنقلب ، دلّ على أنّها الألف المقصورة ، وليست للتّثنية.

وذهب الكوفيّون إلى أنّ الألف فيهما للتّثنية ، واستدلّوا على ذلك بقول الشّاعر (٨) : [الرّجز]

في كلت رجليها سلامى واحدة

كلتاهما مقرونة بزائده (٩)

__________________

(١) س : ١٨ (الكهف ، ن : ٣٣ ، مك).

(٢) سقطت من (س).

(٣) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٤) المفردات الغريبة : الشّرى : موضع تنسب إليه الأسود الشّرسة. الضّغم : العضّ الشّديد ؛ ومنه سمّي الأسد ضيغما.

موطن الشّاهد : (كلا أخوينا ذو).

وجه الاستشهاد : إفراد «ذو» في الإخبار عن «كلا» حملا على اللّفظ ، وهو الأفضل ، والأرجح ؛ ولو ثنّى «ذو» حملا على المعنى لجاز.

(٥) سقطت من (ط). والفرزدق : سبقت ترجمته.

(٦) المفردات الغريبة : كلاهما : الضّمير فيها عائد إلى فرسين تتاسابقان. أقلعا : توقّفا.

راب : منتفخ من الجري.

موطن الشّاهد : (كلاهما. . . أقلعا ، كلا أنفيهما راب).

وجه الاستشهاد : تثنية الضّمير العائد إلى «كلا» في الخبر «أقلعا» حملا على المعنى ، وإفراده في «راب» حملا على اللّفظ ؛ وكلاهما صحيح ، غير أنّ الحمل على اللّفظ لغة القرآن ؛ وهو الأرجح ، كما أوضحنا.

(٧) سقطت من (ط).

(٨) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٩) المفردات الغريبة : السّلامى : عظام الأصابع ؛ وهو اسم للواحد والجمع أيضا ؛ وتجمع

٢١٠

فأفرد في قوله «كلت» فدلّ على أنّ «كلتا» مثنّى ، واستدلّوا على ذلك ـ أيضا ـ بأنّ الألف فيهما (١) تنقلب إلى الياء في حال (٢) النّصب والجرّ إذا أضيفتا إلى المضمر ؛ تقول : «رأيت الرّجلين كليهما ، ومررت بالرّجلين كليهما» ، وكذلك تقول : «رأيت المرأتين كلتيهما ، ومررت بالمرأتين كلتيهما» ولو كانت الألف المقصورة ، لم تنقلب ، كألف «عصا» / ونحوها / (٣). وما ذهب إليه الكوفيّون ليس بصحيح ، فأمّا استدلالهم بقول الشّاعر / في البيت المتقدّم / (٤) : في كلت رجليهما سلامى واحدة ، فلا حجّة فيه ؛ لأنّه يحتمل أنّه حذف الألف لضرورة الشّعر ؛ وأمّا قولهم : إنّها تنقلب في حال النّصب والجرّ إذا أضيفت إلى المضمر ؛ قلنا إنّما قلبت مع المضمر ؛ لأنّها أشبهت / ألف / (٥) : «إلى ، وعلى ، ولدى» فلمّا أشبهتها ؛ قلبت ألفها مع المضمر ياء ، كما قلبت ألف «إلى ، وعلى ، ولدى» مع المضمر في «إليك ، وعليك ، ولديك» ووجه المشابهة بينهما (٦) وبين هذه الكلم ، أنّ هذه الكلم (٧) يلزم دخولها على الاسم ، ولا تقع إلّا مضافة ، كما أنّ هذه الكلم (٨) (يلزم دخولها على الاسم ، وإنّما قلبت في حالة الجرّ والنّصب دون الرّفع ؛ لأنّ هذه الكلم) (٩) لها حال النّصب والجرّ وليس لها حال الرّفع.

[توكيد النّكرات]

فإن قيل : فهل يجوز توكيد النّكرة؟ قيل : إن كان التّوكيد بتكرير اللّفظ جاز توكيد النّكرة ، كما يجوز توكيد المعرفة ؛ نحو : «جاءني رجل رجل» وإن كان التّوكيد بتكرير المعنى ، فقد اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز ، وذلك ؛ لأنّ كلّ واحد (١٠) من هذه الألفاظ التي يؤكّد بها معرفة ، فلا يجوز أن يجري على النّكرة تأكيدا ، كما لا يجوز أن يجري عليها

__________________

على السّلاميات. والبيت في وصف نعامة. وفي (ط) رجليهما ، والصّواب ما أثبتناه من (س).

