مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

وتحلّ ذبيحة المسلمة والخصي والمخالف ، والحائض والجنب ، وأطفال المؤمنين مع المعرفة ، وولد الزنا.

______________________________________________________

وهذه (١) دليله.

ويمكن حملها على الكراهة ، لما تقدّم ، وحمل الضرورة على المشقة في الجملة لا مثل حال حلّ الميتة فتأمّل.

وكذا يبعد الحمل على التقيّة ، فإن العمدة منها تدل على الحلّ مع التسمية والظاهر ان المخالف لا يشترط ذلك ، بل يقول بحلّ ذبيحة الذمّي مطلقا ، وهو اعرف.

وبالجملة الاجتناب عن ذبيحة كل من يخالف الحقّ أحوط ، خصوصا عن استعمال جلودهم فيما يشترط فيه الطهارة ، مثل النعال والفراء ، فان الظاهر ان أكثر هم لا يشترطون التسمية ، ولا القبلة مع ما تقدم هنا ، فتأمّل.

واعلم أنه يدل على تحريم ذبيحة الناصب اخبار (٢) ، ولكن في بعضها التقييد بعدم التسمية ، وانه ان سمّى يؤكل ، فحكمه مثل حكم ذبيحة أهل الكتاب في اختلاف الأخبار فتأمّل.

قوله : «وتحلّ ذبيحة المسلمة والخصي إلخ» لعل دليل الكل الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات ، وصدق الذبح مع الشرائط ، مثل التسمية والقبلة بالفرض.

ويشترط في الكل المعرفة ، وان كان ظاهر العبارة انها قيد الأطفال لبعدهم عنها ، وهي العلم بطريق الذبح الذي هو شرط بمعنى انه لا بدّ ان يقع على ذلك الوجه ، لا المعرفة بذلك قبل الفعل ، فلو اتفق لم يجز كما هو ظاهر العبارة فتأمّل.

نعم لا بدّ في الأطفال مع ذلك من التميز (التمييز).

__________________

(١) يعني الرواية التي نقلها.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن كون المراد بالمعرفة ذلك ، فوجه التخصيص حينئذ ظاهر.

والمراد بالمؤمنين المسلمون.

وفي ولد (١) الزنا ، البلوغ ، وإظهار كلمة الإسلام لأنهم قالوا : ليس هو بحكم المسلم ، إذ ليس له أبوان شرعا حتى يكون في حكمهما.

ولعل لا خلاف في الكل إلّا في المخالف وولد الزنا ، بناء على القول بأنه لا يسلم فتأمّل.

ويدلّ على جواز ذبيحة المخالف ما تقدم ، وما سيجي‌ء من الاخبار الدالة على حلّ ما يباع في أسواق المسلمين.

ورواية الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن يوسف لعله ابن عقيل ، عن يوسف (ـ كما في الاستبصار ـ فيحتمل أن الحسن أخوه فصحيح) بن عقيل ، عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ذكر اسم الله تعالى عليه (٢).

وهذه تدلّ على حلّ ذبيحة ولد الزنا المذكور أيضا ، وعلى حلّ ذبيحة كلّ ما تقدم وكل مسلم ، ولكن يفهم اشتراط الصوم والصلاة ، لعلّه للمبالغة أو الاستحباب ، وعلى تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه (٣).

لكن في طريقها اشتباه (٤).

__________________

(١) عطف على قوله رحمه الله : (في الأطفال) يعني لا بد في ولد الزنا.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.

(٣) في هامش النسخة المطبوعة بالحجر هكذا : بل تحريم ذبيحة من يصوم ولا يصلي وبالعكس أيضا ومن لا يفعلهما ومن لم يدن بكلمة الإسلام أيضا ـ منه رحمه الله (انتهى).

(٤) فان طريقها كما تقدم مرارا هكذا كما في التهذيب : الحسين بن سعيد ، عن الحسن عن يوسف بن

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ على تحريم ذبيحة المخالف ما تقدم من صحيحة زكريا بن آدم عنه عليه السّلام (١) وما نقلناه عن الفقيه (٢).

وان كلّهم لم يشترطوا التسمية والقبلة ، فحلّ ما يوجد في أيدي كلّهم محلُّ التأمل إلّا ان يسمع ويرى ذلك.

لعلّها حملت على الكراهة ، لما تقدم من رواية محمّد بن قيس ، وعموم ما يدلّ على حلّ ما يباع في أسواق المسلمين ، وقد تقدّم البحث فيه في بحث الصلاة (٣).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن ذبيحة المرجئ (٤) ، والحروري؟ (٥) فقال : كل وقرّ واستقرّ حتى يكون ما يكون (٦).

لعلّ فيها إشارة إلى التقيّة فتأمّل.

وتدلّ على الكلّ حسنة محمّد بن مسلم ـ وهي صحيحة في الفقيه ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة الصبي؟ فقال : إذا تحرك وكان له خمسة أشبار وأطاق للشفرة (٧) (الشفرة ـ كا) ، وعن ذبيحة المرأة؟ قال : ان كنّ نساء ليس معهن

__________________

عقيل ، عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام ، ووجه الاشتباه ان الحسين مشتبه بين الحسن بن سعيد فصحيح أو غيره فمجهول ومحمّد بن قيس هذا أيضا مشتبه ، والله العالم.

