مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

ولو لم يثبته الأوّل وقتله الثاني فهو له.

ولو أثبته الأوّل ولم يصيّره في حكم المذبوح فقتله الثاني فهو متلف ، وعليه الأرش ان أتلفه بالذكاة ، والّا فالقيمة معيبا بالأوّل ان لم يكن لميتته قيمة ، والّا الأرش.

______________________________________________________

أيضا ، لأنه قتل المقتول إن لم يفسد الجرح الثاني شيئا من لحمه أو جلده أو غيره ، ومع الإفساد ، عليه أرش نقص ما أفسد وعوض الفاسد ، وهو ظاهر ، إذ لا يشترط في ضمان المتلفات قصده والظلم (١) بل يكفي الإفساد في ملك الغير ، وقد وقع وهو (لما هو ـ خ) مقرّر عندهم ، ولهذا يغرمون بالخطإ والنسيان فتأمّل.

ولو لم يثبته الأول ، بل جرحه فقط غير مثبت ، ولا قاتل مزيل لحياته المستقرة فيقتله الثاني ، فهو له وليس للأول ، ولا عليه شي‌ء بما تقدم.

وكذا لو أثبته الثاني إن لم يكن بجرحه في إثباته دخل أصلا بأن كان الجرح الثاني مستقلا في الإثبات وان كان الجرح الأوّل بحيث لو لم يكن لم يكن الثاني مثبتا ولكن معه صار مثبتا ، فمثل ما تقدم من حكم ذي الامتناعين الذي جعل أحدهما غير ممتنع بأحدهما ثم يجعله الثاني غير ممتنع ، فتذكّر.

ولو أثبته الأوّل ولم يصيّره في حكم المذبوح بإزالة حياته المستقرة ثم قتله الثاني فهو متلف على الأوّل صيده المملوك له ، فإن أتلفه بالذكاة بأن قتله قتلا مبيحا للحيوان الغير الصيد لحصول جميع شرائطه فإنما عليه أرش هذا الصيد ، وتفاوت قيمته ما بين كونه حيّا مثبتا مجروحا كما كان قبل الجرح الثاني وبين كونه مذبوحا ذبحا شرعيّا وهو ظاهر.

وان أتلفه لا على وجه التذكية ، بل صار ميتا حراما ، فإنما عليه قيمته معيبا بالجرح الأوّل أي تمام قيمة المجروح.

__________________

(١) يعني لا يشترط فيه قصد الظلم.

٦١

وان جرحه الثاني ولم يقتله ، فإن أدرك ذكاته فهو حلال ، والا فميتة ، فان لم يتمكّن الأوّل من تذكيته وجب على الثاني كمال القيمة معيبا بالأوّل ، وان أهمل مع القدرة حتى سرت الجنايتان سقط ما قابل فعل الأوّل ، وعلى الثاني نصف قيمته معيبا.

______________________________________________________

هذا إذا لم يكن لميّته قيمة ، وان كان لميّته قيمة ، مثل ان يكون لعظمه قيمة ، فإنه يجوز الانتفاع به وبيعه ، وكذا سائر مستثنيات الميتة ، فإنما عليه الأرش ، وهو التفاوت بين قيمته ميّتا وحيّا مجروحا بالأول وهو واضح أيضا.

هذا إن قتله الثاني بعد إثبات الأول.

فإن جرحه الثاني ولم يقتله حينئذ ، فإن أدرك ذكاته فهو حلال ومال للأوّل ، وعلى الثاني له أرش جناية جرحه كائنا ما كان.

وان ترك ولم يذكّه ، فان لم يتمكّن من ذبحه وكان سبب تلفه جرحه ، سواء كان عدم التمكن لعدم آلة الذبح أو لضيق الزمان ، فهي ميتة ووجب له على الثاني تمام القيمة معيبا بالجرح الأول.

وان تمكن فهو ميتة أيضا ولم يكن له عليه شي‌ء ان لم يكن لجرحه في قتله مدخل ولا نقصان ، ومع النقصان الأرش.

والّا ، فإن كان مستقلا فيه بحيث لا دخل بجرح الأوّل في قتله ، بمعنى انه كان يعيش ان لم يكن الثاني ، فالظاهر ان عليه حينئذ أيضا كمال القيمة معيبا بالأوّل ان لم يكن لميّته قيمة ، إذ لا يسقط (لا يترك ـ خ) حق شخص بترك ذبح ماله المضمون حتى صار ميّتا والّا (١) الأرش ، وهو التفاوت ما بين كونه ميّتا وحيّا مجروحا بالأول.

وان كان سبب القتل كلا الجرحين مع القدرة على الذبح والإهمال حتى

__________________

(١) وان كان لميّته قيمة كذا في هامش بعض النسخ.

٦٢

ولو كان مملوكا لغيرهما وقيمته عشرة وجناية كلّ واحد بدرهم وسرتا ، فبعض الاحتمالات

______________________________________________________

سرتا الجنايتان معا بمعنى عدم استقلال كل واحد في القتل ، فلو لم يكونا لم يقتل سقط (١) ما قابل فعل الأوّل ، وعلى الثاني نصف قيمته معيبا.