موطن الشّاهد : (كلت رجليها).

وجه الاستشهاد : ذهب الكوفيّون إلى أنّ إفراد «كلتا» في هذا البيت دليل على أنّ «كلتا» مثنّى ، والألف فيها ألف التثنية ؛ وقد ردّ المؤلّف احتجاجهم هذا في المتن بما يغني عن الإعادة.

(١) في (س) فيها. (٢) في (س) حالة.

(٣) سقطت من (س). (٤) سقطت من (س).

(٥) سقطت من (س).

(٦) في (س) بينها.

(٧) في (س) الكلمة.

(٧) في (س) الكلمة.

(٨) سقطت من (ط).

(٩) سقطت من (ط).

٢١١

وصفا. وذهب الكوفيّون إلى أنّه يجوز ، واستدلّوا على جوازه بقول الشّاعر (١) : [البسيط]

لكنّه شاقه أن قيل ذا رجب

يا ليت عدّة حول كلّه رجب (٢)

فجرّ «كلّا» على التّوكيد لحول (٣) ؛ وهو (٤) نكرة ، واستدلّوا ـ أيضا ـ بقول الشّاعر (٥) : [الرّجز]

إذا القعود كرّ فيها حفدا

يوما جديدا كلّه مطرّدا (٦)

فأكّد «يوما» ؛ وهو نكرة ب «كلّه» ، واستدلّوا ـ أيضا ـ بقول الآخر (٧) : [الرّجز]

قد (٨) صرّت البكرة يوما أجمعا

[حتى الضّياء بالدّجى تقنّعا](٩)

__________________

(١) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٢) موطن الشّاهد (حول كلّه).

وجه الاستشهاد : استدلّ الكوفيّون بهذا البيت على جواز توكيد النّكرة ؛ حيث أكّد الشّاعر «حول» وهي نكرة ب «كلّ» ؛ ومثل هذا التّوكيد شاذّ عند البصريّين ؛ لأنّهم يشترطون اتّحاد التّوكيد والمؤكّد في التّعريف. وقد فنّد المؤلّف حجّة الكوفيّين بإيراده الرّواية الثّانية للبيت «يا ليت عدّة حولي».

(٣) في (ط) بحول ، والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٤) في (ط) وهذه.

(٥) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٦) المفردات الغريبة : القعود من الإبل : ما يقتعده الرّاعي في حاجاته. الحفد : نوع من سير الإبل. يوم مطرّد : يوم كامل.

موطن الشّاهد : (يوما جديدا كلّه) وجه الاستشهاد : استشهد به الكوفيّون على جواز توكيد النّكرة ، وقد ردّ المؤلّف في المتن بما يغني عن الإعادة.

(٧) لم ينسب إلى قائل معيّن ، وربّما كان مصنوعا ، كما قال بعض البصريّين.

(٨) في (ط) وقد.

(٩) المفردات الغريبة : صرّت : صوّتت. البكرة : الفتيّة من الإبل ؛ والمعنى : ظلّوا يمتحون عليها الماء حتّى حلّ الظّلام.

موطن الشّاهد : (يوما أجمعا).

وجه الاستشهاد : استشهد به الكوفيّون على تأكيد النّكرة «يوما» ب «أجمعا» ؛ وهذا البيت لا يصحّ شاهدا ؛ لكونه مجهول النّسبة ، وقد يكون موضوعا. ثمّ لو صحّ هذا شاهدا ؛ لكان من باب الشّاذّ ؛ والشّاذّ يحفظ ، ولا يقاس عليه.

٢١٢

وما استدلّوا به من هذه الأبيات لا حجّة / لهم / (١) فيه ، أمّا قول الشّاعر : «يا ليت عدّة حول كلّه رجبا» (٢).