(١) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٤٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩١.

(٣) راجع ج ٢ ص ٩٦ من مجمع الفائدة.

(٤) هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون انه لا يضر مع الأيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة سموا مرجئة لاعتقادهم ان الله تعالى ارجأ تعذيبهم عن المعاصي أي أخرهم عنه (مجمع البحرين).

(٥) بفتح الحاء وضمها وهم الخوارج كان أول مجتمعهم فيها تعمقوا في الدين حتى مرقوا منه فهم المارقون (مجمع البحرين).

(٦) الوسائل باب ٢٨ حديث ٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٣.

(٧) بالفتح فالسكون ، السكين العريض وما عرض من الحديد (مجمع البحرين).

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

رجل فليذبح أعقلهن ولتذكر اسم الله عليه (١).

ومرسلة ابن أذينة عن غير واحد رووا جميعا (رواه عنهما ـ ئل) : أن ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح وسمّت فلا بأس بأكله ، وكذلك الصبي ، وكذلك الأعمى إذا سدّد (٢)

وحسنة الحلبي ـ وهي صحيحة في الفقيه ـ عن عبد الله بن سنان قال : كانت لعلي بن الحسين عليهما السّلام جارية تذبح له إذا أراد (٣).

ورواية مسعدة بن صدقة ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة الغلام ، قال : إذا قوى على الذبح وكان يحسن أن يذبح وذكر اسم الله عليه وعليها فكل. قال : وسئل عن ذبيحة المرأة؟ فقال : إذا كانت مسلمة فذكرت (وذكرت) اسم الله عليها (فكل ـ خ ئل) (٤).

وحسنة سليمان بن خالد ـ وهي صحيحة في الفقيه ـ قال : سألت أبا عبد الله عن ذبيحة الغلام والمرأة هل تؤكل؟ فقال : إذا كانت المرأة مسلمة وذكرت (فذكرت ـ خ) اسم الله على الذبيحة حلّت ذبيحتها ، والغلام إذا قوى على الذبيحة وذكر اسم الله عليه حلّت ذبيحته ، وذلك إذا خيف فوت الذبيحة ولم يوجد من يذبح غير هما (٥).

ولكن هذه تدلّ بمفهوم على عدم الجواز إلّا (إذا خيف ـ خ) حال خوف الذبيحة ولم يوجد غيرهما.

__________________

(١) الوسائل صدره باب ٢٢ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٥ وذيله في باب ٢٣ حديث ٥ منها.

(٢) الوسائل باب ٢٣ حديث ٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٧.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ٩ و ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(٤) أورد صدره في الوسائل باب ٢٢ حديث ٢ من أبواب الذبائح وذيله في باب ٢٣ حديث منها ج ١٦ ص ٢٧٥ ـ ٢٧٧.

(٥) الوسائل باب ٢٣ حديث ٧ من أبواب الذبائح.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فمقتضى القاعدة تخصيص العمومات وتقييدها بها فلم يجز ذبحها وذبح الصبي إلّا حال الضرورة ، وبه يشعر حسنة محمّد المتقدمة (١) ، ومرسلة أحمد الآتية أيضا ولكن لا يعقل وجهه بعد وجود الشرائط ولم يذكره الأصحاب أيضا ، بل عمّموا جواز أكل ذبيحتهما.

فلعلّ القيد للاستحباب والاحتياط ، حيث لم يذبحا إذا لم يعرفا وليس معهما قوّة تامّة وان كانا قويين وعالمين في الجملة ، ولهذا يظهر من رواية جارية علي بن الحسين عليهما السّلام عدم القيد ، فكأنه لمعرفتها وقوتها عليه والاحتياط غير مخفي فإنه قد يكون تعبدا محضا.

وتدل على حلّ ذبيحة الخصي بخصوصه ، صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة الخصي ، فقال : لا بأس (٢).

ولا تحمل على حال الضرورة ، لمرسلة أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، قال : سأل مرزبان ، الرضا عليه السّلام ، عن ذبيحة الصبي قبل ان يبلغ وذبيحة المرأة ، قال : لا بأس بذبيحة الصبي والخصي والمرأة إذا اضطروا إليه (٣).

للأصل (٤) والعمومات والخصوصات ، وعدم صحّة هذه وان كانت مرسلة البزنطي (٥) الملحقة بالمسند واحتمال حمل القيد للافضليّة والاستحباب ولكن الاحتياط لا يترك.

وتدل على حلّ ذبيحة الجنب بخصوصه حسنة ابن أبي عمير ، عن بعض

__________________

(١) تقدمت آنفا فلاحظ وفي الكافي والوسائل وكذلك الغلام إذا قوى على الذبيحة وذكر اسم الله عزّ وجلّ.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٨.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٧.

(٤) تعليل لقوله قدّس سرّه ولا تحمل إلخ.

(٥) يعني ان المرسل هو احمد بن محمّد البزنطي.

