تنزيه الأنبياء عمّا نسب اإيهم حثالة الأغبياء

أبو الحسن علي بن أحمد السبتي [ ابن خمير ]

تنزيه الأنبياء عمّا نسب اإيهم حثالة الأغبياء

المؤلف:

أبو الحسن علي بن أحمد السبتي [ ابن خمير ]


المحقق: الدكتور محمّد رضوان الدّاية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٢
ISBN: 1-57547-633-9
الصفحات: ١٧٦

١
٢

٣
٤

المحتوى

الموضوع

الصفحة

 ـ المحتوى........................................................................ ٥

ـ المقدمة......................................................................... ٧

ـ مقدمة التحقيق................................................................. ٩

ـ الكتاب...................................................................... ٣١

ـ مقدمة المؤلف................................................................. ٣٣

إشارات إلى بعض قصص الأنبياء................................................. ٣٥

ذكر ما اختلقوه في قصة داود عليه‌السلام............................................... ٣٧

ما يعول عليه في قصص الأنبياء.................................................. ٣٨

ـ قصة نبي الله داود عليه‌السلام........................................................ ٣٩

تخريج ما اعتمدوا عليه في قصة داود............................................... ٤٢

تبين الكلام في مجريات قصة داود عليه‌السلام............................................ ٤٣

تذييل على قصة داود عليه‌السلام...................................................... ٤٦

ـ شرح قصة سليمان عليه‌السلام....................................................... ٤٨

ـ شرح قصة يوسف عليه‌السلام........................................................ ٥٥

تفصيل في معنى «الهمّ» وتوضيح.................................................. ٥٨

ـ شرح قصة نبينا عليه‌السلام........................................................... ٦١

معجزة في هذه القصة وكرامة وشرف وتشريف...................................... ٦٥

ـ مقدمة لقصص سائر الأنبياء في هذا الكتاب...................................... ٧٥

٥

الموضوع

الصفحة

 ـ شرح قصة آدم عليه‌السلام.......................................................... ٧٧

في نبوة آدم عليه‌السلام ، متى كانت.................................................... ٧٨

في نهي آدم عليه‌السلام عن الشجرة.................................................... ٧٨

القول السديد في قصة آدم عليه‌السلام................................................. ٨٢

ـ شرح قصة نوح عليه‌السلام........................................................... ٨٩

في شرح ما جاء في الكتاب من دعائه على قومه وامتناعه الشفاعة الكبرى في الآخرة من أجله ٩٢

ـ شرح قصة إبراهيم عليه‌السلام........................................................ ٩٧

إبراهيم عليه‌السلام نبي الحجّة........................................................ ١٠٠

الجواب عن «الكذبات» الثلاث................................................ ١٠٤

طلب إبراهيم أن يرى كيفية البعث والنشور....................................... ١٠٧

ردّ على اعتراض.............................................................. ١٠٧

رؤية واطمئنان................................................................ ١٠٨

تحليل في مجريات القصة وتعليل.................................................. ١١٠

ـ شرح قصة عزير.............................................................. ١١٤

ـ شرح قصة موسى عليه‌السلام....................................................... ١٢١

ـ شرح قصة يونس عليه‌السلام....................................................... ١٢٧

ـ شرح قصة أيوب عليه‌السلام........................................................ ١٣٣

ـ الكلام في إخوة يوسف عليه‌السلام هل كانوا أنبياء؟................................... ١٤٩

ـ مجموع نكت من بعض ما خص به نبينا عليه‌السلام................................... ١٥٧

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

مخطوطة هذا الكتاب من المخطوطات النّادرة ؛ لأن الموجود منه في ما نعرف من فهارس المكتبات المتوفرة ، وفي ما قرأنا من آثار الباحثين ذوي الاهتمام ، هو هذه النّسخة الفريدة.

والكتاب نفسه من الكتب القيّمة ، في موضوع لم يكثر التّأليف فيه ، ويعدّ هذا الكتاب من الكتب ذات الشأن في موضوع تنزيه الأنبياء وتصحيح أخطاء بعض القصّاصين الذين يصل خطؤهم إلى درجة الافتراء والاجتراء ، والكذب والاختلاق ؛ لأنّ جماعة من أولئك الأخباريّين غير الممحّصين ، والقصّاصين الوضّاعين للأخبار المتزيّدين فيها ، لا يهمّهم صحّة الخبر ولا صدق الحديث ، ويجرون وراء المكانة ، والاشتهار ، وكسب المال!.