فالرّواية : «يا ليت عدّة حولي (٣) كلّه رجبا (٤)» بالإضافة ، وهو معرفة لا نكرة ، و «رجبا» منصوب ، فإنّ القصيدة منصوبة. وأمّا قول الآخر : «يوما جديدا كلّه مطرّدا» فيحتمل أن يكون تأكيدا للمضمر في «جديد» والمضمرات لا تكون إلّا معارف ، وكان هذا أولى ؛ لأنّه أقرب إليه من اليوم ، فعلى هذا يكون الإنشاد بالرّفع. وأمّا قول الآخر : «قد صرّت البكرة يوما أجمعا» فلا يعرف قائله ، فلا تكون فيه حجّة ، ثمّ لو صحّت هذه الأبيات على ما رووه (٥) ، فلا يجوز الاحتجاج بها ؛ لقلّتها وشذوذها في بابها ، والشّاذّ لا يحتجّ به ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) زيادة من (س).

(٢) في (س) رجب.

(٣) في (ط) حول ، والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٤) في (ط) رجب ، والصّواب ما أثبتنا من (س).

(٥) في (س) رووا.

٢١٣

الباب الرّابع والأربعون

باب الوصف

[الغرض من الوصف]

إن قال قائل : ما الغرض في الوصف؟ قيل : التّخصيص والتّفصيل (١) ؛ فإن كان معرفة ، كان الغرض من الوصف التّخصيص ؛ لأنّ الاشتراك يقع فيها (٢) ، ألا ترى أنّ المسمّين (٣) بزيد ، ونحوه كثير ؛ فإذا قال «جاءني زيد» لم يعلم أيّهم يريد ، فإذا قال : «زيد العاقل ، أو العالم ، أو الأديب» أو ما أشبه ذلك ، فقد خصّه من غيره؟ ؛ وإن كان الاسم نكرة ، كان الغرض من الوصف التّفصيل (٤) ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «جاءني رجل» لم يعلم أيّ رجل هو ، فإذا قلت : «رجل عاقل» فقد فصلته عمّن (٥) ليس له هذا الوصف ، ولم تخصّه ؛ لأنّا نعني بالتّخصيص شيئا بعينه ، ولم يرد (٦) ههنا.

[موافقة الصّفة للموصوف]

فإن قيل : ففي كم / حكما / (٧) تتبع الصّفة الموصوف؟ قيل : في عشرة أشياء ؛ في رفعه ، ونصبه ، وجرّه ، وإفراده ، وتثنيته ، وجمعه ، وتذكيره ، وتأنيثه ، وتعريفه ، وتنكيره.

[استحالة وصف النّكرة بالمعرفة أو العكس]

فإن قيل : فلم لم توصف المعرفة بالنّكرة ، والنّكرة بالمعرفة ، وكذلك سائرها؟ قيل : لأنّ المعرفة ما خصّ الواحد من جنسه ، والنّكرة ما كان شائعا في

__________________

(١) في (ط) التّفضيل.

(٢) في (س) فيهما.

(٣) في (س) المسمّى.

(١) في (ط) التّفضيل.

(٤) في (ط) فضّلته على من ، والصّواب ما أثبتنا.

(٥) في (ط) يريد ، ولعلّه غلط طباعيّ.

(٦) سقطت من (س).

٢١٤

جنسه ، والصّفة في المعنى هي الموصوف ، ويستحيل الشّيء الواحد أن يكون شائعا مخصوصا ، وإذا استحال هذا في وصف المعرفة بالنّكرة ، والنّكرة بالمعرفة ، كان في وصف الواحد بالاثنين ، و (١) الاثنين بالجمع ، أشدّ استحالة ، وكذلك سائرها.

[العامل في الصّفة]

فإن قيل : فما العامل في الصّفة؟ قيل : / هو / (٢) العامل في الموصوف ، فإذا قلت (٣) : «جاءني زيد الظّريف» كان العامل فيه : جاءني ، وإذا قلت : «رأيت زيدا الظّريف» كان العامل فيه : رأيت ، وإذا قلت : «مررت بزيد الظّريف» كان العامل فيه : الباء ؛ هذا مذهب سيبويه. وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنّ كونه صفة لمرفوع ، أوجب له الرّفع ، وإلى أنّ كونه صفة لمنصوب ، أوجب له النّصب ، وإلى أنّ كونه صفة لمجرور ، أوجب له الجرّ ؛ والذي عليه الأكثرون هو الأوّل ، وهو مذهب سيبويه ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (س) أو.

(٢) سقطت من (س).