٨٥

ولو اشترك المسلم والكافر في الذبح حرم ، ولو سبق أحدهما وصيّره في حكم المذبوح فالاعتبار للسابق.

ولا تؤكل ذبيحة المجنون والصبي غير المميّز.

(الثاني المذبوح).

وهو كلّ ما تقع عليه الذكاة ، وانما تقع على كلّ حيوان طاهر بعد

______________________________________________________

أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا بأس بأن يذبح الرجل وهو جنب (١).

قوله : «ولو اشترك المسلم والكافر إلخ» دليل عدم الحلّ إذا ذبحه المشرك والمسلم أنه ما ذبحه المسلم مستقلا ، بل ما ذبحه ، والمتبادر من أدلّة حلّ مذبوح المسلم كونه مذبوحا له فقط ، لا انه يكون له دخل في ذبحه.

واما دليل الحلّ إذا صيّره المسلم في حكم المذبوح ثم قتله الكافر انه مذبوح المسلم فيحلّ لأدلته ، وكذا تحريم المذبوح إذا جعله الكافر في حكم المذبوح لأنه مذبوح الكافر فيحرم لما مرّ وهو ظاهر.

واما تحريم ذبيحة المجنون والصبي الغير المميّز فلعدم الشرط ، فإنه ما ذبحه المسلم ومن في حكم المسلم الذي هو شرط حلّ الذبح.

ولكن الكلام في ذلك ، إذ ما علم اشتراط العقل والتميز بعد ، بل علم عدم حلّ ذبيحة الكافر.

ولعلّ وجهه أنه ليس بذبح الإنسان القاصد ، بل كذبح غير الإنسان من الحيوانات ، والمتبادر من الذبح المحلّل هو ذبح الإنسان القاصد ، وهو يفهم عرفا.

وأيضا المتبادر الأفعال التي معتبرة في نظر الشرع ، وفعلهما غير معتبر فتأمّل فيه.

قوله : «وهو كلما يقع عليه الذكاة إلخ» بيان شرائط المذبوح الذي

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

٨٦

الذبح فلا تقع على نجس العين كالكلب والخنزير ، ولا على الآدمي.

______________________________________________________

يجعله الذبح طاهرا حلالا جائز الاستعمال أو يخرجه عن كونه ميتة وحراما ، ونجسا غير جائز الاستعمال.

فان كان مأكول اللحم يقع عليه الذكاة بالإجماع ويجوز اكله وسائر استعمالاته الّا ما خرج منه وسيجي‌ء.

وان كان آدميّا أو نجس العين مثل الكلب والخنزير لم يقع عليهما الذكاة ولم تنفع فيهما أصلا ، بل يكون ميتة ونجسا بالإجماع أيضا.

اما غير هما مثل السباع والمسوخ والحشرات ففيه خلاف ، والقاعدة المقررة المتقدمة تدل على عدم وقوع الذكاة عليه أصلا ، وعدم إفادته شيئا من أحكام الذبائح ولم يخرجه عن حكم الميتة.

وهي ان الأصل عدم الذكاة ، وزوال الروح معلوم فيكون ميتة. وبالجملة قد تقرر عندهم ان كل ميّت ميتة الّا مع العلم بالذكاة الشرعية ، والمراد به الظن ولو حصل بخبر مسلم ، بل بمجرد وجوده في يده وسوق المسلمين ، فان زوال الروح هنا معلوم ، والذكاة الشرعيّة غير مظنونة ، إذ لا دليل شرعا على ذلك فتأمّل.

ولكن قد يقال على القاعدة : الأصل الطهارة وجواز استعماله في كلّ شي‌ء ، وكذا عمومات الحلّ وحصر المحرّمات حتى يعلم أنه ميتة شرعا ولم يعلم ، إذ قد يكون ممّا يذبح فذبح وحلّ ، إذا المفروض حصول الذبح قبل الموت ، والقاعدة انما سلّمت فيما إذا لم يعلم انه ذبح ، وهنا المفروض الذبح الشرعي.

ويدل عليه أيضا عموم ما يدل على الخروج عن حكم الميتة بالذبح الشرعي إلّا ما خرج بالدليل وقد حصل ، وما هنا دليل مخرج ، فان الدليل يدل على ان كل ما صيد على الوجه الشرعي أو ذبح كذلك بقطع الأعضاء المقرّرة مع التسمية والقبلة يحلّ ان كان مأكول اللحم ، والّا فيخرج عن حكم الميتة.

ويدل عليه أيضا عدم الفرق بين المأكول وغيره ، فإنهما مشتركان في حصول

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

النفع بهما بالأكل والانتفاع بجلده ولحمه وغير ذلك.

وأيضا يدل على كون السباع وغيرها قابلا للتذكية استعمال المسلمين قاطبة جلودها من غير نكير ، فكأنه إجماعيّ ، ولهذا قال في الشرح : (والقول الآخر في السباع لم أعرفه للقدماء) ، قال في شرح الشرائع : قال الشهيد في الشرح : (لا نعلم القائل بعدم وقوع الذكاة عليها) أي على السباع.

فان تمّ الإجماع على وجه يفيد الحجّة كان الاستدلال به أولى فتأمّل فيه.