ومع عدمها (٢) عليه وعلى الثاني تمام القيمة معيبا ان لم يكن لميّته قيمة ، والّا فالأرش وسيعلم تفصيله أيضا ، هذا أحد الاحتمالات التي تجري في مال الغير ويجري كلّها فيه أيضا ، فوجه التخصيص غير ظاهر.

مع انه يحتمل هنا (٣) كمال القيمة معيبا بالأوّل ، لأنه لو لم يكن الجرح الثاني لم يمت بالفرض ، وان كان لو لا الأوّل أيضا لم يمت ، الّا انه بعد وجوده قتله الثاني ، نعم هذا الاحتمال لم يجر لو فرض كون كلّ واحد قاتلا مستقلا لو لا الآخر فتأمّل.

قوله : «ولو كان مملوكا لغيرهما إلخ» الظاهر جريان الاحتمالات المذكورة في مال الإنسان إذا كان أحد الجارحين عبدا كان أو شاة وغيرهما.

ويحتمل ذلك في الصيد أيضا بعد إثبات الأول وصيرورته ملكا له ، غاية الأمر انه سقط ما قابل فعله عن قيمة المقتول ، ويؤخذ الباقي من الجارح الثاني ، وفي ملك الغير يؤخذ منهما للمالك فليس المراد ، التخصيص بملك الغير ، بل لبيان الأخذ عنهما.

والقول بأن المصنّف فرض هذه المسألة في دابّة مملوكة لغير هما كعبد الغير وشاته ويمكن فرضها في عبد جنى عليه سيّده ثم جنى عليه آخر ـ كما قاله في الشرح ـ

__________________

(١) جواب لقوله قدّس سرّه : (وان كان سبب إلخ).

(٢) أي مع عدم القدرة على الذبح كذا في هامش بعض النسخ.

(٣) أي في كون سبب القتل كلا الجرحين ـ كذا في هامش بعض النسخ.

٦٣

بسط العشرة على تسعة عشر ، وإيجاب عشرة منها على الأوّل ، وتسعة على الثاني.

______________________________________________________

غير جيّد ، ولكن الأمر في ذلك هيّن ، والعمدة تحقيق الحق.

وقد ذكروا رحمهم الله خصوصا الشهيد في الشرح ما لا يقدر على الزيادة عليه ونقل كلامهم ممّا لا فائدة فيه ، إذ يمكن أخذه منه ، بل عباراتهم أحسن فليرجع إليه.

ولكن لما كان اسم هذا شرحا فلا ينبغي ان يخلو عنه.

واعلم انه يحتمل أنّ المصنف فرض المسألة في حيوان الغير بعد الإشارة إلى حكم الصيد الذي صار ملكا له ثم جرحه الثاني ومات بهما (خشية ـ خ) ، لاحتمال اختصاص الصيد بما قلناه من الاحتمال ، وهو لزوم تمام القيمة على الثاني معيبا بالأول ان لم يكن لميّته قيمة ، والّا الأرش ، لأن جناية المثبت على مباح فلا يضمن ، وجرح الثاني وقتله فيضمن ، إذ الفرض أن جنايته كانت قاتلة ولو لم تكن الأولى أيضا.

ولا يتفاوت الحال بما (١) إذا كان قادرا على تذكيته ، وتركه عمدا أم لا؟ إذ لا يجب عليه ذبح ماله وتخليص غيره عن ضمانه.

ويحتمل كون مال الجارح الأوّل مثله فتأمّل.

أما توجيه الاحتمال الذي يظهر أنه أحسن الاحتمالات المتقدّمة ـ واختاره الشيخ علي فهو أنه بالحقيقة يؤل الى ان العشرة تلفت بعشرة مؤثرة فيه من واحد ، وبتسعة من آخر فينبغي تقسيمها عليها بهذه النسبة.

ولا يرد انه يلزم الحيف على كل واحد ، لأنه جنى أحدهما في نصف العشرة فليس عليه الّا نصفه والأخر في نصف التسعة فليس عليه نصفه كذلك ، إذ

__________________

(١) هكذا في النسخ مخطوطة ولعل الصواب (فيما) بدل (بما).

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لا شك ان تمام العشرة متلفة تبلغهما ولا يمكن نقصان شي‌ء منهما (منها ـ خ) عن المالك ، ولا أخذ شي‌ء من غير هما ، لانحصار الجناية فيهما ، ولا يمكن التفاضل بينهما ، بل يجب ان يكون الباقي أيضا عليهما وهو نصف درهم هو تسعة اجزاء ونصف بنسبة جنايتهما وخسارتيهما (خسارتهما ـ خ) وهو كذلك ، لأنه إذا اعطى صاحب العشرة خمسة وصاحب التسعة أربعة ونصفا بقي نصف درهم هو تسعة اجزاء ونصف من مائة وتسعين جزء (١) فينبغي ان يجعل منها على الأول خمسة اجزاء ، وعلى الثاني أربعة اجزاء ونصف ، فان نسبة الخمسة إلى الأربعة ونصف كنسبة العشرة إلى التسعة وهي نسبة الخسرانين والجنايتين.