(٣) في (س) قال.

٢١٥

الباب الخامس والأربعون

باب عطف البيان

[الغرض في عطف البيان]

إن قال قائل : ما الغرض في عطف البيان؟ قيل : الغرض فيه رفع اللّبس ، كما في الوصف ؛ ولهذا ، يجب أن يكون أحد الاسمين يزيد على الآخر في كون الشّخص معروفا به ؛ ليخصّه من غيره ؛ لأنّه لا يكون إلّا بعد اسم مشترك ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «مررت بولدك زيد» / ف / (١) قد خصصت ولدا واحدا من أولاده ، فإن لم يكن له إلّا ولد واحد (٢) كان بدلا ، ولم يكن عطف بيان ؛ لعدم الاشتراك.

[وجه الشّبه بين عطف البيان وكلّ من البدل والوصف]

وعطف البيان يشبه البدل من وجه ، ويشبه الوصف من وجه ؛ فوجه شبهه للبدل (٣) أنّه اسم جامد ، كما أنّ البدل يكون اسما جامدا ، ووجه شبهه للوصف (٤) أنّ العامل فيه هو العامل في الاسم الأوّل ؛ والدّليل على ذلك أنّك تحمله تارة على اللّفظ ، وتارة على الموضع ؛ فتقول : «يا زيد زيد زيدا» فالرّفع على اللّفظ ، والنّصب على الموضع ، قال الشّاعر (٥) : [الرّجز]

إنّي وأسطار سطرن سطرا

لقائل يا نصر نصر نصرا

(ويجوز أن يكون «نصرا» الثّالث منصوبا على المصدر ، كأنّه قال : انصر نصرا) ، (٦) وهذا باب يترجمه البصريّون ، ولا يترجمه الكوفيّون ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من (ط).

(٢) في (ط) ولدا واحدا.

(٣) في (س) بالبدل.

(٤) في (س) بالوصف.

(٥) الشّاعر هو : رؤبة بن العجّاج ، وقد سبقت ترجمته ، ونسبه بعضهم إلى ذي الرّمّة.

موطن الشّاهد : (يا نصر نصر نصرا).

وجه الاستشهاد : عطف «نصر» الثّانية ، والثّالثة عطف بيان على نصر الأولى ؛ فرفعت الثّانية عطفا على اللّفظ ، ونصبت الثّانية عطفا على المحلّ ؛ وفي البيت أوجه كثيرة لا داعي لذكرها.

(٦) سقطت من (ط).

٢١٦

الباب السّادس والأربعون

باب البدل

[الغرض في البدل]

إن قال قائل : ما الغرض في البدل؟ قيل : الإيضاح ورفع الالتباس ، وإزالة التّوسّع والمجاز.

[أضرب البدل]

فإن قيل : فعلى كم ضربا البدل؟ قيل : على أربعة أضرب ؛ بدل الكلّ من الكلّ ، وبدل البعض من الكلّ ، وبدل الاشتمال ، وبدل الغلط. فأمّا بدل الكلّ من الكلّ ؛ فكقولك (١) : «جاءني أخوك زيد ، ورأيت أخاك زيدا ، ومررت بأخيك زيد» قال الله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)(٢) ؛ وبدل البعض من الكلّ ؛ كقولك : «جاءني بنو فلان ناس منهم» ولا بدّ أن يكون فيه ضمير يعلّقه بالمبدل منه ؛ قال الله تعالى : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)(٣). وأما قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٤) ف «من استطاع» بدل من «النّاس» وتقديره : «من استطاع سبيلا منهم» فحذف الضّمير للعلم به. وأمّا بدل الاشتمال ؛ فنحو قولك : «سلب زيد ثوبه ، ويعجبني عمرو عقله» ولا بدّ فيه ـ أيضا ـ من ضمير يعلّقه بالمبدل منه ؛ قال الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ)(٥). فقوله : «قتال فيه» بدل من الشّهر ، والضّمير فيه عائد إلى الشّهر ، فأمّا قول الشّاعر (٦) : [الطّويل]

لقد كان في حول ثواء ثويته

تقضّى لبانات ويسأم سائم (٧)

__________________

(١) في (ط) فقولك.

(٢) س : ١ (الفاتحة ، ٤ ـ ٥ ، مك).