والمؤلّف شخصيّة مهمّة من شخصيّات القرن السّادس الهجري (إذ كانت وفاته صدر القرن السّابع) ، كان مرموقا منظورا إليه في عصره ، وكانت له تواليف بقي منها شيء ، فيها هذا الكتاب الّذي نقدّمه إلى القارئ الكريم.

وعلى هذا ، فإنّ من المناسب أن نصف الكتاب بأنه نفيس من حيث كونه مخطوطا في نفائس المخطوطات العربيّة ، نادرا أيضا ، وبأنّه نفيس من حيث موضوعه ومنهج مؤلفه ، ومادته ، وأسلوب مؤلّفه : في دقّته ، وغزارة معلوماته ، وقدرته على المحاورة والمناقشة والحجاج ، وفي الكشف عن جانب من النشاط الثّقافي والاجتماعيّ لمنتحلي العلم والمعرفة وحفظ التواريخ ، والسّير والأخبار.

وكان من توفيق الله تعالى أن أتيح لي الانتباه إليه في مخطوطات دار الكتب

٧

الظاهرية ، والعكوف عليه تحقيقا وتعليقا ، والانتفاع به ، فالحمد لله ، له المنّة والفضل.

وآمل أن أكون قدّمت ـ بتحقيق هذا الكتاب والعناية به إخراجه ـ خدمة نافعة لأهل العلم ، وللقراء المتابعين ، وأن تكون العناية به ، ونشره ، في جملة ما أسهم به ـ بجهودي المتواضعة ـ في إثراء المكتبة العربيّة الإسلاميّة بتحقيق الأصول الأندلسية والمغربية العزيزة على القلب.

وأرجو أن يكون ـ أيضا ـ هديّة من محبّ ـ مشرقي الجسد أندلسىّ الرّوح ـ لتراث الآباء والأجداد إلى أهل المغرب العربيّ ، جناح الأمّة الآخر ، وأهمّ ورثة حضارة الأندلس ، وأعظم المحتفين بها الذّائدين عنها.

والحمد لله ربّ العالمين

محمّد رضوان الداية

حرّر تمهيدا للطبعة الثانية في دمشق الشام حرسها الله تعالى ، غرّة شهر رمضان المبارك جعله الله شهر رحمة ومغفرة وعتق من النار ، لسنة (١٤١٧) من هجرة النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الموافق شهر كانون الثاني من سنة (١٩٩٧) من ميلاد نبي الله عيسى عليه‌السلام.

٨

مقدّمة التّحقيق

على الرغم من شهرة مؤلّف هذا الكتاب ومكانته في حركة التأليف والتّعليم ، والمحاضرة ، وسائر وجوه النشاط التي عالجها لا نجد له تراجم كافية ، ولا معلومات وافية ، ومن شرط ابن عبد الملك المرّاكشي أن يكون ترجم له في الجزء السّابع من كتابه (الذّيل والتكملة) ولكنّ هذا الجزء ـ إلى الآن ـ في الكتب المفقودة. وترجم له ابن الأبّار في كتابه (التكملة) ، ومبارك بن أحمد بن حمدان المعروف بابن الشعار في كتابه (قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان ٤ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨). ووردت عن المؤلّف إشارات يسيرة في بعض مؤلّفاته ، لكنها لا تضيف جديدا مهمّا على التّرجمتين القصيرتين في الكتابين المذكورين.

مؤلّف تنزيه الأنبياء

المؤلّف هو أبو الحسن علي بن أحمد ، عرف بابن خمير الأمويّ السّبتي. أمّا الأمويّ فهي نسبة إلى بني أمية ، ومعلوم أنّهم جدّدوا الخلافة المروانيّة بالأندلس بدخول عبد الرحمن بن هشام سنة (١٣٨ ه‍) الأندلس وأنّ تلك الخلافة انتهت سنة (٤٢٥ ه‍) ونعرف أن بني أميّة ومن انتسب للمروانيّة أصابهم اضطهاد عدد من حكّام دويلات الطوائف ، وأنّ أولئك الحكّام والمتنفّذين تحت أيديهم روّعوا بني أمية ، وأخرجوا أكثرهم من قرطبة خشية أن ينتقضوا على بني جهور الذين حكموا قرطبة وما تبعها ، أو ينتقضوا على غيرهم من أولئك الحكّام وأشباههم.