فعلى الأوّل خمسة دراهم هي خمسة وتسعون من مائة وتسعين جزء وخمسة أجزاء منها فالمجموع مائة جزء وعلى الثاني هي أربعة ونصف هي خمسة وثمانون ونصف من مائة وتسعين جزء وأربعة اجزاء ونصف منها ، فالمجموع تسعون ، هكذا قرّر في الشرح.

ولي فيه تأمّل من وجهين (الأول) ان فيه حيفا على الثاني ، لأنه ما شارك في القتل إلّا في حيوان يسوى تسعة ، فلا عليه الّا نصف ذلك بخلاف الأوّل ، فإنه جرح في وقت يسوى عشرة ، وما كان له هناك شريك أصلا فجنايته المستقلّة دينار ثم الشركة.

وليس هذا بناء على عدم إدخال أرش جناية الأول في النفس دون الثاني ، حتى يكون ترجيحا بلا مرجّح ، بل بناء على انه ابتدأ التلف وصيّر الحيوان يسوى تسعة بعد ان كان يسوى عشرة ، فليس حينئذ له شريك فلفعله (٢) أثر (تأثير ـ خ ل) في القتل بأكثر من جناية نصف العشرة ، فإنه لو كان له حينئذ

__________________

(١) حاصلة من ضرب تسعة عشرة في عشرة هكذا في هامش بعض النسخ.

(٢) فليس له تأثير ـ خ.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

شريكا كان عليه نصف ، فكيف يكون عليه بلا شريك نصف.

فهذا الاحتمال وان يرى انه جيّد ، ولكن الظاهر انه ضعيف ، لما عرفت فتأمّل.

(والثاني) (١) انه على تقدير تسليم ما ذكر ، لا ينبغي ذلك مطلقا ، بل ينبغي ان يكون ذلك على القول بدخول أرش جناية الطرف في النفس كما هو الظاهر ، إذ ما قتل الّا نفس فيؤخذ ديتها أيّ شي‌ء كانت ، ولهذا لو كانت موجبة للقصاص ليس عليه الّا قصاصها للنفس بالنفس الّا ان يقال : يلزم القصاص في الطرف لو كانت موجبة له أيضا ، (الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ) مثلا فتأمّل.

واما على القول بعدمه مطلقا أو في المملوك فقط كما هو الظاهر ـ لأن في الحرّ لو لم يدخل لزم أخذ أرش الطرف مرّتين ـ فإن دية النفس مأخوذة عن كل انسان ، وهي موزّعة على كل بدنه ، فإذا أخذت عن طرفه على حدة ، وأخذ على جميعه دية كاملة يلزم ذلك ، وهو ظلم ، فإنه ما قتل الا نفسا وأخذ منه دية النفس والزيادة.

بخلاف المملوك فإنه ان أخذ دية الطرف لم يؤخذ دية نفسه بكلّها ، بل ديتها معدوم (٢) الطرف ، إذ لا يؤخذ إلّا قيمة معدوم الطرف.

فالظاهر ان على كل واحد خمسة ، لان على كل واحد دينارا أرش جنايته ثم الباقي يقسم بينهما بالسوية ، فإنه قتل بجنايتهما.

ولا حيف على الثاني ، لأنه صار شريكا في القتل بعد سقوط أرش الجنايتين ، ولا يلزم أخذ الناقص عن الأوّل ، فإنه ما صار شريكا الّا بعد سقوط أرش

__________________

(١) عطف على قوله : الأول إن إلخ.

(٢) هكذا في النسخ والصواب ، معدومة الطرف.

٦٦

وبعضها إيجاب نصف العشرة على الأول ، ونصف التسعة على الثاني.

ولا اعتبار بهذا النقصان على المالك.

وبعضها على الأول خمسة ونصف ، وعلى الثاني خمسة فتبسط العشرة على عشرة ونصف.

______________________________________________________

جناية الثاني ، فكما لزمه شي‌ء لصاحب المال لزمه نقصان شي‌ء من أرش جناية الأول ، هذا احتمال آخر مطلقا مذكور في غير المتن.

وهو مطلقا غير جيّد ، نعم جيّد بناء على خروج أرش الجناية فتأمّل.

واما الاحتمال الثاني ، فهو ان نصف العشرة على الأوّل ، لأنه شريك في قتل حيوان يسوى عشرة ، وعلى الثاني نصف التسعة ، لأنه قتل بالشركة حيوانا يسوى تسعة ، فيلزم على صاحبه النقصان.

قال المصنف : (ولا اعتبار بهذا النقصان على المالك).

وهو ضعيف للزوم النقصان على المالك من غير وجه ، فلا وجه لعدم اعتباره ، كيف لا يكون معتبرا وقتل حيوانه ظلما ، فلا يأخذ تمام أرشه ، بل ينقص نصف العشر ، وهو ظلم.

واما الاحتمال الثالث ، فهو مبنيّ على عدم دخول أرش الجناية في النفس فحينئذ على الأوّل دينار للأرش ، ونصف التسعة لشركته في القتل حينئذ فعليه خمسة ونصف ، وعلى الثاني دينار للأرش كذلك ، ونصف الثمانية فعليه خمسة.