(٣) س : ٢ (البقرة ، ن : ١٢٦ ، مد).

(٤) س : ٣ (آل عمران ، ن : ٩٧ ، مد).

(٥) س : ٢ (البقرة ، ن : ٢١٧ ، مد).

(٦) لم ينسب إلى قائل معيّن.

(٧) المفردات الغريبة : الثّواء : طول المقام ، أو الإقامة. اللّبانات : جمع «لبانة» وهي الحاجة النّفسيّة. وللبيت رواية أخرى : «تقضّي لبانات ويسأم سائم»

٢١٧

فالتّقدير (١) فيه : «/ ثواء / (٢) ثويته فيه» ، فحذف للعلم / به / (٣). فأمّا (٤) بدل الغلط ، فلا يكون في قرآن ، ولا كلام فصيح ، وهو أن يريد أن يلفظ بشيء ، فيسبق لسانه إلى غيره ؛ فيقول : «لقيت زيدا عمرا» فعمرو هو المقصود ، وزيد وقع في لسانه ، غلط به (٥) ، فأتى بالذي قصده ، وأبدله من المغلوط به ، والأجود في مثل هذا أن يستعمل / معه / (٦) «بل» فيقول : «بل عمرا».

[العامل في البدل]

فإن قيل : فما العامل في البدل؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب جماعة منهم إلى أنّ العامل في البدل غير العامل في المبدل ؛ وهو جملتان ، ويحكى عن أبي عليّ الفارسيّ (٧) أنّه قيل له : كيف يكون البدل إيضاحا للمبدل ، وهو من غير جملته؟ فقال : لمّا لم يظهر العامل في البدل ، وإنّما دلّ عليه / العامل / (٨) في المبدل ، واتّصل البدل بالمبدل في اللّفظ ، جاز أن يوضّحه ، والذي يدلّ على أنّ العامل في البدل غير العامل في المبدل / منه / (٩) قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ)(١٠) فظهور اللّام في بيوتهم» وهي بدل من «من». ويدلّ (١١) على أنّ البدل غير العامل في المبدل ؛ قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ)(١٢) فظهور اللّام مع «من» / و/ (١٣) هو بدل من «الذين استضعفوا» يدلّ (١٤) على أنّ العامل في البدل غير العامل في المبدل ؛ وذهب قوم إلى أنّ العامل في البدل هو العامل في المبدل / منه / (١٥) ؛ كما أنّ العامل في الصّفة هو العامل في الموصوف ، والأكثرون على الأوّل ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.

__________________

موطن الشّاهد : (حول ثواء).

وجه الاستشهاد : حذف الضّمير العائد إلى المبدل منه «حول» كما أوضح المؤلّف في المتن.

(١) في (ط) التّقدير. (٢) سقطت من (ط).

(٣) سقطت من (ط). (٤) في (س) وأمّا.

(٥) في (س) غلطا به.

(٦) سقطت من (س).

(٧) أبو علي الفارسيّ : سبقت ترجمته.

(٨) سقطت من (س).

(٩) سقطت من (ط).

(١٠) س : ٤٣ (الزّخرف ، ن : ٣٣ ، مك).

(١١) في (س) يدلّ.

(١٢) س : ٧ (الأعراف ، ن : ٧٥ ، مد). (١٤) في (ط) فدلّ.

(١٥) سقطت من (ط). (١٣) سقطت من (ط).

٢١٨

الباب السّابع والأربعون

باب العطف

[عدد حروف العطف]

إن قال قائل : كم حروف العطف؟ قيل : تسعة : الواو ، والفاء ، وثم ، وأو ، ولا ، وبل ، ولكن ، وأم ، وحتّى.

[علّة كون الواو أصل حروف العطف]

فإن قيل : فلم (١) كان أصل حروف العطف الواو؟ قيل : لأنّ الواو ، لا تدلّ على أكثر من الاشتراك فقط ، وأمّا غيرها من الحروف ، فتدلّ (٢) على الاشتراك ، وعلى معنى زائد على ما سنبيّن ، وإذا كانت هذه الحروف ، تدلّ على زيادة معنى ليس في الواو ، صارت الواو بمنزلة الشّيء المفرد (والباقي بمنزلة المركّب) (٣) ؛ والمفرد أصل للمركّب.

