مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن ورد بصحته بعض الروايات ، وعمل به الشيخ في بعض كتبه ، وهو رواية صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، قال : سألته عن المخلوع تبرأ (يتبرأ ـ ئل) منه أبوه عند السلطان ومن ميراثه ومن جريرته لمن ميراثه؟ فقال : قال علي عليه السّلام : هو لأقرب الناس إليه (١).

نقل عن الصحاح : الخليع هو الذي خلعه أهله ، فان جنى لم يطلبوا بجنايته.

ورواية بريد (يزيد خ ل) بن خليل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل تبرأ عند السلطان من جريرة ابنه وميراثه ثم مات الابن وترك مالا من يرثه؟ قال : ميراثه لأقرب الناس الى أبيه (٢).

والخروج عن تلك الأدلّة بهما مع ضعفهما وعدم صراحتها مشكل ، ولهذا قال المصنف : لم يصح ، وهو رأي الأكثر.

قال في الشرح : فيهما نظر من وجهين (الأول) إرسال الاولى وقطعها وجهالة راوي الثانية (الثاني) انهما ليسا صريحين في المنع ، فان الولد يصدق عليه انه أقرب الناس إليه وجواز فقد الأب الّا أن التأويلين بعيدان وعمل بمضمونهما الشيخ في النهاية ، والقاضي ، والكيدري ، وردّهما ابن إدريس ، والمحقق ، والامام المصنف لمخالفتهما نصّ الكتاب مع ضعفهما ، وقال الشيخ في الحائريات : فيهما نظر.

كأنه يريد بجهل راوي الثانية ، الجهل بحال يزيد بن خليل.

وأيضا أبو بصير في الأولى مشترك ، وفي كليهما ابن مسكان المشترك.

ثم ان الظاهر انه على تقدير القول بمضمونهما يحتمل التعدي الى غير الأب المتبري والابن فيجي‌ء في العكس وغير هما من الأقارب.

ويحتمل الاقتصار على موضع النص.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٦.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٥.

٥٢١

(الخامس) الاشتباه في التقدم والتأخّر إلّا في الغرق والهدم ، فلو مات جماعة يتوارثون واشتبه المتقدّم أو علم الاقتران فلا توارث بينهم ، بل يرث كلّا منهم ورثته.

______________________________________________________

وأيضا يحتمل ان يكون الحكم مخصوصا بما يكون عند السلطان ، فلا يكون لو وقع مثله بغير حضوره كذلك.

وانه يكون الحكم بعدم إرث المتبرّي فقط ، وإذا لم يعقد الآخر كذلك يكون هو يرثه وان لم يرثه المتبرئ.

ويحتمل وقوعه عند غيره كذلك وثبوته بالنسبة إلى الطرفين.

وينبغي الاقتصار على موضع النص على تقدير كونه معمولا ، ولا يتعدى عنه الّا مع دليل شرعيّ بالمساواة عقلا أو نقلا ، وهو ظاهر ، وهو مفقود ظاهرا.

قوله : «الخامس الاشتباه إلخ» الخامس من موانع الإرث : اشتباه تقدم موت المورّث وحياته على موت من يرثه ، لان معنى ارث شخص عن آخر انتقال ماله عنه بموته فقط ، اليه ولا يتمّ هذا الّا ببقاء الثاني بعد الأوّل بزمان مّا ، وهو ظاهر ، فإذا حصل الاشتباه انتفى العلم بالشرط فلا يمكن الحكم بالإرث الذي هو المشروط لامتناع العلم بالمشروط مع الجهل بالشرط.

ولان مع الاشتباه احتمال ثلاثة : الاقتران ، تقديم هذا على هذا ، وبالعكس ، والإرث انما يثبت في احتمال واحد فهو مرجوح.

وعلم منه أن العلم بالمعيّة أيضا مانع كالاشتباه ، واليه أشار بقوله : (أو علم الاقتران) ، فلو أشار إليه أوّلا أيضا لكان أولى بأن يقول : (الخامس عدم التقدم) ، فتأمل.

وبالجملة عدم العلم بالتقدم بدليل شرعيّ هو المانع من ارث بعض المشتبهين عن بعض مع ثبوته لو لا الاشتباه.

وحينئذ مقتضى كلامهم هو جعل ارث كلّ واحد لمن بقي له من الوارث

٥٢٢

فلو ادعى زوج الميتة موتها قبل ولده ، وادعى أخوها التأخير ولا بيّنة ، فميراثها بين الزوج والأخ وميراث الولد لأبيه.

اما في الهدم والغرق ، فإنهم يتوارثون ان كان لهم أو لأحدهم مال وكانوا يتوارثون ، واشتبه المتقدم ، فلو انتفى المال أو التوارث ـ وان

______________________________________________________

الغير المشتبه كما إذا علم الاقتران فجعلوا ذلك الوارث المشتبه معدوما ويقسمون ما تركه على غيره كسائر الموانع مثل الكفر والقتل وغير هما.

وجهه انه إذا لم يكن وارثا فهو معدوم بالنسبة إلى الميراث ، فالميراث لغيره ، سواء كان هو مقدما على الباقي أو كان في مرتبته.

ويحتمل هنا القرعة ، ويضعّفها عدم ذكرهم إياها ، وان القرعة انما تكون فيما إذ ثبت الحقّ واشتبه ، وهنا ليس كذلك لاحتمال المقارنة فلا إرث لأحد عن الآخر.

