مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والأولى هما (١) (بالسيوف وغير السيوف) في غير موضع الذبح أي إذا تعذّر ذبحهما على الوجه المقرّر شرعا من الذبح والنحر في الموضع المخصوص بالآلة المخصوصة مع القبلة (كفى) في تحليلهما ، جرحهما بأيّ آلة كانت من نحو السيف والسكين والخنجر.

ويلاحظ الشروط مهما أمكن من القبلة ، وقطع الأعضاء المعيّنة على الوجه المقرّر ، والتسمية والّا اكتفى بما أمكن من التسمية حين الجرح في أيّ موضع اتفق.

ثم ان ماتا به ولم يمكن ذبحهما على الوجه المقرّر كفى ذلك للحلّ (وان أمكن ، فلا بدّ منه للحلّ ـ خ).

لعلّ دليله بعض ما تقدم من نفي الحرج ، وتضييع المال ، والقياس ، فتأمّل.

ويدل على ان حكم العاصي حكم الصيد في القتل بالسيف ونحوه ، أخبار كثيرة ، مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان امتنع عليك بعير وأنت تريد ذبحه (تنحره ـ كا ـ ئل) فانطلق منك ، فان خشيت ان يسبقك فضربته بسيف أو طعنته بحربة (رمح ـ خ ل ئل) بعد ان تسمّي فكل ، إلّا ان تدركه ولم يمت بعد فذكّه (٢).

وحسنة العيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان ثورا بالكوفة تار فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه فأتوا أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبروه (فسألوه ـ فقيه) فقال : ذكاة وحيّة (٣) ، ولحمه حلال (٤).

وصحيحة الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام في ثور تعاصى وابتدره

__________________

(١) يعني ان الاولى اعتبار اجتماعهما معا لا الاكتفاء بكل واحد منهما كما هو ظاهر العبارة.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦١.

(٣) موت وحي مثل سريع لطفا ومعنى فعيل بمعنى ومنه ذكاة وحيّة اي سريعة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠.

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

قوم بأسيافهم وسمّوا فأتوا عليّا عليه السّلام فقال : هذه ذكاة وحيّة ولحمه حلال (١)

وقرين منه رواية الفضل بن عبد الملك وعبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام : ان قوما أتوا النبي صلّى الله عليه وآله فقالوا : ان بقرة لنا غلبتنا واستصعبت (استعصبت ـ خ ل ئل) علينا فضربناها بالسيف فأمرهم بأكلها (٢).

وأما المتردي فظاهر قوله تعالى (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) (إلى قوله) (إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ) (٣) تحريمه الّا مع التذكية المتعارفة الّا ان يحمل على القتل بما أمكن.

وتخصّص برواية (لرواية ـ خ) إسماعيل الجعفي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال : يدخل الحربة فيطعنه بها ويسمّي ويأكل (٤)

ولا يضرّ عدم صحّة السند ، لما مرّ فتأمّل.

وما دلّ على غير البعير والبقر شي‌ء ، ولا على جواز القتل بمطلق الآلة حتى الكلب والسهم ، فيمكن الاقتصار (الاختصار ـ خ ل) على ما في الروايات ، والتعدي ، لعدم الفرق وفهم العلّة ، وذكر الأصحاب من غير فرق وقائل بالفرق يدل على العموم في الغنم وغيره أيضا.

واما التعدي إلى الكلب فغير معلوم الجواز ، بل لا يفهم من عباراتهم ، نعم من الذين ذكروا أن حكمه حكم الصيد يفهم ذلك.

كأنه غير المتردي وغير الصائل بل المستعصي فتأمّل. وبالجملة ان صدق انه صيد فحكمه حكمه والّا فيقتصر فيه على ما علم جواز قتله به واكله مثل القتل بالرمح

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦١.

(٣) المائدة : ٣.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٦١.

٤٢

ولا يحلّ لو رمى الفرخ غير الناهض.

ولو تقاطعت الكلاب الصيد حلّ ، ولو قطعت الآلة منه شيئا حرم المقطوع وذكّي الباقي ان كانت حياته مستقرة والّا حلّا معا ، ولو قطعته بنصفين حلّا الّا أن يتحرّك أحدهما حركة مستقرة الحياة فيذكّيه ويحرم الآخر.

______________________________________________________

في المستعصي فتأمّل.

قوله : «ولا يحل لو رمى إلخ» لو قتل الفرخ الغير الناهض أي الذي ما صار بعد ممتنعا ويمكن أخذه باليد بسهولة بما يقتل به الصيد من السهم والرمح وغيرهما ولم يذكّه لم يحلّ ، الّا ان يدركه وحياته مستقرة فيذكّيه فيحلّ ، لانه ليس بصيد وللرواية المتقدمة فيما إذا أرسل على كبار فانهزم وبقي الصغار (١).

قوله : «ولو تقاطعت الكلاب الصيد إلخ» يزيد بيان أنّ المعتبر في الحلّ بقتل الآلة من غير التذكية هو القتل بجرحه وانقطاع حياته المستقرّة به على أيّ وجه كان ، وبعد حصول ذلك لا يضر اباحته شي‌ء ، فلو تقاطعت الكلاب الصيد جميعا أي حين أخذها وصيدها إيّاه فقتلوه بالتقطيع بأن مات بالتقطيع لا بعده ، أو تقاطعته بعد ان مات وزالت حياته المستقرة ، حلّ ، وهو ظاهر.