وهنا يلزم زيادة نصف دينار فيبسط العشرة على عشرة ونصف فيجعل عشرة دنانير أحدا وعشرين جزء ، فعلى الأول منها إحدى عشرة ، وعلى الثاني عشرة.

فيه حيف على الأوّل ، فإنه وان كانت جنايته على العشرة الّا ان جناية الثاني أسقطت عنه دينارا فصار الشركة في القتل بعد حذفه.

٦٧

وبعضها إيجاب أربعة ونصف على الثاني ولا يمكن زيادة (الزيادة ـ خ) عليها ، وعلى الأوّل تمام العشرة.

______________________________________________________

فمقتضى القول بخروج الأرش عن دية النقص ما قدّمناه (١) فتذكر ، على انه مبنيّ على ذلك (٢) ، وينتفي (ينبغي ـ خ) الحكم على التقديرين أو بعد إثبات رجحان هذا (٣) وهو غير ظاهر وما أثبت ، فتأمّل.

ويحتمل عدم البسط والتزام حصول الزيادة للمالك ، لانفراد أرش الجناية عن قيمة النفس فتأمّل.

واما الاحتمال الرابع ، فهو أن الأربعة ونصفا على الثاني ، إذ ما شارك في القتل الّا بعد ان كان يسوى تسعة ، وعلى الأوّل خمسة ونصف تمام العشرة ، لأن النقصان غير معقول ، وإلزام الثاني بأكثر ممّا ذكرناه من شركته في قتل حيوان يسوى تسعة كذلك ، فيلزم الأول لأنه المبتدئ ، فكأنه لزمه دينار على الاستقلال للأرش ، ونصف التسعة للشركة في القتل.

وفيه أيضا حيف على الأول حيث ما أدخل أرش جنايته في القتل وأدخله الثاني.

وهذا الاحتمال لا يخلو عن قوّة ، وليس مبنيا على إخراج أرش جناية الأول وإدخال الثاني ، بل على انه ما كان للاول شريك الّا بعد ان صيّره يسوى تسعة مع شركته في قتله وإتلافه بالكليّة وما كان له شريك قبل التسعة ، وليس النقصان على المالك معقولا ، ولا على الثاني أكثر من جنايته ، وهو إتلاف نصف التسعة ، فلا يكون الّا على الأوّل ما فعله مستقلا وما شارك.

__________________

(١) أي من التنصيف هكذا في هامش بعض النسخ.

(٢) أي على خروج أرش الجناية هكذا في هامش بعض النسخ.

(٣) أي خروج الأرش عن الدية هكذا في هامش بعض النسخ.

٦٨

المقصد الثاني : في الذبح

وفيه مطلبان :

الأول : في الأركان

وهي أربعة : (الأوّل الذابح) وشرطه الإسلام أو حكمه ، فلا تحلّ ذبيحة الكافر وإن كان ذمّيا ولا الناصب.

______________________________________________________

ولأنه المبتدي والمعتدي أوّلا ، فكأنه لفعله تأثير في القتل أكثر من الثاني لأنه صار شريكا بعد نقص التأثير كأنه أتلف بعضه وميّته ثم صار هذا شريكا له.

وهذا هو المتجه على القول بدخول الأرش إذ (أو ـ خ) فعل أكثر من إتلاف نصف العشرة ، فإنه كان مستقلا الى ان صارت تسعة ومن هنا حصل له شريك.

وهنا احتمالات كثيرة مذكورة في الشرح أكثرها مع ما فيها ، فليرجع اليه وليتأمّل ذلك.

قوله : «وشرطه الإسلام أو حكمه إلخ» نقل إجماع الأصحاب بل المسلمين على اشتراط كون الذابح غير مشرك ، وتحريم ذبيحة المشرك وغير الكتابي من أصناف الكفّار حتى المرتدّ.

وانما الخلاف والنزاع في غيرهم ، فذهب جماعة ، مثل الشيخين ، والسيّد ، وابن إدريس إلى اشتراط الإسلام ، فيحرم ذبيحة الكتابين (الكتابي ـ خ) مثل اليهود ، والنصارى ، والمجوس.

ونقل عن البعض ، مثل ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، القول بعدم الاشتراط والحلّ ، ونقل ذلك عن الصدوق أيضا ، لكن اشترط هو سماع التسمية عليها ولم يفرّق بين المجوس وغيره.

وقال في الدروس : وهو (أي التحريم) اختيار المعظم (الى قوله) : ويحرم

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ذبيحة الناصبي ، والخارجي دون غيره على الأصحّ لقول أمير المؤمنين عليه السّلام : من دان بكلمة الإسلام وصام وصلّى ، فذبيحته لك (لكم ـ ئل) حلال إذا ذكر اسم الله عليه (١) ويعلم منه تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وهل يشترط مع الذكر اعتقاد الوجوب؟ الأقرب لا ، وشرطه الفاضل ، وقصر ابن إدريس الحلّ على المؤمن والمستضعف الذي لا منّا ، ولا من مخالفينا ، ومنع الحلبي من ذبيحة جاحد النص ، ومنع ابن البراج من ذبيحة غير أهل الحق لقول أبي الحسن عليه السّلام لزكريا بن آدم : إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلّا في وقت الضرورة إليه (٢) ويحمل على الكراهة (انتهى).