وتدل عليه أيضا مضمرة سماعة ، قال : سألته عن لحوم السباع وجلودها؟ فقال : اما لحوم السباع ـ والسباع من الطير والدواب ـ فانا نكرهه (ها ـ خ ل) واما الجلود (جلودها ـ خ ل) فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا (منها ـ ئل) تصلّون فيه (١).

ومعلوم ان المراد مع الذكاة.

ومضمرته الأخرى ، قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال : إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، واما الميتة فلا (٢).

ودلالتهما واضحة ، ولكن سندهما غير معتبر (عثمان بن عيسى) (٣) في الأول وزرعة في الثاني (٤) مع سماعة والإضمار كأنه لا يضرّ ، فان الظاهر منها جريان الذكاة في السباع.

ويدل عليه أيضا ما تقدم في بحث اللباس ممّا يدل على جواز لبسها والصلاة فيها ، مثل السنجاب ، والخز ، والأرنب ، والثعلب ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٢١.

(٢) الوسائل باب ٤٩ حديث ٢ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٧١.

(٣) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة.

(٤) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة.

٨٨

وفي المسوخ والحشرات والسباع قولان.

ويطهر الجلد بمجرد الذكاة وان لم يدبغ على رأي ، فان كان ممّا يؤكل لحمه حلّ بالذبح (بالذكاة) ، والّا فلا.

______________________________________________________

واما المسوخات فعلى القول بأنها نجسة فظاهر عدم الذكاة فيها (وعدم النفع أيضا ـ خ) واما على القول الآخر المشهور ـ كما هو الظاهر ـ فالقاعدة الاولى تقتضي عدم الذكاة ، وبعض الذي ذكرناه في السباع يدل على جريانها فيها فتأمّل واحتط.

واما الحشرات فالجريان فيها بعيد ، لعدم استعمال المسلمين ، وعدم الاشتراك في الانتفاع غالبا ، وعدم فهم الذكاة ، وقلّة القائل ، فلعله ليس ممّا يقبل الذبح مثل الفارة ، ولا شك ان الاجتناب عن الكلّ أحوط.

ثم على القول بوقوع الذكاة تطهر بالذكاة ، فإن كان مأكول اللحم يحلّ أكله أيضا كسائر استعماله والّا فيطهر ويحلّ سائر استعماله (١) فقط من غير اشتراط شي‌ء في غير جلده.

واما اشتراط الذبح بعد ذلك في استعمال جلده ففيه أيضا خلاف ، وأكثر ما تقدّم مثل الأصل يدل على الجواز من غير اشتراط ، وكذا رواية سماعة المتقدمة وما تقدم في : يحقّ جواز الصلاة في السنجاب والخز وغير هما (٢) فإنها تدل عليه من غير اشتراط دباغه ، والأصل كاف مع عدم الدليل.

ونقل عن الشيخين ، والمرتضى ، وابن إدريس ، اشتراط الذبح ، واحتج الشيخ عليه بالإجماع على الجواز بعد الذبح ، وبعدم الدليل قبله.

وبرواية مخلد بن سرّاج ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام ، إذ دخل

__________________

(١) راجع مجمع الفائدة ج ٢ ص ٩٧ طبع مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.

(٢) هكذا في النسخ في الموضعين ولعل الصواب كسائر استعمالاته.

٨٩

(الثالث الآلة).

ولا تحلّ التذكية إلّا بالحديد مع القدرة ، فإن خيف الفوت جاز قطع الأعضاء بمهما كان من ليطة أو خشبة أو مروة حادّة أو زجاجة.

______________________________________________________

عليه معتّب (١) فقال : بالباب رجلان فقال : أدخلهما ، فدخلا فقال أحدهما : اني رجل سرّاج أبيع جلد (جلود ـ ئل) النمر ، فقال : أمذبوحة هي؟ فقال : نعم ، قال : ليس به بأس (٢).

وقد عرفت الدليل ، والحديث المذكور لم يظهر سنده (٣) ولا دلالته.

فتأمّل ، فإن عموم (إلّا ما ذكيتم) (٤) ونحوها ممّا يدل على الطهارة بالتذكية يدلّ على جريانها في جميع ما يمكن فيه ذلك ، فيدخل فيه المسوخ والسباع ، ولعلّ الحشرات مثل الفارة خرجت بالإجماع.

فتأمّل ، فإن الحيوان طاهر في الأصل ، والذكاة أخرجته عن كونه ميتة فلم يفتقر إلى الدبغ.

ولأنه اما ان يطهر بالتذكية فيحلّ استعماله من غير اشتراط ذبح أم لا ، فيحرم استعماله مطلقا.

واعلم أن ظاهر المتن واستدلال الشرح ان الخلاف في الطهارة ، قبل الدباغ ، والظاهر خلافه ، انما الكلام بعد حصول الطهارة ، وعلى القول بها في افتقار جواز الاستعمال إلى الدباغة أم لا.

قوله : «لا تحلّ التذكية إلّا بالحديد إلخ» ثالث أركان الذبح الأربعة ، الآلة التي بها يذبح أو ينحر.