الّا ان هذا الاحتمال بعيد وقد لا يكون وعدم ذكر هم ليس بحجّة فتأمّل.

ثم اعلم ان المصنف فرّع على عدم توريث المشتبه ابطال دعوى زوج الميّتة قبليّة موتها على موت ولده منها ليكون جميع ما تركته له ، ودعوى أخيها تأخر موتها عن موت ولدها منه ، ليكون النصف له مع عدم البيّنة ، فإنه بعينه من صور الاشتباه فلا ارث لكلّ واحد من جهة دعواه ، بل تجعل المرأة ميّتة مشتبهة بالنسبة إلى موت الولد وعدمه ، فلا توارث بينهما فيجعل الولد كالمعدوم ، فتكون التركة بين زوجها وأخيها يأخذ هو نصيب الزوجيّة ، وهو النصف ، والباقي للأخ ، وهو ظاهر.

لعدم الولد ، ولان النصف للزوج بإقرار منازعة ، ولانه اما موتها قبل فيكون له النصف ، واما بعد فيكون له الكل.

وأيضا ينبغي ان يكون ذلك بعد التحالف الّا ان يتراضيا بعدم التحليف.

ثم اعلم أيضا أنهم رحمهم الله استثنوا عن ذلك : الغرقى والمهدوم عليهم ،

٥٢٣

كان من أحدهما ـ أو علم الاقتران أو تقدم أحدهما فلا توارث.

______________________________________________________

وقالوا بتوريث كل واحد من الغريقين أصحابه ، وكذا المهدومين بشروط تأتي ، لدعوى الإجماع والنصّ.

مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن القوم يغرقون في السفينة أو يقع عليهم البيت فيموتون ولا يعلم أيّهم مات قبل صاحبه؟ قال : يورث بعضهم من بعض ، كذلك كان في كتاب علي عليه السّلام (١).

ومثله عنه بطريق آخر الّا انه قال : كذلك وجدناه في كتاب علي عليه السّلام (٢).

وما في صحيحتين آخرتين له وستجيئان (٣).

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت؟ قال : يورث بعضهم من بعض (٤).

وفيه ، القاسم بن محمّد ، عن ابان بن عثمان (٥).

ومرسلة حمران بن أعين ، عمن ذكره ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قوم غرقوا جميعا أهل البيت قال : يورث هؤلاء من هؤلاء ، وهؤلاء من هؤلاء ، ولا يرث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئا ، ولا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئا (٦).

ما رأيت في الغرقى غيرها (٧).

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ بالسند الأول والثالث من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٨٩.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ١ بالسند الأول والثالث من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٨٩.

(٣) راجع الوسائل باب ٢ حديث ١ ـ ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٤) راجع الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٥) فان سنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٦) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٢.

(٧) ستأتي صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج ما فرض فيهما الغرق.

٥٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الثلاثة الأول (١) (عبد الرحمن بن الحجّاج) وفيه شي‌ء وان قيل : إنه رجع عن الكيسانيّة إلى الحق ، وهو ثقة ، لأنه نقل في مشيخة الفقيه انه إذا ذكر عند أبي الحسن عليه السّلام قال : انه لثقيل على الفؤاد (٢).

وغير معلوم كونه قبل الرجوع عن الكيسانيّة ، وانه نقل الرواية بعدها.

وان أمكن ان يقال : لو كان كذلك وعلم بطلانها لرفعها ومنع عن روايتها واشتهر ذلك ، وان الأصل عدم الرواية حتى رجع ، ولكن الأصل عدم الرجوع حتى نقل ، فلا بدّ للعمل من العلم المعتبر في العمل ، فتأمّل فيه.

واما الهدم ففيه روايات كثيرة ، مثل ما تقدم ، ومثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل سقط عليه وعلى امرأته بيت؟ قال : تورث المرأة من الرجل ويورث الرجل من المرأة. معناه يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم ، لا يرثون ممّا يورث بعضهم من بعض (بعضا ـ خ ل) شيئا (٣).

يحتمل ان يكون (٤) كلامه عليه السّلام ، وبعض الرواة ، وصاحب الكتاب مثل الشيخ (٥).

وفي الطريق علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، فيه تأمّل (٦).

__________________

(١) يعني صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الاولى وما تقدم من قوله : وما في صحيحتين آخرتين.

(٢) رجال الكشي ص ٢٧٦ طبع بمبئى هكذا : (في أبي علي عبد الرحمن بن الحجاج) حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمّد بن الحسين ، عن عثمان بن عدس ، عن حسين بن ناجية قال : سمعت أبا الحسن عليه السّلام وذكر عبد الرحمن بن الحجاج فقال : انه لثقيل على الفؤاد «انتهى».

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩١.

(٤) يعني يحتمل ان يكون قوله : (معناه يورث إلخ) من كلام الامام عليه السّلام أو من كلام الرواة الواقعة في سلسلة السند أو من كلام صاحب الكتاب مثل الشيخ في التهذيب.

(٥) المناسب ان يقول : مثل الكليني رحمه الله فان الشيخ رواه عن علي بن إبراهيم وطريق الشيخ الى علي بن إبراهيم ـ كما في مشيخة التهذيب ـ غالبا بواسطة محمّد بن يعقوب صاحب الكافي.

(٦) في هامش النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة هكذا : لبعد لقاء علي (يعني ابن إبراهيم) محمّدا

٥٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها ، عن عبيد بن زرارة (١) ، وفيه القاسم بن سليمان (٢).