وقد رجّحت أن يكون أحد أجداد مؤلّف الكتاب غادر الأندلس بعد ذلك الاضطهاد الذي نشير إليه أو بسبب آخر ، وحطّ رحاله في أقرب منزل خارج ديار

٩

الأندلس ، وكان ذلك المنزل المختار مدينة سبتة ، ومن هنا عرفت تلك الأسرة ذات النسبة الأموية بصفة السّبتي أيضا. فالمؤلّف إذن أمويّ ، سبتي. وهذا يلحقه بأعلام المغرب في هذه المدّة ، وإن كانت بلاد المسلمين واحدة من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب.

وقد استظهرت في مقدمة الطّبعة الأولى من هذا الكتاب قبل أن أطّلع على ترجمة المؤلّف معالم شخصيّته ، وملامح ثقافته ، فقلت فيه : إنّ كتاب المؤلّف هذا (تنزيه الأنبياء) كشف عن معرفة بعلوم القرآن والحديث ، وبسطة يد في التفسير وما يتبعه ، ومعرفة واسعة باللّغة والأدب ، والأخبار ، والسّير ، والتواريخ ، ونفوذ في أمور الفقه ، والأصول ، والعقائد ، وقدرة على المناقشة ، وإتقان الأخذ والرّد ، والاستقراء والاستنتاج العلميّ العام ، والفقهي ، والأصولي.

وقد علق أخي وصديقي الدكتور محمد بن شريفة على هذه الملامح التي استظهرتها عن شخصية ابن خمير فقال : إن الاجتهادات التي اجتهدتها في تقييم شخصيته جاءت مطابقة تمام المطابقة للحلى التي أسبغها عليه ابن الشعّار في كتابه (قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزّمان).

وإذا عدنا إلى ما في كتاب قلائد الجمان ٤ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨ إلى حيث ترجم للمؤلّف وجدنا قوله : «علي بن خمير أبو الحسن السّبتي : كان فقيها مالكيّا شاعرا مفلقا ، أصوليا ، عالما ، أديبا ، لغويّا ، توفي سنة أربع عشرة وست مائة».

أنشدني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الواحد الأوسي السّبتي بحلب المحروسة ، قال : أنشدني الشيخ أبو الحسن علي بن خمير لنفسه :

إذا شئت أن تبكي فريدا من الهوى

فتندبه بعد النبيّ المكرّم

فحامل علم ، عالم ، متورّع

حريص على التحريض للمتعلّم

١٠

وحاكم عدل بالشريعة قائم

يقول بحكم الله لا بالتحكّم

وصاحب مال فاضل متفضّل

يجود به حقّا على كلّ معدم

وساهر ليل شافع متشفّع

بكلّ نئوم شابع متبشّم

وصاحب سيف للعدوّ مرابط

يسدّ به في كلّ ثغر مثلّم

هم خمسة يبكون حقا وغيرهم

«إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم»!

انتهت الترجمة. وقد قرأ الدكتور محمد البيت الأول فقال :

إذا شئت أن تبكي [فقيدا من الورى]

فتندبه بعد النبيّ المكرّم

وهو اجتهاد في القراءة غير بعيد ، ولعله : [فريدا من الورى].

قلت : والمؤلّف عرف بابن خمير ، وكان ناسخ مخطوطة الكتاب الوحيدة قد وصل الضمّة التي على الخاء بنقطة الحرف ، فظهرت على هيئة حمير بالحاء المهملة ، وأبعدت هذه القراءة المحقّق في الطبعة الأولى عن استجلاء ترجمة صاحب الكتاب.

وقد ورد الاسم مضبوطا بصيغة التّصغير في أوّل كتابه هذا (تنزيه الأنبياء) وفي ترجمة ابن الشّعار له في (قلائد الجمان).