بخلاف ما لو أخذ وقطعت الآلة منه شيئا أو تقاطعت الكلاب ثم مات ، فإنه يحرم ما أخذته الآلة وقطعته منه قبل الموت فإنه ميتة ، إذ المبان من الحيّ ميتة.

وان مات الباقي قبل وصول الصائد إليه حلّ.

وكذا ان ذكي الباقي بعده قبل زوال حياته المستقر حلّ ذلك ، والّا حرم هو أيضا.

ولو قطع منه شيئا وصار في هذا التقطيع حياته غير مستقرة حلّ المقطوع

__________________

(١) تقدّم بيان موضعها آنفا.

٤٣

ولو اصطاد بالمغصوب لم يحرم المصيد (الصيد ـ خ ل) ، وعليه الإثم والأجرة.

______________________________________________________

والمقطوع منه.

ولو قطعه بنصفين بحيث انقطع حياته المستقرة من النصفين بالتنصيف حلّا.

نعم لو تحرّك أحدهما بعده حركة مستقرة الحياة وما ينقطع حياته المستقرة بذلك ، حرم غير المتحرك وان ذبح وذكّى المتحرك مع شرائطه حلّ ، والّا حرم هو أيضا ، والكل واضح الحمد لله.

ولعلّ عموم بعض الروايات شامل للكلّ ، مثل صحيحة (١) الحلبي عن الصادق عليه السّلام ، قال : سألته عن الصيد يضربه الرجل بسيف (بالسيف ـ خ) أو يطعنه برمح (الرمح ـ خ) أو يرميه بسهم فيقتله وقد سمّى حين فعل ذلك ، قال : كله (كل ـ ئل كا) ، ولا بأس (٢).

فإنها شاملة لما يقطعه ويجزّيه وينصّفه من غير اعتبار حركة في أحدهما كما اعتبره البعض وخروج الدم كما اعتبره آخر ، واعتبار ما فيه الرأس كما ذهب إليه بعض وغير ذلك من الأقوال المتشتتة المبنيّة على الروايات الشاذّة على ما قيل ونقل في شرح الشرائع وغيره.

قوله : «ولو اصطاد بالمغصوب إلخ» أي لا يشترط في حلّ الصيد عدم أخذه بطريق حرام ، فلو اصطاد بآلة محرّمة مثل ان غصب الشبكة ونصبها أو قوسا أو سهما أو رمحا أو كلب معلَّما فأرسله وقتل بها صيدا مع حصول شرائط الحلّ يحلّ ذلك الصيد ويملكه وان فعل حراما بالتصرف في مال الغير ، فانّ شرط الملك

__________________

(١) في النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة مثل صحيحتي الحلبي.

(٢) الوسائل باب ١٦ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٨.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأخذ ، (١) والحلّ القتل بالآلة على الوجه الذي تقدّم ، ولا ينافيه حصول اثم حينئذ وهو ظاهر.

ولم يثبت اشتراط حلّية الفعل والآلة ، والأصل عدمه ، ومجرد التحريم والنهي عن التصرف فيه المستلزم للإثم لا يقتضي عدم الملك والتحريم بعد ورود الأدلة في حصول التحليل بقتل الصيد بالآلة على الوجه الذي تحقق في ضمن الحرام ، كما إذا ذبح أو نحر ماله بالسكين الغصبي أو المكان الغصبي أو في زمان كونه مكلّفا بغيره مضيّقا بحيث يكون حينئذ اشتغاله عنه به حراما ، كما إذا ضاق الوقت عن الصلاة.

ولما ثبت في الأصول من ان النهي في غير العبادات لا يقتضي الفساد.

ولي فيه تأمل ، وحاصله (٢) انّ التحليل بالآلة الغصبيّة والصحّة مع النهي في غير العبادات ان كان مصرّحا من الشارع فلا كلام في الحلّ والصحّة والتحريم وجمعهما لعدم المنافاة الصريحة عقلا و (٣) ان توهم منافاة وظنّ ذلك ، ولكن يندفع بتصريح الشارع.

وكذا لو كان عامّا بحيث يعلم دخول التحريم قطعا أو ظنّا متاخما للعلم أو الظن المستفاد من دليل شرعيّ ولو كان ذلك العلم من جهة العلم بان غرض الشارع انما تعلّق بعقر الكلب المعلّم مع التسمية من المسلم مثلا أو (وـ خ) ازالة روح حيوان على ذلك الوجه الذي قرّره ، مثل قطع الأعضاء الأربعة مثلا على أيّ وجه كان ، ولا يتفاوت عنده (٤) كونه على وجه حرام أو حلال ، مثل ان الغرض

__________________

(١) يعني شرط الحلّ القتل إلخ.

(٢) الظاهر ان المراد : التأمل في أصل الحكم بالحلّ ، وقوله قدّس سرّه : وحاصله يعني حاصل وجه التأمل.

(٣) وصلية فلا تغفل.

(٤) يعني عند الشارع.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

من الزالة النجاسة رفع ذلك الخبث وانما المطلوب ذلك ، سواء كان في مكان مباح أو حرام ، أو في زمان كون ذلك الفعل حلالا أو حراما ، أو كون الماء حلالا أو حراما ، والآلة كذلك.

فلا (١) منافاة أيضا ، ويجتمع الحلّ ، والصحّة والطهارة مع التحريم.

والّا (٢) فلا ، بل الظاهر حينئذ هو التحريم وعدم الصحّة والحلّ ، وعدم ترتب الأثر المطلوب منه شرعا ، وعدم الاجتماع ، وحمل ما يدل على الحلّ على الوجه الشرعي بمعنى كونه راضيا بذلك الفعل ، فان المتبادر من النهي ـ خصوصا التحريمي ـ عدم ترتب شي‌ء شرعيّ عليه ، فان العقل يحكم بأنه انما رتب الشارع هذا الأثر على ما عيّنه على الوجه الذي عيّنه ورضي به لا غير ، وهو ظاهر.