ومثلها أيضا صحيحة أبان عن فضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، ـ في الفقيه ـ ، الّا انه قال : (ثم يورث الرجل) بدل (ويورث الرجل) (٣).

وصحيحة عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس ـ وهي حسنة في الفقيه ـ عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل وامرأة انهدم عليهما بيت فماتا ، فلا (ولا ـ خ) يدرى أيّهما مات قبل؟ فقال : يرث كل واحد منهما زوجه كما فرض الله لورثتهما (٤).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن بيت وقع على قوم مجتمعين فلا يدرى أيهم مات قبل؟ قال : يورث بعضهم من بعض ، قلت : فإن أبا حنيفة أدخل فيها شيئا ، قال : وما ادخل؟ قلت : لو ان (٥) رجلين أخوين أحدهما مولاي ، والآخر مولى لرجل ، لأحدهما مائة ألف درهم والآخر ليس له شي‌ء ، ركبا في السفينة فغرقا فلم يدر أيّهما مات أوّلا كان (فان ـ خ) المال لورثة الذي ليس له شي‌ء ولم يكن لورثة الذي له المال شي‌ء ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السّلام : لقد (شنعها ـ كا) (سمعها ـ خ) (سمعتها ـ خ يب) وهي

__________________

(يعني ابن عيسى) ولهم كلام في محمّد (يعني ابن عيسى) ويونس كأنه ابن عبد الرحمن ، وفي خصوص روايته عنه لهم كلام أيضا ، ولكن مثل هذا السند كثير جدا ، والاستبعاد في اللقاء ولا قصور فيهما فتأمّل (بخطه رحمه الله).

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٥.

(٢) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن النضر عن القاسم بن سليمان عن عبيد بن زرارة.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٨٩.

(٥) في النسخ والتهذيب : لو ان رجلين إلخ وفي الكافي والوسائل كما أثبتناه.

٥٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كذلك قلت : ولو انّ مملوكين أعتقت أنا إحداهما وأعتقت أنت الآخر ولأحدهما مائة ألف والآخر ليس له شي‌ء؟ فقال : مثله (١).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : رجل وامرأة سقط عليهما البيت ، فماتا؟ قال : يورث الرجل من المرأة ، والمرأة من الرجل ، قال : قلت : فإن أبا حنيفة قد ادخل عليهم في هذا شيئا ، قال : وأيّ شي‌ء أدخل عليهم؟ قلت : رجلين أعجميّين ليس لهما وارث الّا مواليهما ، أحدهما له مائة ألف درهم معروفة ، والآخر ليس له شي‌ء ، ركبا سفينة فغرقا وأخرجت المائة ألف كيف يصنع بها؟ قال : تدفع الى مولى الذي ليس له شي‌ء ولم يكن للآخر شي‌ء ، قال : فقال : ما أنكر ما ادخل فيها ، صدق ، هو هكذا ثم قال : يدفع المال الى مولى (موالي ـ خ ل) الذي ليس له شي‌ء ولم يكن للآخر مال يرثه موالي الآخر ، فلا شي‌ء لورثته (٢).

كتب على قوله : (قال) بخطّه : (إشارة إلى زيادته وتكراره) ، بل إلى انه غلط ، وينبغي كتابته على قوله : (ثم) فتأمّل.

والظاهر ان المراد بالرجلين كونهما وارثين مثل الأخوين.

ويؤيده ما في الكافي (أخوين اعجمين) (٣) ونفي (٤) وارث غير الآخر ، والّا ليس ممّا نحن فيه وهو ظاهر.

وفي الطريق أيضا علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس (٥) ،

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩١.

(٣) يعني (رجلين أخوين اعجمين).

(٤) عطف على قوله قدّس سرّه : (المراد إلخ) يعني الظاهر ان المراد نفي وارث إلخ.

(٥) لكن سنده في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج وحميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

٥٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وامره هيّن ، وهذه مؤيّدة لاستثناء الغرقى.

أمّا الشرائط فهي ثلاثة كما أشار إليه المصنّف (الأول) ثبوت المال لجميع المهلكين أو لواحد منهم ، فلو انتفى المال عن الكلّ فلا معنى للتوريث ، ويكفي من جانب واحد فيورث الآخر ولا يعكس فيأخذ وارث من لا مال له.

(والثاني) كونهم ممن يرث بعضهم بعضا وبالعكس اما مقدما على جميع من سواهم أو يكون شريكا ، فلو لم يكن استحقاق إرث أصلا ، سواء كان لعدم النسب والسبب أو وجود المانع مثل الكفر والرّق ، فلا يجزي فيه الحكم المذكور.

فوجه هذا الشرط أيضا ظاهر ، إذ لا معنى للبحث مع عدم الإرث.

ولو كان استحقاق الإرث من احد الجانبين فقط ، مثل ان غرق اخوان ، لواحد منهما ولد ، وليس للآخر أقرب من الأخ ، لا فائدة هنا أيضا في البحث عن التقدم والتأخر لتوريث كل منهما صاحبه.

ولكن قد يفيد البحث ويوجد التشاجر بين الباقين مثل ان فرض لمن ليس له أقرب من أخيه وارث أبعد من أخيه الغريق معه مثل ابن الأخ أو يكون الغريق الأخ من الأبوين للآخر وله أخ آخر من الأب فيدّعي موت أخيه بعد أخيه الصاحب الولد حتى يرثه ، فالحكم مثل ما سبق في غير الغرق والهدم من صور الاشتباه فتأمّل.