وجاءت ترجمة ابن الأبار لابن خمير مقتضبة جدا ، ولم يحقّق فيها تاريخ وفاته فقارب مقاربة ، ونصّ ترجمته : «عليّ بن محمد بن خمير ، من أهل سبتة ، يكنى أبا الحسن ، دخل الأندلس. وكان أدبيا أصوليّا ، توفي بعد الستّ مائة بيسير».

وقول ابن الأبّار في اسمه ونسبته : «علي بن محمد» فهو من باب النسبة إلى الجدّ ، وإلاّ فإن اسم والده (أحمد) كما ورد في كتابنا هذا. وقد أفادنا أنّه دخل الأندلس ، ويكاد يكون هذا من تحصيل الحاصل في هذه المدّة التي كانت الأندلس فيها في ظلّ الموحدين بعد المرابطين. وكانت الأندلس والمغرب ـ على امتداد كلمة المغرب آنذاك ـ تشكل دولة واحدة ، وكان انتقال المغاربة ، ومن سكن المغرب ، إلى الأندلس مألوفا ،

١١

وكانت رحلة العلماء وطلبة العلم مألوفة لأغراض علميّة واضحة ، أو لأسباب أخرى تذكر في تراجم الأدباء أو تغفل.

وعلّل الدكتور محمد بن شريفة سبب إغفال ترجمة ابن خمير الأموي في مقالته عنه في مجلّة دار الحديث الحسنيّة ، العدد العاشر ، فقال : إن مؤلف الكتاب هذا كان ذا مزاج حارّ ولسان حادّ ، وقلم سيّال في انتقاد بعض معاصريه ، وأنّه ـ كما يستظهر ويتوقّع ـ وقعت له خصومات معهم ، وأنّه لا يستبعد أن يكون هذا سببا في خمول ذكره.

وهذا اجتهاد من الصّديق الكريم ووجهة نظر ، وإن كان المألوف أن تتوجّه الأنظار إلى أصحاب هذه الأوصاف والمواقف ، ولا ننسى كما يظهر من مجريات الكتاب ومن مواقف المؤلف في كتبه الأخرى أنه كان يقرّع نفرا من الجهلة بالأخبار والتواريخ ، القصاصين وأشباه الرّواة ، وليس لهؤلاء منزلة عند المؤرخين وأصحاب التراجم في حكم المعتاد والمألوف المعروف.

وقلّة المعلومات والأخبار عن مؤلف هذا الكتاب ، ابن خمير السبتي حجبت عنّا أسماء شيوخه الذين أخذ عنهم ، وقد اجتهد الدكتور بن شريفة أن يكون المؤلف أخذ عن أبي محمّد عبد الله بن عبيد الله الحجري السبتي المتوفى سنة (٥٩١ ه‍) الذي كان شيخ سبتة ، بل شيخ المغرب والأندلس في وقته (١).

على أن ابن خمير ذكر في شيوخ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الأزدي السبتي (٥٦٧ ـ ٦٦٠ ه‍) كما نصّ ابن عبد الملك المراكشي في الذيل والتكملة ٨ / ٣٠٤.

وكان هذا القاضي الفقيه من تلاميذ الحجري أيضا ، ولعل هذا يجعل ابن خمير والحجري في طبقة واحدة.

__________________

(١) ابن خمير السبتي ١٦.

١٢

وسجّل المؤلّف في ثنايا هذا الكتاب اسم صديق له من العلماء المشهورين ذاكره في قضيّة من قضايا قصص الأنبياء في آية من آيات القرآن الكريم (عند الفصل الذي عقده لقصّة آدم عليه‌السلام) ، وذلك في قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ٢٠ / ١١٥].

وهذا الصّديق المذكور هو أبو العباس أحمد بن محمد اللخمي العزفي والد أبي القاسم مؤسّس إمارة العزفيّين في سبتة ، ولقد أشرت إلى ترجمته في موضعه من الكتاب.

ثم أقول إن قلّة المعلومات عن شيوخه وتلاميذه وأصحابه من معاصرين لا تقلّل من شأنه أو أهميته في علماء زمانه. وما ندري أهو سوء حظّ أصابه ، أم تعتيم جرى على اسمه كالأسباب التي اجتهدها الزميل الدكتور محمد بن شريفة في مقالته ، والمؤلف ليس بدعا في ما جرى عليه العلماء والأدباء في العصور المختلفة.