وأشار إليه في متن المختصر والشرح العضدي (٣) حيث حكم بأن المتبادر من مطلق النهي رجوعه الى ذات المنهيّ ودلالته على فساد المنهي عنه يعني بطلانه.

ولذا قال بعض (٤) الأصحاب بعدم صحّة البيع وقت النداء يوم الجمعة وعدم حصول الطهارة (٥) بالروث والعظم لتحريم استعمالهما ، لعدم حصول ما شرطناه ، وثبوت المنافاة الظاهريّة ، فإن ظاهر قوله : (لا تفعل الأمر الفلاني) مثلا انه حرام ويؤاخذ صاحبه ، وانه لا يترتب عليه أثره الذي عيّنه له ، فان الظاهر انه انما يعيّنه لا يحب ويرضى لا غير فينافيه حصول الأثر ، وهو ظاهر ينبغي التدبر فتدبّر.

__________________

(١) جواب لقوله قدّس سرّه : (وكذا لو كان عاما إلخ).

(٢) الظاهر ان المراد (وان لم يكن عاما إلخ).

(٣) مختصر الأصول لابن الحاجب المتوفى ٦٤٦ ه‍ ـ ق وشرح المختصر للقاضي عبد الرحمن العضدي المتوفى ٧٥٦ ه‍ ـ ق يعني أشار إليه ابن الحاجب في متن المختصر ، والعضدي في شرحه.

(٤) في هامش بعض النسخ : (وهو الشيخ رحمه الله).

(٥) يعني الطهارة الخبيثة بسبب الاستنجاء بالروث والعظم.

٤٦

ويجب غسل موضع العضّة من الكلب.

______________________________________________________

ثمّ في خصوص الصيد قد يقال : حصول الملك للغاصب في الشبكة والكلب ، غير ظاهر فإنه ليس له فعل مملِّك واضح مستقلّ ووضع يد ، فيحتمل حصوله للمغصوب منه ، وعدم حصول ملك لأحد فيبقى على اباحته حتى يأخذه آخذ على وجه التملك.

نعم في الجرح والرمح والسهم قد يقال : المملِّك هو فعله ، والآلة ليست لها دخل الّا الآلية ، وأنّ فعله وإثباته بفعله بمنزلة أخذه ووضع يده.

وبالجملة ، العقل غير مستقلّ في أمثال هذه ، وليست فيها أدلّة شرعيّة من نص وإجماع ، فالاحتياط لا يترك علما وعملا.

واما ثبوت أجرة الآلة لصاحبها من الغاصب والمتصرف فهو ظاهر ، بناء على ثبوت الأجرة عادة لمثل هذا المقدار من الفعل ان كان ، والّا فلا اجرة لها ، وثبوت الأجرة محتمل على تقدير كون الصيد أيضا له (١) فتأمّل.

قوله : «ويجب غسل إلخ» إشارة إلى ردّ قول الشيخ ومن تابعه في ان قتل الكلب النجس صيده بعضّه ومباشرته لموضع العضّة بالرطوبة لا تنجّس ذلك الموضع فلا يجب غسله ، بل يجوز مباشرته فيما يشترط (فيه ـ ظ) الطهارة ، واكله من غير غسل ذلك.

بل يحتمل ان لا يحتاج الى غسل أصلا ، إذ ما نجّسه الكلب ، والدم الداخل طاهر ، وانما النجس الدم المسفوح لو خرج من العرق بالذبح ونحوه وما حصل بالعض (الفرض ـ خ ل) فتأمّل.

ولأن دليل الشيخ الذي يدلّ على طهارة موضع العضّة وعدم وجوب غسله يدلّ على طهارة كلّه وعدم وجوب غسل شي‌ء منه ، وهو ورود الكتاب والسنّة ، والإجماع في جواز أكله من غير تقييد بغسل موضع العضّة فيعمّ فان جواز

__________________

(١) في هامش بعض النسخ : (أي للمغصوب منه).

٤٧

ولو أرسل كلبه أو سهمه فعليه أن يسارع إليه.

______________________________________________________

الأكل فيها مرتّب على مجرّد التسمية والموت وبالعقر المشترط ـ أي الجرح من الكلب المعلّم كما سمعت فيما تقدم ، فتذكّر.

والأكثر على وجوب الغسل وعدم طهارة ذلك الموضع ، لما ثبت من نجاسة الملاقي بها بالرطوبة من غير استثناء هذا الموضع وترك التقييد بذلك في الأدلة ، بناء على ظهوره وثبوته بالأدلة العقليّة والنقليّة ، وهو ظاهر.

نعم لو نوقش في عدم ثبوت نجاسة الملاقي لها بالرطوبة حينئذ وقيل لم يثبت عموم ذلك فهو شي‌ء آخر فيحتاج إلى الإثبات ، وقد مرّ (١) البحث في ذلك خصوصا الملاقي للكلب مع الرطوبة ، فتأمّل.

قوله : «ولو أرسل كلبه إلخ» ظاهره وجوب المسارعة بعد إرسال الآلة ، الظاهر المراد المسارعة العرفيّة ، لا استعمال الجهد والطاقة وما لا مزيد عليه (٢) وبذل الطاقة بالكليّة.

وأيضا يحتمل كونه (٣) مع إصابة الآلة الصيد ، وظاهره عام.