(وفيه) انه قد يقال : ان الغرق ليس فيه هذا الحكم ، بل التوريث وان لم يكن الّا من جانب واحد كما إذا كان لأحدهما مال ولم يكن للآخر شي‌ء أصلا ، ومجرد صلاحيّة الإرث غير معلوم النفع.

وكذا إذا كان أحد الأخوين الغريقين كافرا أو رقّا فيحتمل أيضا كالسابقة التوريث من جانب واحد ، فينتقل المال من الكافر الى المسلم ثم منه الى وارثه الأبعد من الأخ الكافر كما في صورة المال من جانب واحد بعينه ، فلا يكون

٥٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حكمه حكم غير الغرق والهدم.

الّا ان يقال : هذا الحكم مخالف للأصل والقاعدة ، وانما الاستثناء للدليل ، وقد وجد في صورة المال من جانب واحد لا غير فتأمّل.

(والثالث) اشتباه التقدم والتأخّر ، فلو علم الاقتران أو التقدم فلا بحث ، وما كان يحتاج الى هذه للزومه من الاستثناء كما لا يحتاج الى الرابع.

وهو الموت بسبب الغرق والهدم ونحوهما ان قيل بالإلحاق كما شرطه في القواعد لانه المفروض ، لعلّه ذكر للإلحاق.

ثم اعلم أيضا ان جماعة ـ كما فعل في المتن ـ اقتصروا على استثناء الغرق والهدم من صور الاشتباه ، للنص والإجماع اقتصارا على موردهما وعدم ثبوت العلّة ليقاس.

وبعضهم الحقوا بهما كلّ سبب ، مثل الحرق والتردي في البئر (بئر ـ خ) بل القتل بسبب مطلقا قياسا عليهما باستخراج العلّة ، وهو القتل بسبب دون الموت حتف الأنف مع الاشتباه لعدم معقولية الفرق بينهما وبين سائر الأسباب ، وهو مختار القواعد.

واختار في المختلف الأول كما في المتن مع الحكم بعدم خلوّ الثاني عن قوّة.

قال في المختلف : (لنا) ان الأصل عدم توريث أحدهما من صاحبه لعدم العلم ببقائه بعده ، خرج عنه الغرقى والمهدوم عليهم للنصوص الدالّة عليه ، فيبقى الباقي على أصل المنع ، احتج بأن العلّة الاشتباه ، وهو موجود في القتل والحرق ، والجواب المنع من التعليل بمطلق الاشتباه فجاز أن يكون العلّة الاشتباه المستند إلى أحدهما ، على ان قول ابن حمزة لا يخلو عن قوّة.

وأنت تعلم ان هذا الاحتجاج يدل على كون الأمر كذلك في مطلق الاشتباه ولو كان الموت حتف انفه ، والظاهر ان لا قائل به ، بل نقل الإجماع في شرح الشرائع على عدم القائل به.

وتؤيّده رواية القدّاح ، عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال : ماتت أمّ

٥٢٩

ومع الشرائط يرث بعضهم من بعض من تركته لا ممّا ورثه من الآخر ، ويقدّم الأضعف في التوريث تعبّدا لا وجوبا.

______________________________________________________

كلثوم بنت علي عليه السّلام وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيّهما هلك قبل ، فلم يورّث أحدهما من الآخر وصلي عليهما جميعا (١).

ولكنها ضعيفة مع مخالفتها لبعض الأصول.

وان (٢) عدم عموم الحكم بالإجماع مؤيد لعدم القياس في الأسباب أيضا ، لأنه لو كان القياس حقا لقيل : لا فرق بين القتل والموت وانما العلّة هي الاشتباه.

وان جوابه جار في أكثر العلل المنصوصة مع قوله بصحّة القياس فيها.

فينبغي الاحتجاج على الوجه الذي أشرنا من كون العلّة هي القتل بسبب مع الاشتباه.

والجواب ، بان لا يفهم (بأنا لا نفهم ـ خ ل) العلّة هنا لعدم ظهور ما هو علّة في نفس الأمر الّا ان يريد الامارة فقد يمنع كلّيتها ، والقياس حينئذ ، إذ أهل القياس يشترطون كونها علّة باعثة لا مجرد امارة.

وعلى تقدير كونها ظاهرة عندنا فليس الّا الغرق والهدم مع الاشتباه ، إذ لا نصّ بشي‌ء والذي فهم هو ذلك ، وهو ظاهر. وبالجملة ، المعقول هو الاقتصار على موضع النصّ والإجماع.

قوله : «ومع الشرائط يرث إلخ» أي إذا حصل الشرائط يرث كل واحد منهما جميع ما ترك صاحبه لا ما استورثه منه بعد موته لفرض حياته ، للأصل ولعدم الدليل وليس النصّ والإجماع صريحان ، بل ولا ظاهر ان في ذلك.

ولانه يلزم إمّا عدم انقطاع القسمة ، أو الترجيح بلا مرجّح.

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٤.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : ان هذا الاحتجاج إلخ وكذا قوله قدّس سرّه : وان جوابه إلخ.

٥٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولما تقدم في الأخبار ، مثل ما في صحيحتي عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدمتين (١) من كون المال لورثة من ليس له مال وعدم شي‌ء لورثة الآخر.

وما في آخر صحيحة محمّد بن مسلم (٢) على تقدير كونه من الرواية.