مؤلفات ابن خمير

مؤلفات ابن خمير السبتي الأموي هي :

١ ـ تنزيه الأنبياء ، هذا الذي نقدّمه إلى القارئ الكريم ، وقد ألّفه قبل (مقدّمات المراشد) المذكور في الفقرة الثانية التالية.

٢ ـ مقدّمات المراشد إلى قواعد العقائد ، وموضوعه : علم الكلام (العقائد) منه نسخة في جامعة القرويّين بالمغرب الأقصى.

٣ ـ الوصيّة ، وهو كتاب مفقود ، موضوعه يتعلّق بالصّوفية ، وانتقاد منتحلي التصوّف ممّن لا ترضى طريقتهم.

٤ ـ شعره : قال بعض معاصري ابن خمير في ذكر شعره وتقويمه :

ولابن خمير في القريض تقدّم

به بزّ قيسا وازدرى بابن غالب

١٣

كتاب تنزيه الأنبياء

كان العصر الموحدي (١) ، عصرا نشط فيه التأليف في السيرة النبوية عامة ، وفي جوانب تتعلّق بشخصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الفضائل والخصائص والشمائل ، أو تخصّ قضايا أخرى كالمغازي ودلائل النبوّة.

واستظهر د. بن شريفة أنّ ابن خمير هو خامس خمسة من علماء سبتة ألّفوا في موضوع النبوّة والأنبياء والإعجاز والمعجزات ، وذلك في تواريخ متقاربة ، وهؤلاء هم :

: أبو الرّبيع سليمان بن سبع مؤلف (شفاء الصّدور ...).

: والقاضي عياض مؤلّف (الشّفا بتعريف حقوق المصطفى).

: وأبو العبّاس العزفيّ ، وولده مؤلّفا (الدّرر المنظم في مولد النبوي المعظم).

: وابن خمير مؤلّف (تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء).

: وابن دحية مؤلّف (المستوفى في شرف المصطفى) ، و (الآيات البيّنات في ما يخصّ الله تعالى به أعضاء نبيه من المعجزات) ، و (التنوير في مولد السّراج المنير).

وابن خمير مشغول في كتابه بالتنبيه على أخطاء وهفوات ومسامحات وتجاوزات صدرت في زمانه عن نفر من الوعّاظ والقصّاصين اتّسم بعضهم بالجهل والجهالة ، واتّسم بعضهم بالافتراء والكذب والتزيّد من أجل التكسّب وترغيب السامعين وإغرائهم بمتابعة أحاديثه دون النظر في حقائق الأخبار وصدق التّواريخ.

__________________

(١) ينظر بحثنا (السيرة النبوية في التراث الأندلسي) ، في العدد الأول من مجلة (التراث العربي) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق.

١٤

وقد صرّح المؤلّف بعبارات دالّة ، وإن كانت في نظر القارئ اليوم شديدة قاسية ، فقال في ذكر أولئك الوعاظ والقصاصين وأشباه المؤرخين : «وغرض هؤلاء الفسقة في سرد تلك الحكايات المورّطة قائلها وناقلها في سخط الله تعالى أن يهوّنوا الفسوق والمعاصي على بله العوامّ ويتسلّلوا إلى الفجور بالنساء ، بذكرها ، حتى ترى المرأة تخرج من مجلس الواعظ إلى منزله فتسأله عن التفصيل فيزيدها أقبح ممّا أسمعها في الجمهور ، يقول لها : هذا أمر ما سلم منه عظماء المرسلين فكيف نحن؟ فلا يزال يهوّن عليها ما كان يصعب من قبل!!».

ولم يصرّح ابن خمير باسم واحد من هؤلاء القصّاصين ، وأشباه الخطباء ، وضعفاء حفظة الأخبار والتواريخ المتهاونين ، لكنّ المؤلّف رحمه‌الله كان يشير إلى أسماء بأعيانها ، وإلى ظاهرة كانت متفشّية من هؤلاء ، ونقرأ في (صلة الصّلة) لابن الزّبير في ترجمة ابن المحلي السبتي (١) ، والمؤلّف معاصر لهذين العلمين ، إنّ ابن المحلي هذا «كان يعظ الناس بمسجد مقبرة زقلو من سبتة. قال : حضرت بعض مجالسه وكلامه في التفسير على المنبر بالمسجد المذكور ، وكان فصيحا ، لسنا ، مفوّها ، نبيل الأغراض في وعظه وتحليقه ، حسن التناول ، لا يشارك وعّاظ الوقت في شيء من محدثات مرتكباتهم ، إنما يذكر الآية وتفسيرها تفسيرا مستوفى ، وينيط بذلك ما يلائم الحال والمقال من حكايات الصالحين ، وإشارتهم على أحسن نهج وأبدع نسج ، يأخذ من مجالسه الطالب بحظه ، والعامّي بنافع الترغيب والترهيب من مقصود وعظه ..».