ثم الوجوب غير ظاهر الدليل الّا ما يتخيّل من احتمال الإصابة وإمكان إدراكه الصيد حيّا وذبحه لو سارع.

فلو ترك المسارعة فيحتمل انه ما قتله الآلة حينئذ بل جرحه وحياته مستقرة ثم مات فيكون ميتة ، لأنه لو سارع لأدرك ذكاته ، فهو مثل حيوان مريض يعلم موته ويترك حتى يموت.

والموت بالآلة إنما يباح (٤) من غير التذكية إذا تعذر ولم يمكن ، ولهذا لو

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٣٤٠.

(٢) هكذا في النسخ بالواو ولعلّ الصواب (بما لا مزيد عليه).

(٣) يعني وجوب المبتدعة.

(٤) هكذا في النسخ والأصوب (يبح) كما لا يخفى.

٤٨

فإن أدرك حياته مستقرة وجب التذكية ، وان تركه حتى مات فحرام. ولا يعذر بأن لا يكون معه مدية أو سقطت منه أو ثبتت في الغمد أو غصبت منه.

______________________________________________________

أمكن وترك حتى مات لحرم كما يفهم من إطلاقاتهم تحريم تضييع المال ، فترك المسارعة كترك التذكية مع إمكانها.

وفيه تأمّل ، إذ الأصل عدم الوجوب ، وتركه في ظاهر الأدلة من الآية والاخبار مشعر به ، وكون ترك المسارعة مثل تركه حتى يموت اختيارا غير مسلّم.

على انه قد ينازع في ثبوت الأصل ، فإن ظاهر الأدلة عموم الحلّ بقتل الكلب مثلا ، فان المتبادر منها هو قتل الكلب المعلّم مع التسمية لا غير حتى أنه لو أدركه حيّا ولم يكن عنده ما يذبحه به فقتله الكلب حلّ.

نعم في بعض الاخبار : (ان أدركه حيّا يذكّيه) (١) فتأمّل.

وبالجملة اشتراط الحلّ بها ووجوبها بحيث لو ترك يكون معاقبا غير ظاهر ، ولا شكّ أنها أحوط وأولى خصوصا مع ظنّ الإصابة.

قوله : «فإن أدرك (٢) حياته مستقرة إلخ» الأولى : (وحياته مستقرة وجبت التذكية) يحتمل ان يكون المراد من وجوب التذكية شرطيته للحلّ فقط ، ومعناه الحقيقي أيضا لأن تركه موجب لتحريمه وكونه ميتة ، وهو تضييع ممنوع منه ، فيكون الترك حراما والفعل واجبا والصيد أيضا حراما.

فحكم المصنف هنا بأنه ان أدركه المرسل الصائد يجب عليه تذكيته بنفسه أو بغيره لئلّا يموت ويشترط لحلّه تذكية مطلقا.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٣.

(٢) على نسخة فإن (أدرك حياته) لا غبار فيه وعلى هذا يحتمل ان يكون حياته بدلا من الضمير وحينئذ أيضا لا (واو) وعلى تقدر كونه جملة حالية الاولى الواو كما لا يخفى وهكذا في هامش بعض النسخ.

٤٩

وانما يباح ، إذا أدركه ميتا أو في حركة المذبوح ، وقيل : لو لم يكن معه ما يذكّيه ترك الكلب يقتله ، ولو كانت حياته غير مستقرّة فهو كالمذبوح.

______________________________________________________

وليس عدم ما يمكن ان يذبح معه مثل المدية ـ أي السكين ـ عذرا في عدم الاشتراط فلا يحلّ ان مات حينئذ ، وان كان عذرا في عدم الوجوب فان تكليفه حينئذ غير معقول.

وكذا ان كان معه لكن سقط وضاع أو ثبتت المدية وعمده ولم يتمكن من إخراجها أو غصبت منه ونحو ذلك.

وجه ذلك ظاهر ، وهو عموم تحريم الحيوان الميّت بغير قطع الأعضاء الأربعة إلّا ما خرج بالدليل مثل مقتول الآلة التي أدركه المرسل ميتا أو حياته غير مستقرة وبقي الباقي تحته ، فعدم الآلة كما لم يكن عذرا في غير هذه الصورة ـ لم يكن عذرا فيها أيضا لأن مع إدراكه وحياته مستقرة ، مثل باقي الصور التي ليست بصيد.

وأكّده (١) بقوله : (وانما يباح إلخ) أي لا يباح الصيد الذي هو مقتول الآلة بمجرد قتلها إيّاه إلّا إذا أدركه المرسل ـ قال في الشرح : أو غيره ـ (ميّتا أو في حركة المذبوح) أي لم تكن حياته مستقرة. وتحقيقها لا يخلو عن اشكال ، وفي بيانها خلاف.

وفي قوله : (ولو لم يتسع الزمان للتذكية) وان كانت حياته مستقرة دلالة صريحة على قلة زمان الحياة المستقرة ، وانها ليست ما يعيش يوما أو يومين كما قيل.

وفي رواية ليث المرادي : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الصقورة والبزاة وعن صيدهن (هما ـ ئل)؟ فقال : كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته وأخّر الذكاة إذا كانت العين تطرف والرجل تركض والذنب يتحرك ، وقال : ليست الصقورة والبزاة في القرآن (٢).

__________________

(١) يعني المصنف قدّس سرّه.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٠.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لعله المراد بالحياة المستقرة في عبارات الأصحاب حيث قيّد وأحلّ الصيد مع إصابة الآلة بعدمها ، فتأمّل.