__________________

(١) كان مولى لأبي عبد الله عليه السّلام وعنه عليه السّلام ان موالي عشرة خير هم معتب.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٢٤ وفيه أبي مخلد.

(٣) سنده كما في التهذيب هكذا : علي بن أسباط عن أبي مخلد السراج.

(٤) المائدة : ٥.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر عدم الخلاف في اشتراط كونها من حديدة مع الاختيار.

وتدل عليها الأخبار مثل حسنة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الذبيحة بالليطة وبالمروة؟ قال : لا ذكاة إلّا بحديدة (١).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن ذبيحة العود والحجر والقصبة ، فقال عليه السّلام : لا يصلح الّا بالحديد (٢).

وقريب منها مضمرة سماعة (٣).

وما في الصحيح ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يؤكل ما لا (لم ـ خ) يذبح لحديدة (٤).

والعادة والعرف ، فان العرف لا يفهم من الذبح والنحر الّا بالحديد مثل السكّين ونحوه الذي جرت العادة بالذبح والنحر به ، وهو ظاهر.

والظاهر انه لا خلاف أيضا عند الضرورة في جوازه بغيره مهما كان من ليطة ـ وهي القشرة من القصب ـ ، وخشبة حادّة ، أو مروة أي حجارة حادّة قاطعة للأعضاء ، أو زجاجة كذلك.

وتدل عليه الاخبار أيضا ، مثل رواية محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه السّلام في الذبيحة بغير حديدة إذا اضطررت إليها ، فان لم تجد حديدة فاذبحها بحجر (٥).

وحسنة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٢.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٢.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٢.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٢.

(٥) الوسائل باب ٢ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٤.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

المروة والقصبة والعود ، يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجدوا (لم يجد ـ خ) سكينا؟ قال : إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك (١).

وفي صحيحته عنه عليه السّلام مثلها (٢).

وصحيحة زيد الشحام قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل لم يكن بحضرته سكّين يذبح بقصبة؟ فقال : اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به (٣).

ولكن في السنّ والظفر قولان ، سواء كانا منفصلين أو متصلين بصاحبهما ، مثل ان يذبح الذابح بظفر يده وسنّه المتصلين به.

نقل عن المبسوط والخلاف عدم الجواز بهما مطلقا أي من غير قيد بالاختيار والاضطرار وادعى فيه إجماعنا ، واستدل برواية رافع بن خديجة ان النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا الّا ما كان من سنّ أو ظفر وسأحدّثكم عن ذلك. امّا السّن فعظم الإنسان ، وأمّا الظفر فمدى الحبشة (٤).

استثنى السن والظفر من آلة الذبح فلا يكون المذبوح بهما حلالا.

ولرواية أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : لا تأكل ما لم يذبح بحديدة (٥) ورواية محمّد بن مسلم (٦) المتقدمتين وغيرهما من الاخبار الدالة على عدم جواز غير الحديد الّا ما ذكر في الاخبار المتقدمة.

قال في الشرح : وفي التهذيب جوّز رحمه الله للضرورة ، فعلى هذا ، الظاهر ان

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ بالطريق الثاني من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٣.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ١ بالطريق الرابع.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٣ بالطريق الرابع.

(٤) سنن أبي داود ج ٣ باب في الذبيحة بالمروة قطعة من حديث ١ رقم ٢٨٢١ ص ١٠٢.

(٥) قدمنا مواضعهما آنفا فراجع.

(٦) قدمنا مواضعهما آنفا فراجع.

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مراده في الكتابين (مع الاختيار) بناء على الغالب ، واختار الجواز ابن إدريس والمصنّف في المختلف.

ودليله صحيحة زيد الشحام (١) المتقدمة ، وصحيحة عبد الرحمن وحسنته المتقدمتين (٢) ، فالأولى تدل على أنّ كلّ ما يقطع ويخرج الدم فيجوز الذبح به ويحل وصرّح فيها بالعظم أيضا ، والظاهر ان السنّ أيضا عظم.

والثانية دلت على انّ المدار على قطع الأوداج بأيّ شي‌ء كان وفي غير هما أيضا إشارة إلى ذلك فافهم.

وما صرّح في التهذيب بالجواز بالسن والظفر ، نعم نقل أوّلا كلام الشيخ المفيد : (ومن لم يجد حديدا يذكّي به ووجد زجاجة تفري اللحم أو ليطة من قصب لها حدّ كحدّ السكين ذكّى بها) (٣) ونقل الأخبار الدالّة على ذلك ، ثم التي ذكرناها أوّلا ثم قال : (واما حال الضرورة فقد روى جواز ذلك) ونقل الأخبار المتقدمة الأخيرة وهذه ليست بدالة على ما ذكره الشارح.

نعم قد يفهم منه التفصيل كما أشار إليه في المختلف ونقل عن ابن إدريس إجماعنا على جواز الذبح بهما (٤) وبغير هما مع عدم الاختيار حيث قال : لا خلاف

__________________

(١) قدمنا ذكر مواضعها آنفا فراجع.

(٢) قدمنا ذكر مواضعها آنفا فراجع.

(٣) وقال : ولا يذكّي بذلك الّا عند فقد حديد.