[الواو تفيد الجمع دون التّرتيب ودليل ذلك]

فإن قيل : فما الدّليل على أنّ الواو تقتضي الجمع دون التّرتيب؟ قيل :الدّليل على ذلك قوله تعالى : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ)(٤) ، وقال في موضع آخر : (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً)(٥) ولو كانت الواو تقتضي التّرتيب لما جاز أن يتقدّم في إحدى الآيتين ما يتأخّر في الأخرى. (و) (٦) قال لبيد (٧) : [الكامل]

أغلي السّباء بكلّ أدكن عاتق

أو جونة قدحت وفضّ ختامها (٨)

__________________

(١) في (س) لم.

(٢) في (س) فيدلّ.

(٣) سقطت من (س).

(٤) س : ٢ (البقرة ، ن : ٥٨ ، مد).

(٥) س : ٧ (الأعراف ، ن : ١٦١ ، مد).

(٦) سقطت من (ط).

(٧) لبيد : سبقت ترجمته.

(٨) المفردات الغريبة : أغلي السّباء : أجعل ثمنها غاليا. والسّباء : الشّراء. الأدكن : الأغبر

٢١٩

وتقديره : «فضّ ختامها وقدحت» ؛ لأنّه يريد بالجونة ههنا : القدر ، وقدحت : أي غرفت ، والمغرفة يقال لها : المقدحة ، وفضّ ختامها : أي كشف غطاؤها ؛ والغرف إنّما يكون بعد الكشف ؛ هكذا ذكره الثمانينيّ ؛ والأظهر : أنّه أراد بالجونة : الخابية ، وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم ب «المرتجل في شرح السّبع الطّوال» (١). والذي يدلّ / أيضا / (٢) على أنّها للجمع دون التّرتيب قولهم : «المال بين زيد وعمرو» كما يقال : «بينهما» ويقال «اختصم زيد وعمرو» ولو كانت الواو تفيد / فيه / (٣) التّرتيب ؛ لما جاز / ... / (٤) أن تقع ههنا ؛ لأنّ هذا الفعل لا يقع إلّا من اثنين ، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما ؛ فدلّ على أنّها تفيد الجمع دون التّرتيب.

[معاني بقيّة الحروف العاطفة]

فأمّا «الفاء» فإنّها تفيد التّرتيب والتّعقيب ، و «ثمّ» تفيد التّرتيب والتّراخي ، و «أو» تفيد الشّكّ والتّخيير والإباحة ، و «لا» تفيد النّفي ، و «بل» تفيد الانتقال من قصّة إلى قصّة أخرى ، و «لكن» تفيد الاستدراك ، وإنّما تعطف في النّفي دون الإثبات ، بخلاف «بل» فإنّها تعطف في النّفي والإثبات معا.

[علّة استعمال بل بعد النّفي]

فإن قيل : فلم جاز أن تستعمل / بل / (٥) بعد النّفي ك «لكن» ولم يجز أن تستعمل «لكن» بعد الإثبات ك «بل»؟ قيل : لأنّ «بل» إنّما تستعمل في الإيجاب لأجل الغلط والنّسيان لما قبلها ، وهذا إنّما يقع في الكلام نادرا ، فاقتصروا على حرف واحد ، وأمّا استعمال «لكن» فإنّما يكون بعد النّفي ؛ فجاز أن تشترك (٦)

__________________

عاتق : شراب جيّد معتّق. الجون : الأسود المشرب حمزة ؛ ومؤنّثه : الجونة ؛ والجونة في البيت : زقّ الخمرة ، أو القدر ، أو الخابية.

موطن الشّاهد : (قدحت وفضّ ختامها).

وجه الاستشهاد : مجيء «الواو» عاطفة مفيدة للجمع دون التّرتيب ؛ لأنّ القدح ـ الغرف ـ يكون بعد الفضّ ـ كشف الغطاء ـ ولو كانت الواو تفيد التّرتيب ؛ لقال : فضّ ختامها ، وقدحت.

(١) اسم كتاب للمؤلّف.

(٢) سقطت من (ط).

(٣) زيادة من (ط).

(٤) في (ط) زيادة أن يقال ولا لزوم لها ، فلم نثبتها في المتن.

(٥) سقطت من (س).

(٦) في (ط) يشترك.

٢٢٠