وما في مرسلة حمران : ولا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئا (٣).

ولان ذلك مستلزم لفرض واحد حيّا وميّتا في وقت واحد ، فإنه إذا فرض واحد منهما ميّتا واستورث منه صاحبه ثم قطع النظر عن حياته ، وفرض ميتا واستورث منه الأوّل ، فإذا لم يورث الّا من أصل المال فلا محذور فيه ، إذ فرض أوّلا حيّا ثم قطع النظر عن ذلك ، وفرض ميّتا بأمر الشارع ولا محذور فيه أصلا.

واما إذا استورث ممّا ورثه أيضا فلا بدّ من فرضه ميّتا للإرث عنه ، واعتبار حياته أيضا ليكون له ما ورثه منه حتى يستورثه غيره ، وكون الوارث أيضا حينئذ ميّتا ليكون ماله لغيره ، هكذا قرره في المختلف والإيضاح وشرح الشرائع.

ولك ان تقول : لو لا النصّ والأصل وعدم الدليل لأمكن ان يقال : لا بعد بعد ورود النصّ لو كان ، بان يفرض ميّتا ثم حيّا ، ولا يلزم كونه حيّا وميّتا ، وانما هو مجرد الاعتبار ، إذ محصّله إعطاء وارث أحدهما إرثه من الآخر وعدم توريث وارث الآخر حصته من مال الآخر ، فلا يلزم عدم الانقطاع ، ولا الترجيح من غير مرجّح ، إذ تعيين الأول للنصّ ، فيحصل الزيادة للثاني.

ولهذا نقل القول به عن الشيخ المفيد ومن تابعه ، ولو كان الأمر كذلك كيف يذهب إليه الشيخ المفيد الجليل.

ودليله على ذلك ما تقدم في الروايات من قوله : (ثم يورث الرجل).

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٢ من أبواب ميراث الغرقى ج ١٧ ص ٥٩٠.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٣ من أبواب ميراث الغرقى ج ١٧ ص ٥٩١ ومراده من قوله : (وما في آخر صحيحة إلخ) قوله : (معناه يورث إلخ) فلاحظ وقد تقدم الاحتمالان الآخران فراجع.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٢.

٥٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وتحريره انه لا شكّ في انه يقتضي وجوب تقديم المرأة الضعيفة ، وليس له فائدة إلّا مع القول بتوريث المتأخّر ممّا ورثه الأوّل ، وهذا هو القول بتقديم الأضعف نصا ، وهو قوله رحمه الله أيضا.

ولكن فيه تأمّل ، لما مرّ من دليل عدم الإرث ممّا ورث وعدم (ثمّ) إلّا في رواية واحدة في الفقيه (١).

مع احتمال كون (ثمّ) لمجرد الإشارة إلى التفاوت بينهما في المرتبة ، وأمثالها كثيرة في القرآن (٢) وغيره.

وكونه للاستحباب وكأنه أشار إليه بقوله : (تعبدا لا وجوبا) وكان المناسب (لا لفائدة التوريث ممّا ورث) أو (استحبابا) بدل (تعبدا).

وكون الفائدة شيئا آخر ، فان خفاء الفائدة عنا وظهور كون شي‌ء فائدة ظاهرا لا يستلزم القول بذلك ، فإن أكثر الحكم والمصالح الشرعيّة مخفيّة عنا ، خصوصا مع هذه الأدلة ، ولهذا ترك (ثم) في أكثر الاخبار كما رأيت.

على انه قد يطالب بحكمه تقديم الأضعف ، فالجواب الجواب.

وانه لا يتم الّا فيما يوجد ضعيف ، فمع تساويهما في الإرث لا دليل له أصلا.

وكذا إذا لم يكن لأحدهما مال أصلا أو يكون شخص واحد يرثهما مثل الإمام فتأمّل.

ثم ـ بعد تسليم ذلك كلّه ـ لا يدل على وجوب تقديم الأضعف على غيره مطلقا وفي جميع المراتب والورّاث بل في الزوجة والزوج فقط ، فقد لا يكون السبب الضعف بل مجرد الزوجيّة.

وبالجملة ، القول بوجوب تقديم الضعيف واستلزامه لتوريث ما ورث بعيد

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩١.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ٣ من أبواب ميراث الغرقى ج ١٧ ص ٥٩٥ وفي الكافي : عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله رفعه ان أمير المؤمنين عليه السّلام إلخ.

٥٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وليس له دليل صالح فافهم.

واعلم ان هذا مع عدم قرينة دالّة على التقدم وهو ظاهر.

وتدل عليه رواية قابوس ، عن أبيه ، عن علي ان عليّا عليه السّلام قضى في رجل وامرأة ماتا جميعا في الطاعون ماتا على فراش واحد ، ويد الرجل ورجله على المرأة فجعل الميراث للرجل وقال : انه مات بعدها (١).

ولكن سندها ضعيف ، والقرينة أيضا ضعيفة.

وانه إذا اشتبه الكافر والمسلم ، والحرّ والمملوك ، الوارث وغيره يستخرج بالقرعة ، لأنه أمر مشكل ، وهي له.

وتدل عليه الروايات ، مثل صحيحة حريز ، عن أحدهما عليهما السّلام انه قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام باليمن في قوم انهدمت عليهم دارهم (دار لهم ـ ئل) فبقي منهم صبيّان أحدهما مملوك والآخر حرّ ، فأسهم بينهما فخرج السهم على أحدهما فجعل المال له وأعتق الآخر (٢).