هذه صحيحة ، وفي طريق الاولى (الحسن) (٣) وهو غير ظاهر ، ولعلّه ابن سعيد أخو الحسين بن سعيد ، كأنه نقل عن أخيه فتأمّل.

ويؤيّد الأخير ما في الفقيه ـ بعد رواية الحلبي ـ : وقال الصادق عليه السّلام : لا تأكل ذبيحة اليهودي ، والنصراني ، والمجوسي وجميع من خالف الدين إلّا إذا سمعته يذكر اسم الله عليها (٤).

فان كانت عن الحلبي كما هو الظاهر ، فهي صحيحة.

ويحتمل ان يراد من الدين الإسلام فلا تكون مؤيّدة ، فتأمّل.

والدليل على اشتراط الإسلام هو الكتاب والسنّة والإجماع والاعتبار.

اما الكتاب : (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٥) وجه الدلالة أنها

__________________

(١) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢ وفيه ذبيحة من دان إلخ.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.

(٣) فان سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن (عن ـ خ) يوسف ، عن عقيل عن محمّد بن قيس وفي الاستبصار الحسين بن سعيد عن الحسن عن يوسف بن عقيل إلخ.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٤٣ من أبواب الذبائح ج ١٧ ص ٢٩١.

(٥) الانعام : ١٢١.

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

تدلّ على تحريم الأكل (مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، ويدلّ عليه الإجماع أيضا فهو دليله أيضا.

أي لم يعلم ذكر اسمه تعالى عليه ، وذلك في الكافر ، غير معلوم إذا لم يعلم ، وإذا علم بذلك فذلك غير معلوم حقيقة وغير اسمه تعالى إذ (لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ) الحقيقي ، فإن ذكر اسمه تعالى على الحقيقة هو ذكره ممّا يعتقده ويثاب عليه ويعلمه على وجه لا يلزم كفره وعدم رضاء الله بذكره.

ولان الله تعالى لا ينهى عن الأكل الّا بذكر اسمه ، ولا يأمر بالأكل بذكر اسمه الّا بالذكر الذي يرضى بذلك ويثيب عليه ، ومعلوم عدم ذلك في ذكر الكافر وهو ظاهر ، وقد يمنع بعض المقدمات فتأمّل فيه.

واما الاعتبار ، فلان العقل يجد فيما يشترط فيه ذكر اسم الله ليحلّ قبح الاكتفاء بذبيحة الكافر ، الجاحد لله ، وعدو الله ، وعدو الإسلام واهله ، وانه لم يعتقد وجوب التسمية للحلّ ، فإنما يقوله بغير اعتقاد ، بل قد يكون استهزاء لو كان ، بل يتركه دائما للعداوة إلّا إذا علم عدم الشراء منه ويظن نقصان دنياه به.

واما الإجماع فقد تقدم.

واما الاخبار فهي كثيرة (منها) صحيحة قتيبة ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام وانا عنده ، فقال : الغنم يرسل (نرسل ـ خ) معها اليهودي ، والنصراني فيعرض لها العارضة فيذبح ، أنأكل ذبيحته؟ فقال له أبو عبد الله عليه السّلام : لا تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها ، فإنما هو الاسم ، ولا يؤمن عليها الّا مسلم ، فقال له الرجل : قال الله تعالى «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ؟» فقال : كان أبي عليه السّلام يقول : انما هي الحبوب وأشباهها (١).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٧٩ والآية ٥ من سورة المائدة.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال : كان علي عليه السّلام ينهى (ينهاهم ـ يب ئل) عن أكل ذبائحهم وصيدهم وقال : لا يذبح لك يهودي ولا نصراني أضحيتك (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن نصارى العرب أتوكل ذبائحهم؟ فقال : كان علي ينهى عن ذبائحهم ، وعن صيدهم ، وعن مناكحتهم (٢).

وصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب فإنهم ليسوا أهل الكتاب (٣).

وفيه تأمل ، فإنها توهم اختصاص التحريم بنصارى العرب.

وصحيحة أبي بصير ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : لا يذبح أضحيتك يهودي ولا نصراني ولا مجوسي ، وان كانت امرأة فلتذبح لنفسها (٤).

فيها دلالة على جواز ذبح المرأة وعدم اشتراط الرجل.

وصحيحة الحسين الأحمسي عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : هو الاسم فلا يؤمن عليه الّا المسلم (٥).

وصحيحة شعيب العقرقوفي ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام ، ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجيل (الحبل ـ ئل) يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب ، فقال لهم أبو عبد الله عليه السّلام : قد سمعتم ما قال الله في كتابه فقالوا : انا نحبّ ان

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ١٩ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٦.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ٦ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٣.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢٣ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٦.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢٠ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٦.

(٥) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الذبح ج ١٦ ص ٢٨٢.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تخبرنا ، فقال : لا تأكلوها ، فلما خرجنا من عنده قال أبو بصير : كلها ، في عنقي ما فيها فقد سمعته وسمعت أباه جميعا يأمران بأكلها فرجعنا إليه ، فقال لي أبو بصير : سله ، فقلت له : جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟ فقال : أليس قد شهدتنا بالغداة؟ وسمعت؟ قلت : بلى ، فقال : لا تأكلها ، فقال لي أبو بصير : في عنقي ، كلها ثم قال لي : سله الثانية. فقال لي : مثل مقالته الاولى ، وعاد أبو بصير فقال لي قوله الأوّل : في عنقي ، كلها ثم قال لي : سله ، فقلت : لا أسأله بعد مرّتين (١).