(٤) نقول : ان العبارة التي نقلها عن ابن إدريس لم نجدها في السرائر لا في كتاب الصيد والذبائح ولا في كتاب الأطعمة والأشربة والتي وجدناها من السرائر ما ذكره في باب الذبائح هكذا : وكيفيّته (أي الذبح) وجوب التسمية (إلى ان قال) وقطع أربعة أعضاء ، المريّ والحلقوم والودجين وهما المحيطان بالحلقوم ، والمري مجرى الطعام والحلقوم مجرى النفس مع القدرة على قطعها ويكون قطعها بحديدة مع قدرته عليه (إلى ان قال) : وقد قدمنا انه لا يجوز الذباحة إلّا بالحديد ، (فان لم يوجد) حديد وخيف فوات الذبيحة واضطرّ الى ذباحتها جاز ان يذبح بما يفري الأوداج من ليطة أو قصبة ، والليط هو القشر اللاصق بها الحادّ ، مشتق من لاط الشي‌ء بقلبه إذا لصق به ، والقصبة واحدة القصب ، أو زجاجة أو حجارة حادّة الأطراف مثل الصخرة والمروة وغير ذلك (ذبح) (انتهى)

٩٣

وفي الظفر والسن قولان وان كانا منفصلين.

ولو رمى رأس عصفور ببندقة حرم.

(الرابع الكيفيّة).

______________________________________________________

بيننا انه يجوز الذباحة في حال الاضطرار ، وعند تعذر حديدة ، بكلّ شي‌ء يفري الأوداج ، سواء كان ذلك عظما أو حجرا أو عودا أو غير ذلك ، وانّما بعض المخالفين يذهب إلى انه لا يجوز الذبح بالسن والظفر حال الاختيار والاضطرار ، واستدل بخبر رواه المخالف من طرقهم ، وما رواه احد من أصحابنا.

ثم قال : هذا الذي ذكره ابن إدريس مذهب شيخنا رحمه الله ، وانما أطلق المنع في الكتابين بناء على الغالب.

ويؤيّد الجواز عموم ما يدلّ على جواز الحلّ.

فقول الشارح : والأصح انه لا يجوز التذكية بالسن والظفر مطلقا للحديث المتقدم ، والجواز بالعظم لا يلزم منه الجواز بالسنّ ، محلّ التأمّل.

قوله : «ولو رمى رأس عصفور ببندقة إلخ» فقطع رأسه بها حرم العصفور.

لعلّ دليله ما تقدم من القاعدة ، وما مرّ ممّا يدل على عدم حلّ الصيد الّا بالسهم ، والرمح ، والكلب ، وخصوصا تحريم ما يقتل بالحجر والبندق.

مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن قتل الحجر والبندق أيؤكل منه؟ فقال : لا (١).

ومثلها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (٢).

__________________

وهي كما ترى ليس فيها اسم الظفر أو السن أصلا.

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٥.

(٢) الوسائل باب ٢٣ حديث ٦ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٦.

٩٤

ويشترط فيه أمور خمسة (الأوّل) قطع المري ، وهو مجرى الطعام والشراب ، والحلقوم ، وهو مجرى الهواء ، والودجين ، وهما عرقان محيطان بالحلقوم.

______________________________________________________

وصحيحة سليمان بن خالد وحسنة حريز عن أبي عبد الله عليه السّلام (١).

ورواية محمّد بن مسلم وعبد الله بن سنان (٢).

فلا اختصاص بالعصفور ، ولا برمي رأسه ، ولا بالبندقة ، بل القتل بغير الآلة التي تقدم الحلّ بقتلها ، وبها على غير الوجه الذي تقدم يحرم مطلق ، لما تقدم غير مرّة.

قوله : «ويشترط أمور خمسة إلخ» بيان كيفيّة الذبح والآلة المقررة ليحلّ ويشترط فيه أمور خمسة (الأول) قطع الأعضاء ، وهي المريّ ـ وهو مجرى الطعام والشراب ـ والحلقوم ـ وهو مجرى النفس داخلا وخارجا ـ والودجان ـ وهما عرقان محيطان بالحلقوم وقيل : بالمري ـ والأمر في ذلك هيّن لأنهما معلومان.

هذا فيما يذبح من الحيوان ، وهو غير البدن.

واما هي فلا بدّ من نحرها عندهم كما سنذكر.

ولا بدّ في الأول من قطع كل هذه الأربعة بالكليّة ، فلا يكفي قطع البعض بالكلّية ، ولا قطع البعض من الكلّ. هذا هو ظاهر أكثر العبارات والمشهور بين المتفقهة.

والدليل عليه غير ظاهر سوى ما يقال : من ان الحلّ بهذا معلوم وبغيره غير معلوم ، فلا يحلّ ، وانه المشهور.

وما في روايتي عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدمتين : (إذا فرى الأوداج

__________________

(١) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ ـ ٤ ـ ٧ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٦.

(٢) الوسائل باب ٢٣ مثل حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦.

٩٥

ولا يجزي قطع بعضها.

______________________________________________________

فلا بأس بذلك) (١).