وبالجملة ، ليست الحياة المستقرة في الأدلة ولا بيانها ، بل في بعض الاخبار : (إذا أدركت ذكاته فذكّه) (١) أي أدركت وهو حيّ عرفا يقال : انه حيّ يمكن ذكاته أي يعيش بمقدار زمان يمكن تذكيته فيه عادة مع حصول الأسباب ، فان لم يفعل ذلك يحرم حينئذ.

وكأنّ في كلامه هنا وفي غيره : (ولو لم يتسع) إشارة إلى بيان المراد بالحياة المستقرة هنا فتأمّل أو يكون المراد بها هنا معنى آخر.

فلا يرد اعتراض فخر المحققين (٢) بأنه ان كان المراد بعدم اتساع الزمان عدمه لنفس فعل الذكاة فلا يجتمع مع استقرار الحياة بمعنى ان يعد يوما أو يومين ، وان كان مع مقدّماته مثل تحصيل الآلة فالحكم بالحلّ مطلق غير سديدة إذ قد يكون ذلك الزمان أكثر من يوم أو يومين أيضا ، على ان الحكم بالحلّ في يوم واحد أيضا غير سديد.

فإنه قد ذكر من قبل أنّ فقد السكين وغيره ليس بعذر ، وانه يحرم بمجرد التأخير.

وأيضا قد يجاب بإرادة ما يتوقف عليه قريبا ويحكم بالحلّ حينئذ قبل ذلك وبالجملة الاعتراض جيّد ، بناء على القول بكون الحياة المستقرة يوما أو يومين كما سيذكره المصنف بل أقل أيضا ، ولا ينبغي الترديد فيه على الوجه المتقدم.

وكذا جوابه (٣) في شرح الشرائع باختيار كل من شقيه بأنه يكون في ظنه

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب الصيد.

(٢) راجع إيضاح الفوائد ج ٤ ص ١٢٠.

(٣) يعني جواب فخر المحققين من المسالك بأنه يختار كلا من شقي الفرضين المذكورين في كلام الفخر ويجيب بأنه يكون في ظنه إلخ جواب الشق الأول ، وان المراد (يتسع) إلخ جواب الشق الثاني.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

حياة مستقرة فظهر كذبه ، وأن المراد ، ب (يسع الزمان) لما يتوقف عليه من الآلة ما يتعسر (يعسر ـ خ ل) تحصيله عادة.

لأن (١) العبارة خصوصا ما هنا كالصريحة في غير التوهم والظن.

والثاني (٢) رد إلى الجهالة.

مع انه إذا كان ممّا يعيش يوما بل أكثر ولم يتمكن في هذا الزمان من تحصيل الآلة وقتله الكلب يلزم كون الحكم بأنه حلال ، وذلك غير معلوم ، بل ظاهر تحريمه.

وبالجملة ، الظاهر ما قلناه من إرادتهم بالحياة المستقرة في هذا المقام ما يعدّ عرفا حيّا ولا يكون حركته حركة المذبوح مثل حركة الطير بعد ذبحه ، والشاة كذلك ونحو ذلك فلا يرد الاعتراض.

وان كان المراد ما يعيش يوما أو يومين فلا شك في وروده ، بل زائدا عليه ممّا أشرنا إليه ، وعدم إمكان الجواب عنه بالنسبة إلى العبارة (العادة ـ خ).

وقوله : (وقيل إلخ) بيان لقول آخر مقابل لما يفهم من قوله : (وانما يباح) وعطف عليه ، ويكون موجبا آخر لا عادته.

ويمكن عطفه على قوله : (فإن أدركه إلخ) ولكنّه بعيد ولا وجه لهذه الواسطة حينئذ.

وبالجملة لو كان قوله : (وقيل) بعد قوله : (أو غصبت منه) لكان أخصر واربط وأولى ، والأمر في ذلك هيّن.

وانما الكلام في دليله ، وقد مرّ دليل هذا القول ، وهو ظاهر الآيات مثل :

__________________

(١) تعليل لقوله : وكذا جوابه في شرح الشرائع إلخ يعني ان هذا الجواب غير صحيح.

(٢) يعني جواب الشق الثاني.

٥٢

ولو لم يتسع الزمان للتذكية حلّ بقتل الكلب وان كانت حياته مستقرة.

ولو صيّره الرامي غير ممتنع ملكه وان لم يقبضه ، وكذا إذا أثبته في آلته كالحبالة والشبكة وكلّ ما يعتاد والاصطياد به وان انفلت ، ولا يملكه بتوحّله في أرضه ولا بتعشيشه في داره ، ولا بوثوب السمكة في سفينته.

______________________________________________________

فكلوا ممّا أمسكن (١) ، والاخبار الكثيرة ، وان خصّص بما إذا أدركت ذكاته لبعض الاخبار ، لكن الظاهر ان المراد بيع إمكانها ، وبقيت عامّة في غيرها.

ففي صورة عدم إمكان التذكية يكون عقره كافيا ، ولروايتي جميل بن درّاج صحيحة (٢) ، وغير صحيحة (٣) ، وقد تقدمتا ، وهو مذهب كثير من الأصحاب مثل الصدوق وابن الجنيد ، والشيخ واتباعه ، والمصنف في المختلف وظاهر الروايات يدل على انه يترك حتى يقتله الكلب ، فالكلب يفعل بعد الإدراك وتعذر التذكية شيئا آخر للتذكية.

ويمكن كفاية موته بما فعل فيه من الجرح ، ويكون ذلك كناية عنه وعن عدم قتله بشي‌ء آخر.