وصحيحة الحسين الأحمسي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال له رجل : أصلحك الله ان لنا جارا قصابا وهو يجي‌ء (فيجي‌ء ـ ئل) يهوديّ فيذبح له حتى يشتري منه اليهود ، فقال : لا تأكل من ذبيحته ولا تشتر منه (٢).

وهي كثيرة ولكنها غير صحيحة.

مثل موثقة سماعة عن أبي إبراهيم عليه السّلام ، قال : سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني ، فقال : لا تقربها (٣) (لا تقربنّها ـ كا يب) (لا تقربوها ـ ئل).

ومثلها موثقة حميد بن المثنى عن العبد الصالح عليه السّلام (٤).

ورواية زيد الشحام ـ ولا يضرّ وجود مفضل بن صالح (٥) الضعيف ـ قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة الذمي ، فقال : لا تأكله ان سمّى وان لم يسمّ (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢٥ ولاحظ ذيله أيضا ص ٢٨٧.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب الذبائح ص ٢٨٢.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ٩ من أبواب الذبائح ص ٢٨٥.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٠ من أبواب الذبائح ص ٢٨٨.

(٥) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن فضل بن صالح عن زيد الشحام.

(٦) الوسائل باب ٢٧ حديث ٥ من أبواب الذبائح ص ٢٨٣.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة أهل الكتاب ، قال : فقال : والله ما يأكلون ذبائحكم ، فكيف تستحلّون أنّ تأكلوا ذبائحهم انما هو الاسم ولا يؤمن (يؤتمن ـ خ ل) عليها الّا مسلم (١).

وغيرها ، تركتها لعدم الصحة ، وقد ذكر في الكافي قريبا من خمسة عشر خبرا (٢) من غير ذكر معارض أصلا.

ويؤيده عموم ما يدل على تحريم الميتة ، والقاعدة الدالّة على كون الذبيحة ميتا حتى يثبت التذكية الشرعيّة.

واما ما يدل على الحلّ فهو الآية المتقدمة (٣).

وجوابه ما تقدم في الاخبار الصحيحة ، ان المراد بطعامهم هو الحبوب ونحوها ، كأنه الأشياء اليابسة التي لم يباشروها بالرطوبة أو قابل (القابلة ـ ظ) للتطهير.

ويمكن ان يقال : معناها طعامهم من حيث انه طعامهم ليس بحرام ، بل حلال ، وليس بخارج عن أصل الحلّ الذي كان وخلق ولم يعرض له الحرمة بسبب كونه طعاما لهم ، فحينئذ لا ينافيه التحريم من جهة أخرى ، مثل ان يكون نجسا من خارج أو مغصوبا أو كونه ميتة فكذا كونه مذبوحهم.

وهو معنى جيد وظاهر ، فلا دلالة فيها على نفي التحريم الثابت بما تقدم مثل قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٣.

(٢) لقد أورد الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل ج ١٦ باب ٢٧ من أبواب الذبائح ستة وأربعين حديثا أحد عشر منها معارضة لباقيها وقد بين وجه التعارض فراجع ص ٢٨٢ ـ ٢٩١.

(٣) وهي : وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم إلخ كما عرفت.

(٤) الانعام : ١٢١.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم يمكن الاستدلال على الحلّ بقوله تعالى (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (١).

وقد مر ما يمكن ان يجاب عنه ، فليس فيه أيضا دلالة على الحلّ.

نعم في الاخبار ما يدل على الحلّ في الجملة ، وهي أيضا كثيرة ، ولكن الأولى أكثر.

مثل رواية حمران قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني : لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله عليه ، قلت : المجوسي؟ فقال : نعم إذا سمعته يذكر اسم الله ، اما سمعت قول الله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : كل ذبيحة المشرك إذا ذكر اسم الله عليها وأنت تسمع ، ولا تأكل ذبيحة نصارى العرب (٣).

وصحيحة جميل ، ومحمّد بن حمران أنهما سألا أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس؟ فقال : كل ، فقال بعضهم : انهم لا يسمّون؟

فقال : فان حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا ، وقال : إذا غاب فكل (٤).

وصحيحة محمّد الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم؟ فقال : لا بأس به (٥).

وصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، وزرارة ، عن أبي جعفر

__________________

(١) الأنعام : ١١٨.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٨.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٨.

(٤) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

(٥) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام انهما قالا في ذبائح أهل الكتاب : فإذا شهدتموه وقد سمّوا اسم الله فكلوا ذبائحهم وان لم تشهدوهم فلا تأكلوا ، وان أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سمّوا فكل (١)

وغيرها من الروايات ، ولكنها ضعيفة الاسناد فتركتها.

والأصل (٢) ، وعموم آيات الحلّ ، وحصر المحرّمات.