وأنت تعلم ما فيه ، إذ قد يعلم الحلّ بغيره أيضا من عموم صدق الذبح ونحوه كما ستسمع ، والشهرة ليست بحجّة ، وروايتا عبد الرحمن ليستا بحجّتين إذ قد يكون المراد من الأوداج الودجين فقط ، وان سلّم انه قد يطلق على كل واحد ودج فمجموع الأربعة أوداج وانه ورد ذلك في اللّغة الّا انها ليست بصريحة في ذلك.

وأيضا ، الفري هو الشق ، قال في القاموس : فرى يفريه ، شقّه فاسدا أو صالحا تفرى انشق. فلا يفهم منه القطع بالكليّة كما هو المدعى ، والمشهور وهو ظاهر.

وكأنه الى ذلك أشار في الشرائع بقوله : المشهور ، فتأمّل.

فيمكن (ويمكن ـ ظ) ان يكون قطع الحلقوم كافيا مع العلم بأنه مات به بخروج الدم ونحوه.

ويدل عليه ما في صحيحة زيد الشحام : (إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به) (٢) وهو مذهب ابن الجنيد.

قال في الدروس : ولو (فلو ـ خ) قطع البعض لم يحلّ وان بقي يسير وكلام الشيخ في الخلاف يظهر منه الاجتزاء بقطع الحلقوم ، ومال إليه الفاضل بعض الميل لصحيحة زيد الشحام عن الصادق عليه السّلام : إذا قطع الحلقوم وجرى الدم فلا بأس (٣) ولكنها في سياق الضرورة المجوّزة للذبح بغير الحديد ، وهي معارضة بحسنة عبد الرحمن بن الحجّاج عن الكاظم عليه السّلام (إذا فرى الأوداج فلا بأس) (٤) ، ذكره أيضا عند عدم السكين (٥).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢ حديث ١ بالطريقين من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٣.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٤.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٤.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٤.

(٥) إلى هنا عبارة الدروس.

٩٦

ويكفي في المنحور طعنه في ثغرة النحر ، وهي وهدة اللّبّة.

______________________________________________________

في رواية زيد الشحام : خروج الدم ، وهو أعم من الجري وان كان سوقها للضرورة الّا انها عامّة.

والظاهر عدم الفرق في ذلك بين حال الضرورة ـ بعدم وجدان الحديدة ـ وغيرها.

ويمكن عدم المنافاة بينها وبين ما في روايتي عبد الرحمن ، فإنهما تدلان على حصول التذكية بفري الأوداج ولا تدلان على عدمها بغيره الّا بمفهوم.

والظاهر أنّ منطوق صحيحة الشحام أقوى منه فلا يقيّد به وان كان يتوهم أولويّة الجمع بحملها عليهما لحمل المطلق على المقيّد ، الثابت في الأصول ، لما (١) عرفت من عدم صراحة هذا المفهوم وتقوية هذا المنطوق.

على انك قد عرفت غير مرّة ان التخصيص بالمفهوم انما نقول به إذا كان دلالة المفهوم أقوى على (٢) نفي الحكم عن غير المذكور ، من دلالة العام على وجود حكمه في تلك الأفراد المنفي عنها الحكم بالمفهوم فتأمّل.

وبالجملة ، المسألة لا تخلو عن إشكال ، من عدم الدليل ، ومن قول أكثر العلماء ولا شك ان الاحتياط معهم وان لم يكن دليلهم قويا ، فلا ينبغي الخروج مهما أمكن عن الاحتياط وذلك ظاهر.

قوله : «ويكفي في المنحور إلخ» اعلم ان المشهور بين الأصحاب ان التذكية أمّا بآلة الصيد وقد مرّ ، وإمّا بغيرها ، ففي السمك والجراد أخذهما من الماء وغيره حيّا ، سواء كان الآخذ مسلما أو كافرا ، بشرط العلم بأنه أخذهما حيّا ، وفي غيرهما إمّا الذبح أو النحر ، والأول في غير الإبل وقد مرّ طريقه ، والثاني فيه.

فلو عكس لم يحلّ شي‌ء منهما خلافا لبعض العامّة ، والنحر انما يحصل بطعن

__________________

(١) تعليل لقوله قدّس سرّه : (فلا يقيد).

(٢) متعلق بقوله رحمه الله : دلالة المفهوم إلخ.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

السكين ونحوه واجالته وإدخاله في الوهدة التي منتهى الرقبة والصدر ، يقال لها : وهدة اللبّة (١) وهي الصدر.

وأشار بقوله : (ويكفي) إلى ردّ قول بعض العامّة : انه يحتاج مع ذلك الى قطع الحلقوم والمريّ.

لعلّ دليلهم الإجماع المستند الى بعض الروايات ، مثل حسنة معاوية بن عمّار ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : النحر في اللبّة ، والذبح في الحلقوم (٢).

وحسنة صفوان قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ذبح البقر من المنحر؟ فقال : (لا) (٣) ، للبقر الذبح وما نحر فليس بذكي (٤).

ورواية يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام : ان أهل مكة لا يذبحون البقرة إنما ينحرون في لبّة البقر فما ترى في أكل لحمها؟ قال : فقال : فذبحوها وما كادوا يفعلون لا تأكل إلّا ما ذبح (٥).