ومعلوم وجه انه إذا لم تكن حياته مستقرّة ، فهو كالمذبوح ولا يحتاج إلى الذبح ليحلّ ، فلو تركه حينئذ حتى يكمل موته لكفى ، وهو ظاهر.

وكذا وجه قوله : (ولو لم يتسع الزمان إلخ) إذ عدم وسعة الزمان للذبح مسقط لوجوبه واشتراطه وأي شي‌ء كان حياته ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو صيّره الرامي إلخ» لو صيّر الرامي صيدا ممتنعا غير مملوك ،

__________________

(١) المائدة : ٤.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٩.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٩.

٥٣

وفي تملّكه بإغلاق باب عليه ، أو بتصييره في مضيق لا يتعذر قبضه ، أو بتوحّله في أرض اتخذها لذلك ، اشكال.

______________________________________________________

غير ممتنع ، ملكه بذلك وان لم يقبضه بيده.

لعلّ دليله الإجماع أو الخبر مع التأييد بأنه خرج عن كونه مباحا وصيدا بانتفاء الامتناع ، فصار كمملوكه الممتنع المأخوذ.

وكذا إذا أثبت الصيد في الاصطياد في آلته المعتادة له ، مثل الحبالة أو الشبكة وغيرهما من الأمور المعتادة للاصطياد والأخذ في كلّ بلاد ولكلّ صيد وان انفلت وخلص بعد ذلك فإنه لا يخرج عن ملك صائده ، بل ملكه ، فنماؤه له وكل من يجني عليه ، فهو ضامن له ونحو ذلك.

ولا يملكه بغير الآلة المعتادة المتهيأة للأخذ والاصطياد ، مثل التوحّل في أرض شخص وبقاؤه فيه لا يقدر على الذهاب والخلاص منه.

وكذا التعشيش (التعيش ـ خ) في ملكه وداره ، ولا بوثوب السمك ونحوه إلى سفينته ونحوها ، للأصل وعدم الاصطياد وتحقق سبب للملك.

قوله : «وفي تملّكه بإغلاق باب إلخ» أي في تملك الإنسان صيدا بحبسه وجعله ممتنعا بغير الآلات المعتادة للأخذ والصيد ، مثل ان غلق عليها باب موضع دخلوا فيه ، سواء كان داره أو دارا مباحا أو ملك شخص ، إذ لا يملك بدخوله في داره فتأمّل.

وكذا (١) بتصيّره وجعله إيّاها في مضيق يتعذّر خروجها عنه ولا يتعذّر أخذها ، بل سهل مثل حظيرة صغيرة أو بتوحّله في أرض جعلها واتخذها لذلك أي هيّأها لذلك بإيصال الماء وتهيّأ أسباب دخول الصيد فيه وعدم خروجه عنها.

إشكال في الكلّ ، من ثبوت انتفاء الامتناع وخروجه عن كونه صيدا

__________________

(١) خبر مقدم لقوله قدّس سرّه : إشكال في الكل.

٥٤

ولو أطلق الصيد من يده قاطعا لنيّة التملك لم يخرج عن ملكه.

______________________________________________________

ممتنعا كما في سائر الآلات المعدّة لذلك ، ومن الأصل وعدم كون مثل ذلك موجبا لأخذ الصيد ، وانما علم تملكه بالآلات المعتادة لذلك ، ولا يسمّى مثل ذلك آلة الصيد عادة.

ولو كان الوجه (١) ذلك كان اتباع العرف والصدق حسنا.

ولكن الظاهر ان السبب ليس الصدق ، ولا كون الأخذ عادة بذلك في تملك الصيد في المجمع عليه ، إذ ليس في النصوص والدليل أنّ الأخذ بالآلة موجب للملك حتى يحمل الآلة على العرف.

بل الظاهر ان مجرّد القدرة عليه ، وسلب قدرته ، وإمكان أخذه بسهولة وكون ذلك بمنزلة الأخذ ، موجب للملك وسبب للتملك كما أشار إليه في الشرح فيملك.

ولكن لما كان الأصل عدم التملك فثبوته محتاج إلى دليل شرعيّ ، ولم يثبت في الشرع كون ذلك دليلا الّا ان يثبت ان الدليل في المثبت موجود فيه فتأمّل واحتط.

قوله : «ولو أطلق الصيد إلخ» كما ان دخول المال في ملك انسان يحتاج الى دليل كذا خروجه عنه ، يحتاج إليه ، فلو أخذ الصيد وملكه ثم أطلقه لم يخرج عن ملكه وان قصد ذلك ، للاستصحاب وعدم الدليل ، نعم يكون مالا اعرض صاحبه عنه.

(فان قيل) : بالإعراض يخرج ، يلزم هنا الخروج ، ولكنه غير ظاهر هناك ، لما مرّ.

نعم يجوز لغيره ، التصرف فيه للاعراض كما ذكروه في المال المعرض عنه ،

__________________

(١) أي لو كان وجه الملك ذلك أي أخذه بالآلات المعتاد.

٥٥

ولا يملك (يملكه ـ خ) بالإصابة إذا تعذّر قبضه إلّا بسرعة عدوه.

ولو كسر جناح ما يمتنع بأمرين ، ثم كسر الأخر (الثاني ـ خ) رجله فهو للثاني على رأي.

______________________________________________________

ويحتمل العدم ، لاحتمال انه انما جوّز للغير التصرف فيه باعتبار خروجه عن ملكه ، ولمّا فرض عدم حصوله لم يحصل الاذن.

والظاهر الأوّل ، لأن ظاهر حال الإنسان انه إذا أخرج شيئا عن ملكه يجوز تصرف الغير فيه ، سواء خرج عن ملكه واعتقد ذلك أم لا.