ويمكن ان يقال : الحصر إضافيّ ، أو إلى ذلك الزمان أو ترك غيرها للظهور ويدخل فيه بالدليل.

والعمومات مخصوصة بالأدلة المتقدمة ، والأصل مرتفع بها.

فليس الّا الروايات ، فيمكن أن يقال : لا دلالة في شي‌ء منها على الحلّ مطلقا كما هو مقصود المستدل الّا ما في رواية الحلبي (٣).

نعم فيها دلالة على مذهب الصدوق ، ولكن ترك الأخبار الكثيرة جدا أو تأويلها والعمل بغيرها مع ندرة قائلها ـ فإنه منحصر في الصدوق على ما نقل ـ لا يخلو من إشكال فاخباره اولى بالتصرف.

على انه يمكن ان يقال : حمران ما صرّح بتوثيقه ، بل مشكور لو كان ابن أعين ، على انه قد يكون غيره.

فقول شارح الشرائع : صحيحة زرارة ، عن أخيه حمران ، محلّ التأمّل (٤).

وانها تدلّ على إباحة ذبيحة الناصب ، بل مطلق الكفار على تقدير ذكر

__________________

(١) الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٠.

(٢) عطف على قوله رحمه الله : فهو الآية المتقدمة إلخ.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

(٤) الظاهر ان وجه التأمّل من جعل الشارح حمران أخا زرارة على سبيل البت مع إمكان كونه غيره.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

اسم الله عليه ولا يقول به احد منا ، بل من غيرنا أيضا.

وانه ينبغي ان يقول بدل قوله (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) : (كُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، فتأمّل.

وأنه لا يقال بمضمون صحيحة محمّد بن مسلم (١) أيضا ، إذ لا يقول أحد انه يحلّ ذبيحة المشرك مع التسمية ولا يحلّ ذبيحة نصارى العرب وان سمّوا ، إذ غاية أمرهم يكونون مشركين وقد جوّز أكل ذبائحهم.

وان رواية جميل (٢) غير معلوم الصحّة وان كان الظاهر الصحّة ، لعدم نسبة جميل إلى أب ، وعدم ظهور توثيق محمّد بن حمران ، فإنه مشترك بين مهمل وموثق على ما في كتاب ابن داود فتأمّل.

وان الظاهر (كلا) أو (كلوا) وكذا ينبغي : (إذا غبتم فكلوا) أو (غبتما فكلوا).

وان في أوّلها ما يدل على اشتراط التسمية كما هو مذهب غير الصدوق وقد دلت الأخبار الكثيرة ممّا يدل على الحلّ والتحريم ، على تحريمه حينئذ.

وان في رواية الحلبي أيضا في التهذيب (الحسن) (٣) وهو غير معلوم وان احتمل انه (ابن سعيد) فتأمّل وان كان (٤) في الاستبصار.

وأيضا فيها (ابن مسكان) المشترك وان كان الظاهر انه (عبد الله) الثقة

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٢ من أبواب الذبائح ص ٢٨٩.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٣ من أبواب الذبائح ص ٢٨٩.

(٣) فان سندها في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن محمّد الحلبي (وفي الاستبصار : الحسين بن سعيد ، عن صفوان عن ابن مسكان إلخ ج ٤ ص ٨٥).

(٤) المناسب ان يقول : (وان لم يكن) فان (الحسن) غير موجود فيه أو المراد ان ابن سعيد موجود في الاستبصار لكنه غير محرز.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولهذا جزمنا بالصحّة في الاولى (١) وغيرها الّا انه يقبل المناقشة حينئذ وترجيح غيرها عليها فتأمّل.

وان الظاهر في رواية حريز وزرارة (٢) : (وان أتاكم فأخبركم فكلوا) ولكن رواية حريز وزرارة صريحة وصحيحة على ما تقرّر عندهم ، وردّها مشكل وكذا تأويلها ، وهي مؤيّدة بما تقدم ، وبما تركناه من الاخبار مثل خبر (٣) أبي الورد بن زيد (٤) ، وخبر (٥) حريز فإنهما مثل صحيحة حريز وزرارة في الدلالة (٦).

على ان القاعدة الأصوليّة تقتضي الجمع بحمل العام والمطلق على الخاصّ والمقيّد من الآيات والاخبار.

ولا شكّ أن دلائل التحريم اما عامّ أو مطلق ، فتقيّد بها بأن كان ذبائح أهل الكتاب ان ظهر تسميتهم عليه أكلت وتكون حلالا ، والّا فحرام لا تؤكل وهو موافق لظاهر آية (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ (عَلَيْهِ) (٧) ، (فَكُلُوا مِمّا) (٨) الآية.

__________________

(١) أي في رواية التحريم ، كذا في هامش بعض النسخ.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٠.

(٣) الظاهر زيادة كلمة (أبي) كما في التهذيب والاستبصار والوسائل فإن فيها (الورد بن زيد).