وما تقدّم في اعتبار الذبح من قطع الحلق ونحوه ، فلا يحلّ بدونه إلّا الإبل بالإجماع.

وفي إفادة هذه الاخبار تمام المطلوب تأمّل واضح مع عدم الصحّة الّا أن يكون هنا إجماع أو غيره من الاخبار ممّا لم نطّلع عليه.

نعم قد دلّت رواية صفوان (٦) على عدم تذكية البقر بالنحر ، ورواية

__________________

(١) اللبّة بفتح اللام وتشديد الباء المنحر وموضع القلادة (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٦.

(٣) ليس في الكافي والتهذيب والوسائل لفظة (لا).

(٤) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٧.

(٥) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٧.

(٦) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٧.

٩٨

ولو ترك جلدة يسيرة من الحلقوم حرم.

______________________________________________________

يونس (١) ـ مع عدم الصحّة لاشتراك علي بن محمّد على ما في الكافي (٢) ، والكلام في يونس الّا أنّها مذكورة في التهذيب (٣) بغير ما في الكافي ، ولكن ليس فيها علي بن محمّد ، فكأنها حسنة ان لم يغيّر القول في يونس ـ دلّت على تحريم أكل البقر إلّا إذا ذبح.

ويمكن فهم تحريم المذبوح الّا مع الذبح.

ولكن ما دلّ على عدم حلّ المنحور الّا بالنحر وعموم (إلّا ما ذكّيتم) ونحوه يدلّ على الحلّ مطلقا بما يصدق عليه التذكية ، ولا شكّ في صدقها بقطع الأوداج بل الحلقوم كما تقدم فتأمّل ولا تخرج عن الاحتياط مهما أمكن فإنه طريق السلامة.

قوله : «ولو ترك جلدة يسيرة من الحلقوم حرم» أي لا بدّ من قطع كلّ واحد من الأعضاء الأربعة بالكلّية ، فلا يكفي قطع الكل ان بقي من البعض شي‌ء مثل جلدة يسيرة من الحلقوم ، وكذا من المريّ والودجين ويحتمل اختصاصه بالحلقوم فتأمّل.

وقد مرّ دليل التحريم حينئذ مع ما فيه ، فان دليله غير تام والقائل بالعدم موجود فتأمّل.

ولو قدّمه على قوله : (ويكفي) لكان أولى فإنه من تتمّة قوله : (ولا يجزي لو قطع بعضها) وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٧.

(٢) مسندها في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن نصر ، عن يونس بن يعقوب.

(٣) في التهذيب هكذا : محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن يونس بن يعقوب. ولكن سند الوسائل غير ما في الكافي والتهذيب فلاحظ.

٩٩

ولو قطع من القفا وأسرع إلى قطع الأعضاء قبل حركة المذبوح حلّ.

ولو نزع آخر حشوته مع الذبح حرم ان لم ينفرد الذبح بالتذفيف.

______________________________________________________

هذا إذا لم يستدركه ، امّا إذا قطع البعض ثم استدرك قطع الباقي ففصل في الدروس وقال : فلو قطع البعض وأرسله ثم تمّمه ، فان كان في الحياة استقرار أو قصر الزمان حلّ ، والّا فالأقرب التحريم ، لأن الأول غير محلّل ، والثاني يجري مجرى ذبح الميّت ، ووجه الحلّ استناد الموت إلى التذكية (١).

(وـ خ) قد عرفت منع كونه الأوّل غير محلّل ، ويمكن منع كون الثاني جاريا مجرى الميّت الّا ان يعتبر استقرار الحياة كما اعتبره وسيجي‌ء البحث فيه.

ويمكن استخراج وجه آخر للحلّ ممّا مرّ ، وهو انه لا يشترط قطع المجموع بل يكفي قطع البعض وقد حصل فرضا ، ولا يضرّ إتمامه بعده.

قوله : «ولو قطع من القفا إلخ» أي لو ذبح ما يذبح من القفا ، فإن أسرع إلى قطع الأعضاء الأربعة الذي هو شرط الحلّ قبل ان يصير بقطع غيرها ، في حكم المذبوح ، بأن لا يتحرك أو يتحرك حركة المذبوح غير مستقرة الحياة حلّ والّا حرم ، لحصول الشرط الذي هو المحلّل وعدمه ، وهو ظاهر ، ولكن العلم به مشكل.

ويمكن ان يحكم بعدم زوال الاستقرار قبل قطعها المحلّل ، للأصل والاستصحاب فيكون حلالا دائما حتى يعلم زوال الحياة المستقرّة قبله.

ويمكن اشتراط العلم لزوالها بالقطع المحلّل لا بقطع القفا قبله ، بناء على قاعدتهم المتقدمّة فتأمّل ، لعلّ دليل الأول أقوى والثاني أحوط.

قوله : «ولو نزع آخر حشوته إلخ» يعني لو ذبح ذابح حيوانا وفي هذه

__________________

(١) إلى هنا عبارة الدروس ذكرها في ثامن شروط التذكية.

١٠٠