ويشكل جواز التصرف الناقل للملك مثل البيع لمسبوقيّة تملّكه ، ولا يبعد ، لفهم عموم التصرفات وقد لا يسلم : لا بيع إلّا في ملك البائع الذي يملك ثمنه فتأمّل.

قوله : «ولا يملك (يملكه ـ خ) بالإصابة إلخ» وجه عدم تملك الصائد الصيد بإصابة سهمه مثلا إذا لم يجعله ممتنعا ، سواء صار بحيث يتمكّن من قبضه وأخذه ، ولكن بسرعة عدو أم لا ، هو الأصل وعدم الدليل عليه ، إذ لا دليل عليه الّا رفع الامتناع ، وكونه أيضا دليلا ما نعلمه الّا أنهم ذكروا ـ كأنه ـ بالإجماع أو غيره ممّا لا نعلمه ولم يحصل هنا بالفرض.

قوله : «ولو كسر جناح ما يمتنع إلخ» لو كان حيوان يمتنع بالجناح بالطيران والرجل بالعدو فجعله انسان غير ممتنع بأحدهما ، مثل ان كسر جناحه ، لا شك ان لا يملكه ، لعدم حصول انتفاء الامتناع ، ثم كسر الآخر رجله بحيث صار غير ممتنع محض حينئذ ، فرأى المصنّف أنه يملكه الثاني ، لأنه بفعله صار غير ممتنع ، وقبله لم يكن كذلك فيملكه كما إذا كسر رجل ما لا جناح له رأسا ، فأثر الأول كعدمه ، إذ هو باق على الامتناع بالفرض ، ومثل أن أوجع رجل صيدا أو جرحه وما

٥٦

ولو وجد ميّتا بعقر هما حلّ ان كانا قد ذبحاه أو أدركت ذكاته ، والّا فلا لاحتمال قتل الثاني بعد الإثبات.

ولو رمى صيدا ظنّه غيره أو رمى سهما فاتفق الصيد من غير قصد أو أرسل كلبه ليلا فقتل لم يحلّ.

______________________________________________________

أثبته وجعله آخر غير ممتنع ، وهو مذهب المصنف وجماعة.

واختار في المبسوط الشركة ، لأن لكل واحد أثرا فيه ، فإنه لم يثبت الّا بفعلهما ، فإنه لو كان فعل الثاني فقط لم يثبت ، إذ كان يمتنع بالجناح وهو المفروض فيه فتأمّل ، لأن ما ذكره وان كان حقا الّا انه قبل فعل الثاني كان ممتنعا ، فصدق عليه انه جعل الصيد الممتنع الغير المملوك ـ قبل ان يصير غيره فيه اولى ـ غير ممتنع ، فملكه ، بناء على ان ذلك مملّك ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو وجد ميّتا بعقر إلخ» إذا رمى شخصان صيدا فوجداه ميّتا بالرميين ، فان كان الجرح بالرميين وقع على المذبح فذبحاه ـ لعل المراد كون كل واحد من الجرحين مستقلا في إرادة الحياة لو لا الآخر ـ حلّ ذلك الصيد.

وكذا ان جعلاه غير ممتنع وأدركاه وهو حيّ ، فهو حلال أيضا وفي كل واحد من الفرضين ينبغي الشركة بينهما نصفين.

ويحتمل بعيدا القرعة ، فيكون لمن خرجت باسمه.

وان لم يكن كذلك ، بل وجداه ميّتا ولم يكن كلّ واحد من الجرحين مستقلا في إزالة حياته لم يحلّ ، لما ذكره المصنف من احتمال جعل غير المستقلّ إياه غير ممتنع يشترط ذبحه ليحل ثم قتله الآخر الذي مستقل فقتل غير الصيد بغير الذبح فيحرم ، ولا يكفي في الحلّ احتمال العكس لما مرّ من القاعدة فتأمّل.

قوله : «ولو رمى صيدا إلخ» إشارة إلى انه لا بدّ من قصد الصائد القاتل الصيد في الجملة بآلته ليحلّ ، لما مرّ ، وان لم يكن كذلك لم يحلّ مثل ما لو رمى صيدا

٥٧

وكلّ أثر يدل على التملك لا يملكه الثاني معه كقصّ الطير ، والحلقة في رجله.

______________________________________________________

ولكن ظن انه ليس بصيد بل ظنّه خنزيرا مثلا.

وكذا لو رمى سهما لا لقصد شي‌ء ، بل لمجرّد الامتحان انه على أيّ مقدار يرمي أو اللعب فقط أو يمشق فاتفق انه جاء على صيد فقتله ، أو أرسل كلبه ليلا من غير مشاهدة صيد ، ولا ظن ذلك بل امتحانا أو غيره فاتفق انه قتل صيدا ونحو ذلك.

هكذا يذكرون هذه المسألة وما نعرف دليلها ، نعم هي ظاهرة على تقدير ترك التسمية.

والظاهر تركها بناء على ظنه ، إذ الفرض انه ظنّ غير صيد وما قصده فلا يذكر التسمية ، واما على تقدير التسمية لاحتمال وقوعه على صيد اتفاقا وان ظن عدمه ، فليس بظاهر ، بل الظاهر حينئذ الحكم بالحلّ لعموم الأدلة ، بل خصوصها ، إذ ليس في الأدلة قصد الصيد بل قتله مع التسمية وسائر الشرائط.