وهكذا ميّز ابن الزبير ، وهو من هو علما وفضلا في زمانه ؛ بين الوعظ ، والقصص ، والتفسير المنهجي السليم ، وبين التزيّدات والخزعبلات والأضاليل التي كان يوردها أولئك الذين هاجمهم ابن خمير السبتي في كتابه هذا (تنزيه الأنبياء) أو هاجم أمثالهم.

__________________

(١) الذيل والتكملة ٨ / ٣٢٢.

١٥

الحافز على تأليف الكتاب

ذكر المؤلف في مقدمة كتابه السّبب الذي حدا به إلى تأليف هذا الكتاب ، وبيّن أنه ألّفه بناء على رغبة بعض الطّلبة (متابعي الدّراسات الشّرعية والنقلية عامّة) لاستدراك أوهام قد تقع في الأذهان من أخطاء وأوهام ودسائس تصدر عن فئات معيّنة : «من غثاء الفرق المفضّلين من أوباش المعطّلة الضالّين وأرذال اليهود والنّصارى ، ومقلّدة المؤرّخين والقصّاص المجازفين الجاهلين بحقيقة النبوّة».

وقصد المؤلّف إلى إرشاد القارئ إلى معرفة حقيقة النبوّة ، وبيان ما يجوز على الأنبياء وما يستحيل ، وما يجب من توقيرهم ، وتدقيق النّظر في استخراج مناقبهم ، ومعرفة ما أوجب الله على الناس من التفقه في القرآن لتوحيد الله تعالى وتنزيهه ، ووصف أنبيائه الذين اصطفى بالصّدق والعصمة والتنزيه من الخطأ والخطل ، وما جاءوا به من شعائر العبادات ، وأخبروا به من المغيّبات ، وما وعظوا به ، والنظر في الفرق بين الحلال والحرام والأمور المشتبهات ...

ووقف المؤلّف عند قضايا يستغلّها الملاحدة وضعاف النفوس من القصّاصين والمؤرّخين (ونضيف اليوم إليهم بعض كتّاب القصّة والرواية والمسرحية الذين يسوؤهم تاريخ الأنبياء وصدق الرّسالات) (١) إلى غير هؤلاء ممّن يصح التّحذير منهم والتّنبيه على آرائهم الفاسدة وعقائدهم ، ونبّه إلى الخطأ ، أو الأخطاء التي يقع فيها المرء عن جهل أو عن نفاق حين يقصد إلى أقوال وأفعال للأنبياء قد يتخيلها مثالب في حقّهم ، فإذا فعل فإنه يهلك ويهلك من حيث لا يشعر.

__________________

(١) على أنّ في الأدباء المعاصرين من أجاد الكتابة ـ مسرحيّة وقصة وشعرا ـ في هذا المجال ، عن علم ونفاذ واستيعاب لحقيقة الحضارة العربية الإسلامية والتراث العريق مثل علي أحمد باكثير ، وعبد الحميد جودة السحّار ، ومصطفى صادق الرافعي ، وعلي الجارم ، وعزيز أباظة ، وعمر أبو ريشة ، وغيرهم.

١٦

وفي جملة الأصول التي اجتمع عليها جمهرة المسلمين ، وكما لخّص البغدادي في (الفرق : ٣٤٣) : «أنهم قالوا بعصمة الأنبياء عن الذنوب ، وتأوّلوا ما روي عنهم من زلاّتهم على أنها كانت قبل النبوة».