ورواية محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : قلت : أمة وحرّة وقع عليهما بيت وقد ولدتا وماتا كيف يورثان؟ قال : فقال : يسهم عليهما ثلاثا ولاء يعني ثلاث مرّات فأيهما اصابه السهم ورث من الآخر (٣).

والظاهر ان ثلاث مرّات على طريق الاستحباب ، لما تقرر ان القرعة مرّة واحدة كما يدل عليه بعض الاخبار فيما نحن فيه أيضا مثل الاولى (٤).

ورواية الحسين بن المختار ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام لأبي حنيفة : يا با حنيفة ما تقول في بيت سقط على قوم وبقي منهم صبيّان أحدهما حرّ والآخر

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٣ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٥.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٢.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٣ بالسند الثاني من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٣.

(٤) يعني صحيحة حريز والظاهر ارادته قدّس سرّه الإطلاق والّا فليس فيها تصريح في المرّة.

٥٣٣

فلو غرق زوج وزوجة ، فرض موت الزوج أوّلا ، فللزوجة نصيبها ، والباقي لورثته. ثم يفرض موت الزوجة فللزوج نصيبه ، والباقي وما ورثته ، لورثتها ، وكذا غير هما ، ولو كان كلّ منهما اولى من ورثة الآخر ورث كل منهما جميع تركة الآخر ، وانتقل الى ورثته ، فيأخذ ورثة (اخوة ـ خ ل) الابن من امه جميع تركة (ما تركه ـ خ ل) الأب ، ويأخذ إخوة الأب جميع تركة الابن ، ولو تساويا فلا تقديم كأخوين

______________________________________________________

مملوك لصاحبه فلم يعرف الحرّ من المملوك؟ فقال أبو حنيفة : يعتق نصف هذا ويعتق نصف هذا ويقسّم المال بينهما. فقال أبو عبد الله عليه السّلام : ليس هكذا (كذلك ـ ئل) ولكنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو حرّ ويعتق هذا ويجعل مولى له (١).

ولعلّ واقفيّة الحسين لا يضر مع قول بتوثيقه ، وضعف قول أبي حنيفة ظاهر ، لكن الحكم بعتق المملوك في قوله عليه السّلام غير ظاهر ، والقواعد تقتضي الحكم برقيته للحرّ ، إذ الفرض ان المملوك منهما مملوك الآخر كما صرّح به في الأخيرة ، لعل المراد في غيرها أيضا ذلك.

ويمكن حملها على العلم بالوصيّة بعتقه مع خروجه عن ثلث ماله أو علم وجوب عتقه على مالكه.

ويرتكب ذلك الحاكم أو نائبه ، ومع التعذر (لعله ـ خ) يجوز لآحاد المؤمنين العارفين ، بل يجب فتأمّل.

وأيضا لو لم يكن للغرقى والمهدومين وارث سوى الامام ينتقل الكلّ إليه.

وان كان لأحدهما وارث دون الآخر ينتقل ماله فقط إليه ، وهو ظاهر.

قوله : «فلو غرق زوج وزوجة إلخ» أراد ان يمثل لتقديم الأضعف في

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ج ١٧ ص ٥٩٢.

٥٣٤

(كالأخوين ـ خ ل) وينتقل مال كل واحد منهما إلى ورثة الآخر.

ولو لم يكن لأحدهما وارث انتقل ما صار إليه عن أخيه الى الامام.

ولو كان لأحدهما مال انتقل الى الآخر ثم الى ورثته ، ولا شي‌ء لورثة ذي المال ان كان الآخر اولى منهم.

______________________________________________________

الميراث ، ففرض أوّلا موت الزوج وورّث الزوجة ، فإنها أقل نصيبا منه ، فان نصيب الزوجة نصف نصيب الزوج ، فيعطي الزوجة الربع مع عدم الولد ، والثمن معه ، والباقي لباقي ورثته.

ثم فرض موت الزوجة وورث زوجها الربع من تركتها أو النصف فقط ، لا ممّا استورثته من زوجها أيضا ، لما تقدم والباقي مع ما استورثته لباقي ورثتها ، وكذا ما استورثها منها لباقي ورثته كتركته.

وكذا إذا فرض غيرهما.

ومع وجود ضعيف يقدم الضعيف في الإرث ، فيفرض غيره ميّتا كما فعل هنا.

ولو كان كل واحد منهما أولى بارث الآخر من باقي الورثة ولم يكن لغير هما إرث أصلا ورث كل واحد منهما جميع ما تركه الآخر ثم ينتقل منه الى ورثته فيرث وارث كل واحد ارث الآخر.

مثال ذلك : غرق الأب والابن ، وللأب أخ وهو عم لذلك الابن ، وكذلك للابن أخ من جهة الأم ، فكلّ واحد من الأب والابن اولى بميراث الآخر ، فأخذ الأب كل مال الابن ، وأخذ الابن كلّ مال أبيه وانتقل منه الى أخيه من امّه ، ومن الأب إلى أخيه عم الابن.

وانما فرضنا الاخوة من الامّ فقط لانه لو كان أخا من أبيه أيضا كان شريكا مع الابن في إرث أبيه والفرض عدم وارث آخر لهما غير الغريقين.