(٤) قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : حدثني حديثا وأمله عليّ حتى اكتبه ، فقال : اين حفظكم يا أهل الكوفة ، قال : قلت : حتى لا يردّه على احد ، ما تقول في مجوسيّ قال : بسم الله ثم ذبح؟ فقال : كل ، قلت : مسلم ذبح ولم يسم؟ فقال : لا تأكله ان الله يقول : (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ،) ـ (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ـ الوسائل باب ٢٧ حديث ٣٧ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

(٥) قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام ، عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس؟ فقال : إذا سمعتم يسمّون وشهد لك من رآهم يسمّون فكل ، وان لم تسمعهم ولم يشهد عندك من رآهم يسمون فلا تأكل ذبيحتهم ، الوسائل المصدر حديث ٣٩ منها ج ١٦ ص ٢٩٠.

(٦) المصدر حديث ٣٨ منها ج ١٦ ص ٢٩٠.

(٧) الانعام : ١١٨.

(٨) الانعام : ١٢١.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا ينافيه إلّا رواية زيد الشحام (١) ، ولكن في طريقها مفضل بن صالح (٢) الضعيف.

فمذهب الصدوق هو موافق للقوانين أو يحمل الأوّل على الكراهة للجمع.

ولكنه مذهب نادر مخالف لظاهر كثير من اخبار الطرفين ، ومخالف لقاعدة التذكية المتقدمة في الجملة ، والاحتياط (٣) ، فالعمل به مشكل وان كان قويّا من جهة العلم ، فتأمّل.

وقال الشيخ في كتابي الأخبار ـ بعد الاخبار من الطرفين وتقديم التحريم وتأخير الحلّ كما فعلنا ـ : (فأول (٤) ما في هذه الأخبار أنها لا تقابل تلك ، لأنها أكثر ولا يجوز العدول عن الأكثر إلى الأقل ، لما قد بيّن في غير موضع ، ولأنّ ممن روى هذه قد روى احاديث الحظر التي قدمناها ، وهم الحلبي وأبو بصير ومحمّد بن مسلم ، ثم لو سلمت من هذا كلّه لاحتملت وجهين (أحدهما) ان الإباحة فيها انما تضمنت في حال الضرورة دون حال الاختيار وعند الضرورة تحلّ الميتة ، فكيف ذبيحة من خالف الإسلام والذي يدل على ذلك ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن حمزة القمي ، عن زكريا بن آدم ، قال : قال أبو الحسن عليه السّلام : اني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه ، وأصحابك إلّا في وقت الضرورة اليه (٥) والوجه الثاني ان تكون هذه الاخبار وردت (مورد) التقيّة لأن من خالفنا

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٣.

(٢) فان سندها كما في التهذيب هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن مفضل بن صالح ، عن زيد الشحام.

(٣) يعني مخالف للاحتياط.

(٤) هذه عبارة التهذيب وذكر في الاستبصار ما بمعناها ـ راجع التهذيب باب الذبائح والأطعمة والاستبصار ج ٤ باب ذبائح الكفار ص ٨٥.

(٥) الوسائل باب ٢٨ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٢.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يجيز أكل ذبيحة من خالف الإسلام من أهل الذمة. والذي يدل على ذلك ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن بشير ، عن ابن أبي غفيلة الحسن بن أيوب ، عن داود بن كثير البرقي ، عن بشر بن أبي غيلان الشيباني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبائح اليهود والنصارى والنصّاب؟ قال : فلوى شدقه (١) وقال : كلها الى يوم (٢) ما (٣).

فيه تأمل ، لأن كثرة الاخبار لا توجب ردّ القليل الّا مع عدم إمكان الجمع ، وقد عرفت الإمكان.

وأيضا نقل شخص رواية ثم رواية منافية للأولى بحسب الظاهر لا يستلزم ردّ الأخيرة ، بل ولا ردّ شي‌ء منهما ، وهو ظاهر مع إمكان الجمع ، فليس ذلك قرينة (لقرينة ـ خ) لردّ اخبار الحلّ ولا تأويلها.

ولأن حمل تلك الأخبار الكثيرة الدالّة على الحلّ مثل ذبيحة المسلم مع التسمية ـ على الضرورة التي لا يمكن الأكل إلّا ما يسدّ الرمق ، مثل أكل الميتة ـ بعيد جدّا.

والرواية التي أيّده بها تدل على عدم حلّ ذبيحة كل مخالف للإماميّة إلّا حال الضرورة ، والظاهر انه لا يقول به ، وان قال به ابن أبي عقيل كما نقلناه عن الدروس ، فلمذهبه صورة.

وما نقله عن الفاضل من ان التسمية من دون اعتقاد الوجوب لا تنفع يرجع الى تحريم ذبيحة بعض المخالفين ، لأنهم لا يعتقدون ، فكأن مذهبهما (٤) واحد

__________________

(١) بالكسر ويفتح طفطفة الفم من باطن الخدّين (القاموس) في هامش المطبوعة بالطبع الحجري : الشدق جوانب الفم يقال : نفح في شدقه. لوى الرجل فالتوى برأسه مال واعرض (انتهى).

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ٢٨ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٨.

(٣) الى هنا عبارة الشيخ رحمه الله في التهذيب وذكر في الاستبصار ما بمعناه.

(٤) أي مذهب ابن أبي عقيل والفاضل المصنف هكذا في هامش بعض النسخ المخطوطة.

٨٠