وفي الفرق الإسلامية من أجاز على الأنبياء الصّغائر من الذنوب وهم أكثر المعتزلة ، على أنهم يقرّون أنها من الصغائر التي «لا يستقرّ لها استحقاق عذاب وإنما يكون حظه تنقيص الثواب». وروى الشريف المرتضى في (تنزيه الأنبياء) عن أبي علي الجبّائي المعتزلي قوله : إن [الذنب] الصغير يسقط عقابه بغير موازنة ، قال : فكأنهم معترفون بأنه لا يقع منهم ما يستحقّون به الذمّ والعقاب.

وقالت الشيعة الإمامية : لا يجوز على الأنبياء شيء من المعاصي والذنوب كبيرا كان أم صغيرا لا قبل النبوة ولا بعدها ، كما قرّر الشريف في التنزيه في مقدّمة كتابه ص ٣.

ونخرج من هذا ومثله ـ ممّا لا ضرورة إلى الاستفاضة فيه ـ إلى أنّ جمهرة المسلمين ، في كل عصر ، ينزّهون الأنبياء ، ولا يجيزون عليهم إلاّ ما يليق بهم.

وقد دار كتاب الشريف المرتضى ، كما دار كتاب مؤلفنا ابن خمير الأموي السبتي في هذا الإطار : أعني تنزيه الأنبياء عمّا لا يليق بهم ، واجتهد ابن خمير في التّوسّع في تقديم أخبار الأنبياء التي كانت مجالا لأولئك الجاهلين أو ذوي النيّات السيئة ، أو أولئك المؤرّخين الضّعاف والقصّاصين الذين يعتمدون على الإثارة والإغراب دون أن يتّقوا الله تعالى في الكلام على أنبيائه المكرّمين.

١٧

موضوع الكتاب

يتميّز هذا الكتاب بعنوانه كما يتميّز بموضوعه الذي اجتهد مؤلفه ـ رحمه‌الله تعالى ـ في استيفائه ، وبلوغ المراد منه ، وكتبه بحماسة ، وصدق ، من خلال مطالعة تاريخية ، وتوثيقية دقيقة ، ومن وراء منهج عمليّ عقلي واع.

وموضوع تنزيه الأنبياء من الموضوعات المطروقة في كتب سير الأنبياء ، والتّواريخ العامّة الشاملة ، وفي كتب التّفسير والعقيدة.

وحفز هذا الموضوع بعض العلماء فألّفوا كتبا مستقلّة تحت هذا العنوان (تنزيه الأنبياء) أو تحت عناوين أخرى ، ونذكر هنا كتاب الشريف المرتضى ، وهو أبو القاسم عليّ بن الحسين البغدادي ، نقيب الأشراف ، المتوفى سنة (٤٣٦ ه‍) ، وعنوانه (تنزيه الأنبياء) (١) ، ورسالة (تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء) للسّيوطي (٢) ، وذكر البغدادي في إيضاح المكنون ١ / ٣٢٩ كتابه (تنزيه المصطفى المختار عما لم يثبت من الأخبار والآثار) لأحمد الوفائي توفي (١٠٨٦ ه‍).

ومن الكتب التي ألفت تحت عنوان عصمة الأنبياء كتاب : ـ عصمة الأنبياء لأحمد بن محمد المرزوقي ، طبع في مطبعة محمد شاهين بالقاهرة سنة (١٨٦٠ م).

ـ وعصمة الأنبياء (منظومة).

ـ وعصمة الأنبياء بين اليهودية والمسيحية والإسلام لمحمود ماضي ، مكتبة الريّان ، الإسكندرية (١٩٩٠ م).

__________________

(١) طبع في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف.

(٢) حقّقه الدكتور خالد عبد الكريم جمعة وعبد القادر أحمد عبد القادر ، وطبع في مكتبة العروبة للنشر والتوزيع في الكويت ١٤٠٨ ه‍ ـ ١٩٨٨ م.

١٨

وكتاب الشريف المرتضى ، وكتاب ابن خمير السّبتي الذي نقدّمه للقارئ الكريم يتقاربان ويدوران في فلك واحد ، عدا ما أضافه الشّريف في كتابه من حديث عن الأئمّة ، وهو حديث خارج عن موضوع الأنبياء وتنزيهم ، فإذا فصلنا ذلك من كتابه ، اقترب أحد الكتابين من الآخر اقترابا كبيرا.