٥٣٥

ولو غرق الأبوان والولد ، فرض موته أوّلا ، فيرث الأبوان نصيبهما منه. ثم يفرض موت الأب فيرث الولد والام نصيبهما من تركته ، وترث الام ممّا ورثه من الولد ، ولا يرث الولد منه ، ثم يفرض موت الامّ ، فيرث الأب والولد من تركتها ، ويرث كل منهما ممّا ورثته من الآخر.

______________________________________________________

ومثال التساوي : الأخوان من الأب فقط أو الأمّ كذلك ، ولكلّ واحد أعمام ، أو أخوال فإذا غرقا ووجد شرائط التوارث انتقل مال كل واحد منهما الى آخر ثم انتقل منه الى وارثه فورث وارث كلّ واحد ارث الآخر من غير تقديم وتأخير.

وإليه أشار بقوله : (فلا تقديم) إذ التقديم وجوبا أو استحبابا انما يكون للأضعف وهو مفقود مع التساوي.

وهذا ممّا يضعف الاستدلال بالتوريث ممّا ورثه أيضا كما أشرنا إليه فافهم.

ولو لم يكن لأحدهما وارث غير صاحبه انتقل ما انتقل إليه الى الامام عليه السّلام.

وكذا إذا لم يكن لأحد وارث غير صاحبه انتقل مال كل واحد الى الآخر ثم لكلّ إليه وهنا أيضا لا معنى للتقديم وان فرض عدم التساوي وقد مرّ.

وكذا مرّ دليل ما إذا كان لأحدهما مال فقط وانتقل ذلك الى صاحبه ثم منه الى وارثه فيحصل لوارث من لا مال له أصلا جميع ما تركه الآخر ولم يحصل لورثته شي‌ء أصلا إذا كان غير ذي المال اولى بميراث ذي المال من غيره ، مثل ان غرق اخوان ، وللثاني أعمام أو أخوال فيورث غير ذي المال من صاحبه ذي المال ثم يرث منه ورثته أولادا وغيره ولم يحصل لأعمام ذي المال وأخواله شي‌ء.

وهذا أيضا ممّا لا يتصوّر فيه التقديم ، فلا يتمّ الاستدلال به على التوريث ممّا ورث وقد مرّ فتذكّر.

قوله : «ولو غرق الأبوان والولد إلخ» إشارة إلى بيان حكم ما فوق

٥٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاثنين إذا غرقوا ، فلو غرق أبوان وولدهما فالولد أقوى نصيبا منهما ، فهما ضعيفان ، فيفرض موته وورثا منه ما تركه.

ثم يفرض موت الأب ويورث الأمّ ، فإنها أضعف بالنسبة إليه فترث هي عن الأب جميع ماله (أصل ماله ـ خ) والذي استورثه من ولده الغريق معهما وهو يرث من أبيه من جميع أصل ماله لا ممّا استورثه منه.

ثم يفرض موتها فيورث منها الولد من جميع ما عندها أصل مالها ، والذي استورثته من الأب ، ولا يرث ممّا استورثته من الولد.

ويرث الأب عن جميع ما تركته ـ سوى ما ورثته منه ـ أصل مالها والذي استورثته من الولد.

وجه ذلك يظهر ممّا تقدم ، فان منع الاستيراث ممّا ورث انما كان لما تقدم من الأدلّة ، وهي انّما تجري فيما ورث منه يعني لا يرث أحد من أحد من ماله الذي استورثه منه أي لا ينتقل المال الذي انتقل عنه بفرض موته بالإرث إلى وارثه الحيّ فرضا إليه بأن يفرض حيّا وذلك ميّتا ، واما عن غيره فلا ، فتأمّل.

ثم اعلم ان ليس حكم الأكثر مثل حكم الاثنين في عدم حصول التفاوت لتقديم الأضعف وتأخيره الّا على مذهب الشيخ المفيد من توريثه ممّا ورث منه ، بل يحصل التفاوت على المذهبين معا ، فان واحدا منهم وان لم يورث ممّا ورث غيره منه ، ولكن يستورث ممّا ورثه من غيره.

مثلا في الصورة المذكورة ما يبقى عند المرأة لورثتها الّا ما استورثته من الولد بعد ان أخذ الأب منه حصته وهو الربع ، فيبقى عندها ثلث مال الولد الذي استورثته منه الأربعة. وإذا عكس بان يفرض موت الأضعف فالأضعف مثل المرأة أوّلا ثم الأب ثم الولد يبقى عندها ثمن مال الأب مع ثلث مال الولد أصله واستورثه من الأب.

٥٣٧

خاتمة

المفقود ينتظر مدّة لا يمكن ان يعيش مثله إليها غالبا ، ثم تقسم تركته بين الموجودين (للموجودين ـ خ) وقت الحكم.

ولو مات له قريب حاضر توقفنا في نصيبه وقدّر حياته في حق الحاضرين.

______________________________________________________

وبالجملة ، الذي يفرض موته أوّلا ما يؤخذ منه الّا ما تركه فيبقى عنده جميع ما يستورثه ، والذي يفرض موته بعده يستورث منه ما تركه وما استورث ممّا قبله وهكذا فيحصل تفاوت كثير الّا ان يفرض مدته مرّة أخرى بعدد من فرض موته بعده واستورث منه.

وكلامهم خال عن ذلك ، بل ظاهره خلاف ذلك حيث قالوا :

لو كان الغرقى أكثر فالحكم كذلك ، ولو تكثرت الغرقى لم يتغيّر الحكم ، وذكروا الأمثلة وبيّنوا التوريث مرّة واحدة مثل ما ذكر في المتن.