وفهم اشتراط القصد ـ من مجرد ان الظاهر أن الذي يسمّى إنما يقصد الصيد ولا يمكن ذلك بدونه ـ مشكل إذ قد يظن عدمه ويكون محتملا وجوده فيسمّي.

وبالجملة ، الفرض ليس بمحال ، وانما البحث معه ، ولا يبعد حمل كلامهم على عدم التسمية ، بناء على ما تقدّم من عدم التسمية مع ظنّ عدم الصيد.

وأيضا ، الظاهر انه لا يشترط المشاهدة ، فمجرد الإرسال في الليل لا يوجب الحكم بالتحريم ، نعم انه فرض معه عدم الظن بالصيد أو الظن بعدمه ، يصير الحكم فيه كما في سابقه ، ويجي‌ء فيه الإشكال السابق ، فيصحّ للأعمى الاصطياد بالشرائط الّا ان يشترط المشاهدة ولم يكشف بالعلم أيضا وهو بعيد جدّا.

قوله : «وكل أثر يدل على التمليك إلخ» كل علامة في الصيد ـ دالّة على

٥٨

ولو انتقلت الطيور من برج إلى آخر لا يملكها الثاني.

ولو جهل المثبت من الجارحين أقرع.

______________________________________________________

ملكيته لشخص آخر قبل ان صاده الثاني ـ لا يملكه مع تلك العلامة ، لأنه علم بها أنه ملك الشخص وليس بصيد مباح ، وتلك العلامة مثل قصّ جناح الطير فإنه معلوم كونه تحت يد انسان فعل ذلك ، فيكون مملوكا امّا للقاصّ أو غيره ، وكذا الحلقة في رجله.

فيه تأمّل ، إذ ذلك يدل على وقوعه في يد إنسان أمّا تملكه إيّاه فلا الّا ان يثبت ان قبض انسان صيدا على أي وجه كان ، مملّك ، وهو غير ظاهر ، إذ قد يشترط في تملك المباحات القصد وعدم الغفلة ، أو عدم قصد الغير ، أو عدم قصد عدم التملك ، أو الأخذ والتصرف بقصد التملك ، وفيما نحن فيه يجوز ان يقصد قطع شي‌ء فجاء جناح طير فقصّه ، أو وصل إلى آلة من غير مباشرة أحد وغير ذلك ، وكذا وضع الحلقة في رجله ، وكون مثل ذلك مملّكا غير ظاهر الدليل.

نعم الظاهر خلاف ذلك ، بل الظاهر انه بالقصد وبالأخذ ، فعلى القول بالأخذ من دون اشتراط شي‌ء آخر وترجيح الظاهر على الأصل ، ذلك غير بعيد ، والّا فالظاهر انه يملكه حتى يظهر خلافه ، ولكن هذا الحكم موجود حتى من المشترط في تملك المباحات القصد أو عدم قصد العدم.

قوله : «ولو انتقلت الطيور إلخ» عدم تملك صاحب البرج الثاني الطير بمجرد انتقاله من برج آخر إليه واضح ، وقد مرّ ان الدخول في الملك والتعشيش فيه ونحوه غير مملك ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو جهل المثبت إلخ» لو رمى اثنان صيدا فجرحه أحدهما وأثبته بحيث دخل في ملك الجارح ، سواء قتل به ، أو أدرك حيّا ويمكن ذكاته ولم يعلم أيهما كان الجارح المثبت ، سواء علم أو لا أو اشتبه أم لا بل وجد مجروحا علم

٥٩

ولو أثبتاه معا فهو لهما.

ولو أثبته أحدهما وجرحه الآخر دفعة فهو للمثبت ولا شي‌ء على الجارح.

ولو أثبته الأوّل فصيّره في حكم المذبوح ثم قتله الثاني فهو للأوّل ، ولا شي‌ء على الثاني ان لم يفسد لحمه به أو جلده.

______________________________________________________

انه بجرح أحدهما ورميه قطعا ولم يعلم بعينه أقرع (١) بينهما.

فعلى اسم أيّهما خرجت القرعة كان الصيد له ، مثل ان يكتب جارح وغير جارح ، أو المالك وغير المالك ، ويخرج على اسم أحدهما أو يكتب اسمهما ويخرج على الجارح وغير الجارح أو المالك وغيره ، لأنه أمر مشكل وكل أمر مشكل فيه القرعة (٢).

ويحتمل التقسيم والشركة ، والأحوط تمليك كل واحد نصف الصيد لآخر.

قوله : «ولو أثبتاه معا فهو لهما إلخ» لو اثبت صيدا اثنان بآلتيهما معا من غير تقديم وتأخير فهو لهما ، سواء مات بهما أو أدرك وهو حيّ.

ولو أثبته أحدهما وجرحه الآخر فالصيد للمثبت ، ولا حظّ للجارح فيه ، لان المثبت ملكه بإثباته ، وجرح الآخر وعدمه سواء في عدم التأثير في الإثبات بالفرض ، وكما لا شي‌ء للجارح لا شي‌ء عليه أيضا من الأرش للمثبت ، إذ ما جرحه في ملكه حتى يلزمه الأرش وهو ظاهر.

ولو أثبته الأوّل وأزال امتناعه وصيّره في حكم المذبوح بإزالة حياته المستقرة ثمّ قتله الثاني فكالأوّل ، الصيد للأوّل ، ولا شي‌ء للثاني ، ولا شي‌ء عليه

__________________

(١) جواب لقوله قدّس سرّه : لو رمى اثنان إلخ.

(٢) عوالي اللئالي ج ٣ ص ٥١٢ طبع مطبعة سيد الشهداء ـ قم.

٦٠