أما كتاب السّيوطي فيتعلق بقضيّة من قضايا التنزيه ، وهو رسالة صغيرة ألفها نتيجة حادثة (كلام) وقعت بين اثنين ، ورد في شغب أحدهما ذكر اتّخاذ الأنبياء عليهم‌السلام الرّعي عملا أو مهنة ، واختلفت الفتوى في ذلك الشغب (الكلام) الذي صدر. فتصدّى السيوطي وألّف تلك الرسالة قال : «والسبب في تأليفه ـ يعني كتابه ـ أنه وقع أنّ رجلا خاصم رجلا فوقع بينهما سبّ كثير ، فقذف أحدهما عرض الآخر ، فنسبه الآخر إلى رعي المعزى ، فقال له ذاك : تنسبني إلى رعي المعزى؟ فقال له والد القائل : الأنبياء رعوا المعزى ، أو : ما من نبيّ إلا رعى المعزى! وذلك بسوق الغزل بجوار الجامع الطولوني ، بحضرة جمع كبير من العوام ، فترافعوا إلى الحكّام ، فبلغ قاضي القضاة المالكي فقال : لو رفع إليّ لضربته بالسياط ، قال السيوطي : «فسئلت : ما ذا يلزم الذي ذكر الأنبياء مستدلا بهم في هذا المقام؟».

فأجبت بأن هذا المستدلّ يعزّر تعزير البالغ ، لأن مقام الأنبياء أجلّ من أن يضرب مثلا لآحاد الناس ، ولم أكن عرفت من هو القائل ذلك فبلغني ـ بعد ذلك ـ أنه الشيخ شمس الدين بن الحمّصاني إمام الجامع الطولوني ، وشيخ القرّاء ، وهو رجل صالح في اعتقادي ، فقلت : مثل هذا الرجل تقال عثرته ، وتغفر زلّته ، ولا يعزّر لهفوة صدرت منه ، وقال : إنّ هذا القائل لا ينسب إليه في ذلك عثرة ولا ملام ، وإن ذلك من المباح المطلق : لا ذنب فيه ولا أثام ، واستفتي على ذلك من لم تبلغه واقعة الحال فخرّجوه على ما ذكره القاضي عياض في (مذاكرة العلم) لأجل ذكر لفظ الاستدلال في الجواب والسؤال.

١٩

قال السيوطي : «فخشيت أن تشرب قلوب العوام هذا الكلام فيكثروا من استعماله في المجادلات والخصام ، ويتصرّفوا فيه بأنواع من عباراتهم الفاسدة ، فيؤدّيهم إلى أن يمرقوا من دين الإسلام فوضعت هذه الكراسة نصحا للدين وإرشادا للمسلمين ..» ٣.

فوضع كتاب السيوطي ـ أو رسالته ـ كان لسبب مخصوص ، وهي تدور حول مسألة بعينها ، مما يجب فيه توقير الأنبياء وتنزيههم.

ترتيب الكتاب

قسم المؤلّف كتابه (تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء) إلى مقدّمة عامّة وعدد من الفصول ، وربما تخلل الفصل استطراد له علاقة بموضوع الكتاب. وكل فصل يتعلّق بقصة أو خبر لنبي من أنبياء الله تعالى.

أما المقدّمة فهي بسط لسبب ـ أو أسباب ـ تأليف الكتاب وبيان لمعنى نزاهة الأنبياء ، وتعريف بالثّغرات العقيدية أو غيرها التي دفعت أولئك الأشخاص إلى أن يقعوا في الأخطاء الفظيعة في حق الأنبياء الكرام.

وأما الفصول فإنها تتابعت لتعالج أحوال بعض الأنبياء ممّن كانوا غرضا للكلام ، ولم يكن المؤلف يغادر الفصل قبل أن يستوثق من إزالة كلّ وهم وكلّ لبس ، وبعد مناقشة علميّة عقليّة متأنّية دقيقة ، وبأسلوب منطقيّ ، وعبارات مفهومة سهلة مسطّرة بقلم أديب بارع في أناة خبير مدقّق.

أسلوب المؤلّف

من مزايا كتاب (تنزيه الأنبياء عمّا نسب إليهم حثالة الأغبياء) لابن خمير الأموي السّبتي أنّ المؤلّف صاغه بأسلوب علمي رصين ، تشوبه ملامح حماسة هنا أو

٢٠