على انه يلزم المحال الذي ذكروه في ردّ مذهب الشيخ المفيد ومن تابعه فتأمّل (١) فيه.

فعلم ان في فرض تقديم موت غريق وتأخيره تفاوتا ، ولا دليل لتعيين المقدم والمؤخر ، فحينئذ يعيّن ذلك بالقرعة الى ان يخلص.

قوله : «المفقود ينتظر مدّة إلخ» المشهور في ميراث المفقود ما ذكره في المتن.

ودليله من العقل انه لا يجوز التصرف في مال الغير الّا على وجه شرعيّ ولا وجه هنا فيصبر حتى أويس من حياته ، فيحكم الشرع بموته فيكون ماله حين الحكم بموته لورثته الموجودين حينئذ لا قبل ، وحين موت مورثه وانتقال المال إليه ، وهو ظاهر.

__________________

(١) فاني ما وجدت لهم في هذا المقام شيئا (بخطّه رحمه الله) كذا في هامش المطبوعة والمخطوطة.

٥٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن النقل عموم ما يدل على المنع عن التصرف في مال الغير (١).

وصحيحة هشام بن سالم ، قال : سأل خطّاب الأعور أبا إبراهيم عليه السّلام وأنا جالس ، فقال : انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة ففقدناه وبقي له من الأجرة شي‌ء ولا نعرف له وارثا (لا يعرف له وارث ـ خ ئل)؟ قال : فاطلبوه ، قال : قد طلبناه فلم نجده ، قال : فقال : مساكين ـ وحرّك يديه ـ قال : فأعاد عليه ، قال : اطلب واجهد ، فإن قدرت عليه والّا هو كسبيل مالك حتى يجي‌ء له طالب وان حدث بك حدث وأوص به ان جاء له طالب ان يدفع إليه (٢).

وقريب منها ما روي في الفقيه ـ في الحسن ـ عن هشام بن سالم ، قال : سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه السّلام وأنا حاضر ، فقال : كان لأبي أجير وكان له عنده شي‌ء فهلك الأجير فلم يدع وارثا ولا قرابة ، وقد ضقت بذلك كيف اصنع؟ فقال : رأيك المساكين ، رأيك المساكين ، فقلت (جعلت فداك ـ خ) : اني ضقت بذلك ذرعا (٣)؟ قال : هو كسبيل مالك ، فان جاء طالبه (طالب ـ ئل) أعطيته (٤).

وبينهما فرق في المتن والسند.

ولعلّ المراد بعدم الوارث عندهم فتأمّل.

ورواية معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل كان له على رجل حقّ ففقده ولا يدري اين يطلبه ، ولا يدري أهو حيّ أم ميّت ولا يعرف له

__________________

(١) مثل قوله عليه السّلام : لا يحل مال امرء مسلم الّا بطيب (أو عن طيب) نفسه فراجع عوالي اللئالي ج ١ ص ١١٣ وص ٢٢٢ وج ٢ ص ٢٤٠ وص ٢٧٣ طبع مطبعة سيد الشهداء.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٢.

(٣) أي ضعفت طاقتنا عن معرفتها ولم نقدر عليها والذرع الوسع والطاقة ومعنى ضيق الذرع والذراع قصرها كما ان معنى سعتها وبسطها طولها (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ١٠ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٥.

٥٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وارثا ولا نسبا (١) ولا ولدا؟ قال : اطلبه ، قال : فان ذلك قد طال فأتصدّق به؟ قال : اطلبه (٢).

ورواية الهيثم بن أبي روح (٣) صاحب الخان ، قال : كتبت إلى عبد صالح عليه السّلام : اني أتقبل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة ولا أعرفه ولا اعرف بلاده ولا ورثته فيبقى المال عندي كيف اصنع به؟ ولمن ذلك المال؟ قال : فكتب : اتركه على حاله (٤).

وهذه الاخبار وان لم تكن في الميراث الّا ان الظاهر عدم الفرق بينه وبين سائر الحقوق.

ثم اعلم ان الأقوال في حكم ميراث المفقود مختلفة ، لاختلاف الاخبار.

وان ظاهر هذه الأخبار يدلّ على عدم جواز التصرف بمال الغير لو كان مجهول المالك وإبقائه على ماله حتى يصل الى أهله ، ووجوب الإيصاء على من عنده مال الغير وضمان ذلك.

فلا يبعد في اللقطة أيضا مثل ذلك على تقدير ضمانها لصاحبها كما هو رأي البعض وإليه أشار الشيخ في الوجه الذي سيجي‌ء ، والمشهور خلافه.

وتدل عليه أخبار كثيرة مع صحّة بعضها وقد مرّ البحث عنه (٥) مرارا ، فيمكن حمل ما هنا وأمثالها على عدم اليأس.

ويؤيّده الأمر بالطلب ، فإنه مع اليأس بعيد ، بل لا معنى له.

__________________

(١) في هامش النسخة المطبوعة عند قوله عليه السّلام ولا نسبا هكذا : كذا في الكافي ، وفي التهذيب والاستبصار : (ولا نسيب له ولا بلد ـ بخطه رحمه الله).

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٣.

(٣) في هامش المطبوعة هكذا : كذا في الكافي والتهذيب ، وفي الاستبصار ابن روح بخطه رحمه الله.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٤ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ج ١٧ ص ٥٨٣.

(٥) راجع المجلد ١٠ من هذا الكتاب ص ٤٦٥ ـ ٤٦٨.

٥٤٠